من هناك
12-26-2005, 09:31 PM
الحمد لله رب العالمين: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي)[1].
وأصلي وأسلم على سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين[2].
ورضي الله عن جميع أصحابه الكرام الميامين، الذين نصروا دينه، وحملوا الرسالة، وأدّوا الأمانة، وفتحوا البلاد، ومنها بلدنا لبنان في السابع عشرة من الهجرة، ثم أكثر المعمور من الدنيا يومهم!
ورحم الله من جاءوا بعدهم، وحملوا عنهم عقيدة التوحيد، وأحكام الفقه، وكريم الأخلاق، ونشروا العلم إلى يومنا هذا. أما بعد؛ فقد اختار إخواني الأفاضل أعضاء (تجمع العلماء المسلمين في لبنان) عنواناً لمؤتمرهم:
الوحدة الإسلامية في مواجهة فــتــنة التكفير
وتم تقسيم البحث إلى موضوعات، جرى اختيارها بعناية فائقة، وكلفوا من اختاروهم من أهل العلم، والفكر، وحدَّدوا لكل واحد بحثاً خاصاً ليتكلم به.
وكان أن كُلّفتُ مع (سماحة أخي الشيخ محمد يزبك حفظه الله) بأمر واحد.
الحكم الشرعي بنظر أحد الطرفين بالآخر؟.
ومع صعوبته، فقد قبلت ما تفضَّلوا به عليَّ.
وقد كَبُر هذا الموضوع في نفسي أولاً، لارتباطه بـ "فتنة التكفير" التي اتسع القول فيها هذه الأيام.
وما أن باشرت في كتابة هذه الورقات - في الوقت المحدد لي بعشرين دقيقة -، حتى شرح الله صدري، ورأيت أن البحث أسهل مما كنت أظن.
وذلك لأنني رجعت إلى كتاب الله عزَّ وجل، والصحيح من سنة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديثه وسيرته العطرة، والنظر في ما كان عليه عهد الصحابة الكرام (رضي الله عنهم)، وإلى الثابت المنقول من أقوال العلماء.
فوجدت: أن الإيمان بالله جلَّ شأنه: واحدٌ عند كلا الطرفين، بل وعند باقي الأطراف الملحقة بكل واحد منهما.
وأما كتاب الله "القرآن الكريم" فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الذي قال الله عنه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[3].
وهو الكتاب المتعبد به، والموجود بين أيدي كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها.
واتباع كلا الطرفين لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واجب، يقول به الجميع. فأول من آمن به سيدتنا خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)، وبعدها سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، وسيدنا المولى - يومها - زيد بن ثابت (رضي الله عنه)، والشاب سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
وهكذا تتابع المؤمنون بعدهم، ووجدت أن أولية من سبق وآمن، أو من تأخر، هو موضوع لا يغير في عقيدة الإيمان شيئاً يذكر.
ثم كانت المبشرات في دخول الجنَّة، أو الولاية في الدنيا، وإن تعددت الأقوال فيها، فإنها كذلك لا تقدم، ولا تؤخر على التحقيق، إذا: تركنا العصبية المذهبية، والغلو في الأشخاص، والبدع في العبادات، التي ما أنزل الله بها سلطاناً؟
وأن الفقه في العبادة، الذي انفرد به كل طرف، ليس هو محل خلاف متعمَّد، وإنك تجد أن بعض ما عند الشيعة من أحكام فقهية، تجد مثله أيضاً عند بعض مذاهب أهل السنّة، فإذن الاختلاف كان بالاجتهاد، ولا انفراد ولا تفرق، بل اتفاق في الأصول في كل ذلك.
وأما الخلافة وما تلاها من تبعات بعد ذلك، فقد حلها أهل وقتها، بما كان مقبولاً منهم جميعاً، ولا ندخل - نحن - الآن فيما كان مقبولاً عندهم.
وعلى كل حال، فمن تولى الإمامة، أو الخلافة، أو الملك: فقد انتقل إلى رحمة الله، ومن مُنع عما يرى أن له حقاً به، فكذلك انتقل إلى رحمة الله، ودار الزمن على ما أراده الله لنا في دنيانا وقدره، وهم عند الله على سرر متقابلين.
ورجعت إلى أقوال العلماء من أهل السنَّة والجماعة تحديداً، والذين هم أهل الاختصاص في العقيدة، فوجدت -والحمد لله- أنهم جميعاً:
أقروا لكل أهل القبلة بالإسلام، والإيمان، وكذلك الأئمة الكبار من التابعين من أهل الفقه، أمثال: سعيد بن المسيِّب، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، وطاووس، ومجاهد، والحسن البصري، وابن سيرين، وباقي فقهاء المدينة[4]، وغيرهم.
ومن جاء بعدهم أمثال الأئمة المتبعين من ملايين المسلمين: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وداود الظاهري، والطبري، وابن حزم، والغزالي، والنووي، والعز ابن عبد السلام، والعشرات غيرهم.
وأهل العقيدة، مثل الأئمة: أحمد بن محمد بن حنبل، والماتريدي، وأبي الحسن الأشعري، وصاحب "بيان أهل السنة والجماعة" الطحاوي، ومن جاء بعدهم، مثل شارح عقيدة الطحاوي الإمام ابن أبي العز الحنفي، وقبله شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية.
والسادة: أحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، وأبي الحسن الشاذلي، وأغلب أهل الطرق الصوفية، وشيخ الدعوة السلفية محمد بن عبد الوهاب.
وأهل الحديث والأثر الذين تتبّعوا أقوال وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالثقة والأمانة، وأدَّوها على وجه معلوم معروف، حتى وصل إلينا موثوقاً ثابتاً، ولم يفرقوا بين الرواة الصادقين.
ومن جاء بعدهم من الدعاة علماء الأمة من أهل السنة والجماعة في زمننا المتأخر أمثال: الشهيد حسن البنا، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وهما مفتيا المملكة العربية السعودية، قد نشرا أكثر من مرة عدم تكفير أحد من المسلمين[5].
وأخيراً المفتي الأكبر الشهيد الشيخ حسن خالد، ومفتينا الدكتور الشيخ محمد رشيد راغب القباني، وغيرهما من أهل العلم والمعرفة في لبنان، ولا تجد في أقوالهم التكفير، ولا مقتضاه.
ولو اكتفيت بهذا في حديثي معكم، أكون قد أجبت عن المطلوب مني، وفيه الكفاية والحمد لله.
ولكن أزيدكم ما أثبِّت به قلبي وفكري، وأرجو أن يكون ذلك أيضاً معيناً لمن يتردد، أن أنقل لكم بعضاً من أقوال العلماء، بما يخص إسلام كل أهل القبلة بالجملة، وعن الشيعة بالتحديد، إكمالاً للبحث!
وأنقل أولاً ما سبق ونشر، وعُمّمَ على الدنيا كلها، من كلام الإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (239-321هـ) في: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة"[6]، أنقل لكم منها خمس فقرات، وفيها إيمان كل المسلمين، حيث قال:
ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر به مصدقين.
ولا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله.
والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأَولى.
والإيمان: هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، من الله تعالى.
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً، ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.
وكذلك أنقل لكم عن شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الحرَّاني الدمشقي، لأزيل من بعض النفوس ما هو عالق بها من مخالفة له، على ما كان عنده من اجتهادات أخرى، أو نسبت إليه، أو إلى من خاصموه.
أقول هذا: لأننا نرى حاجة الناس العاجلة للتقارب، مع أننا نجد أن هناك خلافات واقعية بين المذهبين، وأن الاجتهاد لا يرد بمثله، والاختلاف في الأدلة والأصول، لا يلزم أحداً باتباع غيره. ولكن كل هذا لم يؤدي إلى التكفير بين: السنَّة والشيعة.
وأرى أن علينا أن ندعو إلى لقاءات محدودة الحضور من أهل الاختصاص، لمراجعة الأبحاث المتعددة بيننا، حتى نصل إلى حوار مقنع مفيد، يوصل إلى التقارب - إن شاء الله -.
وعندها يكون التقارب بين المذاهب، ولا أقول التوحيد؟ هو الواقع، كما بيّنته في كتابي "الوحدة الإسلامية"، والمحاضرة التي ألقيتها في "مركز البيان الثقافي" بحضور سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، وفي المؤتمر العالمي الثامن للوحدة الإسلامية، الذي عقد في طهران (18 ربيع الثاني 1419هـ) الموافق (11/8/1995م) حول موضوع: "السنة، وموازين ومعايير الكتب الستة للحديث عند أهل السنة، وكتب الأصول الأربعة عند الشيعة، ومجال التقريب"[7].
وقد قال الإمام أحمد ابن تيمية:
"وقد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة، وما دلّ عليه الكتاب والسنة، أنهم لا يكفّرون أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا يخرجون من الإسلام بعمل، إذا كان منهياً عنه، مثل الزنى، والسرقة، وشرب الخمر، وما لم يتضمن ترك الإيمان"[8].
وقوله وهو يتحدث عن الشيعة والمعتزلة:
"أن لهم جهوداً في دعوة الكفار إلى الإسلام، فدخل على أيديهم خلق كثير من الكفار"[9].
وكان ابن تيمية - رحمه الله - يتحرَّج كثيراً من تكفير الأشخاص، يقول الإمام الحافظ (مؤرخ الإسلام) محمد شمس الدين الذهبي، نقلاً عن زاهر السرخسي أنه قال:
"لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: أشهد عليَّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
قلت - أي الذهبي -: وبنحو هذا أُدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"[10]. فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم".[11]
وكذلك يجب التحرز في التكفير، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا مع أني دائماً، ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى: تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى"[12].
وعنده العذر للمخالف، فيقول: "قلت لهم وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد، يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته"[13].
وأصلي وأسلم على سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين[2].
ورضي الله عن جميع أصحابه الكرام الميامين، الذين نصروا دينه، وحملوا الرسالة، وأدّوا الأمانة، وفتحوا البلاد، ومنها بلدنا لبنان في السابع عشرة من الهجرة، ثم أكثر المعمور من الدنيا يومهم!
ورحم الله من جاءوا بعدهم، وحملوا عنهم عقيدة التوحيد، وأحكام الفقه، وكريم الأخلاق، ونشروا العلم إلى يومنا هذا. أما بعد؛ فقد اختار إخواني الأفاضل أعضاء (تجمع العلماء المسلمين في لبنان) عنواناً لمؤتمرهم:
الوحدة الإسلامية في مواجهة فــتــنة التكفير
وتم تقسيم البحث إلى موضوعات، جرى اختيارها بعناية فائقة، وكلفوا من اختاروهم من أهل العلم، والفكر، وحدَّدوا لكل واحد بحثاً خاصاً ليتكلم به.
وكان أن كُلّفتُ مع (سماحة أخي الشيخ محمد يزبك حفظه الله) بأمر واحد.
الحكم الشرعي بنظر أحد الطرفين بالآخر؟.
ومع صعوبته، فقد قبلت ما تفضَّلوا به عليَّ.
وقد كَبُر هذا الموضوع في نفسي أولاً، لارتباطه بـ "فتنة التكفير" التي اتسع القول فيها هذه الأيام.
وما أن باشرت في كتابة هذه الورقات - في الوقت المحدد لي بعشرين دقيقة -، حتى شرح الله صدري، ورأيت أن البحث أسهل مما كنت أظن.
وذلك لأنني رجعت إلى كتاب الله عزَّ وجل، والصحيح من سنة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديثه وسيرته العطرة، والنظر في ما كان عليه عهد الصحابة الكرام (رضي الله عنهم)، وإلى الثابت المنقول من أقوال العلماء.
فوجدت: أن الإيمان بالله جلَّ شأنه: واحدٌ عند كلا الطرفين، بل وعند باقي الأطراف الملحقة بكل واحد منهما.
وأما كتاب الله "القرآن الكريم" فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الذي قال الله عنه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[3].
وهو الكتاب المتعبد به، والموجود بين أيدي كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها.
واتباع كلا الطرفين لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واجب، يقول به الجميع. فأول من آمن به سيدتنا خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)، وبعدها سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، وسيدنا المولى - يومها - زيد بن ثابت (رضي الله عنه)، والشاب سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
وهكذا تتابع المؤمنون بعدهم، ووجدت أن أولية من سبق وآمن، أو من تأخر، هو موضوع لا يغير في عقيدة الإيمان شيئاً يذكر.
ثم كانت المبشرات في دخول الجنَّة، أو الولاية في الدنيا، وإن تعددت الأقوال فيها، فإنها كذلك لا تقدم، ولا تؤخر على التحقيق، إذا: تركنا العصبية المذهبية، والغلو في الأشخاص، والبدع في العبادات، التي ما أنزل الله بها سلطاناً؟
وأن الفقه في العبادة، الذي انفرد به كل طرف، ليس هو محل خلاف متعمَّد، وإنك تجد أن بعض ما عند الشيعة من أحكام فقهية، تجد مثله أيضاً عند بعض مذاهب أهل السنّة، فإذن الاختلاف كان بالاجتهاد، ولا انفراد ولا تفرق، بل اتفاق في الأصول في كل ذلك.
وأما الخلافة وما تلاها من تبعات بعد ذلك، فقد حلها أهل وقتها، بما كان مقبولاً منهم جميعاً، ولا ندخل - نحن - الآن فيما كان مقبولاً عندهم.
وعلى كل حال، فمن تولى الإمامة، أو الخلافة، أو الملك: فقد انتقل إلى رحمة الله، ومن مُنع عما يرى أن له حقاً به، فكذلك انتقل إلى رحمة الله، ودار الزمن على ما أراده الله لنا في دنيانا وقدره، وهم عند الله على سرر متقابلين.
ورجعت إلى أقوال العلماء من أهل السنَّة والجماعة تحديداً، والذين هم أهل الاختصاص في العقيدة، فوجدت -والحمد لله- أنهم جميعاً:
أقروا لكل أهل القبلة بالإسلام، والإيمان، وكذلك الأئمة الكبار من التابعين من أهل الفقه، أمثال: سعيد بن المسيِّب، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، وطاووس، ومجاهد، والحسن البصري، وابن سيرين، وباقي فقهاء المدينة[4]، وغيرهم.
ومن جاء بعدهم أمثال الأئمة المتبعين من ملايين المسلمين: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وداود الظاهري، والطبري، وابن حزم، والغزالي، والنووي، والعز ابن عبد السلام، والعشرات غيرهم.
وأهل العقيدة، مثل الأئمة: أحمد بن محمد بن حنبل، والماتريدي، وأبي الحسن الأشعري، وصاحب "بيان أهل السنة والجماعة" الطحاوي، ومن جاء بعدهم، مثل شارح عقيدة الطحاوي الإمام ابن أبي العز الحنفي، وقبله شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية.
والسادة: أحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، وأبي الحسن الشاذلي، وأغلب أهل الطرق الصوفية، وشيخ الدعوة السلفية محمد بن عبد الوهاب.
وأهل الحديث والأثر الذين تتبّعوا أقوال وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالثقة والأمانة، وأدَّوها على وجه معلوم معروف، حتى وصل إلينا موثوقاً ثابتاً، ولم يفرقوا بين الرواة الصادقين.
ومن جاء بعدهم من الدعاة علماء الأمة من أهل السنة والجماعة في زمننا المتأخر أمثال: الشهيد حسن البنا، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وهما مفتيا المملكة العربية السعودية، قد نشرا أكثر من مرة عدم تكفير أحد من المسلمين[5].
وأخيراً المفتي الأكبر الشهيد الشيخ حسن خالد، ومفتينا الدكتور الشيخ محمد رشيد راغب القباني، وغيرهما من أهل العلم والمعرفة في لبنان، ولا تجد في أقوالهم التكفير، ولا مقتضاه.
ولو اكتفيت بهذا في حديثي معكم، أكون قد أجبت عن المطلوب مني، وفيه الكفاية والحمد لله.
ولكن أزيدكم ما أثبِّت به قلبي وفكري، وأرجو أن يكون ذلك أيضاً معيناً لمن يتردد، أن أنقل لكم بعضاً من أقوال العلماء، بما يخص إسلام كل أهل القبلة بالجملة، وعن الشيعة بالتحديد، إكمالاً للبحث!
وأنقل أولاً ما سبق ونشر، وعُمّمَ على الدنيا كلها، من كلام الإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (239-321هـ) في: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة"[6]، أنقل لكم منها خمس فقرات، وفيها إيمان كل المسلمين، حيث قال:
ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر به مصدقين.
ولا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله.
والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأَولى.
والإيمان: هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، من الله تعالى.
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً، ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.
وكذلك أنقل لكم عن شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الحرَّاني الدمشقي، لأزيل من بعض النفوس ما هو عالق بها من مخالفة له، على ما كان عنده من اجتهادات أخرى، أو نسبت إليه، أو إلى من خاصموه.
أقول هذا: لأننا نرى حاجة الناس العاجلة للتقارب، مع أننا نجد أن هناك خلافات واقعية بين المذهبين، وأن الاجتهاد لا يرد بمثله، والاختلاف في الأدلة والأصول، لا يلزم أحداً باتباع غيره. ولكن كل هذا لم يؤدي إلى التكفير بين: السنَّة والشيعة.
وأرى أن علينا أن ندعو إلى لقاءات محدودة الحضور من أهل الاختصاص، لمراجعة الأبحاث المتعددة بيننا، حتى نصل إلى حوار مقنع مفيد، يوصل إلى التقارب - إن شاء الله -.
وعندها يكون التقارب بين المذاهب، ولا أقول التوحيد؟ هو الواقع، كما بيّنته في كتابي "الوحدة الإسلامية"، والمحاضرة التي ألقيتها في "مركز البيان الثقافي" بحضور سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، وفي المؤتمر العالمي الثامن للوحدة الإسلامية، الذي عقد في طهران (18 ربيع الثاني 1419هـ) الموافق (11/8/1995م) حول موضوع: "السنة، وموازين ومعايير الكتب الستة للحديث عند أهل السنة، وكتب الأصول الأربعة عند الشيعة، ومجال التقريب"[7].
وقد قال الإمام أحمد ابن تيمية:
"وقد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة، وما دلّ عليه الكتاب والسنة، أنهم لا يكفّرون أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا يخرجون من الإسلام بعمل، إذا كان منهياً عنه، مثل الزنى، والسرقة، وشرب الخمر، وما لم يتضمن ترك الإيمان"[8].
وقوله وهو يتحدث عن الشيعة والمعتزلة:
"أن لهم جهوداً في دعوة الكفار إلى الإسلام، فدخل على أيديهم خلق كثير من الكفار"[9].
وكان ابن تيمية - رحمه الله - يتحرَّج كثيراً من تكفير الأشخاص، يقول الإمام الحافظ (مؤرخ الإسلام) محمد شمس الدين الذهبي، نقلاً عن زاهر السرخسي أنه قال:
"لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: أشهد عليَّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
قلت - أي الذهبي -: وبنحو هذا أُدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"[10]. فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم".[11]
وكذلك يجب التحرز في التكفير، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا مع أني دائماً، ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى: تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى"[12].
وعنده العذر للمخالف، فيقول: "قلت لهم وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد، يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته"[13].