المتأمل
10-11-2005, 11:49 AM
..................
أول يوم قابلته رحمة الله عليه كان قبل عشرين عاماً على التقريب ... ذهبت إليه في منزله القديم بطلب من إبنه البار محمد لتقديم رأيي المعماري في مخطط منزله الجديد ... ُكنت ُمتهيباً من المقابلة فالشيخ الجليل عبدالله بن قعود كان رمزاً عالياً من رموز التوجه الديني آنذاك ، وكان مشهوراً بمواقفه القوية والصلبة في الحق ومع الحق وبالحق ..
أزال هذا الرجل العظيم بعلمه ، والرفيع بتواضعه كل حواجز الهيبة في مجلسه .. وتكلم معنا في كل شيء واستحمل وجهات نظري المعمارية في مخططات منزله الذي كان يُتابع تصميمه بنفسه رحمه الله تعالى .. وقد كان التصميم في ذلك الوقت فكرة فريدة جديدة تضع حلولاً معتدلة لشيخ عنده زوجتين ُيسكنهما في نفس الفيلا ، مع إعطاء الخصوصية لكل واحدة منهما ..
هكذا تعرفت على الشيخ القعود رحمه الله تعالى وأسكنه عالي وفسيح جناته ، فوجدته في ذلك اليوم وفي كل جلساتي التالية معه عظيم العلم ، رفيع التواضع ، قويّ المواقف ، ليّن الُخلق والتعامل مع الصغير قبل الكبير .. وقد يكون كثير من شباب اليوم لايعرف هذا الشيخ العظيم العلاّمة ولم يسمع عنه إلا قليلاً ... لكن مواقفه وسيرة حياته لو أنصف أبناؤه لكتبوها بماء الذهب وسطروها للتاريخ ،ولكل من أراد أن يعرف كيف يكون حال العلماء الربانيين ..
كان رحمة الله عليه أحد أهم هيئة كبار العلماء .. وكان توقيعه مجاوراً لتوقيع سماحة الشيخين بن باز وعبدالرزاق عفيفي ، وقد كان له موقف مشهور بين الناس أيام فتنة جهيمان العتيبي والمهدي المزعوم ، ولا أنسى يوم صلينا الجمعة في جامعه ( جامع المربع ) وسط الرياض في الجمعة التي تلت استيلاء (( الخوارج )) على الحرم ، وقام يخطب والجنود برشاشاتهم يحيطون بالمصلين داخل الجامع وخارجه .. ومع ذلك فقد قال رأيه يومها بعدم جواز تكفير جماعة جهيمان كما حصل من معظم الإعلاميين في ذلك الوقت ..
وكان له موقف أشد في تلك الفتنة ، فقد انتظرت الدولة البيان المطلوب صدوره من هيئة كبار العلماء بعد انتهاء الفتنة والقضاء عليها ليتم تعديل عباراته وتخفيفها مراراً وتكراراً من قبل الشيخ بن قعود وحده .. بعد أن رفض توقيع البيان إلا بعد إجراء تلك التعديلات ، رغم توقيع وموافقة بقية كبار العلماء الآخرين عليه دون تعديل ..!!
وقد انتشرت اشاعات بعدها بأنه ُوضع قيد الإقامة الجبرية في (( الحريق )) مسقط رأسه رحمه الله تعالى .. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل ، فالدولة وفقها الله تعرف كيف ُتقدر علماءها الحقيقييين وتتفهم مواقفهم حتى لو اختلفوا معها ..
وكنت في زيارته إحدى المرات في شقته في عمارة الجفالي بالغزة المجاورة للحرم في مثل هذه الأيام الرمضانية ( كعادته كل رمضان ) ، وجاءه أحد رموز جماعة الجهاد في مصر قبل بدأ فتنة الإغتيالات والتفجيرات .. وكان هذا الرمز يحاور الشيخ في جلسة خاصة ويشرح له أوضاعهم هناك ويحاول أن يأخذ منه فتوى رحمه الله بالخروج على الحاكم هناك لتغييره .. لكن الشيخ القعود كان يرفض افتاءهم بالخروج على الحاكم ، ولما ضيّق عليه ضيفه بذكر التعذيب والإضطهاد الذي يلاقونه في السجون وأنهم بخروجهم عليه واغتياله سيخلصون المسلمين منه .. سأله الشيخ سؤالاً محدداًً :
- هل لديكم الإمكانية للخروج عليه والاستيلاء على الحكم دون فتنة بين المسلمين وبدون إهدار دماؤهم وُحرماتهم ..؟؟؟
وبعد مماطلة ، أجاب رمز جماعة الجهاد بعدم قدرتهم ، والشيخ أعلم بذلك .. فأجابه الشيخ القعود ُمنهياً النقاش بقوله رحمه الله تعالى : أصبروا الآن واحتسبوا ، وعندما تكون لديكم القوة والإمكانية للتغيير دون خسائر في الأرواح تعالوا واطلبوا الفتوى .. ولو أن الجماعات الإسلامية تمشت بتوجيه الشيخ بن قعود رحمه الله حينها .. لما حصل ماحصل من فتن وتقتيل بين المسلمين هناك ، ولما احتاجت الجماعات للإعتذار عن ما فعلته تجاه المسلمين بعدها ..!!
والشيخ بن قعود كان صاحب روح شبابية .. يعرف كيف يتفهم احتياجات الشباب ودائماً كان يفتح أبواب مجلسه لهم ويصبر على حدتهم ويهذبها بإسلوبه الطيب الرقيق .. وكان رحمه الله يتفهم طموحاتهم العالية فلا يكسّر مجاديفهم ( كما يقال ) .. لكنه كان يعرف كيف يجعل هذا الطموحات واقعية وُيرّشدها للطريق الصواب ..
لن تكفي هذه المقدمة المتواضعة لسرد مآثر الشيخ العلامة عبدالله بن قعود رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح وعالي جناته .. ولعل المولى الكريم يأذن بتسجيل مواقف أخرى مني أو من الأخوة الكرام ..
اللهم ياحي يا قيوم ، ياذا الجلال والإكرام ، يامن بيده مقاليد السموات والأرض ، يا من قلت وقولك الحق : أدعوني أستجب لكم ، نسألك بإسمك الأعظم الذي إذا ُسألت به أجبت أن ترحم العلامة الشيخ عبدالله بن قعود وتغفر له وأن توسّع له في قبره وتجعله في قبره كأنه في روضة من رياض الجنة ، وأن تكتبه عندك من أهل الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا ... اللهم آمين .
أول يوم قابلته رحمة الله عليه كان قبل عشرين عاماً على التقريب ... ذهبت إليه في منزله القديم بطلب من إبنه البار محمد لتقديم رأيي المعماري في مخطط منزله الجديد ... ُكنت ُمتهيباً من المقابلة فالشيخ الجليل عبدالله بن قعود كان رمزاً عالياً من رموز التوجه الديني آنذاك ، وكان مشهوراً بمواقفه القوية والصلبة في الحق ومع الحق وبالحق ..
أزال هذا الرجل العظيم بعلمه ، والرفيع بتواضعه كل حواجز الهيبة في مجلسه .. وتكلم معنا في كل شيء واستحمل وجهات نظري المعمارية في مخططات منزله الذي كان يُتابع تصميمه بنفسه رحمه الله تعالى .. وقد كان التصميم في ذلك الوقت فكرة فريدة جديدة تضع حلولاً معتدلة لشيخ عنده زوجتين ُيسكنهما في نفس الفيلا ، مع إعطاء الخصوصية لكل واحدة منهما ..
هكذا تعرفت على الشيخ القعود رحمه الله تعالى وأسكنه عالي وفسيح جناته ، فوجدته في ذلك اليوم وفي كل جلساتي التالية معه عظيم العلم ، رفيع التواضع ، قويّ المواقف ، ليّن الُخلق والتعامل مع الصغير قبل الكبير .. وقد يكون كثير من شباب اليوم لايعرف هذا الشيخ العظيم العلاّمة ولم يسمع عنه إلا قليلاً ... لكن مواقفه وسيرة حياته لو أنصف أبناؤه لكتبوها بماء الذهب وسطروها للتاريخ ،ولكل من أراد أن يعرف كيف يكون حال العلماء الربانيين ..
كان رحمة الله عليه أحد أهم هيئة كبار العلماء .. وكان توقيعه مجاوراً لتوقيع سماحة الشيخين بن باز وعبدالرزاق عفيفي ، وقد كان له موقف مشهور بين الناس أيام فتنة جهيمان العتيبي والمهدي المزعوم ، ولا أنسى يوم صلينا الجمعة في جامعه ( جامع المربع ) وسط الرياض في الجمعة التي تلت استيلاء (( الخوارج )) على الحرم ، وقام يخطب والجنود برشاشاتهم يحيطون بالمصلين داخل الجامع وخارجه .. ومع ذلك فقد قال رأيه يومها بعدم جواز تكفير جماعة جهيمان كما حصل من معظم الإعلاميين في ذلك الوقت ..
وكان له موقف أشد في تلك الفتنة ، فقد انتظرت الدولة البيان المطلوب صدوره من هيئة كبار العلماء بعد انتهاء الفتنة والقضاء عليها ليتم تعديل عباراته وتخفيفها مراراً وتكراراً من قبل الشيخ بن قعود وحده .. بعد أن رفض توقيع البيان إلا بعد إجراء تلك التعديلات ، رغم توقيع وموافقة بقية كبار العلماء الآخرين عليه دون تعديل ..!!
وقد انتشرت اشاعات بعدها بأنه ُوضع قيد الإقامة الجبرية في (( الحريق )) مسقط رأسه رحمه الله تعالى .. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل ، فالدولة وفقها الله تعرف كيف ُتقدر علماءها الحقيقييين وتتفهم مواقفهم حتى لو اختلفوا معها ..
وكنت في زيارته إحدى المرات في شقته في عمارة الجفالي بالغزة المجاورة للحرم في مثل هذه الأيام الرمضانية ( كعادته كل رمضان ) ، وجاءه أحد رموز جماعة الجهاد في مصر قبل بدأ فتنة الإغتيالات والتفجيرات .. وكان هذا الرمز يحاور الشيخ في جلسة خاصة ويشرح له أوضاعهم هناك ويحاول أن يأخذ منه فتوى رحمه الله بالخروج على الحاكم هناك لتغييره .. لكن الشيخ القعود كان يرفض افتاءهم بالخروج على الحاكم ، ولما ضيّق عليه ضيفه بذكر التعذيب والإضطهاد الذي يلاقونه في السجون وأنهم بخروجهم عليه واغتياله سيخلصون المسلمين منه .. سأله الشيخ سؤالاً محدداًً :
- هل لديكم الإمكانية للخروج عليه والاستيلاء على الحكم دون فتنة بين المسلمين وبدون إهدار دماؤهم وُحرماتهم ..؟؟؟
وبعد مماطلة ، أجاب رمز جماعة الجهاد بعدم قدرتهم ، والشيخ أعلم بذلك .. فأجابه الشيخ القعود ُمنهياً النقاش بقوله رحمه الله تعالى : أصبروا الآن واحتسبوا ، وعندما تكون لديكم القوة والإمكانية للتغيير دون خسائر في الأرواح تعالوا واطلبوا الفتوى .. ولو أن الجماعات الإسلامية تمشت بتوجيه الشيخ بن قعود رحمه الله حينها .. لما حصل ماحصل من فتن وتقتيل بين المسلمين هناك ، ولما احتاجت الجماعات للإعتذار عن ما فعلته تجاه المسلمين بعدها ..!!
والشيخ بن قعود كان صاحب روح شبابية .. يعرف كيف يتفهم احتياجات الشباب ودائماً كان يفتح أبواب مجلسه لهم ويصبر على حدتهم ويهذبها بإسلوبه الطيب الرقيق .. وكان رحمه الله يتفهم طموحاتهم العالية فلا يكسّر مجاديفهم ( كما يقال ) .. لكنه كان يعرف كيف يجعل هذا الطموحات واقعية وُيرّشدها للطريق الصواب ..
لن تكفي هذه المقدمة المتواضعة لسرد مآثر الشيخ العلامة عبدالله بن قعود رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح وعالي جناته .. ولعل المولى الكريم يأذن بتسجيل مواقف أخرى مني أو من الأخوة الكرام ..
اللهم ياحي يا قيوم ، ياذا الجلال والإكرام ، يامن بيده مقاليد السموات والأرض ، يا من قلت وقولك الحق : أدعوني أستجب لكم ، نسألك بإسمك الأعظم الذي إذا ُسألت به أجبت أن ترحم العلامة الشيخ عبدالله بن قعود وتغفر له وأن توسّع له في قبره وتجعله في قبره كأنه في روضة من رياض الجنة ، وأن تكتبه عندك من أهل الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا ... اللهم آمين .