فـاروق
02-25-2005, 04:46 AM
الإنسان و الملك (صيد الخاطر لابن الجوزي)
ما أزال اتعجب ممن يرى تفضيل الملائكة على الأنبياء و الأولياء، فإن كان التفضيل بالصورة، فصورة الآدمي أعجب من ذوي أجنحة. و إن تركت صورة الآدمي لأجل أوساخها المنوطة بها، فالصورة ليست الآدمي، إنما هي قالب. ثم استحسن منها ما يستقبح في العبادة مثل خلوف فم الصائم، و دم الشهداء، و النوم في الصلاة فبقيت صورة معمورة و صار الحكم للمعنى.
ألهم مرتبة يحبهم، أو فضيلة يباهى بهم، و كيف دار الأمر فقد سجدوا لنا. و هو صريح في تفضيلنا عليهم، فإن كانت الفضيلة بالعلم فقد علمت القصة، يوم لا علم لنا يا آدم أنبئهم. و إن فضلت الملائكة بجوهرية ذواتهم فجوهرية أرواحنا من ذلك الجنس، و علينا أثقال أعباء الجسم. بالله لولا احتياج الراكب إلى الناقة فهو يتوقف لطلب علفها، و يرفق في السير بها لطرق أرض منى قبل العشر . واعجباً أتفضل الملائكة بكثرة التعبد! فما ثم صاد. أو يتعجب من الماء إذا جرى، أو من منحدر يسرع؟ إنما العجب من مصاعد يشق الطريق و يغالب العقبات. بلى قد يتصور منهم الخلاف، ودعوى الإلهية لقدرتهم على دك الصخور، و شق الأرض لذلك توعدوا : و من يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم، لكنهم يعلمون عقوبة الحق فيحذرونه. فأما بعدنا عن المعرفة الحقيقية و ضعف يقيننا بالناهي، و غلبة شهوتنا مع الغفلة يحتاج إلى جهاد أعظم من جهادهم . تالله لو ابتلى أحد المقربين بما ابتلينا به ، لم يقدر على التماسك. يصبح أحدنا و خطاب الشرع يقول له: الكسب لعائلتك، و احذر في كسبك. و قد تمكن منه ما ليس من فعله، كحب الأهل، و علوق الولد بنياط القلب، و احتياج بدنه إلى ما لا بد منه. فتارة يقال للخليل عليه السلام : [ اذبح ولدك بيدك ، و اقطع ثمرة فؤادك بكفك ، ثم قم إلى المنجنيق لترمي في النار ]. و تارة يقال لموسى عليه السلام : [ صم شهراً ، ليلاً و نهاراً]. ثم يقال للغضبان : اكظم، و للبصير اغضض، و لذي المقول اصمت، و لمستلذ النوم تهجد، و لمن مات حبيبه اصبر، و لمن أصيب في بدنه أشكر، و للواقف في الجهاد بين اثنين لا يحل أن تفر.
ثم اعلم أن الموت يأتي بأصعب المرارات ، فينزع الروح عن البدن فإذا نزل فاثبت. و اعلم أنك ممزق في القبر فلا تتسخط لأنه مما يجري به القدر. و إن وقع بك مرض فلا تشك إلى الخلق. فهل للملائكة من هذه الأشياء شيء ؟ و هل ثم إلا عبادة ساذجة ليس فيها مقاومة طبع، و لا رد هوى؟ و هل هي إلا عبادة صورية بين ركوع و سجود و تسبيح؟ فأين عبادتهم المعنوية من عبادتنا؟ ثم أكثرهم في خدمتنا بين كتبة علينا، و دافعين عنا، و مسخرين لإرسال الريح و المطر، و أكبر وظائفهم الاستغفار لنا. فكيف يفضلون علينا بلا علة ظاهرة ؟. و إذا ما حكت على محك التجارب طائفة منهم مثل ما روى عن هاروت و ماروت، فخرجوا أقبح من بهرج. و لا تظنن أني أعتقد في تعبد الملائكة نوع تقصير، لأنهم شديدو الإشفاق و الخوف، لعلمهم بعظمة الخالق. لكن طمأنينة من لم يخطئ تقوى نفسه. و انزعاج الغائص في الزلل يرقي روحه إلى التراقي. فاعرفوا إخواني شرف أقداركم، و صونوا جواهركم عن تدنيسها بلوم الذنوب، فأنتم معرض الفضل على الملائكة، فاحذروا أن تحطكم الذنوب إلى حضيض البهائم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ما أزال اتعجب ممن يرى تفضيل الملائكة على الأنبياء و الأولياء، فإن كان التفضيل بالصورة، فصورة الآدمي أعجب من ذوي أجنحة. و إن تركت صورة الآدمي لأجل أوساخها المنوطة بها، فالصورة ليست الآدمي، إنما هي قالب. ثم استحسن منها ما يستقبح في العبادة مثل خلوف فم الصائم، و دم الشهداء، و النوم في الصلاة فبقيت صورة معمورة و صار الحكم للمعنى.
ألهم مرتبة يحبهم، أو فضيلة يباهى بهم، و كيف دار الأمر فقد سجدوا لنا. و هو صريح في تفضيلنا عليهم، فإن كانت الفضيلة بالعلم فقد علمت القصة، يوم لا علم لنا يا آدم أنبئهم. و إن فضلت الملائكة بجوهرية ذواتهم فجوهرية أرواحنا من ذلك الجنس، و علينا أثقال أعباء الجسم. بالله لولا احتياج الراكب إلى الناقة فهو يتوقف لطلب علفها، و يرفق في السير بها لطرق أرض منى قبل العشر . واعجباً أتفضل الملائكة بكثرة التعبد! فما ثم صاد. أو يتعجب من الماء إذا جرى، أو من منحدر يسرع؟ إنما العجب من مصاعد يشق الطريق و يغالب العقبات. بلى قد يتصور منهم الخلاف، ودعوى الإلهية لقدرتهم على دك الصخور، و شق الأرض لذلك توعدوا : و من يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم، لكنهم يعلمون عقوبة الحق فيحذرونه. فأما بعدنا عن المعرفة الحقيقية و ضعف يقيننا بالناهي، و غلبة شهوتنا مع الغفلة يحتاج إلى جهاد أعظم من جهادهم . تالله لو ابتلى أحد المقربين بما ابتلينا به ، لم يقدر على التماسك. يصبح أحدنا و خطاب الشرع يقول له: الكسب لعائلتك، و احذر في كسبك. و قد تمكن منه ما ليس من فعله، كحب الأهل، و علوق الولد بنياط القلب، و احتياج بدنه إلى ما لا بد منه. فتارة يقال للخليل عليه السلام : [ اذبح ولدك بيدك ، و اقطع ثمرة فؤادك بكفك ، ثم قم إلى المنجنيق لترمي في النار ]. و تارة يقال لموسى عليه السلام : [ صم شهراً ، ليلاً و نهاراً]. ثم يقال للغضبان : اكظم، و للبصير اغضض، و لذي المقول اصمت، و لمستلذ النوم تهجد، و لمن مات حبيبه اصبر، و لمن أصيب في بدنه أشكر، و للواقف في الجهاد بين اثنين لا يحل أن تفر.
ثم اعلم أن الموت يأتي بأصعب المرارات ، فينزع الروح عن البدن فإذا نزل فاثبت. و اعلم أنك ممزق في القبر فلا تتسخط لأنه مما يجري به القدر. و إن وقع بك مرض فلا تشك إلى الخلق. فهل للملائكة من هذه الأشياء شيء ؟ و هل ثم إلا عبادة ساذجة ليس فيها مقاومة طبع، و لا رد هوى؟ و هل هي إلا عبادة صورية بين ركوع و سجود و تسبيح؟ فأين عبادتهم المعنوية من عبادتنا؟ ثم أكثرهم في خدمتنا بين كتبة علينا، و دافعين عنا، و مسخرين لإرسال الريح و المطر، و أكبر وظائفهم الاستغفار لنا. فكيف يفضلون علينا بلا علة ظاهرة ؟. و إذا ما حكت على محك التجارب طائفة منهم مثل ما روى عن هاروت و ماروت، فخرجوا أقبح من بهرج. و لا تظنن أني أعتقد في تعبد الملائكة نوع تقصير، لأنهم شديدو الإشفاق و الخوف، لعلمهم بعظمة الخالق. لكن طمأنينة من لم يخطئ تقوى نفسه. و انزعاج الغائص في الزلل يرقي روحه إلى التراقي. فاعرفوا إخواني شرف أقداركم، و صونوا جواهركم عن تدنيسها بلوم الذنوب، فأنتم معرض الفضل على الملائكة، فاحذروا أن تحطكم الذنوب إلى حضيض البهائم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.