تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : د. محمد ميشال غريّب... قلب من ذهب!



no saowt
01-27-2005, 05:09 AM
نجيب البعيني

كان ميشال الغريّب أديباً مميزاً، وكاتباً لامعاً، وصحافياً بارزاً، واستاذاً جامعياً رائداً.
اعرفه منذ زمن طويل، منذ ما يقارب الثلاثين سنة. كان فيها دائم الحركة، سريع التنقل، حيوياً لا يتوقف نشاطه عند حد، تحدوه ابتسامة دائمة ترافقه انى ذهب وإينما حل، يتحلى مجلسه بالأنس واللطافة والكياسة والصراحة والثقة والصدق. إذا وثق بإنسان اخلص له، ففتح له قلبه وكاشفه شعوره وأفاض في مدحه والإطراء عليه، واطمأن قلبه إليه، وكانت ابواب الصداقة والود والاحترام والمحبة والتعاون مشرّعة بينهما. تعرفت إليه في مكتب المحاماة الذي كان يملكه في الستينيات قرب بناية اللعازارية، ببيروت، فكان يتقرّب مني باستمرار لأننا من منطقة واحدة، ولأن مفاهيمنا للمجتمع تنبثق من رؤية واحدة، فألفيته قريباً من القلب، خالص الود، صافي السريرة، نقيّ الفؤاد. وصرنا نجتمع سوية كلما سنحت لنا الظروف، الى ان وقعت الحرب اللبنانية، وكانت في بداياتها، فسكن <<المختارة>> في عز الاحداث، اذ احتضنه وليد جنبلاط. ومن هناك انطلق ليتعاطى النشاط السياسي بعد تركه المختارة ولجوئه الى بيروت، لأن السياسة كانت تجري في دمه، فهي بضعة ورثها عن آبائه وأجداده. وفي بيروت اتون السياسة انشأ مكتبا له في منطقة فردان، وأسس في هذا المكتب مدرسة لتعليم الدكتيلو والعلوم التجارية، فكنت اتردد الى مكتبه فنتبادل الاحاديث الادبية وشؤون الساعة وأحوال مجلس الشوف الثقافي الذي كان احد مؤسسيه البارزين. وأحياناً عندما كنت اغيب عنه بداعي الانشغال كنت اصادفه في منطقة الجبل او في بيروت.
اعتنق الدين الإسلامي في خلال الاحداث الأليمة التي عصفت بلبنان، ربما لإيمانه الشديد بتعاليم الإسلام او لظروف عائلية املت عليه هذا القرار. وأصبح اسمه منذ ذلك اليوم <<محمد ميشال الغريّب>> في جميع الاوساط الثقافية والادبية والسياسية والاجتماعية.
انصرف في المدة الاخيرة ورغم ازدحام العمل المكتبي والمؤسساتي، الى مداعبة القلم، فانحسر آنذاك نشاطه السياسي، لأنه وجد ان الوسيلة الأفضل كي يصل صوته الى الناس كل الناس هي الكتابة في الصحف والمجلات، وفي تأليف الكتب. كانت له مواقف جريئة تنم عما يتصف به من مزايا الصدق والشجاعة والحرية والاخلاص والديموقراطية وصواب الرأي. اجاد من اللغات الفرنسية والانكليزية والعربية، وأفاد ثقافة واسعة مكنته من تنويع مواضيعه التي عالجها في مؤلفاته وبحوثه ودراساته ومقالاته.
ولد في <<الدامور>> قضاء الشوف في سنة 1930، وتلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدارس عدة في بيروت، ثم التحق بجامعة ليون فنال اجازة في الحقوق سنة 1956، ثم دكتوراه دولة في علم السياسة سنة 1965، ومارس مهنة المحاماة في لبنان من 1957 الى 1969، وعلّم في المدرسة الحربية سنوات عدة 19761973، وانتخب رئيساً لمجلس الشوف الثقافي 19761965. كما كان استاذاً في كلية الاعلام والتوثيق، الفرع الاول، واستاذاً في كلية الحقوق والعلوم السياسية في محلة الصنائع لسنوات عدة. أما اصداراته المطبوعة فعددها يربو على 20 كتاباً.
وقبل وفاته وزّع ما لديه من كتب على الجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية في بيروت والبقاع والجنوب والدامور.
ذهب الرجل الذي كان يدافع عن الضعفاء والمساكين والمعوزين واصحاب الدخل المحدود. رحل من كان يطالب بإنصاف الطبقات الكادحة في الصحف اليومية والاذاعات المحلية. ذهب الرجل الذي أراد ان يقف بوجه السلطة مهاجما الاحتكار والجشع والتسلط والقمع والصفقات والرشى والاقطاع والطائفية.
توفي ميشال الغريّب نهار الجمعة في 21 كانون الثاني سنة 2005. وبوفاته ترك أثراً طيباً في النفوس وحسرة ولوعة لا يمكن ان تنتسى.