تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أصــحــاب الهمــم العــالــية والــجــديــة



منال
01-27-2005, 02:03 AM
أصــحــاب الهمــم العــالــية والــجــديــة

فرق كبير جدًّا بين أن تكون جادًّا، وأن تقطب حاجبيك، أو أن تبدو عابسًا

على الدوام، أو أن يراك الآخرون- من البشر طبعًا- فينفرون منك ويهربون

من جلستك، ويفرون من حديثك فرارهم من الأسد !!

باختصار فرق كبير جدًّا بين الجدية، التي يدعيها البعض ليواروا خلفها

نقصًا في قدراتهم على التواصل والتعارف والاحتواء، وبين تلك التي وعاها

الصحابة وربَّاهم عليها سيد الخلق وأكثرهم جدِّيةً وأطيبهم حديثًا،

وأبسمهم ثغرًا.. محمد صلى الله عليه وسلم.

تعريف الجدية

الجدية ضد الهزل والتهاون، والضعف والرخاوة، وهي "إنفاذ التكاليف

الشرعية والدعوية توًّا، مع المثابرة والدأب، وتسخير كل الإمكانات

المُتاحة لإنجازها، ومغالبة الأعذار والعراقيل التي تعترض سبيلها"، وهذا

التعريف يتضمَّن شروطًا خمسة للجدية، هي:

1- الفورية في التنفيذ

ومن أراد أن يعرف حقيقة الجدية، ويراها واقعًا عمليًّا، فعَلَيه بسيرة

السلف الصالح- رضي الله عنهم.. فالفورية في التنفيذ نراها على أكمل

وجه عند تحريم الخمر، لمَّا نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا

الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي

الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)

(المائدة:90-91)، فما إن نزلت، وحملها الصحابة إلى إخوانهم وهم

يشربون، حتى كفُّوا فورًا، واستجابوا لأمر الله، وقالوا: انتهينا... انتهينا!!

وفي تحويل القبلة مثلٌ رائعٌ كذلك في الاستجابة الفورية؛ حيث تحوَّل

المسلمون فورَ سماع الخبر، وما زالوا في صلاتهم، وتبدَّلت مواقع الإمام

والرجال والغلمان والنساء من الشمال إلى الجنوب، وقد سُجِّلت هذه

الاستجابة الفورية الرائعة في المسجد ذي القبلتين، الموجود في

المدينة المنورة، شاهدًا على عظمة ذلك الجيل، (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي

كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ

لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) (البقرة: 143)

ورأينا هذه الاستجابة الفورية كذلك في موقف نساء الأنصار من آيات

الخمار، فما إن انقلب الرجال إلى البيوت يتْلون كلام الله تعالى..

(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31) حتى قُمْن لتوِّهِن إلى

مروطهِنَّ لشقِّها والتلفُّح بها، حتى جِئْن في صلاة الفجر، وكأن على

رؤوسهن الغربان، لم تتلكَّأْ واحدةٌ في امتثال الأمر، وفي سيرة هؤلاء

العظماء من الرجال والنساء الكثير والكثير!!

2- القوة والعزم

رأيناها بجلاء في سيرة الصحابة الكرام- رضي الله عنهم- وهم ينهضون

بتكاليف هذا الدين، فهذا عمر- رضي الله عنه- عند هجرته يقف متحديًا

قريشًا، قائلاً: "إني مهاجرٌ، فمن أراد أن تثكله أمه، أو تتأيَّم امرأته، أو

يُيَتَّم ولده فليتبعني، فلم يجرؤْ أن يراجعه أحد"، وهؤلاء الأبطال المغاوير

من الصحابة- رضي الله عنهم- الذين خرجوا لغزو حمراء الأسد، وقد

أثخنتهم الجراح، وفقدوا الظهر في "أُحد" منذ سويعات، فما وهنو لما

أصابهم في سبيل الله، بل قاموا بقوة الأبطال وعزم الرجال لملاحقة

المشركين، حتى كان الأخفُّ جرحًا يحمل أخاه الأثقل إصابةً..

وهذا "سلمة بن الأكوع"- رضي الله عنه- يتصدَّى بمفرده للقوم في عزوة

(ذي قرد)، حتى اضطَّرهم إلى الفرار، تاركين ما استلبوا من عِيْر رسول

الله- صلى الله عليه وسلم- وظلَّ يناوشُهم، وقد نزلوا على ماءٍ ليطفِئوا

ظمأ حلوقهم، فما استطاع أحدهم أن يهنَأ بقطرة منه.

وهذا العملاق الفذُّ "جعفر بن أبي طالب"- رضي الله عنه- في عزوة مؤتة

تُقطع يُمناه التي تَحمل الراية فيرفعها بيُسراه، فتلحق هي الأخرى

بأختها، فيحتضنها بعضدية حتى تظل خفاقة مرفرفة ما بقيت فيه عين

تطرف- رضي الله عنهم أجمعين.

ونكمل لكم بعدين ان شاء الله :) ((صحيح منقول ))