تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اللهم إني لم أصم لك (!!!!!!!)



no saowt
10-24-2004, 10:17 AM
غزوة الامين

دخلت المنزل بعدما جلست لوقت غير قصير على عتبة الباب، كانت شمس الظهيرة تسيطر على كل شيء، اعبث بقطعة حلوى، افك غلافها ثم اعيد لفها من جديد، اخرجها من جيبي ثم اعيدها لمرات عدة.

كم اشعر بالعطش. لساني يلتصق بسقف حلقي، تجرني قدماي الى المطبخ اقف قبالة الثلاجة وعيناي تكادان تخرجان من محجرهما وتستقران على قنينة ماء بارد ثم تنتقلان الى صحن يحوي طعاماً لا احبه ولم اذقه البارحة على العشاء. أؤنب نفسي على فعلتي تلك وكيف واتتني القدرة على تجاهله؟ كم اشتهيه الساعة وامني النفس به مساء.

صوت احدهم دفعني الى ان اغلق باب الثلاجة والخروج من المطبخ مسرعة. اتجه الى غرفة الطعام وانظر الى حيث تُنصب مائدة الافطار واتخيلها عامرة بما لذ وطاب، وأرى نفسي وقد اخذت مكانا بين الكبار. ترى لماذا يكون لي بينهم مكان حين اصوم؟ في العادة انزوي مع اشقائي الاصغر سنا حول مائدة تعد لنا خصيصا بحجة ضيق المكان؟

بدأ الامر عندما قررت ان احضر هذه المائدة، وان اتقاسمها مع الكبار، وان اشاركهم كذلك مائدة السحور التي لا بد ان لها طابعا خاصا لم يتسن لي حضوره ابداً، وان اشاهد التلفزيون. اسمع الكثير عن السحور وبرامج السهرة من رفاقي، مع ا نهم لا يصومون. اما انا فكان لزاما عليّ ان اصوم لاحقق احلامي تلك. هكذا قالت امي. منذ ايام عدة وانا اترجاها بأن تسمح لي بالصوم وهي ترفض، حتى البارحة حين اقنعها ابي بتجربتي ليوم واحد فقط. فوعدتني امي بأنني اذا تناولت طعام السحور ولم اصم، فإنها ستكون المرة الاخيرة التي ستوقظني فيها.

اذا البارحة وللمرة الاولى في عمري الذي لا يتجاوز التسعة اعوام، شهدت مائدة السحور. كانت الفرحة عارمة حين استيقظت على صوت امي وهي تقول غزوة... قومي تسحري . هذه الفرحة لم تستمر طويلا. فلا شيء غير اعتيادي. جلسة عائلية تشبه تماما سهراتهم المعتادة. يتحلقون حول التلفزيون. امي وابي واخوتي الاكبر سنا ومائدة السحور ليست سوى بعض فضلات طعام الافطار، بالاضافة الى اصناف اخرى اتناولها عادة على الفطور، يزيد عليها عدم رغبتي بالطعام. احاول التغلب على نعاسي. استغل الوقت لمشاهدة برنامج سمعت عنه كثيراً وتشوقت لمتابعته، لم افهم شيئا من البرنامج. وعند محاولتي الاستيضاح كان الجميع يزجرني. حاول ابي ان يشرح لي قليلا لكنه ينسى ليعود ويتابع باهتمام مشهدا شدّه.

عدت الى النوم بعد تناول السحور، وشعور خفي بالخيبة يلازمني. لكن لا بأس سيكون عندي يوم غد بأكمله لأمارس ما تعلمته من الصائمين. سأنام طيلة فترة الظهيرة كما يفعل الجميع، وامنع اشقائي الصغار عن اصدار الاصوات المزعجة، ولأستيقظ بعدها والشعور بالانزعاج واضح على وجهي. سأتعامل مع كل شيء بعصبية وتوتر. سأعقد بين حاجبي. أمتنع عن القيام بأي مجهود وبخاصة الذهاب الى السوق لشراء حاجيات امي. فأنا ايضاً صائمة مثلهم... سأزور امي في المطبخ واعترض على احد الاصناف او لأطلب منها آخر اشتهيه.

اليوم خضعت لمراقبة شديدة من اخوتي، الاصغر والاكبر سنا بخاصة عندما ضبطوني اضع قطعة الحلوى في جيبي واتهموني بأكل غيرها ولم يقنعوا بعدم افطاري حتى قاموا بفحص لساني واسناني، ولا ادري ان كانت امي تمتحنني صباحا او انها اشفقت عليّ عندما هيأت لي مكانا بين اخوتي الصغار على الفطور وحاولت اقناعي بتناوله، ولكني رفضت رفضا قاطعا، فأنا لن افوت ابدا فرصة تحقيق بقية احلامي حول الصيام. كم الساعة الآن؟ وفي اي ساعة الافطار؟ يعني كم تبقى من الوقت؟ ربما كررت هذه الاسئلة على امي اكثر من عشرين مرة، ولكنها الآن نائمة، وانا لا أجيد قراءة الساعة.

يمر علي الوقت بطيئا وثقيلا. اتوجه الى غرفة النوم استلقي، اغمض عيني، اعد حتى المئة، لكن النوم يجافيني ويرفض ان يزورني، ولو لبضع دقائق. يدخل عليّ الصغار يتناوشون معي اصرخ فيهم فتستيقظ شقيقتي الكبرى وتطردني واياهم من الغرفة. احاول ابداء انزعاجي فلا اتمكن، وحتى الساعة ما زلت اتمتع بكامل نشاطي. تستيقظ امي وتدخل المطبخ، اتلكأ قربها قليلا، اراقبها واستغرب كيف بامكانها الوجود بين اطباق الطعام وقناني الماء الباردة دون ان تقترب منها؟! بإمكانها ذلك، فهي ام، وهي كبيرة، ولن يحاسبها احد على ذلك او يمنعها من السحور او الجلوس الى مائدة الكبار. لا اقترح عليها اي صنف، وكذلك لا اعترض. فكل شيء يبدو شهياً في تلك اللحظة حتى لو كان صحن مجدرة مع بصل.

اسمع هدير سيارة ابي يقترب من المنزل. اعدو الى الخارج واستقبله بفرح زائد لان مجيئه يعني اقتراب موعد الافطار. بدأت احسب الوقت. سيتجه الى غرفته يبدل ملابسه وينام قليلا، بعد ذلك سيقصد الفناء الخلفي للمنزل ليتفقد مزروعاته وسيطلب مساعدتي لجر خرطوم المياه لريها. ابي منهك، لا بد انه جد عطش فلون لسانه اكثر بياضا من لساني وشفتاه متشققتان، ولونهما ايضا ابيض. ادير المياه بعدما اصل الخرطوم بالحنفية فتتدفق بقوة. انظر الى ابي الذي كان يدير لي ظهره ثم الى الماء الجاري على الارض. يبدو باردا، مغريا، فيزداد عطشي لكن لا بأس فما ان ينتهي ابي من عمله حتى يرتفع صوت المؤذن. ارفع الخرطوم لاجره الى حيث يقف ابي لكن يداي ترفضان الانصياع لاوامري. ها هما ترفعانه الى فمي انا ارفض. لكن الماء تدفق بقوة الى فمي. لا اريد ان ابتلعها لكنها دخلت عنوة الى جوفي، لا اريد الارتواء، القليل فقط، لكن بطني انتفخ من كثرة المياه التي ابتلعتها واشعر بها ثقيلة.

اتوجه الى ابي، وانا اسحب خرطوم المياه خلفي، دون ان اعير انتباها للاوحال التي علقت بي. ينظر اليّ فتتعلق عيناي بشفتيه المتشققتين. اشعر بالذنب. ادير ظهري وابتعد عنه بعد ان يأخذ الخرطوم مني. اتمنى لو تخونه يداه بعملهما. ألتفت اليه مجددا لتكون شفتاه اللتان بقيتا على حالهما اول ما وقع عليه نظري.

يرتفع صوت المؤذن. هذا الصوت الذي انتظرته طوال اليوم، اسمعه دون فرح. آخذ مكاني على مائدة الكبار وسط اهتمام والدي وتذمر اخوتي. اللهم اني لم اصم لك. لا شيء على المائدة يثير شهيتي. انظر صوب اخوتي الاصغر. احسدهم على صخبهم واعد نفسي بأنني سأتناول افطار شهر رمضان على مائدتهم ما استطعت ذلك في حياتي واحلم واياهم بالعيد وثيابه الجديدة فقط.