تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إييييييييييييييه يا رمضان



منير الليل
10-20-2004, 10:44 AM
يغير في شكل حياة بعض الشباب لكنه لا يغير في مضمونها
رمضان... شهر الطعام والسهر والرقص والتوقف المؤقت عن الكحول؟!
راني بيطار


<<مسابقات، مسلسلات، سهرات، أغان، نراجيل، طعام..>>. هكذا يختصر زياد شهر رمضان. هو يصوم <<لأن الجميع يصوم. لا يصلي. برنامجه لا يختلف كثيرا عن باقي الأشهر. بعض الاماكن تتغير وبعض التوقيت. الحانات والنوادي الليلية تحل مكانها المقاهي والمطاعم والخيم. الكحول تستبدل بالتمر هندي والجلاب والعصير. لعب الورق يستمر احيانا حتى وقت السحور. النارة دائما فوق نرجيلة بنكهة التفاح او العنب.
زياد وكثير من اصدقائه المسلمين يعيشون رمضان على هذا النحو. بعد افطار <<واجب>>، في اغلب الاحيان، مع العائلة، يتجمعون ويقصدون أحد مقاهي بيروت الشهيرة. هناك يدخنون النراجيل ويلعبون طاولة الزهر أو الورق. أحيانا يسهرون في إحدى الخيم الرمضانية أو في أحد منازلهم حيث يلعبون الورق ايضا. منهم من يتابع حلقات مسلسل عربي. في جلستهم لا شيء يتغير وان تغير المكان. قبل وبعد رمضان ما زالت مواضيع احاديثهم على حالها. رمضان غير لهم الشكل لكنه لم يغير المضمون. تراقبهم فتجد عينا على ورق اللعب وعينا على فتاة تمر في وسط الشارع في وسط بيروت. احدهم يبادر: <<شو مظبطة حالها منيح، خيي رمضان كريم>>. الفتيات، مغامراتهم الخاصة، صديقاتهم، اي شيء كان يشغل بالهم ما زال يشغل بالهم. حتى سهرة العيد بدأوا يفكرون بها من اول يوم في رمضان. وطبعا لا ينسون ان يسألوا كل ليلة السؤال المتوقع: <<شو فطرت اليوم؟>>.
لكنهم لا يشربون!
<<فتوش، بطاطا مقلية، شوربا، تمر، غيرها من المقبلات، وجبة أو وجبتان أساسيتان على الأقل، حلويات، لا أفهم لماذا كل هذا الطعام>>. نجوى لا تفهم كيف يستطيع الفرد أن يشعر بجوع وعوز الآخرين ان كان يتخم بكل هذه الكمية وهذه الأنواع من الطعام كل ليلة. ما يزعجها أن كميات كبيرة من فضلات الطعام ترمى كل يوم. <<مصروف شهر رمضان أكبر ومضاعف بالنسبة للأشهر الأخرى. وكأن بين الناس من لديهم جوع عتيق. أفهم هذه الطقوس. لكنها تتحول إلى شكل من دون معنى. ما يتغير في رمضان هو أن الناس التي تموت من التخمة يزيد عددها لكن الناس التي تموت من الجوع لا ينقص عددها>>.
أمور ترافق وجبة الإفطار العائلية أحيانا تتذكرها زينة فتضحك: <<بعض العائلات يجتمع أفرادها لكن! بينهم الذي جلس على الطاولة منتظرا قبل موعد الافطار. الام تخلط الفتوش وعينها على شاشة التلفزيون. منهم من يستعجل الأذان. سجال حول اختيار القناة. اثناء الافطار لا تواصل. الأعين مسمرة على التلفاز او على الوجبات الشهية. سجال آخر على جلي الأواني والصحون>>. زينة تخبر عن صديقة لها يأتي الصوم عندها ضمن برنامج الحمية لانها تريد ان تخفض وزنها. وتتحدث مطولا عن فتيات لا ينزعن انواع المساحيق عن وجوههن طيلة ايام الشهر. يصمن ومساء يتبرجن بألوان أخرى اكثر قوة ولمعانية ويلبسن اجمل حللهن ويتوجهن للسهر في المقاهي او الخيم>>.
الساقي في النادي الليلي يخبر زميله انه منزعج لأنه أكل كثيرا تلك الليلة. يمد يده الى بطنه ويمسده. <<انا لا أصوم. لكني لا اشرب الكحول في شهر رمضان>>. يبتسم وهو يقول: <<لكني أحرص يوميا ان افطر مع اهلي>>. هذا الساقي وان اعترف ان عدد الرواد يتأثر بشهر رمضان الا انه اشار الى عدد من الزبائن يطلبون منه مشروبات منشطة غير كحولية او انواعا من العصير. يقول: <<هؤلاء شباب مسلمون. يشربون (الكحول) طيلة العام لكنهم يتوقفون اثناء رمضان. في هذا الشهر لا يشربون لكنهم يسهرون ويرقصون. يفعلون كل شيء.. لكن لا يشربون>>. عندما تواجهه بانه مثلهم يقول: <<كله شهر. جيد ان يتوب فيه الفرد. كما انه يريح كبده قليلا>>.
كريم يتوقف عن شرب الكحول قبل اربعين يوما من شهر رمضان. لكنه يحتفل بقوة اول ايام العيد. نقاش بينه وبين صديق له حول ان الحلال حلال دائما والحرام حرام دائما لا يصلان بعده الى نتيجة. صديق كريم وكي يستفزه يقول له امام الاخرين الموجودين: <<هو لا يتوقف عن الشرب قبل اربعين يوما فقط انما اثناء رمضان لا يرى صاحبته الا مساء ولا يقبلها مثلا الا مساء. كما انه في العام الماضي اثناء رمضان كان في باريس. وفي باريس لم يمر عليه رمضان هناك، لا رمضان في باريس، اليس كذلك؟>>. كريم يكتفي بالرد: <<انت لا تفهم في هذه الأمور، الا تخجل انك عدت في الامس ثملا. انت كافر. سنرى من منا في الجنة ومن في النار>>. صديقه يجيب: <<اللي بيعمل السبعة وذمتها كل السنة ويتوب في رمضان مؤكد انه في الجنة>>.
رمضانان!
معلمة ثانوية تستغرب سلوك طلابها المراهقين اثناء رمضان. تجد ان عددا يناهز النصف بينهم يصومون فقط لانهم يصومون. ان سألتهم عن السبب لا يعطون اجوبة مقنعة. الكثير منهم لا يمارس اي طقوس دينية اخرى. <<مثلا هؤلاء لا يصلون وليسوا ملتزمين دينيا. وتجدهم يريدون ان يظهروا للآخرين انهم صائمون. لا أفهم تصرفهم. كما ان صيامهم لا يترافق مع تغير في السلوك. والمشكلة ايضا انهم يستغلون صيامهم كحجة للكسل والتلكؤ واهمال واجباتهم. اضافة الى ان متابعاتهم للبرامج والمسلسلات تشكل لهم مادة دسمة للحديث اليومي وطبعا للتسلية وتضييع الوقت. اتساءل احيانا ماذا يبقى من رمضان ان جردناه من كل هذه الظواهر والمظاهر؟ كما هل هناك شيء في العمق وفي المعنى ام ان ما نعيشه في رمضان هو مجرد اشكال وقشور؟ لا اريد ان اعمم لكن الشاشات والطلاب والشارع حتى امي وجاراتها لا يدلون سوى على ان امور تتغير، الدليل ذاكرتي. رمضان الذي في ذاكرة الطفولة ورمضان الذي أعيشه اليوم، رمضانان مختلفان تماما>>.
<<انا فتاة غير متدينة لكن بالنسبة لي رمضان كما عيد الميلاد كما كثير من المناسبات الأخرى هي فرصة للقاء الأحبة وتمتين العلاقات. احب ان نجتمع مع اصدقائي لتناول الافطار معا ولنتحدث ونتواصل. حتى تحضير الطعام يكون جميلا خصوصا ان بيننا من يصوم ومن لا يصوم. جميل كما سهرة عيد الميلاد حيث نجتمع ونتبادل الهدايا. هذا ما يهمني في هذه المناسبات هو البعد الانساني الذي يترافق مع سلوك وقيم وليس العادات الاستهلاكية والبعيدة عن القيم الانسانية والتي تروجها التلفزيونات خصوصا المسابقات والنقل المباشر لسهرات رمضانية. انا كما قلت لست متدينة. لكن من الجيد ان نستغل هذه المناسبات الدينية لنرسخ قيم انسانية وعادات وتقاليد اجتماعية مشتركة وجميلة>>. هذه الفتاة تنتقد ما تسميه انفصام الشخصية او الازدواجية التي تجدها في كثير من الافراد وفي المجتمع احيانا وفي المؤسسات. <<لا افهم كل هذه الحملات الاعلامية للتبرع اثناء رمضان. كأن المعنيين لا يهتمون باليتامى والعجزة والمعاقين الا في شهر رمضان. وكأن ذلك لا يجب ان يكون عملا مستمرا. كما لا افهم ان محطة تلفزيونية تبث كل الكليبات الغنائية الفاضحة والغنية بالايحاءات الجنسية وما شابه ثم تتوقف عند موعد كل آذان لتعلمنا انه حان الآن موعد آذان المساء مثلا. كيف سينتقل المشاهد مثلا من أجواء هيفاء وهبي مباشرة الى جو الصلاة؟ اضافة الى الكثير من المؤسسات التي تبث ما يتناقض مع الاسلام. التناقض يوجد في انها تظهر في امور انتمائها الاسلامي وفي امور اخرى تتساهل ونغض النظر. لا أفهم هذه الازدواجية>>.
وجه رمضان يبدو انه يتغير مع الوقت. عادات وتقاليد هذا الشهر تتغير. اصبح هناك فولكلور رمضاني. فولكور شكلي فقط. كثيرون غير منزعجين مما يتحول إليه رمضان. الخضرجي يهمه ان تشتري السيدة <<اوالي>> الفتوش كل اليوم. اللحام زاد سعر كيلو اللحمة. مؤسسات الخير والرعاية سعيدة باموال المتبرعين.
التلفزيونات ترحب بأي اتصال. المشاهد يطمح بربح دولارات قليلة. الساهرون يدفعون امولا لياكلوا ويسهروا ويرقصوا طيلة الشهر واصحاب المقاهي والخيم يتنافسون في تقديم لوائح وجبات وفنانين وفنانات. الاستهلاك والمنفعة هما معادلة رمضان الواضحة والمنقولة. كلما تستهلك اكثر كلما هناك من انتفع اكثر.
سؤالان يختصران واقع بعض الشباب الرمضاني هما: <<شو فطرت اليوم؟>> و<<شو رح نعمل عالعيد؟>>، وذاك الشاب توقف عن شرب الخمر قبل اربعين يوما وينتظر الجنة.