تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أنا مفتري...



no saowt
09-26-2004, 03:52 PM
غطّ الحمام، طار الحمام...

أدعو الله أن يكون كل ما سأكتبه إفتراء وكذباً على الغرف السوداء، هذه الغرف التي تنزوي في الأقبية العفنة، التي لا تدخلها أشعة الشمس إلاّ خطأً، فهي مازالت تجترّ أسلوب عمل الأنظمة العربية خلال فترة الستينات والسبعينات التي تخلّت هي نفسها عنها وبدأت بابتكار أمور أكثر حداثة.

اصطلاح الأشباح والغرف السرية والأجهزة كلها كلمات درج على ذكرها اللبنانيون لتبرير حدث مجهول فاعله، مجهول مدبّره، مجهول حاميه.

لنمشِ خطوة خطوة، تمّ إقرار التمديد وبدأت الوفود الشعبية يتقدمهم الموظفون من رؤساء بلديات ومخاتير ووجهاء يتقاطرون على القصر الجمهوري ليقدّموا التهاني بالتمديد، لا أخفيكم أنني للحظات ترددت بالانضمام إلى هذه الجموع المحتشدة، فاليوم "أحد"، ونظراً للضائقة المعيشية فإن المشاريع مغيّبة في هذا اليوم اللهم إلا إذا أتى الأحد في اليوم التالي لقبض الراتب، إذاً الملل يخيّم على الأجواء، إضافة أنها ستكون فرصة فريدة للدخول إلى قصر بعبدا، والتجوّل في قاعاته المهفهفة، والاقتراب من السياسيين قدر الإمكان، فهذه فرصة لن تتكرر، فالفرحة أنست الجميع مقاماتهم.

على كل حال وبعد يوم حافل بالتهاني والتبريكات، حلّ الظلام، فأضيئت الأنوار الخافتة في الغرف السوداء، وتمّ تشغيل المروحة الموجودة في السقف على أبطأ درجة، ليكون الجوّ شبيهاً قدر الإمكان وكما يصوّر في الأفلام بطاولة مقامرة، يجلس حولها أربعة أشخاص وغانية.

في هذه الليلة الظلماء، طُلب من إحدى الجمعيات من فئة "روح روح، تعا تعا" توزيع بيان تتهجّم فيه على أمين عام الجماعة الإسلامية، مجتزأة بعض الجمل، مسترجعة بعض الفتاوى التي قيلت قبل ربع قرن من الزمان، (إما وتمّ توزيع البيان بشكل واسع في العديد من المناطق اللبنانية. من محاسن الصدف أن أياً من الأجهزة الأمنية المتعددة لم يصادف أحداً من موزعي البيان ليسأله عمّا يفعله، وما الذي يوزّعه، ويقرأ ما يحويه البيان وهل فيه ما يخالف القانون، أو يسيء إلى أحد،

أو أنه يضرّ بالاستقرار الأمني الذي "تحرص" عليه هذه الأجهزة، على الرغم من أن الدوريات الأمنية تصول وتجول باستمرار في شوارعنا، لكن شاءت الأقدار أن يفلت مئات الموزّعين منهم. مع العلم أن الصحف اليومية تزخر بأخبار "نجاح" هذه الأجهزة بإلقاء القبض على أشخاص يقومون بتوزيع بيانات (تحرّض وتتهجّم وتسيء إلى...)، ويتمّ زجّهم في السجون.

لم يكن ذلك هو التصرّف الكيدي الوحيد الذي سأحسن الظنّ بأنه اجتهاد من جماعة الـ "روح روح، تعا تعا" سعياً لإرضاء الغرف السوداء، لكنني سأكتفي بذكره محسناً الظنّ كما قلت بأنه كان غير مقصود.

ولكن لابد من توجيه نصيحة إلى أصحاب هذه الغرف -إذا كانت موجودة طبعاً-، أقول: إفتحوا الباب ودعوا أشعة الشمس تدخل إليها علّها تخفف من العفونة والرطوبة المستحكمة بها، لعلّ نور الشمس "يفونس" الخفافيش التي لا تسرح إلاّ في الأماكن المظلمة، لعلّ حشرات "الروح روح، تعا تعا"، تتوقف عن التسلل بين فتحات جدرانها المتفسّخة.

نتائج الجلسة إياها بدأت بالظهور، وفي مصادفة ملفتة عَلَت الأصوات و في أكثر من مكان شاكية من تصرفات كيدية، يجمعها فقط موقفها المعترض على قرار التمديد، وأكرر بأنني أرجو أن تكون "جميع" هذه الأصوات – ومن بينها صوتي طبعاً- كاذبة ومفترية.

أوّاب المصري