تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إنقاذ "مؤسسة الدراســات الفلسطينية"



no saowt
09-11-2004, 03:58 AM
إنقاذ "مؤســســة الدراســات الفلســـطــينـــيـــة"
بتحويلها جامعة للدراسات الاسرائيلية

يتداول عدد من الاشخاص المطلعين على اوضاع “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” في بيروت معلومات عن اتجاه “المؤسسة” الى تقليص عدد من انشطتها، وبينها ايقاف صدور اثنتين وربما اكثر من المجلات الاربع الفصلية التي تصدرها باللغات الانكليزية (2) والعربية (1) والفرنسية (1) من مكاتبها (الرئيسي) في بيروت وواشنطن وباريس والقدس الشرقية (المنتقل الى رام الله حاليا بسبب صعوبات ناتجة عن حجم الاجراءات الاسرائيلية في الضفة في سنوات ارييل شارون الاخيرة).

صحيح ان المعلومات لا تتحدث حتى الان عن مشروع اقفال نهائي. الا ان “التجارب” السابقة في مجالات من هذا النوع – على تفاوت المستويات – تطرح الاحتمالات الاسوأ عندما يبدأ “جو” التقليص.

لست هنا في مجال فتح “حملة تضامن” نوستالجية من تلك التي تحفل بها مدينة بيروت في العشرين عاما واكثر الاخيرة، من نوع “انقذوا مطعم فيصل” او بعد ربع قرن تقريبا “مطعم المودكا” او على مستوى آخر، كما كان يحصل ايام الحرب حين تنتقل مؤسسة اقليمية او دولية من بيروت الى عاصمة اخرى.

المؤسسة التي نتحدث عنها اليوم، ليست مجرد “ضيفة” باقية من عهد ذهبي لبناني منصرم، أو من عهد ذهبي من الاستقطاب اللبناني للنخب الفلسطينية وتطلعاتها في الستينات حتى منتصف السبعينات...

هناك طبعا شيء من كل هذا في موضوع “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” التي تأسست عام 1963 بمبادرة من عدد من الشخصيات اللبنانية والعربية والفلسطينية ولولبها الدكتور الجدير بالاحترام وليد الخالدي الذي اسميته مرة: “والي بوسطن” في مجال النبالة السياسية لقلة من الاكاديميين الفلسطينيين توزعت بين جامعات رئيسية في الولايات المتحدة الاميركية وبينها وليد الخالدي من “هارفرد”...

فباشرافه البعيد والقريب نجحت هذه المؤسسة في ان ترسي قواعد عمل بحثي ونشري رصينة، مثلت لاوساط اكاديمية غربية جادة وواسعة احد الاصوات الفلسطينية الاكثر مدعاة دائمة للرصانة في مجال البحث والرصد للصراع العربي – الاسرائيلي وتحديدا للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وبصورة خاصة داخل هذا التحديد... مدعاة لمستوى عال من الدراسة والمتابعة العربيين للشأن الاسرائيلي... ان لم تكن الصوت الاهم فلسطينيا. انه بحد ذاته يرقى – ولا اجد غير هذا التشبيه – الى مستوى الرصد الغربي والاسرائيلي الاكاديمي للاوضاع العربية والفلسطينية.

لقد لمعت مؤسستان فلسطينيتان في العقود الماضية. لكن ومع كل الرحمات على المركز “الشهيد” مركز الابحاث الفلسطيني الذي قضى تحت الاجتياح الاسرائيلي لبيروت، وكانت له مساهماته الملموسة في تعزيز وتثبيت “الاختصاص” الفلسطيني والعربي بالشأن الاسرائيلي، الا ان سمعة “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” منذ تلك الايام كانت افضل في المجال البحثي لاسباب عديدة، بينها بدون شك أن “مركز الابحاث” كان اكثر صلة بمجالات خدمات معرفية يومية تحت وطأة الحاجة السياسية وارتباطه المباشر بالقيادة السياسية الفلسطينية. خدمات من نوع “نشرة رصد اذاعة اسرائيل”... فيما كان عمل “مؤسسة الدراسات” ابعد عن هذا الضغط اليومي.

انه لمن المفيد، فيما أظن، اعادة التذكير به، ان انشاء “المؤسسة” كما “مركز الابحاث” يمكن قراءته في سياق تطور الحاجة الى “الاختصاص” العربي بالشأن الاسرائيلي. انه “اختصاص” يعود الفضل المبكر في تأسيسه الى “المخابرات المصرية” في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، الا ان خدمات هذا الجهاز، بما فيها تعليم العبرية، كانت محصورة في نطاق سري ضيق. ولم تخطُ الدراسات العربية في الشأن الاسرائيلي خطوتها الثانية النوعية في تعميم معرفتها على نطاق اوسع الا مع استلام “المدرسة الفلسطينية” لمقاليد قيادة العمل الوطني الفلسطيني في الستينات وتحديدا بعد 1967. فتخرّج على يد هاتين المؤسستين جيل كامل من اللبنانيين والفلسطينين الذين يتقنون اللغة العبرية ومنهم من تحول الى اختصاصيين في الشؤون الاسرائيلية هم اليوم... مثل الصديق احمد خليفه، اصبحوا اساتذة لجيل ثان في هذا المجال... الى ان بدأ – ما اسميه الجيل الثالث – وهو خريجو السجون الاسرائيلية الفلسطينيون (ولبنانيون) في اللغة العبرية وفي الاختصاص باسرائيل... وهي تجربة تواكبت مع بدء – خجول – للصحافة العربية في ترجمة النصوص الاسرائيلية بدون اية محرمات لتتحول “الصفحة الاسرائيلية” في الصحافة العربية وبريادة من الصحافة اللبنانية الى تقليد يومي شائع... شاع حتى غمر النسيان اصحاب المبادرة الاوائل فيه من الصحافيين الذين كانوا يتعرضون لـ”المحاكمة” حتى داخل الصحف التي يعملون فيها في الفترة الاولى لاقدامهم على نشر ترجمات كاملة بدون اي تدخل للكتّاب والصحافيين الاسرائيليين.

هذه اوجه نشاطات لـ”مؤسسة الدراسات الفلسطينية” اعرف عنها، بما فيها الدور الحواري والاستقطابي المهم

لمجلتها الفرنسية مع المثقفين والسياسيين في باريس والعالم الفرنكوفوني. ولكن هناك اوجه لا نعرف عنها كثيرا، منها المكتبة الهامة في بيروت... ومنها انشطة الندوات والمحاضرات التي كانت تجري (ولا تزال احيانا) بين مهتمين، طلابا واساتذة لبنانيين وعربا وغربيين. (وكأي مؤسسة رصينة يمكن ان يخضع التقييم النقدي لأنشطتها المختصة الى عمل المختصين أنفسهم من داخلها وخارجها).

* * *

باختصار ما اريد ان اقوله هنا – وهو الغاية الرئيسية لهذه المقالة – ان نواة اول “جامعة للدراسات الاسرائيلية” موجودة في بيروت وتتمثل في مبنى “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” في فردان.

نعم ليكن تضامننا مع هذه المؤسسة المحترمة (فعلا) بتحويلها الى اول جامعة عربية للدراسات على اسرائيل (وطبعا الصراع العربي – الاسرائيلي).

كل انشطتها البحثية الاخرى يمكن ان تستمر في اطار هذه الجامعة الجديدة المفترض ان يتسلم مقاليدها وليد الخالدي: المجلات، المحاضرات، مركز البحث والامتدادات في العواصم هي ضمن الجامعة (او الكلية) التي سيصبح تأسيسها (وعمليا توسيعها) احدى الاستجابات البارزة على المستوى الاكاديمي لمتطلبات تعليم جامعي عربي (... “يتميز” بتراجعه وبانهياره الاستراتيجي في العقود الثلاثة الماضية).

هذا هو الاقتراح الذي يمكن ان يتعزز عبر الامكانات المالية بعدد من الاختصاصيين الفلسطينيين الذين انتج الصراع اليومي الهائل كفاءات رفيعة منهم في الشأن الاسرائيلي.

وختاما: اية بيروت كبيرة مزدهرة يكون وجود جامعة للدراسات على اسرائيل علامة لا تخطىء على حداثتها...ا لفعلية...

... بدل ان تبقى هواجسنا “هستيرية” ومتخلفة في... الشأن الفلسطيني.
جهاد الزين