تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : 11/9 فهرنهايت [الوجه الآخر لبوش]



أنوار الولاية
08-09-2004, 06:02 PM
في نيويورك يقف الجمهور مصفقاً في نهاية الفيلم. وفي باريس وبيروت تشتعل الايدي لحظة انطفاء الشاشة. مايكل مور في فيلمه التسجيلي الاخير، "فهرنهايت 9/11"، "يفش خلق" الناس، ويخلق مناخاً من السخرية والغضب، والدراما التي تختلط بالميلودراما. شخصية الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش تُعالج سينمائيا، وتوضع تحت كاميرا تشريحية ولمّاحة. والى جانبها صور متعددة عن المجتمع الاميركي، من مافيا الشركات العملاقة التي تتزايد ثرواتها على ايقاع الحروب والموت، الى العلاقة بين آل ابن لادن وآل بوش، الى مجتمع الفقراء في الولايات المتحدة الذي يقاد ابناؤه الى التجنيد في الجيش من اجل الموت والى آخره.. أم فقدت ابنها تقف باكية امام البيت الابيض، وضباط يصطادون شبان الاحياء الفقيرة باغراءات الجيش، وكذبة قادت الى اشعال الشرق الاوسط بالحروب، ودم.

أنوار الولاية
08-09-2004, 06:03 PM
يبدأ الفيلم بشاشة سوداء، نستمع في ثناياها الى صوت تحطم الطائرتين في برجي نيويورك، وينتهي بالاتفاق للمرة الوحيدة مع الرئيس الاميركي في ان الخدعة يجب ان لا تتكرر. بين البداية السوداء والنهاية المتفائلة عالم ينبني ويتهدم داخل لعبة المزج المدهشة بين التسجيل والمونتاج. ربما كان هذا المزج هو العلامة الخاصة التي يصنعها مايكل مور في فيلمه عن بوش. الفيلم ليس تسجيليا الا بمقدار ما يلعب التسجيل دور الخلفية الانسانية للصور والمواقف التي تم توليفها، كما انه ليس توليفا الا بمقدار ما يلعب المونتاج دور واجهه يتم تفكيكها وكشف لعبتها الداخلية، في سياق واقع مأسوي تصنعه عصابة امراء الظلام التي استولت على البيت الابيض. من انقلاب فلوريدا الذي قلب نتائج التصويت واسقط آل غور، الى التركيبة الاحتكارية لشركات النفط وشركات اعادة الاعمار، التي دفعت الى شن الحرب على العراق.

التسجيلي في خدمة التوليفي، والتوليفي استعادة لصور ومشاهد ارشيفية. هذه هي لعبة مايكل مور الحاذقة في فيلمه. فالفيلم ليس مجرد منشور سياسي ضد اليمين الاميركي المتطرف بل هو ايضا قراءة بالصور لواقع تحاول الصورة السائدة ان تحجبه. هنا ينجح مور في شكل مدهش. بساطة تفكك التعقيد، وسذاجة تسخر من تذاكي السلطة، وانسان اميركي بسيط يحاول ان يكتشف ويكشف احدى اشد اللحظات قذارة في التاريخ السياسي الاميركي المعاصر.

هذا التوازي بين التسجيلي والتوليفي، يفتح آفاق الفيلم، ويجعله قادرا على مخاطبة جمهور اميركي واسع يقبل على الصالات، جاعلا من "فهرنهايت 9-11" علامة جماهيرية لا سابق لها في السينما التسجيلية.

أنوار الولاية
08-09-2004, 06:04 PM
مايكل مور لا يخفي اهدافه. فالمخرج الذي حمل الاوسكار في العام الماضي كي يطلق صيحة ضد الحرب على العراق، ويقول: "عار عليك يا سيد بوش"، يخوض عبر فيلمه الجديد معركة اسقاط الرئيس الاميركي في الانتخابات الرئاسية. ويستخدم في سبيل ذلك الكاميرا كسلاح في مواجهة تحويل السلاح الى اداة قتل مصورة، واندفاعة اليمين الجديد الى الكذب والاحتيال، من اجل فرض منطق القوة والحروب والاحتلال والافقار على العالم بأسره.

مايكل مور ينطلق من المتن والهامش في آن معا، وهذا سرّ قوة فيلمه. في الهامش تذهب الكاميرا التسجيلية الى الاحياء الفقيرة او تحاور عائلة فقدت ابنها في العراق، او تسأل اعضاء الكونغرس لماذا لا يرسلون اولادهم الى الحرب. وفي المتن تبرز القيم الاميركية بمختلف تلاوينها، وتعلو صورة المواطن الاميركي البسيط والساذج كي تواجه صورة الرئيس الساذج. سذاجة طيبة وصادقة في مواجهة سذاجة ماكرة وكاذبة. هذه هي اللعبة التي تجعل ملايين الاميركيين اسرى امام قوة الفيلم وجمالياته المباشرة، وصرخته. الاميركي الطيب في مواجهة الاميركي القبيح، ولا شيء آخر. كاميرا مور جزء من عيون الناس، ترى ما يرون لكنها تذهب الى قول ما لا يقال. تولّف مشاهد سياسية متفرقة، وتتركها تتكلم، موحية للمتفرج انه يكتشف الاشياء بنفسه، وان سلطة الكاميرا ليست سوى اداته من اجل ان يرى في شكل افضل.

الفيلم سياسي ومباشر، ولا يخفي دعوته. انه ينطلق من مجموعة القيم الليبرالية والانسانية في المجتمع الاميركي، كي يقاوم قيم اليمين الجديد التي تصنع الفقر والحروب. قد يكون الفيلم على شيء من التبسيطية، لكنه مخلص في هذا لتراث السينما الاميركية التي تفصل بين الطيب والشرير. مور يلعب اللعبة الى النهاية، ويمشي في خط مستقيم، تعقيداته تنحل وتظهر واضحة وجلية. الادانة ليست للقيم الاميركية، والنقد ليس موجها ضد النظام الاميركي، ولا يدعي جذرية لا ينتمي اليها. النقد ينطلق من ثلاث نقاط: الغباء والكذب ومصالح الشركات النفطية الاحتكارية.

بوش غبي، تسلق الى البيت الأبيض عبر انتخابات مزورة، وهو اداة في يد كتلة اليمين التي يتزعمها تشيني.

بوش كاذب، الحرب على العراق كانت نتيجة كذبتين: اسلحة الدمار الشامل، وعلاقة نظام الديكتاتور العراقي السابق بالقاعدة.

بوش اداة في يد الشركات الاحتكارية، الهدف هو ثروة العراق، وانابيب نقل النفط في افغانستان. اما الحجج حول الديموقراطية وتحرير العراق، فليست سوى ادوات من اجل تحقيق المزيد من الارباح.

الضحية الاولى لادارة بوش هي الشعب الاميركي، والضحية الثانية هي القيم الاخلاقية. هذه هي لعبة الفيلم الاساسية. يخاطب الاميركيين في وصفهم ضحايا، ويعرض امامهم صورا بالغة الوضوح، تكشف زيف الحياة السياسية التي صنعتها الادارة الجمهورية.

تختفي بساطة الرسالة ووضوحها خلف بناء سينمائي محكم، وخلف رؤية اخراجية تنجح في دمج المستويات، كأنها تروي حكاية متكاملة. شخصية مور مركزية في الفيلم على الرغم من انها لا تظهر الا في شكل نادر. انها صوت المواطن العادي، لكنها لا تعبر عنه فقط، بل تعبر من خلاله ايضا. اي ان مزج التسجيل بالتوليف يقدم لوحة موازية وليست مضادة للاعلام الاميركي.

ربما قد يجد النقاد الكثير من الملاحظات، وخصوصا حول عدم جذرية الفيلم، او حول عدم ذهابه بعيدا في نقد الحياة الاميركية. فالحرب على العراق هي محصلة حمقاء لأعوام الحصار الطويلة، ولشهية اميركا المفتوحة على النفط العربي، وليست فقط نتيجة رعونة جورج بوش. البعض لم يعجبه النقد الموجه ضد السعودية وهذا امر مفهوم في اعلامنا العربي الحر! والبعض الآخر تساءل لماذا لم يوجه النقد الى اسرائيل، وهذا حق يراد به تشويه صورة الفليم في العالم العربي.

لكن رغم كل شيء، لم استطع ان لا اصفق مع المصفقين. السينمائي الاميركي تصرف بحس المواطن الذي يشعر بالخطر، وقدم صرخته بالكاميرا، وصنع فيلما مؤثراً.