تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يا من تكفرون الصحابة . هل من سبيل الى التوحد؟؟؟



حفيدة الصحابة
08-05-2004, 08:24 PM
يا من تكفرون الصحابة . هل من سبيل الى التوحد؟؟؟

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

المقــدمـة

إن الحمد لله نحمده سبحانه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له .. أما بعد

فإن الأمة الإسلامية تعيش صحوة مباركة أسأل الله سبحانه أن يجعل ثمارها يانعة ، ولا يمكن أن يدع الكفار الأمة تصحو وإن صحت فسوف يمنعونها من النهوض. ولن تنهض إلا بعد أن تصابر الأعداء ، وتصبر الصبر كله بأنواعه ، وتتقي الله ربها ، حينئذ تنال الأمة الإمامة والقيادة وتكون نهضتها مباركة بإذن الله تعالى . ومن كيد الأعداء استغلال افتراق الأمة وشتاتها، واختلاف شعوبها وقيادتها.

ومن أهم أسباب الاختلاف وهو وقوده ومادة اشتعاله: ذلك الركام التاريخي الهائل ، وقد أجاد القصاص فن سبكه وحبكه ، وأتقن أصحاب المصالح استغلاله في تحريك العواطف وكسب التأييد ، وتحريك الجماهير، وكسب الأموال ، وأصبح الرصيد التاريخي السلّم الذي يرتقونه ليصلوا إلى أهدافهم.

وينبغي على المسلمين لا سيما طلبة العلم بيان الحق والذب عنه ودعوة أهل الإيمان إلى الاعتصام بالكتاب والسنة ونبذ الفرقة وإفشال خطط الأعداء في تمزيق الأمة وجعل بأسها بينها. ولا يخفى على القارئ الكريم بأن الشرارة التي جعل منها القصاصون ناراً ما حصل بين الصحابة - رضي الله عنهم - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إسهاماً في تجلية الحقيقة والدعوة إلى الله تعالى ، كتبت هذه الرسالة للمسلمين عامة رجالاً ونساءاً صغاراً وكباراً . على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم ، مع الحرص على الأدلة العقلية والنقلية لاسيما من القرآن ا لكريم مع إثارة العواطف والإقناع العقلي لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بذلك. والصواب من توفيق الله وأستغفر الله من تقصيري وكل ذنب وخطيئة. وأملي في القارئ أن لا ينسانا من الاقتراحات المفيدة، والتوجيهات السديدة.


كتبها

صالح بن عبد الله الدرويش

القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف

ص ب 31911

****************************

من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم
قال تعالى ( رَبّنَا وَابْعَث فِيهِمْ رَسولاً مِّنهُمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ ءَايَتِك وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَب وَ الحِْكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنّك أَنت الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ ) [ البقرة 129 ]


وقال تعالى ( هُوَ الّذِى بَعَث فى الأُمِّيِّينَ رَسولاً مِّنهُمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ ءَايَتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَب وَ الحِْكْمَةَ وَ إِن كانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضلَلٍ مُّبِينٍ ) [ الجمعة 2 ]


نصوص صريحة وواضحة الدلالة على التلازم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام (1) ، ومن مهام الرسول صلى الله عليه وسلم التي لأجلها أُرسل ما ذكره الله عز وجل هنا ، وهي من الواجبات الشرعية عليه ومن الحكم البالغة في رسالته وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام . أنقذ اللهُ به الناس من الضلال المبين ، ومن الشرك والكفر إلى الإيمان والتوحيد .

نعم عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قومه في مكة وبعثه الله فيهم

--------------------------------------------------------------------------------
(1) القول المختار في الصحابي أنه من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ولو فترة من الزمن ومات على ذلك وطول الصحبة أثرها في المنزلة


ولا تجد بطناً من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة ، وحتى الأنصار !! منهم أخوال عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو النجار ؟؟

قال الله تعالى ( رَسُولاً مِّنْهُمْ ) .

نعم اختار الله للمصطفى عليه السلام أشرف نسب فجعله من ذرية إبراهيم عليه السلام ، وبعثه في خير البقاع مكة المكرمة ، والنبي عليه السلام دعوة أبيه إبراهيم عليهما السلام ، وهو سيد ولد آدم عليه السلام ولا فخر ، وصاحب المقام المحمود ، والحوض المورود ، والشفاعة الكبرى يوم القيامة ، والمنزلة الرفيعة ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير البشر ، وإمام المرسلين أجمعين باتفاق الأمة ولله الحمد والمنة .

ومن كمال نعمة الله على الرسول صلى الله عليه وسلم أن اختار الله له خير الأصحاب فهماً ورجولة وشجاعة ، ولا غرو في ذلك فهم أقاربه وعشيرته ، وخير الناس نسباًَ ، وأكرم الناس خُلقاً . وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " (1) .




--------------------------
(1) البخاري 6/298 ومسلم برقم 2526 باب خيار الناس .


ولا يخفى عليك بأن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش الذين فازوا بالشرف وعلوا المنزلة وحظوا بها باصطفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فهم أصحاب الشعب الذين حوصروا فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين لا تصح لهم الصدقة ومنهم آل الرسول صلى الله عليه وسلم (1) ومنهم اختار الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً للعالمين .



أخي القارئ الكريم تأمل وتدبر :

قال الله تعالى : ( وَيُزَكّيِهِمْ ) وهم من خيرة الناس وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتربيتهم وتزكيتهم . فهل يعقل الطعنُ فيهم ؟؟؟ وتأمل في تقديم التزكية على التعليم ! فهي الفته لغوية لها دلالاتها .

وقال الله تعالى : ( وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَب وَ الحِْكْمَةَ ) وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الواجب عليه ، فهل يمكن لعاقلٍ منصفٍ يخاف الله أن يصف طلاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهل ؟!

أيها القارئ الكريم : لا تعجل وقف مع الآيات وتدبر في معانيها ( هُوَ الّذِى بَعَث فى الأُمِّيِّينَ رَسولاً مِّنهُمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ ءَايَتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَب وَ الحِْكْمَةَ وَ إِن كانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضلَلٍ مُّبِينٍ ) الجمعة 2

وتأمل في الآية بعدها ( ذَلِك فَضلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ )

-------------------------------------------
(1) سيأتي بيان المراد بآل الرسول صلى الله عليه وسلم وفضلهم في الرسالة القادمة – إن شاء الله - .


فإن صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة كبرى وفضل من الله تعالى ، نعم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وبها فاز الصحابة رضي الله عنهم، وسبقوا غيرهم..

نعم إنه الترابط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام الذين عاش بينهم ومعهم، وفي مقدمتهم أهل بيته الأطهار، وزوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. يفرح الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلوس معهم، ويأنس بهم، وهم جنده ووزراؤه، وطلابه الذين أخذوا العلم عنه، وبينهم عاش وعندهم مات عليه السلام.

نعم إن الذين يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبه يقتدون، يعتقدون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة وبلغ الرسالة وقام بما أمره الله به، ومن ذلك أنه بلغ أصحابه العلم وزكاهم، وهم الذين أخذوا القرآن والسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، وعنهم أخذ التابعون، والحكم بعدالتهم من الدين، ومن الشهادة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بما أمره الله به .

والطعن فيهم يعني الطعن بإمامهم وقائدهم ومعلمهم سيد المرسلين ولا حول ولا قوة إلا بالله!


فكر وتأمل

فإن القضية فيها تلازم لا محالة. لذا فإن توجيه اللوم وتخطئة الناقد لأصحاب رسوله الله صلى الله عليه وسلم أو الناقل هي عين الصواب باتفاق العقلاء وإليك شرح ذلك باختصار.



تــأمــــلات

لا تعجل أيها القارئ الكريم وتأمل معي:

إذا خلوت بنفسك أو مع من تثق بعقله فتفكر وتأمل وهذا من الدين.

قال الله تعالى : ( قُلْ إِنّمَا أَعِظكُم بِوَحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للّهِ مَثْنى وَ فُرَدَى ثُمّ تَتَفَكرُوا مَا بِصاحِبِكم مِّن جِنّةٍ ... ) [ سبأ 46 ].

أرأيتم لو أن رئيساً أو رمزاً لبلد أو لقومية من القوميات ثم جاء من أتباعه الذين ينسبون أنفسهم له من يزعم أو يقرر بأن هذا الزعيم أحاط به ناسٌ من الانتهازيين ، لا بل من الخونة ، وممن يحارب فكر المعلم. وهؤلاء الخونة هم أقرب الناس له وهم خاصته، وأهل مشورته وبيته وبينه وبينهم نسبٌ وصهر ورحم ، وهم الذين حملوا فكره ونشروه.

تأمل وفكر !!

ولا تعجل في الجواب وماذا تقول لو أن ذلك الإمام والرمز مدح أصحابه وأثنى عليهم، وذم من يقدح بهم أو يقلل من شأنهم؟؟.

هل يوجد حاكم له سلطان ويُسبّ مستشاروه ووزراؤه ويوصفون بأنهم خونة وأنهم... وأنهم... وهو راض بذلك؟؟

تأمل وفكر!!

ماذا تقول في عالم بذل كل جهده وعلمه في تعليم طلابه الذين صحبوه وعاشوا معه في السراء والضراء وتركوا الأهل والوطن، والمال، لأجل صحبته وملازمته، والأخذ عنه، والتأسي به، ثم جاء الجيلُ الذي بعدهم وطعن في هؤلاء الطلاب ووصفهم بالجهل وكتم العلم؟؟

ماذا تقول في العالم الذي أخذوا عنه العلم؟؟

نعم ماذا يُقال عن هذا المعلم، وبم يوصف من هؤلاء طلابه وبذل جهده معهم؟؟ هل العيب فيه؟

أو العيب في الطلاب الذين تركوا أولادهم وأموالهم وديارهم لأجل صحبة المعلم والأخذ عنه والتأسي به، ومحبته عندهم فوق محبة الأولاد والأهل والمال والوطن ودليل ذلك فعلهم في هجرتهم إليه..

أو العيب في الناقد الذي طعن في هؤلاء الطلاب ولم يَدر في خلده أن الطعن قد يشمل المعلم ، أو يرجع إليه هو أي إلى الطاعن الناقد ؟

تأمل في حال المعلم والطلاب والناقد ، وفكر وتأمل!!

أخي القارئ الكريم:

تأمل في إمام أهل التربية والتوجيه، وهو القدوة بين الأنام وصحبه أتباعه ومؤيدوه، وعاشوا معه السراء والضراء، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، وعصفت معه المحن بهم ، وبلغت غايتها حتى بلغت القلوب الحناجر وهم معه ولم يتخلوا عنه ولم يتركوه وبه يقتدون.

نعم أخذوا أقواله من فمه مباشرة، وعاشوا الدقائق والثواني بكنفه ، لم يفرطوا في مجالسه وأنفاسه، بل يتسابقون إلى شعره ، وبصاقه ، وتولى المربي بنفسه توجيههم وتربيتهم ، تارة يخاطب الجميع ، وأحياناً يخص بعضهم بالموعظة وتجده ينبه المخطئ إذا أخطأ، ويشكر المحسن إذا أحسن، بذل طاقته، واستفرغ جهده ووقته في تربيتهم، ولم يترك شيئا فيه مصلحتهم ونفع لهم إلا فعله وحثهم عليه ولا ترك شيئا فيه مضرة لهم إلا حذرهم منه.


نعم يعجز القلم عن وصف حال المربي مع أصحابه ومحبيه وأتباعه بين يديه وبأمره يعملون وبه يقتدون ، يشاهدون تصرفاته وأفعاله، ويسمعون أقواله وتوجيهاته. أخذوا من المنبع الصافي من غير واسطة ولا كدر.

فهل يعقل بعد ذلك وصف هؤلاء بأنهم نكصوا على أعقابهم إلا النادر منهم؟؟ يعني الغالبية لم تنتفع بالتربية والتوجيه!! كل ذلك الجهد ذهب سدى ، وباعوا دينهم لأجل مال ، من أخذه ؟؟.

ومن الذي دفعه ؟؟.

تقول: لا بل لأجل جاه وشرف ما هو ذلك ؟ وهل يعادل شرف صحبة الإمام وخدمته ؟ لماذا نكصوا ؟ لا أدري.

المهم أن الناقد يطعن في عدالتهم وأنهم غير تقاة ، وأقل ما يصف الطاعنُ هؤلاء الذين تربوا على يد الإمام القدوة بأنهم ضعاف الإيمان، نعم هذا أضعف وصف.

قل لي بربك العيب في الإمام المربي أم في الذين بذل جهده في تربيتهم، ومدحهم، وزكاهم وعلمَّهَم... و...؟

أم العيب في الناقد الطاعن؟؟

لا تتعجل في الجواب فكر وتأمل !!

فكر في جهادهم مع الإمام المجاهد، وصبرهم معه، وبذل أموالهم، بل محاربة أقرب الناس لهم لأجل إعلاء كلمة الله، وميدان الجهاد من أوسع ميادين التربية العملية، شاركوا الإمام في كل ميادين الجهاد. جهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد الدعوة، وفي كل أوجه الخير تسابقوا، وبعد أن فازوا ونالوا مرتبة الرضا ورضي الله عنهم. بعدها رجعوا يا سبحان الله!!

أخي الكريم لا تعجل اصبر معي قليلاً ، وبعد التأمل احكم ومن معروفك أن ترسل لي كل ما يخطر ببالك من ملاحظات فأنا مستعد للرجوع والزيادة والحذف في الطبعات القادمة إن شاء الله ، المهم واصل معي القراءة في تأمل واحكم بعد ذلك.

أنت تتفق معي بأن الإمام القائد، القدوة، المعلم، المربي، لا يمكن أن يُتهم بتقصير أو ما هو دون ذلك وإذا جعلنا العيب والخلل والضعف في الأتباع وأن عامتهم قد خانوا ولم يستفيدوا، إلى آخر الطعن الموجه لهم فلا شك بأن ذلك يؤثر على الإمام لا سيما إذا قلنا بأن الخونة والجهال هم خاصة الإمام ومن يجلس معهم، وهم الذين أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم فهم الأهل والمستشارون.

لماذا جعلنا العيب في ناقل النقد- الواسطة في النقل ما يسميه العلماء "السند"- أو ذات الطاعن الذي تكلم وطعن وهذا هو عين الصواب وإليك المثال وبعده يتضح المراد.

من المتفق عليه بين المؤرخين أن الإمام علي رضي الله عنه خرج عليه طائفة من جنده أصبح مصطلح "الخوارج " علَماً عليهم ، وبعد مناظرات ومناقشات، ونفذ صبر الإمام رضي الله عنه لما اعتدوا على المسلمين الآمنين وقتلوا عبدالله بن خباب بعدها قام الإمام بمحاربتهم.

فهل يسوغ لعاقل أن يتهم الإمام علي بسبب هذه الفئة من جنده، ويطعن في أصحاب الإمام الذين بايعوه وأصبح خليفة للمسلمين ثم شاركوا معه في القتال هل يطعن فيهم ناقد بسبب فئة من جنده خرجت على الإمام.

وهل يمكن أن يقال بأن عامة الذين بايعوا الإمام كفار، أو فسقة أو جهال، أو خانوا الإمام بعد وفاته، وغير ذلك من الأوصاف لأجل فئة من الناس قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم وأن فيهم علامة وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.

أخي القارئ:

تتفق معي بأن توجيه النقد للإمام علي لا يمكن وكذلك توجيه الاتهام للذين بايعوه انحراف عن الصواب وبدعة شنيعة يخشى على صاحبها، بل بيعة الإمام متفق على صحتها فلا جدال في ذلك، ومن انتقد الإمام أو الذين بايعوه فإن النقد يرجع عليه وتخطئته هي عين الصواب، وإذا هِبت نقد القائل لسمعته ولشهرته فعليك أن تنظر في السند، فقد يُنسب نقد الإمام إلى إمام من أئمة الإسلام من باب البهتان والزور، وهذا في غاية الوضوح.



فكر معي وتأمل:

أعتقد أنك تتفق معي فيما قررته سابقاً بأن النقد لا يمكن أن يوجه للإمام علي رضي الله عنه ولا للذين بايعوه وناصروه بل يوجه للناقد أو للناقل عنه.

هل لك اعتراض على ذلك ؟ ما هو ؟

نعم تتفق معي هذه هي النتيجة الصحيحة أليس كذلك ؟

مما لا جدال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي رضي الله عنه، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الأصحاب، وآله عليه السلام خير آل ، وما قيل فيما مضى يقال هنا بل هنا أولى وأولى.

الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم ، وصحبه الكرام هم الطلاب الذين تعلموا على يديه وفي مقدمتهم آل الرسول عليهم السلام. الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد، وصحبه الكرام هم الجند الذين بذلوا أنفسهم بين يديه وفي مقدمتهم آل الرسول عليهم السلام.

الرسول صلى الله عليه وسلم هو المربي ، وصحبه الكرام هم الجيل الذين تولى بنفسه تربيتهم وفي مقدمتهم ذريته وأهل بيته عليهم السلام.

الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم، وخاصته من المستشارين والوزراء من أصحابه الكرام لا سيما الأصهار والأرحام.

الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ رسالة ربه، وصحبه الكرام هم الذين حملوها عنه وفي مقدمتهم آل الرسول صلى الله عليه وسلم .

إنه التلازم والترابط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام لا ينفك أحدهما عن الآخر وفي مقدمتهم أهل بيته عليهم السلام.

توجيه اللوم والتقصير للنبي صلى الله عليه وسلم كفر باتفاق الأمة.


حقـــائق

تأمل وفكر قبل أن تحكم!

لماذا يحرص أهل السنة جميعاً على عدالة الصحابة والتشديد في القضية؟

سل نفسك وفكر في الجواب. وإليك بعض الخطوط العريضة في المسألة التي تفيدك في معرفة الجواب:

الطعن في صحابة رسول صلى الله عليه وسلم يفتح الباب على مصراعيه لأعداء الإسلام لماذا ؟

أقول أولاً : إذا تم الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن توجيه سهام النقد والتشهير بغيرهم من باب أولى . نعم من باب أولى لما يأتي:

أ - الصحابة رضي الله عنهم أنزل الله في فضلهم آيات تتلى إلى يوم القيامة.

ب - مدحهم المصطفى عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة.

جـ - التلازم والتلاحم بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام لا انفكاك منه فهو المربي والمعلم والقائد لهم..... و .... و.. كما سبق بيانه.

د - لأن المتفق عليه بين الفرق الإسلامية أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وهو إمام المرسلين والأئمة المصلحين فإذا لم يقم عليه الصلاة والسلام بتربية فئة تحمل أعباء هذا الدين وتتمثله سلوكا، وعملاً ، واعتقاداً ، فإن غيره لن يستطيع القيام بهذا مهما كانت منزلته.

هـ - شهد التاريخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قادة الفتح الإسلامي وهم الذين حملوا لواء الإسلام ونشروه وضربوا أروع الأمثلة في حسن الخلق وقوة الإيمان. وغير ذلك من الأسباب التي تجعل منزلة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلة جميع أصحاب الرسل والأئمة عليهم السلام.

ثانياً : من خلال الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين يتم لأعداء الدين الطعن في القرآن الكريم. أين التواتر في تبليغه ؟ أين الأمانة والعدالة في حملة القرآن ؟

ثالثاً: الطعن في الصحابة هو الطعن فتي سنة النبي صلى الله عليه وسلم المطهرة وسيرته الشريفة ، لأن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا السنة والسيرة.

رابعاً : يجد الأعداء ميداناً خصباً للقول بأن الإسلام مبادئ ومثل لم يتم تطبيقها ويستحيل الالتزام بها ، لأن الذين شهدوا تنزيل القرآن ، ورباهم سيد الأنام نكص أكثرهم على أعقابهم.

خامساً : يتم تشويه أمجاد الإسلام وحضارته وغير ذلك من الأسباب التي يطول ذكرها وهي تعينك على الجواب.

ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا واغفر لنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللهم ارزقنا صفاء القلوب ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وآله الأطهار وصحبه الأخيار أجمعين يا أرحم الراحمين.



خاتمة الفصل الأول

أخي الكريم:

اعلم بأن هذه المسألة في غاية الأهمية، والاختلاف فيها من أهم أسباب افتراق الأمة، وهي مع بساطتها ووضوح الحجة العقلية والنقلية فيها مع ذلك خالف فيها طوائف وفرق فتجد طائفة تكفر الإمام علي رضي الله عنه ومن معه نسأل الله العافية.

ونجد آخرين يكفرون عامة الصحابة ولا حول ولا قو ة إلا بالله. وتجد من يقف في المسألة حائراً مع أن المسألة في غاية البيان كما لا يخفى عليك، وأن الطعن في الصحابة طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المربي والمعلم والقائد لهم كما سبق بيانه. لذا تجب محبتهم، والشهادة بعدالتهم لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك شرفاً وفخراً.

اللهم ارزقنا محبتهم، والثناء عليهم يا أرحم الراحمين.



أخي الكريم:

الحذر الحذر أن يصدك عن الحق ما عليه الناس ، أين عقلك ! أين شخصيتك وفكرك ؟ لا تقل أبناء الطائفة أو الأهل أو العلماء لهم رأي وأنا تبع لهم؟؟

فأنت يوم القيامة ستسأل عن نفسك، وستدخل القبر فرداً.

فكر وتأمل واسأل ربك الهداية وأنت صادق في الدعاء، والله الهادي إلى سواء السبيل، وتذكر منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الله، ومنزلة الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تقنع بما مضى فعليك التأمل في الأدلة التالية.




الفصل الثاني

بعض المواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام


مطلب في ذكر الأدلة

أخي الكريم:

إن الدارس للقرآن الكريم يجد آيات كثيرة أُنزلت في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها تفصيل للمواقف التي عاشها وأحكامها، وما يتعلق بها، فهل عاش الرسول صلى الله عليه وسلم حياته مفرداً ؟ لا خلاف بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش بين أصحابه وأهل بيته الكرام - رضي الله عنهم أجمعين-.

لذا فإن الآيات التي أنزلت فيهم كثيرة جداً ، وإليك عرض سريع لبعض المواقف وما أُنزل فيها من آيات لكي تدرك الترابط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ، وفضل تلك الصحبة، والفضل الذي لا حد له لمن عاش هذه المواقف مع المصطفى عليه السلام.



غــزوة بــدر

أنزل الله عز وجل في أحداثها سورة الأنفال، وقد تضمنت لطائف ودلالات على ما ذكرناه وهي كثيرة نقف مع ثلاث آيات منها.

قال الله تعالى: ( إِذْ يُغَشيكُمُ النّعَاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَ يُنزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السمَاءِ مَاءً لِّيُطهِّرَكُم بِهِ وَ يُذْهِب عَنكمْ رِجْزَ الشيْطنِ وَ لِيرْبِط عَلى قُلُوبِكمْ وَ يُثَبِّت بِهِ الأَقْدَامَ ) [ الأنفال: 11 ].

تأمل في الآية وتدبر معانيها، فكر في معنى التطهير وإذهاب رجس الشيطان، والآية التي بعدها شهد الله لهم بالإيمان ( فَثَبِّتُوا الّذِينَ ءَامَنُوا ) لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : العل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (1).

---------------------------------------------
البخاري 7/140 ، المغازي باب فتح مكة وباب فضل من شهد بدراً وغير ذلك ومسلم رقم 2494 من فضائل بدر

فائدة هامة: أجمع كل من كتب في السيرة من الذين يشهدون بأن محمداً رسول الله وغيرهم أجمعوا بأن النفاق قد حصل بعد موقعة بدر ولم يكن قبلها نفاق فتنبه لهذا.



أخي القارئ الكريم:

قف وأمعن النظر والتأمل في آخر السورة

فالله سبحانه حكم بأن المهاجرين والأنصار بعضهم أولياء بعض. وفكر في دلالات قوله تعالى: ( الّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَ جَهَدُوا في سبِيلِ اللّهِ وَ الّذِينَ ءَاوَوا وّ نَصرُوا أُولَئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا لهُّم مّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَ الّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَ هَاجَرُوا وَ جَهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئك مِنكمْ وَ أُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتَبِ اللّهِ إِنّ اللّهَ بِكلِّ شيْءٍ عَلِيمُ ) [ الأنفال 75،74 ]،
أكبر هنيئاً لهم أي وربي إنها والله الشهادة من المولى سبحانه للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بالإيمان وتأمل في قوله ( حقاً ) تأكيد ثم قال سبحانه: ( لهُّم مّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) فهل لمؤمن أن يطعن بهم مع هذه الشهادة والتأكيدات؟

غزوة أحد

في أحداثها وما يتعلق بها أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه ستين آية من سورة آل عمران وما تضمنته السورة من الثناء على الصحابة يستحق دراسة موسعة مفردة.

ومن أول آية تجد الترابط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وجنده والشهادة لهم من الله تعالى بالإيمان قال الله تعالى : ( وَإِذْ غَدَوْت مِنْ أَهْلِك تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَعِدَ لِلْقِتَالِ ... ) الآية ، ثم تمضي الآيات وفيها بيان لما حصل وحتى في آية العتاب التي فيها ذكر أسباب الهزيمة تجد قوله سبحانه (عفا عنكم ) العفو من الله لهم ، وتأمل في وصف حالهم بعد نهاية المعركة، بل النصر المبين الذي حصل لهم، وهروب قريش منهم. ورجع المؤمنون بفضل الله.



قال الله تعالى: ( الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاس إِنّ النّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَناً وَقَالُوا حَسبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَ فَضلٍ لّمْ يَمْسسهُمْ سوءٌ وَ اتّبَعُوا رِضوَنَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ ) آل عمران: 173، 1174 شهادة المولى لهم بزيادة الإيمان، وأنهم اتبعوا رضوان الله، ولا يخفى عليك بأن جميع الذين شهدوا غزوة أحد ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد (1) هم الذين نزلت فيهم الآيات.

وتأمل فيما ذكره الله في ختام الآية مما يدل على سعة رحمة الله.

----------------------------------------
(1) موقع بعد المدينة بعدة أميال على طريق مكة وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن قريشاً بعد انصرافهم من أحد أجمعوا الرجوع إلى المدينة مرة أخرى فنادى منادي الجهاد ولا يخرج إلا من شهد الواقعة فخرج الصحابة رضي الله عنهم مع جراحهم وآلامهم ولم يخرج معهم أَحد من الذين تخلفوا عن أُحد إلا جابر بن عبدالله رضي الله عنه وقد ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عذره في عدم شهود أحد وأذن المصطفى عليه السلام له بالخروج معهم.


غزوة الخندق

نزلت فيها آيات من سورة الأحزاب ومع قصرها إلا أن فيها تصوير بليغ للترابط بين الصحابة رضي الله عنهم مع الوصف الدقيق لحالتهم النفسية، وما أصابهم من جهدٍ وجوع وخوف وحرصهم على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخي القارئ :

تأمل في الآيات من آية 9 من سورة الأحزاب التي نادى الله بها المؤمنين وذكر نعمته عليهم في تلك المواقف: ( يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا ) الآيات ثم ذكر المولى نعمته عليهم مرة أخرى بكف يد العدو عن القتال وشهـد لهم بالإيمان بقوله سبحانه ( وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) ثم ذكر الله آيتين فيهما بيان لما حصل لبني قريظة القبيلة اليهودية المشهورة.

فتأمل في الآيات وتلاوتها بتدبرٍ وقف عند قوله تعالى : ( وَلَمّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَاب قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسولُهُ وَصدَقَ اللّهُ وَرَسولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَناً وَتَسلِيماً ) وفضل الله سبحانه وتعالى واسع لا يمكن أن يقال بأن هذا خاص بأفراد مع الرسول صلى الله عليه وسلم .

من هم الذين قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ؟ ومن هم الذين حفروا الخندق مع الرسول عليه السلام ؟

وتأمل في شهادة المولى لهم بالإيمان وزيادته. وكذلك فضل الله عليهم في الدنيا الذي ذكره الله في هذه السورة.

من هم الذين ورثوا بني قريظة ؟ ومن هم الذين حاربوا اليهود ؟

قال الله تعالئ: ( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضهُمْ وَ دِيَرَهُمْ وَ أَمْوَلهَُمْ وَ أَرْضاً لّمْ تَطئُوهَا وَ كانَ اللّهُ عَلى كلِّ شىْءٍ قَدِيراً ) لأحزاب: 27 ، بعد أن ذكر فضله على المؤمنين بفتح حصون اليهود وإنزال الرعب في قلوب اليهود ، وقتل اليهود وأسرهم. هلا قمت بتلاوة الآيات من أول القصة ( يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا وَ كانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) حتى النهاية ( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضهُمْ وَ دِيَرَهُمْ وَ أَمْوَلهَُمْ وَ أَرْضاً لّمْ تَطئُوهَا وَ كانَ اللّهُ عَلى كلِّ شىْءٍ قَدِيراً ) من سورة الأحزاب تدبر معانيها وعش في ظلالها وتأمل التلاحم والترابط بين القائد وجنده والخطاب من الله لهم جميعا.



صلح الحديبية
أيها القارئ الكريم: لا يخفى عليك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا ذكرها الله في سورة الفتح ( لّقَدْ صدَقَ اللّهُ رَسولَهُ الرّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسجِدَ الْحَرَامَ ) إلى آخر الآية. ورؤى الأنبياء عليهم السلام حق كما تعلم ، وكانت هذه بشارة للمؤمنين بعد البلاء الشديد الذي أصابهم في غزوة الخندق. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بها ونادى بالمسير إلى العمرة ، نعم يريد مكة معتمراً ، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

وسار النبي صلى الله عليه وسلم بالسابقين من المهاجرين والأنصار وعددهم ألف وأربعمائة مقاتل.

تخلف كثير من الأعراب عن المشاركة ولم يشارك من المنافقين إلا رجل واحد.

فكر وتأمل في الحكمة ؟

سار الركب الراشد ، وجنبات البيداء تردد معهم صدى التكبير والتهليل.

وقامت قريش بالاستعداد لمنعهم من دخول مكة. وفي الحديبية حصلت البيعة ، بايع المهاجرون والأنصار الركب الراشد ، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر وعدم الفرار وهي بيعة ا لرضوان.

الاشتياق إلى مكة يفوق الوصف، وعندهم البشارة بدخولها ، ولكن محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته والتأسي به والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله ، هي سمة ذلك الجيل. وأكرمهم الله سبحانه وتعالى بما أنزل فيهم من آيات.

أيها القارئ الكريم : تأمل وأنت تتلو سورة الفتح وتدبر في معانيها. قال الله عز وجل: ( إِنّا فَتَحْنَا لَك فَتْحاً مّبِيناً (1) لِّيَغْفِرَ لَك اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِك وَ مَا تَأَخّرَ وَ يُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَ يهْدِيَك صِرَطاً مّستَقِيماً (2) وَ يَنصرَك اللّهُ نَصراً عَزِيزاً ) الفتح : 1، 2، 3، يذكر الله سبحانه فضله على الحبيب عليه السلام ثم يبين المولى عز وجل فضله علي الصحابة الكرام وما حصل لهم من السكينة التي أثمرت زيادة الإيمان.



ثم ذكر المولى سبحانه وتعالى بيعة الرضوان ، قال الله تعالى: ( لّقَدْ رَضيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تحْت الشجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فى قُلُوبهِمْ فَأَنزَلَ السكِينَةَ عَلَيهِمْ وَ أَثَبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) .

إنها حقيقة يعجز الإنسان عن وصفها مهما أوتي من بلاغة وفصاحة.

نعم رب العالمين - سبحانه وتعالى- رحم هذه الفئة المؤمنة وأوحى إلى سيد البشر عليه السلام بما حصل منهم وذكر أدق الأوصاف وأخفى الأسرار ( مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) .

وإن الصحابة بلغوا الغاية في الصدق والإخلاص وطلب رضوان المولى ، فنالوا الفوز المبين- رضي الله عنهم- كل فرد منهم بايع تحت الشجرة- مكان البيعة- يعلم بأنه داخل في الخطاب ويمشي علي الأرض وهو يعلم بأنه نال الشرف والسعادة ، والفوز المبين في الآخرة والغنائم في الدنيا.

تأمل في الآيات! وقل معي كيف يسوغ لعاقل أن يتكلم فيهم ؟؟

أو قولهم بأن الله عز وجل بدا له السخط بعد الرضا يا سبحان الله!

ولا أطيل في النقاش واكتفي بالرد علي هذه التأويلات بآية من كتاب الله فتأمل في الآية وتدبر في معانيها، وهي في غاية الوضوح والبيان، وفيها شفاء لما في الصدور، والطاعنون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاروا فيها ، وعجز خيالهم نعم حتى الخيال في الرد علي الآية أو وضع تأويل لها لم يستطع ، وارتد خاسئاً وهو حسير، ولم أقف لهم علي قولٍ فيها.

ولكن المراء والجدال ، واتباع الهوى ، منع الناس من اتباع الحق.


وإليك الآية قال الله تعالى: ( وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الأَنصارِ وَ الّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسانٍ رّضىَ اللّهُ عَنهُمْ وَ رَضوا عَنْهُ وَ أَعَدّ لهَُمْ جَنّتٍ تَجْرِى تحْتَهَا الأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: 100

فتأمل فيها وفي العموم في قوله سبحانه ( السابِقُونَ الأَوّلُونَ ) منهم؟

جاء البيان بقوله سبحانه : ( مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الأَنصارِ ) نعم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم والذين نصروا هم السابقون بنص القرآن فلا يمكن الرد أو التأويل وكن من الصنف الثالث تفز يا عبد الله ( الّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسانٍ ) فإن الصحابة أئمة يقتدى بهم رضي الله عنهم (1).

وتأمل في التأكيدات والمبشرات ( رّضىَ اللّهُ عَنهُمْ ) و ( وَ رَضوا عَنْهُ ) وقوله ( وَأَعَدّ ) بصيغة الماضي والتمليك ( لهَُمْ ) والخلود والتأبيد ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) .


---------------------------

(1) ودليل اتباعهم بإحسان ما ورد في قوله تعالى : ( وَالّذِينَ جَاءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لاخْوَنِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالايماَنِ ... ) الآية. فعليك بالدعاء لهم. والخلاف في حجية قول الصحابي وفعله من المسائل الأصولية المشهورة ولبس هنا محل بسطها.



وتأمل في ذكر الأعراب والمنافقين في سياق الآيات نعم لا يمكن لمن يقرأ الآية وهو يؤمن بأن القرآن كلام الله ويفهم لغة العرب لا يمكنه إلا التسليم بفضل الصحابة.

أيها القارئ الكريم : اسمح لي بالإطالة اليسيرة هنا عند قوله تعالى: ( محَمّدٌ رّسولُ اللّهِ وَ الّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سجّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللّهِ وَ رِضوَناً سِيمَاهُمْ فى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السجُودِ ذَلِك مَثَلُهُمْ فى التّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فى الانجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شطئَهُ فَئَازَرَهُ فَاستَغْلَظ فَاستَوَى عَلى سوقِهِ ) الفتح: 29، نعم ورد ذكر الصحابة في التوراة والإنجيل. وبيان خصالهم الحميدة ، وصفاتهم التي تميزوا بها.

محمد صلى الله عليه وسلم إمام المرسلين ، وأصحابه هم خير الأصحاب ( وَالّذِينَ مَعَهُ ) حقيقة الموالاة ، والإخاء، والتآلف معه في السراء والضراء ، ( أَشِدّاءُ عَلى الْكُفّارِ ) من الآباء والأهل والعشيرة وذلك لله وهم ( رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ ) الدارس للسيرة يُدرك ما وصلوا إليه من محبة وإخاء في الدين ، والتطبيق العملي للرحمة بينهم لا حصر لها من: إيثار على النفس : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بهِمْ خَصاصةٌ ) وموالاة صادقة ، ( فبعضهم أولياء بعض ) وقال تعالى

( بعضهم من بعض ) بهذا وصفهم الله سبحانه وتعالى ، والواجب الأخذ بما ورد في القرآن في وصفهم ( رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ ) وأن الموالاة بينهم والتراحم هو الأصل لأن الله سبحانه وصفهم به فعلينا الأخذ به وترك ما ذكره أصحاب الأساطير التاريخية وهذه مسألة في غاية الأهمية عندنا آيات محكمات ويقابلها روايات الله أعلم بسندها ومتنها مضاد للقرآن. فتأمل في الآيات وفيما تعتقد هل هو مطابق للقرآن ؟ أم أنت متأثر بأساطير التاريخية ؟

والصحابة هم أصحاب العبادة وهي سمتهم فهم كما قال الله تعالى ( تَرَاهُمْ رُكّعاً سجّداً ) وهذا الوصف فيه تكريم لهم حيث ذكر أهم حالات العبادة الركوع والسجود والتعبير يشعرك كأنما هذه هيئتهم الدائمة، وهي كذلك لأن محبة الركوع والسجود مستقرة في قلوبهم، وقلوبهم معلقة بالمساجد.

فكأنهم يقضون زمانهم كله ركعاً سجدا والدليل على ذلك قوله سبحانه في الثناء على قلوبهم وصدق نياتهم قال الله تعالى : ( يَبْتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللّهِ وَ رِضوَناً ) هذه مشاعرهم ، ودوافعهم ورغباتهم ، كل ما يشغل بالهم طلب فضل الله ورضوانه.

فليس للدنيا في قلوبهم محل ، وهذه رغبة ظهرت أثارها على



محياهم فلا كبر ولا خيلاء ، ولا غرور، بل التواضع والخضوع ، والخشوع لله سبحانه وتعالى وإشراقة نور الإيمان على سيماهم ، وليس المراد ما قد يتبادر إلى الذهن أن المراد العلامة في الجبهة التي تكون من أثر السجود ، وليس ثمة مانع من دخولها(1) بل ذكرها بعض السلف.

وتأمل: هذه صفاتهم عند اليهود في التوراة. ومقابل هذه الصفات ورد في الإنجيل صفاتهم عند النصارى فهم أقوياء أشداء ، مثل الزرع فهو ينبت ضعيفاً ثم يشتد وينمو. من المراد بالزرع؟

ومن هو الزارع ؟

ومن هم الذين يسؤهم حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعلهم ( لِيَغِيظ بهِمُ الْكُفّارَ ) .

وقد أكد الله المغفرة لهم وأن لهم أجراً عظيماً بقوله سبحانه : ( وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ مِنهُم مّغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيمَا ) ومن في قوله ( مِنهُم ) لبيان الجنس كقوله ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان )
----------------------------------------------

(1) انظر تفسير ابن جرير وغيره للآية.



فتأمل ذلك

تأمل وفكر انظر إلى هذه الصور الفريدة في بيان واقع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وهذا مثلهم في التوراة والإنجيل ، وأنهم رحماء بينهم ، وتقرير الموالاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام حقيقة جاء توكيدها في القرآن في آيات كثيرة كما سبق بيانه ، وهي من أعظم نعم الله على الصحابة قال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسولَ اللّهِ ... ) الآية الحجرات.

وهذه السورة فيها دلالات عظيمة على فضل الصحابة وستأتي إشارة لذلك.



استقبال الوفود
سورة الحجرات فيها آيات في غاية الوضوح على فضل الصحابة وقد اشتملت السورة على كليات في الاعتقاد والشريعة ، وحقائق الوجود الإنساني وفيها بيان لمعالم المجتمع المسلم وتقرير الأخوة الإيمانية ومحاربة كل ما يضادها ويضعف كيانها.

نقف وقفتين مختصرتين مع الآيات التي تخص بحثنا.

أولاً : الآداب التي ينبغي التأدب بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان ما عليه الأعراب.

تبدأ السورة بمناداة المؤمنين بوصفهم لأجل التسليم لأمر الله ورسوله وعدم التقدم بين يديه بل عليهم الرضا والتسليم وعدم التعجل في الاقتراحات على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعليهم ألا يقولوا في أمرٍ قبل بيان الله سبحانه وتعالى ومن باب أولى الفعل.

وانظر إلى الأدب الرفيع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الكلام وعدم رفع الصوت وتأمل في التفريق بين توجيه المولى سبحانه وتعالى للصحابة وما ذكره عز وجل عن الأعراب وهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

وهذه لها دلالات من أهمها اختلاف منازل الصحابة رضي الله عنهم.

فتأمل وتدبر :

في الآيات صور حية من واقع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام.

ثانياً : ما تضمنته الآيات من فضل الصحابة ففيها النص الصريح على النعمة الكبرى وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ( وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسولَ اللّهِ ) ماذا يعني ذلك؟ أن الوحي ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معهم اتصال بين الخلق هذه الفئة المؤمنة مع الخالق رب العالمين سبحانه وتعالى بواسطة الرسول الأمين عليه السلام.

يأتيهم خبرهم وما هم عليه ، وحتى ما في قلوبهم، والفصل في النوازل التي تنزل بهم والحكم فيها.

حتى القضايا الفردية: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) ورضي الله عن أم هانئ لما بكت على انقطاع الوحي وبكى من عندها من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في القصة المشهورة لما زارها الصديق ومن معه تأسياً بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لها.

ثم تأمل وفكر في الآية.

( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ) نعم الفضل من الله جعل الإيمان في قلوبهم راسخاً فطرياً ومحبتهم له أشد من محبتهم للشهوات وتأمل في التأكيد ، ( وزينه في قلوبكم ) ، وذكر ما يضاده وينقص منه، وكره إليكم الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، فقد فطر الله الصحابة رضوان الله عليهم على كراهية كل ما ينقص الإيمان ، الله أكبر تأمل في الآية وختامها ( أُولَئك هُمُ الراّشِدُونَ ) ، وفضل الله على هذه الفئة أن اختارهم الله لصحبة نبيه عليه السلام وهداهم للإيمان، وزينه في قلوبهم، وجعلهم أهلاً لصحبة الرسول عليه السلام، فهم يكرهون الكفر، والفسوق، والعصيان. ولحكمة بالغة جاء النص مشتملاً على الأسماء الثلاثة الكفر، الفسوق، العصيان. فلم يترك شيئاً.

وصدق عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في وصفهم " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ] والأنبياء [ ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه ".



نعم هذه آية لها دلالات في فضل الصحابة وعدالتهم واستحقاقهم وما لهم من فضل عند الله عز وجل.

تأمل في كلام المولى ( أُولَئك هُمُ الرّاشِدُونَ ) ثم عقب المولى على ذلك بقوله سبحانه ( فَضلاً مِّنَ اللّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) نعم صحبة الرسول نعمة من الله تفضّل الله بها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العليم الحكيم ومن حكمته سبحانه أن اختار محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً وجعله خير الرسل عليهم السلام وكذلك اختار له أصحاباً وجعلهم خير الصحب رضي الله عنهم أجمعين ومنزلة الصحابة لأجل الصحبة والقيام بحقوقها.




غزوة تبوك

وقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة التوبة في أحداث الغزوة وما قبلها وما بعدها، وهي من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها تفصيلات جليلة للمجتمع النبوي.

ودراستها مهمة جداً لأنها نزلت بعد فتح مكة وفيها بيان لواقع المجتمع المسلم وهذا الذي يهمنا في هذه الدراسة فهو صلب الموضوع وعليك أن تتأمل وأنت تتلو آيات السورة ، تجد ذكر أحوال المنافقين بالتفصيل، وبيان صفاتهم وحالهم وأن من أهل المدينة مردوا على النفاق، وأنهم تخلفوا عن الخروج ، ولم يشاركوا في النفقات، بل لمزوا المطوعين من المؤمنين، وأنهم أصحاب مصالح ، ويبادرون للحلف، ويتمسكون بأدنى شبهة ويجعلونها حجة لهم ، فهل منهم العشرة المبشرون بالجنة أو غيرهم من السابقين؟

أخي الكريم :

تأمل في صفات المنافقين وانظر فيما ذكره الله عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وعليك أن تفرح بما ذكره الله سبحانه وتعالى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجد في السورة ذكر الأعراب وأنهم ليسوا سواء بل منهم كما قال الله تعالى: ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَ يَترَبّص بِكمُ الدّوَائرَ عَلَيْهِمْ دَائرَةُ السوْءِ وَ اللّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ ) التوبة: 98، هذا صنف من الأعراب عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الصنف الآخر ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ يَتّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَتٍ عِندَ اللّهِ وَ صلَوَتِ الرّسولِ أَلا إِنهَا قُرْبَةٌ لّهُمْ سيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فى رَحْمَتِهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ ) التوبة: 99.

وتجد ذكر الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشاركوا في جيش العسرة، والذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.

التفصيلات واضحة ودقيقة وفيها بيان لواقع المجتمع ولا تجد ذكر المهاجرين والأنصار إلا بخير وذلك في القرآن كله وتجد البشارة الناصعة في الآيات المحكمة. التي شملت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في نسق واحد إنه التلازم بين الحبيب صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام اقرأ وتأمل.

( لّقَد تّاب اللّهُ عَلى النّبىِّ وَ الْمُهَجِرِينَ وَ الأَنصارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فى ساعَةِ الْعُسرَةِ مِن بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوب فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمّ تَاب عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رّحِيمٌ ) التوبة: 117.

هذه لجميع المهاجرين والأنصار، تأمل في التوبة عليهم أول الآية ثم في وسطها وعقب ذلك قوله سبحانه وتعالى ( إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رّحِيمٌ ) فما بالك بقوم تولاهم الله برحمته، والمولى بهم رءوف رحيم. نعم جاء في الآية التي قبلها ذكر مزايا وخصائص للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وفيها لطائف كثيرة سبق الإشارة إلى بعضها.

السؤال من هم السابقون ؟ كل من صلى القبلتين فهو من السابقين وقال آخرون كل من بايع تحت الشجرة فهو من السابقين، على كل حال فإن الآية تدل على أن الصحابة رضي الله عنهم طبقات ولكل طبقة منزلة ومكانة وخير الصحابة هم السابقون الأولون. وهم أصحاب بدر وأحد والخندق وبعدهم أصحاب البيعة بيعة الرضوان.

ولو أن أحداً من هؤلاء - وحاشاهم رضي الله عنهم- نافق لجاء البيان، يا سبحان الله تخلفوا وصدقوا وهم ثلاثة جاءت الآيات ببيان ما لهم، وكذلك في بيان حال الضعفة الذين لا يجدون ما ينفقون، وسكت الله عن غيرهم الذين فيهم الخطر وهم رأس النفاق ! كما يزعم الذين في قلوبهم مرض. الدارس للسورة يجزم بأنه لا يمكن أن يوجد في المجتمع النبوي من هو مستخف على شرٍ أو فيه خطر على الإسلام والمسلمين إلا وقد ورد ما يفضحهم في سورة التوبة ونزل كشف حالهم، كيف لا وهي السورة الفاضحة والكاشفة ؟.

تقسيمات المجتمع من خلال السورة

1- السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار قال الله تعالى: ( وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهاَجِرِينَ وَ الأَنصارِ وَ الّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسانٍ رّضىَ اللّهُ عَنهُمْ ... ) الآية ، التوبة :100 .

2- ذكر الله سبحانه وتعالى النبي والذين معه على العموم أي من السابقين ومن غيرهم من المؤمنين قال الله تعالى: ( لَكِنِ الرّسولُ وَ الّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ جَهَدُوا بِأَمْوَلهِِمْ وَ أَنفُسِهِمْ وَ أُولَئك لهَُمُ الْخَيرَت وَ أُولَئك هُمُ ) التوبة: 88.

3- ذكر الله سبحانه المهاجرين والأنصار من غير ذكر الأولين وجاءت الآية الأخرى صريحة في البيان قال الله تعالى: ( لا يَستَوِى مِنكم مّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْح وَ قَتَلَ أُولَئك أَعْظمُ دَرَجَةً مِّنَ الّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَ قَتَلُوا وَ ُكلاً وَعَدَ اللّهُ الحُْسنى وَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) الحد يد: 100.

فهنا التفريق واضح والله سبحانه وعدهم جميعاً بالحسنى الله سبحانه صاحب الفضل، وذكر المولى سبحانه أحداث أفراد من المجتمع وهم الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزوة وكذلك الذين لا يجدون ما ينفقون.

4- ذكر الله سبحانه الذين خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئا وأثنى الله على أصحاب المسجد الذي أسس على التقوى. فتأمل في ذكر التفصيلات الدقيقة وهؤلاء كلهم من المؤمنين.

5- وذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين وفصل في أحوالهم وصفاتهم وأن منهم ومنهم وذكر صفات أفراد منهم فتأمل في ذلك : وتدبر في ذكر التفصيلات عن المؤمنين ، والأعراب ( وفيهم من هو مؤمن صادق ومن هو منافق كاذب) والمنافقين وكما سبق الإشارة هل يتصور عاقل أن تَرد تلك التفصيلات ويتم السكوت عن من هو أخطر؟

قبل الختام

قال الله تعالى ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم )

الله عز وجل يأمر نبيه بالصبر مع طائفة من أصحابه.

تأمل في الآية، وانظر إلى هذا الشرف.. النبي صلى الله عليه وسلم مع منزلته يأمره الله بالصبر مع الذين يدعون ربهم. من هم هؤلاء ؟ إنه التلازم بين النبي وأصحابه الكرام.

وقال الله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنت لَهُمْ وَ لَوْ كُنت فَظاّ غَلِيظ الْقَلْبِ لانفَضوا مِنْ حَوْلِك فَاعْف عَنهُمْ وَ استَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فى الأَمْرِ ) آل عمران، الآية: 159، من رحمة الله ما حصل للصحابة من لين رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم واستغفاره لهم والدعاء لهم ومشاورتهم..

أخي الكريم : تأمل في معاني الآية الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من رب السموات والأرض وهو مسدد في أفعاله وأقواله ، وهو خير البشر يأتيه الأمر بمشاورة أصحابه الكرام، لهذا دلالات منها أهمية المشورة في الإسلام والشاهد من الآية منزلة الذين شاورهم الرسول صلى الله عليه وسلم .

نعم يدرك ذلك من كان له قلب وبصيرة. تأمل في منزلة المصطفى تدرك مكانة الذين شاورهم، وتأمل في استغفار الحبيب عليه السلام لهم رضي الله عنهم فهنيئا لهم هذا الاستغفار من الحبيب وتلك المنزلة التي حصلوا عليها لأجل مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم .

أخي القارئ الكريم: إن الدارس للقرآن الكريم يجد كثرة ما نزل من آيات في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على سبيل العموم ذكرنا بعض ما نزل على سبيل الإجمال والاختصار وفيه قناعة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .



الخاتمـــــة

أيها القارئ الكريم تذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل وتأمل في الآيات التي مرت بك ، والمواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام في السراء والضراء ، والرخاء والشدة...

تأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع من قضاها ؟

من هم طلابه الذين أخذوا العلم عنه عليه السلام ؟

من هم جنده الذين حارب بهم أعداءه عليه السلام ؟

من هم جلساؤه الذين يشاورهم عليه السلام ؟

من هم الذين يأكل معهم ويشرب ويأنس بهم ويفرحون به عليه السلام ؟

من هم الذين يصلون خلفه ويستمعون مواعظه وخطبه عليه السلام؟

من هم الذين يزورهم ويزورونه عليه السلام؟

من هم الذين ينفقون أموالهم بين يديه عليه السلام؟

من هم الذين يبذلون أرواحهم رخيصة بين يديه عليه السلام؟

من هم الذين نقلوا القرآن عنه عليه السلام؟

من هم الذين تحملوا الرسالة وبلغوها عنه عليه السلام؟

من هم الذين صحبهم وصحبوه وعاش معهم وبعد أن قضى حياته مات بينهم عليه السلام وصلوا عليه، وحزنوا على فراقه عليه السلام، ونالوا أجر مصيبتهم في فقده كما نالوا أجر العيش معه عليه السلام.

وبعد.


لقد ذكر الذين وفقهم الله للتوبة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فيهم ما حصل لهم من طمأنينة ولذة عيش وأنهم شعروا حقيقة لذة الإيمان.

وكيف كانت حالهم قبل توبتهم وبعدها.

عاشوا حقيقة قوله تعالى : ( وَلا تجْعَلْ فى قُلُوبِنَا غِلاّ لِّلّذِينَ ءَامَنُوا رَبّنَا إِنّك رَءُوفٌ رّحِيمٌ ) ارتفع الغل من قلوبهم ، أحبوا آل البيت الأطهار وسائر الصحابة الكرام ، والجمع بين محبة آل البيت والصحابة عين الصواب وبه يجتمع شتات القلب ويشعر المؤمن بالسعادة والطمأنينة ويأتي - بإذن الله تعالى- يوم القيامة بقلب سليم.

فاحرص على سلامة قلبك، وانزع ما فيه من غلٍ "وكراهية " للمؤمنين عامة ، وللصحابة ومنهم آل البيت على وجه الخصوص الذين فازوا بفضل الصحبة وحق القرابة.

اللهم ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.


انتهى

وبعد هذا نقول
يا من تكفرون الصحابة
هل من سبيل الى التوحد؟؟؟

فهل من مجيب؟؟؟

أنوار الولاية
08-06-2004, 07:52 AM
عفوا ...

لكن مثل هذه المواضيع لا تكتب في المنتديات ...
إلا إن كنتِ تريدين مني أن أرد على "معلقتك" بألف سطر وتردين أنت علي بألفين وبعدها أرد عليكِ بثلاثة آلاف ... وهلم جرا

يرجى مراعاة ذوقيات الحوارات العقائدية في المنتديات

حفيدة الصحابة
08-06-2004, 09:29 AM
أنا كتبت هذا الموضوع ...للشيخ صالح الدرويش حفظه الله
...لمن يريد الحق فقط....
ولستِ مجبره على الرد..

محمد بن حمد
08-06-2004, 10:04 AM
بارك الله في أختنا حفيدة الصحابة على هذا المجهود الجبار إستمري نسأل الله أن يثيبكِ أخيتي على ما تكتبين.

ولا يهمكِ خزعبلات الضالة لمبات الظلام نسأل الله أن يهديها وينير بصيرتها لتنجوا من مستنقع معتقدها :roll:

حفيدة الصحابة
08-06-2004, 01:22 PM
أخي الفاضل: محمد

جزاكم الله الخير كله وشكراً لمروركم الكريم