تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : علمـــه لا ... علمــــه كيف يكــره ..!



ismail
06-21-2004, 03:37 PM
كنت ممتلئاً وجعاً مما يحدث ، الأيام الماضية . حينما يتكاتف العجز والألم ، يصنعان حالاً من الشعور بالاحتقار ، والرغبة في فعل أي شئ .. حتى لو أن تلعن أمريكا ، وأنت وحدك في السيارة .

في هذه الأثناء يصلني على بريدي ـ من إنسان عزيز ـ كلاماً طويلاً جاء ضمنه إشادة بـ ( نضالي ) .. وحثاً لي على الثبات ..

آه ه ه .. اجتررتها من أعماقي ، وأنا أبلع ريقاً مراً ، ممزوجاً بالذل والمهانة ..

النضال .. وتتداعى إلى ذهني قلعة ( جهانجي ) ..

النضال .. وخصلات من شعور ، ما زالت متعلقة ببقايا جماجم لطفلات قرية ( نيازي ) .. تلوح أمام ناظري .. وأتحسس رأس طفلتي .. ذات السبع سنوات .. والشريط الأصفر في شعرها .. يعيد إلى خاطري شريطاً فضياً ، وجد ممسكاً بخصلة شعر ، هو كل ما تبقى من ( عائشة ) ، الطفلة الأفغانية ، ذات الخمسة أعوام .

يقول والدها : لم يبق الأمريكان لي .. من ابنتي إلا هذه الخصلات .

كانت ( نيازي ) قد احتفلت بعرس إحدى صباياها إلى بعيد منتصف الليل .. ثم نامت..

نامت ( نيازي ) .. ولم تفق ..

تقول ( لوس انجلوس تايمز ) :

" نامت قرية نيازي على الأهازيج .. وفي الثالثة فجراً أغارت القاذفات الأمريكية فمحتها من الوجود . أكثر القتلى من النساء والأطفال ، الذين لم يتمكنوا من الهرب . 10 نساء و 25 طفلاً ، من الذين أدركهم الإعياء ، وناموا في مكان الحفل ، قتلوا دفعة واحدة . اختلطت بقايا اللحم الآدمي بقطع الملابس ، وخصلات الشعر ، وأكوام الطوب . تم حصر عدد الأطفال ، من خلال شظايا الجماجم ، التي بقيت خصلات من الشعر عالقة بها ، ومن خلال الأكف والأقدام الصغيرة التي مزقتها القنابل (الأمريكية) " ..

في كل زاوية من العالم تدوسنا أمريكا .. تقتل أطفالنا، ونساءنا ، وتذل رجالنا . في معتقل جزيرة ( جوانتانامو ) .. هناك على الطرف الثاني من الأرض ، يوضع الرجال المسلمين في أقفاص .. في العراء .. مثل ( الحيوانات ) المتوحشة .

احتجت المنظمات الحقوقية العالمية على هذه المعاملة .. ولم نحتج نحن " ..!

على أمريكا أن تتوقع أي شئ لرعاياها ، وهي تعامل ( الأسرى ) بهذه الطريقة .. إنها ممارسات غير مسبوقة " ، كما يقول داعية الحقوق المدنية آرثر دي ليتل .

جوليانو ماكفيتي قال : " لقد قرأت عن مثل هذه السلوكيات الأمريكية في تاريخ روما القديمة ، أيام عصر السادة والعبيد .

كنت أتابع الأخبار ، وبجانبي طفلي ذو العشرة أعوام ، حينما صرخ بي .. قائلاً : " أبي .. أنظر الرجال في الأقفاص .. فلم عن روما القديمة ..أحب الأفلام التاريخية ".

رددت بأسى : إنه ليس تاريخاً .. لكن التاريخ يعيد نفسه .. حينما تكون ( القوة ) هي القيمة الوحيدة المعتبرة ".

يصبح القول نافلاً ، إذا ما تحول الكلام عن فلسطين ، حيث يتحول شعب مسلم بأكمله إلى محرقة لآلة الحرب الأمريكية اليهودية .. ثم نطالب أن لا نقول شيئاً عن أمريكا .. ولا أن نلتفت لما ( يقال ) عنها ، ولا أن نلعنها .. أو أن نعلم أطفالنا كرهها .. وأن نغير مناهجنا التعليمية .. فلا نقول عنها إنها : كيان همجي .. مجرم .. متوحش .

أنا أعلم أن هناك من سينبري لي ويقول :

" يا دكتور ..هذا كلام ( عاطفي ) .. يتوقع من مثلك أن يناقش الأمور بعقلانية (!!)".

إذا استطعت أن تعلم طفلاً كيف يكره أمريكا ، فقد نجحت في اختراق عقله الباطن ، وقمت بعمل ( عقلاني ) . لأن التعامل مع ( العقل ) وتغيير القناعات ، عمل ( عقلاني ) محض . أنت أيضاً.. تمارس عملاً ( عقلانيا ) ، لأن فعلك هذا ذا طبيعة استراتيجية ، بعيدة المدى . سينشأ هذا الطفل ، وهو يحمل ( مشروعاً ) .. أمريكا ( شئ كريه ) ، تجب مقاومته .

أنت من جيل بلا كرامة . جيل مسلوب الإرادة .. مسلوب الحقوق . ولدت .. ونشأت ، و ( سقفك ) الذي تتطلع إليه .. ( سماؤك ) التي لم تعرف إلا هي .. ليس إلا الباطن السفلي لـ ( حذاء ) غليظ ، يمتد من أفقك .. إلى أفقك .

يوم الجمعة يقف فوق رأسك خطيب يعلمك ( الطاعة ) ، و ( الحكمة ) . وفي سائر الأيام ، يقف فوق رأسك رجل أمن ، يجبرك على أن تتلقى من إحدى الوسائل الإعلامية ، تعليمات عن كيف تجثو على ركبتيك ، وتمد يدك ، تتسول قوتك ، وقوت عيالك ، أو تستمع لـ ( مثقف ) ليبرالي ، يعلمك كيف تلعق حذاء أمريكاً ، التي إذا

( قالت فعلت ) ، وإذا فعلت ( لا تسأل عما تفعل ) .

مادمت ( مشروعاً ) فاشلاً ، لماذا لا تنتج أنت مشروعك .. طفلك الذي يحمل ( حقداً مقدساً ) ، يحفظ له ، بعد أن فقد كل شئ .. الكرامة ، والآدمية .. التي تحلم بها أنت .. ولا تنالها!

علمه كيف يقول ( لا ) في الزمن الأمريكي . لأنه إن قال ( لا ) لأمريكا ، قالها لغيرها . علمه كيف ( يكره ) أمريكا .. لأن هذا .. هو العمل ( الإيجابي ) و ( العقلاني ) الوحيد الذي نستطيع أن نفعله الآن .

لا تلتفت لأصحاب ( المشاريع ) الكبيرة ، الذين يحاولون إقناعك ، أن ما أصابك وأصابنا ، هو بسبب موضوع في الصفحة السادسة والعشرين ، في منهج الصف الخامس الابتدائي ، السطر العاشر ، بعد الفاصلة الثالثة .

( العقلانيون ) الذين ينعون عليك تفكيرك ( الضيق ) ، بسيطرة عقلية المؤامرة على طرائق التفكير عندك ، هم ( أنفسهم ) ، الذين اختزلوا حرباً دينية حضارية كونية ، بشخص أسامه بن لادن ، ومحاربة أمريكا والغرب له .

ستكون ( عقلانياً ) لو اشتريت شيئاً أمريكياً ثميناً ، ثم سحقته بعجلات سيارتك أمام ناظري طفلك .. وقلت ، والحقد الغاضب يتطاير من عينيك : هذه بضاعة أمريكية .. !

ابذر هذه البذرة ، وسترى الثمار .. كرامة تنبت .. وهامة ترتفع ..

حينها .. تستطيع أن تبدأ البناء ، لأن القامات الذليلة .. المنحنية ، لا ترى الشمس .. والضياء هو ما نحتاجه .. الآن ، في هذا الليل الطويل ..

د. محمد الحضيف