تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (آيات):جسد اشتهى الحياة..



ismail
06-21-2004, 01:38 PM
من المفارقات أن يكون الحزن والألم محرضاً لك على التشبث بـ (حبك) القديم، وأنه مهما تقادم الوقت على جرحك، وظننت أن مصابك بمصيبتك قد تناقص، تحس في نفسك ذاك الحنين لذلك الحب، تحس فيه نداءً يأتي من أعماقك، فتتملكك رعشة تسري في بدنك، حتى تصل إلى مآقيك، فتجود بدمع حار، يعكس واقع تلك المشاعر الجياشة التي تضطرم في داخلك.
قبل مدة مرّت ذكرى فقد حبيب لي كنت أظن أني قد نسيت، أو سلوت، لكن الأمر كان غير ذلك.. ما إن حلت المناسبة حتى هاجمتني ذكـراه مـن كـل جانب: ها هي سيارة تشبه سيارته، ها هو شارع كنا قد مررنا به، ذاك دكان كنا قد دخلناه معاً.. تلك فكرة قد تداولناها..
كيف لي أن أنسى..؟! فتفجر الحزن في داخلي مجدداً، فأنتضي وجعاً.. وأعتمر حباً، وإصراراً على أن يبقى حياً في الفؤاد، مشرقاً في الذاكرة.
منذ عقدين.. لا يخلو عام من (ذكرى) لحدث يمزّق نياط القلب، ويشعرني بالعجز حيال واقع لا أستطيع تغييره، فأمسي باكياً كالطفل، الذي يرى أمه بين براثن همجي فاجر، فلا يقوى على الذب عنها، ولا حتى بكفيه العاريتين.. فلا يملك إلا النحيب.. حماة (ذكرى) من تلك الذكريات.
حماة كانت حدثاً غرس نصله في أعماقي.. وهي لم تكن بالنسبة لي، ملاعب طفولة، ولا أرضاً رتعـت فيها في صباي، ولا شدتني إليها ذكريات وأمسيات جميلة، أو مروج غناء، ولا تعلق قلبي بغانية من حسانها.. بل لم تطأها قدماي قط. لقد كانت لي.. مأساة أمة، وجرحاً غائراً في خاصرتها، كما هو في خاصرتي.
حينما قررت (آيات محمد الأخرس).. الفلسطينية ذات الستة عشر ربيعاً أن تتحدث عنّا.. فعلت ذلك بلغة مدهشة.. وبقينا نحن (الخرسان). بقدر ما كان رحيل آيات (طقوسياً) فارهاً، ملأني عزة وكرامة.. إلا أنه أيقظ الجراح النائمة.. وأشرع الوجع على فضاءات (الخزي) العربي، الذي (يحاولون) تغطيته بورقة التوت الأخيرة..
كانت (آيات)، وهي تسحب حزامها الناسف، فيتفجر الدم، وتطير الأشلاء.. تضخ (حياة) في جسد الأمة المتعفن. في اللحظة التي تخيلت فيها أني (أشم) رائحــة الـدم، و(أبصر) الأشلاء تتطاير، انعقدت في ذهني مقارنة بين (آيات) و (نساء) كثيرات. نساء أجسادهن (تتشهى) الحياة، بإثارة الحسي والغريزي، وجسد (آيات) الذي (اشتهى) الحياة فتفجر.. فمنحني (حياة) ..
أحب (آيات).. كما أحببت حماة؛ لأنهما لي ذلك (الحزن) الذي أقتات على ذكراه.. الرغبة في التمرّد على واقع للأمة.. لم تختره، وإن كان قد فرض عليها. أحب (آيات)؛ لأنها حاولت أن تفعل شيئاً لم نستطع نحن (الكبار) (تجار الكـلام) أن نفعل أقل منه بكثير..
في كل وقت تمر عليّ ذكرى حماة، أو لحظة تخطر على بالي (آيات)، يملأ أذنيّ صوت الدمار، وتملأ أنفي رائحة الدماء فأتذكر (العاصي)، والنواعير على جانبيه، وأتذكر أشلاء (آيات).. تطرز سمائي.. فأبكي، لأني لابد أن أبكي.. حتى لا أنسى، لكني أتشبث أكثر فأكثر، بذلك الحب القديم، الذي لم تأت عليه السنون العجاف التي مرّت.. وأتذكر آيات.. جرحاً.. جسداً منحني (الحياة)..
هكذا هو دأبي مع كل مناسبة للحزن تمر بي.. إصرار على التشبث بالذكرى، لكي يزدهر الحب، ويورق الأمل.. بانتظار الفجر الذي لا بد أن يأتي، وهكذا أنا جريح.. يعوي في أعماقي جرح قديم، ويومض في سمائي جرح جديد،
لكني لم أزل واقفاً.. بانتظار الفجر الذي لا بد أن يأتي..
عليك السلام.. حماة..
عليك السلام، وتراتيل الرحمة.. آيات.. جسداً تفجر.. يوم اشتهى (الحياة)..

د. محمد الحضيف

حفيدة الصحابة
06-21-2004, 02:09 PM
أثابكم الله الخير كله

نسأل الله تعالى ان يرفع عنا هذا الذل والهوان

وان يتقبل شهدائنا في عليين


يا أمة الحق والآلام مقبلة ** متى تَعِيْنَ ونار الشر تستعر

متى يعود إلى الإسلام مسجده ** متى يعود إلى محرابه عمر

أكلَّ يوم يُرى للدين نازلة ** وأمة الحق لا سمع ولا بصر