تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هذا صلاح سيعود فينا إن شاء الله...



بشرى
06-04-2004, 02:59 PM
.. هذا الذي أخذ الدنيا بسيف الظفر
هذا الذي روّع أوروبا مرتين: مرة حينما قهر جيوشها بسيفه..
ومرة حين شده نفوسها بنبله ..

هذا الذي كان المثل الأعلى للحاكم المسلم والفارس النبيل والمحرر الأعظم ..
هذا الذي انتزع من أصدقائه ومن أعدائه أعظم الإعجاب .. وأصدق الحب ..
وكان اسمه من أضخم الأسماء التي رنّـت في سمع الزمان ..

هذا الذي سقطت على أقدامه الدول .. ووقفت على أعتابه الملوك ..
ودانت له الرقاب .. وانقادت إليه الخزائن
"صلاح الدين الأيوبـي"

مات ولم يخلف إلا سبعة وأربعين درهما ودينارا ذهبيا واحدا ..
ولم يترك دارا ولا عقارا .. فجُـهّز وأخرجت جنازته
- كما يقسم القاضي ابن شداد – بالدّيـن !!

إن أعجب شيء في سيرة هذا البطل أن ينبغ هذا الرجل العظيم ( جدا )
في ذلك الزمان الفاسد ( جدا ) وأن يتغلب على العدو القوي ( جدا ) ..
كان المسلمون قبل صلاح الدين على شر حال من الانقسام .. على حال

لا يمكن أن يصل إلى توهمها وهم مهما بالغنا في تصورها .. في كل بلدة
من بلدان الوطن الإسلامي آنذاك دولة مستقلة .. وفي كل دولة ملك أو أمير
لهم أسماء عجيبة وسير أعجب ..

وكان أقصى مدى لصلاح الدين أن يكون واحدا من هؤلاء الأمراء ..
فكيف ظهر هذا البطل الخالد في مثل ذلك الزمان ؟؟
كيف استطاع أن يصنع من ضعف المسلمين قوة .. ومن انقسامهم وحدة ..

حتى واجه بها أوروبا كلها .. أتدرون كيف ؟
إنه الإيمان ... والله ما رد العدو بعدد ولا بقوة .. ولكن بالسلاح الوحيد
الذي لا ينفع في هذا المقام غيره ..

غـيّـر ما كان بنفسه من الفساد .. فغيّـر الله على يديه ما كان في قومه
من الضعف والتخاذل ..
كان يلهو ويعطي نفسه هواها .. فتاب وأناب ..

لم يفسد بالإمارة كما يفسد بها كل صالح .. بل صلح بها ..
ورجع إلى الله فأرجع الله إليه النصر ..
استمد أخلاقه وسيرته من إرث محمد صلى الله عليه وسلم في التقوى

والصلاح فأعطاه الله إرث محمد في الغلبة والظفر ...
صحح عقيدته أولا .. وقرب أهل العلم والدين .. فكان كلما نزل بلدا
دعا علماءه ومن كان لا يأتي منهم أبواب السلاطين أخذ أولاده وذهب إليه ..

كان يحرص على صلاة الجماعة ولم يترك الصلاة قط إلا في الأيام الثلاثة
التي غاب فيها قبل موته .. وكان يصوم حتى في أيام المعارك ..
وكان مكثرا من سماع القرآن .. يبكي من خشية الله عند سماعه ..

ويواظب على مجالس العلم والحديث .. حتى في ليالي القتال ..
لم يترك صلاة الليل إلا نادرا .. يلجأ إلى الله كلما داهمته الشدائد وضاقت
عليه المسالك .. فيجد الفرج والنجاة ..

وكان يقيم الحق لا يبالي ولا يحابي أحدا .. أما كرمه وهوان الدنيا
عليه فأمر لا تتسع له الأحاديث ..
ما استكثر قط عدوا ولا خافه ولا فقد أعصابه في هزيمة ولا ظفر ..

ما غضب لنفسه قط ولكنه إذا غضب لله لم يجرؤ أحد
أن يرفع النظر إلى وجهه وصار كالأسد الكاسر لا يقف أمامه شيء ..
وكان محتسبا صابرا لما جاءه نعي ولده إسماعيل قرأ الكتاب ودمعت عيناه ..

ولم يقل شيئا ولم يعرف الناس إلا بعد ..
كان معتلا بدمامل ما تفارق نصفه الأدنى وكان مع ذلك يركب الخيل
ويصبر على الألم ويخوض المعارك .... وأي معارك !!

والله ما قرأنا في كتب التاريخ شرقا وغربا أن جيشا خاض من المعارك
ما خاضه جيش صلاح الدين .. لقد ضرب كل رقم قياسي في ذلك العصر ..
خاض أربعا وسبعين معركة في مدة ولايته على الشام في أقل

من تسع عشرة سنة !!
حروب ما عرفت مثلها أرض فلسطين وديار الشام ذلك الزمان ..
حروب لا تقاس بها القادسية ولا اليرموك ..

حروب جرب فيها كل سلاح : السيف والرمح والمجانيق والشجاعة
والكيد والذكاء والاختراع والمروءة والشهامة حتى استرد القدس بعد ما
ملكها الإفرنج إحدى وتسعين سنة !!

أفتشكون في استردادها اليوم ؟!
إن الأمة التي أخرجت صلاح الدين وهي أسوء من حالنا اليوم وأشد انقساما
وأكثر عيوبا .. لا تعجز عن أن تخرج اليوم مثل صلاح الدين ..

إن نكبة فلسطين بالصليبيين كانت أشد بمائة مرة من نكبتها بإسرائيل.. فهل نشك اليوم في أننا سننقذ فلسطين؟ لا والله الذي لا إله إلا هو.. لو بقي على وجه الأرض أربعون مسلما لما شككنا في أنهم سيستردونها.. وإذا عجزنا نحن عن أن نعود إلى مثل سيرة صلاح الدين ليكتب لنا مثل نصر حطين.. فسيخرج من أصلابنا لا محالة من هم أنقى منا وأطهر ليستردون فلسطين..