تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "عقاب تاريخي" لطرابلس



fakher
05-13-2004, 07:06 AM
العاصمة الثانية... مدينة مهمّشة بعد عزّ غابر [1 من 2]

خمس وسبعون دقيقة فقط، تفصل العاصمة بيروت عن طرابلس، العاصمة الثانية للوطن. لكن شتان بين الاثنتين. فبيروت زاخرة بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي والانمائي... والثقافي، وطرابلس تمشي كالسلحفاة على كل الصعد، حتى بات الفاصل الزمني بين المدينتين، اليوم، يساوي عشرات الاعوام... وربما اكثر.

تحقيق باسم البكور ... جريدة النهار

رغم ان طرابلس لم تشهد ما شهدته بيروت في اعوام الحرب الطويلة، من جروح وتدمير وخراب، فان العاصمة الثانية تبدو اليوم منهكة اقتصادياً ومتراخية انمائياً ومتراجعة اجتماعياً وثقافياً، كأنها خارجة لتوّها من اتون حرب ضروس اخمدت ما تبقى من شعلة أمل ونشاط في "شرايين" المدينة... ونفوس اهلها.

وثمة من يرى ان المسألة ابعد من الحرب الاهلية، بل اسبق زمنياً منها. ويذهب هؤلاء في تحليلهم واقع طرابلس اليوم، الى القول "انها مسألة عقاب مقصود"، ويصفونه بالتاريخي كون جذوره تعود الى اكثر من ثمانية عقود ونيّف من الزمن. اذ فُرض هذا "العقاب" (او القصاص) على الطرابلسيين، بعدما ثاروا ضد اعلان المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو إنشاء "دولة لبنان الكبير"، في مطلع ايلول من العام ،1920 رافضين سلخهم عن محيطهم العربي. الامر الذي دفع الادارة السياسية للدولة الوليدة، منذ ذلك الحين، الى تطبيق سياسة "التهميش والتضييق" على المدينة واهلها.

وسعياً الى حملهم على القبول بالكيان اللبناني عمدت السلطات السياسية والادارية فيه الى اطلاق صفة العاصمة الثانية على طرابلس، في محاولة "ظاهرية" (فقط) لابراز اهمية هذه المدينة على خريطة الدولة المحدثة، من دون ان تقوم السلطات بترجمة فعلية لهذه الصفة على الارض، اقتصادياً... وإنمائياً. ويرى الدكتور عبد الغني عماد، استاذ في الفرع الثالث لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، انه بولادة الوطن اللبناني بحدوده الرسمية، خسرت طرابلس عمقها التاريخي والاقتصادي والجغرافي الذي كان يمتد سابقاً الى حدود حلب، وكان مرفأ طرابلس احد اهم المراكز الاقتصادية التي تربط المدينة بهذا العمق الواسع. اذ من المعروف ان طرابلس كانت عاصمة احدى ثلاث ولايات في "بلاد الشام"، زمن الدولة العثمانية: ولاية دمشق وولاية حلب وولاية طرابلس. وبالتالي، فإن "نشوء الدولة اللبنانية قطع هذا التفاعل مع هذا المحيط الاقتصادي والبشري. في المقابل لم يؤدِ نشوء الدولة الحديثة الى انخراط طرابلس في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للوطن الوليد (...) الامر الذي ادى الى تراجع كبير وتدهور خطر في مرفأ طرابلس والحركة الاقتصادية عموماً. واستمر هذا التردي مترافقاً مع علاقة ملتبسة بالدولة التي كانت، بدورها، تنظر بريبة الى طرابلس. في وقت كانت فيه الاخيرة تشعر بالغبن والحرمان نتيجة غياب الاهتمام السياسي والانمائي والاقتصادي لمصالحها ومشاريعها ومرافقها العامة".



مدينة اشباح في المساء!

وعهداً بعد عهد، تعمّقت الهوّة اكثر فأكثر بين العاصمتين. فاستقطبت الاولى الاكثرية الساحقة من المرافق الاقتصادية الحيوية والمهمة في البلد، بينما نالت الثانية بعض الفائض رفعاً للعتب. وبسبب شحّ المرافق الاساسية في المدينة، تقلّص النشاط الاقتصادي والتجاري في المدينة وصولا الى حافة "الشلل"، حتى باتت طرابلس اليوم اشبه بمدينة اشباح خاوية من الحركة والاضواء بعد الساعة الثامنة مساء.

لكنّ الركود التجاري في اسواق طرابلس وشوارعها التجارية الرئيسية، لا تظهر دلائله ليلاً فقط، بل في عز الظهيرة ايضا. رغم الخفوضات الكثيرة والحسومات المغرية التي تطلقها المحال التجارية على اسعار السلع والبضائع في مناسبات عدة (مثل شهر التسوق ومهرجانات المدينة وفي مطلع العام الدراسي) حيث تبلغ نسبة بعضها السبعين في المئة. ولا يزال عدد من الطرابلسيين، اليوم، يذكرون تماما العرض الغريب و"اللامعقول" الذي قدمه احد المحال التجارية للألبسة الشبابية الحديثة في المدينة، قبل حوالى عشرة اعوام، عندما اعلن عن حسومات مغرية (فعلاً) على الاسعار بلغت 91 في المئة (!). وبدلا من ان ينتعش المتجر اقتصاديا اثرها، اقفل ابوابه بعد فترة زمنية وجيزة.



الاقتصاد الريعي هو السبب؟

ثمة وجهات نظر مختلفة عن اسباب تراجع الوضع الاقتصادي والتجاري طرابلسياً. فهناك من يرى ان الاقتصاد الطرابلسي ريعي في غالبيته. اذ لم يستطع ان يثبت قدرته التنافسية على الصعيد التجاري والاقتصادي، بالمقارنة مع العاصمة بيروت "التي استطاعت ان تبتلع كل شيء من جهة، وان تختزل كل النشاط الاقتصادي في الوطن من جهة ثانية". في المقابل هناك رأي آخر يرى ان "التاجر الطرابلسي جبان عموما"، بحسب تعبير الدكتور بلال عبد الهادي، الاستاذ في الفرع الثالث لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية، موضحا ان الغالبية الساحقة من الطرابلسيين تنقصهم روح المغامرة والمبادرة والولع بالتجديد. فالتاجر لا يغامر بتجارته، ولا يسعى الى الابتكار، بل يحب التقليد الى درجة عمياء. في حين ان التجارة، كالفن، تحتاج الى تجديد وابتكار ومغامرة"، مضيفا ان "الانسان الذي ليس لديه بعد نظر، لا يمكنه ان يلوم القدر، بل نفسه".

في المقابل، ثمة وصف علمي غربي لواقع التجارة في طرابلس، على لسان الباحث الفرنسي انطوني مولينا الذي اعد، قبل بضعة اعوام اطروحة دكتوراه في الجغرافيا في "جامعة تور" الفرنسية بعنوان: "جغرافيا التجارة في طرابلس: الاسواق الداخلية، شارع عزمي، سيتي كومبلكس". يقول مولينا الذي مكث في المدينة فترة من الزمن في اواخر التسعينات، لاعداد اطروحته، ان طرابلس استطاعت ان "تكوّن لنفسها سمعة المدينة الناشطة التي يغذيها انتاج حرفي يحظى بجودة نمت بفضله العائلات الطرابلسية العريقة (...) وقد اعتمدت هذه المدينة على نفسها رغم انها كانت مهمّشة من السلطة المركزية".

ويردف مولينا انه "اذا درسنا التنظيم التجاري في المدينة، سنتمكن من تسجيل بعض التشابه بينه وبين تنظيم السوق: وجود محال تجارية صغيرة في انحاء المدينة كلها، وتخصص بعض الشوارع، كالملابس في شارعي عزمي وقاديشا، ووجبات الطعام السريعة والبضائع المنوعة في التل، والمصارف والخدمات المختلفة في "البولفار" الذي يشقّ المدينة في اتجاه بيروت. كما توفّر المحال التجارية مكان التقاء بين الزبائن والتجار والجيران والاصدقاء".

ثم يقدّم عرضاً سوسيولوجياً للحركة التجارية في طرابلس، معتبراً انها "اعتمدت منذ البداية على جهودها الخاصة لتطوير وضعها نظراً الى إهمال السلطة المركزية لها، فاستطاعت ان تطوّر تجارتها من دون الاستعانة بأي عنصر من خارج المدينة، مع الاكتفاء بجهود بعض العائلات العريقة التي انحصرت بها العملية التجارية"، مردفاً ان التجارة تمثل بالنسبة الى سكان طرابلس قيمة رمزية، كونها السبب في بناء المدينة.

إنماء غير متوازن

لكن هذا "السبب" الذي ساهم في بناء المدينة، سابقاً، سرعان ما أصيب بما يشبه الشلل التام، بعدما انعدمت المقومات الضرورية التي من المفترض توفرها في العاصمة الثانية للوطن، بفعل الانماء غير المتوازن "المتعمّد" في نظر كثير من الطرابلسيين.

ورغم ان اتفاق الطائف نص على ضرورة تحقيق "الانماء المتوازن" بين العاصمة بيروت والمدن والمناطق اللبنانية المختلفة، لكن ممارسات أهل الحكم غالباً ما تأتي متناقضة مع النصوص والشعارات التي يرفعونها. ويرى الدكتور طلال خوجة، استاذ في الفرع الثالث لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية، ان النصوص وحدها لا تكفي لإنعاش طرابلس والشمال، معتبراً ان هناك ميلاً دائماً في العالم الثالث، الى التركيز على العاصمة. "وفي لبنان، فإن هذا الميل مضاعف لاعتبارات تتعلّق بالبنية السياسية - الطائفية - الطبقية - الاجتماعية. في حين توضع المدن والمناطق الاخرى في خدمة المركز، أي العاصمة".

ويردف الدكتور خوجة ان مسألة انماء طرابلس "ترتبط بقدرة أهل المدينة، بفئاتهم المتنوعة، على تشكيل قوى ضغط تنفذ الى الواقع والحالة السياسية العامة في البلد. وبالتالي، على الطرابلسيين - اذا ما أرادوا نهوضاً شاملاً لمدينتهم - ان يخرجوا الى العلن في السياسة والاجتماع والاقتصاد والتربية وشتى المجالات. وعلى قوى المجتمع المدني، كذلك، ان تطرح قضاياها موحدة على صعيد مدني متطور، بدلاً من ان تخضع للمصالح الفردية التي تبدو واضحة للعيان في كل حركة من حركات المدينة. انها معركة طويلة وتتمثل في قدرة الطرابلسيين على تجاوز القوالب القاسية التي يسيرون بينها".

من جهته، يلخّص الدكتور عاطف عطية، استاذ في الفرع الثالث لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الاسباب الداخلية التي تجعل طرابلس مختلفة عن سواها من المدن على الساحل اللبناني، بسببين اثنين: اولاً، نظرة اهل المدينة الى مدينتهم وموقعهم. والثاني، نظرة المسؤولين في الدولة اليها والى موقعها ودورها. "برأيي، ان نظرة هؤلاء المسؤولين الى طرابلس مستمدة من نظرة أهل المدينة اليها. ويعني ذلك ان اهمال الدولة لهذه المدينة ناتج من اهمال الطرابلسيين لمدينتهم، أي مثلما ننظر الى أنفسنا ينظر الآخرون الينا".

ويرى الدكتور عطية ان ذلك كله ناتج من عدم الاهتمام بتحديد هوية المدينة ووظيفتها، هل هي مدينة صناعية أم تجارية أم سياحية؟ اذ من خلال هذا التحديد يمكن العمل على توجيه اهتمامات اهل المدينة من جهة، وتحديد الوسائل والطرق التي يمكن ان تساهم في تنمية المدينة "رسمياً" من قبل الاجهزة المختلفة للدولة.
---------

يتبع في الجزء الثاني

صلاح الدين يوسف
05-16-2004, 11:19 PM
جزاك الله خيرا اخي الكريم

و الله انا حزين لما كتب في هذا المقال على طرابلس

و اتمنى ان تتحسن احوالها قريبا بإذن الله