تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فرويد يداوي الناس وهو عليل



منير الليل
04-21-2004, 02:11 AM
محاضرة قيّمة أرجو منكم متابعتها.
للتحميل http://www.geocities.com/moujahedmoslm/freud.doc

فْرُويْد
يُداوِي الناسَ وَهُوَ عَلِيْلُ!
الأستاذ ساري فرح

... هل يعاني ابنكِ من مشكلة ما؟ اصطحبيه لزيارة الطبيب النفسي... لِمَ فعلتَ كذا وكذا, ألم تسمع ما قال عالم النفس البارحة في المقابلة التلفزيونية؟!... لا تجادلني! هذه حقائق أثبتها علم النفس... وغيرها من الجُمَل والعبارات التي تعظِّم وتمجِّد علم النفس وعلماءَه في زمننا هذا. ما هو السر يا ترى وراء مصداقية علم النفس؟ وهل يمكننا أن نقول "صدق علم النفس أو عالم النفس"؟ ما هو علم النفس؟ ما هي مبادئه؟ أليس جديراً بنا أن نبحث عن إجابات هذه الأسئلة بدلاً من التصديق الأعمى لكل ما يُنقل إلينا تحت شعار "العلم"؟ وما هو العلم؟
ألم يَأْنِ لأُمة اقرأ أن تقرأ بتفكُّر وتدبُّر وبين السطور لتنهض من سُباتها العميق، نافضة عنها غبار الوهن والتخاذل؟ نقول بلى، فلنلقِ نظرة على ما في زماننا من العلوم، ولننظر نظرة تفكُّر وتدبُّر سائلين الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن ينور بصائرنا لرؤية الأشياء على حقيقتها.

تاريخ علم النفس:
يُعتبر علم النفس علماً حديث النشأة استقل عن الفلسفة في أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا، وتحديداً في مدينة لايبزغ في ألمانيا، حيث أقام العالم الألماني فيليلم فوندتWilhelm Wundt أول مختبر لعلم النفس عام 1879. واعتبر هذا الحدث استقلالاً لعلم النفس نظراً لأن علم النفس لم يكن "علماً" قبل ذلك.
أصل مصطلح علم النفس إغريقي: Psyche Logos, ومنها جاء المصطلح الإنجليزي Psychology. وكان مصطلح علم النفس يدل على البحث عن طبيعة الإنسان (خيِّرة أم شريرة) بالإضافة إلى البحث في جوهر النفس لمعرفة تهذيبها. والنفس Psyche عند اليونان مصطلح يُطلق على الروح أو "الكمال الأول لجسم طبيعي قابل للحياة" كما عرَّفها أرسطو.
واعتبر الفلاسفة النفس -بمعنى الروح- كياناً غير مادِّي؛ لانتفاء قدرة الحواس المادية على إدراكه، وأدرجوا النفس في خانة الماورائيات أو الميتافيزيق Metaphysics.
هذا التحول الذي شهده علم النفس من الفلسفة إلى العلم كان سببها بشكل أو بآخر ظهور المدرسة التجريبية (British Empiricism) في القرن الثامن عشر. منهجية هذه المدرسة في العلم نفي وجود الغيبيات جُملةً وتفصيلاً. وتبرير ذلك كان في بادئ الأمر أنه من غير الممكن إدراك الغيبيات من خلال الحواس، كما اعتبروا أن العلم لا يُحصَّلُ إلا بالتجربة المادية (Experimental Method).
وأدّى هذا المنهج الذي سمَّوه بـ"العلمي" إلى الإلحاد وإنكار وجود الله وملائكته والجنة والنار والغيبيات كافة لأنها لا تُدرك بالحواس ولأنها غير خاضعة للتجربة! فتحول موضوع دراسة علم النفس من الروح أو العقل (Soul, Mind) إلى السلوك البشري (Human Behavior) وهذا الأخير خاضعٌ للتجربة والمراقبة المخبرية، وعلى ذلك بُنيت مسائله واستنبطت مبادئ من تلك التجارِب والاختبارات. لكن ذلك لا يعني انفصال علم النفس عن الفلسفة ولا عن تنظير العقلانيين انفصالاً تاماً، بغض النظر عن رأي السلوكيين المتطرفين أمثال واطسون وسكينر.
فرويد وعلم النفس:
يُعتبر فرويد مؤسس مدرسة علم النفس التحليلي (Psychoanalysis) وهذه الطريقة تقوم على الكشف عن أسباب المرض النفسي في لاشعور (Unconscious) المريض. ويتم ذلك عن طريق دفع الرغبات والمشاعر المكبوتة والذكريات المَنْسِيَّة من اللاشعور إلى الشعورFrom Unconscious) to Conscience) وذلك عبر طرق عدة نتحدث عنها في سياق الكلام.
ولد سيغموند شلومو فرويد في مدينة فرايبورغ الألمانية عام 1856 لوالدين يهوديين. ويقول عن نفسه "وظللت يهودياً أنا نفسي" (قد يجد البعض تمسك فرويد بيهوديته متناقضاً مع إلحاده وهذا ما سنفصِّله لاحقاً). عندما بلغ الرابعة من عمره، انتقل فرويد وعائلته إلى فيينا عاصمة النمسا، وهناك بدأ فرويد مسيرته الدراسية ونال شهادة في علم الأعصاب (Neurology) من جامعة فيينا عام 1881.
أعلن فرويد انتماءه للمدرسة التجريبية (التيار السائد في أوروبا آنذاك), وعمل في المختبرات مساعداً وكان يحاول تفسير النشاط العقلي من خلال تفسيرات فيزيولوجية منكراً وجود الروح؛ فالكيان الإنساني بالنسبة له ليس سوى عبارة عن: لحم ودم وعظم وأعصاب وتفاعلات كيميائية في الدماغ. وأنكر فرويد بذلك الآخرة، فوجود الإنسان إذاً يقتصر على هذه الحياة الدنيا، وهذا عامل أساسي في نظرته القاتمة والمتشائمة للحياة.
وقد توصل العلم الحديث إلى أن إنكار الروح ليس أمراً يقينياً وذلك حتى من خلال الأبحاث المخبرية. ومن الحجج العلمية التي ترفض إنكار الروح ما يقول بأن جسد الإنسان يتغير بجميع خلاياه وأنسجته, وعلى الرغم من ذلك فإن أفكار الإنسان تبقى بصفة دائمة وكأنها موجودة في "سِجِلٍّ حافظٍ" غير محدود بالطبيعة الفيزيولوجية، وهذا ما يعطي الإنسان شخصيته الواحدة في جوهرها، رغم تبدل الخلايا والأنسجة. ومن الحجج القوية: أنّ خلايا القلب لا تنبض بفعل عملية بيولوجية، بل إنّ هناك كياناً غير فيزيولوجي يضمن خفقان هذا القلب، وبذلك استمرار حياة الإنسان، وما يزال النسيج القلبي الذي يخفق (Nodal Tissue) لغزاً في عالم البيولوجيا، أجبر كثيراً من العلماء على الاعتراف بوجود الروح.
تنقل فرويد في عمله بين المختبرات والمستشفى وانتهى به الأمر إلى افتتاح عيادته، وترافق ذلك مع زواجه. لا بد لنا من معرفة بيئة فرويد قبل أن نعالج نظرياته في علم النفس. كان المجتمع الأوروبي يواجه مرحلة من الضياع الروحي، وذلك بعد سقوط الكنيسة من مقامها، وخاصة بعد التقدم العلمي الذي لم يتوافق مع تعاليم الكنيسة التي بذلت جهداً دؤوباً في ملاحقة العلماء، واتهامهم بالهرطقة والشعوذة، وإعدام بعض منهم – وذلك خوفاً من تحول الشعب إلى العلماء وفقدان الكنيسة للسلطة والهيـبة – فتفشى الإلحاد بذلك نقمة على الكنيسة. وضعفت تلك الأخيرة وخاصة بعد فصل الدين عن الدولة. فأصبح جل الشعب الأوروبي كالقطيع الحائر، لا يستطيع أن يثق بالكهنة والقساوسة، ولا يجد الإلحاد بديلاً مريحاً، وشاع الفساد وتفشى الانحطاط الخُلُقي، إذ أن سقوط الكنيسة أباح المحرمات وسمح لمروجيها بالظهور حتى في وضح النهار.
وقد أصاب هذا الانحطاط احتشام المرأة: حيث كانت المرأة التي يظهر كاحلها محطّ جدل واتهام بقلة الأدب قبل ذلك، فانهارت هذه المفاهيم وانتشر العُري تدريجياً تحت شعار الحرية والتقدّم، إذ قرنوا التقدم العلمي والصناعي بكسر قيود الأخلاق والحلال والحرام. كل هذه العوامل أدَّت إلى اضطراب في المجتمع الأوروبي وصل إلى درجة الهستيريا والازدواجية الخُلُقية (بين الفطرة السليمة والبيئة المنحرفة). بالإضافة إلى هذه العوامل، كان هناك سباق تسلح بين الإمبراطوريات في أوروبا حيث ساد جوّ من التوتّر إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 وتبعتها الحرب العالمية الثانية عام 1936.
بعد أن بدأ فرويد معالجته للمرضى في عيادته استمر في أبحاثه وتنظيره واتصل بعدد من الأطباء في أوروبا منهم جان مارتن شاركوت الفرنسي الذي كان يُعالج مرضاه بالتنويم المغنطيسي. فعمل معه فترة من الزمن وتعلم منه طريقته بالإضافة إلى معالجة المرضى عن طريق المواد المخدِّرة، وقد عالج فرويد أحد مرضاه بالكوكايين وأدَّى ذلك إلى موته، بعد أن ظن فرويد أن للمخدرات تأثيراً إيجابياً على الصحة النفسية، فاضطر إلى أن يتخلى عن هذه الفرضية إلى حدٍ ما.
يتبين للباحث في سيرة فرويد، أن إلحاد هذا الأخير لم يكن عائقاً أمام تعصبه اليهودي ونشاطه الحزبي الصهيوني. وقد علَّق د. صبري جرجس في كتابه "التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي", مُقارناً بين "فرويد" و"بن غوريون" قائلاً: "ولعل الفرق بينهما أن (بن غوريون) أعلن عن إلحاده ثم اتجه في الوقت نفسه إلى العمل السافر من أجل الدعوة العنصرية المتعصبة, بينما جعل (فرويد) من إلحاده قناعاً يحاول أن يخفي وراءه الوجه القبيح لهذه الدعوة". وكان صديقاً حميماً لثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة، وكان يوليه احتراماً وتقديراً عظيمين. وقد أرسل إليه أحد كتبه مع عبارة (إهداء شخصي) عليه. وقد انضم فرويد نفسه إلى جمعية (بناي برث) أي: أبناء العهد, عام 1895 وهي جمعية صهيونية تُعنى برعاية المصالح اليهودية وخدمة الصهيونية العالمية. وظل فرويد مواظباً على حضور اجتماعات هذه الجمعية وقد ألقى فيها أُوْلَى محاضراته عن تفسير الأحلام، وكان لأبحاثه ونظرياته في علم النفس التحليلي مساهمة كبيرة في سبيل تحقيق المخطط الصهيوني. فقد كانت للجمعيات الصهيونية سيطرة على الصحافة وأجهزة الإعلام، وكان لها القدرة (وللأسف ما زالت) على إسكات الألسن وهدم الجهود التي تحاول الكشف عن المخططات اليهودية العالمية. وأخذت هذه الجمعيات تنشر أفكار ونظريات فرويد التي لاقت رواجاً وخاصَّة لأنها تُرَوَّج بصفتها "عِلْمية" مستغِلةً تصديقَ الناس الأعمى لكل ما هو "عِلْمي"، والصهاينة يقولون في بروتوكولاتهم: "ارفعوا شعار العلم واهدموا به الدين" وسنجد تشابهاً كبيراً بين تعاليم فرويد وبروتوكولات حكماء صهيون! فالإفساد موجَّه إلى الأغيار (Goyim) دون اليهود، هذا الإفساد يسَهل سيطرة الصهاينة وإمساكهم زمام الأمور. فقد جاء في البروتوكولات: "ارفعوا شعار الحرية واهدموا به الأخلاق والأُسرة...". ويقولون إن كل ما عدا اليهود حيوانات ناطقة سخرها الرب في خدمة اليهود (التلمود).
يعتبر فرويد تحقيق اللذة غايةً مُثلى عند البشر؛ فهم بطبيعتهم يبحثون عن اللذة ويَفِرُّون من الألم. لكن تحقيق اللذة القصوى لدى الإنسان غير ممكن. كما يقول فرويد: إذ أن العوامل الثلاث: 1.الجسد 2.والعالم الخارجي 3.والمجتمع، تقف مشكِّلةً سداً منيعاً أمام تحقيق اللذة -وقد سمَّى فرويد هذه العوامل الوحش الثلاثي الرؤوس The Three Headed Monster-. فالجسد محدود ومعرَّض للأمراض والأوجاع، والعالم الخارجي مليءٌ بالكوارث الطبيعية والعوامل المُهلِكة، والمجتمع يتقاسم الموجودات معه ويحاول الاستفادة منه بأقلِّ مقابلٍ ممكنٍ من الأجر (نلاحظ أن فرويد يُركِّز على نصف الكوب الفارغ بتشاؤم).
قسّم فرويد الكيان البشري إلى ثلاثة جزاء متصارعة (ونجد هنا كما في معظم نظريات فرويد تأثراً بالفلسفة اليونانية، فقد قسم أفلاطون النفس إلى ثلاثة مراتب) هذه الأجزاء هي: الـ(هو) id -ويمكننا أن نسميه الهَوَى-، والـ(أنا) ego والـ(أنا الأعلى) super ego. فهو يَعتَبر الإنسان الذي يحقق توازناً بين هذه العناصر في جهازه النفسي رجلاً معافىً، إلا أن ذلك مستحيل بالنسبة لفرويد، فكل الناس مرضى نفسياً، ولكن بنسب متفاوتة!
ويتمثل هذا الصراع بإيجاز بأن الـهو (id)، مبدأ اللذة المطلقة غايته الوصول إلى أقصى درجة من اللذة، والأنا (ego) يمثل الوسيط بين الـهو والعالم الخارجي والأنا العليا (super ego) يمثل القيم الاجتماعية.

اقترح فرويد طروحات عدة للوصول إلى اللذة ومنها:
 تحويل الطاقة إلى طاقة إيجابية مقبولة اجتماعياً (عمل، كتابة، بحث علمي), ولكن ذلك لا يحقق إلا نسبة ضئيلة من اللذة، ولا يستطيع تحقيقه إلا النخبة من المجتمع.
 الانعزال والبعد عن المجتمع تجنباً لأذى وشر الآخر، وهذا ما اتبعه الغرب في نزعته الفردية, فمات المجتمع بذلك وصارت الحياة مُوْحِشة كئيبة لدى الأفراد.
 تحصيل أكبر قدر ممكن من اللذة دون قيود، وهذا المحور الأساسي الذي انطلق منه فرويد لإشاعة الفساد في المجتمع الغربي ويأتي ذلك توافقاً مع البروتوكول الصهيوني: "يجب أن نخلق جيلاً لا يخجل من كشف عورته". وهذا ما يحصل الآن للأسف، حتى في مجتمعاتنا الإسلامية. قال فرويد في بادئ الأمر: إن تحصيل اللذة دون قيود يولِّد شعوراً بالذنب، وتتخلص عقدة الذنب عنده في: الخوف من تأنيب الضمير، والمجتمع، والعقوبة المتوجبة عليه. فلتحقيق اللذة دون ذنب، يتوجب تكسير قيود الأخلاق والمبادئ في المجتمعات وذلك يصعب في مصلحة البشر -كما يدافع فرويد عن دعوته- مُسَهِّلاً لهم سُبُلَ اللذة، وبذلك تتحقق السعادة والصحة النفسية، كما يعتبر ذلك تجنباً لكبت الرغبات في اللاشعور إلى درجة تراكمها وتحولها إلى عوارض وعقد نفسية.

أخذ الغرب بنصيحة فرويد، وها هو الآن يحصد دماراً اجتماعياً ونفسياً؛ فزيادة في نسبة الانتحار (حالة انتحار كل 40 ثانية في الولايات المتحدة)، وانتشار لمرض نقص المناعة AIDS، ومشاكل إدمان المخدرات (حيث إن المخدرات تباع في محلات مرخّصة لها في هولندا مثلاً)، وحالات الاغتصاب (1900 جريمة اغتصاب يومياً في الولايات المتحدة)، وارتفاع نسبة الطلاق (50% في الولايات المتحدة) وغيرها من الأمراض والجرائم.
ونأسف لأنه ما زال في عالمنا الإسلامي من يروِّج لفكرة: "التفلّت سر السعادة"! كما نأسف للتقليد الأعمى لنمط الحياة الغربية؛ إذ أن عدوى المشاكل التي يعاني منها الغرب انتقلت إلينا وهذا يذكِّرنا بقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41].

فرويد والدين:
شنَّ فرويد حرباً شعواء على الدين في العديد من كتبه، وقد خصص لهذا الموضوع كتاباً أصدره عام 1927 وهو "مُستَقْبَلُ وَهم"، "The Future of an Illusion". والوهم بالنسبة لفرويد هو الدين، والتدين ليس إلا مرضاً نفسياً (عُصاب Neurosis). وقد روَّج الإعلام لهذه الفكرة. وكانت هذه النظرية الفرويدية دعماً كبيراً للمخططات الصهيونية؛ إذ أن إبعاد الأغيار (Goyim) عن أديانهم يولِّد تفككاً في بنيتهم الاجتماعية والخُلُقية, ويسهل بذلك السيطرة عليهم. وكان هناك توجه نحو استبدال علم النفس بالدين؛ إذ أصبحت "الكَنَبَة" التي يستلقي عليها المريض النفسي في العيادة النفسية معبِّراً عن مكبوتاته بديلاً عن "غرفة الاعتراف" في الكنيسة التي باتت شبه مهجورة في الغرب. وأصبح المحللون النفسيون بدلاء للكهنة والقساوسة والرهبان. إلا أن هذا الاستبدال لسوء حظ فرويد وإخوانه الصهاينة لا ينطبق على العالم الإسلامي، على رغم محاولات من يسمُّون أنفسَهم بالعلمانيين والـ"متحررين" في مجتمعاتنا لإسقاط وتنـزيل هذا الاستبدال الذي حصل في الغرب على مجتمعاتنا الإسلامية، وذلك لعوامل عدة أبرزها: 1.وضوح عقيدة الإسلام، 2.وعدم وجود طبقة كهنوتية مُحْتَكِرة للدِّين، 3.والرابطة القوية والمباشرة التي يتمتع بها المسلم بربه تبارك وتعالى, وذلك في صلاته وأذكاره، وأعماله اليومية.
كما أثبتت الأبحاث العلمية أهمية الدين فيما يتعلق بالصحة النفسية؛ إذ أن أقل الناس تعرضاً للاضطرابات النفسية هم أكثرهم تديناً، كما تؤكد أبحاث معاصرة عديدة. والله تعالى يؤكد لنا ذلك وهو أصدق قِيْلاً: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه:123-124].
ويقول كارل غوستاف يونغ الذي اعتزل فرويد عام 1914 نظراً لرفضه تفاسير هذا الأخير المنحرفة التي تعلل خصائص حياة الإنسان كافة جنسياً: "لا أكاد أجد مريضاً واحداً يعاني من مشاكل نفسية إلا وكان بعيداً عن العقيدة الدينية".
وقد هجر ألفرد أدلر (عالم نفس وطبيب نمساوي) فرويد أيضاً, وكان ذلك عام 1911 لنفس الأسباب التي هجر يونغ فرويد من أجلها, وتبعه عدد من تلامذة فرويد في فترة وجيزة.
ويبدو من ذلك أن شخصية فرويد لم تكن مريحة, فقد كان سُلطوياً متعجرفاً كما يصفه عدد من تلامذته ومعاصريه.
عُرِفَ فرويد بإدمانه للسيجار, ومن العجيب أنه لم يتخلَّص من إدمانه هذا إلى أن أُصيب بسرطان الحَلْق(Palate Cancer) عام 1923, وأجرى عدة عمليات لاستئصاله, إلا أن الألم وعدم الراحة لازماه إلى أن طلب من الطبيب إعطاءه جرعة مميتة من المورفين عام 1939 للتخلص من أوجاعه ومن حياته المشؤومة منتحراً, وقد أراح العالم بذلك من نظريات منحرفة, ودعوات شاذة باطلة لا يقبلها سليم القلب والعقل.

ختاماً: نَوَدُّ ذكر بعض النقاط المهمة فيما يتعلَّق بمقومات الصحة النفسية في الإسلام؛ فالخضوعُ والانقياد لمشيئة الله يجعل الإنسان منسجماً مع الوجود, مطمئن النفس, والتوكُّلُ على الله يورثُ العزيمة والثقة والمثابرة. ومراقبةُ الله أكبر رادعٍ عن الوقوع في الحرام والهلاك, والإفساد والإضرار بالآخرين؛ ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:41,40]. والإيمان باليوم الآخر يُلهمُ الرجاء والأمل, ويحثُّ على التصدُّق والعمل, ويشوِّق الإنسان المؤمن إلى فرحة يوم اللقاء بربه, ويُنصِفُ المظلوم المتيقِّن بعدل المَلِك الواحد الأحد. والإيمان برسول الله محمد , سُـمُوٌّ لمعاني الإنسانية يدفع إلى التخلق بالأخلاق العلية, فهو أُسْوَتُنا الحَسَنَة, ومَثَلُنا الأعلى, وشمائله ترشدنا إلى السعي لتحقيق الكمال البشري.
وأما الماديون من البشر, فأولئك تَعِسَت حياتهم؛ فهم يُحبُّون العاجلة, ويسعون لإشباع ملذاتهم الفانية, ولا يزيدهم إشباعها إلا جوعاً وعطشاً. فالماديُّ المنكر لله واليوم الآخر يتناسى الموت ويعيش يومه, ولا يذوق إلا زيف السعادة للحظات تَتْبعها غصة وندم, ثم يبحث عن اللذة تارة أخرى لكي ينسى الحزن والأسى... وهكذا, فهو مدرك لتعاسته, منكر لها, فمن له؟
أخوتي في الله, علينا بالعودة إلى دين الله, ففيه فلاحنا ونجاحنا وشفاء صدورنا وارتواء أرواحنا. فإذا ما تمكَّنَّا من أسباب نصرة الدين, وفَّقنا الله تعالى لنكون هادِيْنَ مَهْدِيِّين, نُخرج أصحاب النفوس الكئيبة من الظلمات إلى النور بإذن الله, وبذلك نكون قد تفوقنا على من ادَّعى في علم النفس معرفة ممن يُسَمَّونَ بـ"الخبراء النفسيين".
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال:24].
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصِّلت:33].




المراجع:
 القرآن الكريم.
 صراع مع الملاحدة حتى العظم, د. عبد الرحمن الحبنَّكة الميداني.
 المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة, د. عبد المنعم الحنفي.
 معجم مصطلحات التحليل النفسي, جان لابلانش – ج. ب. بونتاليس, ترجمة د. مصطفى حجازي.
 أزمة التحليل النفسي, إريك فروم, ترجمة د. طلال عتريسي.
 دور اللاشعور ومعنى علم النفس للإنسان الحديث, كارل غوستاف يونغ, ترجمة نهاد خياط.
 من علم النفس القرآني, د. عدنان الشريف.
 الإسلام يتحدى, وحيد الدين خان.
 Civilization and Its Discontent, Sigmund Freud.
 http://webcenter.health.webmd.netscape.com /content/article/78/95776.htm
, Religion Brings Greater Happiness.


المنتدى للتعريف بالإسلام والحوار بين الثقافات.
المنتدى ـ بيروت ـ الحمراء ـ مقابل AUB ـ قرب مستشفى خالدي ـ بناية نازريان ـ ص.ب: 5760/11 ـ تلفاكس: 75199/01

Homepage: www.islam-forum.net E-mail: [email protected]