تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الـمُـعْـجِـزَةُ الـمَـزْعُـومَـةُ فِـي أَحْـدَاثِ بـُرْجَـي



القدس لنا
06-21-2002, 05:06 PM
الـمُـعْـجِـزَةُ الـمَـزْعُـومَـةُ فِـي أَحْـدَاثِ بـُرْجَـيِّ الـتِّـجَـارَةِ .

مقال لفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عثمان السبت وفقه الله

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـمُـعْـجِـزَةُ الـمَـزْعُـومَـةُ فِـي أَحْـدَاثِ بـُرْجَـيِّ الـتِّـجَـارَةِ الـعَـالَـمِـي فِـي إمريكا


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
فقد كثُر السؤال عن ورقة تداولها الناس ، كما نُشر مضمونها في " الشبكة العنكبوتية " ، وحاصلها الربط بين آية من سورة براءة وبين ما حدث لبرجي التجارة في أمريكا .
ومع تهافت محتوى تلك الورقة في ميزان العلم الصحيح إلا أن كثيرا من الناس اغتروا بها ، واعتبروا ذلك من أدلة إعجاز القرآن حيث أخبر عن هذا الأمر قبل وقوعه بما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان !! وفي آخر الورقة حثٌ على تصويرها ونشرها !
وقد عجبت من جُرأة كاتبها على الله وعلى كتابه، والله يقول: " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " . [ الأعراف: 33 ] ، وقال : " وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . [ يونس: 60 ] ، وقال : " قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ " . [ يونس: 69 ]، وقال: " إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ". [ النحل: 105 ].
ولما كان إيمان السلف رضي الله عنهم وافراً، وعلومهم راسخة اشتد تحرجهم من القول على الله بلا علم، وكانوا أبعد الناس عن التكلف، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ على المنبر : " وَفَاكِهَةً وَأَبًّا " [ عبس : 31 ] فقال : هذه الفاكهة عرفناها فما الأبُّ ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر ! (1).
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه قال : كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع ، فقرأ : " وَفَاكِهَةً وَأَبًّا " [ عبس : 31 ] فقال : فما الأبُّ ؟ ثم قال: إن هذا لهم التكلف !! فما عليك أن لا تدريه ؟ (2)
وهذا ابن عباس حَبْرُ الأمة، وترجمان القرآن – كما روى عنه ابن أبي مليكة – أنه سُئل عن آية لو سُئل عنها بعضكم لقال فيها ، فأبى أن يقول فيها (3) .
وسأله رجل عن " يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ " [ السجدة : 5 ] فقال له ابن عباس : فما " يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [ المعا رج : 4 ] ؟ فقال له الرجل : إنما سألتك لتحدثني !! فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما ، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم (4) .
وهذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه طلق بن حبيب فيسأله عن آية من القرآن ، فقال : أُحَرِّجُ عليك إن كنت مسلما لَما قمت عني – أو قال - : أن تُجالسني (5) .
ولم يكن هذا الورع والتحرز مقتصراً على الصحابة رضي الله عنهم بل كان خُلُقاً لمن جاء بعدهم من أهل الرسوخ والتُّقى ، فهذا سعيد بن المسيب رحمه الله وهو من خيار علما التابعين يسأل عن تفسير آية من القرآن فبقول : إنَّا لا نقول في القرآن شيئا (6) .
وذكر عنه يحيى بن سعيد أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن(7) .
وسأله رجل عن آية من القرآن فقال : " لا تسألني عن القرآن ... " (8) .
وقال يزيد بن أبي يزيد: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحرام والحلال وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع (9) .
وأخرج ابن جرير عن عبيد الله بن عمر قال: أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير ، منهم سالم بن عبيد الله ، والقاسم بن محمد ، وسعيد بن المسيب ، ونافع(10) .
وقال هشام بن عروة بن الزبير: ما سمعت أبي يؤول آية من كتاب الله قط (11) .
وسأل محمد بن سيرين عَبِيْدَةَ السلماني عن آية من القرآن فأجابه بقوله: " ذهب الذين كانوا يعلمون فِيْمَ أُنْزِلَ القرآن . فاتق الله ، وعليك بالسداد (12) .
وهذا إبراهيم النخعي يقول : كان أصحابنا – يعني أصحاب ابن مسعود كعلقمة والأسود وغيرهم من أصحاب ابن مسعود – يتقون التفسير ويهابونه(13) .
وقال الشعبي رحمه الله: والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنَّها الرواية عن الله عز وجل (14).
وقال ابن مسروق : اتقوا التفسير ، فإنما هو الرواية عن الله (15) .
وهذا شيح الإسلام ابن تيمية مع تَبَحُّرِهِ في العلم وسعة إطلاعه حتى إنه إذا سُئل عن فن ظن الرائي والسامع أنه لا يَعرف غير ذلك الفن ، وحَكَم بأن لا يعرفه أحد مثله ، وله يد طُولَى في التفسير مع قوة عجيبة في استحضار الأدلة من الكتاب والسنة (16) ، فمع هذا كله كان رحمه الله يقول : ربما طالعت الآية الواحدة نحو مائة تفسير ، ثم أسأل الله الفهم وأقول : يا معلم آدم وإبراهيم علمني ، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها وأُمَرِّغ وجهي في التراب ، وأسأل الله تعالى وأقول : يا معلم إبراهيم فهمني (17) .
وهذا طرف يسير من شدة تحرزهم في الكلام على التفسير ، وأما ما ورد عنهم من عظم الورع في الفتيا والجواب على المسائل الموجهة إليهم فهذا أمر يطول وصفه ولا تحتمله هذه المقدمة (18) .
وبعد هذا أقول : أين حال هؤلاء المجترئين على الله تعالى من حال هؤلاء السلف رضي الله عنهم ؟
***********************
وأما الرد على مضمون تلك الورقة المشار إليها فمن ثمانية أوجه هي :
الأول: أن مدار هذه الفرية يعود إلى ما يسمونه بـ ( الإعجاز العددي في القرآن ) .
وهذا النوع من الإعجاز باطل جملة وتفصيلا، إذ لم يكن معهوداً لدى المخاطبين بالقرآن من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الأمة بكتاب الله، وأبرها قلوباً، وأكثرها صواباً، فلم يُنقل عن أحد منهم بإسناد صحيح شيء من هذا القبيل إطلاقا، ولو كان هذا من العلم المُعتبر لكانوا أسبق الناس إليه، وأعلم الأمة به، وذلك أن هذا الأمر لا يتطلب آلات وتقنيات حتى يتمكن الإنسان من اكتشافه، وإنما هو مجرد إحصاء وعدد، وهذا أمرٌ لا يُعْوِزُ أحداً، وقد عَدَّ السلفُ جميع كلمات القرآن، وجميع حروفه، وعرفوا بذلك أعشاره، وأرباعه ، وأثلاثه ، وأخماسه ، وأسداسه ، وأسباعه ، وأثمانه ، وأتساعه ، وأنصاف ذلك كله ، وغير ذلك بدقة متناهية كما هو معروف في محله (19) .
فكيف خفي عليهم هذا العلم جملة وتفصيلا وعرفه من بعدهم ؟
هذا لا يكون أبداً، وما يذكره بعضهم من أمثلة على هذا الإعجاز المزعوم كثير منه لا يصح فيه العد أصلاً – كما في موضوعنا هذا كما سيأتي – وما كان العَدُّ فيه صحيحاً فإن ما يُذكر معه إنما هو من باب الموافقة والمصادفة ، ولا يَعْجَزُ الإنسان إذا أحصى أموراً كثيرة مما ورد في القرآن – مثلاً – كعدد المرات التي ذُكرت فيها الجنة ، والنار ، والبر ، والأبرار ، والخير ، والشر ، والنعيم ، والجزاء ، والعذاب ، والمحبة ، والبغض ، والكفار ، وأصحاب الجنة ، وأصحاب النار ، والمؤمنون ، والكفار ، والمنافقون ، والكفر ، والإيمان ، والنفاق ... الخ .
فإذا أحصيت ذلك كله ستجد أشياء منه تستطيع أن تلفق منها بعض الفِرَى ، فقد تتساوى بعض الأعداد ، أو يكون بعضها على النصف بالنسبة لغيره ، وهكذا مما لا يعجز معه أهل التلبيس من إيجاد وجوه للربط بينها يطرب لها بعض السذج والمغفلين .
وليس المقصود هنا التفصيل فيما يُسمى بـ ( الإعجاز العددي ) وإنما المقصود الإشارة إلى بطلان هذا الأمر الذي تدور حوله تلك الورقة المشار إليها (20) .
الثاني : زعم هذا الكاتب أن رقم السورة - وهو تسعة – موافق للشهر الذي وقع فيه الحدث ، وهو الشهر التاسع .
والجواب عن هذا لا يخفى إذ إن ترتيب السور في المصحف لم يكن عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان عن اجتهاد صدر عن الصحابة رضي الله عنهم في زمن عثمان رضي الله عنه حينما جمع الناس على مصحف واحد (21) . وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن يُرتب على هذا الترتيب للسور استنباطات في المعاني ولا غيرها ، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم قبل جمع عثمان رضي الله عنه للمصاحف كانوا يتفاوتون في ترتيب مصاحفهم ، فبعضهم كان يرتب السور حسب النزول ، وبعضهم على غير ذلك ، وبهذا تعرف قيمة ما بناه ذلك الكاتب على هذا الرقم [9] .
الثالث : زعم كاتب الورقة أن سورة براءة تقع في الجزء الحادي عشر من أجزاء القرآن الكريم ، وأن هذا يوافق اليوم الذي وقع فيه الحدث ، وهو اليوم الحادي عشر .
والجواب عن هذا يتبين مما قبله ، إذ لو لم تُرتب السور في المصحف على هذا الترتيب الذي أجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه زمن عثمان رضي الله عنه لما وقعت السورة في الجزء المشار إليه .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نقول : إن تجزئة القرآن على ثلاثين جزءاً لم تكن معروفة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة ، لا في زمن عثمان رضي الله عنه ولا قبله ولا بعده ، وإنما وقع ذلك بعدهم ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحزبون القرآن بطريقة أُخرى حسب السور على النحو التالي :
1 – السبع الطوال. 2 – المئين. 3 – المثاني . 4 – المفصل.
ولا شك أن هذا الترتيب الذي كانوا عليه أدق وأفضل ، إذ إن ترتيب القرآن على الأجزاء يفضي إلى انتهاء الجزء قبل تمام المعنى ، حيث يفصل بين أجزاء الموضوع الواحد .
أما طريقة الصحابة رضي الله عنهم فهي – كما سبق – على السور ، وبناء على ذلك تكون المعاني تامة . وإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يتمسك برقم الجزء الذي وقعت فيه السورة ليربط بينه وبين أمر آخر ليخرج لنا بمعنى كهذا .
الرابع : في البداية كانت الآية التي تعلق بها الكاتب هي الآية رقم (110) من سورة التوبة ، وهي قوله تعالى : " لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " وإنما تعلق بهذه الآية لتوافق عدد الأدوار في الأبراج حيث تبلغ هذا العدد ، ولكن مضمون الآية لا يساعده ، وإنما المناسب أن تكون الآية التي قبلها وهي (109) وذلك قوله تعالى : " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ... " ثم رأيت في الأوراق المنشورة مؤخراً الإحالة إلى هذه الآية (109) لكن هذه يتطلب كذبة إضافية لحبك الدعوى ، ولم يتطلب هذا من الكاتب كبير جهد حيث زعم أن عدد الأدوار (109) فأسقط دوراً ليوافق ذلك مُدَّعاه ، وهذا من أعجب الأمور !! ولا أدري كيف يسمح الناس لمثل هذا أن يستخف بعقولهم إلى هذا الحد ؟

القدس لنا
06-21-2002, 05:07 PM
الخامس : أن مبنى هذه الارتباطات على الحساب الشمسي ، وهو حساب متوارث عن أُمم وثنية ، ولم يكن معتبراً لدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وإنما الحساب المعتبر في الشرع هو الحساب بالقمر والأهلة ، وهو الأدق والأضبط ، ومما يدل على أن المعروف في شرائع الأنبياء هو الحساب بالقمر والأهلة حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ‏أُنْزِلَتْ صُحُفُ ‏‏إِبْرَاهِيمَ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏‏فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ (22) . وهذا لا يعرف إلا إذا كان الحساب بالقمر والأهلة ، ويدل عليه أيضا الحديث المخرج في الصحيحين ‏عَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ : ‏ قَدِمَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏فَرَأَى ‏‏الْيَهُودَ ‏‏تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ :‏ ‏مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ ‏‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏‏مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ ‏‏مُوسَى ... الحديث (23) . ، وقد صرح الحافظ رحمه الله أنهم كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس (24) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعليقا على قوله تعالى : " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ " [ يونس : 5 ] ، وقوله تعالى : " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ " [ يس : 38-39 ] : ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط ، وأصح للضبط من الحساب الشمسي ، ويشترك فيه الناس دون الحساب ، ولهذا قال تعالى : " وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ " [ يونس : 5 ] ولم يقل ذلك في الشمس ، ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمة وحفظا لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب ، وتعذر الغلط والخطأ فيه ، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب (25) .
وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب بالشمس ، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله برده بعد أن نسبه لابن القيم (26) .
والواقع أنه لم يكن معتبرا في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم ، ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " لَيْسَ يَوْم عَاشُورَاء بِالْيَوْمِ الَّذِي يَقُولهُ النَّاس , إِنَّمَا كَانَ يَوْم تُسْتَر فِيهِ الْكَعْبَة , وَكَانَ يَدُور فِي السَّنَة , وَكَانُوا يَأْتُونَ فُلَانًا الْيَهُودِيَّ - يَعْنِي لِيَحْسِبَ لَهُمْ - فَلَمَّا مَاتَ أَتَوْا زَيْدَ اِبْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلُوهُ " (27) وقد فسره الحافظ رحمه الله بما نقله من كتاب " الآثار القديمة " للبيروني ما حاصله : أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم ، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية . قال الحافظ : فَمِنْ ثَمَّ اِحْتَاجُوا إِلَى مَنْ يَعْرِف الْحِسَاب لِيَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (28) .
السادس : أن الآية المشار إليها تتحدث مع ما قبلها وبعدها عن مسجد الضرار الذي بناه المنافقون ، ورَبْطها بالحدث الجديد تلاعب بكتاب الله تعالى ، وتحميل له ما لا يحتمل إطلاقا من أي وجه من وجوه الدلالة المعروفة لدى العلماء . وهذا أمر أوضح من أن يشرح .
السابع : زعم كاتب الورقة أن عدد الحروف من بداية السورة إلى الآية (109) = (2001) حرفا .
وهذا إضافة إلى الأوجه السابقة الدالة على عدم الاعتداد به فإنه كذب محض ، ذلك أن كل وجهين ( صفحتين ) من المصحف الكريم تحويان ما يقرب من ألف حرف ، وعدد الأوجه من أول السورة إلى الآية المشار إليها يبلغ (17.5) تقريبا ، فإذا اعتبرت هذا العدد عرفت البون الشاسع بين ما ذكره الكاتب وبين الحقيقة ؛ ولذا رأيت في بعض طبعات تلك الورقة المعدلة أن هذا الرقم (2001) هو عدد الكلمات من أول السورة إلى الآية المشار إليها ، وهذا أيضا غير صحيح ذلك أن العدد الحقيقي للكلمات هناك يزيد على (2920) كلمة .
وإذا أحسنَّا الظن بالكاتب قلنا إنه لا يحسن العَدَّ ، ذلك أن الكلمة عند أهل العربية على ثلاثة أقسام :
1 – الاسم . 2 – الفعل . 3 – الحرف الذي جاء لمعنى نحو : من ، على ، إلى ، والباء وغيرها من حروف الجر وما في حكمها ، وهكذا الضمائر سواء كانت متصلة أو منفصلة فإنها تُعد كلمات أيضا .
الثامن : زعم الكاتب أن المركز المشار إليه يقع على شارع اسمه : " جرف هار " .
وهكذا كذب مُلَفَّق ، وقد سألت من يعرفون تلك البلاد فلم يعرفوا هذا الاسم ، كما اطلعت على بعض المعلومات والخرائط التي توضح الموقع وما حوله عبر الشبكة العنكبوتية ، وليس لهذا الاسم ذكر في شيء من ذلك .
ثم لو فرضنا جدلا أن هذا هو الاسم الحقيقي لشارع فنقول : إن هذا الاسم أعجمي ، والقرآن بلسان عربي مبين ، ومعلوم أن الألفاظ قوالب المعاني ، وإنما تُفَسَّر الألفاظ بحسب ما وُضِعَت له من المعاني في اللغة التي تضاف إليها ، فكم من لفظة أعجمية توافق لفظا كلمة عربية وتناقضها في معناها ومدلولها ، ولا يقول أحد له أدنى مسكة من عقل بأن هذه الألفاظ المتوافقة في مجرد اللفظ أنها تُحمل على مدلول واحد .
ومعلوم أن ( الجرف ) في العربية هو المكان الذي يأكله السيل (29) .
وأما ( الهار ) فإن أصل الكلمة هذه الكلمة يدور على معنى واحد وهو السقوط والانهدام (30) .
ولا يبعد على هذا الكاتب وأمثاله أن يخرج علينا باستنباط جديد بعد أن عرف معنى هاتين الفظتين في لغة العرب ، وهو أن يقول بأن المبنى المشار إليه يمر بجانبه نهر ، فهو يقع على ضفافه وبالتالي فهو على جرف هار ، والدجل ليس له حد ينتهي إليه .
وفي الختام أنبه القارىء الكريم أن المقصود الأهم من كتابة هذه الورقات إنما هو التنبيه على حال هذه المُخْتَلَقَات وهي كثيرة ومتنوعة وذلك بعرضها على ميزان العلم فينكشف أمرها ، وهذا الذي بين يديك يمكنك أن تعتبر به حال كثير مما يمر بك مما قد يستهوي بعض السذج والبسطاء ، والله الموفق .
كتبه
د . خالد بن عثمان السبت
2/3/1423 هـ
***********************
الحواشي ( الموضوع منقول من ملف وورد ):
(1) - إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد (1/58) ، وابنُ أبي شيبة (10/512 – 513) ، وسعيد بن منصور في تفسيره (1/181) ، والحاكم (2/514) ، والبيهقي في الشعب (2084) .
(2) - إسناده صحيح . أخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في الفتح (13/271) ، وابن سعد (3/327) ، وابن جرير (30/60-61) ، والبيهقي في الشعب (2084) ، وأصله في البخاري مختصرا .
(3) - إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير .
(4) - إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد ، وابن جرير .
(5) - إسناده صحيح . أحرجه ابن جرير . ولعل السائل أورد عليه مسألة مُتَكَلَّفَة ، وإلا فمن المعلوم أن السؤال عما يعني في التفسير وغيره أمرٌ غير مُسْتَنكَر .
(6) - إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير ، وابن سعد .
(7) - إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد ، وابن جرير .
(8)- إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن أبي شيبة .
(9) - إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير .
(10) - إسناده صحيح .
(11) - إسناده جيد . أخرجه أبو عبيد .
(12) - إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد ، وابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، والبيهقي في الشعب .
(13) - إسناده صحيح . أخرجه ابن أبي شيبة ، والبيهقي في الشعب ، وأبو نعيم في الحلية .
(14) - إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير .
(15) - إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد .
(16) - انظر : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 706 .
(17) - العقود الدرية ص 26، وهو في الكواكب ص 78 .
(18) - للتوسع انظر على سبيل المثال : سنن الدارمي (1/53) فما بعدها ، الموافقات (4/286) .
(19) - انظر في ذلك على سبيل المثال : فنون الأفنان لابن الجوزي ص 245 فما بعدها ، البرهان للزركشي (1/249) ، الإتقان للسيوطي (1/197) ، جمال القراء للسخاوي (1/231) .
(20) - ورأيت بعضهم يحتج له بأن الله جعل خزنة النار تسعة عشر .
وهذا لحكمة يعلمها الله تعالى ولكن ما وجه الإعجاز في ذلك ؟ وهكذا سائر الأعداد المذكورة في القرآن كابواب النار وغير ذلك وسيكون بيان ذلك كله – إن شاء الله – في غير هذه الورقات عند الكلام على التفسير العلمي للقرآن .
(21) - مع أننا نقول في الوقت نفسه : إن هذا الترتيب وقع عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم في زمن عثمان رضي الله عنه ، فينبغي اتباعه في طباعة المصاحف ، ولا تصح مخالفته .
(22) - أخرجه أحمد (4/107) ، والبيهقي في السنن (9/188) ، وسنده حسن ، وذكره الألباني في الصحيحة (1575) .
(23) - أخرجه البخاري (2004) ، ومسلم (1130) .
(24) - انظر : الفتح (4/291) ، وانظر (7/323) .
(25) - مفتاح الدار السعادة ص 538 – 539 .
(26) - انظر : الفتح (7/323) .
(27) - قال في الفتح (4/248) : وسنده حسن " .
(28) - السابق ، وللتوسع في هذا الحساب راجع : صبح الأعشى (2/382-401) .
(29) - انظر : المفردات للراغب ( مادة : جرف ) .
(30) - انظر : المقاييس في اللغة ، كتاب الهاء ، باب الهاء والواو وما يثلثها .

القدس لنا
06-21-2002, 05:08 PM
هذه ترجمة بسيطة للشيخ خالد السبت حفظه الله

هو أحد خريجي جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية ( مرحلة البكاريوس )

حصل على شهادة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بعنوان : " مناهل العرفان . دراسة وتقويم " في مجلدين . دار ابن عفان .

ورسالة الدكتوراه من نفس الجامعة بعنوان : " قواعد التفسير . جمعا ودراسة . في مجلدين . دار ابن عفان .

وللشيخ كتاب بعنوان : " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . أصوله وضوابطه وآدابه . إصدار المنتدى الإسلامي .

والشيخ له دروس في التفسير وشرح صحيح مسلم والفقه وأصول الفقه .

( نقلا عن بعض الأخوة ) .

القدس لنا
06-21-2002, 05:11 PM
انهيار مبنى التجارة العالمي والتلاعب بالقرآن
وهذه فتوى لفضيلة الشيخ د. حسام الدين بن موسى عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس
بيت المقدس / فلسطين

أخذتها من موقعه ( يسألونك ) وهو موقع جميل وفيه فوائد http://www.yasaloonak.net/index.htm
وقد عنون الشيخ لهذه الفتوى ب( انهيار مبنى التجارة العالمي والتلاعب بالقرآن )
وأنقل للأخوة السؤال والجواب :


السؤال: سألني عدد من المصلين عن ورقة وزعت في بعض المساجد وهي بعنوان إحدى معجزات القرآن الكريم نقدمها للمسلمين واليهود والنصارى وجاء فيها : ( انهار مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك في 11/9/2001 والذي يقع على ناصية شارع (جرف هار ) ، وفي هذا يقول الله رب العزة العلي القدير قبل 1400سنة وقبل أن يأتي العالم بشارع (جرف هار) ويقيم فيه هذا المبنى ... بسم الله الرحمن الرحيم (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) سورة التوبة آية 109 وبالبحث في المصحف الشريف نجد أن تقع الآية 109 من سورة التوبة في الجزء (11) ( يوم الانهيار ) رقم سورة التوبة في المصحف الشريف هو (9) ( شهر الانهيار ) عدد كلمات السورة من أولها وحتى نهاية هذه الآية (2001 ) كلمة ( عام الانهيار ) .فسبحان الله العلي القدير ،فهل للملحدين ومن ليس لهم دين أن يؤمنوا بإله واحد لا شريك له ،الذي أخبرنا بكل الأحداث في كتابه الكريم منذ 1400سنة على لسان نبيه الأمين ( محمد ) صلى الله عليه وسلم نرجو تصوير وإهداء هذه المعجزة للكثير من الأحباب وجزاكم الله خيراً ) .


والجواب : لابد أن أبين أولاً أن بعض الناس قد تجاوزوا حدودهم ووصل بهم الأمر إلى أن يتلاعبوا بكتاب الله سبحانه وتعالى وقالوا في القرآن الكريم بمجرد آرائهم السقيمة التي لا تعتمد على أي أصل علمي معتبر عند أهل العلم وإنما هي الأهواء والشهوات . إن هؤلاء الجهلة يفسرون القرآن الكريم حسب أهوائهم وشهواتهم وما علموا أن تفسير كلام رب العالمين له قواعد وأصول وضوابط لا بد من معرفتها قبل أن يخوض أي أحد في تفسير القرآن الكريم وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجرأة على الخوض في كلام الله تعالى بغير علم فقد روى الترمذي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح . وحسنه البغوي في شرح السنة 1/258 . وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) رواه الترمذي وقال حديث حسن وحسنه البغوي في شرح السنة 1/257. وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) رواه الترمذي ثم قال :[ هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم ] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 11/50-51 .وقد ذكر الإمام القرطبي في مقدمة تفسيره باباً بعنوان ( ما جاء في الوعيد في تفسير القرآن بالرأي والجرأة على ذلك ) وذكر فيه الأحاديث السابقة ثم ذكر أقوال أهل العلم في التحذير الشديد من التلاعب بكلام الله وتفسيره حسب الآراء والأهواء التي لا تقوم على أساس صحيح ونقل عن ابن عطية قوله :[ وكان جلة من السلف الصالح كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم قال أبو بكر الأنباري : وقد كان الأئمة من السلف الماضي يتورعون عن تفسير المشكل من القرآن ؛ فبعض يقدر أن الذي يفسره لا يوافق مراد الله عز وجل فيحجم عن القول . وبعض يشفق من أن يجعل في التفسير إماماً يبنى على مذهبه ويقتفى طريقه . فلعل متأخراً أن يفسر حرفاً برأيه ويخطئ فيه ويقول :إمامي في تفسير القرآن بالرأي فلان الإمام من السلف وعن ابن أبي مليكة قال:سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن تفسير حرف من القرآن فقال:أي سماء تظلني وأي أرض تقلني!وأين أذهب !وكيف أصنع !إذا قلت في حرف من كتاب الله تعالى بغير ما أراد تبارك وتعالى ) تفسير القرطبي 1/33-34.وقال الإمام بن العربي المالكي :[من تسور على تفسير القرآن فصور صورة خطأ فله الويل ، ومن أصاب فمثله ، كما روى أبو عيسى وهكذا قال النبي عليه السلام في القاضي أنه إذا حكم بجهل وأصاب فله النار لإقدامه على ما لا يحل في أمر يعظم قدره وهو الإخبار عن الله بما لم يشرع في حكمه أو إخباره عن ما لم يرده بقوله في وحيه ) عارضة الأحوذي 11/52 .إذا تقرر أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على تفسير كلام رب العالمين إلا إذا حصلت عنده أهلية لذلك فأعود إلى ما جاء في الورقة المذكورة في السؤال فأقول إن كاتب هذه الورقة قد أعظم الفرية على كلام رب العالمين وقال في القرآن بهواه وتلاعب بالذكر الحكيم فالويل له ثم الويل له عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى فإنه قد جزم قائلاً بأن الله جل جلاله قد قال في انهيار مركز التجارة العالمي الآية الكريمة :[ وفي هذا يقول الله رب العزة العلي القدير … ] ثم يفسر هذا المتلاعب قوله تعالى : (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) بأنه اسم للشارع الذي يقع فيه مركز التجارة العالمي ( جرف هار ) وهذا كذب واضح وقول في كتاب الله بغير علم وجرأة عجيبة غريبة على كلام الله سبحانه وتعالى ولنرجع إلى ما قاله أهل العلم في معنى جرف هار ، قال الراغب الأصفهاني : قال عز وجل ك (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به جرف وقد جرف الدهر ماله أي اجتاحه تشبيهاً به ] المفردات ص91 . وقال الراغب أيضاً :[ هار : يقال بئر هائر وهارٌ وهارٍ ومهار ويقال انهار فلان إذا سقط من مكان عال ورجل هار وهائر ضعيف في أمره تشبيهاً بالبئر الهائر ] المفردات ص547 . وذكر الألوسي أن معنى قوله تعالى : (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) أي طرفه ومنه أشفى على الهلاك أي صار على شفاء وشفي المريض لأنه صار على شفاء البرء والسلامة … وقيل هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية لجرف الماء له أي أكله وإذهابه ( هار ) أي متصدع مشرف على السقوط وقيل ساقط وهو نعت لجرف ] تفسير الألوسي 11/21 . وبهذا يظهر لنا أن الجرف الهار هو البئر الساقط أو المنهار وهما كلمتان عربيتان فصيحتان وليستا اسم شارع في نيويورك كما زعم هذا الأفاك الأثيم . ثم زعم الكاتب والزعم مطية الكذب أن الآية 109 من سورة التوبة وأنها واقعة في الجزء الحادي عشر من القرآن ورقم سورة التوبة هو التاسع في ترتيب سور القرآن الكريم وأن عدد كلمات سورة التوبة حتى نهاية الآية هو 2001 ويشير بذلك إلى تاريخ حادثة انهيار مركز التجارة العالمي 11/9/2001 وأقول إن هذا من التخرص والقول في كتاب الله بغير علم .والسؤال الذي يطرح نفسه من أي أتى هذا الكاتب بهذا التفسير العددي الذي تفوح منه رائحة الكذب والدجل بل هو دجل بلا خجل وتكلف باطل وتحميل لكلام الله تعالى ما لا يحتمل ومما يؤكد أن هذا الكلام زور وبهتان أن الكاتب زعم أن عدد كلمات سورة التوبة من أولها وحتى نهاية الآية التي استدل بها هو 2001 كلمة وهذا غير صحيح حيث إنني قمت بعدِّ الكلمات فوجدت أن عددها هو 2083 كلمة حسب رسم المصحف ويزيد العدد عن ذلك إن لم نعتبر رسم المصحف وهذا يثبت كذب هذه الدعوى العريضة . ثم لماذا يؤرخ القرآن بالتاريخ الميلادي ؟؟!! ويذكرني هذا الكلام بما قاله الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله في أحد أشرطته أنه لما زار القاهرة رئيس يوغسلافيا السابق ( تيتو ) ظهر أحد الدجالين من اللابسين لباس العلماء وقال إن الله قد ذكر ( تيتو ) في القرآن الكريم ألا ترون قوله تعالى : ( أوتيتم ) فلفظها بطريقة توافق اسم تيتو ؟ وهكذا يكون التلاعب في كتاب الله تعالى لخدمة الأهواء والشهوات .

يتبع كلام الدكتور حسام

القدس لنا
06-21-2002, 05:12 PM
إن الآية الكريمة من سورة التوبة نزلت في حادثة مسجد الضرار الذي بناه بعض المنافقين يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة الآيات 107-110 . قال ابن كثير :[ سبب نزول هذه الآيات الكريمات أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له : أبو عامر الراهب , وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله وكانت العاقبة للمتقين وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيب ذلك اليوم فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج رأسه صلى الله عليه وسلم وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق يا عدو الله ونالوا منه وسبوه . فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي بعدي شر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن فأبى أن يسلم وتمرد فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ورأى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع وظهور ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته عليه السلام فيه على تقريره وإثباته وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية . فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : ( إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله ) فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة . كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ) وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر : ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم وأخرج محمداً وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة . فأنزل الله تعالى: ( لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ … الظالمين ) تفسير ابن كثير 3/ 440- 441 . وخلاصة الأمر أنه يحرم التلاعب بكلام رب العالمين كما فعل كاتب الورقة محل السؤال وأقول إنه يحرم تصوير هذه الورقة كما يحرم توزيعها على الناس لما فيها من الكذب على الله والدجل والخزعبلات والخرافات .

د. حسام الدين بن موسى عفانه

fakher
06-22-2002, 09:03 AM
أخي الكريم أليس من الممكن أن يكون تنظيم القاعدة قد اعتمد على هذه الآيات لتكون بمثابة فتوى لهم، خاصة وأن الآيات التالية :"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا بالتوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم".
أليس من الممكن ذلك وأن تكون بمثابة التوقيت لهم.

القدس لنا
06-27-2002, 10:31 PM
وإن كانوا أعتمدوا على مثل هذه التفسيرات فهو خطأ ظاهر ,
والمعصوم من عصمه الله .