تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحصاد المر: الاخوان المسلمين في ستين عاما"



أبو عبد
04-11-2004, 06:27 PM
جماعة الجهاد







الحصــاد المـــــــر
الإخوان المسلمون
في ستيـــن عامــــا








إعـداد:
أيمـن الظواهـــري








«لسنا ضد التيار الإسلامي. هناك الإخوان المسلمون وهناك الشبان المسلمون وهناك جماعة الصوفيين وتيارات إسلامية كثيرة معتدلة فلا تثريب ولا بأس. ونحن لانعتقل جزافا.
نحن نعتقل ما نسميه بالمتطرفين أو من يرتكبون الإرهاب»


عبدالحليم موسى
وزير الداخلية المصرى
المصور ص 24، 15/2/1991.

جاء في مجلة المجتمع الكويتية الصادرة في يوم الثلاثاء 9 صفر 1409 هـ الموافق 20 سبتمبر 1988م العدد 883 السنة التاسعة مايأتي:
خواطر إلي "سيد" في ذكرى استشهاده
وافق يوم 29 أغسطس الماضي ذكري استشهاد الأستاذ "سيد قطب" وبهذه المناسبة كتبت شقيقته "أمينة قطب" هذه الأبيات:
إليك أخي هــذه الخاطــــــرات تجول بنفســـي مع الذكريــــات
فاهمــس واللـيل يحـيـي الشـجـون ويوقـظ كل همـوم الحـــــــياة
ويوقد جمــرا علاه الرمـــــــاد ويبعث ما عـز من أمنـــــــيات

فاهتـف، يا ليتــــــنا نلـتــقي كما كان بالأمس قبـــل الأفـــول
لأحكـي اليك شجونــــي وهمــي فكـم من تبــاريح هـم ثقيــــل
ولكنها أمنيـــات الحـــــــنين فمـا عـاد من غــاب بعد الرحيــل!

أخي إنه لحديــث يطـــــــول وفيه الأســــى وعميق الشـجـون
رأيت تبدل خـــــط الحــــداة بما نالهـم من عنــاء السنـيــــن
فمالوا إلى هــدنة المســـــتكيـن ومدوا الجســـور مـع المجرمـــين

رأوا أن ذلـك عيــن الصــــواب ومادونه عقبـات الطريـــــــق
بتلك المشــورة مـال السفيــــن تأرجـــح في سيره كالغريـــــق
وفي لجة اليّــــم تيه يطـــــول وظلمة ليــل طويل عميــــــق

حزنـــت لما قد أصـاب المســيـر وما يملك القلـــب غير الدعــــاء
بأن ينقذ اللـــه تلك السـفيـــن ويحمـــــي ربـانهــا من بـلاء
وأن يـــحذروا من ضـلال المسيــر ومما يدبـــر طي الخفـــــــاء

ترى هل يعــودون أم أنهــــــم يظنون ذلك خــط النجـــــاح؟
وفي وهمــهــم أن مد الجســــور سيمضي بآمالهم للفــــــــلاح
وينسـون أن طريــق الكفـــــاح به الصــدق والفــوز رغم الجــراح

ولكننـي رغـــم هذخ الهمــــوم ورغم التأرجح وسط العبــــــاب
ورغم الطغــــــــاة وما يمكرون ومـا عندهم من صنوف العــــذاب
فإن المـعالم تبــــدي االطريــــق وتكشف ماحوله من ضــــــباب

وألمح أضواء فجـر جديــــــــد يزلزل أركان جمـــــــع الضلال
وتوقظ أضـواؤه النائميــــــــن وتنقذ أرواحـهم من كــــــلال
وتـورق أغـصان نبت جديــــــد يعــم البــطاح نـــدي الظـلال

فنـم هانـئاً يا شـقـيـقي الحـبيــب فلن يملك الظلـم وقف المسيـــــر
فـرغم العـناء سيـمـضـي الجـمـيع بدرب الكـفاح الطــويل العســـير
فعزم الاباة يزيح الطغـــــــــاة بعون الله العـــلــي القـــديـر



* * * *

بسم الله الرحمن الرحيم




الحصــــاد المــــر


الإخوان المسلمون في ستين عاما

مقـــــدمـــــــة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده وسولهe.
أما بعد... فإنا نعوذ بالله من فتنة القول كما نعوذ به من فتنة العمل، وإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدe، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمـا بعـد:
أيها الإخوة المجاهدون الصابرون المرابطون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد استمرت الأنظمة المتحكمة في أمتنا الإسلامية في المكر للإسلام وأهله وكان من آخر ماتفتق ذهنهم عنه بعد أن أدركوا خطورة مواجهة الإسلام بالعداوة الظاهرة المكشوفة، أن لجأوا إلي تفتيت صف المسلمين وصرفهم عن الفريضة العينية الشرعية وهي جهاد الكفار والمرتدين ولاسيما الحاكمين لبلاد المسلمين، واتبعوا للوصول إلى هذا التفتيت وسائل شتى من أهمها تشجيع الدعوات التي تتزي بزي براق جذاب وفي حقيقتها تؤدي إلي أمرين:
أولهما: التنازل عن أهم أركان عقيدة المسلمين ألا وهو ركن التسليم بحاكمية المولى سبحانه وتعالي واتباع أصول الجاهلية الديمقراطية في التشريع التي تعني التسليم بحق البشر في اختيار مايرونه من تشريعات وعقائد {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}.
وثانيهما: نبذ الجهاد العيني الواجب ضد تلك الحكومات المرتدة التي تحكم بلاد المسلمين، بل ومعاداة وتسفيه من يدعو إلى ذلك والتشنيع عليه ودعوة الحكومات إلي القضاء عليه والتبرؤ منه أمام هؤلاء الطواغيت مناقضة لقوله تعالى: {وقاتلوهم حتي لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
ومن هذه الجماعات التي تدعوا إلى هاتين الدعوتين المفرقتين لصفوف المسلمين، جماعة الإخوان المسلمين وخاصة في هذه السنوات الأخيرة حيث دأبت على شجب العنف وإعلان الإلتزام بالشرعية الدستورية، شرعية القوانين الجاهلية، شرعية إنكار حق المولى سبحانه وتعالى في التشريع لعباده {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون}.
إن هذه الجماعة تستغل حماس الشباب المسلم لتضمه إلي صفها بل لتدخله في ثلاجتها، ولتحول مجرى حميته الإسلامية من جهاد الطواغيت إلى المؤتمرات والانتخابات.
وجماعة الجهاد قياما منها بحق النصح الواجب لكل مسلم (الدين النصيحة)، كتبت هذا الكتاب الذي يعالج أساساً قضية تعامل جماعة الإخوان مع الحكومات القائمة منذ إنشائها حتى يومنا هذا وقصرنا دراستنا على جماعة الإخوان في مصر لسببين:
أولاً: إنها الحركة الأم القائدة لكل أفرع الإخوان ولازالت تستأثر بالقيادة حتى اليوم، إذ كان المرشد العام للجماعة ولايزال مصريا حتى اليوم، وننبه على أن القانون الأساسي لجماعة الإخوان ينص على أن المرشد العام هو المتحدث الرسمي الوحيد باسمها بما يعني أن كلامه يعبر عن جميع أفراد الجماعة وملزم لهم، ولهذا المبدأ عواقب شرعية خطيرة بالنسبة لكل أفراد الجماعة.
ثانياً: الرغبة في أن يخرج البحث في حجم أميل للإختصار ليسهل علي القارئ تناوله ورب مثال واحد أغنى عن سرد عشرات الوقائع في هذا الكتاب.
ولقد حشدنا في هذا الكتاب عشرات الأدلة التي لاتحتاج إلى تعليق والتي تنطق بنفسها على مواقف هذه الجماعة وأساليبها التي طمست راية الحق وأعلت راية الباطل.
وقبل الشروع في سرد أدلتنا فإننا نطلب من قرائنا وبخاصة من الإخوان وعلى الأخص شبابهم أن يتجردوا لله وحده عند قراءة هذا البحث وأن يكونوا ممن مدحهم المولى سبحانه فقال: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}.
وقبل الشروع أيضاً نودّ أن نقول لقرائنا وبخاصة من الإخوان وعلى الأخص شبابهم إننا لاندّعي العصمة في كلامنا هذا وسوف تجدوننا بإذن الله من أحرص الناس على الحق وأزهدهم في المكابرة وأخضعهم لسلطان الشرع فإن كلامنا هذا ليس قرآناً يتلى وإنما هو ما رأيناه حقا فنصحنا به فإن كان حقا فمن الله وإن كان غير ذلك فمنا ومن الشيطان {وما أبرّئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}.
وقبل الشروع أيضاً نوّد أن نقول لقرائنا من الإخوان لقد طال إنتظارنا لكم لكي تصححوا هذه الأخطاء فلما طال سكوتكم بل وطال تمادي أصحاب الأخطاء في أخطائهم كان لابد لنا حتى ننجو من وعيد الله سبحانه أن نتكلم.
{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس ولاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس مايشترون}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لايمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه» [ رواه أحمد في المسند: 3 /19، 3/5، 71] والترمذي وابن ماجه.
وسوف نقسم الكلام في هذا البحث إلى بابين وخاتمة.
فأما الباب الأول فيتعلق: ببعض الأصول الشرعية التي لابد للمسلم أن يعلمها ليكون على بينة في صراعه مع الكافرين، فلا يزيغ ولاينحرف، وبمعرفة هذه الأصول يميز المسلم بين أهل الحق المتمسكين بها وأهل الباطل المنحرفين عنها، وهي:
الفصــل الأول : في بيان كفر من لم يحكم بما أنزل اللـــــه، ووجوب جهاده.
الفصـل الثانـي : في بيان مناقضة الديمقراطية للإســـلام.
الفصـل الثـالث : في بيان حكم موالاة الكافرين والمرتـدين.

وأما الباب الثاني: فيتعلق بمواقف الإخوان من الحكومات في مصر خلال ستين عاما، ونكرر أن هذا الكتاب ليس نقداً لجميع أخطاء الإخوان فالأمر بحاجة إلى مجلدات، وقد قام البعض بالتنبيه على مخالفات الإخوان لاعتقاد أهل السنة والجماعة ووقوعهم في بعض البدع، أما كتابنا هذا فسيقتصر على بحث إنحراف الإخوان في مسألة الحكم الشرعي على الحكومات الحاكمة لبلاد المسلمين، هذا الإنحراف الذي أدى إلى قعود الإخوان عن القيام بالواجب الشرعي وهو الجهاد في سبيل الله نحو هذه الحكومات التي نراها مرتدة كما سنوضحه بالأدلة الشرعية إن شاء الله. ولم يكتف الإخوان بالقعود عن الجهاد الواجب بل وصفوا الحكومات الكافرة بالشرعية وشاركوها في أساليب الحكم الجاهلية من ديمقراطية وإنتخابات وبرلمانات.
وننبه مرة أخرى على أنه لاصلاح للمسلمين إلا بكشف المنحرفين بين صفوفهم والتحذير منهم، قال تعالى: {إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم} [الرعد]، وقال تعالى: {وماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

* * * *











بيـــن يـدي البحـــث
بعــض الأصـــول الشرعيــــة


قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله، واتقوا الله، إن الله سميع عليم} [الحجرات].
هذا نص يأمر الله تعالى فيه عباده أن لايقدموا على أمر حتى يعلموا حكم الله ورسوله فيه، وحول هذا المعنى دارت أقوال المفسرين، فيحرم على العبد الإقدام على عمل من الأعمال حتى يعلم حكم الشريعة فيه، هل هذا العمل واجب أم مندوب أم مباح أم مكروه أم حرام؟. وهذا هو مقتضى التكليف، وهو يدل على وجوب العلم قبل العمل.
وكما أمر الله تعالى عباده بالعلم قبل العمل، فقد أمرهم أيضاً أن يردوا ما تنازعوا فيه من الأمور إلى حكم الله ورسوله، في قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء].
فإذا علم العبد حكم الله في عمل ما لم يسعه إلا اتباعه لقوله تعالى: {وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} [الأحزاب].
وكل قول أو رأي أو حكم خالف حكم الله ورسوله فهو باطل مردود يحرم اتباعه أو العمل به، حتى ولو كان قائله إماما من أئمة الدين المشار إليهم ولو كان مجتهداً مخطئاً مثاباً في قوله إلا أنه يحرم اتّباعه، لقول رسول الله : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدُّ» متفق عليه واللفظ لمسلم، ومعنى «فهو رَدٌّ» أي مردود لايُعمل به.
فإذا أردنا أن نطبق هذه القواعد الشرعية على الجماعات الإسلامية التي تجمع المسلمين في صفوفها وترفع راية العمل لإقامة دولة الإسلام، فإن أول مايجب على هذه الجماعات أن تبحث - قبل الشروع في تجميع المسلمين - مسألة حكم الواقع الذي تحياه، كما يجب عليها أن تبصر أتباعها بالعدو من الصديق حتى لاتتركهم فريسة سهلة لعدو متربص هم في غفلة عنه.
والواقع الذي لابد للجماعات الإسلامية من مواجهته هو الحكومات القائمة ببلدان المسلمين، ويجب على الجماعات بحث مسألة هل هذه الحكومات إسلامية أم كافرة؟ وهل الحاكم مسلم أم كافر؟. قبل أن تجمع المسلمين وقبل أن ترفع راية التغيير، فكما أسلفنا العلم واجب قبل العمل.
فإذا كان الحاكم مسلماً ولو كان فاسقاً فاسداً ظالماً فإنّ مذهب أهل السنة والجماعة هو تحريم الخروج عليه لما في الخروج من مفسدة وفتنة، كما قال ابن حجر رحمه الله: "قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلاّ إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا يجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث الذي بعده" [فتح الباري: 13/7].
والحديث الأول الذي أشار ابن بطال إلى أنه حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، هو قول رسول الله : «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإن من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية» رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والحديث الذي أشار ابن بطال إلى أنه يوجب الخروج على السلطان إذا كفر، هو قول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "دعانا النبي فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لاننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله فيه برهان" متفق عليه.
وقال ابن حجر أيضاً: "ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وَجَب، وإلاّ فالواجب الصبر. وعن بعضهم لايجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جوراً بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه. والصحيح المنع إلاّ أن يكفر فيجب الخروج عليه" [فتح الباري: 13/8].
والخلاصة: هي منع الخروج على الحاكم الظالم ووجوب الخروج على الكافر. فإذا كان الحاكم ظالما لايجوز لمسلم أن يجمع المسلمين لمنابذته بل إنهم إذا فعلوا ذلك صاروا بغاة خارجين على السلطان وجاز للسلطان أن يقاتلهم كما قال تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات].
ونحن سنذكر إن شاء الله تعالى في الفصول التالية من هذا الباب: أن الحكام الحاكمين لبلاد المسلمين بغير ماأنزل الله بالقوانين الوضعية هم كفار مرتدون يجب الخروج عليهم وجهادهم وخلعهم ونصب حاكم مسلم. كما سنبيِّن كفر الديمقراطية التي اتخذتها الحكومات المختلفة منهجاً سياسياً لها. كما سنبيِّن تحريم موالاة هؤلاء الكافرين وتحريم اتباع أهوائهم، هذا في الباب الأول، إذ لايدرك القارئ فساد موقف الإخوان من هذه القضايا إلاّ إذا علم الحق فيها أولاً.
وفي الباب الثاني سنبيِّن فساد منهج الإخوان المسلمين في هذه القضايا كلها، كما سنبيِّن مدى الجرم الذي ارتكبته الجماعة في حق أتباعها، إذ أخذت في تجميعهم بالآلاف دون أن تبصرهم بحكم الواقع الكافر الذي يواجهونه، بل حكمت في الواقع بخلاف الحق - بأقوالها وأفعالها - فوصفت أكابر المجرمين وأئمة الكفر بأنهم أئمة المسلمين، وخلعت على الفجار الأشقياء مسوح الأولياء الأتقياء. وماأغنى هذا عنهم شيئاً، بل أدرك الحكّام الكافرون أن هذا نفاق من الجماعة، وفي غفلة من أتباعها بطش بهم الحكام الكافرون المتربصون بطشة تلو أخرى، فهل يفيق أتباع جماعة الإخوان ويدركون حقيقة ماحل بهم؟ وهل سيدركون جناية قادة الجماعة في حق أتباعها، هؤلاء القادة الذين حشدوهم أمام عدو كافر متربص والأتباع في غفلة عن حكمه ومايجب نحوه؟.
ونذكر أنفسنا وجميع المسلمين مرة أخرى:
بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات].
وقوله تعالى: {وماكان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} [الأحزاب].
وبقول رسول الله e: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه مسلم.
وقد ذكرنا دلالة هذه النصوص الشرعية في أول هذا التمهيد بما يغني عن الإعادة.




* * * *

الفصل الأول:
في بيان حكم من لم يحكم بما أنزل الله

1 - توافرت أدلة الكتاب والسنة وأقوال العلماء من السابقين والمعاصرين على أن تبديل الشريعة الإسلامية بغيرها كفر وبالذات بهذه الصورة الشنيعة التي نراها في بلاد المسلمين الآن. وأن هذه الأنظمة المستبدلة لشرع الله خارجة عن الملة الإسلامية للأسباب الآتية:
أولاً: عدم الحكم بشريعة الله واستبدالها بقوانين مختلطة ملفقة سمّاها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله (بالياسق العصري) كما سنذكر إن شاء الله.
ثانياً: الإستهزاء بالشريعة: -
وهل هناك استهزاء أكبر من أن تؤخر الشريعة، أو يقدم عليها غيرها، أو تجعل ورقة تعرض على هذا الهراء الذي يسمى مجلس الشعب فيوافق عليها من يوافق ويعترض من يعترض ويعتبر هذا هو الطريق الوحيد للحكم بها.
ثالثاً: الحكم بالديمقراطية...: وهي كما وصفها أبو الأعلى المودودي (حاكمية الجماهير) (وتألية الإنسان) في كتابه [الإسلام والمدنية الحديثة].
والديمقراطية شرك بالله... الفاصل بين الديمقراطية والتوحيد - أن التوحيد يجعل التشريع لله والديمقراطية هي حكم الشعب لصالح الشعب... المُشَرِّع في الديمقراطية هو الشعب والمشرِّع في التوحيد هو الله سبحانه وتعالى... فالديمقراطية شرك بالله لأنها نزعت حق التشريع من المولى عز وجل وأعطته للشعب.
رابعا: إستحلال المحرمات وتحريم الحلال: -
وأصل هذا المبدأ عندهم موجود في الدستور المصري في المادة السادسة والستين، حيث تقول: (لاجريمة ولاعقوبة إلا بقانون) يعني كل مالم ينص عليه الدستور وبالتالي القانون أنه جريمة فهو ليس جريمة وإن اجتمعت عشرات الآيات ومئات الأحاديث على أنّ هذا العمل جريمة... ومالم يكن جريمة في الدستور ولا القانون فهو حلال في الدستور والقانون، ومن حق أيّ مواطن يظله الدستور والقانون أن يفعل هذا الفعل ولايستحق أيّ عقوبة... بل ومن يحاول أن يمنعه يكون مجرماً في نظر الدستور والقانون، وإن كان ممدوحا مثاباً مأجوراً في الشريعة، ويكون هو المستحق للعقوبة..
يقول الدكتور محمد نعيم ياسين: "ويكفر من ادعى أن له الحق في تشريع مالم يأذن به الله، بسبب ما أوتي من السلطان والحكم فيدعي أن له الحق في تحليل الحرام وتحريم الحلال، ومن ذلك وضع القوانين والأحكام التي تبيح الزنا والربى وكشف العورات أو تغيير ماجعل الله لها من العقوبات المحددة في كتاب الله وسنة رسوله.." كتاب [الإيمان - لمحمد نعيم ياسين - ص103].
ونحن هنا نسرد طائفة من أقوال العلماء في هذه المسألة.
أولاً: يقول ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقومٍ يوقنون} [المائدة:50].
قال: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ماسواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ...، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولاكثير" [تفسير ابن كثير: 2/67].
وقد علق العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله في تعليقه على كتاب [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، هامش، ص396 طبعة أنصار السنة المحمدية] قال: "ومثل هذا وشر منه من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال، ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله ، فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بماأنزل الله. ولا ينفعه أي إسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها..." أهـ
ثانياً: فتاوى الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه [عمدة التفسير مختصر تفسير ابن كثير، طبعة دار المعارف: ج4/ ص173، 174] حيث يقول معلقاً على كلام ابن كثير السابق ذكره:-
"أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن - لذلك القانون الوضعي، الذي وضعه عدو الإسلام (جنكيز خان)؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ماصنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً وظلاماً منهم، لأنّ أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذلك الياسق، الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر، هذه القوانين التي يصنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا (الياسق العصري)…..!"
إلى أن قال: "إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس. هي كفر بوّاح، لا خفاء فيه ولا مداورة. ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امروٌ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه" أهـ.
ثالثاً: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أنّ من سوّغ اتّباع غير دين الإسلام، أو اتّباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، كما قال تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقاً، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} [النساء]" [مجموع الفتاوى: 28/524].
رابعاً: الشنقيطي في أضواء البيان في تفسيره لقوله تعالى: {ولايشرك في حكمه أحداً} [الكهف]. حيث يقول: "ويفهم من هذه الآيات كقوله: {ولايشرك في حكمه أحداً} أنّ متّبعي أحكام المشرعين غير ماشرعة الله أنهم مشركون بالله.
وفي تفسير قوله تعالى: {إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء:9]، حيث يقول: "ومن هدي القرآن للتي هي أقوم - بيانه أنّ كل من اتبع تشريعاً غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فاتباعه لذلك التشريع المخالف كفرٌ بواحٌ مخرجٌ من الملة الإسلامية"، [أضواء البيان: 3/439].
خامساً: رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي السعودية السابق التي بدأها بقوله: "إنّ من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة مانزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم".
إلى أن قال [ص10]: "الخامس (أي النوع الخامس من أنواع الكفر الأكبر المخرج من الملة) قال: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وحكماً وإلزاماً، ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعين والمنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.
فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكمّلة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم... فأيّ كفر فوق هذا الكفر"... انتهى كلام الشيخ محمد بن إبراهيم. والرسالة كلها يجب أن يقرأها كل أخ مسلم فهي نفيسة جداً.
سادساً: يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: "إنّ أخص خصائص الألوهية هي الحاكمية، فالذي يشرع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها، فهم عبيده لاعبيد الله، وهم في دينه لا في دين الله"... إلى أن قال: "إنّ هذه القضية هي أخطر وأكبر قضايا العقيدة، إنها قضية الألوهية والعبودية، قضية الحرية والمساواة، قضية تحرير الإنسان، بل ميلاد الإنسان، من أجل هذا كله كانت قضية الكفر أو الإيمان وقضية الجاهلية أو الإسلام.
والجاهلية ليست فترة تاريخية، إنما هي حالة توجد كلما وجدت مقوماتها في وضع أو نظام، وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر".
فإذا استقر حكم هذه المسألة وهو كفر من لم يحكم بما أنزل الله:
فما هو الواجب على المسلمين تجاه الحاكم الذي خرج من الملة الإسلامية يقول الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث النبي : «إلا أن تروا كفروا بواحا عندكم من الله فيه برهان» وهو متفق عليه قال: "وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأنّ طاعته خير من الخروج عليه، ولم يستثنوا من ذلك إلاّ إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا يجوز طاعته في ذلك بل يجب مجاهدته لمن قدر عليها لحديث رواه البخاري عن جنادة قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا أصلحك الله حَدِّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي . قال: دعانا النبي e فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعناعلى السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لاننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان" [فتح الباري: ج13/ص5] ومابعدها.
وقال في الفتح أيضاً: "وينعزل الأمير بالكفر إجماعاً... فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض".... [ج13/ص123].
وقال النووي في شرح حديث عبادة المذكور: "قال القاضي عياض: "أجمع العلماء على أنّ الإمامة لاتنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها".
وقال القاضي عياض أيضاً: "فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك... فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر"". صحيح مسلم بشرح النووي كتاب [الإمارة: ج12/ص229].
وقد ذكرنا من قبل قول ابن كثير لَمَّا وصف حال التتار في تفسيره للآية الخمسين من سورة [المائدة].. أن كل من فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله.
وسوف ترى في الباب الثاني إن شاء الله، إصرار الإخوان على عدم تكفير الحكام الحاكمين بغير ما أنزل الله، بل تبرأوا ممن يُكَفِّر الحكام كما سيأتي في كلام مرشدهم محمد حامد أبي النصر، بل تبرأوا ممن يرفع راية جهاد هؤلاء الطواغيت، وشاركوا الطواغيت في رمي المجاهدين بتهمة الإنحراف والتّطرف، وشاركوا الطواغيت في الدعوة إلى نبذ العنف والإرهاب ذلك الوصف الذي خلعوه على فريضة الجهاد في سبيل الله تعالى.

أبو عبد
04-11-2004, 06:30 PM
الفصل الثاني
في بيان مناقضة الديمقراطية للإسلام

اعلم أن الديمقراطيـة والتي تعني (حكم الشعب) هي ديـن جديد يقوم على تأليه البـشر بإعطائهم حق التشريع غير مقيدين في تشريعهم بأي سلطة أخرى - لأن السيادة كما سبق تعريفها هي سلطة عليا لا يوجد أعلى منها -، ولذلك فقد قال الأستاذ أبو الأعلى المودودي: "إن الديمقراطية هي (تأليه الإنسان... وهي حاكمية الجماهير)" [الإسلام والمدنية الحديثة - للمودودي: ص33]. وهذا يعني أن الديمقراطية دين وضعي كافر حق التشريع فيه للبشر، في مقابل الإسلام الذي حق التشريع فيه لله تعالى لا شريك له، والبشر المشرعون في الديمقراطية هم شركاء معبودون من دون الله، يعبدهم كل من يطيعهم فيما يشرعونه، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى:21]، والدين - في أحد معانيه - هو نظام حياة الناس حقا كان أو باطلا لقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} فسمى سبحانه ما عليه الكفار من الكفر دينا، فهؤلاء البشر الذين يشرعون للناس في الديمقراطية هم شركاء معبودون من دون الله، وهم من الأرباب المذكورين في قوله تعالى: {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} [آل عمران:64]، فأيّ كفر بعد هذا؟ عن عدي بن حاتم رضي الله عنه – وكان نصرانيا فأسلم – قال: "أتيت رسول الله صلى عليه وسلم وهو يقرأ سورة [ براءة] حتى أتى على هذه الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} قال: فقلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أرباباً، قال: «بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرمون عليكم ما أحل لكم فتحرمونه؟» فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم»، رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن. قال الألوسي في تفسير هذه الآية:" الأكثرون من المفسرين قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ".
وننقل ما قاله الأستاذ سيد قطب رحمه الله - في قوله تعالى: {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله}، وننقله باختصار، قال رحمه الله: "إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إله واحد، يدبر أمره: و {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا }.. وأظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية: تعبّد العبيد، والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم فمن ادعى لنفسه شيئاً من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية، وأقام نفسه للناس إلها من دون الله، وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عندما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبد من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: " أنا ربكم الأعلى ".
والإقرار به هو الشرك بالله أو الكفر به.. وهو الفساد في الأرض أقبح الفساد - إلى قوله - قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.. - إلى قوله - إنها دعوة إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئا. لا بشراً ولا حجراً. ودعوة إلى ألاً يتخذ بعضنا بعضاً من دون الله أرباباً، لا نبياً ولا رسولاً، فكلهم لله عبيد، إنما اصطفاهم الله للتبليغ عنه، لا لمشاركته في الألوهية والربوبية. {فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}. - إلى قوله - وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون، المسلمون هم الذين يعبدون الله وحده، ويتعبدون لله وحده، ولا يتخذ بعضهم بعضا أرباباً من دون الله - هذه من خصيصتهم من سائر الملل والنحل، وتميز منهج حياتهم من مناهج حياة البشر جميعا، وإمّا أن تتحقق هذه الخصيصة، فهم مسلمون، وإمّا ألاً تتحقق فما هم بمسلمين مهما ادعوا أنهم مسلمون - إلى قوله - إن الناس في جميع النظم الأرضية يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.. يقع هذا في أرقى الديمقراطيات كما يقع في أحط الديكتاتوريات سواء.. إنّ أول خصائص الربوبية هو حق تعبد الناس، حق إقامة النظم والمناهج والشرائع والقوانين والقيم والموازين.. وهذا الحق في جميع الأنظمة الأرضية يدعيه بعض الناس - في صورة من الصور - ويرجع الأمر فيه إلى مجموعة من الناس على أي وضع من الأوضاع - وهذه المجموعة التي تُخْضع الآخرين لتشريعها وقيمها وموازينها وتصوراتها هي الأرباب الأرضية التي يتخذها بعض الناس أرباباً من دون الله، ويسمحون لها بادّعاء الألوهية والربوبية، وهم بذلك يعبدونها من دون الله، وإن لم يسجدوا ويركعوا، فالعبودية عبادة لا يتوجه بها إلاً لله، إلى قوله: والإسلام - بهذا المعنى - هو الدين عند الله.. وهو الذي جاء به كل رسول من عند الله، لقد أرسل الله الرسل بهذا الدين ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور العباد إلى عدل الله.. فمن تولى عنه فليس مسلماً بشهادة الله، مهما أوّل المؤولون، وضلل المضللون... إن الدين عند الله الإسلام" أهـ [في ظلال القرآن – لسيد قطب:- 1/406،407].
وكما ترى يا أخي فإن الديمقراطية تقوم على قاعدة (حاكمية العباد للعباد) ورفض حاكمية الله المطلقة للعباد وتقوم على أساس أن يكون (هوى الإنسان) في أي صورة من صوره هو الإله المتحكم، وتقوم على رفض أن تكون شريعة الله هي القانون الحاكم، قال تعالى: {ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} [الجاثية:18].
ونجمل أوجه الكفر في الديمقراطية فيما يلي:
1 - أن الديمقراطية تمنح حق التشريع للبشر كما في المادة السادسة والثمانين في الدستور المصري: (يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع)، ولما كان التشريع حقاً خالصا لله تعالى: {إن الحكم إلا لله} [يوسف:40]، فالديمقراطية تنصب آلهةً وأرباباً وشركاء مع الله تعالى، قال تعالــى: {أم لهم شركــاء شرعوا لهم من الـدين مالـم يأذن بـه اللــه} [الشــورى:21].
وقــال تعالــى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة:31]، وقد سبق قول الألوسي في هذه الآية.
2 - أن الإقرار بالديمقراطية هو إقرار بمنح حق التشريع لأحد من دون الله تعالى كما هو مقتضى الديمقراطية، ومن أقرّ بهذا فهو كافر، لأنه اتخذ آلهة من دون الله، لأن التشريع حق خالص له تعالى، ومن شــرع للبشر شيئاً فقــد نصـب نفســه إلهاً لهم، ومن أقرّ لـه بهذا فقد اتخذه إلـهاً {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة:31]، كما أن من أقرّ بحق التشريع لأحد من دون الله فقد جعل لله عدلاً ونظيرا مساوياً لله في سلطة التشريع، ومن جعل لله عدلاً ونظيراً فقد كفر، لقوله تعالى: {ثمّ الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام:1]، ويعني يعدلون أي يجعلون لله عدلاً ونظيراً مساوياً.
3 - لما كانت الديمقراطية تقوم على أساس مبدأ سيادة الأمة، ولما كانت السيادة سلطة لا يوجد أعلى منها، فهي المرجع الفاصل في كل أمر وكل شأن، وإلى هذه السلطة فصل النزاع وحسم الخلاف، فكل من أقرّ بهذا فهو كافر، لأن فصل النزاع وحسم الخلاف هو حق خالص لله تعالى بالنزول على حكم الكتاب والسنة.. من أنكر هذا وأقرّ بهذا الحق لغير الله تعالى - أي أقر بسيادة الأمة - فهو كافر لإنكاره قول الله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء:59]، وقوله تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى:10]، فالسيادة - أي السلطان الأعلى - في الإسلام للشريعة لا للأمة ولا للشعب، ومن خالف في هذا فهو كافر مكذب بآيات الله، قال تعالى: {وما يجحد بآياتنا إلاّ الكافرون} [العنكبوت:47].
4 - لما كانــت الديمقراطية تقوم علــى مبــدأ سيادة الأمة، ولما كانت السيادة سلــطة علـــــيا لا يوجـــد أعلى منها، فإن هذا يعني أن سلطة الأمة أعلى من سلطان الله تعالى، وأن سلطة الأمة تقدم على ما يقضي به الله تعالى عند التعارض، كما أن هذا يعني أن شريعة الله تعالى لا يمكن تطبيقها ما لم توافق عليها الأمة وهذا يعني أن كلمة الأمة أعلى من كلمة الله تعالى، ولهذا تجد الحكومات المرتدة تستفتي الشعب في مسألة تطبيق الشريعة لأنّ هذا هو مقتضى مبدأ سيادة الأمة. وكل هذا من الكفر الأكبر المستبين، وأدنى ما فيه من الكفر أن يرى الحاكم أو الشعب أنهم مخيرون في الحكم بشريعة الله، وقد قال شارح العقيدة الطحاوية: " فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر" [شرح العقيدة الطحاوية، ط:1404،ص323]. وقد قال الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36].
5 - أما مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات فإنه يعني عدة أمور كلها من الكفر - وقد أشرنا إليها من قبل - ومنها:
أ - إسقاط حد الردة (لما يقرره الدستور من حرية الاعتقاد) وإسقاط جهاد المرتدين.
ب - إسقاط الجهاد في سبيل الله، أي جهاد الكفار، لما يقرره الدستور من حرية الاعتقاد.
ج - إسقاط الجزية وشروط الذمة عن غير المسلمين، لما في هذا من تفريق بين المواطنين وإخلال بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات.
د - إسقاط قوامة الرجال على النساء، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء} [النساء:34]، فالمرأة في الديمقراطية لها حق تقلد المناصب والولايات كالرجل، لأن هذا مقتضى المساواة التي هي جوهر الديمقراطية، أمّا قوامة الرجال على النساء فإنها تخالف المساواة، وقد قدمنا أن مبادئ الديمقراطية مقدمة على أحكام الشريعة عند التعارض.
وبعــد:
فإن الإسلام لغني عن كل هذه المبادئ الكافرة، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة:3]، فمن شك في إكتمال الإسلام واستغنائه عن غيره من أنظمة الكافرين فهو كافر مكذب بالآية السابقة، قال تعالى: {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون} [العنكبوت:47]، (الإسلام يعلو ولا يُعلى) ولا يقبل الخلط بغيره، قال تعالى: {قل يا أيها الكافرون - إلى قوله - لكم دينكم ولي دين} مفاصلة تامة وبراءة كاملة، وقال تعالى: {إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص} [الزمر:3,2] والخالص هو ما كان مبرءا من الخلط.
هذه هي الديمقراطية وكفرها ياأخي، وأعضاء مجلس الشعب ياأخي هم الأرباب من دون الله تعالى، والذين ينتخبونهم يتخذونهم أرباباً من دون الله تعالى وينصبونهم طواغيت معبودة من دون الله، وهذا كاف في تحريم الترشيح في المجالس النيابية الديمقراطية، وتحريم المشاركة في انتخابات هذه المجالس، وكل من شارك في هذا عالماً بحقيقة الديمقراطية فهو كافر مرتد خارج من ملة الإسلام.
وإذا نصت دساتيرهم على أنّ الدولة ديمقراطية ودينها الرسمي الإسلام، فإنّ هذا لايغير من كفرهم شيئا، وهو مثل من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنّ مسيلمة رسول الله، فهل يشك أحد في كفر هذا؟ فمن ادعى الإسلام إذا أتى بمكفر كالديمقراطية والاشتراكية فهو كافر مرتد، قال تعالى: {ومايؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف:106]. والذي يقول عن نفسه إنه مسلم ديمقراطي أو مسلم ينادي بالديمقراطية، هو كمن يقول عن نفسه إنه مسلم يهودي أو مسلم نصراني سواء بسواء، هو كافر مرتد. أهـ نقلا عن كتاب [دعوة التوحيد - للشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز، باختصار].
وسوف ترى في الباب الثاني إن شاء الله إصرار الإخوان علي المناداة بالديمقراطية بل إعلانهم أنها الوسيلة الشرعية لتغيير الأوضاع بالبلاد، وأن كلمة الشعب ورأيه هو الفيصل والحَكَم، وقرن الإخوان أقوالهم بالأفعال فشاركوا في الانتخابات البرلمانية بدءاً من مشاركه مرشدهم الأول حسن البنا في الانتخابات عام [1942و1944]، وإلى يومنا هذا حيث يشارك الإخوان في الانتخابات في مصر وفي الأردن والسودان والكويت والجزائر وسوريا وغيرها من بلدان المسلمين المحكومة بحكومات كافرة مرتدة. ومما يؤسف له حشد الإخوان لآلاف الشباب المسلم المغرَّر به في صفوف الانتخابات وأمام صناديق الاقتراع بدلاً من حشدهم في صفوف الجهاد في سبيل الله تعالى كما أمرهم الله تعالى، فبدَّلوا أمر الله بأوضاع الكافرين وأنظمتهم، قال تعالى: {فبدَّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم، فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} [البقرة].



* * * *
الفصل الثالث
في بيان حكم موالاة الكافرين والمرتدين

قال رسول الله e: «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» رواه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي ذر رضي الله عنه، وقال الألباني: "حديث حسن بمجموع طرقه [سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث 1728].
وإنما كانت الموالاة والمعاداة بهذه المنزلة العظيمة في الدين لأنها وسائل إلى أمور لايقوم الدين بدونها.
فالموالاة الواجبة هي موالاة أهل الإيمان بحبهم ومعاونتهم ومناصرتهم والتقرب منهم.
والمعاداة الواجبة هي معاداة أهل الكفر والفسوق بمجانبتهم وهجرهم وزجرهم ومقاتلة الكافرين والإغلاظ عليهم وبغضهم وبغض كفرهم وضلالهم وتحذير المسلمين منهم.
فإذا قام كل عبد بما يجب عليه من الموالاة والمعاداة تميزت الصفوف فصار المؤمنون في جانب والكافرون في جانب، وهذا التميز محبوب لله تعالى كما قال سبحانه: {ماكان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبث من الطيب} [آل عمران]، وقال تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون} [الأنفال]. وتميز الصفوف باجتماع المؤمنين ومعاداة الكافرين مقدمة لابد منها للشروع في الجهاد الذي به قيام الدين، كما قال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله} [المائدة].
فإذا كانت الموالاة والمعاداة بهذه المنزلة في الدين فكيف إذا تم العمل بخلافها فصار العبد يوالي أعداء الله ويوادهم ويتقرب منهم ويثني عليهم ويؤيد باطلهم؟ لاشك أنّ هذا المسلك يهدم الدين ويعلي راية الباطل وأهله، وهذا هو ماسلكه الإخوان المسلمون على مدى تاريخهم كما ستراه – إن شاء الله – في الفصول التالية: من تقربهم للحكام الكافرين وعدم الحكم عليهم بالكفر، ومشاركتهم للكافرين في ديمقراطيتهم الشركية وصراعاتهم الحزبية، والزج بالآف الشباب المسلم وتجنيد طاقاتهم لخدمة هذا المسلك المنحرف. فكيف تقوم للإسلام قائمة في هذا الزمان مع هذا الانحراف عن الصراط المستقيم؟. قال تعالى: {وماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى].
وفي التحذير من موالاة الكافرين وبيان سوء مآل فاعلها: قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق - إلى قوله تعالى - قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتّى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة:1،4]. وفي شرح هذه الآيات قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: "ثم بيَّن - تعالى - أن هذا الذي دلّهم عليه من موالاة المؤمنين ونهاهم عنه من موالاة الكافرين ليس هو أمراً لهم وحدهم، بل هو الصراط المستقيم الذي عليه جميع المرسلين. قال: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه من المرسلين} {إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون اله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} فقوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة} كقوله تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}
فأمرنا سبحانه أن نتأسى بإبراهيم الخليل ومن معه من المرسلين في قولهم لقومهم: {إنّا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله} إلى آخره. وإذا كان هذا واجباً على المسلم أن يقول هذا لقومه الذين هو بين أظهرهم، فكونه واجباً مع الكفار الأبعدين عنه المخالفين له في جميع الأمور أبيّن وأبيّن.
وها هنا نكتة بديعة في قوله: {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله} وهي أن الله تعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله، لأنّ الأوّل أهم من الثاني، فإنه قد يتبرأ من الأوثان ولايتبرأ ممن عبدها، فلا يكون آتياً بالواجب عليه، وأمّا إذا تبرأ من المشركين، فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم. وهذا كقوله تعالى: {وأعتزلكم وماتدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألاّ أكون بدعاء ربي شقيا}. فقدم اعتزالهم على اعتزال معبوداتهم، وكذا قوله: {فلمّا اعتزلهم ومايعبدون من دون الله} وقوله: {وإذا اعتزلتموهم ومايعبدون إلا الله}.فعليك بهذه النكت، فإنها تفتح باباً إلى عداوة أعداء الله، فكم من إنسان لايقع منه الشرك، ولكنه لايعادي أهله، فلا يكون مسلماً بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين.
ثم قال: {كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} فقوله: {بدا} أي ظهر وبان وتأمل تقديم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية، فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولايعاديهم، فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، ولابد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بينتين.
واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب فإنها لاتنفع حتى تظهر آثارها، وتتبين علاماتها، ولاتكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين. وأما إذا وجدت الموالاة والمواصلة، فإن ذلك يدل على عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا الموضع فإنه يجلو عنك شبهات كثيرة".أهـ [مجموعة التوحيد، ط: دار الفكر:- 1979م، ص376،378]. فأين موادة الإخوان للحكام الكافرين ووصفهم لأنظمة حكمهم الكافرة بالشرعية من هذه الواجبات الإيمانية؟.
وفي بيان الوعيد الشديد على موالاة الكافرين قال الشيخ سليمان بن عبداله بن محمد عبدالوهاب في رسالته المسماة [حكم موالاة أهل الإشراك] [مجموعة التوحيد: ص331] ومابعدها "اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفاً منهم، ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين. هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إذا كان في دار منعة، واستدعي بهم، ودخل في طاعتهم، وأظهر الموافقة على دينهم الباطل، وأعانهم عليه بالنصرة والمال، ووالاهم وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود القباب والشرك وأهلها بعد ماكان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله؟! فإن هذا لايشك مسلم أنه كافر من أشد الناس عداوة لله تعالى ورسوله ، ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، وهو الذي يستولي عليهم المشركون فيقولون له: اكفر، أو افعل كذا، وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً، أنه يكفر فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا؟!"
وأورد على ذلك أدلة كثيرة نختصر منها مايلي:
"الدليل الأول: قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولاالنصارى حتى تتبع ملتهم} فأخبر تعالى أن اليهود والنصارى، وكذلك المشركون لايرضون عن النبي حتى يتبع ملتهم، ويشهد أنهم على حق. ثم قال تعالى: {قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من وليّ ولانصير} وفي الآية الأخري: {إنك إذاً لمن الظالمين} فإذا كان النبي ، لو يوافقهم على دينهم ظاهراً من غير عقيدة القلب، لكن خوفاً من شرهم ومداهنة، كان من الظالمين، فكيف بمن أظهر لعبَّاد القبور والقباب أنهم على حق وهدي مستقيم؟! فإنهم لا يرضون إلا بذلك
الدليل الثاني: قوله تبارك وتعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فأخبر تعالى أن الكفار لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا، ولم يرخص في موافقتهم خوفاً على النفس والمال والحرمة، بل أخبر عمن وافقهم بعد أن قاتلوه ليدفع شرهم أنه مرتد، فان مات على ردته بعد أن قاتله المشركون فانه من أهل النار الخالدين فيها، فكيف بمن وافقهم من غير قتال؟! فإذا كان من وافقهم بعد أن قاتلوه لا عذر له، عرفت أن الذين يأتون إليهم يسارعون في الموافقة لهم من غير خوف ولا قتال، أنهم أولى بعدم العذر، وأنهم كفار مرتدون.
الدليل الثالث: قوله تبارك وتعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} فنهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء وأصحابا من دون المؤمنين وإن كانوا خائفين منهم، وأخبر أن من فعل ذلك فليس من الله في شيء، أي لايكون من أولياء الله الموعودين بالنجاة في الآخرة، إلا أن تتقوا منهم تقاة، وهو أن يكون الإنسان مقهوراً معهم لا يقدر على عداوتهم، فيظهر لهم المعاشرة والقلبُ مطمئنْ بالبغضاء والعداوة".
إلى أن قال: "الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} فذكر تعالى أن الركون إلى الظلمة من الكفار والظالمين موجب لمسيس النار، ولم يفرق بين من خاف منهم وغيره إلا المكره، فكيف بمن اتخذ الركون إليهم دينا ورأيا حسنا، وأعانهم بما قدر عليه من مال ورأي، وأحب زوال التوحيد وأهله، وإستيلاء أهل الشرك عليهم؟! فإن هذا أعظم الكفر والركون".
إلى أن قال أيضا: الدليل التاسع عشر: قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} الآية فأخبر تعالى أنك لا تجد من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، وأن هذا مناف للإيمان، مضادٌّ له، لا يجتمع هو والإيمان إلا كما يجتمع الماء والنار.
وقد قال تعالى في موضع آخر: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} ففي هاتين الآيتين البيان الواضح أنه لا عذر لأحد في الموافقة على الكفر خوفاً على الأموال والآباء والأبناء والأزواج والعشائر ونحو ذلك مما يعتذر به كثير من الناس، إذا كان يرخص لأحد في موادتهم، واتخاذهم أولياء بأنفسهم خوفاً منهم، وإيثاراً لمرضاتهم، فكيف بمن اتخذ الكفار الأعداء أولياء وأصحاباً، وأظهر لهم الموافقة على دينهم خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبة لها؟! ومن العجب استحسانهم لذلك واستحلالهم له، فجمعوا مع الردة استحلال الحرام.
فأين هذا ممن يدعي أنه على الصراط المستقيم، لم يخرج عنه؟ فإن هذا تكذيب لله، ومن كذّب الله فهو كافر، واستحلال لما حرَّم الله من ولاية الكفار، ومن استحلَّ محرَّماً فهو كافر.
ثم ذكر تعالى شبهة من اعتذر بالأرحام والأولاد فقال: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير} فلم يعذر تعالى من اعتذر بالأرحام والأولاد والخوف عليها ومشقة مفارقتها، بل أخبر أنها لا تنفع يوم القيامة، ولا تغني من عذاب الله شيئا، كما قال في الآية الأخرى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}.

* * * *

أبو عبد
04-11-2004, 06:33 PM
مواقـــف الإخـــوان مع الحكومـــــات في مصر خلال ستيـــن عامـــــاً


تمــــــــهيـــــد

كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية تحكمها أسرة محمد علي منذ عام [1805م]، واحتل الإنجليز مصر عام [1882م]، وصبغوها بالصبغة العلمانية الكافرة في التشريع والقضاء وفي التعليم والإعلام وغيرها. ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام [1914] - والتي حاربت الدولة العثمانية فيها ضد إنجلترا - سلخت إنجلترا مصر من التبعية للدولة العثمانية وخلعت على حاكم مصر لقب (سلطان) لأول مرة بما يشعر بتحرره من التبعية للسلطان العثماني، واستكمالاً للأطر العلمانية للدولة دفعت إنجلترا الطبقة التي اصطنعتها من أبناء مصر لوضع دستور علماني يرسخ أسس العلمانية في مصر، وكان هذا هو أول دستور مصري بل أول دستور يوضع في البلاد العربية وهو دستور عام [1923]، والذي يعتبر أساس جميع الدساتير المصرية التي وضعت بعده، بل أساس جميع الدساتير في البلاد العربية التي نقلت عنه. ولتدرك هذه الحقيقة سنورد فيما يلي بعض المواد من دستور [1923] مع إيراد مقابلها من دستور مصر الحالي الموضوع عام [1971].
(1) المواد الموجبة للحكم بالقوانين الوضعية.
في عام [1883م] - أي بعد عام واحد من الاحتلال الإنجليزي لمصر - تم إصدار القوانين الوضعية المنقولة أساسا من القانون الفرنسي للحكم بها في المحاكم بمصر، وحلت القوانين الوضعية محل أحكام الشريعة الإسلامية التي لم يعد يطبق منها إلا بعض الأحكام المتعلقة بالأسرة (أو ما يعرف بالأحوال الشخصية).
وقد صدر دستور[1923] ليؤكد إلزام المحاكم والقضاة بالعمل بهذه القوانين، وحذت بقية دساتير مصر حذو دستور [1923] في هذا الشأن وإلى اليوم، ومن المواد الدستورية الملزمة بهذا الكفر:
أ - في دستور [1923]، مادة [6] (لاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون) وهي نفس المادة [66] من دستور [1971].
ب - في دستور [1923]، مادة [31] (تصدر أحكام المحاكم المختلفة وتنفذ وفق القانون) وهي نفس المادة [165] من دستور [1971].
ج - في دستور [1923]، مادة [125] (القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون) وهي نفس المادة [166] من دستور [1971]لا.
(2) المواد الموجبة للعمل بالديمقراطية.
أ - في دستور [1923]، مادة [23] (جميع السلطات مصدرها الأمة) وهي نفس المادة [3] من دستور [1971] والتي وردت بلفظ (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات).
ب - في دستور [1923]، مادة [24] (السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلسي الشيوخ والنواب) وقسمت هذه المادة في دستور [1971] إلى مادتين، مادة [86] وتعطي حق التشريع لمجلس الشعب، ومادة [112] وتعطي حق إصدار القوانين لرئيس الجمهورية.
وهذه المواد تعطي حق التشريع للبشر، وهذا الشرك الأكبر هو لب الديمقراطية، فلا سيادة إلاّ لله تعالى ولا حق لبشر في التشريع لخلق الله تعالى، سبحانه وتعالى عما يشركون.
ويتولى رئيس الدولة (الملك أو رئيس الجمهورية) كما يتولى الوزراء سلطاتهم بموجب هذا الدستور الذي يوجب عليهم التزام الدستور والقانون الوضعي. فينص دستور [1923] في مادته [50] على أنه (قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)، وهو نفس مضمون المادة [79] من دستور [1971] المتضمنة لليمين التي يؤديها رئيس الجمهورية. وتولى على أساس هذه الدساتير الملك فؤاد حتى عام [1936]، ثم الملك فاروق [1936،1952]، ثم محمد نجيب [1952،1954] ثم جمال عبدالناصر [1954،1970]، ثم أنور السادات [1970،1981]، ثم حسني مبارك [1981 ،....]، وأسس حسن البنا جماعة الإخوان عام [1928] بمدينة الإسماعيلية ثم نقل نشاطها إلى مدينة القاهرة عام [1932] في عهد الملك فؤاد. وسترى كيف امتدح الإخوان هذه الدساتير الكافرة وشاركوا الحكومات في وصف الدساتير بالشرعية، كما سترى كيف امتدح الإخوان هؤلاء الحكام بلا استثناء بما يطمس معالم التوحيد ويضيع عقيدة الولاء والبراء، كما أصبح الإخوان عوناً للحكام المرتدين في تسفيه المجاهدين النافرين لدفع الكفر والكافرين ورميهم بصفات التطرف والإرهاب.
وهذا أوان سرد الوقائع الدالة على صدق ماذكرناه عن الإخوان على مدى تاريخهم، وسوف يتضمن هذا الباب أربعة فصول:
الفصــل الأول : عن علاقة الإخوان بالملك.
والفصل الثــاني : الإخوان ورفض الخروج على الحاكم مع الإلتزام بالدستور والقانون.
والفصل الثالـث : الإخوان والأحزاب.
والفصل الرابـع : مقتطفات متفرقة.

الفصل الأول:
الإخوان والمـلك

1 - إظهار التأييد للملك في صحف الإخوان ورسائلهم والعديد من مواقفهم
لم يَكُفّ الإخوان عن إظهار تأييدهم للملك منذ أن كونوا جمعيتهم في الإسماعيلية رغم مادبره الملك ضدهم.
وعن بداية هذه العلاقة يذكر الشيخ البنا في مذكراته أنه في فترة وجود الجماعة بالإسماعيلية وشى به البعض لدي السلطات واتهموه بالسب في الذات الملكية، وثبت من التحقيق بطلان التهمة وأن البنا كان يملي على طلبته موضوعات في الثناء على الملك ويعدد مآثره كما أنه دفع العمال يوم مرور الملك بالإسماعيلية إلى تحيته وقال لهم: "لا زم تذهبوا إلى الأرصفة وتحيوا الملك حتى يفهم الأجانب في هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه، فيزيد احترامنا عندهم" وكان ذلك دافعاً لأنّ يكتب أحد رجال البوليس تقريراً بهذه المناسبة يقترح فيه تشجيع الحكومة للجماعة وتعميم فروعها في البلاد لأن في ذلك "خدمة للأمن والإصلاح" (1).
أما عن دعوة الخلافة فإن جريدة الإخوان المسلمين قد نادت بها لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم. (2) وقد طالب كثير من الحكام المرتدين بالخلافة الإسلامية لأنفسهم بعد إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً عام [1924]، كان منهم الملك فؤاد ثم ابنه فاروق وكلاهما كان يحكم بمقتضى دستور [1923] العلماني.
وأمام ازدياد نشاط المبشرين وقعت الجماعة خطاباً إلى الملك فؤاد سنة [1933] تطلب فيه وضع حد لهذا النشاط، واختتمت نداءها بكلمة: "لازلتم للإسلام ذخرا، وللمسلمين حصنا" (3). وعندما مات فؤاد رثته صحيفة الإخوان بمقال بعنوان [مات الملك يحيا الملك] كان الغرض من ورائه هو جذب عطف ولي عهده الملك الجديد - فاروق - الذي كان يتولى رعايته رجل ديني هو الشيخ المراغي - على أسلوب الجماعة ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان كما ذكر المقال - يتحلى بها والده (4)، وكما والت الصحيفة نشر عدة مقالات تدور حول هذا الغرض تصف فيها فاروق: "بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله واتباع أوامره، واجتناب نواهيه" (5)
وتحت عنوان [جلالة الفاروق المثل الأعلى لأمته] تولت جريدة الإخوان المسلمين مهمة تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين كيف ملك قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه إلى مسجد أبي العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتي بالقصص التي تنم على أن هناك الأبناء الفاسدين قد قوموا وعرفوا طريق المساجد وانصرفوا إليها، والسبب أنهم اتخذوا من الملك الأسوة الحسنة، وبالتالي اعتبرته المثل الأعلى لأمته.(6).
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [حامي المصحف] ليثبت المعنى وينشر الدعوة، فيذكر أنه أثناء رحلة فاروق للصعيد أخرج أحد المرافقين له فصاً أثريا وقال إنه الذي يجلب له الحظ والخير، وأخرج آخر مفتاحاً وادعى مثل هذه الدعوى، فما كان من فاروق إلاّ أن أخرج مصحفاً وقال : "إن هذا هو مفتاح كل خير عندي" ويصل زعيم الإخوان إلى أنه إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه في الدنيا والآخرة فحسب ولكنه بذلك يضمن لمصر "حسن التوجيه ويحول بينها وبين العناد ويقيمها على أفضل المناهج ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو في الوقت نفسه يضمن ولاء أربعمائة مليون من المسلمين في آفاق الأرض وتشرئب أعناقهم وتهفوا أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامي للمصحف فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف، وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله ياجلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك".(7)
وفي التاسع والعشرين من يوليو [1937] انتهت الوصاية على فاروق حيث بلغت سنه ثمانية عشر عاما قمرية وأصبح ملكاً رسمياً على البلاد وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفاً أو يزيد - تشاركهم جماعة الشبان المسلمين - من فرق الرحالة (الجوالة) ووفود شعبهم في الأقاليم وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، ولم يحدث مايعكر صفو المظاهرات.
وانهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين - رافعين أعلامهم يهتفون: "الله أكبر ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله" (8).
وجاء زواج الملك سنة [1938] ليحدث مايعكر صفو العلاقات بين جماعة الإخوان والملك فقد اعتكفت عن المشاركة في حفل الزواج لما حدث به من اختلاط ورقص وخمور في وقت ينادونه فيه بأمير المؤمنين، وألقت اللوم في ذلك على الشيخ المراغي وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام، لكن الجماعة مع ذلك أعلنت عن عدم تخليها عن تأييد الملك والسعي معه لتحقيق أمنية الخلافة وأعلنت صحيفتهم إنهم يهبونه الروح (9).
ونشرت جريدة الإخوان في هذه الفترة عدة مقالات لكتاب تابعين للملك وقد لقب أحدهم نفسه بـ "المحرر العربي بالديوان الملكي الإسلامي" (10)
وكان الإخوان قريبي عهد بالخروج إلى المعترك السياسي، فدعوا إلى إلغاء الأحزاب السياسية واستعدوا لخصومتهم لكنهم في الوقت نفسه أكّدوا استمرار علاقتهم بالقصر الذي لقي في دعوتهم استحسانا لما ستؤدي إليه من توسيع سلطانه، فتنشر جريدة النذير في عددها الأول مايؤكد ذلك حيث يقول البنا في نهاية المقال الإفتتاحي: "وإنّ لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملاّ محققاّ" (11).
ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ساءت فيه علاقة فاروق بوزارة محمد محمود، انقلب الإخوان عليها، وكان واضحاً تعاطفهم مع علي ماهر ورغبتهم في توليه السلطة واعتبروا أن السبيل للحكم الصالح إلغاء الأحزاب. ويكتب حسن البنا في النذير مقالا بعنوان [إلى مقام صاحب الجلالة الملك فاروق الأول] يرفع فيه المرشد العام الرجاء للملك بناء على الجهر بالحق وتقديم النصيحة، بين حاجة مصر إلى الوحدة والاستقرار، ويمس الوتر الحساس لدي فاروق، فيشير إلى أن مصر زعيمة للعالم الإسلامي، وعليه لا بد أن تكون القدوة، والإسلام لا يعرف الفرقة ولا يقر الخصومة والتمزق ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية (12).
وتغالي جريدة الإخوان المسلمين في مدح فاروق بل قد وصل الأمر بالصحيفة إلى التغني بمكارمه والإشادة إلى تأثر رجال الوعظ والإرشاد به وقولهم الشعر فيه رغم أنهم لا يصوغونه إلاّ لدافع قوي يتصل بمهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الشعر الذي يعبر عن رجاء أن يُظل التاج المصري يوماً الأمم العربية والأعجمية ويستعيد الإسلام مجده، وتنتهي إلى أن الإخوان المسلمين يعقدون الآمال على الملك في خدمة الإسلام والمسلمين (13)
وفي ذكرى عيد الجلوس الملكي رددوا يمين الولاء لفاروق في ميدان عابدين "نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله" (14).
وتحت عنوان [الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين] لا تعتبره النذير مجرد خليفة ولكنها أصرت على أنه يحيي سنة الخلفاء الراشدين وذلك على إثر خطبته في رمضان والتي حملت بين طياتها الترضية للجماعة فيما يختص بالسعي لخير مصر والأمم الإسلامية (15). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق، فحين يتقرر عودته إلى القاهرة، يصدر مكتب الإرشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم، ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (16)
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [ملك يدعو وشعب يجيب إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين] مواصلا جهوده ليعتمد فاروق على الجماعة، فيرفع إليه صورة من المظاهر التي لا تتفق مع الإسلام من بؤر الخمور ودور الفجور وصالات الرقص وأندية السباق والقمار والمرأة السافرة المتبرجة، وكيف أن حدود الله معطلة، ويطلب منه أن يصدر أمراً ملكياً بألاّ يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام "فإنه مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة... إن الجنود على تمام الأهبة، وإنّ الكتائب معبأة وقد طال بها أمد الانتظار" (17). فانظر كيف جعل البنا أتباعه جنوداً لملك كافر.
ويأتي حادث4 فبراير [1942] - وفيه فرض الإنجليز على الملك أن يولي الوزارة للوفد بقوة السلاح - وتزداد كراهية الإخوان للوفد ولكن الملك لم يسترح لحسن البنا الذي استخدم سياسة منتصف العصا بين الوفد والملك وادرك فاروق ذلك ومن ثم تصرف المرشد العام بسرعة، وبإعادة إصدار صحيفة الإخوان في [29] أغسطس[1942]، يتصدر الغلاف صورة فاروق وفي يده المسبحة، ويذهب وفد برئاسة حسن البنا إلى قصر عابدين لرفع هذا العدد "إلى صاحب الجلالة الملك المحبوب أيده الله"، وتتكرر نفس الصورة مرة ثانية مع الاحتفال بعيد الهجرة، ومرة ثانية وهو ملتح وكتب تحتها "القدوة الصالحة" (18). وراحت بعض الأقلام تسطر عن تاريخ محمد علي ومآثره (19)
ويرأس حسن البنا وفداً من المركز العام ويسافر به إلى القصاصين عقب حادثة الملك، وتنتقل إليها وفود من شعب الأقاليم وفرق الجوالة وتصفهم صحيفة الإخوان بأنهم "يحدوهم جميعا شعورهم نحو مليك البلاد حفظه الله وعجل له بالعافية وسرعة الشفاء" (20) وتشيد بفاروق عندما ترك الاحتفال بعيد ميلاده وذهب إلى الصعيد "يواسي المنكوبين منه ويزور الفقراء المعدمين ويصلهم بعطفه وبره" (21).
بهذه الصورة أثبت الإخوان ولاءهم للملك حرصاً منهم على المحافظة على الأرض التي اكتسبوها، وإيماناً بأن الحكومات غير مستقرة ولكن العرش ثابت (22)
وبإقالة الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الانعطاف كلية نحو القصر والحصول على المساندة الملكية، وراحت صحيفة الإخوان تظهر رياءها للملك، فتنتهز فرصة عيد ميلاده [1945] فيحمل غلافها صورته (23)، وتسطر بأن عيد الملك هوعيد الشعب وأن الحب الذي يكنه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل (24)، ويشيد حسن البنا في مقاله [رحلة الحجاز] بالمقابلة بين فاروق وابن سعود، ويبعث ببرقية باسم الإخوان إلى رئيس الديوان لرفعها للملك يهنئه فيها بسلامة العودة وأنه "يعز الإسلام والعروبة بالفاروق العظيم" (25).
وفي عريضة بعث بها حسن البنا إلى الفاروق في نهاية يونيو [1945] يطالبه بإلغاء الأحكام العرفية ويختمها بقوله: "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء الفاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة" (26)
وفي حديثها عن سياسة فاروق العربية تشيد صحيفة الإخوان بهذا وتقول: "إن هذه الصلات الكريمة بين جلالتكم وبين ملوك العرب وامرائهم ورؤساء حكوماتهم لتعتبر قوة كبرى" (27)
وبمناسبة لقاء فاروق بابن سعود تشيد بجهود الأول في تدعيم النهضة الإسلامية وبناء الجامعة العربية، وتتصدر صوره مع الضيوف العرب صفحاتها (28)
وبمناسبة تولي صدقي للوزارة يقف زعيم الإخوان في الجامعة ليوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد -(29).
وتمضي صحيفة الإخوان في طريقها، فيبعث المرشد العام برسالة إلى الملك. عندما بدأت المفاوضات - مفاوضات الجلاء بين صدقي والإنجليز - مشيراً إلى أنه معقد الآمال والرجاء (30)
واستمرت المجلة على نهجها واحتلت صور فاروق أغلفتها، وهو قائم يصلي وهو يستمع إلى آيات الذكر الحكيم وهو يحتفل بالمناسبات الدينية، وتقيم فرق الجوالة الاحتفالات بالمناسبات الملكية، ويخطب المرشد العام ليهنئ ويدعو أن يعز بالفاروق الإسلام (31).
وقامت حرب فلسطين، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم، وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية (32).
وتكتب بمناسبة ذكرى تولي فاروق سلطاته الدستورية تقول: "إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4 فبراير المشؤم قد أظهرت وطنية الملك المفدي في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يامولاي ماشئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين"(33). هذا في الوقت الذي كان فيه فاروق متورطاً في قبض عمولات من صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري بفلسطين وكانت القضية منظورة أمام المحاكم، وكان فاروق في هذا الوقت - منتصف [1948] - قد بلغ الغاية في المجون والفجور وقد شاعت فضائحه الاخلاقية في شتى أنحاء مصر.
ويرسل حسن البنا على صفحات النذير في[8] المحرم [1358هـ] هذه الرسالة إلى فاروق التي وصفتها مجلة الدعوة فيما بعد بـ [الكلمات الخالدة]: "اعتقد ياصاحب الجلالة أن الإخلاص للإسلام والعرش والوطن يفرض على أن أضع تحت نظركم السامي صورة مصغرة جداً من المظاهر العجيبة التي تتنافى مع الإسلام" ثم يقول أيضاً: "يا صاحب الجلالة، حدود الله معطلة لاتقام وأحكامه مهملة لايعمل بها في بلد ينص دستوره على أن دينه هو الإسلام" و يسترسل في وصف المفاسد ثم يختم رسالته بقوله: "قلها كلمة منقذة، واصدره أمراً ملكياً كريماً، ألاً يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام" (34).
ولا تنسي مجلة الدعوة تهنئة فاروق بعيد جلوسه على العرش فعلى غلاف العدد [15] تظهر صورة الملك في وسط الصفحة وبجانبها كتبت المجلة "عيدان سعيدان احتفل يوم الأحد الماضي في جميع أنحاء وادي النيل بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول على عرش أجداده العتيد....
كما احتفل بزواج جلالته بحضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان.....
والدعوة إذ تتقدم بعظيم التهنئة بالعيدين، تبتهل إلى الله العلى الكبير أن يحفظ ذات الملك وأن يجعل أيامه كلها أعياد سعيدة وأن يعزه بالإسلام ويعز الإسلام به" (35)
في الوقت الذي كانت المظاهرات تهتف ضد مباذل فاروق حتى لقد هتفت الجماهير عندما طلق زوجته الأولى "خرجت الطهارة من بيت الدعارة"، ولكن مجلة الدعوة أيضاً في السنة التالية لم تفوت فرصة عيد الجلوس الملكي، ففي العدد [64] وقبيل انقلاب يوليو بحوالي شهرين ونصف تظهر صورة فاروق على الصحفة الأولى وبجانبها كتبت الملجلة "عيد الجلوس الملكي، تحتفل مصر اليوم بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان على عرش آبائه وأجداده، ونحن إذ نرفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى الأسرة المالكة الكريمة أجل تهانينا.... ندعو الله مخلصين أن يجيء هذا العيد الميمون في العام المقبل ووادي النيل يرفل في حلة قشيبة من حلل الحرية الحقة والاستقلال الكامل والوحدة المنشودة"(36).
ولكن المولى جلت حكمته لم يستجب دعاءهم فلم يأت هذا العيد الميمون في أي عام تال، وحلت محل صور فاروق صورة محمد نجيب على عدد خاص أصدرته الدعوة عن حركة الجيش (37).
أما حسن الهضيبي ففور تعيينه مرشداً عام يذهب إلى قصر عابدين في [14/11/1951] ليوقع في سجل التشريفات مظهراً تأييده وطاعته لقاتل شيخه ويصحبه في ذلك لفيف من قادة الإخوان ونشرت صحيفة الجمهورية صورة موثقة من التوقيعات (38).
وتشكك د. لطيفة محمد سالم في أن كل من كتب اسمه قد صاحب المرشد نتيجة الصراع داخل الإخوان حول هذا التصرف ولكنها تؤكد أن المرشد قد ذهب ومعه بعض القيادات (39).
أمّا عن زيارة حسن الهضيبي للملك في [20/11/1951] فسنفرد لها فقرة خاصة لأهميتها ولكننا نسجل هنا أن حسن الهضيبي قد زار قصر عابدين فيما نعلم ثلاث مرات (إن لم يكن أكثر) ليوقع في سجل التشريفات، مرة عند تعيينه وقد ذكرناها.
والمرة الأخرى في [16/1/1952] يتوجه للقصر مهنئاً بمولد ولي العهد في وقت كانت الجموع تهتف في الشوارع ضد فاروق، وضد فساده.
والمرة الثالثة يوقع في سجل التشريفات في [25/5/1952] رافعاً ولاءه مستنكرًا هذه الصيحات التي تعالت ضد الأعتاب السامية مبرئاً الإخوان من الاشتراك في مثل هذه الأعمال (40).
ومن الطريف أن أحد كتاب الإخوان وهو فريد عبدالخالق بعد كل هذا يقول إن الهضيبي "كان الوحيد بين الزعماء السياسين الذي لا حاجة به إلى مصانعة الملك"؟؟؟ (41).
وأختم هذه الفقرة بكلمتين لعمر التلمساني لا أظنه يحترم فيهما ذهن القارئ ويدخلان تحت قول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحــكات ولكنـه ضحــك كالبــكا
أما الأولى فيقول عن فاروق: "واستقبله الإخوان استقبالاً باهراً، لا ليظهرواً قوتهم أمامه، ولكن ليعربوا عن فرحتهم به، وليعلم أن القوة والمنعة في الإسلام"!! (42).
أما القول الثاني فقوله: "من يدري لو لم تقم حركة الإخوان المسلمين في مصر عام [1928] ماذا يكون الحال أيامنا هذه؟! كان الملك فاروق رحمنا ورحمه الله مستقراً على عرشه تسنده قوة الجيش والشرطة"(43)
وسوف يرى القارئ فيما بعد كيف يوزع عمر التلمساني الرحمات على من حاربوا المسلمين وقتلوهم وعذبوهم، اللهم أدركنا برحمتك ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.
2 - الجوالة والملك:
استغل حسن البنا استعراضات الجوالة ليظهر قوة الجماعة ويظهر بها أن جماعته القوية تؤيد الملك وتسانده، فقد كان أول ظهور للجوالة في شكل استعراض عند تنصيب الملك فاروق على عرش مصر [1937] (44).
وتستمر احتفالات الجوالة بالمناسبات الملكية فتشارك في الاحتفالات بعودة الملك للقاهرة بعد اصابته في حادث سيارة في القصاصين (45). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق فحين يتقرر عودته للقاهرة، يصدر مكتب الارشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (46)
وزار الملك عبدالعزيز آل سعود مصر فكانت فرصة لاستعراض الإخوان لجوالتهم أمام شرفة قصر الضيافة وكان يقف إلى جواره أحمد السكري الوكيل العام للإخوان واندس حسن البنا بين الجماهير يشاهد الاستعراض وتكررت الاستعراضات في عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه (47) وتصف النذير الجوال بأن عليه أن يكون مخلصاً لله وللوطن وللملك ولوالديه ولرؤسائه ومرؤوسيه (48).
3 - عقد المؤتمر الرابع للإخوان المسلمين:
عقد الإخوان المسلمين مؤتمرهم الرابع عام [1937] بمناسبة تتويج فاروق خلفا لوالده وللاحتفال بهذه الذكرى (49).

4 - السعي للمناداة بالخلافة لفاروق:
سعت صحف الإخوان إلى المطالبة بإقامة الخلافة وتولية فاروق لها واغراءه بذلك.
فتحت عنوان [الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم] نادت بالخلافة لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم (50)، وحين انتقدت مجلة الإخوان المسلمون المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك وجهت اللوم للشيخ المراغي!! لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام وكتبت هذا المعنى في مقالات تحت عناوين [هدية الإخوان المسلمين إلى عرش مصر]، "إلى الأستاذ الأكبر أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟" كما أكدت مجلة القلم الصريح هذا المعنى تحت عنوان [الخلافة الإسلامية] وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة تقضي على المفاسد وبخاصة البغاء والخمور (51).
ولقد قرر الدكتور زكريا سليمان بيومي المتعاطف مع الإخوان المسلمين كما يصف نفسه في مقدمة بحثه عن الإخوان المسلمين وأن نظرته منبثقة من داخل الحركات الإسلامية (52) - هذا الأمر حيث يقول: "إن الجماعات الإسلامية (ممثلة في جماعتي الإخوان وشباب محمد) قد هادنت القصر بل مالأته أحياناً ونادت له بالخلافة رغم معاداة سلوكه - في الغالب - للحركة الوطنية والشريعة الإسلامية مما اعتبر جنوحاً من هذه الجماعات إلى طريق معاداة الحركة الوطنية فضلاً عن إسهامها في الإساءة إلى منصب الخلافة نفسه" (53).
وكما رأى القارئ مما سبق، وكما سيرى - إن شاء الله - مما يلي، كيف أفرط البنا والإخوان في مدح الملك والثناء عليه ووصفه بالإسلام والتقوى، وهو ملك مرتد كافر فاجر يحكم البلاد بموجب دستور علماني وقانون وضعي. إن هذا المسلك الإخواني يطمس التوحيد والإيمان، ويميع عقيدة الموالاة والمعاداة، ويُعَمِّي على المسلمين أعداءهم بخلاف ما أمر الله تعالى به من وجوب معرفة المجرمين وسُبُلهم، قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} [الأنعام]، فالله يريد أن يبين لنا سبيل المجرمين، والإخوان يُعمُّون على هذا السبيل حتى لا يعرف المسلم صديقه من عدوه، وحتى يقع المسلم فريسة سهلة لعدوه وهو في غفله.
ولم يكتف الإخوان بهذا التمييع العقائدي بأقوالهم ومواقفهم، بل أصَّلوا هذه الميوعة تأصيلاً شرعياً وجعلوها من عقائدهم عندما أعلن مرشدهم الثاني حسن الهضيبي مبدأ "دعاة لا قضاة" وألف كتاباً ينهي فيه أتباعه عن الخوض في مسألة الحكم الشرعي في الواقع الذي يواجهونه. وكان عاقبة هذا الخلل الشرعي أن دخلت حشود الإخوان السجون والمعتقلات مرة تلو أخرى، ليخرج بعضهم من السجون وكل منهم قاض يحكم على غيره بالكفر دون ضابط ولا وازع، وكل هذه الضلالات يحمل وزرها قادة الجماعة الذين لم يبصروا أتباعهم بحكم الواقع الذي يواجهونه.
قال رسول الله e: «كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته» الحديث، متفق عليه.
وقال رسول الله e: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» الحديث، رواه مسلم.
فهل يعتبر الإخوان بهذا؟، وهل تعتبر بقية الجماعات الإسلامية بهذا؟، قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر].
5 - التفاهم مع الملك على إزاحة النقراشي في مقابل اظهار التأييد للملك في فبراير [1946].
يحكي أحمد عادل كمال عن هذه الحادثة ووقتها كان طالباً في الجامعة فيقول: "وفي منتصف الليل تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي الحلمية الجديدة أمام البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش... حسن البنا. وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا. وكان موقف حسن البنا حاسماً وواضحاً... لقد أساء النقراشي بالاعتداء على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثماً إلاّ لمطالبة بأمانينا القومية... إنهم لم يطلبوا إلاّ جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لا بد أن يخرج النقراشي من الوزارة ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك"
ويقول أيضا: "وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب. اتصل بي عمر أمين سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالباً بكلية الهندسة وطلب إلى الحضور مندوباً عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبدالمنعم بـ "الدقي" لمقابلة رئيس الديوان الملكي!، وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر الكليات.
كنت في العشرين من عمري، وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ /مصطفى أمين، وكان هو نفسه حاضراً، كما شهد جانباً من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي للقصر الملكي.
وجاء الباشا وكان حريصاً كل الحرص إن يتباسط معنا في الحديث، وذكر أن الملك شاب مثلنا وأنه يحبنا لأننا من جيله ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم يكن منتبهاً فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك الأمر ولكن بعد فوات الأوان. واستمر يقول إنه لذلك فهو - جلالة الملك - عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة. وأجبنا بأن النقراشي أساء وضربنا، وقال هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك وأنه كان باستطاعتنا أن نشكو النقراشي إلى الملك.
قلنا إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين وزج بإخواننا في السجون ومازال يبحث عنا للقبض علينا!
وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة: النقراشي يخرج من الحكم ويفرج عن المقبوض عليهم وتحفظ القضايا.
ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين تهتف بحياة الملك! حفاظا على كرامتنا في البلاد وقد ضحى الملك بالنقراشي وكان كل مايهمه هيبته هو" (54). وكان مايهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن إخواننا.
وسوف ترى يا أخي أن هذا النقراشي سيأتي مرة أخرى للحكم وسيؤيده الإخوان ثم سيهاجمونه ويقتلونه لأنه خائن.
أما الذي أتى بعده فهو إسماعيل صدقي عميل الإنكليز والمقرب إلى كبار أثرياء اليهود وسيؤيده الإخوان ثم يهاجمونه.
ولا تســـألني كيــف ولماذا إنهم الإخوان... وإنه تاريخهـم!!!!.
6 - تدخل للملك لإعادة البنا بعد نقله والإفراج عنه بعد إعتقاله [1941م]
تدخلت السراي إلى جانب البنا لإعادته إلى القاهرة بعد نقله إلى الصعيد بأمر من حسين سري - رئيس الوزراء - وبوحي من الإنكليز. وكذلك تدخلت للإفراج عنه ووكيله بعد اعتقالهما سنة [1941] (55).
7 - اتفاق حسن البنا مع الملك علي محاربة الشيوعية تحت لوائه:
بعث حسن البنا إلى فاروق بعريضة في أواخر [1945]: "أشار فيها إلى الأفكار القلقة التي تهدد القواعد الأساسية للمجتمع وأن السبيل إلى مواجهتها هو الاعتصام بحبل الله "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء فاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة"(56).

8 - دعــم المـلـــك للجمـاعـــــــة:
ينقل محمود الصباغ عن العدد [45] من مجلة المسلمون البرقية التالية للسفير البريطاني عقب إعادة البنا بتأثير السراي من الصعيد بعد أن نقله حسين سري رئيس الوزراء بإيماء من الإنكليز.
"إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد."
وقال السفير: "لا شك أن الجماعة استفادت كثيراً من محاباة القصر لها" (57).
وتنقل د. لطيفة محمد سالم عن تقارير الخارجية البريطانية عن وضع الإخوان أثناء وزارة حسن صبري مايلي: "ولم يمسهم الضرر أثناء وزارة حسن صبري حيث ساندهم القصر وواصل إمدادهم بالإعانات المالية التي بدأت منذ [1940]" (58).
كما تنقل أيضاً أن لا مبسون يشكو لحكومته من الجماعة ويبين أنها مستمرة في العمل ضد بريطانيا بتشجيع من القصر (59).
وتنقل أيضا أن الملك قد أوقف المعونات المالية التي كانت تتلقاها الجماعة من القصر ولم يعد هناك تفاهم محدد بين الطرفين بعد اتفاق حسن البنا والنحاس على تنازل البنا عن ترشيح نفسه في مقابل بعض التنازلات من الحكومة (60).
وتذكر أيضاً أنه بسقوط الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته وكان على الإخوان الإنعطاف كلية بجانب القصر وإسقاط الفجوة القائمة والحصول على المساندة الملكية، وهذا ماسعوا إليه (61)، وتنقل أيضا إن الملك ذكر للسفير البريطاني أنه على صلة وثيقة بهم، ويشير الي انتشارهم، لكنه يطمئنه بأنهم لا يتدخلون في السياسة (62)
وتذكر أيضاً نقلاً عن مذكرة والترسمارت المستشار الشرقي للسفارة البريطانية حول لقائه مع حسن رفعت وكيل وزارة الداخلية في حكومة النقراشي الذي أخبره أنه ليس هناك ضرر من أن يعطي فاروق لهم بعض التشجيع لأنهم أحسن أداه لمحاربة الشيوعية كما صرح حسن رفعت بأن حسن البنا قد تلقى أموألاً من الاّ يطاليين وألاّ لمان والقصر والوفد لتوسيع تنظيمه (63).
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن الملك ساند الإخوان كوسيلة لمحاربة الوفد في وزارة النقراشي الأولى، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمح النقراشي للإخوان في سبتمبر [1945] بعقد المؤتمر العام لنواب الأقاليم في الوقت الذي منع فيه كل المؤتمرات والاجتماعات، وترتب على ذلك أنهم حصلوا على حرية التجوال والتنقل، وهذا ماكانوا يسعون إليه (64)
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، ويستاء القائم بالأعمال البريطاني لذلك وأنه مع حكومته أصبحا مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة وبالفعل فقد قدمت الجماعة خدماتها في مشاركتها في الحملة على الشيوعيين.
وانعكس الرضا الملكي على الجماعة، فدعى حسن البنا إلى إحدى ولائم قصر عابدين، وجاء في الدعوة أن الحضور بالردنجوت، فاعتذر لأنه لا يملك المال الذي يشتريه به (65). وتنقل د. لطيفة أيضاً عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر [1948] أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإ خوان لأنهم التنظيم الديمابوجي الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروقاً من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة الوفد للحكم (66)

9 - استشارة المـلـك للبنا في تعيين إسماعيل صدقي رئيساً للوزارة:
ولن نسهب هنا في تفاصيل علاقة إسماعيل صدقي بالإخوان، فسنفرد لها موضعاً خاصاً، ولكننا هنا نتناول واقعة استشارة الملك لحسن البنا في تعيين صدقي. تقول د. لطيفة محمد سالم: "عندما وقع اختيار الملك على تولي إسماعيل صدقي الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق.
فقد سر المرشد العام من أنه أصبح يستشار في السياسة العليا ووافق موافقة تامة على الإختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة، ذهب إسماعيل صدقي إلى المركز العام للإخوان وترك بطاقة، ورد له حسن البنا الزيارة. ووقف زعيم الإخوان في الجامعة يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد" (67)
10 - سعـى البنــا للقــــاء المـلـك:
حاول حسن البنا لقاء الملك لطمأنته بأن الإخوان لا يريدون به شراً فيما بين يدينا من مصادر ثلاث مرات، منها واحدة اعترف بها عمر التلمساني في مذكراته وهي التي كانت عن طريق طبيب الملك يوسف رشاد وزوّج إحدى عشيقاته ناهد رشاد (68). ويجمل التلمساني الواقعة فيقول: "وفعلاً التقى طبيبه (أي الملك) الخاص يوسف رشاد بالإمام الشهيد، ولكن الأيدي التي لا تضمر خيرا لشرع الله زرعوا في قلبه (الملك) الخوف من الإخوان" (69).
أما تفاصيل هذه الواقعة فقد بدأت عندما اتصل محمد أنور السادات - عقب خروجه من المعتقل - بالمرشد العام، فأفصح الأخير عن أن المتاعب تأتيه من ناحيتين، ناحية الملك، وناحية الأجانب، وبين أن فاروقاً يشعر بخطورة دعوة الإخوان على أساس أنها تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة، وعليه فإنه يخشى أن يضرب ضربته والحركة لم تبلغ بعد أوج قوتها.
وذكر أن الأجانب يمكن أن يطمئنوا للدعوة لو اطمأن إليها الملك، وأنه يستطيع أن يكسب ذلك لو تقابل معه حيث يمكنه أن يزيل من نفسه الأوهام والشكوك، في الوقت الذي أوضح فيه أنه لا يريد أن يبدأ معه سياسة وفاق أو تعاون، وطلب من السادات التوسط للتنفيذ لدي صديقه يوسف رشاد، وتمت المهمة، وطلب فاروق أن يقابل يوسف رشاد المرشد العام ويستمع إليه وينقل له الحديث ليرى إن كان يقابله، ثم عاد الملك وألغى ما ارتآه، وتكررت المحاولة مرة أخرى، وانتهى الأمر باللقاء، وجرى الحديث الذي خرج منه يوسف رشاد مقتنعاً بخلوص نية حسن البنا نحو الملك والتي استبعدها فاروق.
ولكن الارتياب عاد إلى نفس السادات من البنا لاستمرار علاقة الأخير بالقصر عن طريق غير يوسف رشاد (70).
أما المحاولة الثانية فكانت في نهاية [1948] لما ظهرت في الأفق فكرة حل الجماعة ولم تكن فكرة حل الجماعة وليدة لحظتها، وإنما رددت حولها الأقوال مما ألجأ حسن البنا إلى مرتضى المراغي وكان مديرا للأمن، وتحدث معه بشأن خطورة تنفيذ هذا الإجراء، وأبدى غضبه على النقراشي واتهمه بأنه يكيل التهم للإخوان لدي فاروق وتتضمن أنهم يريدون قتله وينبذون تصرفاته، ورفض المرشد العام وساطة مرتضى المراغي عند النقراشي وبين أنه ممكن الصبر عليه لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، أما الملك فهو باق، وطلب أن ينقل له رسالة شفوية بأن الإخوان لا يريدون به شراً ولا ينبذون تصرفاته وإنهم ليسوا بقوامين عليه، ورجاه أن يقنعه بالعدول عن اتخاذ تلك الخطوة واعتبرها جريمة نكراء، ولكن عندما عرض مدير الأمن العام على مسامع رئيس الوزراء الرسالة عارض في توصيلها للملك. (71).
أما المحاولة الثالثة فكانت عندما اغتيل حكمدار القاهرة، وعقب اغتياله بأربعة أيام أصدر النقراشي أمراً عسكرياً في [8] ديسمبر [1948] بحل جماعة الإخوان وفروعها بالأقاليم ومصادرة أموالها - جاء من بين التهم التي وجهت إليها أنها تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم عن طريق الإرهاب - مما أودي بالمرشد العام الاستغاثة بكريم ثابت - المستشار الصحافي للملك وهو نصراني - وطلب وساطته وأبرز له أهمية الإخوان ومدى الفائدة التي يكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطأً، وأن عليهم قصر رسالتهم على خدمة الدين.
وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدي النقراشي ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها، ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد تسهيلاً لمهمة الحكومة إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة بتاتا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها.
وعندما هم كريم ثابت بالتوسط، وجد فاروق في شدة الغضب على حسن البنا، حيث أخرج من أحد الأدراج نتيجة من النتائج التي تطبعها مصلحة المساحة ومنزوع منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وعلق عليها بأنها صورة الملك الجديد، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور ومن ثم فشلت الوساطة (72).
11 - اختيار الهضيبي مرشداً عاما:
تم اختيار حسن الهضيبي مرشداً عام للإخوان المسلمين بعد وفاة حسن البنا وقد تخطى هذا الاختيار قانون الجماعة إذ إن الهضيبي لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين وأراد التيار الذي اختار الهضيبي لمنصب المرشد العام تحصيل عدة فوائد منها إرضاء الملك وإرضاء القضاة وإبعاد التيار المتطرف وخاصة قيادات النظام الخاص عن القيادة وقد صرح بهذا الإخوان أنفسهم والذين أرخوا لهم كما أن الحوادث نفسها أثبتت أن حسن الهضيبي سعى لإرضاء القصر وللقضاء على الجانب المتطرف من الجماعة كما سنرى في بقية البحث ونحن هنا نعرض لأقوال الإخوان ثم لأقوال غير الإخوان حول اختيار حسن الهضيبي وكلها تدور حول المعاني التي أسلفناها.
يقول فريد عبدالخالق: "واستبشر الإخوان بمرشدهم الجديد، وأولوه ثقتهم، والتفوا حوله، وقد رأوا في اختياره على رأس الجماعة تصالحا مع القضاء الذي ساءته تصرفات بعض الأفراد وارتكابهم حوادث عنف في عام [1948] قبل صدور قرار حل الجماعة، ولا يزال الرأي العام يذكر مقتل النقراشي، واغتيال الخازندار، وفي هذه التصرفات ما شوه صورة الجماعة في نظره، وفي موافقة الأستاذ الهضيبي على أن يكون مرشداً للإخوان المسلمين تصحيح لهذه الصورة" (73).
وسوف نعرض إن شاء الله لهذه الحوادث ونبين مواقف الإخوان السيئة والمتناقضة فيها.
ويقول أيضاً عند كلامه على عمل الهضيبي في الجماعة بعد توليه شئونها: "وكان البناء الداخلي هو الآخر يحتاج إلى علاج بعض المتاعب التي حلت به في أخريات أيام الإمام "حسن البنا"، عندما وقعت تلك التصرفات الفردية عن قيادة وبعض أعضاء "النظام الخاص" بقيامهم بحادثتي الاغتيال اللذين سبقت الإشارة إليهما، دون علم المرشد، وعلى غير منهج الجماعة ووسائلها في تحقيق أهدافها، التي ليس فيها الاغتيال أو العنف، فقد أعتبر حسن البنا ذلك خروجاً على نظام الجماعة" (74)
ويقول صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد وأحد أقطاب الجماعة وصاحب مجلة الدعوة والذي غضب عليه الهضيبي وفصله من الجماعة فيما بعد - في خطابه أمام الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين: "ثم عندما أراد الأستاذ منير دلة تعيين مرشد عام للجماعة، وعندما اقترح اسم الأستاذ حسن الهضيبي، ولم يكن معروفاً لأحد من الإخوان في ذلك الوقت إلاّ العدد القليل، وكيف إنه قال بأن هذا الحل هو الذي يجمع شمل الإخوان ويجعلهم على قلب رجل واحد ويمنع تنازعهم وفرقتهم، وكيف أنهم ذكروا اعتبارات أخرى ومزايا لهذا الاختيار لا محل لذكرها الآن، ثم ذكر كيف أنه تخطى العقبات القانونية" إلى أن قال: "وتمت الإجراءات رغم مخالفتها الصريحة لنظام الجماعة" (75).
ويقول أيضاً في مقال لا حق: "يخطئ من يظن أن الأحداث الأخيرة في محيط الإخوان كانت نتيجة لقرار المكتب القاضي بفصل أربعة من خيرة الإخوان من غير توجيه اتهام إليهم أو تحقيق معهم، وبدون ابداء الأسباب، إنما الحقيقة أن هذا القرار كان عارضاً لمرض أصاب الدعوة منذ مجيء الأستاذ حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة" (76).
وتقول د. لطيفة محمد سالم عن أحداث [1951]: "وعلى آية حال، فإن الاتجاه المتطرف لم يتحكم في الموقف، وضح ذلك في اختيار حسن الهضيبي مرشداً عاماً، وتجاهل الاختيار قانون الهيئة التأسيسية ولم يكن الهضيبي عضواً فيها، ولا في مكتب الإرشاد، ولا رئيس شعبة، ولم يكن يحضر درس الثلاثاء، لكن قيل إن هذا الرجل هو الذي اختاره حسن البنا في أيام المحنة ووكله الإشراف على رعاية أسر الإخوان، وقد عمل بالقضاء فترة طويلة، والواقع أنه لم يتمتع بالشخصية القوية التي تؤهله للزعامة الفردية كسلفه، وكان هذا هو المقصود، نظراً لصعوبة البيعة لأحد العناصر القوية المتنافسة، ذلك من ناحية، وللسياسة الجديدة التي ارتأى الإخوان انتهاجها تجاه فاروق وهي تعتمد على مهادنة القصر لاستعادة الجماعة لمكانتها من ناحية أخرى، فالمختار يمت بصلة نسب لناظر الخاصة الملكية ولرئيس القسم المخصوص الإنجليزي بالديوان، ومعروف عنه دماثة أخلاقه، وكان القصر يسعى لتبوئه المركز.
وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوباً آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وكان أول خطاب وجهه المرشد العام يعكس ذلك حيث قصر نداءه للجماعة على تقوى الله وطاعته وترتيل القرآن"(77).
أما طارق البشري فيرد على القول بأن الملك لم يكن له دور في اختيار الهضيبي بدليل أن الجماعة احتفظت به بعد الثورة فيقول: "وقد لا تكون صلة المصاهرة بين الهضيبي وناظر الخاصة ذات شأن سياسي هام. وهي كذلك ليست بذات شأن هام. بمراعاة استقلالية الدعوة. وبمراعاة ماتكشفت عنه شخصية الهضيبي من صلابة نادرة في أوقات المحن، ولكن يظل اختيار الهضيبي في الظروف السياسية لعام [1951]، اختيار مقصوداً به الملاينة والإيماء بخفوت الجانب المتمرد المشاكس من نشاط الجماعة" ويقول أيضا:ً "إن هذا الخط السياسي الملاين قد تقرر بين الإخوان، في ظروف مد ثوري وتصاعد، فجاءت حركة الإخوان غير متمشية مع الزخم الحاصل، خاصة بعد إلغاء معاهدة [1936]" ويقول أيضاً: "جاءت سياسة اتجاه الهضيبي في الإخوان بإملاء من السياق الداخلي للجماعة والتطور الذاتي لها، جاءت تحاصر التنظيم السري المسلح للإخوان وتعمل على تقليم أجنحته" (78).
وهكذا تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما في [19/10/1951]. وفي [14/11/1951] توجه هو ولفيف من قيادات الإخوان إلى قصر عابدين ليسجلوا أسماءهم في سجل التشريفات بمناسبة تعيين المرشد الجديد لتقديم آيات الولاء لقاتل شيخهم.
وفي [20/11/1951] تحمل سيارة من سيارات الديوان الملكي حسن الهضيبي ليتشرف بمقابلة فاروق الأول ملك مصر والسودان وليخرج من المقابلة فيعلق "مقابلة كريمة لملك كريم"
وهكذا أهدرت قيادة الإخوان دم حسن البنا حين هرولت لتؤيد وتتشرف بمقابلة قاتله.
ويدور الزمان دورته ويقتل عبدالقادر عودة في محكمة اثنان من قضاتها الثلاثة هم: أنور السادات وحسين الشافعي ويهدر الإخوان أيضاً دم عبدالقادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب حين يهرولون ويؤيدون أنور السادات بل ويعتبرون أن له منة عليهم ويذهب عمر التلمساني كما سنرى إلى قصر عابدين مرة أخرى ليسجل امتنانه على إفراج السادات عنهم وهكذا يضيع أيضاً دم عبدالقادر عودة ورفيقاه.
أما دم سيد قطب فكما سنرى من موقف الإخوان منه فليس له بواكي ويدور الزمان دورة ثالثة ويقتل كمال السنانيري في سجن استقبال طرة بيد حسن أبي باشا وزير داخلية مصر الأسبق ويخرج الإخوان من المعتقلات فيتوجهون بالشكر إلى حسني مبارك بل ويبايعونه على رئاسة الجمهورية كما سنرى ولا يرتفع لهم صوت - رغم فصاحتهم في التبرؤ من التطرف والعنف - في المطالبة بدم السنانيري، بل وعندما يقوم بعض الشباب بمحاولة اغتيال حسن أبو باشا يستنكرون مايفعله الشباب ويتبرؤن منه ويعدونه جريمة تستحق العقاب كما سنرى وهكذا ضاع أيضاً دم كمال السنانيري.
وكم من الدماء ستضيع على أعتاب مصلحة الدعوة!!!!
وصدق الله العظيم {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة].
12 - لقـــــاء الهضيبــــي بالمـلـك:
قتل حسن البنا في شارع رمسيس في مساء يوم [12/2/1949] واختير حسن الهضيبي مرشداً عاماً في [19/10/1951] وكان في القصر الملكي يوم [14/11/1951] موقعاً في سجل التشريفات ثم زائرا للملك في يوم [20/11/1951].
وقد أحدثت هذه الزيارة دوياً هائلاً اعترف بها الإخوان أنفسهم وأنكرها كثير منهم لأنها كشفت عن خط جديد في الجماعة وإن كان هذا الخط قد بدأ قبل اغتيال حسن البنا ولذلك فقد أفردنا لهذه الزيارة وماقيل حولها عنواناً خاصاً.
كان أول رد فعل إخواني تقريباً هو مانشرته جريدة الدعوة بعد المقابلة بأسبوع حيث أوردت الخبر التالي: "في الحضرة الملكية: في الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الماضي قصد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين إلى قصر القبة العامر حيث تشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد دامت المقابلة [45] دقيقة، وهذه أول مقابلة رسمية بين جلالة الملك وبين فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، وكانت مثار تكهنات ومبعث قلق في كثير من الدوائر السياسية" (79).
وكان هذا أول رفض مهذب للتيار المعارض للزيارة، أما مؤيدي الزيارة فقد حاولوا تخفيفها قدر الإمكان.
يقول فريد عبدالخالق: "فأما الملك فقد سعى إلى مقابلة المرشد، وتمت المقابلة، ورحب الملك به، وكان مما قاله له: "إنني رجل مسلم وأحب الإسلام وأتمنى له الخير، وقد أمرت بإنشاء مساجد كذا وكذا... فلم يكرهني الإخوان؟… إن الإخوان قد أفهموا خطأ أنني الذي أمرت بحلهم واعتقالهم وباغتيال "حسن البنا"…. هذا والله العظيم خطأ ولم أفعل شيئاً من هذا… إن الذين فعلوا هم السعديون…. النقراشي وإبراهيم عبدالهادي، وفي اللحظة التي تمكنت فيها أقلت إبراهيم عبدالهادي وأمرت الوزارة الجديدة التي عينتها بالإفراج عن الإخوان" ولما رأى أن المرشد لا يرد على سؤاله، أعاده قائلا: "مارأيك إذن فيما قلته، وفي أنني على استعداد أن أعمل للإسلام؟!!" فرد عليه المرشد: "إني سأعرض الأمر على الإخوان ونسأل الله التوفيق". (80).
بل إن مجلة الدعوة في أعقاب ثورة [1952] أحست بحرج الإخوان من هذا التصرف فنشرت لحسن الهضيبي الحديث التالي: "قابل مندوب الدعوة فضيلة الأستاذ المرشد العام وطلب من فضيلته الأدلاء بحديث إلى قراء الدعوة فأبدى فضيلته استعداده الكريم لهذا، فقال المندوب: "مازالت مسألة مقابلة فضيلتكم للملك السابق تثير اهتمام الرأي العام نظراً لمكانة الإخوان ومرشدهم عند الرأي العام. فنرجوا أن تحدثوا قراء الدعوة بشيء عن هذه الزيارة" فقال فضيلته: "الواقع أنه لم يكن في هذه الزيارة شيء غير عادي، فقد ذهبت إلى الزيارة في موعدها، وعندما دخلت على الملك السابق بدأ هو بالتحية فقال: السلام عليكم... ثم بدأ الحديث وواصله واستمر فيه مدة الزيارة كلها التي استغرقت نحو [35] دقيقة.
وقد بدأ بكلمات تتعلق بشخصي وماعرفه عني كقاضي... وتكلم عن الإخوان وأنهم كدعوة إسلامية يحبها الجميع، وإنه رجل متدين بطبعه ويحب الدين، وأشار إلى أن البعض القليل من الإخوان قد انحرفوا وإنه يأمل الخير في الأكثرية كما يأمل نسيان الماضي وبدء صفحة جديدة.
فقلت: إن الإخوان المسلمين ينظرون دائماً إلى المستقبل ويأملون فيه الخير ولا ينظرون إلى الماضي إلا ليستخلصوا منه العبرة المفيدة.
ثم تحدث عن صلة الملك بالشعب وأشار بيديه موضوعة احداهما فوق الأخرى فقال: الشعب ثم الملك ثم الله فوق.... ومعنى هذا أن الملك أقرب للشعب من الله...!!
وهنا تكلمت فقلت: لا... هذا تحديد موضعي فالله سبحانه في كل مكان، ولا مكان له، وهو قريب من جميع عباده... الخ وقلت مايصحح الوضع... فقال الملك: أيوه... تمام ولم يناقشني.
وصحيح أنه حدد لي وسيطاً يكون صلة بيننا ولكنه لم يذكر لي اسمه ولا سألت أنا عنه. وقد خرجت من هذه المقابلة إلى المركز العام وكان بالظاهر فألقيت تصريحاً موجزاً في محاضرة الثلاثاء عن هذه المقابلة.
ثم انصرفت إلى منزلي فوجدت هذا الوسيط في انتظاري هناك ولبثنا بعض الوقت وتحدثنا فعرفت منه أنه مكلف بوضع نفسه تحت تصرفي حتى إذا كان عندي ما أبلغه للملك قام بذلك، ولكني من ناحيتي لم استرح إلى هذا الشخص، ولم أدري لماذا، ولم أكلفه بأي شيء.
وكان مما قاله لي الملك أيضاً إن الإنكليز خارجون من البلد حتماً ولكن الخوف من الشيوعية، وهي لا تتفق مع الدين.
فقلت معقباً: هذا حق..... ولكن يجب أن يطبق الدين بحذافيره ونرعى حق الفقير فوافق على ذلك.
ومما يذكر أن هذا الحديث لم يدون في وقته، وهذا ما أذكره منه... ولكن المؤكد أن الملك السابق لم يذكر الوفد ولا أي حزب سياسي، ولم يذكر القنال ومقاومة الإنكليز ولا حركة التحرير، ولا أشار أقل إشارة إلى أن يلزم الإخوان سياسة معينة، ولا ذكر شيئاً مما تداوله الناس وقت ذاك وذهبت الظنون فيه كل مذهب" (81).
وقد أثبتنا هذا الحديث بكامل نصه لنؤكد أن الهضيبي أقر على اتفاقه مع الملك على شيئين: -
1 - أن هناك قلة منحرفة في الإخوان وأنه لا يوافق على ماوقع منها وأنه يريد أن يفتح مع الملك صفحة جديدة.
2 - أنه متفق مع الملك على محاربة العدو الأهم والذي منه الخوف وهو الشيوعية أما الإنكليز فهم خارجون حتماً.
أما عمر التلمساني فكان واضحاً كعادته فقال عندما سئل: "هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على علاقة الإخوان بالملك فاروق؟".
التلمساني: "كل الذي أعرفه ويعرفه الناس أن المرشد العام طلب لمقابلة الملك فاروق وخرج يقول مقابلة كريمة لملك كريم. ورجال الثورة أخذوا عليه هذا. وفعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع الحكام، نحن لا نريد أن نصطدم بأحد." (82).
ويحاول عمر التلمساني شيئاً من الدفاع عن هذه الحادثة ولكنه لا أظنه احترم ذكاء قراءه بهذا الهزل حيث يقول: "وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة في انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه في جميع نواحيه، ولكنه رفض خشية أن يقال عنه إنه يسعى لمقابلة فاروق، ولأنه كان يرى أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك بمراحل شاسعة وهو أحرص مايكون على هذه الكرامة التي متعه الله بها في مراحل حياته، وأخيراً استدعاه وهو لا يملك إلاّ أن يستجيب، فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها: "مقابلة كريمة لملك كريم".
ثم يسهب في أنها مقابلة كريمة لأن الملك احترمه فيها ثم يقول: "أما وقد كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة أن يصفه بأنه ملك لئيم أو ما أشبه ذلك" (83).
أما الرافضون لهذه الزيارة من قيادات الإخوان فلم يصرّحوا بما في قلوبهم إلاّ عندما انفجر الخلاف بينهم وبين المرشد - بعد انقلاب يوليو [1952] -، فيقول أمين إسماعيل في مجلة الدعوة : "اغتيال جديد: وكان المرشد العام قد قيد اسمه في سجل التشريفات بمناسبة إعلان انتخابه رسمياً" "وتلقف رجال السراي أداء المرشد لهذا التقليد الشكلي فصوروه أنه ووصفوه بأنه+ يعلي تبديلا في سياسة إعلان الولاء للجالس على العرش!! ووصفوه بأنه +يعلي تبديلا في سياسة الإخوان تجاه السراي والملك، وفي عجلة غير مألوفة، اتصلت السراي عصر أحد أيام الثلاثاء بالمرشد العام تدعوه للتشرف بمقابلة الملك بعد ساعة من الزمن فعطل ظرف الاستدعاء كل تفكير إلا التفكير في الاستدعاء لمراسيم المقابلة ذاتها".
"الرعب القاتل: جماعة الإخوان المسلمين وهذا هو كشف حسابها وتلك هي صحيفة اتهامها، تصافح يد فاروق يد ممثلهم ورمزهم!؟ ياله من نصر سياسي!؟
ومن جهة أخرى فإن تحالف الإخوان مع الملك المكروه يفقدهم محبة الشعب ويحول دون اتجاه الناس إليهم، وتمت المقابلة وكانت بين اثنين لا ثالث لهما إلا الله، واستغرقت وقتاً طويلا وبالطبع لم يدر الحديث خلال هذه المدة الطويلة فقط حوّل الجو والتهنئة والسؤال عن الصحة التي هي غاية القصد والمراد من رب العباد... لا شك أنه دار حديث وأي حديث.
لا بد أنه تناول الإخوان، وتناول أهداف الإخوان، وتناول وسائل الإخوان!! ولا بد من ذكر للماضي ومآسيه، ولا بد من أمل في نسيانه أو تناسيه!!
ولا بد من رجاء بفتح صفحة بيضاء ترصد فيها الحسنات ولا مكان فيها للذنوب والسيئات!! ومما ليس منه بد أن يفهم الإخوان أن الحاكم أقرب إليهم من الله - سبحانه وتعالى عمّا يأفكون" (84).
ويقول أيضاً في العدد الذي يليه: "ظروف المقابلة الملكية: كان لمقابلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين لفاروق دويّ شديد في ميدان السياسة المصرية والعالمية، فقد جاءت في يوم [20] نوفمبر [1951]، أي بعد أن بدأت حكومة الوفد والسراي في التراجع عن الموقف الذي أخذ يتطور في القناة بتأييد الشعب عملياً للقوة الرسمية (يقصد المعركة بين قوات بلوكات النظام والإنكليز)" ويقول: "ومن +البديهي أن المرشد العام للإخوان المسلمين يمثل التكتلات الشعبية الواعية العاملة" ويقول أيضاً: "وكذلك فإن الصحف اليومية والدورية كانت تتساءل كل صباح عن دور الإخوان في المعركة، وكانت الصحافة بهذا صدى لما يدور في الرأي العام، وكان الرأي العام كله داخلي وخارجي - يعتقد أن كسب القضية متوقف على اشتراك الإخوان إشتراكاً كاملاً في المعركة"
ويقول أيضاً: "فلماذا إذن لا يحاول فاروق أن يسيطر على الإخوان ويملي عليهم سياسة، كما حاول الأحزاب وكما حاول الإنكليز من قبل...!؟.
وطارت في الجو إشاعات وإشاعات واستند الناس فيما يقولون على صلات وصلات…. قالوا: إن علاقة المصاهرة بين الأستاذ الهضيبي وبين الأستاذ محمد سالم ناظر الخاصة الملكية لها شأن…. وقالوا: إن علاقة النسب بين الأستاذ الهضيبي والأستاذ عمر حسن رئيس القسم المخصوص الإنكليزي لها شأن وأي شأن… وقالوا: إن علاقة الأستاذ الهضيبي بالأستاذ مصطفى +مرعي لها هي الأخرى شأن وشأن، وقالوا: قبل ذلك وبعد ذلك إن عدم +المام الأستاذ الهضيبي +الماماً كافياً بأسلوب الإخوان وتنظيمات الإخوان وتشكيلات الإخوان وأعمال رجالات الإخوان هي السبب الذي جعله+ ينتحي أسلوباً حزبياً لهذه المقابلة الملكية" (85).
وقال أيضاً في العدد الذي يليه: "قلت في العدد الماضي أن مقابلة الأستاذ الهضيبي للملك البغيض المخلوع في [20] نوفمبر [1951]، قد أحدثت أثراً سيئاً في صفوف الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر، كما أحدثت نفس الأثر في التكتلات الشعبية التي كانت تنظر إلى الإخوان نظرة الغريق إلى من ينتشله، والتي كانت تنتظر الإمجاد التي لا بد أن يسجلها الإخوان في معركة القناة.... فلقد كانت المقابلة في وقت بدأت فيه الحكومة والسراي والاقطاع+ تلوي وجهها عما يحدث في القناة، وتدبر كيف تخلص من المأزق الذي وضعتها فيه تصرفات غير مدروسة ما كانوا يظنون أن الشعب سيتلقفها سريعاً ويمضي فيها بجد وبحق مهماً كلفه الأمر، ومهماً كان البون شاسعاً بين امكانياته الساذجة وبين إمكانيات جيش الاحتلال....
وقلت أيضاً أن علاقات النسب بين بعض كبار رجال السراي والأستاذ الهضيبي من ناحية وبينه وبين رئيس القسم المخصوص الذي كان يعمل بوحي الإنكليز من ناحية أخرى، قد أضفت على الموقف الكثير من علاقات الاستفهام وعلامات التعجب...." (86)
وتقول د. لطيفة محمد سالم: "وكانت الخطوة المثيرة، تلك الزيارة التي قام بها الهضيبي للملك بقصر القبة في مساء [20] نوفمبر [1951] واستمرت ساعة إلا ربع وأثارت التكهنات وبعثت القلق في الدوائر السياسية (87). وخرج المرشد العام منها ولم يفض بشيء عما تم في هذه المقابلة الرسمية سوى قوله: "زيارة كريمة لملك كريم" (88). لكنه روى فيما بعد فذكر أنه في نفس ذلك اليوم اتصل به عبداللطيف طلعت كبير الأمناء وأخبره أن الملك يريد مقابلته وحدد له السادسة مساء وطلب منه ألا يخبر أحداً وجرى اللقاء وأشاد فيه فاروق بضيفه من حيث نزاهته وعقليته، وأمل أن تكون رئاسته خيراً، وتكلم عن الدعوة وكيف انحرف البعض من الإخوان، وأبدى رغبته في نسيان لماضي، وعرج على ما يجب أن تقوم به الحكومة لخدمة الشعب، ثم تحول إلى الغرض الرئيسي موضحا: "إن الإنكليز سيخرجون من بلادنا حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين" فأجابه الهضيبي: "نعم الشيوعية تتنافى مع الدين بشرط أن يطبق بحذافيره ونراعي حق الفقير في ثروات الأغنياء"+ فوافق فاروق وطلب من مضيفه تبليغ إخوانه تحياته»(89)، واعترف المرشد العام بأن الملك حدد له وسيطاً وكان مكلفاً بخدمته وتنفيذ البرنامج الملكي، ومما يذكر أن فاروقاً لم يشر بأن يلتزم الإخوان سياسة معينة، لكنه عرف فيما بعد أنه اتفق على إحالة الجماعة إلى جمعية خيرية في مدى عشر سنوات على الأكثر، وطلب أن يتجنب الإخوان خوض الانتخابات في أي صورة من الصور حيث أن الإشتراك في الانتخابات ممارسة للسياسة (90)
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في مساء يوم المقابلة وعقب عودة المرشد العام إلى منزله وجد الوسيط ينتظره ودار بينهما حديث عرف منه الهضيبي المهام الموكولة لهذا الوسيط (91)
وينقل السفير البريطاني لحكومته ملخص المقابلة وبين أنها ارتكزت على الحوار حول الشيوعية كعدو رئيسي، ويسجل أن المرشد العام أكد أنه ليس لدي الإخوان النية في حمل السلاح وأنهم يساندون تطهير الإدارة، ويشير إلى أن اللقاء اتسم بالود، ويعلق على أن الهضيبي أصبح مقرباً من الملك، وتبعث لندن لسفيرها تبلغه بما يتردد على ألسنة البعض في السفارة المصرية حول قرار فاروق بشأن ضم الإخوان إلى جانبه، وأن ذلك يرجع إلى الرغبة في تكوين جبهة قوية ضد الوفد (92).
ومثل ذلك الواقع ففي تلك الفترة كان الملك يعد الأمر وينتظر اللحظة التي يعمل فيها ضد النحاس، وهذا ماصرح به حافظ عفيفي لعميد الجالية البريطانية في مصر حيث أوضح أن الاستقبال الملكي للمرشد العام نوع من التخطيط لذلك (93)
كما أن فاروقاً كان على دراية تامة بالوضع المتدهور الذي وصل إليه وفقدانه للشعبية نهائياً، ومن ثم أراد احتواء الجماعة علّها تعطيه جزءاً مما انتزع منه لما لها من تأييد شعبي ودور وطني وحتى لا تتحول إلى جبهة المعارضة وتتخذ موقفاً مضاداً له.
أما من ناحية الإخوان، فقد خرج الهضيبي من المقابلة فتوجه إلى المركز العام حيث اجتمع مكتب الإرشاد، وألقى تصريحاً موجزاً عنها، وعرض الاتجاهات الخاصة بالإخوان وخاصة ما يتعلق بالشيوعية، واشترك باقي الأعضاء في المناقشات التي كان لها طابع الحدة (94). ومما يدل على الاختلافات التي سرت بينهم، ولكن الهضيبي بحكم السلطة المخولة له أجرى بعض التعديلات في الجهاز السري حيث أبعد صالح عشماوي ومن على شاكلته نظرا لتضارب وجهات النظر ومن بينها الشكل الجديد للعلاقة مع الملك (95).
واستعاد الإخوان مكانتهم وعادت لهم ممتلكاتهم وأموالهم التي كان محجوزاً عليها، وقد أصبح ذلك ضرورة شرعية بعد حكم مجلس الدولة، ويستعرض السفير البريطاني للندن تحليلات هذا الإجراء، فيذكر أنه ترجم على أساس أنه محاولة من الحكومة لكسب الإخوان، وأن البعض يعزوه إلى أنه ثمرة التقارب بين الإخوان والقصر(96).
والقول الأخير هو الأقرب للصحة، ومضى المرشد العام في تحركاته وقام بزيارات إلى الأقاليم، خطب فيها وركز على تطهير الأمة (97)، كما صرح بإقصاء أعمال العنف وفي ذلك ما يرضي فاروق، +ونفي ما أشيع من أن الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص، وبين أن الكفاح العملي قد يأخذ صوراً مختلفة غير مقاطعة الإنكليز (98)، ومثل هذه التصريحات جعلت ستيفنسون يصف تصرفاته بالرزانة (99). (100).

13 - تهنئة الهضيبي لحافظ عفيفي (عميل الإنكليز) وما أحدثه من أزمة في صفوف الإخوان وغضب الهضيبي لذلك:
في نهاية عام [1951] عين الملك حافظ عفيفي المعروف بولائه للإنكليز رئيساً للديوان الملكي فذهب إليه الهضيبي ليهنئه وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه القصة:
يقول صالح عشماوي في مجلة الدعوة: "ففي يوم أول يناير سنة [1952] ظهرت الدعوة وفي صدرها مقال بقلم كاتب هذه السطور تحت عنوان [لا مفاوضة ولا معاهدة] جاء فيه «كان تعيين حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي بمثابة قنبلة في الميدان السياسي، ففي الوقت الذي كفر فيه الزعماء والوزراء بأسلوب المفاوضات، وفي الوقت الذي التقت فيه الحكومة مع الشعب - لأول مرة - علي طريق الكفاح والجهاد، وفي الوقت الذي يستحث فيه الشعب الحكومة لتسرع الخطي في هذه السبيل الوحيدة الموصلة لانتزاع الحرية المغصوبة والحقوق المسلوبة... في هذا الوقت يعين في هذا المنصب الخطير حافظ عفيفي (باشا) صاحب التصريح المشهور الذي (امتدح فيه معاهدة 1936، وأشاد فيه بالدفاع المشترك، وحبذ الاتفاق لا مع انكلترا فحسب، بل ومع أمريكا أيضا!) ثم مضينا نقول:«ولاعجب إذا فهم الشعب من هذه الملابسات والقرائن آن هناك اتجاها إلي العودة إلي المفاوضات والوصول إلي اتفاق سريع مع بريطانيا، وكان رد الفعل - السريع أيضا - مظاهرات قامت في الجامعات في القاهرة والاسكندرية أدت إلي غلقها، ثم انتقلت الحركة إلي المدارس الثانوية والصناعية، وانتشرت المظاهرات فشملت الأقاليم جميعا، وشاركت مدارس البنات ومدارس البنين» ثم علقنا علي هذه المظاهرات التي هتف فيها بسقوط الملك الفاجر «فاروق» فقلنا: «وتدل هذه الظاهرة علي احساس مرهف ووعي ناضج، للشعب عامة والطليعة المثقفة خاصة».
ثم يقول صالح عشماوي في نفس المقال «ولكن هذا الموقف كان أكبر من أن يتحمله، أو يتحمل مسئوليته بعض الرؤساء، فصدرت «الدعوة» وفي صدرها بيان يعلن للناس إن مجلة «الدعوة» لاتنطق إلا باسم صاحبها ولاتعبر إلا عن رأي محررها! وكان هذا البيان بمثابة اشارة الهجوم للبوليس السياسي ولرجال القصر. فقد توالت المصادرات المتتابعة لأعداد «الدعوة» والتحقيق معي بوصفي رئيس التحرير»(101).
ونحن ننقل هنا نص البيان لأهميته «بيان: جاءنا البيان التالي: يكرر المركز العام للإخوان المسلمين أن مجلة «الدعوة» لاتصدر عنه ولاتنطق بلسانه ولاتمثل سياسته وأنها صحيفة شخصية تعبر عن أراء صاحبها ولاتتقيد دعوة الإخوان المسلمين بما ينشر فيها.
عبدالحكيم عابدين
السكرتير العام» (102)

أبو عبد
04-11-2004, 06:35 PM
مواقـــف الإخـــوان مع الحكومـــــات في مصر خلال ستيـــن عامـــــاً


تمــــــــهيـــــد

كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية تحكمها أسرة محمد علي منذ عام [1805م]، واحتل الإنجليز مصر عام [1882م]، وصبغوها بالصبغة العلمانية الكافرة في التشريع والقضاء وفي التعليم والإعلام وغيرها. ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام [1914] - والتي حاربت الدولة العثمانية فيها ضد إنجلترا - سلخت إنجلترا مصر من التبعية للدولة العثمانية وخلعت على حاكم مصر لقب (سلطان) لأول مرة بما يشعر بتحرره من التبعية للسلطان العثماني، واستكمالاً للأطر العلمانية للدولة دفعت إنجلترا الطبقة التي اصطنعتها من أبناء مصر لوضع دستور علماني يرسخ أسس العلمانية في مصر، وكان هذا هو أول دستور مصري بل أول دستور يوضع في البلاد العربية وهو دستور عام [1923]، والذي يعتبر أساس جميع الدساتير المصرية التي وضعت بعده، بل أساس جميع الدساتير في البلاد العربية التي نقلت عنه. ولتدرك هذه الحقيقة سنورد فيما يلي بعض المواد من دستور [1923] مع إيراد مقابلها من دستور مصر الحالي الموضوع عام [1971].
(1) المواد الموجبة للحكم بالقوانين الوضعية.
في عام [1883م] - أي بعد عام واحد من الاحتلال الإنجليزي لمصر - تم إصدار القوانين الوضعية المنقولة أساسا من القانون الفرنسي للحكم بها في المحاكم بمصر، وحلت القوانين الوضعية محل أحكام الشريعة الإسلامية التي لم يعد يطبق منها إلا بعض الأحكام المتعلقة بالأسرة (أو ما يعرف بالأحوال الشخصية).
وقد صدر دستور[1923] ليؤكد إلزام المحاكم والقضاة بالعمل بهذه القوانين، وحذت بقية دساتير مصر حذو دستور [1923] في هذا الشأن وإلى اليوم، ومن المواد الدستورية الملزمة بهذا الكفر:
أ - في دستور [1923]، مادة [6] (لاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون) وهي نفس المادة [66] من دستور [1971].
ب - في دستور [1923]، مادة [31] (تصدر أحكام المحاكم المختلفة وتنفذ وفق القانون) وهي نفس المادة [165] من دستور [1971].
ج - في دستور [1923]، مادة [125] (القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون) وهي نفس المادة [166] من دستور [1971]لا.
(2) المواد الموجبة للعمل بالديمقراطية.
أ - في دستور [1923]، مادة [23] (جميع السلطات مصدرها الأمة) وهي نفس المادة [3] من دستور [1971] والتي وردت بلفظ (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات).
ب - في دستور [1923]، مادة [24] (السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلسي الشيوخ والنواب) وقسمت هذه المادة في دستور [1971] إلى مادتين، مادة [86] وتعطي حق التشريع لمجلس الشعب، ومادة [112] وتعطي حق إصدار القوانين لرئيس الجمهورية.
وهذه المواد تعطي حق التشريع للبشر، وهذا الشرك الأكبر هو لب الديمقراطية، فلا سيادة إلاّ لله تعالى ولا حق لبشر في التشريع لخلق الله تعالى، سبحانه وتعالى عما يشركون.
ويتولى رئيس الدولة (الملك أو رئيس الجمهورية) كما يتولى الوزراء سلطاتهم بموجب هذا الدستور الذي يوجب عليهم التزام الدستور والقانون الوضعي. فينص دستور [1923] في مادته [50] على أنه (قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)، وهو نفس مضمون المادة [79] من دستور [1971] المتضمنة لليمين التي يؤديها رئيس الجمهورية. وتولى على أساس هذه الدساتير الملك فؤاد حتى عام [1936]، ثم الملك فاروق [1936،1952]، ثم محمد نجيب [1952،1954] ثم جمال عبدالناصر [1954،1970]، ثم أنور السادات [1970،1981]، ثم حسني مبارك [1981 ،....]، وأسس حسن البنا جماعة الإخوان عام [1928] بمدينة الإسماعيلية ثم نقل نشاطها إلى مدينة القاهرة عام [1932] في عهد الملك فؤاد. وسترى كيف امتدح الإخوان هذه الدساتير الكافرة وشاركوا الحكومات في وصف الدساتير بالشرعية، كما سترى كيف امتدح الإخوان هؤلاء الحكام بلا استثناء بما يطمس معالم التوحيد ويضيع عقيدة الولاء والبراء، كما أصبح الإخوان عوناً للحكام المرتدين في تسفيه المجاهدين النافرين لدفع الكفر والكافرين ورميهم بصفات التطرف والإرهاب.
وهذا أوان سرد الوقائع الدالة على صدق ماذكرناه عن الإخوان على مدى تاريخهم، وسوف يتضمن هذا الباب أربعة فصول:
الفصــل الأول : عن علاقة الإخوان بالملك.
والفصل الثــاني : الإخوان ورفض الخروج على الحاكم مع الإلتزام بالدستور والقانون.
والفصل الثالـث : الإخوان والأحزاب.
والفصل الرابـع : مقتطفات متفرقة.

الفصل الأول:
الإخوان والمـلك

1 - إظهار التأييد للملك في صحف الإخوان ورسائلهم والعديد من مواقفهم
لم يَكُفّ الإخوان عن إظهار تأييدهم للملك منذ أن كونوا جمعيتهم في الإسماعيلية رغم مادبره الملك ضدهم.
وعن بداية هذه العلاقة يذكر الشيخ البنا في مذكراته أنه في فترة وجود الجماعة بالإسماعيلية وشى به البعض لدي السلطات واتهموه بالسب في الذات الملكية، وثبت من التحقيق بطلان التهمة وأن البنا كان يملي على طلبته موضوعات في الثناء على الملك ويعدد مآثره كما أنه دفع العمال يوم مرور الملك بالإسماعيلية إلى تحيته وقال لهم: "لا زم تذهبوا إلى الأرصفة وتحيوا الملك حتى يفهم الأجانب في هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه، فيزيد احترامنا عندهم" وكان ذلك دافعاً لأنّ يكتب أحد رجال البوليس تقريراً بهذه المناسبة يقترح فيه تشجيع الحكومة للجماعة وتعميم فروعها في البلاد لأن في ذلك "خدمة للأمن والإصلاح" (1).
أما عن دعوة الخلافة فإن جريدة الإخوان المسلمين قد نادت بها لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم. (2) وقد طالب كثير من الحكام المرتدين بالخلافة الإسلامية لأنفسهم بعد إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً عام [1924]، كان منهم الملك فؤاد ثم ابنه فاروق وكلاهما كان يحكم بمقتضى دستور [1923] العلماني.
وأمام ازدياد نشاط المبشرين وقعت الجماعة خطاباً إلى الملك فؤاد سنة [1933] تطلب فيه وضع حد لهذا النشاط، واختتمت نداءها بكلمة: "لازلتم للإسلام ذخرا، وللمسلمين حصنا" (3). وعندما مات فؤاد رثته صحيفة الإخوان بمقال بعنوان [مات الملك يحيا الملك] كان الغرض من ورائه هو جذب عطف ولي عهده الملك الجديد - فاروق - الذي كان يتولى رعايته رجل ديني هو الشيخ المراغي - على أسلوب الجماعة ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان كما ذكر المقال - يتحلى بها والده (4)، وكما والت الصحيفة نشر عدة مقالات تدور حول هذا الغرض تصف فيها فاروق: "بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله واتباع أوامره، واجتناب نواهيه" (5)
وتحت عنوان [جلالة الفاروق المثل الأعلى لأمته] تولت جريدة الإخوان المسلمين مهمة تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين كيف ملك قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه إلى مسجد أبي العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتي بالقصص التي تنم على أن هناك الأبناء الفاسدين قد قوموا وعرفوا طريق المساجد وانصرفوا إليها، والسبب أنهم اتخذوا من الملك الأسوة الحسنة، وبالتالي اعتبرته المثل الأعلى لأمته.(6).
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [حامي المصحف] ليثبت المعنى وينشر الدعوة، فيذكر أنه أثناء رحلة فاروق للصعيد أخرج أحد المرافقين له فصاً أثريا وقال إنه الذي يجلب له الحظ والخير، وأخرج آخر مفتاحاً وادعى مثل هذه الدعوى، فما كان من فاروق إلاّ أن أخرج مصحفاً وقال : "إن هذا هو مفتاح كل خير عندي" ويصل زعيم الإخوان إلى أنه إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه في الدنيا والآخرة فحسب ولكنه بذلك يضمن لمصر "حسن التوجيه ويحول بينها وبين العناد ويقيمها على أفضل المناهج ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو في الوقت نفسه يضمن ولاء أربعمائة مليون من المسلمين في آفاق الأرض وتشرئب أعناقهم وتهفوا أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامي للمصحف فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف، وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله ياجلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك".(7)
وفي التاسع والعشرين من يوليو [1937] انتهت الوصاية على فاروق حيث بلغت سنه ثمانية عشر عاما قمرية وأصبح ملكاً رسمياً على البلاد وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفاً أو يزيد - تشاركهم جماعة الشبان المسلمين - من فرق الرحالة (الجوالة) ووفود شعبهم في الأقاليم وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، ولم يحدث مايعكر صفو المظاهرات.
وانهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين - رافعين أعلامهم يهتفون: "الله أكبر ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله" (8).
وجاء زواج الملك سنة [1938] ليحدث مايعكر صفو العلاقات بين جماعة الإخوان والملك فقد اعتكفت عن المشاركة في حفل الزواج لما حدث به من اختلاط ورقص وخمور في وقت ينادونه فيه بأمير المؤمنين، وألقت اللوم في ذلك على الشيخ المراغي وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام، لكن الجماعة مع ذلك أعلنت عن عدم تخليها عن تأييد الملك والسعي معه لتحقيق أمنية الخلافة وأعلنت صحيفتهم إنهم يهبونه الروح (9).
ونشرت جريدة الإخوان في هذه الفترة عدة مقالات لكتاب تابعين للملك وقد لقب أحدهم نفسه بـ "المحرر العربي بالديوان الملكي الإسلامي" (10)
وكان الإخوان قريبي عهد بالخروج إلى المعترك السياسي، فدعوا إلى إلغاء الأحزاب السياسية واستعدوا لخصومتهم لكنهم في الوقت نفسه أكّدوا استمرار علاقتهم بالقصر الذي لقي في دعوتهم استحسانا لما ستؤدي إليه من توسيع سلطانه، فتنشر جريدة النذير في عددها الأول مايؤكد ذلك حيث يقول البنا في نهاية المقال الإفتتاحي: "وإنّ لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملاّ محققاّ" (11).
ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ساءت فيه علاقة فاروق بوزارة محمد محمود، انقلب الإخوان عليها، وكان واضحاً تعاطفهم مع علي ماهر ورغبتهم في توليه السلطة واعتبروا أن السبيل للحكم الصالح إلغاء الأحزاب. ويكتب حسن البنا في النذير مقالا بعنوان [إلى مقام صاحب الجلالة الملك فاروق الأول] يرفع فيه المرشد العام الرجاء للملك بناء على الجهر بالحق وتقديم النصيحة، بين حاجة مصر إلى الوحدة والاستقرار، ويمس الوتر الحساس لدي فاروق، فيشير إلى أن مصر زعيمة للعالم الإسلامي، وعليه لا بد أن تكون القدوة، والإسلام لا يعرف الفرقة ولا يقر الخصومة والتمزق ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية (12).
وتغالي جريدة الإخوان المسلمين في مدح فاروق بل قد وصل الأمر بالصحيفة إلى التغني بمكارمه والإشادة إلى تأثر رجال الوعظ والإرشاد به وقولهم الشعر فيه رغم أنهم لا يصوغونه إلاّ لدافع قوي يتصل بمهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الشعر الذي يعبر عن رجاء أن يُظل التاج المصري يوماً الأمم العربية والأعجمية ويستعيد الإسلام مجده، وتنتهي إلى أن الإخوان المسلمين يعقدون الآمال على الملك في خدمة الإسلام والمسلمين (13)
وفي ذكرى عيد الجلوس الملكي رددوا يمين الولاء لفاروق في ميدان عابدين "نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله" (14).
وتحت عنوان [الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين] لا تعتبره النذير مجرد خليفة ولكنها أصرت على أنه يحيي سنة الخلفاء الراشدين وذلك على إثر خطبته في رمضان والتي حملت بين طياتها الترضية للجماعة فيما يختص بالسعي لخير مصر والأمم الإسلامية (15). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق، فحين يتقرر عودته إلى القاهرة، يصدر مكتب الإرشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم، ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (16)
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [ملك يدعو وشعب يجيب إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين] مواصلا جهوده ليعتمد فاروق على الجماعة، فيرفع إليه صورة من المظاهر التي لا تتفق مع الإسلام من بؤر الخمور ودور الفجور وصالات الرقص وأندية السباق والقمار والمرأة السافرة المتبرجة، وكيف أن حدود الله معطلة، ويطلب منه أن يصدر أمراً ملكياً بألاّ يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام "فإنه مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة... إن الجنود على تمام الأهبة، وإنّ الكتائب معبأة وقد طال بها أمد الانتظار" (17). فانظر كيف جعل البنا أتباعه جنوداً لملك كافر.
ويأتي حادث4 فبراير [1942] - وفيه فرض الإنجليز على الملك أن يولي الوزارة للوفد بقوة السلاح - وتزداد كراهية الإخوان للوفد ولكن الملك لم يسترح لحسن البنا الذي استخدم سياسة منتصف العصا بين الوفد والملك وادرك فاروق ذلك ومن ثم تصرف المرشد العام بسرعة، وبإعادة إصدار صحيفة الإخوان في [29] أغسطس[1942]، يتصدر الغلاف صورة فاروق وفي يده المسبحة، ويذهب وفد برئاسة حسن البنا إلى قصر عابدين لرفع هذا العدد "إلى صاحب الجلالة الملك المحبوب أيده الله"، وتتكرر نفس الصورة مرة ثانية مع الاحتفال بعيد الهجرة، ومرة ثانية وهو ملتح وكتب تحتها "القدوة الصالحة" (18). وراحت بعض الأقلام تسطر عن تاريخ محمد علي ومآثره (19)
ويرأس حسن البنا وفداً من المركز العام ويسافر به إلى القصاصين عقب حادثة الملك، وتنتقل إليها وفود من شعب الأقاليم وفرق الجوالة وتصفهم صحيفة الإخوان بأنهم "يحدوهم جميعا شعورهم نحو مليك البلاد حفظه الله وعجل له بالعافية وسرعة الشفاء" (20) وتشيد بفاروق عندما ترك الاحتفال بعيد ميلاده وذهب إلى الصعيد "يواسي المنكوبين منه ويزور الفقراء المعدمين ويصلهم بعطفه وبره" (21).
بهذه الصورة أثبت الإخوان ولاءهم للملك حرصاً منهم على المحافظة على الأرض التي اكتسبوها، وإيماناً بأن الحكومات غير مستقرة ولكن العرش ثابت (22)
وبإقالة الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الانعطاف كلية نحو القصر والحصول على المساندة الملكية، وراحت صحيفة الإخوان تظهر رياءها للملك، فتنتهز فرصة عيد ميلاده [1945] فيحمل غلافها صورته (23)، وتسطر بأن عيد الملك هوعيد الشعب وأن الحب الذي يكنه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل (24)، ويشيد حسن البنا في مقاله [رحلة الحجاز] بالمقابلة بين فاروق وابن سعود، ويبعث ببرقية باسم الإخوان إلى رئيس الديوان لرفعها للملك يهنئه فيها بسلامة العودة وأنه "يعز الإسلام والعروبة بالفاروق العظيم" (25).
وفي عريضة بعث بها حسن البنا إلى الفاروق في نهاية يونيو [1945] يطالبه بإلغاء الأحكام العرفية ويختمها بقوله: "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء الفاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة" (26)
وفي حديثها عن سياسة فاروق العربية تشيد صحيفة الإخوان بهذا وتقول: "إن هذه الصلات الكريمة بين جلالتكم وبين ملوك العرب وامرائهم ورؤساء حكوماتهم لتعتبر قوة كبرى" (27)
وبمناسبة لقاء فاروق بابن سعود تشيد بجهود الأول في تدعيم النهضة الإسلامية وبناء الجامعة العربية، وتتصدر صوره مع الضيوف العرب صفحاتها (28)
وبمناسبة تولي صدقي للوزارة يقف زعيم الإخوان في الجامعة ليوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد -(29).
وتمضي صحيفة الإخوان في طريقها، فيبعث المرشد العام برسالة إلى الملك. عندما بدأت المفاوضات - مفاوضات الجلاء بين صدقي والإنجليز - مشيراً إلى أنه معقد الآمال والرجاء (30)
واستمرت المجلة على نهجها واحتلت صور فاروق أغلفتها، وهو قائم يصلي وهو يستمع إلى آيات الذكر الحكيم وهو يحتفل بالمناسبات الدينية، وتقيم فرق الجوالة الاحتفالات بالمناسبات الملكية، ويخطب المرشد العام ليهنئ ويدعو أن يعز بالفاروق الإسلام (31).
وقامت حرب فلسطين، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم، وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية (32).
وتكتب بمناسبة ذكرى تولي فاروق سلطاته الدستورية تقول: "إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4 فبراير المشؤم قد أظهرت وطنية الملك المفدي في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يامولاي ماشئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين"(33). هذا في الوقت الذي كان فيه فاروق متورطاً في قبض عمولات من صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري بفلسطين وكانت القضية منظورة أمام المحاكم، وكان فاروق في هذا الوقت - منتصف [1948] - قد بلغ الغاية في المجون والفجور وقد شاعت فضائحه الاخلاقية في شتى أنحاء مصر.
ويرسل حسن البنا على صفحات النذير في[8] المحرم [1358هـ] هذه الرسالة إلى فاروق التي وصفتها مجلة الدعوة فيما بعد بـ [الكلمات الخالدة]: "اعتقد ياصاحب الجلالة أن الإخلاص للإسلام والعرش والوطن يفرض على أن أضع تحت نظركم السامي صورة مصغرة جداً من المظاهر العجيبة التي تتنافى مع الإسلام" ثم يقول أيضاً: "يا صاحب الجلالة، حدود الله معطلة لاتقام وأحكامه مهملة لايعمل بها في بلد ينص دستوره على أن دينه هو الإسلام" و يسترسل في وصف المفاسد ثم يختم رسالته بقوله: "قلها كلمة منقذة، واصدره أمراً ملكياً كريماً، ألاً يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام" (34).
ولا تنسي مجلة الدعوة تهنئة فاروق بعيد جلوسه على العرش فعلى غلاف العدد [15] تظهر صورة الملك في وسط الصفحة وبجانبها كتبت المجلة "عيدان سعيدان احتفل يوم الأحد الماضي في جميع أنحاء وادي النيل بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول على عرش أجداده العتيد....
كما احتفل بزواج جلالته بحضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان.....
والدعوة إذ تتقدم بعظيم التهنئة بالعيدين، تبتهل إلى الله العلى الكبير أن يحفظ ذات الملك وأن يجعل أيامه كلها أعياد سعيدة وأن يعزه بالإسلام ويعز الإسلام به" (35)
في الوقت الذي كانت المظاهرات تهتف ضد مباذل فاروق حتى لقد هتفت الجماهير عندما طلق زوجته الأولى "خرجت الطهارة من بيت الدعارة"، ولكن مجلة الدعوة أيضاً في السنة التالية لم تفوت فرصة عيد الجلوس الملكي، ففي العدد [64] وقبيل انقلاب يوليو بحوالي شهرين ونصف تظهر صورة فاروق على الصحفة الأولى وبجانبها كتبت الملجلة "عيد الجلوس الملكي، تحتفل مصر اليوم بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان على عرش آبائه وأجداده، ونحن إذ نرفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى الأسرة المالكة الكريمة أجل تهانينا.... ندعو الله مخلصين أن يجيء هذا العيد الميمون في العام المقبل ووادي النيل يرفل في حلة قشيبة من حلل الحرية الحقة والاستقلال الكامل والوحدة المنشودة"(36).
ولكن المولى جلت حكمته لم يستجب دعاءهم فلم يأت هذا العيد الميمون في أي عام تال، وحلت محل صور فاروق صورة محمد نجيب على عدد خاص أصدرته الدعوة عن حركة الجيش (37).
أما حسن الهضيبي ففور تعيينه مرشداً عام يذهب إلى قصر عابدين في [14/11/1951] ليوقع في سجل التشريفات مظهراً تأييده وطاعته لقاتل شيخه ويصحبه في ذلك لفيف من قادة الإخوان ونشرت صحيفة الجمهورية صورة موثقة من التوقيعات (38).
وتشكك د. لطيفة محمد سالم في أن كل من كتب اسمه قد صاحب المرشد نتيجة الصراع داخل الإخوان حول هذا التصرف ولكنها تؤكد أن المرشد قد ذهب ومعه بعض القيادات (39).
أمّا عن زيارة حسن الهضيبي للملك في [20/11/1951] فسنفرد لها فقرة خاصة لأهميتها ولكننا نسجل هنا أن حسن الهضيبي قد زار قصر عابدين فيما نعلم ثلاث مرات (إن لم يكن أكثر) ليوقع في سجل التشريفات، مرة عند تعيينه وقد ذكرناها.
والمرة الأخرى في [16/1/1952] يتوجه للقصر مهنئاً بمولد ولي العهد في وقت كانت الجموع تهتف في الشوارع ضد فاروق، وضد فساده.
والمرة الثالثة يوقع في سجل التشريفات في [25/5/1952] رافعاً ولاءه مستنكرًا هذه الصيحات التي تعالت ضد الأعتاب السامية مبرئاً الإخوان من الاشتراك في مثل هذه الأعمال (40).
ومن الطريف أن أحد كتاب الإخوان وهو فريد عبدالخالق بعد كل هذا يقول إن الهضيبي "كان الوحيد بين الزعماء السياسين الذي لا حاجة به إلى مصانعة الملك"؟؟؟ (41).
وأختم هذه الفقرة بكلمتين لعمر التلمساني لا أظنه يحترم فيهما ذهن القارئ ويدخلان تحت قول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحــكات ولكنـه ضحــك كالبــكا
أما الأولى فيقول عن فاروق: "واستقبله الإخوان استقبالاً باهراً، لا ليظهرواً قوتهم أمامه، ولكن ليعربوا عن فرحتهم به، وليعلم أن القوة والمنعة في الإسلام"!! (42).
أما القول الثاني فقوله: "من يدري لو لم تقم حركة الإخوان المسلمين في مصر عام [1928] ماذا يكون الحال أيامنا هذه؟! كان الملك فاروق رحمنا ورحمه الله مستقراً على عرشه تسنده قوة الجيش والشرطة"(43)
وسوف يرى القارئ فيما بعد كيف يوزع عمر التلمساني الرحمات على من حاربوا المسلمين وقتلوهم وعذبوهم، اللهم أدركنا برحمتك ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.
2 - الجوالة والملك:
استغل حسن البنا استعراضات الجوالة ليظهر قوة الجماعة ويظهر بها أن جماعته القوية تؤيد الملك وتسانده، فقد كان أول ظهور للجوالة في شكل استعراض عند تنصيب الملك فاروق على عرش مصر [1937] (44).
وتستمر احتفالات الجوالة بالمناسبات الملكية فتشارك في الاحتفالات بعودة الملك للقاهرة بعد اصابته في حادث سيارة في القصاصين (45). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق فحين يتقرر عودته للقاهرة، يصدر مكتب الارشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (46)
وزار الملك عبدالعزيز آل سعود مصر فكانت فرصة لاستعراض الإخوان لجوالتهم أمام شرفة قصر الضيافة وكان يقف إلى جواره أحمد السكري الوكيل العام للإخوان واندس حسن البنا بين الجماهير يشاهد الاستعراض وتكررت الاستعراضات في عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه (47) وتصف النذير الجوال بأن عليه أن يكون مخلصاً لله وللوطن وللملك ولوالديه ولرؤسائه ومرؤوسيه (48).
3 - عقد المؤتمر الرابع للإخوان المسلمين:
عقد الإخوان المسلمين مؤتمرهم الرابع عام [1937] بمناسبة تتويج فاروق خلفا لوالده وللاحتفال بهذه الذكرى (49).

4 - السعي للمناداة بالخلافة لفاروق:
سعت صحف الإخوان إلى المطالبة بإقامة الخلافة وتولية فاروق لها واغراءه بذلك.
فتحت عنوان [الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم] نادت بالخلافة لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم (50)، وحين انتقدت مجلة الإخوان المسلمون المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك وجهت اللوم للشيخ المراغي!! لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام وكتبت هذا المعنى في مقالات تحت عناوين [هدية الإخوان المسلمين إلى عرش مصر]، "إلى الأستاذ الأكبر أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟" كما أكدت مجلة القلم الصريح هذا المعنى تحت عنوان [الخلافة الإسلامية] وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة تقضي على المفاسد وبخاصة البغاء والخمور (51).
ولقد قرر الدكتور زكريا سليمان بيومي المتعاطف مع الإخوان المسلمين كما يصف نفسه في مقدمة بحثه عن الإخوان المسلمين وأن نظرته منبثقة من داخل الحركات الإسلامية (52) - هذا الأمر حيث يقول: "إن الجماعات الإسلامية (ممثلة في جماعتي الإخوان وشباب محمد) قد هادنت القصر بل مالأته أحياناً ونادت له بالخلافة رغم معاداة سلوكه - في الغالب - للحركة الوطنية والشريعة الإسلامية مما اعتبر جنوحاً من هذه الجماعات إلى طريق معاداة الحركة الوطنية فضلاً عن إسهامها في الإساءة إلى منصب الخلافة نفسه" (53).
وكما رأى القارئ مما سبق، وكما سيرى - إن شاء الله - مما يلي، كيف أفرط البنا والإخوان في مدح الملك والثناء عليه ووصفه بالإسلام والتقوى، وهو ملك مرتد كافر فاجر يحكم البلاد بموجب دستور علماني وقانون وضعي. إن هذا المسلك الإخواني يطمس التوحيد والإيمان، ويميع عقيدة الموالاة والمعاداة، ويُعَمِّي على المسلمين أعداءهم بخلاف ما أمر الله تعالى به من وجوب معرفة المجرمين وسُبُلهم، قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} [الأنعام]، فالله يريد أن يبين لنا سبيل المجرمين، والإخوان يُعمُّون على هذا السبيل حتى لا يعرف المسلم صديقه من عدوه، وحتى يقع المسلم فريسة سهلة لعدوه وهو في غفله.
ولم يكتف الإخوان بهذا التمييع العقائدي بأقوالهم ومواقفهم، بل أصَّلوا هذه الميوعة تأصيلاً شرعياً وجعلوها من عقائدهم عندما أعلن مرشدهم الثاني حسن الهضيبي مبدأ "دعاة لا قضاة" وألف كتاباً ينهي فيه أتباعه عن الخوض في مسألة الحكم الشرعي في الواقع الذي يواجهونه. وكان عاقبة هذا الخلل الشرعي أن دخلت حشود الإخوان السجون والمعتقلات مرة تلو أخرى، ليخرج بعضهم من السجون وكل منهم قاض يحكم على غيره بالكفر دون ضابط ولا وازع، وكل هذه الضلالات يحمل وزرها قادة الجماعة الذين لم يبصروا أتباعهم بحكم الواقع الذي يواجهونه.
قال رسول الله e: «كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته» الحديث، متفق عليه.
وقال رسول الله e: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» الحديث، رواه مسلم.
فهل يعتبر الإخوان بهذا؟، وهل تعتبر بقية الجماعات الإسلامية بهذا؟، قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر].
5 - التفاهم مع الملك على إزاحة النقراشي في مقابل اظهار التأييد للملك في فبراير [1946].
يحكي أحمد عادل كمال عن هذه الحادثة ووقتها كان طالباً في الجامعة فيقول: "وفي منتصف الليل تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي الحلمية الجديدة أمام البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش... حسن البنا. وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا. وكان موقف حسن البنا حاسماً وواضحاً... لقد أساء النقراشي بالاعتداء على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثماً إلاّ لمطالبة بأمانينا القومية... إنهم لم يطلبوا إلاّ جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لا بد أن يخرج النقراشي من الوزارة ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك"
ويقول أيضا: "وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب. اتصل بي عمر أمين سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالباً بكلية الهندسة وطلب إلى الحضور مندوباً عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبدالمنعم بـ "الدقي" لمقابلة رئيس الديوان الملكي!، وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر الكليات.
كنت في العشرين من عمري، وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ /مصطفى أمين، وكان هو نفسه حاضراً، كما شهد جانباً من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي للقصر الملكي.
وجاء الباشا وكان حريصاً كل الحرص إن يتباسط معنا في الحديث، وذكر أن الملك شاب مثلنا وأنه يحبنا لأننا من جيله ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم يكن منتبهاً فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك الأمر ولكن بعد فوات الأوان. واستمر يقول إنه لذلك فهو - جلالة الملك - عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة. وأجبنا بأن النقراشي أساء وضربنا، وقال هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك وأنه كان باستطاعتنا أن نشكو النقراشي إلى الملك.
قلنا إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين وزج بإخواننا في السجون ومازال يبحث عنا للقبض علينا!
وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة: النقراشي يخرج من الحكم ويفرج عن المقبوض عليهم وتحفظ القضايا.
ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين تهتف بحياة الملك! حفاظا على كرامتنا في البلاد وقد ضحى الملك بالنقراشي وكان كل مايهمه هيبته هو" (54). وكان مايهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن إخواننا.
وسوف ترى يا أخي أن هذا النقراشي سيأتي مرة أخرى للحكم وسيؤيده الإخوان ثم سيهاجمونه ويقتلونه لأنه خائن.
أما الذي أتى بعده فهو إسماعيل صدقي عميل الإنكليز والمقرب إلى كبار أثرياء اليهود وسيؤيده الإخوان ثم يهاجمونه.
ولا تســـألني كيــف ولماذا إنهم الإخوان... وإنه تاريخهـم!!!!.
6 - تدخل للملك لإعادة البنا بعد نقله والإفراج عنه بعد إعتقاله [1941م]
تدخلت السراي إلى جانب البنا لإعادته إلى القاهرة بعد نقله إلى الصعيد بأمر من حسين سري - رئيس الوزراء - وبوحي من الإنكليز. وكذلك تدخلت للإفراج عنه ووكيله بعد اعتقالهما سنة [1941] (55).
7 - اتفاق حسن البنا مع الملك علي محاربة الشيوعية تحت لوائه:
بعث حسن البنا إلى فاروق بعريضة في أواخر [1945]: "أشار فيها إلى الأفكار القلقة التي تهدد القواعد الأساسية للمجتمع وأن السبيل إلى مواجهتها هو الاعتصام بحبل الله "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء فاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة"(56).

8 - دعــم المـلـــك للجمـاعـــــــة:
ينقل محمود الصباغ عن العدد [45] من مجلة المسلمون البرقية التالية للسفير البريطاني عقب إعادة البنا بتأثير السراي من الصعيد بعد أن نقله حسين سري رئيس الوزراء بإيماء من الإنكليز.
"إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد."
وقال السفير: "لا شك أن الجماعة استفادت كثيراً من محاباة القصر لها" (57).
وتنقل د. لطيفة محمد سالم عن تقارير الخارجية البريطانية عن وضع الإخوان أثناء وزارة حسن صبري مايلي: "ولم يمسهم الضرر أثناء وزارة حسن صبري حيث ساندهم القصر وواصل إمدادهم بالإعانات المالية التي بدأت منذ [1940]" (58).
كما تنقل أيضاً أن لا مبسون يشكو لحكومته من الجماعة ويبين أنها مستمرة في العمل ضد بريطانيا بتشجيع من القصر (59).
وتنقل أيضا أن الملك قد أوقف المعونات المالية التي كانت تتلقاها الجماعة من القصر ولم يعد هناك تفاهم محدد بين الطرفين بعد اتفاق حسن البنا والنحاس على تنازل البنا عن ترشيح نفسه في مقابل بعض التنازلات من الحكومة (60).
وتذكر أيضاً أنه بسقوط الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته وكان على الإخوان الإنعطاف كلية بجانب القصر وإسقاط الفجوة القائمة والحصول على المساندة الملكية، وهذا ماسعوا إليه (61)، وتنقل أيضا إن الملك ذكر للسفير البريطاني أنه على صلة وثيقة بهم، ويشير الي انتشارهم، لكنه يطمئنه بأنهم لا يتدخلون في السياسة (62)
وتذكر أيضاً نقلاً عن مذكرة والترسمارت المستشار الشرقي للسفارة البريطانية حول لقائه مع حسن رفعت وكيل وزارة الداخلية في حكومة النقراشي الذي أخبره أنه ليس هناك ضرر من أن يعطي فاروق لهم بعض التشجيع لأنهم أحسن أداه لمحاربة الشيوعية كما صرح حسن رفعت بأن حسن البنا قد تلقى أموألاً من الاّ يطاليين وألاّ لمان والقصر والوفد لتوسيع تنظيمه (63).
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن الملك ساند الإخوان كوسيلة لمحاربة الوفد في وزارة النقراشي الأولى، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمح النقراشي للإخوان في سبتمبر [1945] بعقد المؤتمر العام لنواب الأقاليم في الوقت الذي منع فيه كل المؤتمرات والاجتماعات، وترتب على ذلك أنهم حصلوا على حرية التجوال والتنقل، وهذا ماكانوا يسعون إليه (64)
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، ويستاء القائم بالأعمال البريطاني لذلك وأنه مع حكومته أصبحا مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة وبالفعل فقد قدمت الجماعة خدماتها في مشاركتها في الحملة على الشيوعيين.
وانعكس الرضا الملكي على الجماعة، فدعى حسن البنا إلى إحدى ولائم قصر عابدين، وجاء في الدعوة أن الحضور بالردنجوت، فاعتذر لأنه لا يملك المال الذي يشتريه به (65). وتنقل د. لطيفة أيضاً عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر [1948] أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإ خوان لأنهم التنظيم الديمابوجي الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروقاً من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة الوفد للحكم (66)

9 - استشارة المـلـك للبنا في تعيين إسماعيل صدقي رئيساً للوزارة:
ولن نسهب هنا في تفاصيل علاقة إسماعيل صدقي بالإخوان، فسنفرد لها موضعاً خاصاً، ولكننا هنا نتناول واقعة استشارة الملك لحسن البنا في تعيين صدقي. تقول د. لطيفة محمد سالم: "عندما وقع اختيار الملك على تولي إسماعيل صدقي الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق.
فقد سر المرشد العام من أنه أصبح يستشار في السياسة العليا ووافق موافقة تامة على الإختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة، ذهب إسماعيل صدقي إلى المركز العام للإخوان وترك بطاقة، ورد له حسن البنا الزيارة. ووقف زعيم الإخوان في الجامعة يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد" (67)
10 - سعـى البنــا للقــــاء المـلـك:
حاول حسن البنا لقاء الملك لطمأنته بأن الإخوان لا يريدون به شراً فيما بين يدينا من مصادر ثلاث مرات، منها واحدة اعترف بها عمر التلمساني في مذكراته وهي التي كانت عن طريق طبيب الملك يوسف رشاد وزوّج إحدى عشيقاته ناهد رشاد (68). ويجمل التلمساني الواقعة فيقول: "وفعلاً التقى طبيبه (أي الملك) الخاص يوسف رشاد بالإمام الشهيد، ولكن الأيدي التي لا تضمر خيرا لشرع الله زرعوا في قلبه (الملك) الخوف من الإخوان" (69).
أما تفاصيل هذه الواقعة فقد بدأت عندما اتصل محمد أنور السادات - عقب خروجه من المعتقل - بالمرشد العام، فأفصح الأخير عن أن المتاعب تأتيه من ناحيتين، ناحية الملك، وناحية الأجانب، وبين أن فاروقاً يشعر بخطورة دعوة الإخوان على أساس أنها تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة، وعليه فإنه يخشى أن يضرب ضربته والحركة لم تبلغ بعد أوج قوتها.
وذكر أن الأجانب يمكن أن يطمئنوا للدعوة لو اطمأن إليها الملك، وأنه يستطيع أن يكسب ذلك لو تقابل معه حيث يمكنه أن يزيل من نفسه الأوهام والشكوك، في الوقت الذي أوضح فيه أنه لا يريد أن يبدأ معه سياسة وفاق أو تعاون، وطلب من السادات التوسط للتنفيذ لدي صديقه يوسف رشاد، وتمت المهمة، وطلب فاروق أن يقابل يوسف رشاد المرشد العام ويستمع إليه وينقل له الحديث ليرى إن كان يقابله، ثم عاد الملك وألغى ما ارتآه، وتكررت المحاولة مرة أخرى، وانتهى الأمر باللقاء، وجرى الحديث الذي خرج منه يوسف رشاد مقتنعاً بخلوص نية حسن البنا نحو الملك والتي استبعدها فاروق.
ولكن الارتياب عاد إلى نفس السادات من البنا لاستمرار علاقة الأخير بالقصر عن طريق غير يوسف رشاد (70).
أما المحاولة الثانية فكانت في نهاية [1948] لما ظهرت في الأفق فكرة حل الجماعة ولم تكن فكرة حل الجماعة وليدة لحظتها، وإنما رددت حولها الأقوال مما ألجأ حسن البنا إلى مرتضى المراغي وكان مديرا للأمن، وتحدث معه بشأن خطورة تنفيذ هذا الإجراء، وأبدى غضبه على النقراشي واتهمه بأنه يكيل التهم للإخوان لدي فاروق وتتضمن أنهم يريدون قتله وينبذون تصرفاته، ورفض المرشد العام وساطة مرتضى المراغي عند النقراشي وبين أنه ممكن الصبر عليه لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، أما الملك فهو باق، وطلب أن ينقل له رسالة شفوية بأن الإخوان لا يريدون به شراً ولا ينبذون تصرفاته وإنهم ليسوا بقوامين عليه، ورجاه أن يقنعه بالعدول عن اتخاذ تلك الخطوة واعتبرها جريمة نكراء، ولكن عندما عرض مدير الأمن العام على مسامع رئيس الوزراء الرسالة عارض في توصيلها للملك. (71).
أما المحاولة الثالثة فكانت عندما اغتيل حكمدار القاهرة، وعقب اغتياله بأربعة أيام أصدر النقراشي أمراً عسكرياً في [8] ديسمبر [1948] بحل جماعة الإخوان وفروعها بالأقاليم ومصادرة أموالها - جاء من بين التهم التي وجهت إليها أنها تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم عن طريق الإرهاب - مما أودي بالمرشد العام الاستغاثة بكريم ثابت - المستشار الصحافي للملك وهو نصراني - وطلب وساطته وأبرز له أهمية الإخوان ومدى الفائدة التي يكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطأً، وأن عليهم قصر رسالتهم على خدمة الدين.
وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدي النقراشي ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها، ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد تسهيلاً لمهمة الحكومة إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة بتاتا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها.
وعندما هم كريم ثابت بالتوسط، وجد فاروق في شدة الغضب على حسن البنا، حيث أخرج من أحد الأدراج نتيجة من النتائج التي تطبعها مصلحة المساحة ومنزوع منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وعلق عليها بأنها صورة الملك الجديد، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور ومن ثم فشلت الوساطة (72).
11 - اختيار الهضيبي مرشداً عاما:
تم اختيار حسن الهضيبي مرشداً عام للإخوان المسلمين بعد وفاة حسن البنا وقد تخطى هذا الاختيار قانون الجماعة إذ إن الهضيبي لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين وأراد التيار الذي اختار الهضيبي لمنصب المرشد العام تحصيل عدة فوائد منها إرضاء الملك وإرضاء القضاة وإبعاد التيار المتطرف وخاصة قيادات النظام الخاص عن القيادة وقد صرح بهذا الإخوان أنفسهم والذين أرخوا لهم كما أن الحوادث نفسها أثبتت أن حسن الهضيبي سعى لإرضاء القصر وللقضاء على الجانب المتطرف من الجماعة كما سنرى في بقية البحث ونحن هنا نعرض لأقوال الإخوان ثم لأقوال غير الإخوان حول اختيار حسن الهضيبي وكلها تدور حول المعاني التي أسلفناها.
يقول فريد عبدالخالق: "واستبشر الإخوان بمرشدهم الجديد، وأولوه ثقتهم، والتفوا حوله، وقد رأوا في اختياره على رأس الجماعة تصالحا مع القضاء الذي ساءته تصرفات بعض الأفراد وارتكابهم حوادث عنف في عام [1948] قبل صدور قرار حل الجماعة، ولا يزال الرأي العام يذكر مقتل النقراشي، واغتيال الخازندار، وفي هذه التصرفات ما شوه صورة الجماعة في نظره، وفي موافقة الأستاذ الهضيبي على أن يكون مرشداً للإخوان المسلمين تصحيح لهذه الصورة" (73).
وسوف نعرض إن شاء الله لهذه الحوادث ونبين مواقف الإخوان السيئة والمتناقضة فيها.
ويقول أيضاً عند كلامه على عمل الهضيبي في الجماعة بعد توليه شئونها: "وكان البناء الداخلي هو الآخر يحتاج إلى علاج بعض المتاعب التي حلت به في أخريات أيام الإمام "حسن البنا"، عندما وقعت تلك التصرفات الفردية عن قيادة وبعض أعضاء "النظام الخاص" بقيامهم بحادثتي الاغتيال اللذين سبقت الإشارة إليهما، دون علم المرشد، وعلى غير منهج الجماعة ووسائلها في تحقيق أهدافها، التي ليس فيها الاغتيال أو العنف، فقد أعتبر حسن البنا ذلك خروجاً على نظام الجماعة" (74)
ويقول صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد وأحد أقطاب الجماعة وصاحب مجلة الدعوة والذي غضب عليه الهضيبي وفصله من الجماعة فيما بعد - في خطابه أمام الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين: "ثم عندما أراد الأستاذ منير دلة تعيين مرشد عام للجماعة، وعندما اقترح اسم الأستاذ حسن الهضيبي، ولم يكن معروفاً لأحد من الإخوان في ذلك الوقت إلاّ العدد القليل، وكيف إنه قال بأن هذا الحل هو الذي يجمع شمل الإخوان ويجعلهم على قلب رجل واحد ويمنع تنازعهم وفرقتهم، وكيف أنهم ذكروا اعتبارات أخرى ومزايا لهذا الاختيار لا محل لذكرها الآن، ثم ذكر كيف أنه تخطى العقبات القانونية" إلى أن قال: "وتمت الإجراءات رغم مخالفتها الصريحة لنظام الجماعة" (75).
ويقول أيضاً في مقال لا حق: "يخطئ من يظن أن الأحداث الأخيرة في محيط الإخوان كانت نتيجة لقرار المكتب القاضي بفصل أربعة من خيرة الإخوان من غير توجيه اتهام إليهم أو تحقيق معهم، وبدون ابداء الأسباب، إنما الحقيقة أن هذا القرار كان عارضاً لمرض أصاب الدعوة منذ مجيء الأستاذ حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة" (76).
وتقول د. لطيفة محمد سالم عن أحداث [1951]: "وعلى آية حال، فإن الاتجاه المتطرف لم يتحكم في الموقف، وضح ذلك في اختيار حسن الهضيبي مرشداً عاماً، وتجاهل الاختيار قانون الهيئة التأسيسية ولم يكن الهضيبي عضواً فيها، ولا في مكتب الإرشاد، ولا رئيس شعبة، ولم يكن يحضر درس الثلاثاء، لكن قيل إن هذا الرجل هو الذي اختاره حسن البنا في أيام المحنة ووكله الإشراف على رعاية أسر الإخوان، وقد عمل بالقضاء فترة طويلة، والواقع أنه لم يتمتع بالشخصية القوية التي تؤهله للزعامة الفردية كسلفه، وكان هذا هو المقصود، نظراً لصعوبة البيعة لأحد العناصر القوية المتنافسة، ذلك من ناحية، وللسياسة الجديدة التي ارتأى الإخوان انتهاجها تجاه فاروق وهي تعتمد على مهادنة القصر لاستعادة الجماعة لمكانتها من ناحية أخرى، فالمختار يمت بصلة نسب لناظر الخاصة الملكية ولرئيس القسم المخصوص الإنجليزي بالديوان، ومعروف عنه دماثة أخلاقه، وكان القصر يسعى لتبوئه المركز.
وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوباً آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وكان أول خطاب وجهه المرشد العام يعكس ذلك حيث قصر نداءه للجماعة على تقوى الله وطاعته وترتيل القرآن"(77).
أما طارق البشري فيرد على القول بأن الملك لم يكن له دور في اختيار الهضيبي بدليل أن الجماعة احتفظت به بعد الثورة فيقول: "وقد لا تكون صلة المصاهرة بين الهضيبي وناظر الخاصة ذات شأن سياسي هام. وهي كذلك ليست بذات شأن هام. بمراعاة استقلالية الدعوة. وبمراعاة ماتكشفت عنه شخصية الهضيبي من صلابة نادرة في أوقات المحن، ولكن يظل اختيار الهضيبي في الظروف السياسية لعام [1951]، اختيار مقصوداً به الملاينة والإيماء بخفوت الجانب المتمرد المشاكس من نشاط الجماعة" ويقول أيضا:ً "إن هذا الخط السياسي الملاين قد تقرر بين الإخوان، في ظروف مد ثوري وتصاعد، فجاءت حركة الإخوان غير متمشية مع الزخم الحاصل، خاصة بعد إلغاء معاهدة [1936]" ويقول أيضاً: "جاءت سياسة اتجاه الهضيبي في الإخوان بإملاء من السياق الداخلي للجماعة والتطور الذاتي لها، جاءت تحاصر التنظيم السري المسلح للإخوان وتعمل على تقليم أجنحته" (78).
وهكذا تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما في [19/10/1951]. وفي [14/11/1951] توجه هو ولفيف من قيادات الإخوان إلى قصر عابدين ليسجلوا أسماءهم في سجل التشريفات بمناسبة تعيين المرشد الجديد لتقديم آيات الولاء لقاتل شيخهم.
وفي [20/11/1951] تحمل سيارة من سيارات الديوان الملكي حسن الهضيبي ليتشرف بمقابلة فاروق الأول ملك مصر والسودان وليخرج من المقابلة فيعلق "مقابلة كريمة لملك كريم"
وهكذا أهدرت قيادة الإخوان دم حسن البنا حين هرولت لتؤيد وتتشرف بمقابلة قاتله.
ويدور الزمان دورته ويقتل عبدالقادر عودة في محكمة اثنان من قضاتها الثلاثة هم: أنور السادات وحسين الشافعي ويهدر الإخوان أيضاً دم عبدالقادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب حين يهرولون ويؤيدون أنور السادات بل ويعتبرون أن له منة عليهم ويذهب عمر التلمساني كما سنرى إلى قصر عابدين مرة أخرى ليسجل امتنانه على إفراج السادات عنهم وهكذا يضيع أيضاً دم عبدالقادر عودة ورفيقاه.
أما دم سيد قطب فكما سنرى من موقف الإخوان منه فليس له بواكي ويدور الزمان دورة ثالثة ويقتل كمال السنانيري في سجن استقبال طرة بيد حسن أبي باشا وزير داخلية مصر الأسبق ويخرج الإخوان من المعتقلات فيتوجهون بالشكر إلى حسني مبارك بل ويبايعونه على رئاسة الجمهورية كما سنرى ولا يرتفع لهم صوت - رغم فصاحتهم في التبرؤ من التطرف والعنف - في المطالبة بدم السنانيري، بل وعندما يقوم بعض الشباب بمحاولة اغتيال حسن أبو باشا يستنكرون مايفعله الشباب ويتبرؤن منه ويعدونه جريمة تستحق العقاب كما سنرى وهكذا ضاع أيضاً دم كمال السنانيري.
وكم من الدماء ستضيع على أعتاب مصلحة الدعوة!!!!
وصدق الله العظيم {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة].
12 - لقـــــاء الهضيبــــي بالمـلـك:
قتل حسن البنا في شارع رمسيس في مساء يوم [12/2/1949] واختير حسن الهضيبي مرشداً عاماً في [19/10/1951] وكان في القصر الملكي يوم [14/11/1951] موقعاً في سجل التشريفات ثم زائرا للملك في يوم [20/11/1951].
وقد أحدثت هذه الزيارة دوياً هائلاً اعترف بها الإخوان أنفسهم وأنكرها كثير منهم لأنها كشفت عن خط جديد في الجماعة وإن كان هذا الخط قد بدأ قبل اغتيال حسن البنا ولذلك فقد أفردنا لهذه الزيارة وماقيل حولها عنواناً خاصاً.
كان أول رد فعل إخواني تقريباً هو مانشرته جريدة الدعوة بعد المقابلة بأسبوع حيث أوردت الخبر التالي: "في الحضرة الملكية: في الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الماضي قصد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين إلى قصر القبة العامر حيث تشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد دامت المقابلة [45] دقيقة، وهذه أول مقابلة رسمية بين جلالة الملك وبين فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، وكانت مثار تكهنات ومبعث قلق في كثير من الدوائر السياسية" (79).
وكان هذا أول رفض مهذب للتيار المعارض للزيارة، أما مؤيدي الزيارة فقد حاولوا تخفيفها قدر الإمكان.
يقول فريد عبدالخالق: "فأما الملك فقد سعى إلى مقابلة المرشد، وتمت المقابلة، ورحب الملك به، وكان مما قاله له: "إنني رجل مسلم وأحب الإسلام وأتمنى له الخير، وقد أمرت بإنشاء مساجد كذا وكذا... فلم يكرهني الإخوان؟… إن الإخوان قد أفهموا خطأ أنني الذي أمرت بحلهم واعتقالهم وباغتيال "حسن البنا"…. هذا والله العظيم خطأ ولم أفعل شيئاً من هذا… إن الذين فعلوا هم السعديون…. النقراشي وإبراهيم عبدالهادي، وفي اللحظة التي تمكنت فيها أقلت إبراهيم عبدالهادي وأمرت الوزارة الجديدة التي عينتها بالإفراج عن الإخوان" ولما رأى أن المرشد لا يرد على سؤاله، أعاده قائلا: "مارأيك إذن فيما قلته، وفي أنني على استعداد أن أعمل للإسلام؟!!" فرد عليه المرشد: "إني سأعرض الأمر على الإخوان ونسأل الله التوفيق". (80).
بل إن مجلة الدعوة في أعقاب ثورة [1952] أحست بحرج الإخوان من هذا التصرف فنشرت لحسن الهضيبي الحديث التالي: "قابل مندوب الدعوة فضيلة الأستاذ المرشد العام وطلب من فضيلته الأدلاء بحديث إلى قراء الدعوة فأبدى فضيلته استعداده الكريم لهذا، فقال المندوب: "مازالت مسألة مقابلة فضيلتكم للملك السابق تثير اهتمام الرأي العام نظراً لمكانة الإخوان ومرشدهم عند الرأي العام. فنرجوا أن تحدثوا قراء الدعوة بشيء عن هذه الزيارة" فقال فضيلته: "الواقع أنه لم يكن في هذه الزيارة شيء غير عادي، فقد ذهبت إلى الزيارة في موعدها، وعندما دخلت على الملك السابق بدأ هو بالتحية فقال: السلام عليكم... ثم بدأ الحديث وواصله واستمر فيه مدة الزيارة كلها التي استغرقت نحو [35] دقيقة.
وقد بدأ بكلمات تتعلق بشخصي وماعرفه عني كقاضي... وتكلم عن الإخوان وأنهم كدعوة إسلامية يحبها الجميع، وإنه رجل متدين بطبعه ويحب الدين، وأشار إلى أن البعض القليل من الإخوان قد انحرفوا وإنه يأمل الخير في الأكثرية كما يأمل نسيان الماضي وبدء صفحة جديدة.
فقلت: إن الإخوان المسلمين ينظرون دائماً إلى المستقبل ويأملون فيه الخير ولا ينظرون إلى الماضي إلا ليستخلصوا منه العبرة المفيدة.
ثم تحدث عن صلة الملك بالشعب وأشار بيديه موضوعة احداهما فوق الأخرى فقال: الشعب ثم الملك ثم الله فوق.... ومعنى هذا أن الملك أقرب للشعب من الله...!!
وهنا تكلمت فقلت: لا... هذا تحديد موضعي فالله سبحانه في كل مكان، ولا مكان له، وهو قريب من جميع عباده... الخ وقلت مايصحح الوضع... فقال الملك: أيوه... تمام ولم يناقشني.
وصحيح أنه حدد لي وسيطاً يكون صلة بيننا ولكنه لم يذكر لي اسمه ولا سألت أنا عنه. وقد خرجت من هذه المقابلة إلى المركز العام وكان بالظاهر فألقيت تصريحاً موجزاً في محاضرة الثلاثاء عن هذه المقابلة.
ثم انصرفت إلى منزلي فوجدت هذا الوسيط في انتظاري هناك ولبثنا بعض الوقت وتحدثنا فعرفت منه أنه مكلف بوضع نفسه تحت تصرفي حتى إذا كان عندي ما أبلغه للملك قام بذلك، ولكني من ناحيتي لم استرح إلى هذا الشخص، ولم أدري لماذا، ولم أكلفه بأي شيء.
وكان مما قاله لي الملك أيضاً إن الإنكليز خارجون من البلد حتماً ولكن الخوف من الشيوعية، وهي لا تتفق مع الدين.
فقلت معقباً: هذا حق..... ولكن يجب أن يطبق الدين بحذافيره ونرعى حق الفقير فوافق على ذلك.
ومما يذكر أن هذا الحديث لم يدون في وقته، وهذا ما أذكره منه... ولكن المؤكد أن الملك السابق لم يذكر الوفد ولا أي حزب سياسي، ولم يذكر القنال ومقاومة الإنكليز ولا حركة التحرير، ولا أشار أقل إشارة إلى أن يلزم الإخوان سياسة معينة، ولا ذكر شيئاً مما تداوله الناس وقت ذاك وذهبت الظنون فيه كل مذهب" (81).
وقد أثبتنا هذا الحديث بكامل نصه لنؤكد أن الهضيبي أقر على اتفاقه مع الملك على شيئين: -
1 - أن هناك قلة منحرفة في الإخوان وأنه لا يوافق على ماوقع منها وأنه يريد أن يفتح مع الملك صفحة جديدة.
2 - أنه متفق مع الملك على محاربة العدو الأهم والذي منه الخوف وهو الشيوعية أما الإنكليز فهم خارجون حتماً.
أما عمر التلمساني فكان واضحاً كعادته فقال عندما سئل: "هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على علاقة الإخوان بالملك فاروق؟".
التلمساني: "كل الذي أعرفه ويعرفه الناس أن المرشد العام طلب لمقابلة الملك فاروق وخرج يقول مقابلة كريمة لملك كريم. ورجال الثورة أخذوا عليه هذا. وفعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع الحكام، نحن لا نريد أن نصطدم بأحد." (82).
ويحاول عمر التلمساني شيئاً من الدفاع عن هذه الحادثة ولكنه لا أظنه احترم ذكاء قراءه بهذا الهزل حيث يقول: "وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة في انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه في جميع نواحيه، ولكنه رفض خشية أن يقال عنه إنه يسعى لمقابلة فاروق، ولأنه كان يرى أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك بمراحل شاسعة وهو أحرص مايكون على هذه الكرامة التي متعه الله بها في مراحل حياته، وأخيراً استدعاه وهو لا يملك إلاّ أن يستجيب، فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها: "مقابلة كريمة لملك كريم".
ثم يسهب في أنها مقابلة كريمة لأن الملك احترمه فيها ثم يقول: "أما وقد كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة أن يصفه بأنه ملك لئيم أو ما أشبه ذلك" (83).
أما الرافضون لهذه الزيارة من قيادات الإخوان فلم يصرّحوا بما في قلوبهم إلاّ عندما انفجر الخلاف بينهم وبين المرشد - بعد انقلاب يوليو [1952] -، فيقول أمين إسماعيل في مجلة الدعوة : "اغتيال جديد: وكان المرشد العام قد قيد اسمه في سجل التشريفات بمناسبة إعلان انتخابه رسمياً" "وتلقف رجال السراي أداء المرشد لهذا التقليد الشكلي فصوروه أنه ووصفوه بأنه+ يعلي تبديلا في سياسة إعلان الولاء للجالس على العرش!! ووصفوه بأنه +يعلي تبديلا في سياسة الإخوان تجاه السراي والملك، وفي عجلة غير مألوفة، اتصلت السراي عصر أحد أيام الثلاثاء بالمرشد العام تدعوه للتشرف بمقابلة الملك بعد ساعة من الزمن فعطل ظرف الاستدعاء كل تفكير إلا التفكير في الاستدعاء لمراسيم المقابلة ذاتها".
"الرعب القاتل: جماعة الإخوان المسلمين وهذا هو كشف حسابها وتلك هي صحيفة اتهامها، تصافح يد فاروق يد ممثلهم ورمزهم!؟ ياله من نصر سياسي!؟
ومن جهة أخرى فإن تحالف الإخوان مع الملك المكروه يفقدهم محبة الشعب ويحول دون اتجاه الناس إليهم، وتمت المقابلة وكانت بين اثنين لا ثالث لهما إلا الله، واستغرقت وقتاً طويلا وبالطبع لم يدر الحديث خلال هذه المدة الطويلة فقط حوّل الجو والتهنئة والسؤال عن الصحة التي هي غاية القصد والمراد من رب العباد... لا شك أنه دار حديث وأي حديث.
لا بد أنه تناول الإخوان، وتناول أهداف الإخوان، وتناول وسائل الإخوان!! ولا بد من ذكر للماضي ومآسيه، ولا بد من أمل في نسيانه أو تناسيه!!
ولا بد من رجاء بفتح صفحة بيضاء ترصد فيها الحسنات ولا مكان فيها للذنوب والسيئات!! ومما ليس منه بد أن يفهم الإخوان أن الحاكم أقرب إليهم من الله - سبحانه وتعالى عمّا يأفكون" (84).
ويقول أيضاً في العدد الذي يليه: "ظروف المقابلة الملكية: كان لمقابلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين لفاروق دويّ شديد في ميدان السياسة المصرية والعالمية، فقد جاءت في يوم [20] نوفمبر [1951]، أي بعد أن بدأت حكومة الوفد والسراي في التراجع عن الموقف الذي أخذ يتطور في القناة بتأييد الشعب عملياً للقوة الرسمية (يقصد المعركة بين قوات بلوكات النظام والإنكليز)" ويقول: "ومن +البديهي أن المرشد العام للإخوان المسلمين يمثل التكتلات الشعبية الواعية العاملة" ويقول أيضاً: "وكذلك فإن الصحف اليومية والدورية كانت تتساءل كل صباح عن دور الإخوان في المعركة، وكانت الصحافة بهذا صدى لما يدور في الرأي العام، وكان الرأي العام كله داخلي وخارجي - يعتقد أن كسب القضية متوقف على اشتراك الإخوان إشتراكاً كاملاً في المعركة"
ويقول أيضاً: "فلماذا إذن لا يحاول فاروق أن يسيطر على الإخوان ويملي عليهم سياسة، كما حاول الأحزاب وكما حاول الإنكليز من قبل...!؟.
وطارت في الجو إشاعات وإشاعات واستند الناس فيما يقولون على صلات وصلات…. قالوا: إن علاقة المصاهرة بين الأستاذ الهضيبي وبين الأستاذ محمد سالم ناظر الخاصة الملكية لها شأن…. وقالوا: إن علاقة النسب بين الأستاذ الهضيبي والأستاذ عمر حسن رئيس القسم المخصوص الإنكليزي لها شأن وأي شأن… وقالوا: إن علاقة الأستاذ الهضيبي بالأستاذ مصطفى +مرعي لها هي الأخرى شأن وشأن، وقالوا: قبل ذلك وبعد ذلك إن عدم +المام الأستاذ الهضيبي +الماماً كافياً بأسلوب الإخوان وتنظيمات الإخوان وتشكيلات الإخوان وأعمال رجالات الإخوان هي السبب الذي جعله+ ينتحي أسلوباً حزبياً لهذه المقابلة الملكية" (85).
وقال أيضاً في العدد الذي يليه: "قلت في العدد الماضي أن مقابلة الأستاذ الهضيبي للملك البغيض المخلوع في [20] نوفمبر [1951]، قد أحدثت أثراً سيئاً في صفوف الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر، كما أحدثت نفس الأثر في التكتلات الشعبية التي كانت تنظر إلى الإخوان نظرة الغريق إلى من ينتشله، والتي كانت تنتظر الإمجاد التي لا بد أن يسجلها الإخوان في معركة القناة.... فلقد كانت المقابلة في وقت بدأت فيه الحكومة والسراي والاقطاع+ تلوي وجهها عما يحدث في القناة، وتدبر كيف تخلص من المأزق الذي وضعتها فيه تصرفات غير مدروسة ما كانوا يظنون أن الشعب سيتلقفها سريعاً ويمضي فيها بجد وبحق مهماً كلفه الأمر، ومهماً كان البون شاسعاً بين امكانياته الساذجة وبين إمكانيات جيش الاحتلال....
وقلت أيضاً أن علاقات النسب بين بعض كبار رجال السراي والأستاذ الهضيبي من ناحية وبينه وبين رئيس القسم المخصوص الذي كان يعمل بوحي الإنكليز من ناحية أخرى، قد أضفت على الموقف الكثير من علاقات الاستفهام وعلامات التعجب...." (86)
وتقول د. لطيفة محمد سالم: "وكانت الخطوة المثيرة، تلك الزيارة التي قام بها الهضيبي للملك بقصر القبة في مساء [20] نوفمبر [1951] واستمرت ساعة إلا ربع وأثارت التكهنات وبعثت القلق في الدوائر السياسية (87). وخرج المرشد العام منها ولم يفض بشيء عما تم في هذه المقابلة الرسمية سوى قوله: "زيارة كريمة لملك كريم" (88). لكنه روى فيما بعد فذكر أنه في نفس ذلك اليوم اتصل به عبداللطيف طلعت كبير الأمناء وأخبره أن الملك يريد مقابلته وحدد له السادسة مساء وطلب منه ألا يخبر أحداً وجرى اللقاء وأشاد فيه فاروق بضيفه من حيث نزاهته وعقليته، وأمل أن تكون رئاسته خيراً، وتكلم عن الدعوة وكيف انحرف البعض من الإخوان، وأبدى رغبته في نسيان لماضي، وعرج على ما يجب أن تقوم به الحكومة لخدمة الشعب، ثم تحول إلى الغرض الرئيسي موضحا: "إن الإنكليز سيخرجون من بلادنا حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين" فأجابه الهضيبي: "نعم الشيوعية تتنافى مع الدين بشرط أن يطبق بحذافيره ونراعي حق الفقير في ثروات الأغنياء"+ فوافق فاروق وطلب من مضيفه تبليغ إخوانه تحياته»(89)، واعترف المرشد العام بأن الملك حدد له وسيطاً وكان مكلفاً بخدمته وتنفيذ البرنامج الملكي، ومما يذكر أن فاروقاً لم يشر بأن يلتزم الإخوان سياسة معينة، لكنه عرف فيما بعد أنه اتفق على إحالة الجماعة إلى جمعية خيرية في مدى عشر سنوات على الأكثر، وطلب أن يتجنب الإخوان خوض الانتخابات في أي صورة من الصور حيث أن الإشتراك في الانتخابات ممارسة للسياسة (90)
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في مساء يوم المقابلة وعقب عودة المرشد العام إلى منزله وجد الوسيط ينتظره ودار بينهما حديث عرف منه الهضيبي المهام الموكولة لهذا الوسيط (91)
وينقل السفير البريطاني لحكومته ملخص المقابلة وبين أنها ارتكزت على الحوار حول الشيوعية كعدو رئيسي، ويسجل أن المرشد العام أكد أنه ليس لدي الإخوان النية في حمل السلاح وأنهم يساندون تطهير الإدارة، ويشير إلى أن اللقاء اتسم بالود، ويعلق على أن الهضيبي أصبح مقرباً من الملك، وتبعث لندن لسفيرها تبلغه بما يتردد على ألسنة البعض في السفارة المصرية حول قرار فاروق بشأن ضم الإخوان إلى جانبه، وأن ذلك يرجع إلى الرغبة في تكوين جبهة قوية ضد الوفد (92).
ومثل ذلك الواقع ففي تلك الفترة كان الملك يعد الأمر وينتظر اللحظة التي يعمل فيها ضد النحاس، وهذا ماصرح به حافظ عفيفي لعميد الجالية البريطانية في مصر حيث أوضح أن الاستقبال الملكي للمرشد العام نوع من التخطيط لذلك (93)
كما أن فاروقاً كان على دراية تامة بالوضع المتدهور الذي وصل إليه وفقدانه للشعبية نهائياً، ومن ثم أراد احتواء الجماعة علّها تعطيه جزءاً مما انتزع منه لما لها من تأييد شعبي ودور وطني وحتى لا تتحول إلى جبهة المعارضة وتتخذ موقفاً مضاداً له.
أما من ناحية الإخوان، فقد خرج الهضيبي من المقابلة فتوجه إلى المركز العام حيث اجتمع مكتب الإرشاد، وألقى تصريحاً موجزاً عنها، وعرض الاتجاهات الخاصة بالإخوان وخاصة ما يتعلق بالشيوعية، واشترك باقي الأعضاء في المناقشات التي كان لها طابع الحدة (94). ومما يدل على الاختلافات التي سرت بينهم، ولكن الهضيبي بحكم السلطة المخولة له أجرى بعض التعديلات في الجهاز السري حيث أبعد صالح عشماوي ومن على شاكلته نظرا لتضارب وجهات النظر ومن بينها الشكل الجديد للعلاقة مع الملك (95).
واستعاد الإخوان مكانتهم وعادت لهم ممتلكاتهم وأموالهم التي كان محجوزاً عليها، وقد أصبح ذلك ضرورة شرعية بعد حكم مجلس الدولة، ويستعرض السفير البريطاني للندن تحليلات هذا الإجراء، فيذكر أنه ترجم على أساس أنه محاولة من الحكومة لكسب الإخوان، وأن البعض يعزوه إلى أنه ثمرة التقارب بين الإخوان والقصر(96).
والقول الأخير هو الأقرب للصحة، ومضى المرشد العام في تحركاته وقام بزيارات إلى الأقاليم، خطب فيها وركز على تطهير الأمة (97)، كما صرح بإقصاء أعمال العنف وفي ذلك ما يرضي فاروق، +ونفي ما أشيع من أن الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص، وبين أن الكفاح العملي قد يأخذ صوراً مختلفة غير مقاطعة الإنكليز (98)، ومثل هذه التصريحات جعلت ستيفنسون يصف تصرفاته بالرزانة (99). (100).

13 - تهنئة الهضيبي لحافظ عفيفي (عميل الإنكليز) وما أحدثه من أزمة في صفوف الإخوان وغضب الهضيبي لذلك:
في نهاية عام [1951] عين الملك حافظ عفيفي المعروف بولائه للإنكليز رئيساً للديوان الملكي فذهب إليه الهضيبي ليهنئه وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه القصة:
يقول صالح عشماوي في مجلة الدعوة: "ففي يوم أول يناير سنة [1952] ظهرت الدعوة وفي صدرها مقال بقلم كاتب هذه السطور تحت عنوان [لا مفاوضة ولا معاهدة] جاء فيه «كان تعيين حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي بمثابة قنبلة في الميدان السياسي، ففي الوقت الذي كفر فيه الزعماء والوزراء بأسلوب المفاوضات، وفي الوقت الذي التقت فيه الحكومة مع الشعب - لأول مرة - علي طريق الكفاح والجهاد، وفي الوقت الذي يستحث فيه الشعب الحكومة لتسرع الخطي في هذه السبيل الوحيدة الموصلة لانتزاع الحرية المغصوبة والحقوق المسلوبة... في هذا الوقت يعين في هذا المنصب الخطير حافظ عفيفي (باشا) صاحب التصريح المشهور الذي (امتدح فيه معاهدة 1936، وأشاد فيه بالدفاع المشترك، وحبذ الاتفاق لا مع انكلترا فحسب، بل ومع أمريكا أيضا!) ثم مضينا نقول:«ولاعجب إذا فهم الشعب من هذه الملابسات والقرائن آن هناك اتجاها إلي العودة إلي المفاوضات والوصول إلي اتفاق سريع مع بريطانيا، وكان رد الفعل - السريع أيضا - مظاهرات قامت في الجامعات في القاهرة والاسكندرية أدت إلي غلقها، ثم انتقلت الحركة إلي المدارس الثانوية والصناعية، وانتشرت المظاهرات فشملت الأقاليم جميعا، وشاركت مدارس البنات ومدارس البنين» ثم علقنا علي هذه المظاهرات التي هتف فيها بسقوط الملك الفاجر «فاروق» فقلنا: «وتدل هذه الظاهرة علي احساس مرهف ووعي ناضج، للشعب عامة والطليعة المثقفة خاصة».
ثم يقول صالح عشماوي في نفس المقال «ولكن هذا الموقف كان أكبر من أن يتحمله، أو يتحمل مسئوليته بعض الرؤساء، فصدرت «الدعوة» وفي صدرها بيان يعلن للناس إن مجلة «الدعوة» لاتنطق إلا باسم صاحبها ولاتعبر إلا عن رأي محررها! وكان هذا البيان بمثابة اشارة الهجوم للبوليس السياسي ولرجال القصر. فقد توالت المصادرات المتتابعة لأعداد «الدعوة» والتحقيق معي بوصفي رئيس التحرير»(101).
ونحن ننقل هنا نص البيان لأهميته «بيان: جاءنا البيان التالي: يكرر المركز العام للإخوان المسلمين أن مجلة «الدعوة» لاتصدر عنه ولاتنطق بلسانه ولاتمثل سياسته وأنها صحيفة شخصية تعبر عن أراء صاحبها ولاتتقيد دعوة الإخوان المسلمين بما ينشر فيها.
عبدالحكيم عابدين
السكرتير العام» (102)

أبو عبد
04-11-2004, 06:37 PM
مواقـــف الإخـــوان مع الحكومـــــات في مصر خلال ستيـــن عامـــــاً


تمــــــــهيـــــد

كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية تحكمها أسرة محمد علي منذ عام [1805م]، واحتل الإنجليز مصر عام [1882م]، وصبغوها بالصبغة العلمانية الكافرة في التشريع والقضاء وفي التعليم والإعلام وغيرها. ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام [1914] - والتي حاربت الدولة العثمانية فيها ضد إنجلترا - سلخت إنجلترا مصر من التبعية للدولة العثمانية وخلعت على حاكم مصر لقب (سلطان) لأول مرة بما يشعر بتحرره من التبعية للسلطان العثماني، واستكمالاً للأطر العلمانية للدولة دفعت إنجلترا الطبقة التي اصطنعتها من أبناء مصر لوضع دستور علماني يرسخ أسس العلمانية في مصر، وكان هذا هو أول دستور مصري بل أول دستور يوضع في البلاد العربية وهو دستور عام [1923]، والذي يعتبر أساس جميع الدساتير المصرية التي وضعت بعده، بل أساس جميع الدساتير في البلاد العربية التي نقلت عنه. ولتدرك هذه الحقيقة سنورد فيما يلي بعض المواد من دستور [1923] مع إيراد مقابلها من دستور مصر الحالي الموضوع عام [1971].
(1) المواد الموجبة للحكم بالقوانين الوضعية.
في عام [1883م] - أي بعد عام واحد من الاحتلال الإنجليزي لمصر - تم إصدار القوانين الوضعية المنقولة أساسا من القانون الفرنسي للحكم بها في المحاكم بمصر، وحلت القوانين الوضعية محل أحكام الشريعة الإسلامية التي لم يعد يطبق منها إلا بعض الأحكام المتعلقة بالأسرة (أو ما يعرف بالأحوال الشخصية).
وقد صدر دستور[1923] ليؤكد إلزام المحاكم والقضاة بالعمل بهذه القوانين، وحذت بقية دساتير مصر حذو دستور [1923] في هذا الشأن وإلى اليوم، ومن المواد الدستورية الملزمة بهذا الكفر:
أ - في دستور [1923]، مادة [6] (لاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون) وهي نفس المادة [66] من دستور [1971].
ب - في دستور [1923]، مادة [31] (تصدر أحكام المحاكم المختلفة وتنفذ وفق القانون) وهي نفس المادة [165] من دستور [1971].
ج - في دستور [1923]، مادة [125] (القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون) وهي نفس المادة [166] من دستور [1971]لا.
(2) المواد الموجبة للعمل بالديمقراطية.
أ - في دستور [1923]، مادة [23] (جميع السلطات مصدرها الأمة) وهي نفس المادة [3] من دستور [1971] والتي وردت بلفظ (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات).
ب - في دستور [1923]، مادة [24] (السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلسي الشيوخ والنواب) وقسمت هذه المادة في دستور [1971] إلى مادتين، مادة [86] وتعطي حق التشريع لمجلس الشعب، ومادة [112] وتعطي حق إصدار القوانين لرئيس الجمهورية.
وهذه المواد تعطي حق التشريع للبشر، وهذا الشرك الأكبر هو لب الديمقراطية، فلا سيادة إلاّ لله تعالى ولا حق لبشر في التشريع لخلق الله تعالى، سبحانه وتعالى عما يشركون.
ويتولى رئيس الدولة (الملك أو رئيس الجمهورية) كما يتولى الوزراء سلطاتهم بموجب هذا الدستور الذي يوجب عليهم التزام الدستور والقانون الوضعي. فينص دستور [1923] في مادته [50] على أنه (قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)، وهو نفس مضمون المادة [79] من دستور [1971] المتضمنة لليمين التي يؤديها رئيس الجمهورية. وتولى على أساس هذه الدساتير الملك فؤاد حتى عام [1936]، ثم الملك فاروق [1936،1952]، ثم محمد نجيب [1952،1954] ثم جمال عبدالناصر [1954،1970]، ثم أنور السادات [1970،1981]، ثم حسني مبارك [1981 ،....]، وأسس حسن البنا جماعة الإخوان عام [1928] بمدينة الإسماعيلية ثم نقل نشاطها إلى مدينة القاهرة عام [1932] في عهد الملك فؤاد. وسترى كيف امتدح الإخوان هذه الدساتير الكافرة وشاركوا الحكومات في وصف الدساتير بالشرعية، كما سترى كيف امتدح الإخوان هؤلاء الحكام بلا استثناء بما يطمس معالم التوحيد ويضيع عقيدة الولاء والبراء، كما أصبح الإخوان عوناً للحكام المرتدين في تسفيه المجاهدين النافرين لدفع الكفر والكافرين ورميهم بصفات التطرف والإرهاب.
وهذا أوان سرد الوقائع الدالة على صدق ماذكرناه عن الإخوان على مدى تاريخهم، وسوف يتضمن هذا الباب أربعة فصول:
الفصــل الأول : عن علاقة الإخوان بالملك.
والفصل الثــاني : الإخوان ورفض الخروج على الحاكم مع الإلتزام بالدستور والقانون.
والفصل الثالـث : الإخوان والأحزاب.
والفصل الرابـع : مقتطفات متفرقة.

الفصل الأول:
الإخوان والمـلك

1 - إظهار التأييد للملك في صحف الإخوان ورسائلهم والعديد من مواقفهم
لم يَكُفّ الإخوان عن إظهار تأييدهم للملك منذ أن كونوا جمعيتهم في الإسماعيلية رغم مادبره الملك ضدهم.
وعن بداية هذه العلاقة يذكر الشيخ البنا في مذكراته أنه في فترة وجود الجماعة بالإسماعيلية وشى به البعض لدي السلطات واتهموه بالسب في الذات الملكية، وثبت من التحقيق بطلان التهمة وأن البنا كان يملي على طلبته موضوعات في الثناء على الملك ويعدد مآثره كما أنه دفع العمال يوم مرور الملك بالإسماعيلية إلى تحيته وقال لهم: "لا زم تذهبوا إلى الأرصفة وتحيوا الملك حتى يفهم الأجانب في هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه، فيزيد احترامنا عندهم" وكان ذلك دافعاً لأنّ يكتب أحد رجال البوليس تقريراً بهذه المناسبة يقترح فيه تشجيع الحكومة للجماعة وتعميم فروعها في البلاد لأن في ذلك "خدمة للأمن والإصلاح" (1).
أما عن دعوة الخلافة فإن جريدة الإخوان المسلمين قد نادت بها لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم. (2) وقد طالب كثير من الحكام المرتدين بالخلافة الإسلامية لأنفسهم بعد إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً عام [1924]، كان منهم الملك فؤاد ثم ابنه فاروق وكلاهما كان يحكم بمقتضى دستور [1923] العلماني.
وأمام ازدياد نشاط المبشرين وقعت الجماعة خطاباً إلى الملك فؤاد سنة [1933] تطلب فيه وضع حد لهذا النشاط، واختتمت نداءها بكلمة: "لازلتم للإسلام ذخرا، وللمسلمين حصنا" (3). وعندما مات فؤاد رثته صحيفة الإخوان بمقال بعنوان [مات الملك يحيا الملك] كان الغرض من ورائه هو جذب عطف ولي عهده الملك الجديد - فاروق - الذي كان يتولى رعايته رجل ديني هو الشيخ المراغي - على أسلوب الجماعة ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان كما ذكر المقال - يتحلى بها والده (4)، وكما والت الصحيفة نشر عدة مقالات تدور حول هذا الغرض تصف فيها فاروق: "بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله واتباع أوامره، واجتناب نواهيه" (5)
وتحت عنوان [جلالة الفاروق المثل الأعلى لأمته] تولت جريدة الإخوان المسلمين مهمة تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين كيف ملك قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه إلى مسجد أبي العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتي بالقصص التي تنم على أن هناك الأبناء الفاسدين قد قوموا وعرفوا طريق المساجد وانصرفوا إليها، والسبب أنهم اتخذوا من الملك الأسوة الحسنة، وبالتالي اعتبرته المثل الأعلى لأمته.(6).
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [حامي المصحف] ليثبت المعنى وينشر الدعوة، فيذكر أنه أثناء رحلة فاروق للصعيد أخرج أحد المرافقين له فصاً أثريا وقال إنه الذي يجلب له الحظ والخير، وأخرج آخر مفتاحاً وادعى مثل هذه الدعوى، فما كان من فاروق إلاّ أن أخرج مصحفاً وقال : "إن هذا هو مفتاح كل خير عندي" ويصل زعيم الإخوان إلى أنه إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه في الدنيا والآخرة فحسب ولكنه بذلك يضمن لمصر "حسن التوجيه ويحول بينها وبين العناد ويقيمها على أفضل المناهج ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو في الوقت نفسه يضمن ولاء أربعمائة مليون من المسلمين في آفاق الأرض وتشرئب أعناقهم وتهفوا أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامي للمصحف فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف، وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله ياجلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك".(7)
وفي التاسع والعشرين من يوليو [1937] انتهت الوصاية على فاروق حيث بلغت سنه ثمانية عشر عاما قمرية وأصبح ملكاً رسمياً على البلاد وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفاً أو يزيد - تشاركهم جماعة الشبان المسلمين - من فرق الرحالة (الجوالة) ووفود شعبهم في الأقاليم وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، ولم يحدث مايعكر صفو المظاهرات.
وانهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين - رافعين أعلامهم يهتفون: "الله أكبر ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله" (8).
وجاء زواج الملك سنة [1938] ليحدث مايعكر صفو العلاقات بين جماعة الإخوان والملك فقد اعتكفت عن المشاركة في حفل الزواج لما حدث به من اختلاط ورقص وخمور في وقت ينادونه فيه بأمير المؤمنين، وألقت اللوم في ذلك على الشيخ المراغي وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام، لكن الجماعة مع ذلك أعلنت عن عدم تخليها عن تأييد الملك والسعي معه لتحقيق أمنية الخلافة وأعلنت صحيفتهم إنهم يهبونه الروح (9).
ونشرت جريدة الإخوان في هذه الفترة عدة مقالات لكتاب تابعين للملك وقد لقب أحدهم نفسه بـ "المحرر العربي بالديوان الملكي الإسلامي" (10)
وكان الإخوان قريبي عهد بالخروج إلى المعترك السياسي، فدعوا إلى إلغاء الأحزاب السياسية واستعدوا لخصومتهم لكنهم في الوقت نفسه أكّدوا استمرار علاقتهم بالقصر الذي لقي في دعوتهم استحسانا لما ستؤدي إليه من توسيع سلطانه، فتنشر جريدة النذير في عددها الأول مايؤكد ذلك حيث يقول البنا في نهاية المقال الإفتتاحي: "وإنّ لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملاّ محققاّ" (11).
ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ساءت فيه علاقة فاروق بوزارة محمد محمود، انقلب الإخوان عليها، وكان واضحاً تعاطفهم مع علي ماهر ورغبتهم في توليه السلطة واعتبروا أن السبيل للحكم الصالح إلغاء الأحزاب. ويكتب حسن البنا في النذير مقالا بعنوان [إلى مقام صاحب الجلالة الملك فاروق الأول] يرفع فيه المرشد العام الرجاء للملك بناء على الجهر بالحق وتقديم النصيحة، بين حاجة مصر إلى الوحدة والاستقرار، ويمس الوتر الحساس لدي فاروق، فيشير إلى أن مصر زعيمة للعالم الإسلامي، وعليه لا بد أن تكون القدوة، والإسلام لا يعرف الفرقة ولا يقر الخصومة والتمزق ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية (12).
وتغالي جريدة الإخوان المسلمين في مدح فاروق بل قد وصل الأمر بالصحيفة إلى التغني بمكارمه والإشادة إلى تأثر رجال الوعظ والإرشاد به وقولهم الشعر فيه رغم أنهم لا يصوغونه إلاّ لدافع قوي يتصل بمهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الشعر الذي يعبر عن رجاء أن يُظل التاج المصري يوماً الأمم العربية والأعجمية ويستعيد الإسلام مجده، وتنتهي إلى أن الإخوان المسلمين يعقدون الآمال على الملك في خدمة الإسلام والمسلمين (13)
وفي ذكرى عيد الجلوس الملكي رددوا يمين الولاء لفاروق في ميدان عابدين "نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله" (14).
وتحت عنوان [الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين] لا تعتبره النذير مجرد خليفة ولكنها أصرت على أنه يحيي سنة الخلفاء الراشدين وذلك على إثر خطبته في رمضان والتي حملت بين طياتها الترضية للجماعة فيما يختص بالسعي لخير مصر والأمم الإسلامية (15). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق، فحين يتقرر عودته إلى القاهرة، يصدر مكتب الإرشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم، ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (16)
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [ملك يدعو وشعب يجيب إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين] مواصلا جهوده ليعتمد فاروق على الجماعة، فيرفع إليه صورة من المظاهر التي لا تتفق مع الإسلام من بؤر الخمور ودور الفجور وصالات الرقص وأندية السباق والقمار والمرأة السافرة المتبرجة، وكيف أن حدود الله معطلة، ويطلب منه أن يصدر أمراً ملكياً بألاّ يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام "فإنه مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة... إن الجنود على تمام الأهبة، وإنّ الكتائب معبأة وقد طال بها أمد الانتظار" (17). فانظر كيف جعل البنا أتباعه جنوداً لملك كافر.
ويأتي حادث4 فبراير [1942] - وفيه فرض الإنجليز على الملك أن يولي الوزارة للوفد بقوة السلاح - وتزداد كراهية الإخوان للوفد ولكن الملك لم يسترح لحسن البنا الذي استخدم سياسة منتصف العصا بين الوفد والملك وادرك فاروق ذلك ومن ثم تصرف المرشد العام بسرعة، وبإعادة إصدار صحيفة الإخوان في [29] أغسطس[1942]، يتصدر الغلاف صورة فاروق وفي يده المسبحة، ويذهب وفد برئاسة حسن البنا إلى قصر عابدين لرفع هذا العدد "إلى صاحب الجلالة الملك المحبوب أيده الله"، وتتكرر نفس الصورة مرة ثانية مع الاحتفال بعيد الهجرة، ومرة ثانية وهو ملتح وكتب تحتها "القدوة الصالحة" (18). وراحت بعض الأقلام تسطر عن تاريخ محمد علي ومآثره (19)
ويرأس حسن البنا وفداً من المركز العام ويسافر به إلى القصاصين عقب حادثة الملك، وتنتقل إليها وفود من شعب الأقاليم وفرق الجوالة وتصفهم صحيفة الإخوان بأنهم "يحدوهم جميعا شعورهم نحو مليك البلاد حفظه الله وعجل له بالعافية وسرعة الشفاء" (20) وتشيد بفاروق عندما ترك الاحتفال بعيد ميلاده وذهب إلى الصعيد "يواسي المنكوبين منه ويزور الفقراء المعدمين ويصلهم بعطفه وبره" (21).
بهذه الصورة أثبت الإخوان ولاءهم للملك حرصاً منهم على المحافظة على الأرض التي اكتسبوها، وإيماناً بأن الحكومات غير مستقرة ولكن العرش ثابت (22)
وبإقالة الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الانعطاف كلية نحو القصر والحصول على المساندة الملكية، وراحت صحيفة الإخوان تظهر رياءها للملك، فتنتهز فرصة عيد ميلاده [1945] فيحمل غلافها صورته (23)، وتسطر بأن عيد الملك هوعيد الشعب وأن الحب الذي يكنه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل (24)، ويشيد حسن البنا في مقاله [رحلة الحجاز] بالمقابلة بين فاروق وابن سعود، ويبعث ببرقية باسم الإخوان إلى رئيس الديوان لرفعها للملك يهنئه فيها بسلامة العودة وأنه "يعز الإسلام والعروبة بالفاروق العظيم" (25).
وفي عريضة بعث بها حسن البنا إلى الفاروق في نهاية يونيو [1945] يطالبه بإلغاء الأحكام العرفية ويختمها بقوله: "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء الفاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة" (26)
وفي حديثها عن سياسة فاروق العربية تشيد صحيفة الإخوان بهذا وتقول: "إن هذه الصلات الكريمة بين جلالتكم وبين ملوك العرب وامرائهم ورؤساء حكوماتهم لتعتبر قوة كبرى" (27)
وبمناسبة لقاء فاروق بابن سعود تشيد بجهود الأول في تدعيم النهضة الإسلامية وبناء الجامعة العربية، وتتصدر صوره مع الضيوف العرب صفحاتها (28)
وبمناسبة تولي صدقي للوزارة يقف زعيم الإخوان في الجامعة ليوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد -(29).
وتمضي صحيفة الإخوان في طريقها، فيبعث المرشد العام برسالة إلى الملك. عندما بدأت المفاوضات - مفاوضات الجلاء بين صدقي والإنجليز - مشيراً إلى أنه معقد الآمال والرجاء (30)
واستمرت المجلة على نهجها واحتلت صور فاروق أغلفتها، وهو قائم يصلي وهو يستمع إلى آيات الذكر الحكيم وهو يحتفل بالمناسبات الدينية، وتقيم فرق الجوالة الاحتفالات بالمناسبات الملكية، ويخطب المرشد العام ليهنئ ويدعو أن يعز بالفاروق الإسلام (31).
وقامت حرب فلسطين، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم، وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية (32).
وتكتب بمناسبة ذكرى تولي فاروق سلطاته الدستورية تقول: "إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4 فبراير المشؤم قد أظهرت وطنية الملك المفدي في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يامولاي ماشئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين"(33). هذا في الوقت الذي كان فيه فاروق متورطاً في قبض عمولات من صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري بفلسطين وكانت القضية منظورة أمام المحاكم، وكان فاروق في هذا الوقت - منتصف [1948] - قد بلغ الغاية في المجون والفجور وقد شاعت فضائحه الاخلاقية في شتى أنحاء مصر.
ويرسل حسن البنا على صفحات النذير في[8] المحرم [1358هـ] هذه الرسالة إلى فاروق التي وصفتها مجلة الدعوة فيما بعد بـ [الكلمات الخالدة]: "اعتقد ياصاحب الجلالة أن الإخلاص للإسلام والعرش والوطن يفرض على أن أضع تحت نظركم السامي صورة مصغرة جداً من المظاهر العجيبة التي تتنافى مع الإسلام" ثم يقول أيضاً: "يا صاحب الجلالة، حدود الله معطلة لاتقام وأحكامه مهملة لايعمل بها في بلد ينص دستوره على أن دينه هو الإسلام" و يسترسل في وصف المفاسد ثم يختم رسالته بقوله: "قلها كلمة منقذة، واصدره أمراً ملكياً كريماً، ألاً يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام" (34).
ولا تنسي مجلة الدعوة تهنئة فاروق بعيد جلوسه على العرش فعلى غلاف العدد [15] تظهر صورة الملك في وسط الصفحة وبجانبها كتبت المجلة "عيدان سعيدان احتفل يوم الأحد الماضي في جميع أنحاء وادي النيل بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول على عرش أجداده العتيد....
كما احتفل بزواج جلالته بحضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان.....
والدعوة إذ تتقدم بعظيم التهنئة بالعيدين، تبتهل إلى الله العلى الكبير أن يحفظ ذات الملك وأن يجعل أيامه كلها أعياد سعيدة وأن يعزه بالإسلام ويعز الإسلام به" (35)
في الوقت الذي كانت المظاهرات تهتف ضد مباذل فاروق حتى لقد هتفت الجماهير عندما طلق زوجته الأولى "خرجت الطهارة من بيت الدعارة"، ولكن مجلة الدعوة أيضاً في السنة التالية لم تفوت فرصة عيد الجلوس الملكي، ففي العدد [64] وقبيل انقلاب يوليو بحوالي شهرين ونصف تظهر صورة فاروق على الصحفة الأولى وبجانبها كتبت الملجلة "عيد الجلوس الملكي، تحتفل مصر اليوم بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان على عرش آبائه وأجداده، ونحن إذ نرفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى الأسرة المالكة الكريمة أجل تهانينا.... ندعو الله مخلصين أن يجيء هذا العيد الميمون في العام المقبل ووادي النيل يرفل في حلة قشيبة من حلل الحرية الحقة والاستقلال الكامل والوحدة المنشودة"(36).
ولكن المولى جلت حكمته لم يستجب دعاءهم فلم يأت هذا العيد الميمون في أي عام تال، وحلت محل صور فاروق صورة محمد نجيب على عدد خاص أصدرته الدعوة عن حركة الجيش (37).
أما حسن الهضيبي ففور تعيينه مرشداً عام يذهب إلى قصر عابدين في [14/11/1951] ليوقع في سجل التشريفات مظهراً تأييده وطاعته لقاتل شيخه ويصحبه في ذلك لفيف من قادة الإخوان ونشرت صحيفة الجمهورية صورة موثقة من التوقيعات (38).
وتشكك د. لطيفة محمد سالم في أن كل من كتب اسمه قد صاحب المرشد نتيجة الصراع داخل الإخوان حول هذا التصرف ولكنها تؤكد أن المرشد قد ذهب ومعه بعض القيادات (39).
أمّا عن زيارة حسن الهضيبي للملك في [20/11/1951] فسنفرد لها فقرة خاصة لأهميتها ولكننا نسجل هنا أن حسن الهضيبي قد زار قصر عابدين فيما نعلم ثلاث مرات (إن لم يكن أكثر) ليوقع في سجل التشريفات، مرة عند تعيينه وقد ذكرناها.
والمرة الأخرى في [16/1/1952] يتوجه للقصر مهنئاً بمولد ولي العهد في وقت كانت الجموع تهتف في الشوارع ضد فاروق، وضد فساده.
والمرة الثالثة يوقع في سجل التشريفات في [25/5/1952] رافعاً ولاءه مستنكرًا هذه الصيحات التي تعالت ضد الأعتاب السامية مبرئاً الإخوان من الاشتراك في مثل هذه الأعمال (40).
ومن الطريف أن أحد كتاب الإخوان وهو فريد عبدالخالق بعد كل هذا يقول إن الهضيبي "كان الوحيد بين الزعماء السياسين الذي لا حاجة به إلى مصانعة الملك"؟؟؟ (41).
وأختم هذه الفقرة بكلمتين لعمر التلمساني لا أظنه يحترم فيهما ذهن القارئ ويدخلان تحت قول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحــكات ولكنـه ضحــك كالبــكا
أما الأولى فيقول عن فاروق: "واستقبله الإخوان استقبالاً باهراً، لا ليظهرواً قوتهم أمامه، ولكن ليعربوا عن فرحتهم به، وليعلم أن القوة والمنعة في الإسلام"!! (42).
أما القول الثاني فقوله: "من يدري لو لم تقم حركة الإخوان المسلمين في مصر عام [1928] ماذا يكون الحال أيامنا هذه؟! كان الملك فاروق رحمنا ورحمه الله مستقراً على عرشه تسنده قوة الجيش والشرطة"(43)
وسوف يرى القارئ فيما بعد كيف يوزع عمر التلمساني الرحمات على من حاربوا المسلمين وقتلوهم وعذبوهم، اللهم أدركنا برحمتك ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.
2 - الجوالة والملك:
استغل حسن البنا استعراضات الجوالة ليظهر قوة الجماعة ويظهر بها أن جماعته القوية تؤيد الملك وتسانده، فقد كان أول ظهور للجوالة في شكل استعراض عند تنصيب الملك فاروق على عرش مصر [1937] (44).
وتستمر احتفالات الجوالة بالمناسبات الملكية فتشارك في الاحتفالات بعودة الملك للقاهرة بعد اصابته في حادث سيارة في القصاصين (45). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق فحين يتقرر عودته للقاهرة، يصدر مكتب الارشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (46)
وزار الملك عبدالعزيز آل سعود مصر فكانت فرصة لاستعراض الإخوان لجوالتهم أمام شرفة قصر الضيافة وكان يقف إلى جواره أحمد السكري الوكيل العام للإخوان واندس حسن البنا بين الجماهير يشاهد الاستعراض وتكررت الاستعراضات في عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه (47) وتصف النذير الجوال بأن عليه أن يكون مخلصاً لله وللوطن وللملك ولوالديه ولرؤسائه ومرؤوسيه (48).
3 - عقد المؤتمر الرابع للإخوان المسلمين:
عقد الإخوان المسلمين مؤتمرهم الرابع عام [1937] بمناسبة تتويج فاروق خلفا لوالده وللاحتفال بهذه الذكرى (49).

4 - السعي للمناداة بالخلافة لفاروق:
سعت صحف الإخوان إلى المطالبة بإقامة الخلافة وتولية فاروق لها واغراءه بذلك.
فتحت عنوان [الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم] نادت بالخلافة لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم (50)، وحين انتقدت مجلة الإخوان المسلمون المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك وجهت اللوم للشيخ المراغي!! لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام وكتبت هذا المعنى في مقالات تحت عناوين [هدية الإخوان المسلمين إلى عرش مصر]، "إلى الأستاذ الأكبر أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟" كما أكدت مجلة القلم الصريح هذا المعنى تحت عنوان [الخلافة الإسلامية] وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة تقضي على المفاسد وبخاصة البغاء والخمور (51).
ولقد قرر الدكتور زكريا سليمان بيومي المتعاطف مع الإخوان المسلمين كما يصف نفسه في مقدمة بحثه عن الإخوان المسلمين وأن نظرته منبثقة من داخل الحركات الإسلامية (52) - هذا الأمر حيث يقول: "إن الجماعات الإسلامية (ممثلة في جماعتي الإخوان وشباب محمد) قد هادنت القصر بل مالأته أحياناً ونادت له بالخلافة رغم معاداة سلوكه - في الغالب - للحركة الوطنية والشريعة الإسلامية مما اعتبر جنوحاً من هذه الجماعات إلى طريق معاداة الحركة الوطنية فضلاً عن إسهامها في الإساءة إلى منصب الخلافة نفسه" (53).
وكما رأى القارئ مما سبق، وكما سيرى - إن شاء الله - مما يلي، كيف أفرط البنا والإخوان في مدح الملك والثناء عليه ووصفه بالإسلام والتقوى، وهو ملك مرتد كافر فاجر يحكم البلاد بموجب دستور علماني وقانون وضعي. إن هذا المسلك الإخواني يطمس التوحيد والإيمان، ويميع عقيدة الموالاة والمعاداة، ويُعَمِّي على المسلمين أعداءهم بخلاف ما أمر الله تعالى به من وجوب معرفة المجرمين وسُبُلهم، قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} [الأنعام]، فالله يريد أن يبين لنا سبيل المجرمين، والإخوان يُعمُّون على هذا السبيل حتى لا يعرف المسلم صديقه من عدوه، وحتى يقع المسلم فريسة سهلة لعدوه وهو في غفله.
ولم يكتف الإخوان بهذا التمييع العقائدي بأقوالهم ومواقفهم، بل أصَّلوا هذه الميوعة تأصيلاً شرعياً وجعلوها من عقائدهم عندما أعلن مرشدهم الثاني حسن الهضيبي مبدأ "دعاة لا قضاة" وألف كتاباً ينهي فيه أتباعه عن الخوض في مسألة الحكم الشرعي في الواقع الذي يواجهونه. وكان عاقبة هذا الخلل الشرعي أن دخلت حشود الإخوان السجون والمعتقلات مرة تلو أخرى، ليخرج بعضهم من السجون وكل منهم قاض يحكم على غيره بالكفر دون ضابط ولا وازع، وكل هذه الضلالات يحمل وزرها قادة الجماعة الذين لم يبصروا أتباعهم بحكم الواقع الذي يواجهونه.
قال رسول الله e: «كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته» الحديث، متفق عليه.
وقال رسول الله e: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» الحديث، رواه مسلم.
فهل يعتبر الإخوان بهذا؟، وهل تعتبر بقية الجماعات الإسلامية بهذا؟، قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر].
5 - التفاهم مع الملك على إزاحة النقراشي في مقابل اظهار التأييد للملك في فبراير [1946].
يحكي أحمد عادل كمال عن هذه الحادثة ووقتها كان طالباً في الجامعة فيقول: "وفي منتصف الليل تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي الحلمية الجديدة أمام البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش... حسن البنا. وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا. وكان موقف حسن البنا حاسماً وواضحاً... لقد أساء النقراشي بالاعتداء على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثماً إلاّ لمطالبة بأمانينا القومية... إنهم لم يطلبوا إلاّ جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لا بد أن يخرج النقراشي من الوزارة ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك"
ويقول أيضا: "وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب. اتصل بي عمر أمين سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالباً بكلية الهندسة وطلب إلى الحضور مندوباً عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبدالمنعم بـ "الدقي" لمقابلة رئيس الديوان الملكي!، وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر الكليات.
كنت في العشرين من عمري، وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ /مصطفى أمين، وكان هو نفسه حاضراً، كما شهد جانباً من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي للقصر الملكي.
وجاء الباشا وكان حريصاً كل الحرص إن يتباسط معنا في الحديث، وذكر أن الملك شاب مثلنا وأنه يحبنا لأننا من جيله ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم يكن منتبهاً فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك الأمر ولكن بعد فوات الأوان. واستمر يقول إنه لذلك فهو - جلالة الملك - عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة. وأجبنا بأن النقراشي أساء وضربنا، وقال هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك وأنه كان باستطاعتنا أن نشكو النقراشي إلى الملك.
قلنا إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين وزج بإخواننا في السجون ومازال يبحث عنا للقبض علينا!
وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة: النقراشي يخرج من الحكم ويفرج عن المقبوض عليهم وتحفظ القضايا.
ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين تهتف بحياة الملك! حفاظا على كرامتنا في البلاد وقد ضحى الملك بالنقراشي وكان كل مايهمه هيبته هو" (54). وكان مايهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن إخواننا.
وسوف ترى يا أخي أن هذا النقراشي سيأتي مرة أخرى للحكم وسيؤيده الإخوان ثم سيهاجمونه ويقتلونه لأنه خائن.
أما الذي أتى بعده فهو إسماعيل صدقي عميل الإنكليز والمقرب إلى كبار أثرياء اليهود وسيؤيده الإخوان ثم يهاجمونه.
ولا تســـألني كيــف ولماذا إنهم الإخوان... وإنه تاريخهـم!!!!.
6 - تدخل للملك لإعادة البنا بعد نقله والإفراج عنه بعد إعتقاله [1941م]
تدخلت السراي إلى جانب البنا لإعادته إلى القاهرة بعد نقله إلى الصعيد بأمر من حسين سري - رئيس الوزراء - وبوحي من الإنكليز. وكذلك تدخلت للإفراج عنه ووكيله بعد اعتقالهما سنة [1941] (55).
7 - اتفاق حسن البنا مع الملك علي محاربة الشيوعية تحت لوائه:
بعث حسن البنا إلى فاروق بعريضة في أواخر [1945]: "أشار فيها إلى الأفكار القلقة التي تهدد القواعد الأساسية للمجتمع وأن السبيل إلى مواجهتها هو الاعتصام بحبل الله "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء فاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة"(56).

8 - دعــم المـلـــك للجمـاعـــــــة:
ينقل محمود الصباغ عن العدد [45] من مجلة المسلمون البرقية التالية للسفير البريطاني عقب إعادة البنا بتأثير السراي من الصعيد بعد أن نقله حسين سري رئيس الوزراء بإيماء من الإنكليز.
"إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد."
وقال السفير: "لا شك أن الجماعة استفادت كثيراً من محاباة القصر لها" (57).
وتنقل د. لطيفة محمد سالم عن تقارير الخارجية البريطانية عن وضع الإخوان أثناء وزارة حسن صبري مايلي: "ولم يمسهم الضرر أثناء وزارة حسن صبري حيث ساندهم القصر وواصل إمدادهم بالإعانات المالية التي بدأت منذ [1940]" (58).
كما تنقل أيضاً أن لا مبسون يشكو لحكومته من الجماعة ويبين أنها مستمرة في العمل ضد بريطانيا بتشجيع من القصر (59).
وتنقل أيضا أن الملك قد أوقف المعونات المالية التي كانت تتلقاها الجماعة من القصر ولم يعد هناك تفاهم محدد بين الطرفين بعد اتفاق حسن البنا والنحاس على تنازل البنا عن ترشيح نفسه في مقابل بعض التنازلات من الحكومة (60).
وتذكر أيضاً أنه بسقوط الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته وكان على الإخوان الإنعطاف كلية بجانب القصر وإسقاط الفجوة القائمة والحصول على المساندة الملكية، وهذا ماسعوا إليه (61)، وتنقل أيضا إن الملك ذكر للسفير البريطاني أنه على صلة وثيقة بهم، ويشير الي انتشارهم، لكنه يطمئنه بأنهم لا يتدخلون في السياسة (62)
وتذكر أيضاً نقلاً عن مذكرة والترسمارت المستشار الشرقي للسفارة البريطانية حول لقائه مع حسن رفعت وكيل وزارة الداخلية في حكومة النقراشي الذي أخبره أنه ليس هناك ضرر من أن يعطي فاروق لهم بعض التشجيع لأنهم أحسن أداه لمحاربة الشيوعية كما صرح حسن رفعت بأن حسن البنا قد تلقى أموألاً من الاّ يطاليين وألاّ لمان والقصر والوفد لتوسيع تنظيمه (63).
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن الملك ساند الإخوان كوسيلة لمحاربة الوفد في وزارة النقراشي الأولى، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمح النقراشي للإخوان في سبتمبر [1945] بعقد المؤتمر العام لنواب الأقاليم في الوقت الذي منع فيه كل المؤتمرات والاجتماعات، وترتب على ذلك أنهم حصلوا على حرية التجوال والتنقل، وهذا ماكانوا يسعون إليه (64)
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، ويستاء القائم بالأعمال البريطاني لذلك وأنه مع حكومته أصبحا مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة وبالفعل فقد قدمت الجماعة خدماتها في مشاركتها في الحملة على الشيوعيين.
وانعكس الرضا الملكي على الجماعة، فدعى حسن البنا إلى إحدى ولائم قصر عابدين، وجاء في الدعوة أن الحضور بالردنجوت، فاعتذر لأنه لا يملك المال الذي يشتريه به (65). وتنقل د. لطيفة أيضاً عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر [1948] أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإ خوان لأنهم التنظيم الديمابوجي الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروقاً من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة الوفد للحكم (66)

9 - استشارة المـلـك للبنا في تعيين إسماعيل صدقي رئيساً للوزارة:
ولن نسهب هنا في تفاصيل علاقة إسماعيل صدقي بالإخوان، فسنفرد لها موضعاً خاصاً، ولكننا هنا نتناول واقعة استشارة الملك لحسن البنا في تعيين صدقي. تقول د. لطيفة محمد سالم: "عندما وقع اختيار الملك على تولي إسماعيل صدقي الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق.
فقد سر المرشد العام من أنه أصبح يستشار في السياسة العليا ووافق موافقة تامة على الإختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة، ذهب إسماعيل صدقي إلى المركز العام للإخوان وترك بطاقة، ورد له حسن البنا الزيارة. ووقف زعيم الإخوان في الجامعة يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد" (67)
10 - سعـى البنــا للقــــاء المـلـك:
حاول حسن البنا لقاء الملك لطمأنته بأن الإخوان لا يريدون به شراً فيما بين يدينا من مصادر ثلاث مرات، منها واحدة اعترف بها عمر التلمساني في مذكراته وهي التي كانت عن طريق طبيب الملك يوسف رشاد وزوّج إحدى عشيقاته ناهد رشاد (68). ويجمل التلمساني الواقعة فيقول: "وفعلاً التقى طبيبه (أي الملك) الخاص يوسف رشاد بالإمام الشهيد، ولكن الأيدي التي لا تضمر خيرا لشرع الله زرعوا في قلبه (الملك) الخوف من الإخوان" (69).
أما تفاصيل هذه الواقعة فقد بدأت عندما اتصل محمد أنور السادات - عقب خروجه من المعتقل - بالمرشد العام، فأفصح الأخير عن أن المتاعب تأتيه من ناحيتين، ناحية الملك، وناحية الأجانب، وبين أن فاروقاً يشعر بخطورة دعوة الإخوان على أساس أنها تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة، وعليه فإنه يخشى أن يضرب ضربته والحركة لم تبلغ بعد أوج قوتها.
وذكر أن الأجانب يمكن أن يطمئنوا للدعوة لو اطمأن إليها الملك، وأنه يستطيع أن يكسب ذلك لو تقابل معه حيث يمكنه أن يزيل من نفسه الأوهام والشكوك، في الوقت الذي أوضح فيه أنه لا يريد أن يبدأ معه سياسة وفاق أو تعاون، وطلب من السادات التوسط للتنفيذ لدي صديقه يوسف رشاد، وتمت المهمة، وطلب فاروق أن يقابل يوسف رشاد المرشد العام ويستمع إليه وينقل له الحديث ليرى إن كان يقابله، ثم عاد الملك وألغى ما ارتآه، وتكررت المحاولة مرة أخرى، وانتهى الأمر باللقاء، وجرى الحديث الذي خرج منه يوسف رشاد مقتنعاً بخلوص نية حسن البنا نحو الملك والتي استبعدها فاروق.
ولكن الارتياب عاد إلى نفس السادات من البنا لاستمرار علاقة الأخير بالقصر عن طريق غير يوسف رشاد (70).
أما المحاولة الثانية فكانت في نهاية [1948] لما ظهرت في الأفق فكرة حل الجماعة ولم تكن فكرة حل الجماعة وليدة لحظتها، وإنما رددت حولها الأقوال مما ألجأ حسن البنا إلى مرتضى المراغي وكان مديرا للأمن، وتحدث معه بشأن خطورة تنفيذ هذا الإجراء، وأبدى غضبه على النقراشي واتهمه بأنه يكيل التهم للإخوان لدي فاروق وتتضمن أنهم يريدون قتله وينبذون تصرفاته، ورفض المرشد العام وساطة مرتضى المراغي عند النقراشي وبين أنه ممكن الصبر عليه لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، أما الملك فهو باق، وطلب أن ينقل له رسالة شفوية بأن الإخوان لا يريدون به شراً ولا ينبذون تصرفاته وإنهم ليسوا بقوامين عليه، ورجاه أن يقنعه بالعدول عن اتخاذ تلك الخطوة واعتبرها جريمة نكراء، ولكن عندما عرض مدير الأمن العام على مسامع رئيس الوزراء الرسالة عارض في توصيلها للملك. (71).
أما المحاولة الثالثة فكانت عندما اغتيل حكمدار القاهرة، وعقب اغتياله بأربعة أيام أصدر النقراشي أمراً عسكرياً في [8] ديسمبر [1948] بحل جماعة الإخوان وفروعها بالأقاليم ومصادرة أموالها - جاء من بين التهم التي وجهت إليها أنها تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم عن طريق الإرهاب - مما أودي بالمرشد العام الاستغاثة بكريم ثابت - المستشار الصحافي للملك وهو نصراني - وطلب وساطته وأبرز له أهمية الإخوان ومدى الفائدة التي يكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطأً، وأن عليهم قصر رسالتهم على خدمة الدين.
وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدي النقراشي ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها، ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد تسهيلاً لمهمة الحكومة إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة بتاتا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها.
وعندما هم كريم ثابت بالتوسط، وجد فاروق في شدة الغضب على حسن البنا، حيث أخرج من أحد الأدراج نتيجة من النتائج التي تطبعها مصلحة المساحة ومنزوع منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وعلق عليها بأنها صورة الملك الجديد، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور ومن ثم فشلت الوساطة (72).
11 - اختيار الهضيبي مرشداً عاما:
تم اختيار حسن الهضيبي مرشداً عام للإخوان المسلمين بعد وفاة حسن البنا وقد تخطى هذا الاختيار قانون الجماعة إذ إن الهضيبي لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين وأراد التيار الذي اختار الهضيبي لمنصب المرشد العام تحصيل عدة فوائد منها إرضاء الملك وإرضاء القضاة وإبعاد التيار المتطرف وخاصة قيادات النظام الخاص عن القيادة وقد صرح بهذا الإخوان أنفسهم والذين أرخوا لهم كما أن الحوادث نفسها أثبتت أن حسن الهضيبي سعى لإرضاء القصر وللقضاء على الجانب المتطرف من الجماعة كما سنرى في بقية البحث ونحن هنا نعرض لأقوال الإخوان ثم لأقوال غير الإخوان حول اختيار حسن الهضيبي وكلها تدور حول المعاني التي أسلفناها.
يقول فريد عبدالخالق: "واستبشر الإخوان بمرشدهم الجديد، وأولوه ثقتهم، والتفوا حوله، وقد رأوا في اختياره على رأس الجماعة تصالحا مع القضاء الذي ساءته تصرفات بعض الأفراد وارتكابهم حوادث عنف في عام [1948] قبل صدور قرار حل الجماعة، ولا يزال الرأي العام يذكر مقتل النقراشي، واغتيال الخازندار، وفي هذه التصرفات ما شوه صورة الجماعة في نظره، وفي موافقة الأستاذ الهضيبي على أن يكون مرشداً للإخوان المسلمين تصحيح لهذه الصورة" (73).
وسوف نعرض إن شاء الله لهذه الحوادث ونبين مواقف الإخوان السيئة والمتناقضة فيها.
ويقول أيضاً عند كلامه على عمل الهضيبي في الجماعة بعد توليه شئونها: "وكان البناء الداخلي هو الآخر يحتاج إلى علاج بعض المتاعب التي حلت به في أخريات أيام الإمام "حسن البنا"، عندما وقعت تلك التصرفات الفردية عن قيادة وبعض أعضاء "النظام الخاص" بقيامهم بحادثتي الاغتيال اللذين سبقت الإشارة إليهما، دون علم المرشد، وعلى غير منهج الجماعة ووسائلها في تحقيق أهدافها، التي ليس فيها الاغتيال أو العنف، فقد أعتبر حسن البنا ذلك خروجاً على نظام الجماعة" (74)
ويقول صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد وأحد أقطاب الجماعة وصاحب مجلة الدعوة والذي غضب عليه الهضيبي وفصله من الجماعة فيما بعد - في خطابه أمام الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين: "ثم عندما أراد الأستاذ منير دلة تعيين مرشد عام للجماعة، وعندما اقترح اسم الأستاذ حسن الهضيبي، ولم يكن معروفاً لأحد من الإخوان في ذلك الوقت إلاّ العدد القليل، وكيف إنه قال بأن هذا الحل هو الذي يجمع شمل الإخوان ويجعلهم على قلب رجل واحد ويمنع تنازعهم وفرقتهم، وكيف أنهم ذكروا اعتبارات أخرى ومزايا لهذا الاختيار لا محل لذكرها الآن، ثم ذكر كيف أنه تخطى العقبات القانونية" إلى أن قال: "وتمت الإجراءات رغم مخالفتها الصريحة لنظام الجماعة" (75).
ويقول أيضاً في مقال لا حق: "يخطئ من يظن أن الأحداث الأخيرة في محيط الإخوان كانت نتيجة لقرار المكتب القاضي بفصل أربعة من خيرة الإخوان من غير توجيه اتهام إليهم أو تحقيق معهم، وبدون ابداء الأسباب، إنما الحقيقة أن هذا القرار كان عارضاً لمرض أصاب الدعوة منذ مجيء الأستاذ حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة" (76).
وتقول د. لطيفة محمد سالم عن أحداث [1951]: "وعلى آية حال، فإن الاتجاه المتطرف لم يتحكم في الموقف، وضح ذلك في اختيار حسن الهضيبي مرشداً عاماً، وتجاهل الاختيار قانون الهيئة التأسيسية ولم يكن الهضيبي عضواً فيها، ولا في مكتب الإرشاد، ولا رئيس شعبة، ولم يكن يحضر درس الثلاثاء، لكن قيل إن هذا الرجل هو الذي اختاره حسن البنا في أيام المحنة ووكله الإشراف على رعاية أسر الإخوان، وقد عمل بالقضاء فترة طويلة، والواقع أنه لم يتمتع بالشخصية القوية التي تؤهله للزعامة الفردية كسلفه، وكان هذا هو المقصود، نظراً لصعوبة البيعة لأحد العناصر القوية المتنافسة، ذلك من ناحية، وللسياسة الجديدة التي ارتأى الإخوان انتهاجها تجاه فاروق وهي تعتمد على مهادنة القصر لاستعادة الجماعة لمكانتها من ناحية أخرى، فالمختار يمت بصلة نسب لناظر الخاصة الملكية ولرئيس القسم المخصوص الإنجليزي بالديوان، ومعروف عنه دماثة أخلاقه، وكان القصر يسعى لتبوئه المركز.
وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوباً آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وكان أول خطاب وجهه المرشد العام يعكس ذلك حيث قصر نداءه للجماعة على تقوى الله وطاعته وترتيل القرآن"(77).
أما طارق البشري فيرد على القول بأن الملك لم يكن له دور في اختيار الهضيبي بدليل أن الجماعة احتفظت به بعد الثورة فيقول: "وقد لا تكون صلة المصاهرة بين الهضيبي وناظر الخاصة ذات شأن سياسي هام. وهي كذلك ليست بذات شأن هام. بمراعاة استقلالية الدعوة. وبمراعاة ماتكشفت عنه شخصية الهضيبي من صلابة نادرة في أوقات المحن، ولكن يظل اختيار الهضيبي في الظروف السياسية لعام [1951]، اختيار مقصوداً به الملاينة والإيماء بخفوت الجانب المتمرد المشاكس من نشاط الجماعة" ويقول أيضا:ً "إن هذا الخط السياسي الملاين قد تقرر بين الإخوان، في ظروف مد ثوري وتصاعد، فجاءت حركة الإخوان غير متمشية مع الزخم الحاصل، خاصة بعد إلغاء معاهدة [1936]" ويقول أيضاً: "جاءت سياسة اتجاه الهضيبي في الإخوان بإملاء من السياق الداخلي للجماعة والتطور الذاتي لها، جاءت تحاصر التنظيم السري المسلح للإخوان وتعمل على تقليم أجنحته" (78).
وهكذا تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما في [19/10/1951]. وفي [14/11/1951] توجه هو ولفيف من قيادات الإخوان إلى قصر عابدين ليسجلوا أسماءهم في سجل التشريفات بمناسبة تعيين المرشد الجديد لتقديم آيات الولاء لقاتل شيخهم.
وفي [20/11/1951] تحمل سيارة من سيارات الديوان الملكي حسن الهضيبي ليتشرف بمقابلة فاروق الأول ملك مصر والسودان وليخرج من المقابلة فيعلق "مقابلة كريمة لملك كريم"
وهكذا أهدرت قيادة الإخوان دم حسن البنا حين هرولت لتؤيد وتتشرف بمقابلة قاتله.
ويدور الزمان دورته ويقتل عبدالقادر عودة في محكمة اثنان من قضاتها الثلاثة هم: أنور السادات وحسين الشافعي ويهدر الإخوان أيضاً دم عبدالقادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب حين يهرولون ويؤيدون أنور السادات بل ويعتبرون أن له منة عليهم ويذهب عمر التلمساني كما سنرى إلى قصر عابدين مرة أخرى ليسجل امتنانه على إفراج السادات عنهم وهكذا يضيع أيضاً دم عبدالقادر عودة ورفيقاه.
أما دم سيد قطب فكما سنرى من موقف الإخوان منه فليس له بواكي ويدور الزمان دورة ثالثة ويقتل كمال السنانيري في سجن استقبال طرة بيد حسن أبي باشا وزير داخلية مصر الأسبق ويخرج الإخوان من المعتقلات فيتوجهون بالشكر إلى حسني مبارك بل ويبايعونه على رئاسة الجمهورية كما سنرى ولا يرتفع لهم صوت - رغم فصاحتهم في التبرؤ من التطرف والعنف - في المطالبة بدم السنانيري، بل وعندما يقوم بعض الشباب بمحاولة اغتيال حسن أبو باشا يستنكرون مايفعله الشباب ويتبرؤن منه ويعدونه جريمة تستحق العقاب كما سنرى وهكذا ضاع أيضاً دم كمال السنانيري.
وكم من الدماء ستضيع على أعتاب مصلحة الدعوة!!!!
وصدق الله العظيم {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة].
12 - لقـــــاء الهضيبــــي بالمـلـك:
قتل حسن البنا في شارع رمسيس في مساء يوم [12/2/1949] واختير حسن الهضيبي مرشداً عاماً في [19/10/1951] وكان في القصر الملكي يوم [14/11/1951] موقعاً في سجل التشريفات ثم زائرا للملك في يوم [20/11/1951].
وقد أحدثت هذه الزيارة دوياً هائلاً اعترف بها الإخوان أنفسهم وأنكرها كثير منهم لأنها كشفت عن خط جديد في الجماعة وإن كان هذا الخط قد بدأ قبل اغتيال حسن البنا ولذلك فقد أفردنا لهذه الزيارة وماقيل حولها عنواناً خاصاً.
كان أول رد فعل إخواني تقريباً هو مانشرته جريدة الدعوة بعد المقابلة بأسبوع حيث أوردت الخبر التالي: "في الحضرة الملكية: في الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الماضي قصد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين إلى قصر القبة العامر حيث تشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد دامت المقابلة [45] دقيقة، وهذه أول مقابلة رسمية بين جلالة الملك وبين فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، وكانت مثار تكهنات ومبعث قلق في كثير من الدوائر السياسية" (79).
وكان هذا أول رفض مهذب للتيار المعارض للزيارة، أما مؤيدي الزيارة فقد حاولوا تخفيفها قدر الإمكان.
يقول فريد عبدالخالق: "فأما الملك فقد سعى إلى مقابلة المرشد، وتمت المقابلة، ورحب الملك به، وكان مما قاله له: "إنني رجل مسلم وأحب الإسلام وأتمنى له الخير، وقد أمرت بإنشاء مساجد كذا وكذا... فلم يكرهني الإخوان؟… إن الإخوان قد أفهموا خطأ أنني الذي أمرت بحلهم واعتقالهم وباغتيال "حسن البنا"…. هذا والله العظيم خطأ ولم أفعل شيئاً من هذا… إن الذين فعلوا هم السعديون…. النقراشي وإبراهيم عبدالهادي، وفي اللحظة التي تمكنت فيها أقلت إبراهيم عبدالهادي وأمرت الوزارة الجديدة التي عينتها بالإفراج عن الإخوان" ولما رأى أن المرشد لا يرد على سؤاله، أعاده قائلا: "مارأيك إذن فيما قلته، وفي أنني على استعداد أن أعمل للإسلام؟!!" فرد عليه المرشد: "إني سأعرض الأمر على الإخوان ونسأل الله التوفيق". (80).
بل إن مجلة الدعوة في أعقاب ثورة [1952] أحست بحرج الإخوان من هذا التصرف فنشرت لحسن الهضيبي الحديث التالي: "قابل مندوب الدعوة فضيلة الأستاذ المرشد العام وطلب من فضيلته الأدلاء بحديث إلى قراء الدعوة فأبدى فضيلته استعداده الكريم لهذا، فقال المندوب: "مازالت مسألة مقابلة فضيلتكم للملك السابق تثير اهتمام الرأي العام نظراً لمكانة الإخوان ومرشدهم عند الرأي العام. فنرجوا أن تحدثوا قراء الدعوة بشيء عن هذه الزيارة" فقال فضيلته: "الواقع أنه لم يكن في هذه الزيارة شيء غير عادي، فقد ذهبت إلى الزيارة في موعدها، وعندما دخلت على الملك السابق بدأ هو بالتحية فقال: السلام عليكم... ثم بدأ الحديث وواصله واستمر فيه مدة الزيارة كلها التي استغرقت نحو [35] دقيقة.
وقد بدأ بكلمات تتعلق بشخصي وماعرفه عني كقاضي... وتكلم عن الإخوان وأنهم كدعوة إسلامية يحبها الجميع، وإنه رجل متدين بطبعه ويحب الدين، وأشار إلى أن البعض القليل من الإخوان قد انحرفوا وإنه يأمل الخير في الأكثرية كما يأمل نسيان الماضي وبدء صفحة جديدة.
فقلت: إن الإخوان المسلمين ينظرون دائماً إلى المستقبل ويأملون فيه الخير ولا ينظرون إلى الماضي إلا ليستخلصوا منه العبرة المفيدة.
ثم تحدث عن صلة الملك بالشعب وأشار بيديه موضوعة احداهما فوق الأخرى فقال: الشعب ثم الملك ثم الله فوق.... ومعنى هذا أن الملك أقرب للشعب من الله...!!
وهنا تكلمت فقلت: لا... هذا تحديد موضعي فالله سبحانه في كل مكان، ولا مكان له، وهو قريب من جميع عباده... الخ وقلت مايصحح الوضع... فقال الملك: أيوه... تمام ولم يناقشني.
وصحيح أنه حدد لي وسيطاً يكون صلة بيننا ولكنه لم يذكر لي اسمه ولا سألت أنا عنه. وقد خرجت من هذه المقابلة إلى المركز العام وكان بالظاهر فألقيت تصريحاً موجزاً في محاضرة الثلاثاء عن هذه المقابلة.
ثم انصرفت إلى منزلي فوجدت هذا الوسيط في انتظاري هناك ولبثنا بعض الوقت وتحدثنا فعرفت منه أنه مكلف بوضع نفسه تحت تصرفي حتى إذا كان عندي ما أبلغه للملك قام بذلك، ولكني من ناحيتي لم استرح إلى هذا الشخص، ولم أدري لماذا، ولم أكلفه بأي شيء.
وكان مما قاله لي الملك أيضاً إن الإنكليز خارجون من البلد حتماً ولكن الخوف من الشيوعية، وهي لا تتفق مع الدين.
فقلت معقباً: هذا حق..... ولكن يجب أن يطبق الدين بحذافيره ونرعى حق الفقير فوافق على ذلك.
ومما يذكر أن هذا الحديث لم يدون في وقته، وهذا ما أذكره منه... ولكن المؤكد أن الملك السابق لم يذكر الوفد ولا أي حزب سياسي، ولم يذكر القنال ومقاومة الإنكليز ولا حركة التحرير، ولا أشار أقل إشارة إلى أن يلزم الإخوان سياسة معينة، ولا ذكر شيئاً مما تداوله الناس وقت ذاك وذهبت الظنون فيه كل مذهب" (81).
وقد أثبتنا هذا الحديث بكامل نصه لنؤكد أن الهضيبي أقر على اتفاقه مع الملك على شيئين: -
1 - أن هناك قلة منحرفة في الإخوان وأنه لا يوافق على ماوقع منها وأنه يريد أن يفتح مع الملك صفحة جديدة.
2 - أنه متفق مع الملك على محاربة العدو الأهم والذي منه الخوف وهو الشيوعية أما الإنكليز فهم خارجون حتماً.
أما عمر التلمساني فكان واضحاً كعادته فقال عندما سئل: "هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على علاقة الإخوان بالملك فاروق؟".
التلمساني: "كل الذي أعرفه ويعرفه الناس أن المرشد العام طلب لمقابلة الملك فاروق وخرج يقول مقابلة كريمة لملك كريم. ورجال الثورة أخذوا عليه هذا. وفعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع الحكام، نحن لا نريد أن نصطدم بأحد." (82).
ويحاول عمر التلمساني شيئاً من الدفاع عن هذه الحادثة ولكنه لا أظنه احترم ذكاء قراءه بهذا الهزل حيث يقول: "وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة في انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه في جميع نواحيه، ولكنه رفض خشية أن يقال عنه إنه يسعى لمقابلة فاروق، ولأنه كان يرى أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك بمراحل شاسعة وهو أحرص مايكون على هذه الكرامة التي متعه الله بها في مراحل حياته، وأخيراً استدعاه وهو لا يملك إلاّ أن يستجيب، فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها: "مقابلة كريمة لملك كريم".
ثم يسهب في أنها مقابلة كريمة لأن الملك احترمه فيها ثم يقول: "أما وقد كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة أن يصفه بأنه ملك لئيم أو ما أشبه ذلك" (83).
أما الرافضون لهذه الزيارة من قيادات الإخوان فلم يصرّحوا بما في قلوبهم إلاّ عندما انفجر الخلاف بينهم وبين المرشد - بعد انقلاب يوليو [1952] -، فيقول أمين إسماعيل في مجلة الدعوة : "اغتيال جديد: وكان المرشد العام قد قيد اسمه في سجل التشريفات بمناسبة إعلان انتخابه رسمياً" "وتلقف رجال السراي أداء المرشد لهذا التقليد الشكلي فصوروه أنه ووصفوه بأنه+ يعلي تبديلا في سياسة إعلان الولاء للجالس على العرش!! ووصفوه بأنه +يعلي تبديلا في سياسة الإخوان تجاه السراي والملك، وفي عجلة غير مألوفة، اتصلت السراي عصر أحد أيام الثلاثاء بالمرشد العام تدعوه للتشرف بمقابلة الملك بعد ساعة من الزمن فعطل ظرف الاستدعاء كل تفكير إلا التفكير في الاستدعاء لمراسيم المقابلة ذاتها".
"الرعب القاتل: جماعة الإخوان المسلمين وهذا هو كشف حسابها وتلك هي صحيفة اتهامها، تصافح يد فاروق يد ممثلهم ورمزهم!؟ ياله من نصر سياسي!؟
ومن جهة أخرى فإن تحالف الإخوان مع الملك المكروه يفقدهم محبة الشعب ويحول دون اتجاه الناس إليهم، وتمت المقابلة وكانت بين اثنين لا ثالث لهما إلا الله، واستغرقت وقتاً طويلا وبالطبع لم يدر الحديث خلال هذه المدة الطويلة فقط حوّل الجو والتهنئة والسؤال عن الصحة التي هي غاية القصد والمراد من رب العباد... لا شك أنه دار حديث وأي حديث.
لا بد أنه تناول الإخوان، وتناول أهداف الإخوان، وتناول وسائل الإخوان!! ولا بد من ذكر للماضي ومآسيه، ولا بد من أمل في نسيانه أو تناسيه!!
ولا بد من رجاء بفتح صفحة بيضاء ترصد فيها الحسنات ولا مكان فيها للذنوب والسيئات!! ومما ليس منه بد أن يفهم الإخوان أن الحاكم أقرب إليهم من الله - سبحانه وتعالى عمّا يأفكون" (84).
ويقول أيضاً في العدد الذي يليه: "ظروف المقابلة الملكية: كان لمقابلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين لفاروق دويّ شديد في ميدان السياسة المصرية والعالمية، فقد جاءت في يوم [20] نوفمبر [1951]، أي بعد أن بدأت حكومة الوفد والسراي في التراجع عن الموقف الذي أخذ يتطور في القناة بتأييد الشعب عملياً للقوة الرسمية (يقصد المعركة بين قوات بلوكات النظام والإنكليز)" ويقول: "ومن +البديهي أن المرشد العام للإخوان المسلمين يمثل التكتلات الشعبية الواعية العاملة" ويقول أيضاً: "وكذلك فإن الصحف اليومية والدورية كانت تتساءل كل صباح عن دور الإخوان في المعركة، وكانت الصحافة بهذا صدى لما يدور في الرأي العام، وكان الرأي العام كله داخلي وخارجي - يعتقد أن كسب القضية متوقف على اشتراك الإخوان إشتراكاً كاملاً في المعركة"
ويقول أيضاً: "فلماذا إذن لا يحاول فاروق أن يسيطر على الإخوان ويملي عليهم سياسة، كما حاول الأحزاب وكما حاول الإنكليز من قبل...!؟.
وطارت في الجو إشاعات وإشاعات واستند الناس فيما يقولون على صلات وصلات…. قالوا: إن علاقة المصاهرة بين الأستاذ الهضيبي وبين الأستاذ محمد سالم ناظر الخاصة الملكية لها شأن…. وقالوا: إن علاقة النسب بين الأستاذ الهضيبي والأستاذ عمر حسن رئيس القسم المخصوص الإنكليزي لها شأن وأي شأن… وقالوا: إن علاقة الأستاذ الهضيبي بالأستاذ مصطفى +مرعي لها هي الأخرى شأن وشأن، وقالوا: قبل ذلك وبعد ذلك إن عدم +المام الأستاذ الهضيبي +الماماً كافياً بأسلوب الإخوان وتنظيمات الإخوان وتشكيلات الإخوان وأعمال رجالات الإخوان هي السبب الذي جعله+ ينتحي أسلوباً حزبياً لهذه المقابلة الملكية" (85).
وقال أيضاً في العدد الذي يليه: "قلت في العدد الماضي أن مقابلة الأستاذ الهضيبي للملك البغيض المخلوع في [20] نوفمبر [1951]، قد أحدثت أثراً سيئاً في صفوف الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر، كما أحدثت نفس الأثر في التكتلات الشعبية التي كانت تنظر إلى الإخوان نظرة الغريق إلى من ينتشله، والتي كانت تنتظر الإمجاد التي لا بد أن يسجلها الإخوان في معركة القناة.... فلقد كانت المقابلة في وقت بدأت فيه الحكومة والسراي والاقطاع+ تلوي وجهها عما يحدث في القناة، وتدبر كيف تخلص من المأزق الذي وضعتها فيه تصرفات غير مدروسة ما كانوا يظنون أن الشعب سيتلقفها سريعاً ويمضي فيها بجد وبحق مهماً كلفه الأمر، ومهماً كان البون شاسعاً بين امكانياته الساذجة وبين إمكانيات جيش الاحتلال....
وقلت أيضاً أن علاقات النسب بين بعض كبار رجال السراي والأستاذ الهضيبي من ناحية وبينه وبين رئيس القسم المخصوص الذي كان يعمل بوحي الإنكليز من ناحية أخرى، قد أضفت على الموقف الكثير من علاقات الاستفهام وعلامات التعجب...." (86)
وتقول د. لطيفة محمد سالم: "وكانت الخطوة المثيرة، تلك الزيارة التي قام بها الهضيبي للملك بقصر القبة في مساء [20] نوفمبر [1951] واستمرت ساعة إلا ربع وأثارت التكهنات وبعثت القلق في الدوائر السياسية (87). وخرج المرشد العام منها ولم يفض بشيء عما تم في هذه المقابلة الرسمية سوى قوله: "زيارة كريمة لملك كريم" (88). لكنه روى فيما بعد فذكر أنه في نفس ذلك اليوم اتصل به عبداللطيف طلعت كبير الأمناء وأخبره أن الملك يريد مقابلته وحدد له السادسة مساء وطلب منه ألا يخبر أحداً وجرى اللقاء وأشاد فيه فاروق بضيفه من حيث نزاهته وعقليته، وأمل أن تكون رئاسته خيراً، وتكلم عن الدعوة وكيف انحرف البعض من الإخوان، وأبدى رغبته في نسيان لماضي، وعرج على ما يجب أن تقوم به الحكومة لخدمة الشعب، ثم تحول إلى الغرض الرئيسي موضحا: "إن الإنكليز سيخرجون من بلادنا حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين" فأجابه الهضيبي: "نعم الشيوعية تتنافى مع الدين بشرط أن يطبق بحذافيره ونراعي حق الفقير في ثروات الأغنياء"+ فوافق فاروق وطلب من مضيفه تبليغ إخوانه تحياته»(89)، واعترف المرشد العام بأن الملك حدد له وسيطاً وكان مكلفاً بخدمته وتنفيذ البرنامج الملكي، ومما يذكر أن فاروقاً لم يشر بأن يلتزم الإخوان سياسة معينة، لكنه عرف فيما بعد أنه اتفق على إحالة الجماعة إلى جمعية خيرية في مدى عشر سنوات على الأكثر، وطلب أن يتجنب الإخوان خوض الانتخابات في أي صورة من الصور حيث أن الإشتراك في الانتخابات ممارسة للسياسة (90)
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في مساء يوم المقابلة وعقب عودة المرشد العام إلى منزله وجد الوسيط ينتظره ودار بينهما حديث عرف منه الهضيبي المهام الموكولة لهذا الوسيط (91)
وينقل السفير البريطاني لحكومته ملخص المقابلة وبين أنها ارتكزت على الحوار حول الشيوعية كعدو رئيسي، ويسجل أن المرشد العام أكد أنه ليس لدي الإخوان النية في حمل السلاح وأنهم يساندون تطهير الإدارة، ويشير إلى أن اللقاء اتسم بالود، ويعلق على أن الهضيبي أصبح مقرباً من الملك، وتبعث لندن لسفيرها تبلغه بما يتردد على ألسنة البعض في السفارة المصرية حول قرار فاروق بشأن ضم الإخوان إلى جانبه، وأن ذلك يرجع إلى الرغبة في تكوين جبهة قوية ضد الوفد (92).
ومثل ذلك الواقع ففي تلك الفترة كان الملك يعد الأمر وينتظر اللحظة التي يعمل فيها ضد النحاس، وهذا ماصرح به حافظ عفيفي لعميد الجالية البريطانية في مصر حيث أوضح أن الاستقبال الملكي للمرشد العام نوع من التخطيط لذلك (93)
كما أن فاروقاً كان على دراية تامة بالوضع المتدهور الذي وصل إليه وفقدانه للشعبية نهائياً، ومن ثم أراد احتواء الجماعة علّها تعطيه جزءاً مما انتزع منه لما لها من تأييد شعبي ودور وطني وحتى لا تتحول إلى جبهة المعارضة وتتخذ موقفاً مضاداً له.
أما من ناحية الإخوان، فقد خرج الهضيبي من المقابلة فتوجه إلى المركز العام حيث اجتمع مكتب الإرشاد، وألقى تصريحاً موجزاً عنها، وعرض الاتجاهات الخاصة بالإخوان وخاصة ما يتعلق بالشيوعية، واشترك باقي الأعضاء في المناقشات التي كان لها طابع الحدة (94). ومما يدل على الاختلافات التي سرت بينهم، ولكن الهضيبي بحكم السلطة المخولة له أجرى بعض التعديلات في الجهاز السري حيث أبعد صالح عشماوي ومن على شاكلته نظرا لتضارب وجهات النظر ومن بينها الشكل الجديد للعلاقة مع الملك (95).
واستعاد الإخوان مكانتهم وعادت لهم ممتلكاتهم وأموالهم التي كان محجوزاً عليها، وقد أصبح ذلك ضرورة شرعية بعد حكم مجلس الدولة، ويستعرض السفير البريطاني للندن تحليلات هذا الإجراء، فيذكر أنه ترجم على أساس أنه محاولة من الحكومة لكسب الإخوان، وأن البعض يعزوه إلى أنه ثمرة التقارب بين الإخوان والقصر(96).
والقول الأخير هو الأقرب للصحة، ومضى المرشد العام في تحركاته وقام بزيارات إلى الأقاليم، خطب فيها وركز على تطهير الأمة (97)، كما صرح بإقصاء أعمال العنف وفي ذلك ما يرضي فاروق، +ونفي ما أشيع من أن الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص، وبين أن الكفاح العملي قد يأخذ صوراً مختلفة غير مقاطعة الإنكليز (98)، ومثل هذه التصريحات جعلت ستيفنسون يصف تصرفاته بالرزانة (99). (100).

13 - تهنئة الهضيبي لحافظ عفيفي (عميل الإنكليز) وما أحدثه من أزمة في صفوف الإخوان وغضب الهضيبي لذلك:
في نهاية عام [1951] عين الملك حافظ عفيفي المعروف بولائه للإنكليز رئيساً للديوان الملكي فذهب إليه الهضيبي ليهنئه وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه القصة:
يقول صالح عشماوي في مجلة الدعوة: "ففي يوم أول يناير سنة [1952] ظهرت الدعوة وفي صدرها مقال بقلم كاتب هذه السطور تحت عنوان [لا مفاوضة ولا معاهدة] جاء فيه «كان تعيين حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي بمثابة قنبلة في الميدان السياسي، ففي الوقت الذي كفر فيه الزعماء والوزراء بأسلوب المفاوضات، وفي الوقت الذي التقت فيه الحكومة مع الشعب - لأول مرة - علي طريق الكفاح والجهاد، وفي الوقت الذي يستحث فيه الشعب الحكومة لتسرع الخطي في هذه السبيل الوحيدة الموصلة لانتزاع الحرية المغصوبة والحقوق المسلوبة... في هذا الوقت يعين في هذا المنصب الخطير حافظ عفيفي (باشا) صاحب التصريح المشهور الذي (امتدح فيه معاهدة 1936، وأشاد فيه بالدفاع المشترك، وحبذ الاتفاق لا مع انكلترا فحسب، بل ومع أمريكا أيضا!) ثم مضينا نقول:«ولاعجب إذا فهم الشعب من هذه الملابسات والقرائن آن هناك اتجاها إلي العودة إلي المفاوضات والوصول إلي اتفاق سريع مع بريطانيا، وكان رد الفعل - السريع أيضا - مظاهرات قامت في الجامعات في القاهرة والاسكندرية أدت إلي غلقها، ثم انتقلت الحركة إلي المدارس الثانوية والصناعية، وانتشرت المظاهرات فشملت الأقاليم جميعا، وشاركت مدارس البنات ومدارس البنين» ثم علقنا علي هذه المظاهرات التي هتف فيها بسقوط الملك الفاجر «فاروق» فقلنا: «وتدل هذه الظاهرة علي احساس مرهف ووعي ناضج، للشعب عامة والطليعة المثقفة خاصة».
ثم يقول صالح عشماوي في نفس المقال «ولكن هذا الموقف كان أكبر من أن يتحمله، أو يتحمل مسئوليته بعض الرؤساء، فصدرت «الدعوة» وفي صدرها بيان يعلن للناس إن مجلة «الدعوة» لاتنطق إلا باسم صاحبها ولاتعبر إلا عن رأي محررها! وكان هذا البيان بمثابة اشارة الهجوم للبوليس السياسي ولرجال القصر. فقد توالت المصادرات المتتابعة لأعداد «الدعوة» والتحقيق معي بوصفي رئيس التحرير»(101).
ونحن ننقل هنا نص البيان لأهميته «بيان: جاءنا البيان التالي: يكرر المركز العام للإخوان المسلمين أن مجلة «الدعوة» لاتصدر عنه ولاتنطق بلسانه ولاتمثل سياسته وأنها صحيفة شخصية تعبر عن أراء صاحبها ولاتتقيد دعوة الإخوان المسلمين بما ينشر فيها.
عبدالحكيم عابدين
السكرتير العام» (102)

أبو عبد
04-11-2004, 06:38 PM
مواقـــف الإخـــوان مع الحكومـــــات في مصر خلال ستيـــن عامـــــاً


تمــــــــهيـــــد

كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية تحكمها أسرة محمد علي منذ عام [1805م]، واحتل الإنجليز مصر عام [1882م]، وصبغوها بالصبغة العلمانية الكافرة في التشريع والقضاء وفي التعليم والإعلام وغيرها. ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام [1914] - والتي حاربت الدولة العثمانية فيها ضد إنجلترا - سلخت إنجلترا مصر من التبعية للدولة العثمانية وخلعت على حاكم مصر لقب (سلطان) لأول مرة بما يشعر بتحرره من التبعية للسلطان العثماني، واستكمالاً للأطر العلمانية للدولة دفعت إنجلترا الطبقة التي اصطنعتها من أبناء مصر لوضع دستور علماني يرسخ أسس العلمانية في مصر، وكان هذا هو أول دستور مصري بل أول دستور يوضع في البلاد العربية وهو دستور عام [1923]، والذي يعتبر أساس جميع الدساتير المصرية التي وضعت بعده، بل أساس جميع الدساتير في البلاد العربية التي نقلت عنه. ولتدرك هذه الحقيقة سنورد فيما يلي بعض المواد من دستور [1923] مع إيراد مقابلها من دستور مصر الحالي الموضوع عام [1971].
(1) المواد الموجبة للحكم بالقوانين الوضعية.
في عام [1883م] - أي بعد عام واحد من الاحتلال الإنجليزي لمصر - تم إصدار القوانين الوضعية المنقولة أساسا من القانون الفرنسي للحكم بها في المحاكم بمصر، وحلت القوانين الوضعية محل أحكام الشريعة الإسلامية التي لم يعد يطبق منها إلا بعض الأحكام المتعلقة بالأسرة (أو ما يعرف بالأحوال الشخصية).
وقد صدر دستور[1923] ليؤكد إلزام المحاكم والقضاة بالعمل بهذه القوانين، وحذت بقية دساتير مصر حذو دستور [1923] في هذا الشأن وإلى اليوم، ومن المواد الدستورية الملزمة بهذا الكفر:
أ - في دستور [1923]، مادة [6] (لاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون) وهي نفس المادة [66] من دستور [1971].
ب - في دستور [1923]، مادة [31] (تصدر أحكام المحاكم المختلفة وتنفذ وفق القانون) وهي نفس المادة [165] من دستور [1971].
ج - في دستور [1923]، مادة [125] (القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون) وهي نفس المادة [166] من دستور [1971]لا.
(2) المواد الموجبة للعمل بالديمقراطية.
أ - في دستور [1923]، مادة [23] (جميع السلطات مصدرها الأمة) وهي نفس المادة [3] من دستور [1971] والتي وردت بلفظ (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات).
ب - في دستور [1923]، مادة [24] (السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلسي الشيوخ والنواب) وقسمت هذه المادة في دستور [1971] إلى مادتين، مادة [86] وتعطي حق التشريع لمجلس الشعب، ومادة [112] وتعطي حق إصدار القوانين لرئيس الجمهورية.
وهذه المواد تعطي حق التشريع للبشر، وهذا الشرك الأكبر هو لب الديمقراطية، فلا سيادة إلاّ لله تعالى ولا حق لبشر في التشريع لخلق الله تعالى، سبحانه وتعالى عما يشركون.
ويتولى رئيس الدولة (الملك أو رئيس الجمهورية) كما يتولى الوزراء سلطاتهم بموجب هذا الدستور الذي يوجب عليهم التزام الدستور والقانون الوضعي. فينص دستور [1923] في مادته [50] على أنه (قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)، وهو نفس مضمون المادة [79] من دستور [1971] المتضمنة لليمين التي يؤديها رئيس الجمهورية. وتولى على أساس هذه الدساتير الملك فؤاد حتى عام [1936]، ثم الملك فاروق [1936،1952]، ثم محمد نجيب [1952،1954] ثم جمال عبدالناصر [1954،1970]، ثم أنور السادات [1970،1981]، ثم حسني مبارك [1981 ،....]، وأسس حسن البنا جماعة الإخوان عام [1928] بمدينة الإسماعيلية ثم نقل نشاطها إلى مدينة القاهرة عام [1932] في عهد الملك فؤاد. وسترى كيف امتدح الإخوان هذه الدساتير الكافرة وشاركوا الحكومات في وصف الدساتير بالشرعية، كما سترى كيف امتدح الإخوان هؤلاء الحكام بلا استثناء بما يطمس معالم التوحيد ويضيع عقيدة الولاء والبراء، كما أصبح الإخوان عوناً للحكام المرتدين في تسفيه المجاهدين النافرين لدفع الكفر والكافرين ورميهم بصفات التطرف والإرهاب.
وهذا أوان سرد الوقائع الدالة على صدق ماذكرناه عن الإخوان على مدى تاريخهم، وسوف يتضمن هذا الباب أربعة فصول:
الفصــل الأول : عن علاقة الإخوان بالملك.
والفصل الثــاني : الإخوان ورفض الخروج على الحاكم مع الإلتزام بالدستور والقانون.
والفصل الثالـث : الإخوان والأحزاب.
والفصل الرابـع : مقتطفات متفرقة.

الفصل الأول:
الإخوان والمـلك

1 - إظهار التأييد للملك في صحف الإخوان ورسائلهم والعديد من مواقفهم
لم يَكُفّ الإخوان عن إظهار تأييدهم للملك منذ أن كونوا جمعيتهم في الإسماعيلية رغم مادبره الملك ضدهم.
وعن بداية هذه العلاقة يذكر الشيخ البنا في مذكراته أنه في فترة وجود الجماعة بالإسماعيلية وشى به البعض لدي السلطات واتهموه بالسب في الذات الملكية، وثبت من التحقيق بطلان التهمة وأن البنا كان يملي على طلبته موضوعات في الثناء على الملك ويعدد مآثره كما أنه دفع العمال يوم مرور الملك بالإسماعيلية إلى تحيته وقال لهم: "لا زم تذهبوا إلى الأرصفة وتحيوا الملك حتى يفهم الأجانب في هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه، فيزيد احترامنا عندهم" وكان ذلك دافعاً لأنّ يكتب أحد رجال البوليس تقريراً بهذه المناسبة يقترح فيه تشجيع الحكومة للجماعة وتعميم فروعها في البلاد لأن في ذلك "خدمة للأمن والإصلاح" (1).
أما عن دعوة الخلافة فإن جريدة الإخوان المسلمين قد نادت بها لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم. (2) وقد طالب كثير من الحكام المرتدين بالخلافة الإسلامية لأنفسهم بعد إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً عام [1924]، كان منهم الملك فؤاد ثم ابنه فاروق وكلاهما كان يحكم بمقتضى دستور [1923] العلماني.
وأمام ازدياد نشاط المبشرين وقعت الجماعة خطاباً إلى الملك فؤاد سنة [1933] تطلب فيه وضع حد لهذا النشاط، واختتمت نداءها بكلمة: "لازلتم للإسلام ذخرا، وللمسلمين حصنا" (3). وعندما مات فؤاد رثته صحيفة الإخوان بمقال بعنوان [مات الملك يحيا الملك] كان الغرض من ورائه هو جذب عطف ولي عهده الملك الجديد - فاروق - الذي كان يتولى رعايته رجل ديني هو الشيخ المراغي - على أسلوب الجماعة ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان كما ذكر المقال - يتحلى بها والده (4)، وكما والت الصحيفة نشر عدة مقالات تدور حول هذا الغرض تصف فيها فاروق: "بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله واتباع أوامره، واجتناب نواهيه" (5)
وتحت عنوان [جلالة الفاروق المثل الأعلى لأمته] تولت جريدة الإخوان المسلمين مهمة تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين كيف ملك قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه إلى مسجد أبي العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتي بالقصص التي تنم على أن هناك الأبناء الفاسدين قد قوموا وعرفوا طريق المساجد وانصرفوا إليها، والسبب أنهم اتخذوا من الملك الأسوة الحسنة، وبالتالي اعتبرته المثل الأعلى لأمته.(6).
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [حامي المصحف] ليثبت المعنى وينشر الدعوة، فيذكر أنه أثناء رحلة فاروق للصعيد أخرج أحد المرافقين له فصاً أثريا وقال إنه الذي يجلب له الحظ والخير، وأخرج آخر مفتاحاً وادعى مثل هذه الدعوى، فما كان من فاروق إلاّ أن أخرج مصحفاً وقال : "إن هذا هو مفتاح كل خير عندي" ويصل زعيم الإخوان إلى أنه إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه في الدنيا والآخرة فحسب ولكنه بذلك يضمن لمصر "حسن التوجيه ويحول بينها وبين العناد ويقيمها على أفضل المناهج ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو في الوقت نفسه يضمن ولاء أربعمائة مليون من المسلمين في آفاق الأرض وتشرئب أعناقهم وتهفوا أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامي للمصحف فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف، وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله ياجلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك".(7)
وفي التاسع والعشرين من يوليو [1937] انتهت الوصاية على فاروق حيث بلغت سنه ثمانية عشر عاما قمرية وأصبح ملكاً رسمياً على البلاد وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفاً أو يزيد - تشاركهم جماعة الشبان المسلمين - من فرق الرحالة (الجوالة) ووفود شعبهم في الأقاليم وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، ولم يحدث مايعكر صفو المظاهرات.
وانهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين - رافعين أعلامهم يهتفون: "الله أكبر ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله" (8).
وجاء زواج الملك سنة [1938] ليحدث مايعكر صفو العلاقات بين جماعة الإخوان والملك فقد اعتكفت عن المشاركة في حفل الزواج لما حدث به من اختلاط ورقص وخمور في وقت ينادونه فيه بأمير المؤمنين، وألقت اللوم في ذلك على الشيخ المراغي وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام، لكن الجماعة مع ذلك أعلنت عن عدم تخليها عن تأييد الملك والسعي معه لتحقيق أمنية الخلافة وأعلنت صحيفتهم إنهم يهبونه الروح (9).
ونشرت جريدة الإخوان في هذه الفترة عدة مقالات لكتاب تابعين للملك وقد لقب أحدهم نفسه بـ "المحرر العربي بالديوان الملكي الإسلامي" (10)
وكان الإخوان قريبي عهد بالخروج إلى المعترك السياسي، فدعوا إلى إلغاء الأحزاب السياسية واستعدوا لخصومتهم لكنهم في الوقت نفسه أكّدوا استمرار علاقتهم بالقصر الذي لقي في دعوتهم استحسانا لما ستؤدي إليه من توسيع سلطانه، فتنشر جريدة النذير في عددها الأول مايؤكد ذلك حيث يقول البنا في نهاية المقال الإفتتاحي: "وإنّ لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملاّ محققاّ" (11).
ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ساءت فيه علاقة فاروق بوزارة محمد محمود، انقلب الإخوان عليها، وكان واضحاً تعاطفهم مع علي ماهر ورغبتهم في توليه السلطة واعتبروا أن السبيل للحكم الصالح إلغاء الأحزاب. ويكتب حسن البنا في النذير مقالا بعنوان [إلى مقام صاحب الجلالة الملك فاروق الأول] يرفع فيه المرشد العام الرجاء للملك بناء على الجهر بالحق وتقديم النصيحة، بين حاجة مصر إلى الوحدة والاستقرار، ويمس الوتر الحساس لدي فاروق، فيشير إلى أن مصر زعيمة للعالم الإسلامي، وعليه لا بد أن تكون القدوة، والإسلام لا يعرف الفرقة ولا يقر الخصومة والتمزق ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية (12).
وتغالي جريدة الإخوان المسلمين في مدح فاروق بل قد وصل الأمر بالصحيفة إلى التغني بمكارمه والإشادة إلى تأثر رجال الوعظ والإرشاد به وقولهم الشعر فيه رغم أنهم لا يصوغونه إلاّ لدافع قوي يتصل بمهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الشعر الذي يعبر عن رجاء أن يُظل التاج المصري يوماً الأمم العربية والأعجمية ويستعيد الإسلام مجده، وتنتهي إلى أن الإخوان المسلمين يعقدون الآمال على الملك في خدمة الإسلام والمسلمين (13)
وفي ذكرى عيد الجلوس الملكي رددوا يمين الولاء لفاروق في ميدان عابدين "نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله" (14).
وتحت عنوان [الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين] لا تعتبره النذير مجرد خليفة ولكنها أصرت على أنه يحيي سنة الخلفاء الراشدين وذلك على إثر خطبته في رمضان والتي حملت بين طياتها الترضية للجماعة فيما يختص بالسعي لخير مصر والأمم الإسلامية (15). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق، فحين يتقرر عودته إلى القاهرة، يصدر مكتب الإرشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم، ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (16)
ويكتب حسن البنا تحت عنوان [ملك يدعو وشعب يجيب إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين] مواصلا جهوده ليعتمد فاروق على الجماعة، فيرفع إليه صورة من المظاهر التي لا تتفق مع الإسلام من بؤر الخمور ودور الفجور وصالات الرقص وأندية السباق والقمار والمرأة السافرة المتبرجة، وكيف أن حدود الله معطلة، ويطلب منه أن يصدر أمراً ملكياً بألاّ يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام "فإنه مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة... إن الجنود على تمام الأهبة، وإنّ الكتائب معبأة وقد طال بها أمد الانتظار" (17). فانظر كيف جعل البنا أتباعه جنوداً لملك كافر.
ويأتي حادث4 فبراير [1942] - وفيه فرض الإنجليز على الملك أن يولي الوزارة للوفد بقوة السلاح - وتزداد كراهية الإخوان للوفد ولكن الملك لم يسترح لحسن البنا الذي استخدم سياسة منتصف العصا بين الوفد والملك وادرك فاروق ذلك ومن ثم تصرف المرشد العام بسرعة، وبإعادة إصدار صحيفة الإخوان في [29] أغسطس[1942]، يتصدر الغلاف صورة فاروق وفي يده المسبحة، ويذهب وفد برئاسة حسن البنا إلى قصر عابدين لرفع هذا العدد "إلى صاحب الجلالة الملك المحبوب أيده الله"، وتتكرر نفس الصورة مرة ثانية مع الاحتفال بعيد الهجرة، ومرة ثانية وهو ملتح وكتب تحتها "القدوة الصالحة" (18). وراحت بعض الأقلام تسطر عن تاريخ محمد علي ومآثره (19)
ويرأس حسن البنا وفداً من المركز العام ويسافر به إلى القصاصين عقب حادثة الملك، وتنتقل إليها وفود من شعب الأقاليم وفرق الجوالة وتصفهم صحيفة الإخوان بأنهم "يحدوهم جميعا شعورهم نحو مليك البلاد حفظه الله وعجل له بالعافية وسرعة الشفاء" (20) وتشيد بفاروق عندما ترك الاحتفال بعيد ميلاده وذهب إلى الصعيد "يواسي المنكوبين منه ويزور الفقراء المعدمين ويصلهم بعطفه وبره" (21).
بهذه الصورة أثبت الإخوان ولاءهم للملك حرصاً منهم على المحافظة على الأرض التي اكتسبوها، وإيماناً بأن الحكومات غير مستقرة ولكن العرش ثابت (22)
وبإقالة الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الانعطاف كلية نحو القصر والحصول على المساندة الملكية، وراحت صحيفة الإخوان تظهر رياءها للملك، فتنتهز فرصة عيد ميلاده [1945] فيحمل غلافها صورته (23)، وتسطر بأن عيد الملك هوعيد الشعب وأن الحب الذي يكنه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل (24)، ويشيد حسن البنا في مقاله [رحلة الحجاز] بالمقابلة بين فاروق وابن سعود، ويبعث ببرقية باسم الإخوان إلى رئيس الديوان لرفعها للملك يهنئه فيها بسلامة العودة وأنه "يعز الإسلام والعروبة بالفاروق العظيم" (25).
وفي عريضة بعث بها حسن البنا إلى الفاروق في نهاية يونيو [1945] يطالبه بإلغاء الأحكام العرفية ويختمها بقوله: "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء الفاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة" (26)
وفي حديثها عن سياسة فاروق العربية تشيد صحيفة الإخوان بهذا وتقول: "إن هذه الصلات الكريمة بين جلالتكم وبين ملوك العرب وامرائهم ورؤساء حكوماتهم لتعتبر قوة كبرى" (27)
وبمناسبة لقاء فاروق بابن سعود تشيد بجهود الأول في تدعيم النهضة الإسلامية وبناء الجامعة العربية، وتتصدر صوره مع الضيوف العرب صفحاتها (28)
وبمناسبة تولي صدقي للوزارة يقف زعيم الإخوان في الجامعة ليوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد -(29).
وتمضي صحيفة الإخوان في طريقها، فيبعث المرشد العام برسالة إلى الملك. عندما بدأت المفاوضات - مفاوضات الجلاء بين صدقي والإنجليز - مشيراً إلى أنه معقد الآمال والرجاء (30)
واستمرت المجلة على نهجها واحتلت صور فاروق أغلفتها، وهو قائم يصلي وهو يستمع إلى آيات الذكر الحكيم وهو يحتفل بالمناسبات الدينية، وتقيم فرق الجوالة الاحتفالات بالمناسبات الملكية، ويخطب المرشد العام ليهنئ ويدعو أن يعز بالفاروق الإسلام (31).
وقامت حرب فلسطين، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم، وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية (32).
وتكتب بمناسبة ذكرى تولي فاروق سلطاته الدستورية تقول: "إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4 فبراير المشؤم قد أظهرت وطنية الملك المفدي في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يامولاي ماشئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين"(33). هذا في الوقت الذي كان فيه فاروق متورطاً في قبض عمولات من صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري بفلسطين وكانت القضية منظورة أمام المحاكم، وكان فاروق في هذا الوقت - منتصف [1948] - قد بلغ الغاية في المجون والفجور وقد شاعت فضائحه الاخلاقية في شتى أنحاء مصر.
ويرسل حسن البنا على صفحات النذير في[8] المحرم [1358هـ] هذه الرسالة إلى فاروق التي وصفتها مجلة الدعوة فيما بعد بـ [الكلمات الخالدة]: "اعتقد ياصاحب الجلالة أن الإخلاص للإسلام والعرش والوطن يفرض على أن أضع تحت نظركم السامي صورة مصغرة جداً من المظاهر العجيبة التي تتنافى مع الإسلام" ثم يقول أيضاً: "يا صاحب الجلالة، حدود الله معطلة لاتقام وأحكامه مهملة لايعمل بها في بلد ينص دستوره على أن دينه هو الإسلام" و يسترسل في وصف المفاسد ثم يختم رسالته بقوله: "قلها كلمة منقذة، واصدره أمراً ملكياً كريماً، ألاً يكون في مصر المسلمة إلاّ مايتفق مع الإسلام" (34).
ولا تنسي مجلة الدعوة تهنئة فاروق بعيد جلوسه على العرش فعلى غلاف العدد [15] تظهر صورة الملك في وسط الصفحة وبجانبها كتبت المجلة "عيدان سعيدان احتفل يوم الأحد الماضي في جميع أنحاء وادي النيل بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول على عرش أجداده العتيد....
كما احتفل بزواج جلالته بحضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان.....
والدعوة إذ تتقدم بعظيم التهنئة بالعيدين، تبتهل إلى الله العلى الكبير أن يحفظ ذات الملك وأن يجعل أيامه كلها أعياد سعيدة وأن يعزه بالإسلام ويعز الإسلام به" (35)
في الوقت الذي كانت المظاهرات تهتف ضد مباذل فاروق حتى لقد هتفت الجماهير عندما طلق زوجته الأولى "خرجت الطهارة من بيت الدعارة"، ولكن مجلة الدعوة أيضاً في السنة التالية لم تفوت فرصة عيد الجلوس الملكي، ففي العدد [64] وقبيل انقلاب يوليو بحوالي شهرين ونصف تظهر صورة فاروق على الصحفة الأولى وبجانبها كتبت الملجلة "عيد الجلوس الملكي، تحتفل مصر اليوم بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان على عرش آبائه وأجداده، ونحن إذ نرفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى الأسرة المالكة الكريمة أجل تهانينا.... ندعو الله مخلصين أن يجيء هذا العيد الميمون في العام المقبل ووادي النيل يرفل في حلة قشيبة من حلل الحرية الحقة والاستقلال الكامل والوحدة المنشودة"(36).
ولكن المولى جلت حكمته لم يستجب دعاءهم فلم يأت هذا العيد الميمون في أي عام تال، وحلت محل صور فاروق صورة محمد نجيب على عدد خاص أصدرته الدعوة عن حركة الجيش (37).
أما حسن الهضيبي ففور تعيينه مرشداً عام يذهب إلى قصر عابدين في [14/11/1951] ليوقع في سجل التشريفات مظهراً تأييده وطاعته لقاتل شيخه ويصحبه في ذلك لفيف من قادة الإخوان ونشرت صحيفة الجمهورية صورة موثقة من التوقيعات (38).
وتشكك د. لطيفة محمد سالم في أن كل من كتب اسمه قد صاحب المرشد نتيجة الصراع داخل الإخوان حول هذا التصرف ولكنها تؤكد أن المرشد قد ذهب ومعه بعض القيادات (39).
أمّا عن زيارة حسن الهضيبي للملك في [20/11/1951] فسنفرد لها فقرة خاصة لأهميتها ولكننا نسجل هنا أن حسن الهضيبي قد زار قصر عابدين فيما نعلم ثلاث مرات (إن لم يكن أكثر) ليوقع في سجل التشريفات، مرة عند تعيينه وقد ذكرناها.
والمرة الأخرى في [16/1/1952] يتوجه للقصر مهنئاً بمولد ولي العهد في وقت كانت الجموع تهتف في الشوارع ضد فاروق، وضد فساده.
والمرة الثالثة يوقع في سجل التشريفات في [25/5/1952] رافعاً ولاءه مستنكرًا هذه الصيحات التي تعالت ضد الأعتاب السامية مبرئاً الإخوان من الاشتراك في مثل هذه الأعمال (40).
ومن الطريف أن أحد كتاب الإخوان وهو فريد عبدالخالق بعد كل هذا يقول إن الهضيبي "كان الوحيد بين الزعماء السياسين الذي لا حاجة به إلى مصانعة الملك"؟؟؟ (41).
وأختم هذه الفقرة بكلمتين لعمر التلمساني لا أظنه يحترم فيهما ذهن القارئ ويدخلان تحت قول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحــكات ولكنـه ضحــك كالبــكا
أما الأولى فيقول عن فاروق: "واستقبله الإخوان استقبالاً باهراً، لا ليظهرواً قوتهم أمامه، ولكن ليعربوا عن فرحتهم به، وليعلم أن القوة والمنعة في الإسلام"!! (42).
أما القول الثاني فقوله: "من يدري لو لم تقم حركة الإخوان المسلمين في مصر عام [1928] ماذا يكون الحال أيامنا هذه؟! كان الملك فاروق رحمنا ورحمه الله مستقراً على عرشه تسنده قوة الجيش والشرطة"(43)
وسوف يرى القارئ فيما بعد كيف يوزع عمر التلمساني الرحمات على من حاربوا المسلمين وقتلوهم وعذبوهم، اللهم أدركنا برحمتك ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.
2 - الجوالة والملك:
استغل حسن البنا استعراضات الجوالة ليظهر قوة الجماعة ويظهر بها أن جماعته القوية تؤيد الملك وتسانده، فقد كان أول ظهور للجوالة في شكل استعراض عند تنصيب الملك فاروق على عرش مصر [1937] (44).
وتستمر احتفالات الجوالة بالمناسبات الملكية فتشارك في الاحتفالات بعودة الملك للقاهرة بعد اصابته في حادث سيارة في القصاصين (45). ويلاحق الإخوان تحركات فاروق فحين يتقرر عودته للقاهرة، يصدر مكتب الارشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" (46)
وزار الملك عبدالعزيز آل سعود مصر فكانت فرصة لاستعراض الإخوان لجوالتهم أمام شرفة قصر الضيافة وكان يقف إلى جواره أحمد السكري الوكيل العام للإخوان واندس حسن البنا بين الجماهير يشاهد الاستعراض وتكررت الاستعراضات في عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه (47) وتصف النذير الجوال بأن عليه أن يكون مخلصاً لله وللوطن وللملك ولوالديه ولرؤسائه ومرؤوسيه (48).
3 - عقد المؤتمر الرابع للإخوان المسلمين:
عقد الإخوان المسلمين مؤتمرهم الرابع عام [1937] بمناسبة تتويج فاروق خلفا لوالده وللاحتفال بهذه الذكرى (49).

4 - السعي للمناداة بالخلافة لفاروق:
سعت صحف الإخوان إلى المطالبة بإقامة الخلافة وتولية فاروق لها واغراءه بذلك.
فتحت عنوان [الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم] نادت بالخلافة لفاروق في محاولة استغلال مابدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم (50)، وحين انتقدت مجلة الإخوان المسلمون المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك وجهت اللوم للشيخ المراغي!! لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام وكتبت هذا المعنى في مقالات تحت عناوين [هدية الإخوان المسلمين إلى عرش مصر]، "إلى الأستاذ الأكبر أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟" كما أكدت مجلة القلم الصريح هذا المعنى تحت عنوان [الخلافة الإسلامية] وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة تقضي على المفاسد وبخاصة البغاء والخمور (51).
ولقد قرر الدكتور زكريا سليمان بيومي المتعاطف مع الإخوان المسلمين كما يصف نفسه في مقدمة بحثه عن الإخوان المسلمين وأن نظرته منبثقة من داخل الحركات الإسلامية (52) - هذا الأمر حيث يقول: "إن الجماعات الإسلامية (ممثلة في جماعتي الإخوان وشباب محمد) قد هادنت القصر بل مالأته أحياناً ونادت له بالخلافة رغم معاداة سلوكه - في الغالب - للحركة الوطنية والشريعة الإسلامية مما اعتبر جنوحاً من هذه الجماعات إلى طريق معاداة الحركة الوطنية فضلاً عن إسهامها في الإساءة إلى منصب الخلافة نفسه" (53).
وكما رأى القارئ مما سبق، وكما سيرى - إن شاء الله - مما يلي، كيف أفرط البنا والإخوان في مدح الملك والثناء عليه ووصفه بالإسلام والتقوى، وهو ملك مرتد كافر فاجر يحكم البلاد بموجب دستور علماني وقانون وضعي. إن هذا المسلك الإخواني يطمس التوحيد والإيمان، ويميع عقيدة الموالاة والمعاداة، ويُعَمِّي على المسلمين أعداءهم بخلاف ما أمر الله تعالى به من وجوب معرفة المجرمين وسُبُلهم، قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} [الأنعام]، فالله يريد أن يبين لنا سبيل المجرمين، والإخوان يُعمُّون على هذا السبيل حتى لا يعرف المسلم صديقه من عدوه، وحتى يقع المسلم فريسة سهلة لعدوه وهو في غفله.
ولم يكتف الإخوان بهذا التمييع العقائدي بأقوالهم ومواقفهم، بل أصَّلوا هذه الميوعة تأصيلاً شرعياً وجعلوها من عقائدهم عندما أعلن مرشدهم الثاني حسن الهضيبي مبدأ "دعاة لا قضاة" وألف كتاباً ينهي فيه أتباعه عن الخوض في مسألة الحكم الشرعي في الواقع الذي يواجهونه. وكان عاقبة هذا الخلل الشرعي أن دخلت حشود الإخوان السجون والمعتقلات مرة تلو أخرى، ليخرج بعضهم من السجون وكل منهم قاض يحكم على غيره بالكفر دون ضابط ولا وازع، وكل هذه الضلالات يحمل وزرها قادة الجماعة الذين لم يبصروا أتباعهم بحكم الواقع الذي يواجهونه.
قال رسول الله e: «كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته» الحديث، متفق عليه.
وقال رسول الله e: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» الحديث، رواه مسلم.
فهل يعتبر الإخوان بهذا؟، وهل تعتبر بقية الجماعات الإسلامية بهذا؟، قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر].
5 - التفاهم مع الملك على إزاحة النقراشي في مقابل اظهار التأييد للملك في فبراير [1946].
يحكي أحمد عادل كمال عن هذه الحادثة ووقتها كان طالباً في الجامعة فيقول: "وفي منتصف الليل تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي الحلمية الجديدة أمام البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش... حسن البنا. وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا. وكان موقف حسن البنا حاسماً وواضحاً... لقد أساء النقراشي بالاعتداء على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثماً إلاّ لمطالبة بأمانينا القومية... إنهم لم يطلبوا إلاّ جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لا بد أن يخرج النقراشي من الوزارة ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك"
ويقول أيضا: "وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب. اتصل بي عمر أمين سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالباً بكلية الهندسة وطلب إلى الحضور مندوباً عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبدالمنعم بـ "الدقي" لمقابلة رئيس الديوان الملكي!، وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر الكليات.
كنت في العشرين من عمري، وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ /مصطفى أمين، وكان هو نفسه حاضراً، كما شهد جانباً من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي للقصر الملكي.
وجاء الباشا وكان حريصاً كل الحرص إن يتباسط معنا في الحديث، وذكر أن الملك شاب مثلنا وأنه يحبنا لأننا من جيله ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم يكن منتبهاً فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك الأمر ولكن بعد فوات الأوان. واستمر يقول إنه لذلك فهو - جلالة الملك - عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة. وأجبنا بأن النقراشي أساء وضربنا، وقال هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك وأنه كان باستطاعتنا أن نشكو النقراشي إلى الملك.
قلنا إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين وزج بإخواننا في السجون ومازال يبحث عنا للقبض علينا!
وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة: النقراشي يخرج من الحكم ويفرج عن المقبوض عليهم وتحفظ القضايا.
ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين تهتف بحياة الملك! حفاظا على كرامتنا في البلاد وقد ضحى الملك بالنقراشي وكان كل مايهمه هيبته هو" (54). وكان مايهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن إخواننا.
وسوف ترى يا أخي أن هذا النقراشي سيأتي مرة أخرى للحكم وسيؤيده الإخوان ثم سيهاجمونه ويقتلونه لأنه خائن.
أما الذي أتى بعده فهو إسماعيل صدقي عميل الإنكليز والمقرب إلى كبار أثرياء اليهود وسيؤيده الإخوان ثم يهاجمونه.
ولا تســـألني كيــف ولماذا إنهم الإخوان... وإنه تاريخهـم!!!!.
6 - تدخل للملك لإعادة البنا بعد نقله والإفراج عنه بعد إعتقاله [1941م]
تدخلت السراي إلى جانب البنا لإعادته إلى القاهرة بعد نقله إلى الصعيد بأمر من حسين سري - رئيس الوزراء - وبوحي من الإنكليز. وكذلك تدخلت للإفراج عنه ووكيله بعد اعتقالهما سنة [1941] (55).
7 - اتفاق حسن البنا مع الملك علي محاربة الشيوعية تحت لوائه:
بعث حسن البنا إلى فاروق بعريضة في أواخر [1945]: "أشار فيها إلى الأفكار القلقة التي تهدد القواعد الأساسية للمجتمع وأن السبيل إلى مواجهتها هو الاعتصام بحبل الله "وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء فاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة"(56).

8 - دعــم المـلـــك للجمـاعـــــــة:
ينقل محمود الصباغ عن العدد [45] من مجلة المسلمون البرقية التالية للسفير البريطاني عقب إعادة البنا بتأثير السراي من الصعيد بعد أن نقله حسين سري رئيس الوزراء بإيماء من الإنكليز.
"إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد."
وقال السفير: "لا شك أن الجماعة استفادت كثيراً من محاباة القصر لها" (57).
وتنقل د. لطيفة محمد سالم عن تقارير الخارجية البريطانية عن وضع الإخوان أثناء وزارة حسن صبري مايلي: "ولم يمسهم الضرر أثناء وزارة حسن صبري حيث ساندهم القصر وواصل إمدادهم بالإعانات المالية التي بدأت منذ [1940]" (58).
كما تنقل أيضاً أن لا مبسون يشكو لحكومته من الجماعة ويبين أنها مستمرة في العمل ضد بريطانيا بتشجيع من القصر (59).
وتنقل أيضا أن الملك قد أوقف المعونات المالية التي كانت تتلقاها الجماعة من القصر ولم يعد هناك تفاهم محدد بين الطرفين بعد اتفاق حسن البنا والنحاس على تنازل البنا عن ترشيح نفسه في مقابل بعض التنازلات من الحكومة (60).
وتذكر أيضاً أنه بسقوط الوزارة الوفدية تغير الوضع ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته وكان على الإخوان الإنعطاف كلية بجانب القصر وإسقاط الفجوة القائمة والحصول على المساندة الملكية، وهذا ماسعوا إليه (61)، وتنقل أيضا إن الملك ذكر للسفير البريطاني أنه على صلة وثيقة بهم، ويشير الي انتشارهم، لكنه يطمئنه بأنهم لا يتدخلون في السياسة (62)
وتذكر أيضاً نقلاً عن مذكرة والترسمارت المستشار الشرقي للسفارة البريطانية حول لقائه مع حسن رفعت وكيل وزارة الداخلية في حكومة النقراشي الذي أخبره أنه ليس هناك ضرر من أن يعطي فاروق لهم بعض التشجيع لأنهم أحسن أداه لمحاربة الشيوعية كما صرح حسن رفعت بأن حسن البنا قد تلقى أموألاً من الاّ يطاليين وألاّ لمان والقصر والوفد لتوسيع تنظيمه (63).
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن الملك ساند الإخوان كوسيلة لمحاربة الوفد في وزارة النقراشي الأولى، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمح النقراشي للإخوان في سبتمبر [1945] بعقد المؤتمر العام لنواب الأقاليم في الوقت الذي منع فيه كل المؤتمرات والاجتماعات، وترتب على ذلك أنهم حصلوا على حرية التجوال والتنقل، وهذا ماكانوا يسعون إليه (64)
وتذكر د. لطيفة أيضاً أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، ويستاء القائم بالأعمال البريطاني لذلك وأنه مع حكومته أصبحا مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة وبالفعل فقد قدمت الجماعة خدماتها في مشاركتها في الحملة على الشيوعيين.
وانعكس الرضا الملكي على الجماعة، فدعى حسن البنا إلى إحدى ولائم قصر عابدين، وجاء في الدعوة أن الحضور بالردنجوت، فاعتذر لأنه لا يملك المال الذي يشتريه به (65). وتنقل د. لطيفة أيضاً عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر [1948] أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإ خوان لأنهم التنظيم الديمابوجي الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروقاً من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة الوفد للحكم (66)

9 - استشارة المـلـك للبنا في تعيين إسماعيل صدقي رئيساً للوزارة:
ولن نسهب هنا في تفاصيل علاقة إسماعيل صدقي بالإخوان، فسنفرد لها موضعاً خاصاً، ولكننا هنا نتناول واقعة استشارة الملك لحسن البنا في تعيين صدقي. تقول د. لطيفة محمد سالم: "عندما وقع اختيار الملك على تولي إسماعيل صدقي الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق.
فقد سر المرشد العام من أنه أصبح يستشار في السياسة العليا ووافق موافقة تامة على الإختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة، ذهب إسماعيل صدقي إلى المركز العام للإخوان وترك بطاقة، ورد له حسن البنا الزيارة. ووقف زعيم الإخوان في الجامعة يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد" (67)
10 - سعـى البنــا للقــــاء المـلـك:
حاول حسن البنا لقاء الملك لطمأنته بأن الإخوان لا يريدون به شراً فيما بين يدينا من مصادر ثلاث مرات، منها واحدة اعترف بها عمر التلمساني في مذكراته وهي التي كانت عن طريق طبيب الملك يوسف رشاد وزوّج إحدى عشيقاته ناهد رشاد (68). ويجمل التلمساني الواقعة فيقول: "وفعلاً التقى طبيبه (أي الملك) الخاص يوسف رشاد بالإمام الشهيد، ولكن الأيدي التي لا تضمر خيرا لشرع الله زرعوا في قلبه (الملك) الخوف من الإخوان" (69).
أما تفاصيل هذه الواقعة فقد بدأت عندما اتصل محمد أنور السادات - عقب خروجه من المعتقل - بالمرشد العام، فأفصح الأخير عن أن المتاعب تأتيه من ناحيتين، ناحية الملك، وناحية الأجانب، وبين أن فاروقاً يشعر بخطورة دعوة الإخوان على أساس أنها تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة، وعليه فإنه يخشى أن يضرب ضربته والحركة لم تبلغ بعد أوج قوتها.
وذكر أن الأجانب يمكن أن يطمئنوا للدعوة لو اطمأن إليها الملك، وأنه يستطيع أن يكسب ذلك لو تقابل معه حيث يمكنه أن يزيل من نفسه الأوهام والشكوك، في الوقت الذي أوضح فيه أنه لا يريد أن يبدأ معه سياسة وفاق أو تعاون، وطلب من السادات التوسط للتنفيذ لدي صديقه يوسف رشاد، وتمت المهمة، وطلب فاروق أن يقابل يوسف رشاد المرشد العام ويستمع إليه وينقل له الحديث ليرى إن كان يقابله، ثم عاد الملك وألغى ما ارتآه، وتكررت المحاولة مرة أخرى، وانتهى الأمر باللقاء، وجرى الحديث الذي خرج منه يوسف رشاد مقتنعاً بخلوص نية حسن البنا نحو الملك والتي استبعدها فاروق.
ولكن الارتياب عاد إلى نفس السادات من البنا لاستمرار علاقة الأخير بالقصر عن طريق غير يوسف رشاد (70).
أما المحاولة الثانية فكانت في نهاية [1948] لما ظهرت في الأفق فكرة حل الجماعة ولم تكن فكرة حل الجماعة وليدة لحظتها، وإنما رددت حولها الأقوال مما ألجأ حسن البنا إلى مرتضى المراغي وكان مديرا للأمن، وتحدث معه بشأن خطورة تنفيذ هذا الإجراء، وأبدى غضبه على النقراشي واتهمه بأنه يكيل التهم للإخوان لدي فاروق وتتضمن أنهم يريدون قتله وينبذون تصرفاته، ورفض المرشد العام وساطة مرتضى المراغي عند النقراشي وبين أنه ممكن الصبر عليه لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، أما الملك فهو باق، وطلب أن ينقل له رسالة شفوية بأن الإخوان لا يريدون به شراً ولا ينبذون تصرفاته وإنهم ليسوا بقوامين عليه، ورجاه أن يقنعه بالعدول عن اتخاذ تلك الخطوة واعتبرها جريمة نكراء، ولكن عندما عرض مدير الأمن العام على مسامع رئيس الوزراء الرسالة عارض في توصيلها للملك. (71).
أما المحاولة الثالثة فكانت عندما اغتيل حكمدار القاهرة، وعقب اغتياله بأربعة أيام أصدر النقراشي أمراً عسكرياً في [8] ديسمبر [1948] بحل جماعة الإخوان وفروعها بالأقاليم ومصادرة أموالها - جاء من بين التهم التي وجهت إليها أنها تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم عن طريق الإرهاب - مما أودي بالمرشد العام الاستغاثة بكريم ثابت - المستشار الصحافي للملك وهو نصراني - وطلب وساطته وأبرز له أهمية الإخوان ومدى الفائدة التي يكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطأً، وأن عليهم قصر رسالتهم على خدمة الدين.
وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدي النقراشي ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها، ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد تسهيلاً لمهمة الحكومة إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة بتاتا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها.
وعندما هم كريم ثابت بالتوسط، وجد فاروق في شدة الغضب على حسن البنا، حيث أخرج من أحد الأدراج نتيجة من النتائج التي تطبعها مصلحة المساحة ومنزوع منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وعلق عليها بأنها صورة الملك الجديد، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور ومن ثم فشلت الوساطة (72).
11 - اختيار الهضيبي مرشداً عاما:
تم اختيار حسن الهضيبي مرشداً عام للإخوان المسلمين بعد وفاة حسن البنا وقد تخطى هذا الاختيار قانون الجماعة إذ إن الهضيبي لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين وأراد التيار الذي اختار الهضيبي لمنصب المرشد العام تحصيل عدة فوائد منها إرضاء الملك وإرضاء القضاة وإبعاد التيار المتطرف وخاصة قيادات النظام الخاص عن القيادة وقد صرح بهذا الإخوان أنفسهم والذين أرخوا لهم كما أن الحوادث نفسها أثبتت أن حسن الهضيبي سعى لإرضاء القصر وللقضاء على الجانب المتطرف من الجماعة كما سنرى في بقية البحث ونحن هنا نعرض لأقوال الإخوان ثم لأقوال غير الإخوان حول اختيار حسن الهضيبي وكلها تدور حول المعاني التي أسلفناها.
يقول فريد عبدالخالق: "واستبشر الإخوان بمرشدهم الجديد، وأولوه ثقتهم، والتفوا حوله، وقد رأوا في اختياره على رأس الجماعة تصالحا مع القضاء الذي ساءته تصرفات بعض الأفراد وارتكابهم حوادث عنف في عام [1948] قبل صدور قرار حل الجماعة، ولا يزال الرأي العام يذكر مقتل النقراشي، واغتيال الخازندار، وفي هذه التصرفات ما شوه صورة الجماعة في نظره، وفي موافقة الأستاذ الهضيبي على أن يكون مرشداً للإخوان المسلمين تصحيح لهذه الصورة" (73).
وسوف نعرض إن شاء الله لهذه الحوادث ونبين مواقف الإخوان السيئة والمتناقضة فيها.
ويقول أيضاً عند كلامه على عمل الهضيبي في الجماعة بعد توليه شئونها: "وكان البناء الداخلي هو الآخر يحتاج إلى علاج بعض المتاعب التي حلت به في أخريات أيام الإمام "حسن البنا"، عندما وقعت تلك التصرفات الفردية عن قيادة وبعض أعضاء "النظام الخاص" بقيامهم بحادثتي الاغتيال اللذين سبقت الإشارة إليهما، دون علم المرشد، وعلى غير منهج الجماعة ووسائلها في تحقيق أهدافها، التي ليس فيها الاغتيال أو العنف، فقد أعتبر حسن البنا ذلك خروجاً على نظام الجماعة" (74)
ويقول صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد وأحد أقطاب الجماعة وصاحب مجلة الدعوة والذي غضب عليه الهضيبي وفصله من الجماعة فيما بعد - في خطابه أمام الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين: "ثم عندما أراد الأستاذ منير دلة تعيين مرشد عام للجماعة، وعندما اقترح اسم الأستاذ حسن الهضيبي، ولم يكن معروفاً لأحد من الإخوان في ذلك الوقت إلاّ العدد القليل، وكيف إنه قال بأن هذا الحل هو الذي يجمع شمل الإخوان ويجعلهم على قلب رجل واحد ويمنع تنازعهم وفرقتهم، وكيف أنهم ذكروا اعتبارات أخرى ومزايا لهذا الاختيار لا محل لذكرها الآن، ثم ذكر كيف أنه تخطى العقبات القانونية" إلى أن قال: "وتمت الإجراءات رغم مخالفتها الصريحة لنظام الجماعة" (75).
ويقول أيضاً في مقال لا حق: "يخطئ من يظن أن الأحداث الأخيرة في محيط الإخوان كانت نتيجة لقرار المكتب القاضي بفصل أربعة من خيرة الإخوان من غير توجيه اتهام إليهم أو تحقيق معهم، وبدون ابداء الأسباب، إنما الحقيقة أن هذا القرار كان عارضاً لمرض أصاب الدعوة منذ مجيء الأستاذ حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة" (76).
وتقول د. لطيفة محمد سالم عن أحداث [1951]: "وعلى آية حال، فإن الاتجاه المتطرف لم يتحكم في الموقف، وضح ذلك في اختيار حسن الهضيبي مرشداً عاماً، وتجاهل الاختيار قانون الهيئة التأسيسية ولم يكن الهضيبي عضواً فيها، ولا في مكتب الإرشاد، ولا رئيس شعبة، ولم يكن يحضر درس الثلاثاء، لكن قيل إن هذا الرجل هو الذي اختاره حسن البنا في أيام المحنة ووكله الإشراف على رعاية أسر الإخوان، وقد عمل بالقضاء فترة طويلة، والواقع أنه لم يتمتع بالشخصية القوية التي تؤهله للزعامة الفردية كسلفه، وكان هذا هو المقصود، نظراً لصعوبة البيعة لأحد العناصر القوية المتنافسة، ذلك من ناحية، وللسياسة الجديدة التي ارتأى الإخوان انتهاجها تجاه فاروق وهي تعتمد على مهادنة القصر لاستعادة الجماعة لمكانتها من ناحية أخرى، فالمختار يمت بصلة نسب لناظر الخاصة الملكية ولرئيس القسم المخصوص الإنجليزي بالديوان، ومعروف عنه دماثة أخلاقه، وكان القصر يسعى لتبوئه المركز.
وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوباً آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وكان أول خطاب وجهه المرشد العام يعكس ذلك حيث قصر نداءه للجماعة على تقوى الله وطاعته وترتيل القرآن"(77).
أما طارق البشري فيرد على القول بأن الملك لم يكن له دور في اختيار الهضيبي بدليل أن الجماعة احتفظت به بعد الثورة فيقول: "وقد لا تكون صلة المصاهرة بين الهضيبي وناظر الخاصة ذات شأن سياسي هام. وهي كذلك ليست بذات شأن هام. بمراعاة استقلالية الدعوة. وبمراعاة ماتكشفت عنه شخصية الهضيبي من صلابة نادرة في أوقات المحن، ولكن يظل اختيار الهضيبي في الظروف السياسية لعام [1951]، اختيار مقصوداً به الملاينة والإيماء بخفوت الجانب المتمرد المشاكس من نشاط الجماعة" ويقول أيضا:ً "إن هذا الخط السياسي الملاين قد تقرر بين الإخوان، في ظروف مد ثوري وتصاعد، فجاءت حركة الإخوان غير متمشية مع الزخم الحاصل، خاصة بعد إلغاء معاهدة [1936]" ويقول أيضاً: "جاءت سياسة اتجاه الهضيبي في الإخوان بإملاء من السياق الداخلي للجماعة والتطور الذاتي لها، جاءت تحاصر التنظيم السري المسلح للإخوان وتعمل على تقليم أجنحته" (78).
وهكذا تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما في [19/10/1951]. وفي [14/11/1951] توجه هو ولفيف من قيادات الإخوان إلى قصر عابدين ليسجلوا أسماءهم في سجل التشريفات بمناسبة تعيين المرشد الجديد لتقديم آيات الولاء لقاتل شيخهم.
وفي [20/11/1951] تحمل سيارة من سيارات الديوان الملكي حسن الهضيبي ليتشرف بمقابلة فاروق الأول ملك مصر والسودان وليخرج من المقابلة فيعلق "مقابلة كريمة لملك كريم"
وهكذا أهدرت قيادة الإخوان دم حسن البنا حين هرولت لتؤيد وتتشرف بمقابلة قاتله.
ويدور الزمان دورته ويقتل عبدالقادر عودة في محكمة اثنان من قضاتها الثلاثة هم: أنور السادات وحسين الشافعي ويهدر الإخوان أيضاً دم عبدالقادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب حين يهرولون ويؤيدون أنور السادات بل ويعتبرون أن له منة عليهم ويذهب عمر التلمساني كما سنرى إلى قصر عابدين مرة أخرى ليسجل امتنانه على إفراج السادات عنهم وهكذا يضيع أيضاً دم عبدالقادر عودة ورفيقاه.
أما دم سيد قطب فكما سنرى من موقف الإخوان منه فليس له بواكي ويدور الزمان دورة ثالثة ويقتل كمال السنانيري في سجن استقبال طرة بيد حسن أبي باشا وزير داخلية مصر الأسبق ويخرج الإخوان من المعتقلات فيتوجهون بالشكر إلى حسني مبارك بل ويبايعونه على رئاسة الجمهورية كما سنرى ولا يرتفع لهم صوت - رغم فصاحتهم في التبرؤ من التطرف والعنف - في المطالبة بدم السنانيري، بل وعندما يقوم بعض الشباب بمحاولة اغتيال حسن أبو باشا يستنكرون مايفعله الشباب ويتبرؤن منه ويعدونه جريمة تستحق العقاب كما سنرى وهكذا ضاع أيضاً دم كمال السنانيري.
وكم من الدماء ستضيع على أعتاب مصلحة الدعوة!!!!
وصدق الله العظيم {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة].
12 - لقـــــاء الهضيبــــي بالمـلـك:
قتل حسن البنا في شارع رمسيس في مساء يوم [12/2/1949] واختير حسن الهضيبي مرشداً عاماً في [19/10/1951] وكان في القصر الملكي يوم [14/11/1951] موقعاً في سجل التشريفات ثم زائرا للملك في يوم [20/11/1951].
وقد أحدثت هذه الزيارة دوياً هائلاً اعترف بها الإخوان أنفسهم وأنكرها كثير منهم لأنها كشفت عن خط جديد في الجماعة وإن كان هذا الخط قد بدأ قبل اغتيال حسن البنا ولذلك فقد أفردنا لهذه الزيارة وماقيل حولها عنواناً خاصاً.
كان أول رد فعل إخواني تقريباً هو مانشرته جريدة الدعوة بعد المقابلة بأسبوع حيث أوردت الخبر التالي: "في الحضرة الملكية: في الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الماضي قصد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين إلى قصر القبة العامر حيث تشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد دامت المقابلة [45] دقيقة، وهذه أول مقابلة رسمية بين جلالة الملك وبين فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، وكانت مثار تكهنات ومبعث قلق في كثير من الدوائر السياسية" (79).
وكان هذا أول رفض مهذب للتيار المعارض للزيارة، أما مؤيدي الزيارة فقد حاولوا تخفيفها قدر الإمكان.
يقول فريد عبدالخالق: "فأما الملك فقد سعى إلى مقابلة المرشد، وتمت المقابلة، ورحب الملك به، وكان مما قاله له: "إنني رجل مسلم وأحب الإسلام وأتمنى له الخير، وقد أمرت بإنشاء مساجد كذا وكذا... فلم يكرهني الإخوان؟… إن الإخوان قد أفهموا خطأ أنني الذي أمرت بحلهم واعتقالهم وباغتيال "حسن البنا"…. هذا والله العظيم خطأ ولم أفعل شيئاً من هذا… إن الذين فعلوا هم السعديون…. النقراشي وإبراهيم عبدالهادي، وفي اللحظة التي تمكنت فيها أقلت إبراهيم عبدالهادي وأمرت الوزارة الجديدة التي عينتها بالإفراج عن الإخوان" ولما رأى أن المرشد لا يرد على سؤاله، أعاده قائلا: "مارأيك إذن فيما قلته، وفي أنني على استعداد أن أعمل للإسلام؟!!" فرد عليه المرشد: "إني سأعرض الأمر على الإخوان ونسأل الله التوفيق". (80).
بل إن مجلة الدعوة في أعقاب ثورة [1952] أحست بحرج الإخوان من هذا التصرف فنشرت لحسن الهضيبي الحديث التالي: "قابل مندوب الدعوة فضيلة الأستاذ المرشد العام وطلب من فضيلته الأدلاء بحديث إلى قراء الدعوة فأبدى فضيلته استعداده الكريم لهذا، فقال المندوب: "مازالت مسألة مقابلة فضيلتكم للملك السابق تثير اهتمام الرأي العام نظراً لمكانة الإخوان ومرشدهم عند الرأي العام. فنرجوا أن تحدثوا قراء الدعوة بشيء عن هذه الزيارة" فقال فضيلته: "الواقع أنه لم يكن في هذه الزيارة شيء غير عادي، فقد ذهبت إلى الزيارة في موعدها، وعندما دخلت على الملك السابق بدأ هو بالتحية فقال: السلام عليكم... ثم بدأ الحديث وواصله واستمر فيه مدة الزيارة كلها التي استغرقت نحو [35] دقيقة.
وقد بدأ بكلمات تتعلق بشخصي وماعرفه عني كقاضي... وتكلم عن الإخوان وأنهم كدعوة إسلامية يحبها الجميع، وإنه رجل متدين بطبعه ويحب الدين، وأشار إلى أن البعض القليل من الإخوان قد انحرفوا وإنه يأمل الخير في الأكثرية كما يأمل نسيان الماضي وبدء صفحة جديدة.
فقلت: إن الإخوان المسلمين ينظرون دائماً إلى المستقبل ويأملون فيه الخير ولا ينظرون إلى الماضي إلا ليستخلصوا منه العبرة المفيدة.
ثم تحدث عن صلة الملك بالشعب وأشار بيديه موضوعة احداهما فوق الأخرى فقال: الشعب ثم الملك ثم الله فوق.... ومعنى هذا أن الملك أقرب للشعب من الله...!!
وهنا تكلمت فقلت: لا... هذا تحديد موضعي فالله سبحانه في كل مكان، ولا مكان له، وهو قريب من جميع عباده... الخ وقلت مايصحح الوضع... فقال الملك: أيوه... تمام ولم يناقشني.
وصحيح أنه حدد لي وسيطاً يكون صلة بيننا ولكنه لم يذكر لي اسمه ولا سألت أنا عنه. وقد خرجت من هذه المقابلة إلى المركز العام وكان بالظاهر فألقيت تصريحاً موجزاً في محاضرة الثلاثاء عن هذه المقابلة.
ثم انصرفت إلى منزلي فوجدت هذا الوسيط في انتظاري هناك ولبثنا بعض الوقت وتحدثنا فعرفت منه أنه مكلف بوضع نفسه تحت تصرفي حتى إذا كان عندي ما أبلغه للملك قام بذلك، ولكني من ناحيتي لم استرح إلى هذا الشخص، ولم أدري لماذا، ولم أكلفه بأي شيء.
وكان مما قاله لي الملك أيضاً إن الإنكليز خارجون من البلد حتماً ولكن الخوف من الشيوعية، وهي لا تتفق مع الدين.
فقلت معقباً: هذا حق..... ولكن يجب أن يطبق الدين بحذافيره ونرعى حق الفقير فوافق على ذلك.
ومما يذكر أن هذا الحديث لم يدون في وقته، وهذا ما أذكره منه... ولكن المؤكد أن الملك السابق لم يذكر الوفد ولا أي حزب سياسي، ولم يذكر القنال ومقاومة الإنكليز ولا حركة التحرير، ولا أشار أقل إشارة إلى أن يلزم الإخوان سياسة معينة، ولا ذكر شيئاً مما تداوله الناس وقت ذاك وذهبت الظنون فيه كل مذهب" (81).
وقد أثبتنا هذا الحديث بكامل نصه لنؤكد أن الهضيبي أقر على اتفاقه مع الملك على شيئين: -
1 - أن هناك قلة منحرفة في الإخوان وأنه لا يوافق على ماوقع منها وأنه يريد أن يفتح مع الملك صفحة جديدة.
2 - أنه متفق مع الملك على محاربة العدو الأهم والذي منه الخوف وهو الشيوعية أما الإنكليز فهم خارجون حتماً.
أما عمر التلمساني فكان واضحاً كعادته فقال عندما سئل: "هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على علاقة الإخوان بالملك فاروق؟".
التلمساني: "كل الذي أعرفه ويعرفه الناس أن المرشد العام طلب لمقابلة الملك فاروق وخرج يقول مقابلة كريمة لملك كريم. ورجال الثورة أخذوا عليه هذا. وفعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع الحكام، نحن لا نريد أن نصطدم بأحد." (82).
ويحاول عمر التلمساني شيئاً من الدفاع عن هذه الحادثة ولكنه لا أظنه احترم ذكاء قراءه بهذا الهزل حيث يقول: "وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة في انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه في جميع نواحيه، ولكنه رفض خشية أن يقال عنه إنه يسعى لمقابلة فاروق، ولأنه كان يرى أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك بمراحل شاسعة وهو أحرص مايكون على هذه الكرامة التي متعه الله بها في مراحل حياته، وأخيراً استدعاه وهو لا يملك إلاّ أن يستجيب، فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها: "مقابلة كريمة لملك كريم".
ثم يسهب في أنها مقابلة كريمة لأن الملك احترمه فيها ثم يقول: "أما وقد كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة أن يصفه بأنه ملك لئيم أو ما أشبه ذلك" (83).
أما الرافضون لهذه الزيارة من قيادات الإخوان فلم يصرّحوا بما في قلوبهم إلاّ عندما انفجر الخلاف بينهم وبين المرشد - بعد انقلاب يوليو [1952] -، فيقول أمين إسماعيل في مجلة الدعوة : "اغتيال جديد: وكان المرشد العام قد قيد اسمه في سجل التشريفات بمناسبة إعلان انتخابه رسمياً" "وتلقف رجال السراي أداء المرشد لهذا التقليد الشكلي فصوروه أنه ووصفوه بأنه+ يعلي تبديلا في سياسة إعلان الولاء للجالس على العرش!! ووصفوه بأنه +يعلي تبديلا في سياسة الإخوان تجاه السراي والملك، وفي عجلة غير مألوفة، اتصلت السراي عصر أحد أيام الثلاثاء بالمرشد العام تدعوه للتشرف بمقابلة الملك بعد ساعة من الزمن فعطل ظرف الاستدعاء كل تفكير إلا التفكير في الاستدعاء لمراسيم المقابلة ذاتها".
"الرعب القاتل: جماعة الإخوان المسلمين وهذا هو كشف حسابها وتلك هي صحيفة اتهامها، تصافح يد فاروق يد ممثلهم ورمزهم!؟ ياله من نصر سياسي!؟
ومن جهة أخرى فإن تحالف الإخوان مع الملك المكروه يفقدهم محبة الشعب ويحول دون اتجاه الناس إليهم، وتمت المقابلة وكانت بين اثنين لا ثالث لهما إلا الله، واستغرقت وقتاً طويلا وبالطبع لم يدر الحديث خلال هذه المدة الطويلة فقط حوّل الجو والتهنئة والسؤال عن الصحة التي هي غاية القصد والمراد من رب العباد... لا شك أنه دار حديث وأي حديث.
لا بد أنه تناول الإخوان، وتناول أهداف الإخوان، وتناول وسائل الإخوان!! ولا بد من ذكر للماضي ومآسيه، ولا بد من أمل في نسيانه أو تناسيه!!
ولا بد من رجاء بفتح صفحة بيضاء ترصد فيها الحسنات ولا مكان فيها للذنوب والسيئات!! ومما ليس منه بد أن يفهم الإخوان أن الحاكم أقرب إليهم من الله - سبحانه وتعالى عمّا يأفكون" (84).
ويقول أيضاً في العدد الذي يليه: "ظروف المقابلة الملكية: كان لمقابلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين لفاروق دويّ شديد في ميدان السياسة المصرية والعالمية، فقد جاءت في يوم [20] نوفمبر [1951]، أي بعد أن بدأت حكومة الوفد والسراي في التراجع عن الموقف الذي أخذ يتطور في القناة بتأييد الشعب عملياً للقوة الرسمية (يقصد المعركة بين قوات بلوكات النظام والإنكليز)" ويقول: "ومن +البديهي أن المرشد العام للإخوان المسلمين يمثل التكتلات الشعبية الواعية العاملة" ويقول أيضاً: "وكذلك فإن الصحف اليومية والدورية كانت تتساءل كل صباح عن دور الإخوان في المعركة، وكانت الصحافة بهذا صدى لما يدور في الرأي العام، وكان الرأي العام كله داخلي وخارجي - يعتقد أن كسب القضية متوقف على اشتراك الإخوان إشتراكاً كاملاً في المعركة"
ويقول أيضاً: "فلماذا إذن لا يحاول فاروق أن يسيطر على الإخوان ويملي عليهم سياسة، كما حاول الأحزاب وكما حاول الإنكليز من قبل...!؟.
وطارت في الجو إشاعات وإشاعات واستند الناس فيما يقولون على صلات وصلات…. قالوا: إن علاقة المصاهرة بين الأستاذ الهضيبي وبين الأستاذ محمد سالم ناظر الخاصة الملكية لها شأن…. وقالوا: إن علاقة النسب بين الأستاذ الهضيبي والأستاذ عمر حسن رئيس القسم المخصوص الإنكليزي لها شأن وأي شأن… وقالوا: إن علاقة الأستاذ الهضيبي بالأستاذ مصطفى +مرعي لها هي الأخرى شأن وشأن، وقالوا: قبل ذلك وبعد ذلك إن عدم +المام الأستاذ الهضيبي +الماماً كافياً بأسلوب الإخوان وتنظيمات الإخوان وتشكيلات الإخوان وأعمال رجالات الإخوان هي السبب الذي جعله+ ينتحي أسلوباً حزبياً لهذه المقابلة الملكية" (85).
وقال أيضاً في العدد الذي يليه: "قلت في العدد الماضي أن مقابلة الأستاذ الهضيبي للملك البغيض المخلوع في [20] نوفمبر [1951]، قد أحدثت أثراً سيئاً في صفوف الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر، كما أحدثت نفس الأثر في التكتلات الشعبية التي كانت تنظر إلى الإخوان نظرة الغريق إلى من ينتشله، والتي كانت تنتظر الإمجاد التي لا بد أن يسجلها الإخوان في معركة القناة.... فلقد كانت المقابلة في وقت بدأت فيه الحكومة والسراي والاقطاع+ تلوي وجهها عما يحدث في القناة، وتدبر كيف تخلص من المأزق الذي وضعتها فيه تصرفات غير مدروسة ما كانوا يظنون أن الشعب سيتلقفها سريعاً ويمضي فيها بجد وبحق مهماً كلفه الأمر، ومهماً كان البون شاسعاً بين امكانياته الساذجة وبين إمكانيات جيش الاحتلال....
وقلت أيضاً أن علاقات النسب بين بعض كبار رجال السراي والأستاذ الهضيبي من ناحية وبينه وبين رئيس القسم المخصوص الذي كان يعمل بوحي الإنكليز من ناحية أخرى، قد أضفت على الموقف الكثير من علاقات الاستفهام وعلامات التعجب...." (86)
وتقول د. لطيفة محمد سالم: "وكانت الخطوة المثيرة، تلك الزيارة التي قام بها الهضيبي للملك بقصر القبة في مساء [20] نوفمبر [1951] واستمرت ساعة إلا ربع وأثارت التكهنات وبعثت القلق في الدوائر السياسية (87). وخرج المرشد العام منها ولم يفض بشيء عما تم في هذه المقابلة الرسمية سوى قوله: "زيارة كريمة لملك كريم" (88). لكنه روى فيما بعد فذكر أنه في نفس ذلك اليوم اتصل به عبداللطيف طلعت كبير الأمناء وأخبره أن الملك يريد مقابلته وحدد له السادسة مساء وطلب منه ألا يخبر أحداً وجرى اللقاء وأشاد فيه فاروق بضيفه من حيث نزاهته وعقليته، وأمل أن تكون رئاسته خيراً، وتكلم عن الدعوة وكيف انحرف البعض من الإخوان، وأبدى رغبته في نسيان لماضي، وعرج على ما يجب أن تقوم به الحكومة لخدمة الشعب، ثم تحول إلى الغرض الرئيسي موضحا: "إن الإنكليز سيخرجون من بلادنا حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين" فأجابه الهضيبي: "نعم الشيوعية تتنافى مع الدين بشرط أن يطبق بحذافيره ونراعي حق الفقير في ثروات الأغنياء"+ فوافق فاروق وطلب من مضيفه تبليغ إخوانه تحياته»(89)، واعترف المرشد العام بأن الملك حدد له وسيطاً وكان مكلفاً بخدمته وتنفيذ البرنامج الملكي، ومما يذكر أن فاروقاً لم يشر بأن يلتزم الإخوان سياسة معينة، لكنه عرف فيما بعد أنه اتفق على إحالة الجماعة إلى جمعية خيرية في مدى عشر سنوات على الأكثر، وطلب أن يتجنب الإخوان خوض الانتخابات في أي صورة من الصور حيث أن الإشتراك في الانتخابات ممارسة للسياسة (90)
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في مساء يوم المقابلة وعقب عودة المرشد العام إلى منزله وجد الوسيط ينتظره ودار بينهما حديث عرف منه الهضيبي المهام الموكولة لهذا الوسيط (91)
وينقل السفير البريطاني لحكومته ملخص المقابلة وبين أنها ارتكزت على الحوار حول الشيوعية كعدو رئيسي، ويسجل أن المرشد العام أكد أنه ليس لدي الإخوان النية في حمل السلاح وأنهم يساندون تطهير الإدارة، ويشير إلى أن اللقاء اتسم بالود، ويعلق على أن الهضيبي أصبح مقرباً من الملك، وتبعث لندن لسفيرها تبلغه بما يتردد على ألسنة البعض في السفارة المصرية حول قرار فاروق بشأن ضم الإخوان إلى جانبه، وأن ذلك يرجع إلى الرغبة في تكوين جبهة قوية ضد الوفد (92).
ومثل ذلك الواقع ففي تلك الفترة كان الملك يعد الأمر وينتظر اللحظة التي يعمل فيها ضد النحاس، وهذا ماصرح به حافظ عفيفي لعميد الجالية البريطانية في مصر حيث أوضح أن الاستقبال الملكي للمرشد العام نوع من التخطيط لذلك (93)
كما أن فاروقاً كان على دراية تامة بالوضع المتدهور الذي وصل إليه وفقدانه للشعبية نهائياً، ومن ثم أراد احتواء الجماعة علّها تعطيه جزءاً مما انتزع منه لما لها من تأييد شعبي ودور وطني وحتى لا تتحول إلى جبهة المعارضة وتتخذ موقفاً مضاداً له.
أما من ناحية الإخوان، فقد خرج الهضيبي من المقابلة فتوجه إلى المركز العام حيث اجتمع مكتب الإرشاد، وألقى تصريحاً موجزاً عنها، وعرض الاتجاهات الخاصة بالإخوان وخاصة ما يتعلق بالشيوعية، واشترك باقي الأعضاء في المناقشات التي كان لها طابع الحدة (94). ومما يدل على الاختلافات التي سرت بينهم، ولكن الهضيبي بحكم السلطة المخولة له أجرى بعض التعديلات في الجهاز السري حيث أبعد صالح عشماوي ومن على شاكلته نظرا لتضارب وجهات النظر ومن بينها الشكل الجديد للعلاقة مع الملك (95).
واستعاد الإخوان مكانتهم وعادت لهم ممتلكاتهم وأموالهم التي كان محجوزاً عليها، وقد أصبح ذلك ضرورة شرعية بعد حكم مجلس الدولة، ويستعرض السفير البريطاني للندن تحليلات هذا الإجراء، فيذكر أنه ترجم على أساس أنه محاولة من الحكومة لكسب الإخوان، وأن البعض يعزوه إلى أنه ثمرة التقارب بين الإخوان والقصر(96).
والقول الأخير هو الأقرب للصحة، ومضى المرشد العام في تحركاته وقام بزيارات إلى الأقاليم، خطب فيها وركز على تطهير الأمة (97)، كما صرح بإقصاء أعمال العنف وفي ذلك ما يرضي فاروق، +ونفي ما أشيع من أن الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص، وبين أن الكفاح العملي قد يأخذ صوراً مختلفة غير مقاطعة الإنكليز (98)، ومثل هذه التصريحات جعلت ستيفنسون يصف تصرفاته بالرزانة (99). (100).

13 - تهنئة الهضيبي لحافظ عفيفي (عميل الإنكليز) وما أحدثه من أزمة في صفوف الإخوان وغضب الهضيبي لذلك:
في نهاية عام [1951] عين الملك حافظ عفيفي المعروف بولائه للإنكليز رئيساً للديوان الملكي فذهب إليه الهضيبي ليهنئه وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه القصة:
يقول صالح عشماوي في مجلة الدعوة: "ففي يوم أول يناير سنة [1952] ظهرت الدعوة وفي صدرها مقال بقلم كاتب هذه السطور تحت عنوان [لا مفاوضة ولا معاهدة] جاء فيه «كان تعيين حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي بمثابة قنبلة في الميدان السياسي، ففي الوقت الذي كفر فيه الزعماء والوزراء بأسلوب المفاوضات، وفي الوقت الذي التقت فيه الحكومة مع الشعب - لأول مرة - علي طريق الكفاح والجهاد، وفي الوقت الذي يستحث فيه الشعب الحكومة لتسرع الخطي في هذه السبيل الوحيدة الموصلة لانتزاع الحرية المغصوبة والحقوق المسلوبة... في هذا الوقت يعين في هذا المنصب الخطير حافظ عفيفي (باشا) صاحب التصريح المشهور الذي (امتدح فيه معاهدة 1936، وأشاد فيه بالدفاع المشترك، وحبذ الاتفاق لا مع انكلترا فحسب، بل ومع أمريكا أيضا!) ثم مضينا نقول:«ولاعجب إذا فهم الشعب من هذه الملابسات والقرائن آن هناك اتجاها إلي العودة إلي المفاوضات والوصول إلي اتفاق سريع مع بريطانيا، وكان رد الفعل - السريع أيضا - مظاهرات قامت في الجامعات في القاهرة والاسكندرية أدت إلي غلقها، ثم انتقلت الحركة إلي المدارس الثانوية والصناعية، وانتشرت المظاهرات فشملت الأقاليم جميعا، وشاركت مدارس البنات ومدارس البنين» ثم علقنا علي هذه المظاهرات التي هتف فيها بسقوط الملك الفاجر «فاروق» فقلنا: «وتدل هذه الظاهرة علي احساس مرهف ووعي ناضج، للشعب عامة والطليعة المثقفة خاصة».
ثم يقول صالح عشماوي في نفس المقال «ولكن هذا الموقف كان أكبر من أن يتحمله، أو يتحمل مسئوليته بعض الرؤساء، فصدرت «الدعوة» وفي صدرها بيان يعلن للناس إن مجلة «الدعوة» لاتنطق إلا باسم صاحبها ولاتعبر إلا عن رأي محررها! وكان هذا البيان بمثابة اشارة الهجوم للبوليس السياسي ولرجال القصر. فقد توالت المصادرات المتتابعة لأعداد «الدعوة» والتحقيق معي بوصفي رئيس التحرير»(101).
ونحن ننقل هنا نص البيان لأهميته «بيان: جاءنا البيان التالي: يكرر المركز العام للإخوان المسلمين أن مجلة «الدعوة» لاتصدر عنه ولاتنطق بلسانه ولاتمثل سياسته وأنها صحيفة شخصية تعبر عن أراء صاحبها ولاتتقيد دعوة الإخوان المسلمين بما ينشر فيها.
عبدالحكيم عابدين
السكرتير العام» (102)

أبو عبد
04-11-2004, 06:44 PM
ويقول أحمد جلال باستخدام التلميح «وفي عهد فاروق كان للإخوان المسلمين مجلة وكان الإخوان المسلمون يكتبون فيها عن المآسي والمهازل التي تمت في هذا العهد المظلم، وطالما بينوا رأيهم فيما كان يحدث في عهد الارهاب، وقد تحمل هؤلاء الإخوان التهديد والمصادرة من رجال العهد البائد، بل إنهم قد تحملوا بعض الأذي من بعض «الإخوان المسلمين» وهم ولله الحمد قليلو العدد.
وظلت مجلة الإخوان تكتب عن عهد الإرهاب، وعهد فاروق وتبين للناس إن هذا العهد زائل لامحالة، وإن كل الجهود التي تبذل ان هي إلا محاولة يائسة لزخرفة انقاض هذا العهد أو محاولة فاشلة لانقاذ مالا يمكن انقاذه وتعرض الكتاب في هذا لبلاء لم يعلم به إلا الله وحده، وتعرضت المجلة لقرار يصدر من مكتب الإرشاد بأنها لاتمثل الإخوان المسلمين ولحرب شعواء بين صفوف الإخوان أنفسهم مازالت مستمرة للآن» (103).
أما محمد الغزالي فيقول: بعد أن سرد موقف الهضيبي من كتائب الإخوان الفدائية في القناة، وهو ماسنعرضه تفصيلا فيما بعد، يقول:«فلما تولي حافظ عفيفي باشا رياسة الديوان الملكي يومئذ، وعرف القاصي والداني ان الملك فاروقا جاء به للاجهاز علي حركات المجاهدين واعادة الروابط المتقطعة مع انكلترا، وإقامة حكم يسالم الانكليز ويطعن الفدائيين من الخلف، سارع الاستاذ حسن الهضيبي إلي تهنئة الرجل بمنصبه مراغما بهذا المسلك شعور الأمة الغضبي والإخوان المشدوهين، وغلبني السخط علي ذلك العمل الشاذ ورأيت إنقاذا لكرامة الإسلام ودعوته إن أصور الموقف الذي يجب أن يقفه الإخوان المسلمون فنحن لانتبع ملكا خائنا، ولانؤيد سياسة غادرة، ومن ثم نشرت بجريدة المصري في 31/12/1951 كلمة تحت عنوان «لن تبلغ أمة أهدافها إلا إذا نظفت جبهتها الداخلية» ثم يستطرد بعد أن ذكر كلمته «ماذا في تلك الكلمة يغضب المرشد العام؟ لقد اعتبرني يوم صدورها خارجا علي الجماعة» (104).
وتلخص د. لطيفة محمد سالم هذه الحادثة فتقول: «وتفاقمت الخلافات بين أعضاء مكتب الإرشاد والهضيبي بعد أن استتب الوضع للجماعة، ولكنه نظرا للصلاحيات التي يخلعها النظام علي المرشد العام، أمكنه توجيه سياستها وفقا لمشيئته، ومع نهاية عام 1951 حدث تصدع ظهرت صورته بوضوح عندما ذهب الهضيبي إلي حافظ عفيفي عقب يومين من تعيينه رئيسا للديوان ليهنئه بالمنصب الجديد، رغم أن القاصي والداني علم أن فاروقا جاء به للإجهاز علي الحركة الوطنية ومسالمة الانكليز، وردا علي هذا التصرف كتب محمد الغزالي أحد أعضاء مكتب الإرشاد مقالا في صحيفة المصري بعنوان «لن تبلغ أمة هدفها إلا إذا نظفت جبهتها الداخلية» تكلم فيه عن الإسلام ومناداته بالاشتراكية الإسلامية، ورفض الإخوان الارتباط بأية كتلة معتدية، وأنه لايجوز بقاء أي جندي انكليزي في العالم الإسلامي، ثم يبين أن الإخوان أدوا واجبهم في معركة القناة، وأن للأمة أن تعتمد علي رجولتهم دائما. وغضب المرشد العام من المقال واعتبر الغزالي خارجا عن الجماعة.
وعندما هاجمت مجلة الدعوة تعيين رئيس الديوان، أصدر عبدالحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة بيانا قال فيه إن المجلة لاتصدر عن المركز العام للإخوان ولاتنطق بلسانه» (105).
ويجب ألا نمر مروراً سريعا عندما يرد اسم محمد الغزالي، فهذا الذي حمل راية المعارضة ضد الهضيبي عام 1951 بدعوي تأييد الجهاد، مالبث أن تحول إلي بوق من أبواق الدعاية للطواغيت، يستخدمونه للصد عن سبيل الله بتخذيل المجاهدين وتثبيط همم الشباب المسلم المجاهد، ومن هذا مشاركته في البيان الخبيث الذي أصدرته الحكومة المصرية في 1/1/1989 علي لسان حشد من علماء السوء وأئمة الضلال منهم محمد الغزالي، ومما جاء في هذا البيان:
«إن الإصلاح الذي ينشده الإسلام للمجتمع في شئونه كلها، يعتمد أول مايعتمد علي الإقناع والتربية والحوار العاقل، ويرفض رفضا حاسما اللجوء إلي العنف أو الإكراه أو استباحة حقوق الآخرين باسم الدين. وقد وضعت الشريعة الغراء طرقا واضحة لتغيير العوج والإنحراف ليس منها الاتهام بالكفر أو الطفرة في بلوغ الهدف وذلك ما عنته الآية الكريمة في قوله تعالي:«ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن» ولقد تعددت الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن تكفير المسلم، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله e قال:«إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله e يقول:«من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه أي رجع عليه». ونحن نعتقد في إيمان المسئولين بمصر بأنهم لايردون علي الله حكما ولاينكرون للإسلام مبدأ، وإنهم يعملون علي أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها، تحقيقا وتطبيقا.» إلي آخر بيان الضلال الذي وقعه:
* الشيخ محمد متولي الشعراوي * الشيخ محمد الغزالي * د. يوسف القرضاوي * الشيخ عبدالله المشد * الشيخ محمد زكي إبراهيم * د. عبدالمنعم النمر * محمد الطيب النجار * الشيخ عطيه صقر.
ولم يستح الذين أصدروا البيان من أن يقولوا: إنهم ليسوا من علماء السلطة ولا من رجال الشرطة (الأخبار 2/1/1989). رغم قول وزير الأوقاف محجوب إنه هو الذي اختارهم، وفي جريدة الأهرام 19/1/1989 ص 11 في حوار مع الغزالي سئل (يقال إن وزير الأوقاف كان وراء البيان الذي أعلنه فضيلة الشيخ الشعراوي؟ فأجاب الغزالي: افرض أن وزير الأوقاف تفاهم معنا وقال أريد أن أعرف موقف العقلاء من حملة الدعوة الإسلامية في مسالك بعض الذين يرتكبون أخطاء في أسلوب الدعوة أو في فهمها، فهل يكون الوزير مخطئا عندما يسألنا في شيء من رسالتنا) انتهي.
وهذا نموذج من إفرازات جماعة الإخوان، إذ شارك قطبان من أقطابها في إصدار بيان الضلال: محمد الغزالي ويوسف القرضاوي.
قال تعالي (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لايخرج إلا نكدا) الأعراف.
وقد قامت جماعة الجهاد بالرد علي هذا البيان الخبيث وكشف أباطيل هؤلاء المجرمين وكشف تضليلهم المتعمد للمسلمين، وذلك في نشرتها الرابعة المسماة (كشف الزور والبهتان في حلف الكهنة والسلطان).




* * * *

الفصل الثاني
الإخوان ورفض الخروج على الحاكم
مع الالتزام بالدستور والقانون

قد يعجب القاريء إذا ماوجد في هذا الفصل كثيرا مما يناقض الصورة البراقة التي حاول الإخوان أن يظهروا بها أمام الشباب ولكننا سنترك الوثائق والأدلة والإخوان أنفسهم يحدثونك أيها الشاب عن أنفسهم بأنفسهم.

1 - موقف الإخوان من الدستور:
في التمهيد المذكور في أول الباب الثاني ذكرنا كيف أن دستور 1923 هو الذي قنَّن الكفر والعلمانية بمصر، ويقول حسن البنا في معرض كلامه عن دستور 1923 إن مباديء الحكم الدستوري «تنطبق انطباقا كاملا علي تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم» لكونهما يهديان إلي «المحافظة علي الحرية الشخصية بكل أنواعها وعلي الشوري واستمداد السلطة من الأمة، وعلي مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم علي مايعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات»، وإن «نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلي الإسلام» وهم «لايعدلون به نظاما آخر» (106).
وأعلن صالح عشماوي رغم اعترافه إن الدستور ثوب أجنبي فإن الجماعة لاتنكر الاحترام الواجب له «باعتباره نظام الحكم المقرر في مصر ولا أن تحاول الطعن عليه أو إثارة الناس ضده وحضهم علي كراهيته، وماكان لها أن تفعل ذلك وهي جماعة مؤمنة تعلم أن إهاجة العامة ثورة وأن الثورة فتنة وأن كل فتنة في النار» (107).فأين البراءة الواجبة من الكافرين وكفرهم من هذا الكلام؟.
وأعلن حسن البنا هذا في رسالة (مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي) فيقول: «وعلي هذا فليس في قواعد هذا النظام النيابي مايتنافي مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيدا عن النظام الإسلامي ولاغريبا عنه، بهذا الاعتبار يمكن أيضا أن نقول في اطمئنان أن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لاتتنافي مع قواعد الإسلام وليست بعيدة عن النظام الإسلامي ولاغريبة عنه، بل إن واضعي الدستور المصري رغم إنهم وضعوه علي أحدث المباديء والاراء الدستورية وأرقاها فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية» (108). راجع مانقلناه من بعض مواد دستور 1923 في أول الباب الثاني لتري كيف تتعارض مع عقيدة التوحيد لتعلم مدي تزييف حسن البنا للحقائق ومدي تلبيسه علي أتباعه وعلي المسلمين.
ويتحدث البنا عن مشاكل نظام الحكم الدستوري في مصر فيحددها باثنتين بعد اقراره عدم تنافي قواعده مع الإسلام فيقول:
«ومع ان النظام النيابي والدستور المصري في قواعدهما الأساسية لايتنافيان مع ماوضعه الإسلام في نظام الحكم، فإننا نصرح بأن هناك قصورا في عبارات الدستور وسوءا في التطبيق وتقصيرا في حماية القواعد الأساسية التي جاء بها الإسلام وقام عليها الدستور أدت جميعا الي ما نشكو منه من فساد وماوقعنا فيه من اضطراب في كل هذه الحياة النيابية».
ويكرر الرأي نفسه - مع تسليمه واقراره بأصول نظام الحكم في مصر في تعقيب له علي موقف الأخ صالح العشماوي في مقالات كتبها حول الدستور واجهت انتقادات من بعض الأشخاص - فقال:
«لهذا يعمل الإخوان جهدهم حتي تحدد النصوص المبهمة من الدستور المصري وتعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد وأظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان وردت الأمور الي نصابها الصحيح، ان الأخ صالح افندي قد أراد أن يعبر في مقاله الأول عن وجهة النظر التي يراها الإخوان فاحتد واشتد ولما نبهناه إلي ان هذا ليس موقفنا في الواقع فنحن نسلم بالمباديء الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة بل مستمدة من نظام الإسلام».(109)
فإذا كان هذا هو موقف أول المرشدين فإن آخرهم حامد أبو النصر يقول في خطابه المرسل لحسني مبارك:«هذه الحقائق ياسيادة الرئيس تجعلنا نؤمن إيمانا راسخا بأنه تجاوبا مع روح الشعب المصري وتعبيرا عن إرادته وهو الأصل والدولة وكيل، اعمالا لنص المادة الثانية من الدستور الذي أقسم الجميع علي احترامه وعلاجا للازمات الطاحنة التي يمر بها الوطن المفدي، وخاصة الأزمة الاقتصادية فإنه ينبغي علي الدولة بكافة أجهزتها والمسؤولين فيها أن يتوجهوا إلي مبادي الإسلام الحنيف وشريعته الغراء»(110).
أما عمر التلمساني فيقول في حديثه للمصور:«وأريد ان يحتوي الدستور علي نص يجرم من يعطل الدستور أيا كان موقعه»(111).
ويقول صالح عشماوي:«فلاشك أن الجمعية التأسيسية المنتخبة من الشعب انتخابا مباشرا، هي أصدق هيئة تمثل الشعب، ومن حقها وحدها أن تقر مشروع الدستور الجديد، وبذلك لايكون الدستور منحة من ملك أو حاكم، وإنما حق للشعب من صنعه ووضعه» (112)
2 - لاينبغي أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للقانون
صدرت مجلة المصور وأحد أعدادها يحمل غلافه صورة التلمساني وبجانبها عنوان «مواجهة خطيرة مع عمر التلمساني» وتحته خمسة عنوانين فرعية ثانيها هو العنوان المذكور أعلي الفقرة.
أما في داخل العدد فتسئله المجلة «هل تخاصم الدولة الإسلامية كل قانون وضعي وماالعلاقة بين الشريعة والقانون الوضعي؟.
التلمساني: أبدا الدستور كان كيسا حينما نادي بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ولم يقل المصدر الوحيد».(113).
3 - موقف الإخوان من الانتخابات والبرلمان:
لايري الإخوان أي غضاضة في دخول البرلمانات التي تشرع القانون الطاغوتي بل ويفخرون بذلك ويجعلونه من مآثرهم بل وأنه المصدر لشرعية وجودهم ويصفونه بالطريق الشرعي؟.
فما هو الطريق غير الشرعي إذن؟ الدعوة إلي التوحيد ومعاداة الحكومات الطاغوتية؟ والجهاد؟؟؟. يقول زكريا بيومي «قرر الإخوان في المؤتمر السادس المنعقد في القاهرة سنة 1361 هـ اشتراكهم في انتخابات مجلس النواب حيث اعتبروا أن البرلمان «ليس وقفا علي أصوات دعاة السياسة الحزبية لكنه منبر الأمة يسمع فيه كل فكرة صالحة ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب أو يؤدي إلي توجيهه توجيها صالحا نافعا وأنه لايجب أن يخفت صوت دعوتهم في وقت تعلو فيه الأصوات حيث لاقيام للباطل إلا في غفلة الحق» (114)
ويقول عمر التلمساني عن دخولهم الانتخابات تحت لواء حزب الوفد عام 1984«سنحت الفرصة لنعلي كلمة الله من فوق منبر أعلي هيئة تشريعية فماذا نفعل ونحن لانملك حزبا ندخل عن طريقه ميادين الحركة الانتخابية؟ ولانستطيع أن نرشح أنفسنا كمستقلين» «لم يبق لنا إلا التفكير في قناة شرعية نستطيع عن طريقها الوصول إلي البرلمان:
* حزب التجمع: الخلاف الواسع في الرأي مانع من الدخول معه.
* حزب الأحرار: ليس له قاعدة شعبية في تقديرنا وقد نكون مخطئين.
* حزب العمل الاشتراكي: موقفه من جمال عبدالناصر - رغم مافعله بالإخوان - يحول بيننا وبين الدخول في قائمة واحدة معه.
* لم يبق إلا الوفد الجديد» (115).
فتأمل وصفه لما يفعلونه بأنه قناة شرعية ومن العجيب أنهم تحالفوا مع حزب العمل الاشتراكي بعد ذلك عام 1987 وانفصلوا عن الوفد!! مما يدل علي أن المباديء يمكن أن تتبدل وفقا للمصالح، فأي دين هذا؟.
ويقول أيضا في حديثه مع المصور «والانتخابات دخلناها وأنا أحد الأشخاص الذين دخلوا الانتخابات مرتين مرة عن دائرة نوي قليوبية - ومرة عن دائرة الخانكة، ولم أوفق في المرتين».
«ويقول أيضا في حديث لمجلة المصور «المصور: في انتخابات عام 1949 التي حصل فيها الوفد علي الأغلبية تعاونتم مع حزب الكتلة وكانت القائمة تحتوي علي خمسين مرشحا من جماعة الإخوان المسلمين.
التلمساني: بعضنا دخل الانتخابات مستقلا، والآخر دخل في ظل بعض الأحزاب وكان المرحوم محمد عبدالرحمن نصير من الإخوان المسلمين وكان عضوا في الهيئة التأسيسية وأيضا مع الأحرار الدستوريين.
البنا رشح نفسه في دائرة الاسماعيلية، وأمرت انكلترا الحكم القائم في ذلك الوقت بأن ينسحب ولهذا استدعاه النحاس باشا في مينا هاوس وظل يلح عليه حتي قبل الانسحاب مقابل تنازلات من حكومة الوفد لصالح الإخوان، ونحن لسنا دعاة صدام حتي نكون مصدر لتخريب البلد» (116).
ويقول مبررا لدخوله حزب الوفد: «وكنا نظن بأن الحكومة ترحب بذلك الاتجاه، فطالما طالبت وتحدثت عن الشرعية، ونحن نستخدم الشرعية للوصول إلي مجلس الشعب».
«وإذا كان القانون حرمنا من دخول الانتخابات، وهو الحق المقرر في الدستور، فيكون من حق الإخوان أن يطرقوا أي باب مشروع للتمتع بحقهم الدستوري» (117). والشرعية التي توصل إلي مجلس الشعب هي الديمقراطية الشركية.
ويقول أيضا عن القنوات الشرعية؟؟
«الإخوان سيستمرون في المطالبة بتطبيق الشريعة من خلال القنوات الشرعية سواء من داخل البرلمان أو من خارجه» (118).
ويقول مجيبا عن سؤال: هل الانتخاب إلزام أم اختيار؟
«ولا استسيغ إقحام الدين في هذه المسائل» (119). فما الفرق ياأخي بين هذا الكلام وبين قول أنور السادات (لادين في السياسة)، إذا كان التلمساني لايستسيغ إقحام الدين في الانتخابات.
وتقول مجلة المجتمع «أكد نواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري ان نجاحهم في الانتخابات الأخيرة يعني منحهم الشرعية داخل البرلمان للتحاور مع التيارات السياسية الأخري» (120). أي شرعية؟.
وتقول مجلة المجتمع الإخوانية «إنه ليس هناك حرج شرعي من إنشاء حزب سياسي علي مباديء الإسلام، فالإمام الشهيد حسن البنا، مؤسس الجماعة خاض المعركة الانتخابية مرتين، والإمام الهضيبي رحمه الله قد وافق قبل الصدام مع عبدالناصر علي مبدأ إنشاء حزب سياسي» (121). وهذا الكلام يبيِّن فساد طرق الاستدلال الشرعي عند الإخوان فالحجة عندهم في أعمال مرشدهم لا في الكتاب والسنة.
4 - لامانع من وجود حزب شيوعي في ظل الحكم الإسلامي أو أي أحزاب أخري.
يقول محمد حامد أبو النصر: «نحن نعتقد أن الحكم الإسلامي لابد أن يسمح بتعدد الأحزاب السياسية لأنه كلما كثرت الأراء وتنوعت كلما كثرت الفائدة، ونحن نعتقد أيضا أنه لابد من أن يمنح الحكم الإسلامي حرية تشكيل الأحزاب حتي للتيارات التي قلت عنها انها تصطدم بالإسلام كالشيوعية والعلمانية وذلك حتي يكون من المتاح مواجهتها بالحجة والبرهان، وهذا أفضل من أن تنقلب هذه التيارات إلي مذاهب سرية، وعلي ذلك فلا مانع عندنا من إنشاء حزب شيوعي في دولة إسلامية».
ومن قبله قال الهضيبي «الشيوعية لاتقاوم بالعنف والقوانين ولامانع لدي من أن يكون لهم حزب ظاهر وإن الاسلام كفيل بضمان وسلامة الطرق التي تسلكها البلاد» (122).
5 - لا مانع من وجود حزب ناصري في مصر:
ويقول عمر التلمساني «وقد سُئلتُ هل تسمح بإقامة حزب ناصري في مصر، وقلت أسمح فالحرية الشخصية لا حد لها بالمرة» (123).
6 - موقف الإخوان من القانون الوضعي:
ينقل اسحاق موسي الحسيني تخبط الإخوان في موقفهم من السلطة والقانون في شهاداتهم أثناء محاكمات 1954، وإنه لم يكن لديهم خطة كاملة عن الحكم الإسلامي وأحيانا قالوا بوجوب تغيير القوانين وأحيانا قالوا: - ومنهم الهضيبي موضحاً بأن القانون المدني القائم يتفق مع الشريعة الإسلامية فيما عدا الربا وإن القانون الجنائي «تعزير» يتفق مع الشريعة الإسلامية أيضا.(124)
ويقول عمر التلمساني:«والإخوان تشكيل وعقيدة. أما التشكيل فقد حلته الحكومة ونحن نلتزم بقوانين بلدنا، أما العقيدة فلم يجادلنا فيها أحد ولن يبعدنا لحظة من دعوة الناس الي كلمة الله، وسواء اعترف القانون بنا أو لم يعترف فإنه لايعارض إلا بالتشكيل والتنظيم، وهذا ماقلناه، إننا نلتزم بقوانين بلدنا.» (125).
7 - الوصول للحكم بالطريق القانوني:
يقول أحمد حسين في مرافعته في قضية مقتل النقراشي دفاعا عن الإخوان المسلمين وأنهم كانوا ضد العنف وأن حسن البنا وقف ضد حوادث تحطيم الحانات وطالب بتغيير القانون بالطريق الانتخابي القانوني «وكتب حضرته (أي حسن البنا) بنفس العدد (النذير 33) مقالا آخر بعنوان «حول حوادث تحطيم الحانات» جاء فيه: تحريم الخمر وتعاطيها أمر من اختصاص الإمام، فإذا قصر كان خارجا عن الكتاب والسنة، وعندئذ يجب علي العلماء وذوي الرأي أن يقدموا له النصيحة، فإذا أبي وجب علي الأمة أن تجاهده حتي تخلعه، ومن هنا نري الإسلام هو دين نظام، جعل حق تغيير المنكر للإمام، ولم يعط هذا الحق لكل لكل فرد من أفراد الأمة، وإلا أصبح الأمر فوضي.
فالحكومة هي التي تقوم في عصرنا مقام الإمام، فهي المسئولة عن تحريم المنكرات، فإن لم تفعل وجب علي نواب الأمة أن يسحبوا ثقتهم منها، فإذا لم يؤد النواب واجبهم أصبح لزاما علي الأمة ألا تمنحهم ثقتها، وتنتخب غيرهم فإذا اجتمع تحت قبة البرلمان نواب مسلمون، أمكن القضاء علي كل منكر بقوة القانون وحكم النظام.
هؤلاء هم الإخوان المسلمون في سنة (1939) أي منذ عشر سنوات يكرهون العنف والإخلال بالنظام، حتي أنهم بادروا فأعلنوا إنكارهم للجريمة التي وقعت من غير صفوفهم، وأعلنوا حكم الإسلام فيها، وقد كانت هذه الأقوال هي التي استندت إليها النيابة في ذلك الوقت علي هؤلاء المتهمين في تحطيم الحانات» (126).
وكان حسن البنا يري ضرورة الالتزام بمعاهدة سنة 1936 - برغم مافيها من إجحاف - وأن مساعدة مصر لانكلترا إنما تكون داخل البلاد المصرية ومحصورة في حدود معينة وأن كل زيادة علي ذلك تفريط في حقوق الوطن وجناية علي الأمة (127).
أما عمر التلمساني فيقول: «الإخوان مافكروا يوما في القوة كسلاح لتغيير أو إنقلاب أو ثورة، لأنهم سلفيون، وسلفيون بحق وفهم. والسلف رغم ماأثروا به الفكر من قمم وسعة واتساق، ينكرون استعمال العنف ضد الحاكم حتي ولو كان فاسقا وظالما» (128).
ويقول أيضا: «والعجيب في أفهام الكثرين تصورهم أن دعوتنا تدعو إلي قلب نظام الأوضاع القائمة، ونحن بهذه الصورة متآمرون، وليس لهذا ظل من الحقيقة عند الفهم السليم الخالي من العلل الظاهرة والباطنة» (129).
ويقول أيضا: «كان نظام الأسر في الإخوان يزعج رجال الأمن، فلما حلت الجماعة انتهي هذا النظام. ولكن ماقابلت أحدا من رجال وزارة الداخلية إلا تحدث عن هذا النظام وعودة الإخوان إليه وكنت أنفي لهم هذا الظن، وماكانوا ليقتنعوا بهذا النفي. حتي بلغ الأمر أنني قلت لأحدهم إذا قبضتم علي تشكيل أسري إخواني فاقطعوا رقابهم» (130).
ويقول عن التنظيم الخاص وإنه لاصلة له بالوثوب علي الحكم «أما أن فضيلة المرشد العام الاستاذ الهضيبي رضوان الله عليه أراد باختيار الشهيد «يوسف طلعت» تصفية النظام الخاص، فما دار ذلك في خلد فضيلته، ولكنه أراد أن يعلن علي الملأ أن هذا التشكيل ليس تنظيما سريا يعمل تحت الأرض، للوثوب علي حكم ولكنه تدريب لطائفة من الشباب علي احتمال المشاق في خلق فاضل. وكل من يظن أن النظـام أعد شيئا مما يزعمون، فهو واهم» (131).
ويقول أيضا: «ونحن نلتزم القوانين الوضعية، وإن كنا لانحترمها، ونطالب بإلغائها» (132).
ويقول أيضا:«هل جاء الإخوان بدين جديد؟ أبدا. هل اتبعوا غير الكتاب والسنة؟ لا. هل نادوا بالعنف والإرهاب؟ كلا علي الإطلاق.» (133).
ويقول مخاطبا الطواغيت الحكام: «لكم علينا عهد الله، ونحن صادقون، ألا نعارضكم إلا بالنصيحة الخالصة، والرغبة الصادقة في حب الخير لكم، فصلاح السلطان عندنا، أمل ووسيلة وغاية، فبصلاحه تصلح الأرض ومن عليها. دعوكم من تقارير المباحث والمخابرات» (134).
ويقول عن حسن الهضيبي: «وإني علي يقين من أن نظرة فضيلته الهادئة، وعمله في القضاء عشرات السنين، كانت أكبر دليل علي بعد الإخوان عن الإرهاب الذي يرمينا به أعداء هذه الدعوة السلمية المسالمة» (135).
ويقول محمد حامد أبو النصر حول قرار حل الجماعة: «ليس لدينا سوي الطرق والوسائل القانونية ونحن نثق في القضاء العادل» (136).
ويقول مجيبا عن سؤال حول أهداف حزبهم المرتقب:
«وأحب أن الفت النظر إلي أن تحقيق أهدافنا لن يتم إلا بالطريقة الشرعية دون ضغط أو إكراه أو عنف»
ويقول أيضا في نفس الحوار:«وأكرر مرة أخري إننا لن نأتي إلي الحكم إلا إذا استدعينا لهذا عن طريق الانتخابات» (137).
أما فريد عبدالخالق فيقول عن تصوره عن أسلوب حركة الإخوان في المرحلة المقبلة:«ولامبرر للسرية أو التقية، ويسري دم الدعوة في شرايين المجتمع، وتكتسب مباديء الإسلام ثقة الأمة، ويجد الناس في الدعاة إلي تطبيق شرع الله الأمل والقدوة. وسيجد الإخوان أنفسهم مطالبين في ممارسة العمل السياسي بالتحرك من خلال قنواته الدستورية والقانونية مهما شاب الممارسة من قصور» (138).
8 - حكم المحكمة في قضية السيارة الجيب دليل علي ان الإخوان أبرياء من العنف والإرهاب والسعي لقلب نظام الحكم.
يقول محمود الصباغ وهو من قيادات النظام الخاص للإخوان في كتابه «حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين»:
ان حكم المحكمة في قضية السيارة الجيب دليل علي براءة الإخوان من تهمة الخروج علي الحكم فيقول عن هذه القضية «ولقد عزمت علي أن لا أقدم للقراء عن هذا الجيش وأهدافه ووسائله إلا ماأعلنه هؤلاء القضاة، ليطمئنوا جميعا أن مايقرأون في هذا الصدد إنما هو الحقيقة الخالية من كل زيف المبرأة من كل غرض، فالفضل ماشهدت به الأعداء».
ويقول أيضا:«يتضح مما سجلته المحكمة أعلاه أن المحكمة قد حكمت:
أولا: بأن الجماعة كانت حريصة علي أن تسجل في قانونها التزام الأوضاع الدستورية بتحقيق أغراضها.
ثانيا: أن الجماعة عملت فعلا علي تنفيذ الأغراض التي وضحت في قانونها وطبقا للوسائل المشار إليها، فأنشأوا صحيفة يومية لنشر دعوتهم وأقاموا مؤسسات اقتصادية ومستوصفات، كما كونوا فرقا للجوالة، وكان رئيسهم يتابع نشر الدعوة وتفهيم الناس بحقيقتها وذلك بإلقاء أحاديث دورية أسبوعية ومحاضرات وخطب في المناسبات.
فلم يعد بعد ذلك هذا الحكم النهائي الصادر من محكمة مشكلة بقرار صادر من حكومة هي أعدي أعداء الإخوان المسلمين، وقد وافق عليه ممثل الاتهام في هذه الحكومة بدليل أنه لم يتقدم إلي محكمة النقض لنقضه اعترافا منه بعدالة هذا الحكم ومطابقته للأمر الواقع.
ولم يعد بعد ذلك لمؤرخ أو كاتب أن يتهجم علي دعوة الإخوان المسلمين وأغراضها ووسائلها، لأنه إن فعل شيئا من ذلك كان كاذبا علي التاريخ إن كان مؤرخا وكاذبا علي الأمة إن كان كاتبا دون جدال.»
ويقول أيضا:«فالأمر واضح كل الوضوح لكل من له عين تقرأ وأذن تسمع وهذا نص ماقالته المحكمة تحت هذا العنوان «الدين والسياسة».
حكم المحكمة في قضية الدين والسياسة:
وحيث أن الاتهام أخذ علي جماعة الإخوان تدخلهم في المسائل السياسية مع أن دعوتهم بدأت دينية، وهذا لايتفق مع الحقيقة المعلومة أن الإسلام دين ودولة، وقد سبق للمرشد العام أن تحدث في هذا الصدد فقال: في كتيب نشر في سنة (1948 م) عنوانه «مشكلتنا الاقتصادية والدستورية» قال فيه:
إن الإسلام يتخذ من «الحكومة» قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس، فمن ظن أن الإسلام لايعرض للسياسة وأن السياسة ليست من مباحثه، فقد ظلم نفسه وظلم علمه بهذا الإسلام.
وأشار بعد ذلك إلي الخطأ في فصل الدين عن السياسة عمليا مع النص في الدستور علي أن دين الدولة هو الإسلام، وقال إن الحكومة في الإسلام تقوم علي قواعد معروفة هي مسئولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها، وهذه القواعد هي التي قام عليها الدستور المصري، لأن الإسلام يجيز أن يفوض رئيس الدولة غيره في مباشرة السلطة وتحمل المسئولية، فيصبح المسئول، هي الوزارة لا رئيس الدولة.
وحيث أنه يظهر جليا من أقوال المرشد العام أن الجماعة لاتناهض نظام الحكم القائم في مصر، بل تراه متفقا مع النظم الإسلامية، وأنها كانت تهدف إلي تحقيق نظام شامل للنهضة والإصلاح طبقا لأحكام الدين الإسلامي وبالطرق الدستورية المعروفة طبقا لما جاء في قانونها الأساسي السابق تفصيله.
وبهذه النصوص الواضحة تكون المحكمة قد سجلت خطأ الاتهام الذي يأخذ به البعض علي الإخوان المسلمين بأنهم بدأوا جماعة دينية، ثم انحرفوا إلي السياسة والذي انساقت النيابة العامة وراءه، فذكرته من بين تهمها إلي الإخوان، فنحن نجد المحكمة تقول بصراحة أن هذا الاتهام لايتفق مع الحقيقة المعلومة أن الإسلام دين ودولة، ثم استدلت المحكمة علي صحة هذه الحقيقة من نصوص ماكتبه الإمام الشهيد معلنة في النهاية بأن الإخوان المسلمين لايناهضون نظام الحكم القائم في مصر، بل يرونه متفقا مع النظم الإسلامية.» (139).
9 - جمع الإخوان للسلاح كان لفلسطين وليس لقلب نظام الحكم.
يقول أحمد عادل كمال وهو من قيادات النظام الخاص: «وقع انفجار بمبني كان ملحقا بالمركز العام للإخوان المسلمين في شارع محمد علي بالقاهرة بالقرب من مسجد قيسون بفعل بعض الألغام التي تآكلت أجهزة الأمان بها. وأرادت تقارير البوليس وقتها أن تذهب إلي أن اليهود فعلوها ردا علي نسف حارتهم، ولكن الأستاذ البنا أعلنها في صراحة، إنها مفرقعاتنا التي نقوم بإعدادها لإخواننا المتطوعين في حرب فلسطين. ولقد أراد بهذا الإعلان عن أننا مازلنا نجمع السلاح ونصلحه ونرممه بعد سحب الترخيص حتي لايهاجمنا بعد ذلك أحد بدعوي أن في يدنا سلاحا... ومع ذلك شهدنا تلك البجاحة بعد ذلك حين عرضت قضايانا علي القضاء بتهمة جمع السلاح للعمل علي قلب نظام الحكم.
يظهر كتابنا هذا بعد سقوط الملك والملكية بأربعة وثلاثين عاما، فلا يضيرنا أبدا أن نفاخر بأن ذلك السلاح كان لقلب حكم فاسد انقلب فعلا، ولكن ذلك يجافي الحقيقة، انه الاتهام السهل، وقد تكرر ذلك الزعم بعد ذلك أيام جمال عبدالناصر... مزاعم أيضا تجافي الحقيقة لتبرر مذابح دبرها للتخلص من الجماعة ثم ليصير جبارا في الأرض»
ويقول أيضا ناقلا لنص نشرة للنظام الخاص:
«أخ الهدى:
هذه المطبوعات التي تصلك إنما هي دراسات إعدادية لأمر عظيم توهموه اعتداء علي الأبرياء الآمنين، وتوهموه خروجا علي السلطات، وتوهموه قلبا لنظام الحكم، توهموه خلطاً بين الدين والسياسة، وأفرطوا في الوهم ماشاء لهم ظنهم، والظن لايغني من الحق شيئا» (140)
ويقول كامل الشريف عن الجهاز السري: «وكان صاحب الفكرة هو المرشد الأول حسن البنا ولم يكن يهدف من ورائه الي محاربة الحكومات وقلب أنظمة الحكم واغتيــال الزعماء كما حاولت الدعاية المغرضة أن تصوره وإنما كان هدف الرجل الكبير أولا وأخيرا هو إعداد قوة قتالية معدة لقتال الانكليز إذا سنحت فرصة مناسبة ولقد مات حسن البنا قبل معركة القناة ولم يقدر له أن يشهد الدور الذي لعبه تلاميذه» (141).
ويقول محمد الغزالي: «وكان الاستاذ البنا نفسه، وهو يؤلف جماعته في العهد الأول يعلم أن الأعيان الوجهاء وطلاب النسبة الاجتماعية الذين يكثرون في هذه التشكيلات لايصلحون لاوقات الجد، فألف مايسمي بالنظام الخاص وهو نظام يضم شبابا مدربين علي القتال، وكان المفروض من إعدادهم مقاتلة الغزاة من الانكليز واليهود). (142).
10 - إغتيال الخازندار وماكشفه من خلط في أفكار الإخوان:
عند استعراضنا لهذا الحادث ومايرويه الإخوان عنه ستقرأ ياأخي كثيرا من المضحكات المبكيات.
لنسمع القصة من بدايتها من أحمد عادل كمال حيث يحكي كيف إنه أثناء حضوره لجلسة محاكمة اثنان من النظام الخاص متهمان بالقاء القنابل علي جنود الاحتلال الانكليزي «اعتمد الدفاع أساسا علي نفي إتيان المتهمين لأي اعتداء علي جنود الحلفاء، ثم علي طريقة المحامين ذهب الدفاع إلي أنه إذا افترضنا جدلا أن لهما شأنا في ضرب الجنود الإنكليز السكاري بالقنابل، فأي دافع يكون وراء ذلك؟ لاشك أنه دافع وطني يهدف إلي تحرير أرضنا من دنس الاحتلال و....
وإذا بالخازندار بك ينتفض فوق منصته ويدقها بقبضته ويصيح في الأستاذ المحامي الذي كان يترافع بذلك فقال له «كلام فارغ إيه ده ياأستاذ اللي بتقوله؟ دول حلفاء موجودين هنا للدفاع عنا بموجب معاهدة الشرف والاستقلال... تبقي فوضي لما نسيب كل واحد يدي أحكام علي كيفه وينطلق الاولاد في الشوارع بالقنابل والرصاص! لا ده كلام فارغ مانسمعوش أبدا!!» من الناحية القانونية الصرفة التي لاشأن لها بأي اعتبار آخر ربما كان كلامه سليما... ولكن...
كان هذا الكلام صدمة لنا.
وكشاب مشحون بالحماس في الثانية والعشرين من عمري رجعت من المحكمة أطالب برأس الخازندار حماية لنا في عملياتنا المستقبلة، واعتبرت أن الرجل يصدر أحكامه والدفاع لم يتم مرافعته... ولعله لم يكن أصدر أحكاما ويبني هذه الأحكام علي أن وجود جيش الاحتلال في مصر وجود شرعي وأن جنوده حلفاء.... وأن معاهدة الذل والاحتلال هي معاهدة شرف واستقلال، إنه من وجهة نظرنا رجل صفته كذا وكذا... ولم تكن مفاجأة لي أن أعلم أنه لم يكن رأيي وحدي وأن هناك غيري من تطوع لاغتيال الخازندار.
وصدرت الأحكام. حكم علي حسين عبدالسميع بالحبس ثلاث سنوات وعلي عبدالمنعم عبدالعال بالسجن خمس سنوات، واستأنف الإخوان الأحكام» (143).
أما عن ردود الفعل الناجمة عن هذا الحادث فليسمح القاريء أن أنقل ببعض الاسهاب ماكتبه اثنان من قيادات النظام الخاص حولها واعتذر للقاريء عن هذه الاطالة التي أراها ضرورية لتوضيح هذا الخلط في فكر قيادات الإخوان المسلمين.
يقول أحمد عادل كمال:«وفي الواقع أنه ولو أن اللذين قتلا أحمد الخازندار كانا من الإخوان بل من إخوان النظام... ولو أن ذلك القتل تم بناء علي تعليمات صدرت من رقم واحد في النظام.... وبالرغم من أن تلك العملية كانت تجاوبا مع مافي نفوس بعضنا إن لم يكن كثير منا... بالرغم من كل ذلك فقد كانت عملية فردية.
ذلك أن الوحيد الذي ينطق باسم الجماعة ويحدد اتجاهها هو المرشد العام.
فماذا كان موقف المرشد العام؟ لقد كان الرجل رحمه الله أكثر الناس مفاجأة بهذا الحادث، فاللذان قتلا الرجل من جماعته ومع ذلك لم يؤخذ رأيه ولم يخبره أحد مسبقا... وهذه هي الحقيقة. غضب الأستاذ البنا غضبا شديدا وناقش عبدالرحمن الحساب.
لم يكن اعتراض الأستاذ البنا مقصورا علي تخطيط العملية وإنما انصب اعتراضه في المقام الأول علي شرعيتها. كان من رأيه أن من حق القاضي أن يخطيء وأن اغتياله غير جائز شرعا.
هنا وبعد أن عرفنا هذا انتكست أحساسيسنا وارتد حماسنا لهذه العملية وأشفقنا أيما اشفاق علي حسن عبدالحافظ ومحمود زينهم. اننا نفعل مانفعل - كل مانفعل - جهادا في سبيل الله وابتغاء رضاه فإذا انتهينا إلي أن العمل غير جائز شرعا فمن شأن هذا أن يصيبنا بصدمة. لست أدري لماذا لم نحاول أن نعالج المشكلة معالجة شرعية، لم نحاول أن نؤدي الدية إلي ورثة الخازاندار وأن نسترضيهم حتي يرضوا.... ربما كانوا رضوا وربما كانوا رفضوا.... ولكننا لم نحاول.
قد يذهب البعض إلي أنها سيئة للنظام الخاص، باعتبار أن وجوده يحمل في طياته احتمال مثل تلك الأندفاعات بمالا يمكن تجنبه، وبما يعني أن قيام النظام في حد ذاته كان خطأ من هذا الوجه. وفي هذا مناقشة للموضوع في غير إطاره. فإننا إذا أرجعنا الأمور إلي مناخها العام لوجدنا أن النظام قد كبح جماح كثيرين من أن ينطلقوا بدافع الحماس الذي ساد تلك السنوات بكل مبرراته إلي أعمال لاحصر لها من مثل هذه.
فكم من أفراد أرادوا تنفيذ أشياء منعها النظام، فإذا أفلتت عملية أو عمليتان ولو من مسئولين في النظام ففي موازين الانصاف يمكن القول إن هذه مقابل تلك، ودون زعم أنه قياس بمعناه الشرعي نذكر أن سيف الله خالد بن الوليد قد قتل في بعض سراياه من أدي شهادة الإسلام باجتهاد خاطيء انكره عليه رسول الله e. ثم حدث مثل ذلك مرة أخري منه أيضا في حروب الردة بما انكره عليه أبو بكر وعمر. وسألني سائل: إذا حكم اليوم قاض أفغاني مسلم في محاكم أفغانستان علي المجاهدين الأفغان علي أساس أن الوجود الروسي شرعي في أفغانستان، أيكون قتل القاضي خطأ؟.
لست أقصد بهذا السرد أني أؤيد العملية وأدافع عنها، ولايسعني هذا بعد أن استبانت كافة جوانبها، إنما أردت أن أوضح أبعادها كما حدثت، أما الآن فلا يسعني إلا أن أقر بخطئها. لئن قلنا انه كان بحسن قصد فإننا نقول أيضا انه كان أمرا جسيما، وحين رفضه الأستاذ البنا وأنكره فقد كان يقدره حق قدره» (144).
إذن نلخص ماقاله الاستاذ أحمد عادل كمال في الآتي:
أولا: ان الخازندار يري شرعية معاهدة 1936وان الانكليز وجودهم شرعي في مصر.
ثانيا: إن كل شباب الإخوان المسلمين بل والشباب الوطني كان يتمني التخلص من الخازندار.
ثالثا: ان حسن البنا يري عدم شرعية قتل الخازندار وإن من حقه أن يجتهد فيخطيء، وقد ذكرنا من قبل ان حسن البنا كان يري ضرورة الالتزام بمعاهدة 1936 (145).
رابعـا: ان هذا الرأي أصاب الشباب بالصدمة.
خامسا: ثم يصيغ أحمد عادل كمال سؤالا حول القاضي المسلم الأفغاني الذي يحكم علي المجاهدين بالسجن
سادسا: أنه يقر بخطأ النظام الخاص وصواب رأي البنا في النهاية.
وفي رأينا ان الأستاذ أحمد عادل كمال لايزال يعيش هذا الصراع منذ سماع رأي شيخه البنا حتي كتب كتابه هذا.
والدليل علي ذلك هو هذا السؤال الذي ترك إجابته المقطوع بها للقاريء ولكنه يستحي أن يجيب لأن الاجابة لاتوافق رأي شيخه فيستتر وراء القاريء ويترك القاريء ليواجه رأي شيخه ولنا هنا ملاحظتان:
أولا: ان القاضي الأفغاني الذي يحاكم المجاهدين ويعاقبهم علي جهادهم ليس بقاض مسلم يااستاذ عادل لأنه لايحكم بما أنزل الله ولأنه يوالي أعداء الله ويعادي أولياءه بسبب دينهم، وقد أقمنا الأدلة المستفيضة علي هذا في نشراتنا المتعددة. وهو قاض مرتد مهدر الدم سواء كان أفغانيا أو مصريا أو غيرهما.
ثانيا: إن هذه العصبية للرؤساء والمشايخ هي التي أدت إلي غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في رأينا السبب الأساسي لانهيار جماعة الإخوان حتي وصل بهم الأمر إلي تأييد ترشيح حسني مبارك رئيسا للجمهورية كما ستري بعد ستين عاما من النضال والدماء والتعذيب والسجن والتشريد.
وليس أدل علي ذلك من هذا الصراع المحتدم في ضمير الأستاذ أحمد عادل والذي لم يستطع أن يكتمه فصاغه في صورة سؤال!!
أما الأستاذ محمود الصباغ فيحاول حل هذا الأشكال فيأتي بغرائب مضحكة ألجأته إليها ضرورة التوفيق بين تناقضين: صحة تصرف قتلة الخازندار وبشاعة جرمه في ميزان الشريعة، ومعارضة البنا ومن معه لهذا الفعل واعتباره حراما واستمعوا لسرد الصباغ، واعتذر عن الاطالة لأهمية توضيح هذه الثغرة في فكر الإخوان المسلمين - وإلي اليوم - يقول الصباغ: «حادث مقتل الخازندار بك:
أقرر بكل الصدق أن كلا من الإخوان المسلمين كجماعة إسلامية يرأسها المرشد العام للإخوان المسلمين والتنظيم الخاص للإخوان المسلمين كتنظيم عسكري سري، خصص لأعمال الجهاد في سبيل الإسلام بريء كل البراءة من هذا الحادث الذي يمكن أن يقع بدوافع وطنية، ولكنه مخالف ومستنكر من الشريعة الإسلامية التي اتخذها كل من الإخوان المسلمين وتنظيمهم السري أساسا لكل عمل يقومون به، ومن ثم يكون استنكار الإمام الشهيد له علنا أمام إخوانه جميعهم، وإحساسهم جميعا بالآلام التي سببها له هذا الحادث، استنكارا مصدره العقيدة الإسلامية التي يعتنقها الإمام الشهيد ويدعو لها بكل جهده وطاقته، كما يكون استنكار النظام الخاص لهذا الحادث مستمداً من نفس الأسباب التي استنكر الإمام الشهيد بها قتل الخازندار بك، علي الرغم من أن مرتكبي هذا الحادث هم ثلاثة أفراد من الإخوان المسلمين بصفتهم الشخصية، هم عبدالرحمن السندي، ومحمود سعيد زينهم، وحس عبدالحافظ.
ولقد استحل هؤلاء الإخوان الثلاثة لأنفسهم القيام بهذا العمل لدوافع وطنية اقتضتها ظروف هذا الحادث واستشعرها جميع شعب مصر في حينها، دون أن يكون لأحد من الإخوان المسلمين أو من قيادة النظام الخاص أمر أو إذن به.
ولايغير من هذه الحقيقة كون عبدالرحمن السندي رئيسا للنظام الخاص ولا كون الأخوين محمود سعيد زينهم وحسن عبدالحافظ أعضاء في النظام الخاص، لأن النظام الخاص لايمكن أن يتحمل إلا الأعمال التي تقرها قيادته مجتمعة، بأمر صريح من المرشد العام، ومالم يتحقق هذين الشرطين لأي عمل من أعمال النظام الخاص، فإن هذا العمل يكون عملا فرديا تقع مسئوليته كاملة علي من قام به.»
ويقول أيضا: «لقد وقع هذا الحادث في وقت كنت قد تركت فيه مسئوليتي في النظام الخاص مؤقتا متفرغا للجهاد في فلسطين، ولم يرد علي خواطرنا قبل هذا التفرغ قتل هذا القاضي علي الاطلاق، حيث لم يطرحه علينا الأخ عبدالرحمن السندي للدراسة كتعليمات المرشد العام من ناحية، ولم يقم في ذهن أحدٍ منا أن هناك واجب علي النظام الخاص قبل هذا القاضي يستحق أن يستأذن المرشد العام في القيام به.
إلا أن الظروف الملابسة لهذا الحادث كانت تثير الشعور الوطني ضد هذا القاضي من المصريين كافة، وهو مايبرر أن يفكر بعض المتطرفين منهم في اغتياله إرضاءاً لهذا الشعور، حيث تزامن في هذا الوقت ثلاث قضايا نظرت أمام القاضي الخازندار، واحدة منها قضية وطنية هي إلقاء قنابل علي الانكليز في مدينة الإسكندرية، بأيدي مجموعة من شباب حزب مصر الفتاة، فالأمر كما قلت كان هديرا وطنيا ضد الانكليز في هذه الظروف من كافة أحزاب مصر وهيئاتها، ومن بينهم الإخوان المسلمون، وقد أدانت الدائرة التي يرأسها الخازندار بك هؤلاء الشباب بالسجن عشر سنوات في نفس الوقت الذي قضت فيه دائرة يرأسها الخازندار بك علي سفاح الإسكندرية المدعو حسن قناوي الذي راح ضحيته سبعة قتلي، بدوافع جنسية قذرة، نقلتها جميع الصحف إلي الشعب المصري بصورتها الواقعية التي تثير الذعر والاشمئزاز في نفس كل مصري ومصرية، حتي أن جميع أفراد شعب مصر وبدون أي مبالغة تمنواأن يخلص القضاء المصري سمعة مصر وشرفها وحياءها من هذا الوحش الكاسر الدنيء، وقد عبر الاتهام ممثلا في الأستاذ أنور حبيب وكيل نيابة عن هذه الرغبة الشعبية العارمة بطلب الاعدام، ولكن حكم هذه الدائرة الذي نطق به المستشار الخازندار بك كان مخيبا لكل الآمال، إذ قضي بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة،الأمر الذي أسعد المتهم أيما سعادة، وهو يسمع هذا الحكم مبتسما علي النحو الذي نقلته الصحف لجميع أفراد الشعب في هذه الأيام، وقد أجري جميع أفراد الشعب مقارنة بين حكم الخازندار بك علي الشباب الوطني الذي يلقي قنابل علي الانكليز بالسجن عشر سنوات، وبين حكمه علي هذا الوحش الدنيء بالسجن سبع سنوات، وخرج باستبعاد أن يكون هذا القاضي وطنيا علي أي صورة من الصور، وبل باتهامه بممالأة الانكليز والقسوة علي أعدائهم والرحمة بأعداء الشعب. في كل مايصدر عنه من أحكام. إن هذا الحكم القاسي علي الخازندار بك لم يخرج عليه أي مواطن، بل كان شبه حكم إجماعي من المصريين عامهم وخاصهم، خاصة أن هذه المقارنة لم تقتصر علي قضية حسن قناوي، بل أشيع أن دائرة برئاسة الخازندار بك أيضا حكمت وفي نفس الظروف علي سيدة اتهمت بتعذيب خادمتها تعذيبا وحشيا إلي حد إحماء عود من حديد وإدخاله في موضع العفة منها، حتي أودي بحياتها، بالسجن لمدة عام واحد مع إيقاف التنفيذ، فكان التعليق علي حكم الخازندار بك بسجن شباب مصر الفتاة بالغ القسوة لا من رجال مصر الفتاة وحدهم، بل من رجال السياسة في مصر ومنهم الإمام الشهيد حسن البنا.(258)
ويقول أيضا: «ولقد حدث أن رجعت إلي القاهرة في زيارة خاطفة لإعداد بعض المعدات اللازمة للمجاهدين، فأصبت بالأنفلونزا خلال هذه الزيارة ولازمت الفراش، فزارني الأخ حسن عبدالحافظ بمنزلي قبيل وقوع مقتل الخازندار بك وصارحني بأن الأخ عبدالرحمن السندي اختاره مع أخ آخر لقتل الخازندار بك لما ظهر من جحوده للشعور الوطني وتعاطفه مع القتلة والسفاكين في أحكامه.
وقد ذهلت لهذا الخبر، وأصدرت أمرا صريحا إلي الأخ حسن عبدالحافظ باعتباري أمير مجموعته إلي ماقبل سفري إلي فلسطين أن لاينفذ تعليمات عبدالرحمن في هذا الشأن، لأننا باعتبارنا من جماعة الإخوان المسلمين ليس بيننا وبين المستشار الخازندار بك أي عداء، فقد كان حكمه علي الأخوين حسين عبدالسميع، وعبدالمنعم إبراهيم، المتهمين بإلقاء قنابل علي الجنود الانكليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد سنة 1946 بالسجن ثلاث سنوات هو حكم معقول لاتثريب عليه، فالفعل وإن كان وطنيا خالصا يتفق مع كل الشرائع السماوية، والدوافع الوطنية النبيلة، إلا أنه مخالف للقانون الوضعي الذي يحكم به القضاء المصري في ذلك الوقت، الأمر الذي يجعل في هذا الحكم مراعاة للدوافع النبيلة التي دفعت هذين الأخوين لهذا الفعل الفدائي المرغوب من كل وطني مخلص، وكل مسلم صــادق.»
ثم يقول أيضا:«المطالبة بدم الضحايا الثلاث لهذا الحادث المؤسف»:
كانت غضبة قيادة النظام علي تصرف عبدالرحمن عارمة، فليس من حقه علي الإطلاق أن يأمر بمثل هذا العمل الذي لاتحله شريعة الإسلام وإن سمحت به المشاعر الوطنية، دون عرضه علي قيادة النظام، والتحقق من صدور أمر من المرشد العام بتنفيذه.
ولما كان من الممكن أن يحكم القضاء في هذه القضية بإعدام هذين الأخوين نتيجة لهذا التصرف الذي لم يراع فيه عبدالرحمن موقعه من النظام كمسئول، فيعتبر الإخوان أوامره شرعية صادرة من المرشد العام دون نقاش، فلابد وأن يتحمل عبدالرحمن دم الثلاثة وحده.
وعقدت قيادة النظام الخاص محاكمة لعبدالرحمن علي هذا الجرم المستنكر، وحضر المحاكمة كل من فضيلة المرشد العام الشهيد حسن البنا وباقي أفراد قيادة النظام بما في ذلك الأخوة صالح عشماوي، والشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة، والدكتور عبدالعزيز كامل، ومحمود الصباغ، ومصطفي مشهور، وأحمد زكي حسن، وأحمد حسنين، والدكتور محمود عساف، وقد أكد عبدالرحمن في المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التي سمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المستهجنة، أنه سيرضي عن قتله لو أنه نفذ القتل فعلا، وقد تأثر المرشد العام تأثرا بالغا لكلام عبدالرحمن لأنه يعلم صدقه في كل كلمة يقولها تعبيرا عما يعتقد، وبلغ من تأثر فضيلة المرشد العام أنه أجهش بالبكاء ألماً لهذا الحادث الأليم الذي يستوجب غضب الله، لأنه قتل لنفوس بريئة من غير نفس، كما يعتبر مادة واسعة للتشهير بالدعوة ورسالتها في الجهاد من أجل إقامة شرع الله، وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبدالرحمن قد وقع في فهم خاطيء في ممارسة غير مسبوقةٍ من أعمال الإخوان المسلمين، فرأوا أن يعتبر الحادث قتل خطأ، حيث لم يقصد عبدالرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك.
ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلي الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا علي الإطلاق في حياتهم ليفكروا في مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق علي الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة علي القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة علي إنقاذ حياة المتهمين، البريئين من حبل المشنقة بكل ماأوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرا يمكن أن يفرط فيه الإخوان في غير أداء فريضة واجبة يفرضها الإسلام، حيث تكون الشهادة أبهي وأعظم من كل حياة.
ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل مايعادل الدية إلي ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقي علي الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخرتين محمود زينهم، وحسن عبدالحافظ.
واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، بل إنه لقي موافقة إجماعية من كل الحضور بما في ذلك فضيلة الإمام الشهيد».(146)
وهنا تجدر ملاحظة أمر خطير هو إن حسن البنا وقيادات الإخوان لم ينصب نقدهم علي عدم ملاءمة الحادث للظروف المحيطة أو ان ضرره أكبر من نفعه إذن لهان الأمر ولأصبح لقولهم وجه، ولكن الخطورة انهم يعتبرونه منافيا للشرع ثم يتخبطون هذا التخبط المضحك فيقولون إن السندي مطالب بدم الأخوين لو حكم عليهما بالاعدام وبدم الخازندار.
ثم يرون ان الحادث قتل خطأ وليس عمدا ضاربين عرض الحائط بأي فهم شرعي.
لماذا كان خطأ؟ لأن الأخوين أرادا قتل الاستاذ / روح التبلد الوطني فأصابوا الخازندار أرأيت.
والتبلد الوطني أين يسكن في نفوس بعض أفراد الطبقة المثقفة من أمثال الخازندار.؟؟.
ولذا يجب عليهم الدية ولما كانوا في جماعة الإخوان فقد وجبت الدية علي الجماعة
ولما كانت الجماعة جزءا من الشعب وكانت الحكومة أم الشعب وأباه فقد دفعت الحكومة ماهو أكثر من الدية.
فإذن الحكومة دفعت عن الجماعة، وبقي علي الجماعة انقاذ الضحيتين اللتين لم تمتا بعد قتلهم للضحية الثالثة.
واستراح الجميع لهذا الحكم.
أما نحن والمخلصون والعقلاء فلم نسترح بعد فإن أي فهم شرعي بل أي منطق عقلي ليلهث لهثا شديدا وهو يحاول دون جدوي أن يلحق بالأستاذ الصباغ في هذا اللف والدوران.
وطبعا إذا كان هذا هو تعليق أحمد عادل كمال والصباغ وهما من قيادات النظام الخاص.
فما هو تعليق التلمساني، يقول التلمساني: عن الصليبية والشيوعية والصهيونية وكيف انها تحرض حكام البلاد الإسلامية ضد الإخوان «وقد ساعد علي ذلك بعض الأخطاء التي وقع فيها بعض الشباب من أعضاء النظام مثل قتل المستشار الخازندار فقد أساء بعض الشباب الفهم في تصرف قانوني سليم، ولكن لجهلهم بالقانون اقترفوا جريمتهم دون وعي الأمر الذي أزعج المرشد كثيرا وأخزنه، وأوقعه في الحرج»
ثم يسرد المقارنة بين حكم الخازندار علي الأخوة المجاهدين وحكمه علي سفاح الاسكندرية، ثم يقول «وقد قارن الشباب المسلم بين الحكمين، وبين الهدف منهما، فظن المخطئون الظنون بالسيد المستشار» (147).
ونعود فنذكر الأخ القاريء هنا بما قلناه في صدر الباب الأول من وجوب معرفة حكم الواقع بالنسبة للجماعات الإسلامية التي تواجه هذا الواقع وترفع راية السعي لتغييره، وأن حشد المسلمين وتجميعهم بدون تبصيرهم بحكم الواقع الذي يواجهونه هو نوع من أنواع التغرير بالمسلمين بل هو جناية في حقهم بتعريضهم لعدو متربص هم عنه غافلون.
ولعل السرد السابق المتعلق بحادثة اغتيال القاضي الخازندار يُظهر صدق ماقلناه من عدم تبنِّي الإخوان لحكم صريح في الواقع الذي يواجهونه، بل إنهم - وللأسف الشديد - يتبنون حكما مخالفا للحق، ومما أثار البلبلة والاضطراب في صفوف الأتباع، فقد اتفق حسن البنا وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وعمر التلمساني علي مايلي:
استنكار الحادث واعتباره مخالفا للشريعة.
اعتبار القاضي رجل مسلم تحق له الدية.
اعتبار حكم القاضي بسجن من ألقي القنابل علي الانجليز في حكم المقبول ولو أخطأ.

أبو عبد
04-11-2004, 06:46 PM
ويقول أحمد جلال باستخدام التلميح «وفي عهد فاروق كان للإخوان المسلمين مجلة وكان الإخوان المسلمون يكتبون فيها عن المآسي والمهازل التي تمت في هذا العهد المظلم، وطالما بينوا رأيهم فيما كان يحدث في عهد الارهاب، وقد تحمل هؤلاء الإخوان التهديد والمصادرة من رجال العهد البائد، بل إنهم قد تحملوا بعض الأذي من بعض «الإخوان المسلمين» وهم ولله الحمد قليلو العدد.
وظلت مجلة الإخوان تكتب عن عهد الإرهاب، وعهد فاروق وتبين للناس إن هذا العهد زائل لامحالة، وإن كل الجهود التي تبذل ان هي إلا محاولة يائسة لزخرفة انقاض هذا العهد أو محاولة فاشلة لانقاذ مالا يمكن انقاذه وتعرض الكتاب في هذا لبلاء لم يعلم به إلا الله وحده، وتعرضت المجلة لقرار يصدر من مكتب الإرشاد بأنها لاتمثل الإخوان المسلمين ولحرب شعواء بين صفوف الإخوان أنفسهم مازالت مستمرة للآن» (103).
أما محمد الغزالي فيقول: بعد أن سرد موقف الهضيبي من كتائب الإخوان الفدائية في القناة، وهو ماسنعرضه تفصيلا فيما بعد، يقول:«فلما تولي حافظ عفيفي باشا رياسة الديوان الملكي يومئذ، وعرف القاصي والداني ان الملك فاروقا جاء به للاجهاز علي حركات المجاهدين واعادة الروابط المتقطعة مع انكلترا، وإقامة حكم يسالم الانكليز ويطعن الفدائيين من الخلف، سارع الاستاذ حسن الهضيبي إلي تهنئة الرجل بمنصبه مراغما بهذا المسلك شعور الأمة الغضبي والإخوان المشدوهين، وغلبني السخط علي ذلك العمل الشاذ ورأيت إنقاذا لكرامة الإسلام ودعوته إن أصور الموقف الذي يجب أن يقفه الإخوان المسلمون فنحن لانتبع ملكا خائنا، ولانؤيد سياسة غادرة، ومن ثم نشرت بجريدة المصري في 31/12/1951 كلمة تحت عنوان «لن تبلغ أمة أهدافها إلا إذا نظفت جبهتها الداخلية» ثم يستطرد بعد أن ذكر كلمته «ماذا في تلك الكلمة يغضب المرشد العام؟ لقد اعتبرني يوم صدورها خارجا علي الجماعة» (104).
وتلخص د. لطيفة محمد سالم هذه الحادثة فتقول: «وتفاقمت الخلافات بين أعضاء مكتب الإرشاد والهضيبي بعد أن استتب الوضع للجماعة، ولكنه نظرا للصلاحيات التي يخلعها النظام علي المرشد العام، أمكنه توجيه سياستها وفقا لمشيئته، ومع نهاية عام 1951 حدث تصدع ظهرت صورته بوضوح عندما ذهب الهضيبي إلي حافظ عفيفي عقب يومين من تعيينه رئيسا للديوان ليهنئه بالمنصب الجديد، رغم أن القاصي والداني علم أن فاروقا جاء به للإجهاز علي الحركة الوطنية ومسالمة الانكليز، وردا علي هذا التصرف كتب محمد الغزالي أحد أعضاء مكتب الإرشاد مقالا في صحيفة المصري بعنوان «لن تبلغ أمة هدفها إلا إذا نظفت جبهتها الداخلية» تكلم فيه عن الإسلام ومناداته بالاشتراكية الإسلامية، ورفض الإخوان الارتباط بأية كتلة معتدية، وأنه لايجوز بقاء أي جندي انكليزي في العالم الإسلامي، ثم يبين أن الإخوان أدوا واجبهم في معركة القناة، وأن للأمة أن تعتمد علي رجولتهم دائما. وغضب المرشد العام من المقال واعتبر الغزالي خارجا عن الجماعة.
وعندما هاجمت مجلة الدعوة تعيين رئيس الديوان، أصدر عبدالحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة بيانا قال فيه إن المجلة لاتصدر عن المركز العام للإخوان ولاتنطق بلسانه» (105).
ويجب ألا نمر مروراً سريعا عندما يرد اسم محمد الغزالي، فهذا الذي حمل راية المعارضة ضد الهضيبي عام 1951 بدعوي تأييد الجهاد، مالبث أن تحول إلي بوق من أبواق الدعاية للطواغيت، يستخدمونه للصد عن سبيل الله بتخذيل المجاهدين وتثبيط همم الشباب المسلم المجاهد، ومن هذا مشاركته في البيان الخبيث الذي أصدرته الحكومة المصرية في 1/1/1989 علي لسان حشد من علماء السوء وأئمة الضلال منهم محمد الغزالي، ومما جاء في هذا البيان:
«إن الإصلاح الذي ينشده الإسلام للمجتمع في شئونه كلها، يعتمد أول مايعتمد علي الإقناع والتربية والحوار العاقل، ويرفض رفضا حاسما اللجوء إلي العنف أو الإكراه أو استباحة حقوق الآخرين باسم الدين. وقد وضعت الشريعة الغراء طرقا واضحة لتغيير العوج والإنحراف ليس منها الاتهام بالكفر أو الطفرة في بلوغ الهدف وذلك ما عنته الآية الكريمة في قوله تعالي:«ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن» ولقد تعددت الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن تكفير المسلم، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله e قال:«إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله e يقول:«من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه أي رجع عليه». ونحن نعتقد في إيمان المسئولين بمصر بأنهم لايردون علي الله حكما ولاينكرون للإسلام مبدأ، وإنهم يعملون علي أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها، تحقيقا وتطبيقا.» إلي آخر بيان الضلال الذي وقعه:
* الشيخ محمد متولي الشعراوي * الشيخ محمد الغزالي * د. يوسف القرضاوي * الشيخ عبدالله المشد * الشيخ محمد زكي إبراهيم * د. عبدالمنعم النمر * محمد الطيب النجار * الشيخ عطيه صقر.
ولم يستح الذين أصدروا البيان من أن يقولوا: إنهم ليسوا من علماء السلطة ولا من رجال الشرطة (الأخبار 2/1/1989). رغم قول وزير الأوقاف محجوب إنه هو الذي اختارهم، وفي جريدة الأهرام 19/1/1989 ص 11 في حوار مع الغزالي سئل (يقال إن وزير الأوقاف كان وراء البيان الذي أعلنه فضيلة الشيخ الشعراوي؟ فأجاب الغزالي: افرض أن وزير الأوقاف تفاهم معنا وقال أريد أن أعرف موقف العقلاء من حملة الدعوة الإسلامية في مسالك بعض الذين يرتكبون أخطاء في أسلوب الدعوة أو في فهمها، فهل يكون الوزير مخطئا عندما يسألنا في شيء من رسالتنا) انتهي.
وهذا نموذج من إفرازات جماعة الإخوان، إذ شارك قطبان من أقطابها في إصدار بيان الضلال: محمد الغزالي ويوسف القرضاوي.
قال تعالي (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لايخرج إلا نكدا) الأعراف.
وقد قامت جماعة الجهاد بالرد علي هذا البيان الخبيث وكشف أباطيل هؤلاء المجرمين وكشف تضليلهم المتعمد للمسلمين، وذلك في نشرتها الرابعة المسماة (كشف الزور والبهتان في حلف الكهنة والسلطان).




* * * *

الفصل الثاني
الإخوان ورفض الخروج على الحاكم
مع الالتزام بالدستور والقانون

قد يعجب القاريء إذا ماوجد في هذا الفصل كثيرا مما يناقض الصورة البراقة التي حاول الإخوان أن يظهروا بها أمام الشباب ولكننا سنترك الوثائق والأدلة والإخوان أنفسهم يحدثونك أيها الشاب عن أنفسهم بأنفسهم.

1 - موقف الإخوان من الدستور:
في التمهيد المذكور في أول الباب الثاني ذكرنا كيف أن دستور 1923 هو الذي قنَّن الكفر والعلمانية بمصر، ويقول حسن البنا في معرض كلامه عن دستور 1923 إن مباديء الحكم الدستوري «تنطبق انطباقا كاملا علي تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم» لكونهما يهديان إلي «المحافظة علي الحرية الشخصية بكل أنواعها وعلي الشوري واستمداد السلطة من الأمة، وعلي مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم علي مايعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات»، وإن «نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلي الإسلام» وهم «لايعدلون به نظاما آخر» (106).
وأعلن صالح عشماوي رغم اعترافه إن الدستور ثوب أجنبي فإن الجماعة لاتنكر الاحترام الواجب له «باعتباره نظام الحكم المقرر في مصر ولا أن تحاول الطعن عليه أو إثارة الناس ضده وحضهم علي كراهيته، وماكان لها أن تفعل ذلك وهي جماعة مؤمنة تعلم أن إهاجة العامة ثورة وأن الثورة فتنة وأن كل فتنة في النار» (107).فأين البراءة الواجبة من الكافرين وكفرهم من هذا الكلام؟.
وأعلن حسن البنا هذا في رسالة (مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي) فيقول: «وعلي هذا فليس في قواعد هذا النظام النيابي مايتنافي مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيدا عن النظام الإسلامي ولاغريبا عنه، بهذا الاعتبار يمكن أيضا أن نقول في اطمئنان أن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لاتتنافي مع قواعد الإسلام وليست بعيدة عن النظام الإسلامي ولاغريبة عنه، بل إن واضعي الدستور المصري رغم إنهم وضعوه علي أحدث المباديء والاراء الدستورية وأرقاها فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية» (108). راجع مانقلناه من بعض مواد دستور 1923 في أول الباب الثاني لتري كيف تتعارض مع عقيدة التوحيد لتعلم مدي تزييف حسن البنا للحقائق ومدي تلبيسه علي أتباعه وعلي المسلمين.
ويتحدث البنا عن مشاكل نظام الحكم الدستوري في مصر فيحددها باثنتين بعد اقراره عدم تنافي قواعده مع الإسلام فيقول:
«ومع ان النظام النيابي والدستور المصري في قواعدهما الأساسية لايتنافيان مع ماوضعه الإسلام في نظام الحكم، فإننا نصرح بأن هناك قصورا في عبارات الدستور وسوءا في التطبيق وتقصيرا في حماية القواعد الأساسية التي جاء بها الإسلام وقام عليها الدستور أدت جميعا الي ما نشكو منه من فساد وماوقعنا فيه من اضطراب في كل هذه الحياة النيابية».
ويكرر الرأي نفسه - مع تسليمه واقراره بأصول نظام الحكم في مصر في تعقيب له علي موقف الأخ صالح العشماوي في مقالات كتبها حول الدستور واجهت انتقادات من بعض الأشخاص - فقال:
«لهذا يعمل الإخوان جهدهم حتي تحدد النصوص المبهمة من الدستور المصري وتعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد وأظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان وردت الأمور الي نصابها الصحيح، ان الأخ صالح افندي قد أراد أن يعبر في مقاله الأول عن وجهة النظر التي يراها الإخوان فاحتد واشتد ولما نبهناه إلي ان هذا ليس موقفنا في الواقع فنحن نسلم بالمباديء الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة بل مستمدة من نظام الإسلام».(109)
فإذا كان هذا هو موقف أول المرشدين فإن آخرهم حامد أبو النصر يقول في خطابه المرسل لحسني مبارك:«هذه الحقائق ياسيادة الرئيس تجعلنا نؤمن إيمانا راسخا بأنه تجاوبا مع روح الشعب المصري وتعبيرا عن إرادته وهو الأصل والدولة وكيل، اعمالا لنص المادة الثانية من الدستور الذي أقسم الجميع علي احترامه وعلاجا للازمات الطاحنة التي يمر بها الوطن المفدي، وخاصة الأزمة الاقتصادية فإنه ينبغي علي الدولة بكافة أجهزتها والمسؤولين فيها أن يتوجهوا إلي مبادي الإسلام الحنيف وشريعته الغراء»(110).
أما عمر التلمساني فيقول في حديثه للمصور:«وأريد ان يحتوي الدستور علي نص يجرم من يعطل الدستور أيا كان موقعه»(111).
ويقول صالح عشماوي:«فلاشك أن الجمعية التأسيسية المنتخبة من الشعب انتخابا مباشرا، هي أصدق هيئة تمثل الشعب، ومن حقها وحدها أن تقر مشروع الدستور الجديد، وبذلك لايكون الدستور منحة من ملك أو حاكم، وإنما حق للشعب من صنعه ووضعه» (112)
2 - لاينبغي أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للقانون
صدرت مجلة المصور وأحد أعدادها يحمل غلافه صورة التلمساني وبجانبها عنوان «مواجهة خطيرة مع عمر التلمساني» وتحته خمسة عنوانين فرعية ثانيها هو العنوان المذكور أعلي الفقرة.
أما في داخل العدد فتسئله المجلة «هل تخاصم الدولة الإسلامية كل قانون وضعي وماالعلاقة بين الشريعة والقانون الوضعي؟.
التلمساني: أبدا الدستور كان كيسا حينما نادي بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ولم يقل المصدر الوحيد».(113).
3 - موقف الإخوان من الانتخابات والبرلمان:
لايري الإخوان أي غضاضة في دخول البرلمانات التي تشرع القانون الطاغوتي بل ويفخرون بذلك ويجعلونه من مآثرهم بل وأنه المصدر لشرعية وجودهم ويصفونه بالطريق الشرعي؟.
فما هو الطريق غير الشرعي إذن؟ الدعوة إلي التوحيد ومعاداة الحكومات الطاغوتية؟ والجهاد؟؟؟. يقول زكريا بيومي «قرر الإخوان في المؤتمر السادس المنعقد في القاهرة سنة 1361 هـ اشتراكهم في انتخابات مجلس النواب حيث اعتبروا أن البرلمان «ليس وقفا علي أصوات دعاة السياسة الحزبية لكنه منبر الأمة يسمع فيه كل فكرة صالحة ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب أو يؤدي إلي توجيهه توجيها صالحا نافعا وأنه لايجب أن يخفت صوت دعوتهم في وقت تعلو فيه الأصوات حيث لاقيام للباطل إلا في غفلة الحق» (114)
ويقول عمر التلمساني عن دخولهم الانتخابات تحت لواء حزب الوفد عام 1984«سنحت الفرصة لنعلي كلمة الله من فوق منبر أعلي هيئة تشريعية فماذا نفعل ونحن لانملك حزبا ندخل عن طريقه ميادين الحركة الانتخابية؟ ولانستطيع أن نرشح أنفسنا كمستقلين» «لم يبق لنا إلا التفكير في قناة شرعية نستطيع عن طريقها الوصول إلي البرلمان:
* حزب التجمع: الخلاف الواسع في الرأي مانع من الدخول معه.
* حزب الأحرار: ليس له قاعدة شعبية في تقديرنا وقد نكون مخطئين.
* حزب العمل الاشتراكي: موقفه من جمال عبدالناصر - رغم مافعله بالإخوان - يحول بيننا وبين الدخول في قائمة واحدة معه.
* لم يبق إلا الوفد الجديد» (115).
فتأمل وصفه لما يفعلونه بأنه قناة شرعية ومن العجيب أنهم تحالفوا مع حزب العمل الاشتراكي بعد ذلك عام 1987 وانفصلوا عن الوفد!! مما يدل علي أن المباديء يمكن أن تتبدل وفقا للمصالح، فأي دين هذا؟.
ويقول أيضا في حديثه مع المصور «والانتخابات دخلناها وأنا أحد الأشخاص الذين دخلوا الانتخابات مرتين مرة عن دائرة نوي قليوبية - ومرة عن دائرة الخانكة، ولم أوفق في المرتين».
«ويقول أيضا في حديث لمجلة المصور «المصور: في انتخابات عام 1949 التي حصل فيها الوفد علي الأغلبية تعاونتم مع حزب الكتلة وكانت القائمة تحتوي علي خمسين مرشحا من جماعة الإخوان المسلمين.
التلمساني: بعضنا دخل الانتخابات مستقلا، والآخر دخل في ظل بعض الأحزاب وكان المرحوم محمد عبدالرحمن نصير من الإخوان المسلمين وكان عضوا في الهيئة التأسيسية وأيضا مع الأحرار الدستوريين.
البنا رشح نفسه في دائرة الاسماعيلية، وأمرت انكلترا الحكم القائم في ذلك الوقت بأن ينسحب ولهذا استدعاه النحاس باشا في مينا هاوس وظل يلح عليه حتي قبل الانسحاب مقابل تنازلات من حكومة الوفد لصالح الإخوان، ونحن لسنا دعاة صدام حتي نكون مصدر لتخريب البلد» (116).
ويقول مبررا لدخوله حزب الوفد: «وكنا نظن بأن الحكومة ترحب بذلك الاتجاه، فطالما طالبت وتحدثت عن الشرعية، ونحن نستخدم الشرعية للوصول إلي مجلس الشعب».
«وإذا كان القانون حرمنا من دخول الانتخابات، وهو الحق المقرر في الدستور، فيكون من حق الإخوان أن يطرقوا أي باب مشروع للتمتع بحقهم الدستوري» (117). والشرعية التي توصل إلي مجلس الشعب هي الديمقراطية الشركية.
ويقول أيضا عن القنوات الشرعية؟؟
«الإخوان سيستمرون في المطالبة بتطبيق الشريعة من خلال القنوات الشرعية سواء من داخل البرلمان أو من خارجه» (118).
ويقول مجيبا عن سؤال: هل الانتخاب إلزام أم اختيار؟
«ولا استسيغ إقحام الدين في هذه المسائل» (119). فما الفرق ياأخي بين هذا الكلام وبين قول أنور السادات (لادين في السياسة)، إذا كان التلمساني لايستسيغ إقحام الدين في الانتخابات.
وتقول مجلة المجتمع «أكد نواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري ان نجاحهم في الانتخابات الأخيرة يعني منحهم الشرعية داخل البرلمان للتحاور مع التيارات السياسية الأخري» (120). أي شرعية؟.
وتقول مجلة المجتمع الإخوانية «إنه ليس هناك حرج شرعي من إنشاء حزب سياسي علي مباديء الإسلام، فالإمام الشهيد حسن البنا، مؤسس الجماعة خاض المعركة الانتخابية مرتين، والإمام الهضيبي رحمه الله قد وافق قبل الصدام مع عبدالناصر علي مبدأ إنشاء حزب سياسي» (121). وهذا الكلام يبيِّن فساد طرق الاستدلال الشرعي عند الإخوان فالحجة عندهم في أعمال مرشدهم لا في الكتاب والسنة.
4 - لامانع من وجود حزب شيوعي في ظل الحكم الإسلامي أو أي أحزاب أخري.
يقول محمد حامد أبو النصر: «نحن نعتقد أن الحكم الإسلامي لابد أن يسمح بتعدد الأحزاب السياسية لأنه كلما كثرت الأراء وتنوعت كلما كثرت الفائدة، ونحن نعتقد أيضا أنه لابد من أن يمنح الحكم الإسلامي حرية تشكيل الأحزاب حتي للتيارات التي قلت عنها انها تصطدم بالإسلام كالشيوعية والعلمانية وذلك حتي يكون من المتاح مواجهتها بالحجة والبرهان، وهذا أفضل من أن تنقلب هذه التيارات إلي مذاهب سرية، وعلي ذلك فلا مانع عندنا من إنشاء حزب شيوعي في دولة إسلامية».
ومن قبله قال الهضيبي «الشيوعية لاتقاوم بالعنف والقوانين ولامانع لدي من أن يكون لهم حزب ظاهر وإن الاسلام كفيل بضمان وسلامة الطرق التي تسلكها البلاد» (122).
5 - لا مانع من وجود حزب ناصري في مصر:
ويقول عمر التلمساني «وقد سُئلتُ هل تسمح بإقامة حزب ناصري في مصر، وقلت أسمح فالحرية الشخصية لا حد لها بالمرة» (123).
6 - موقف الإخوان من القانون الوضعي:
ينقل اسحاق موسي الحسيني تخبط الإخوان في موقفهم من السلطة والقانون في شهاداتهم أثناء محاكمات 1954، وإنه لم يكن لديهم خطة كاملة عن الحكم الإسلامي وأحيانا قالوا بوجوب تغيير القوانين وأحيانا قالوا: - ومنهم الهضيبي موضحاً بأن القانون المدني القائم يتفق مع الشريعة الإسلامية فيما عدا الربا وإن القانون الجنائي «تعزير» يتفق مع الشريعة الإسلامية أيضا.(124)
ويقول عمر التلمساني:«والإخوان تشكيل وعقيدة. أما التشكيل فقد حلته الحكومة ونحن نلتزم بقوانين بلدنا، أما العقيدة فلم يجادلنا فيها أحد ولن يبعدنا لحظة من دعوة الناس الي كلمة الله، وسواء اعترف القانون بنا أو لم يعترف فإنه لايعارض إلا بالتشكيل والتنظيم، وهذا ماقلناه، إننا نلتزم بقوانين بلدنا.» (125).
7 - الوصول للحكم بالطريق القانوني:
يقول أحمد حسين في مرافعته في قضية مقتل النقراشي دفاعا عن الإخوان المسلمين وأنهم كانوا ضد العنف وأن حسن البنا وقف ضد حوادث تحطيم الحانات وطالب بتغيير القانون بالطريق الانتخابي القانوني «وكتب حضرته (أي حسن البنا) بنفس العدد (النذير 33) مقالا آخر بعنوان «حول حوادث تحطيم الحانات» جاء فيه: تحريم الخمر وتعاطيها أمر من اختصاص الإمام، فإذا قصر كان خارجا عن الكتاب والسنة، وعندئذ يجب علي العلماء وذوي الرأي أن يقدموا له النصيحة، فإذا أبي وجب علي الأمة أن تجاهده حتي تخلعه، ومن هنا نري الإسلام هو دين نظام، جعل حق تغيير المنكر للإمام، ولم يعط هذا الحق لكل لكل فرد من أفراد الأمة، وإلا أصبح الأمر فوضي.
فالحكومة هي التي تقوم في عصرنا مقام الإمام، فهي المسئولة عن تحريم المنكرات، فإن لم تفعل وجب علي نواب الأمة أن يسحبوا ثقتهم منها، فإذا لم يؤد النواب واجبهم أصبح لزاما علي الأمة ألا تمنحهم ثقتها، وتنتخب غيرهم فإذا اجتمع تحت قبة البرلمان نواب مسلمون، أمكن القضاء علي كل منكر بقوة القانون وحكم النظام.
هؤلاء هم الإخوان المسلمون في سنة (1939) أي منذ عشر سنوات يكرهون العنف والإخلال بالنظام، حتي أنهم بادروا فأعلنوا إنكارهم للجريمة التي وقعت من غير صفوفهم، وأعلنوا حكم الإسلام فيها، وقد كانت هذه الأقوال هي التي استندت إليها النيابة في ذلك الوقت علي هؤلاء المتهمين في تحطيم الحانات» (126).
وكان حسن البنا يري ضرورة الالتزام بمعاهدة سنة 1936 - برغم مافيها من إجحاف - وأن مساعدة مصر لانكلترا إنما تكون داخل البلاد المصرية ومحصورة في حدود معينة وأن كل زيادة علي ذلك تفريط في حقوق الوطن وجناية علي الأمة (127).
أما عمر التلمساني فيقول: «الإخوان مافكروا يوما في القوة كسلاح لتغيير أو إنقلاب أو ثورة، لأنهم سلفيون، وسلفيون بحق وفهم. والسلف رغم ماأثروا به الفكر من قمم وسعة واتساق، ينكرون استعمال العنف ضد الحاكم حتي ولو كان فاسقا وظالما» (128).
ويقول أيضا: «والعجيب في أفهام الكثرين تصورهم أن دعوتنا تدعو إلي قلب نظام الأوضاع القائمة، ونحن بهذه الصورة متآمرون، وليس لهذا ظل من الحقيقة عند الفهم السليم الخالي من العلل الظاهرة والباطنة» (129).
ويقول أيضا: «كان نظام الأسر في الإخوان يزعج رجال الأمن، فلما حلت الجماعة انتهي هذا النظام. ولكن ماقابلت أحدا من رجال وزارة الداخلية إلا تحدث عن هذا النظام وعودة الإخوان إليه وكنت أنفي لهم هذا الظن، وماكانوا ليقتنعوا بهذا النفي. حتي بلغ الأمر أنني قلت لأحدهم إذا قبضتم علي تشكيل أسري إخواني فاقطعوا رقابهم» (130).
ويقول عن التنظيم الخاص وإنه لاصلة له بالوثوب علي الحكم «أما أن فضيلة المرشد العام الاستاذ الهضيبي رضوان الله عليه أراد باختيار الشهيد «يوسف طلعت» تصفية النظام الخاص، فما دار ذلك في خلد فضيلته، ولكنه أراد أن يعلن علي الملأ أن هذا التشكيل ليس تنظيما سريا يعمل تحت الأرض، للوثوب علي حكم ولكنه تدريب لطائفة من الشباب علي احتمال المشاق في خلق فاضل. وكل من يظن أن النظـام أعد شيئا مما يزعمون، فهو واهم» (131).
ويقول أيضا: «ونحن نلتزم القوانين الوضعية، وإن كنا لانحترمها، ونطالب بإلغائها» (132).
ويقول أيضا:«هل جاء الإخوان بدين جديد؟ أبدا. هل اتبعوا غير الكتاب والسنة؟ لا. هل نادوا بالعنف والإرهاب؟ كلا علي الإطلاق.» (133).
ويقول مخاطبا الطواغيت الحكام: «لكم علينا عهد الله، ونحن صادقون، ألا نعارضكم إلا بالنصيحة الخالصة، والرغبة الصادقة في حب الخير لكم، فصلاح السلطان عندنا، أمل ووسيلة وغاية، فبصلاحه تصلح الأرض ومن عليها. دعوكم من تقارير المباحث والمخابرات» (134).
ويقول عن حسن الهضيبي: «وإني علي يقين من أن نظرة فضيلته الهادئة، وعمله في القضاء عشرات السنين، كانت أكبر دليل علي بعد الإخوان عن الإرهاب الذي يرمينا به أعداء هذه الدعوة السلمية المسالمة» (135).
ويقول محمد حامد أبو النصر حول قرار حل الجماعة: «ليس لدينا سوي الطرق والوسائل القانونية ونحن نثق في القضاء العادل» (136).
ويقول مجيبا عن سؤال حول أهداف حزبهم المرتقب:
«وأحب أن الفت النظر إلي أن تحقيق أهدافنا لن يتم إلا بالطريقة الشرعية دون ضغط أو إكراه أو عنف»
ويقول أيضا في نفس الحوار:«وأكرر مرة أخري إننا لن نأتي إلي الحكم إلا إذا استدعينا لهذا عن طريق الانتخابات» (137).
أما فريد عبدالخالق فيقول عن تصوره عن أسلوب حركة الإخوان في المرحلة المقبلة:«ولامبرر للسرية أو التقية، ويسري دم الدعوة في شرايين المجتمع، وتكتسب مباديء الإسلام ثقة الأمة، ويجد الناس في الدعاة إلي تطبيق شرع الله الأمل والقدوة. وسيجد الإخوان أنفسهم مطالبين في ممارسة العمل السياسي بالتحرك من خلال قنواته الدستورية والقانونية مهما شاب الممارسة من قصور» (138).
8 - حكم المحكمة في قضية السيارة الجيب دليل علي ان الإخوان أبرياء من العنف والإرهاب والسعي لقلب نظام الحكم.
يقول محمود الصباغ وهو من قيادات النظام الخاص للإخوان في كتابه «حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين»:
ان حكم المحكمة في قضية السيارة الجيب دليل علي براءة الإخوان من تهمة الخروج علي الحكم فيقول عن هذه القضية «ولقد عزمت علي أن لا أقدم للقراء عن هذا الجيش وأهدافه ووسائله إلا ماأعلنه هؤلاء القضاة، ليطمئنوا جميعا أن مايقرأون في هذا الصدد إنما هو الحقيقة الخالية من كل زيف المبرأة من كل غرض، فالفضل ماشهدت به الأعداء».
ويقول أيضا:«يتضح مما سجلته المحكمة أعلاه أن المحكمة قد حكمت:
أولا: بأن الجماعة كانت حريصة علي أن تسجل في قانونها التزام الأوضاع الدستورية بتحقيق أغراضها.
ثانيا: أن الجماعة عملت فعلا علي تنفيذ الأغراض التي وضحت في قانونها وطبقا للوسائل المشار إليها، فأنشأوا صحيفة يومية لنشر دعوتهم وأقاموا مؤسسات اقتصادية ومستوصفات، كما كونوا فرقا للجوالة، وكان رئيسهم يتابع نشر الدعوة وتفهيم الناس بحقيقتها وذلك بإلقاء أحاديث دورية أسبوعية ومحاضرات وخطب في المناسبات.
فلم يعد بعد ذلك هذا الحكم النهائي الصادر من محكمة مشكلة بقرار صادر من حكومة هي أعدي أعداء الإخوان المسلمين، وقد وافق عليه ممثل الاتهام في هذه الحكومة بدليل أنه لم يتقدم إلي محكمة النقض لنقضه اعترافا منه بعدالة هذا الحكم ومطابقته للأمر الواقع.
ولم يعد بعد ذلك لمؤرخ أو كاتب أن يتهجم علي دعوة الإخوان المسلمين وأغراضها ووسائلها، لأنه إن فعل شيئا من ذلك كان كاذبا علي التاريخ إن كان مؤرخا وكاذبا علي الأمة إن كان كاتبا دون جدال.»
ويقول أيضا:«فالأمر واضح كل الوضوح لكل من له عين تقرأ وأذن تسمع وهذا نص ماقالته المحكمة تحت هذا العنوان «الدين والسياسة».
حكم المحكمة في قضية الدين والسياسة:
وحيث أن الاتهام أخذ علي جماعة الإخوان تدخلهم في المسائل السياسية مع أن دعوتهم بدأت دينية، وهذا لايتفق مع الحقيقة المعلومة أن الإسلام دين ودولة، وقد سبق للمرشد العام أن تحدث في هذا الصدد فقال: في كتيب نشر في سنة (1948 م) عنوانه «مشكلتنا الاقتصادية والدستورية» قال فيه:
إن الإسلام يتخذ من «الحكومة» قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس، فمن ظن أن الإسلام لايعرض للسياسة وأن السياسة ليست من مباحثه، فقد ظلم نفسه وظلم علمه بهذا الإسلام.
وأشار بعد ذلك إلي الخطأ في فصل الدين عن السياسة عمليا مع النص في الدستور علي أن دين الدولة هو الإسلام، وقال إن الحكومة في الإسلام تقوم علي قواعد معروفة هي مسئولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها، وهذه القواعد هي التي قام عليها الدستور المصري، لأن الإسلام يجيز أن يفوض رئيس الدولة غيره في مباشرة السلطة وتحمل المسئولية، فيصبح المسئول، هي الوزارة لا رئيس الدولة.
وحيث أنه يظهر جليا من أقوال المرشد العام أن الجماعة لاتناهض نظام الحكم القائم في مصر، بل تراه متفقا مع النظم الإسلامية، وأنها كانت تهدف إلي تحقيق نظام شامل للنهضة والإصلاح طبقا لأحكام الدين الإسلامي وبالطرق الدستورية المعروفة طبقا لما جاء في قانونها الأساسي السابق تفصيله.
وبهذه النصوص الواضحة تكون المحكمة قد سجلت خطأ الاتهام الذي يأخذ به البعض علي الإخوان المسلمين بأنهم بدأوا جماعة دينية، ثم انحرفوا إلي السياسة والذي انساقت النيابة العامة وراءه، فذكرته من بين تهمها إلي الإخوان، فنحن نجد المحكمة تقول بصراحة أن هذا الاتهام لايتفق مع الحقيقة المعلومة أن الإسلام دين ودولة، ثم استدلت المحكمة علي صحة هذه الحقيقة من نصوص ماكتبه الإمام الشهيد معلنة في النهاية بأن الإخوان المسلمين لايناهضون نظام الحكم القائم في مصر، بل يرونه متفقا مع النظم الإسلامية.» (139).
9 - جمع الإخوان للسلاح كان لفلسطين وليس لقلب نظام الحكم.
يقول أحمد عادل كمال وهو من قيادات النظام الخاص: «وقع انفجار بمبني كان ملحقا بالمركز العام للإخوان المسلمين في شارع محمد علي بالقاهرة بالقرب من مسجد قيسون بفعل بعض الألغام التي تآكلت أجهزة الأمان بها. وأرادت تقارير البوليس وقتها أن تذهب إلي أن اليهود فعلوها ردا علي نسف حارتهم، ولكن الأستاذ البنا أعلنها في صراحة، إنها مفرقعاتنا التي نقوم بإعدادها لإخواننا المتطوعين في حرب فلسطين. ولقد أراد بهذا الإعلان عن أننا مازلنا نجمع السلاح ونصلحه ونرممه بعد سحب الترخيص حتي لايهاجمنا بعد ذلك أحد بدعوي أن في يدنا سلاحا... ومع ذلك شهدنا تلك البجاحة بعد ذلك حين عرضت قضايانا علي القضاء بتهمة جمع السلاح للعمل علي قلب نظام الحكم.
يظهر كتابنا هذا بعد سقوط الملك والملكية بأربعة وثلاثين عاما، فلا يضيرنا أبدا أن نفاخر بأن ذلك السلاح كان لقلب حكم فاسد انقلب فعلا، ولكن ذلك يجافي الحقيقة، انه الاتهام السهل، وقد تكرر ذلك الزعم بعد ذلك أيام جمال عبدالناصر... مزاعم أيضا تجافي الحقيقة لتبرر مذابح دبرها للتخلص من الجماعة ثم ليصير جبارا في الأرض»
ويقول أيضا ناقلا لنص نشرة للنظام الخاص:
«أخ الهدى:
هذه المطبوعات التي تصلك إنما هي دراسات إعدادية لأمر عظيم توهموه اعتداء علي الأبرياء الآمنين، وتوهموه خروجا علي السلطات، وتوهموه قلبا لنظام الحكم، توهموه خلطاً بين الدين والسياسة، وأفرطوا في الوهم ماشاء لهم ظنهم، والظن لايغني من الحق شيئا» (140)
ويقول كامل الشريف عن الجهاز السري: «وكان صاحب الفكرة هو المرشد الأول حسن البنا ولم يكن يهدف من ورائه الي محاربة الحكومات وقلب أنظمة الحكم واغتيــال الزعماء كما حاولت الدعاية المغرضة أن تصوره وإنما كان هدف الرجل الكبير أولا وأخيرا هو إعداد قوة قتالية معدة لقتال الانكليز إذا سنحت فرصة مناسبة ولقد مات حسن البنا قبل معركة القناة ولم يقدر له أن يشهد الدور الذي لعبه تلاميذه» (141).
ويقول محمد الغزالي: «وكان الاستاذ البنا نفسه، وهو يؤلف جماعته في العهد الأول يعلم أن الأعيان الوجهاء وطلاب النسبة الاجتماعية الذين يكثرون في هذه التشكيلات لايصلحون لاوقات الجد، فألف مايسمي بالنظام الخاص وهو نظام يضم شبابا مدربين علي القتال، وكان المفروض من إعدادهم مقاتلة الغزاة من الانكليز واليهود). (142).
10 - إغتيال الخازندار وماكشفه من خلط في أفكار الإخوان:
عند استعراضنا لهذا الحادث ومايرويه الإخوان عنه ستقرأ ياأخي كثيرا من المضحكات المبكيات.
لنسمع القصة من بدايتها من أحمد عادل كمال حيث يحكي كيف إنه أثناء حضوره لجلسة محاكمة اثنان من النظام الخاص متهمان بالقاء القنابل علي جنود الاحتلال الانكليزي «اعتمد الدفاع أساسا علي نفي إتيان المتهمين لأي اعتداء علي جنود الحلفاء، ثم علي طريقة المحامين ذهب الدفاع إلي أنه إذا افترضنا جدلا أن لهما شأنا في ضرب الجنود الإنكليز السكاري بالقنابل، فأي دافع يكون وراء ذلك؟ لاشك أنه دافع وطني يهدف إلي تحرير أرضنا من دنس الاحتلال و....
وإذا بالخازندار بك ينتفض فوق منصته ويدقها بقبضته ويصيح في الأستاذ المحامي الذي كان يترافع بذلك فقال له «كلام فارغ إيه ده ياأستاذ اللي بتقوله؟ دول حلفاء موجودين هنا للدفاع عنا بموجب معاهدة الشرف والاستقلال... تبقي فوضي لما نسيب كل واحد يدي أحكام علي كيفه وينطلق الاولاد في الشوارع بالقنابل والرصاص! لا ده كلام فارغ مانسمعوش أبدا!!» من الناحية القانونية الصرفة التي لاشأن لها بأي اعتبار آخر ربما كان كلامه سليما... ولكن...
كان هذا الكلام صدمة لنا.
وكشاب مشحون بالحماس في الثانية والعشرين من عمري رجعت من المحكمة أطالب برأس الخازندار حماية لنا في عملياتنا المستقبلة، واعتبرت أن الرجل يصدر أحكامه والدفاع لم يتم مرافعته... ولعله لم يكن أصدر أحكاما ويبني هذه الأحكام علي أن وجود جيش الاحتلال في مصر وجود شرعي وأن جنوده حلفاء.... وأن معاهدة الذل والاحتلال هي معاهدة شرف واستقلال، إنه من وجهة نظرنا رجل صفته كذا وكذا... ولم تكن مفاجأة لي أن أعلم أنه لم يكن رأيي وحدي وأن هناك غيري من تطوع لاغتيال الخازندار.
وصدرت الأحكام. حكم علي حسين عبدالسميع بالحبس ثلاث سنوات وعلي عبدالمنعم عبدالعال بالسجن خمس سنوات، واستأنف الإخوان الأحكام» (143).
أما عن ردود الفعل الناجمة عن هذا الحادث فليسمح القاريء أن أنقل ببعض الاسهاب ماكتبه اثنان من قيادات النظام الخاص حولها واعتذر للقاريء عن هذه الاطالة التي أراها ضرورية لتوضيح هذا الخلط في فكر قيادات الإخوان المسلمين.
يقول أحمد عادل كمال:«وفي الواقع أنه ولو أن اللذين قتلا أحمد الخازندار كانا من الإخوان بل من إخوان النظام... ولو أن ذلك القتل تم بناء علي تعليمات صدرت من رقم واحد في النظام.... وبالرغم من أن تلك العملية كانت تجاوبا مع مافي نفوس بعضنا إن لم يكن كثير منا... بالرغم من كل ذلك فقد كانت عملية فردية.
ذلك أن الوحيد الذي ينطق باسم الجماعة ويحدد اتجاهها هو المرشد العام.
فماذا كان موقف المرشد العام؟ لقد كان الرجل رحمه الله أكثر الناس مفاجأة بهذا الحادث، فاللذان قتلا الرجل من جماعته ومع ذلك لم يؤخذ رأيه ولم يخبره أحد مسبقا... وهذه هي الحقيقة. غضب الأستاذ البنا غضبا شديدا وناقش عبدالرحمن الحساب.
لم يكن اعتراض الأستاذ البنا مقصورا علي تخطيط العملية وإنما انصب اعتراضه في المقام الأول علي شرعيتها. كان من رأيه أن من حق القاضي أن يخطيء وأن اغتياله غير جائز شرعا.
هنا وبعد أن عرفنا هذا انتكست أحساسيسنا وارتد حماسنا لهذه العملية وأشفقنا أيما اشفاق علي حسن عبدالحافظ ومحمود زينهم. اننا نفعل مانفعل - كل مانفعل - جهادا في سبيل الله وابتغاء رضاه فإذا انتهينا إلي أن العمل غير جائز شرعا فمن شأن هذا أن يصيبنا بصدمة. لست أدري لماذا لم نحاول أن نعالج المشكلة معالجة شرعية، لم نحاول أن نؤدي الدية إلي ورثة الخازاندار وأن نسترضيهم حتي يرضوا.... ربما كانوا رضوا وربما كانوا رفضوا.... ولكننا لم نحاول.
قد يذهب البعض إلي أنها سيئة للنظام الخاص، باعتبار أن وجوده يحمل في طياته احتمال مثل تلك الأندفاعات بمالا يمكن تجنبه، وبما يعني أن قيام النظام في حد ذاته كان خطأ من هذا الوجه. وفي هذا مناقشة للموضوع في غير إطاره. فإننا إذا أرجعنا الأمور إلي مناخها العام لوجدنا أن النظام قد كبح جماح كثيرين من أن ينطلقوا بدافع الحماس الذي ساد تلك السنوات بكل مبرراته إلي أعمال لاحصر لها من مثل هذه.
فكم من أفراد أرادوا تنفيذ أشياء منعها النظام، فإذا أفلتت عملية أو عمليتان ولو من مسئولين في النظام ففي موازين الانصاف يمكن القول إن هذه مقابل تلك، ودون زعم أنه قياس بمعناه الشرعي نذكر أن سيف الله خالد بن الوليد قد قتل في بعض سراياه من أدي شهادة الإسلام باجتهاد خاطيء انكره عليه رسول الله e. ثم حدث مثل ذلك مرة أخري منه أيضا في حروب الردة بما انكره عليه أبو بكر وعمر. وسألني سائل: إذا حكم اليوم قاض أفغاني مسلم في محاكم أفغانستان علي المجاهدين الأفغان علي أساس أن الوجود الروسي شرعي في أفغانستان، أيكون قتل القاضي خطأ؟.
لست أقصد بهذا السرد أني أؤيد العملية وأدافع عنها، ولايسعني هذا بعد أن استبانت كافة جوانبها، إنما أردت أن أوضح أبعادها كما حدثت، أما الآن فلا يسعني إلا أن أقر بخطئها. لئن قلنا انه كان بحسن قصد فإننا نقول أيضا انه كان أمرا جسيما، وحين رفضه الأستاذ البنا وأنكره فقد كان يقدره حق قدره» (144).
إذن نلخص ماقاله الاستاذ أحمد عادل كمال في الآتي:
أولا: ان الخازندار يري شرعية معاهدة 1936وان الانكليز وجودهم شرعي في مصر.
ثانيا: إن كل شباب الإخوان المسلمين بل والشباب الوطني كان يتمني التخلص من الخازندار.
ثالثا: ان حسن البنا يري عدم شرعية قتل الخازندار وإن من حقه أن يجتهد فيخطيء، وقد ذكرنا من قبل ان حسن البنا كان يري ضرورة الالتزام بمعاهدة 1936 (145).
رابعـا: ان هذا الرأي أصاب الشباب بالصدمة.
خامسا: ثم يصيغ أحمد عادل كمال سؤالا حول القاضي المسلم الأفغاني الذي يحكم علي المجاهدين بالسجن
سادسا: أنه يقر بخطأ النظام الخاص وصواب رأي البنا في النهاية.
وفي رأينا ان الأستاذ أحمد عادل كمال لايزال يعيش هذا الصراع منذ سماع رأي شيخه البنا حتي كتب كتابه هذا.
والدليل علي ذلك هو هذا السؤال الذي ترك إجابته المقطوع بها للقاريء ولكنه يستحي أن يجيب لأن الاجابة لاتوافق رأي شيخه فيستتر وراء القاريء ويترك القاريء ليواجه رأي شيخه ولنا هنا ملاحظتان:
أولا: ان القاضي الأفغاني الذي يحاكم المجاهدين ويعاقبهم علي جهادهم ليس بقاض مسلم يااستاذ عادل لأنه لايحكم بما أنزل الله ولأنه يوالي أعداء الله ويعادي أولياءه بسبب دينهم، وقد أقمنا الأدلة المستفيضة علي هذا في نشراتنا المتعددة. وهو قاض مرتد مهدر الدم سواء كان أفغانيا أو مصريا أو غيرهما.
ثانيا: إن هذه العصبية للرؤساء والمشايخ هي التي أدت إلي غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في رأينا السبب الأساسي لانهيار جماعة الإخوان حتي وصل بهم الأمر إلي تأييد ترشيح حسني مبارك رئيسا للجمهورية كما ستري بعد ستين عاما من النضال والدماء والتعذيب والسجن والتشريد.
وليس أدل علي ذلك من هذا الصراع المحتدم في ضمير الأستاذ أحمد عادل والذي لم يستطع أن يكتمه فصاغه في صورة سؤال!!
أما الأستاذ محمود الصباغ فيحاول حل هذا الأشكال فيأتي بغرائب مضحكة ألجأته إليها ضرورة التوفيق بين تناقضين: صحة تصرف قتلة الخازندار وبشاعة جرمه في ميزان الشريعة، ومعارضة البنا ومن معه لهذا الفعل واعتباره حراما واستمعوا لسرد الصباغ، واعتذر عن الاطالة لأهمية توضيح هذه الثغرة في فكر الإخوان المسلمين - وإلي اليوم - يقول الصباغ: «حادث مقتل الخازندار بك:
أقرر بكل الصدق أن كلا من الإخوان المسلمين كجماعة إسلامية يرأسها المرشد العام للإخوان المسلمين والتنظيم الخاص للإخوان المسلمين كتنظيم عسكري سري، خصص لأعمال الجهاد في سبيل الإسلام بريء كل البراءة من هذا الحادث الذي يمكن أن يقع بدوافع وطنية، ولكنه مخالف ومستنكر من الشريعة الإسلامية التي اتخذها كل من الإخوان المسلمين وتنظيمهم السري أساسا لكل عمل يقومون به، ومن ثم يكون استنكار الإمام الشهيد له علنا أمام إخوانه جميعهم، وإحساسهم جميعا بالآلام التي سببها له هذا الحادث، استنكارا مصدره العقيدة الإسلامية التي يعتنقها الإمام الشهيد ويدعو لها بكل جهده وطاقته، كما يكون استنكار النظام الخاص لهذا الحادث مستمداً من نفس الأسباب التي استنكر الإمام الشهيد بها قتل الخازندار بك، علي الرغم من أن مرتكبي هذا الحادث هم ثلاثة أفراد من الإخوان المسلمين بصفتهم الشخصية، هم عبدالرحمن السندي، ومحمود سعيد زينهم، وحس عبدالحافظ.
ولقد استحل هؤلاء الإخوان الثلاثة لأنفسهم القيام بهذا العمل لدوافع وطنية اقتضتها ظروف هذا الحادث واستشعرها جميع شعب مصر في حينها، دون أن يكون لأحد من الإخوان المسلمين أو من قيادة النظام الخاص أمر أو إذن به.
ولايغير من هذه الحقيقة كون عبدالرحمن السندي رئيسا للنظام الخاص ولا كون الأخوين محمود سعيد زينهم وحسن عبدالحافظ أعضاء في النظام الخاص، لأن النظام الخاص لايمكن أن يتحمل إلا الأعمال التي تقرها قيادته مجتمعة، بأمر صريح من المرشد العام، ومالم يتحقق هذين الشرطين لأي عمل من أعمال النظام الخاص، فإن هذا العمل يكون عملا فرديا تقع مسئوليته كاملة علي من قام به.»
ويقول أيضا: «لقد وقع هذا الحادث في وقت كنت قد تركت فيه مسئوليتي في النظام الخاص مؤقتا متفرغا للجهاد في فلسطين، ولم يرد علي خواطرنا قبل هذا التفرغ قتل هذا القاضي علي الاطلاق، حيث لم يطرحه علينا الأخ عبدالرحمن السندي للدراسة كتعليمات المرشد العام من ناحية، ولم يقم في ذهن أحدٍ منا أن هناك واجب علي النظام الخاص قبل هذا القاضي يستحق أن يستأذن المرشد العام في القيام به.
إلا أن الظروف الملابسة لهذا الحادث كانت تثير الشعور الوطني ضد هذا القاضي من المصريين كافة، وهو مايبرر أن يفكر بعض المتطرفين منهم في اغتياله إرضاءاً لهذا الشعور، حيث تزامن في هذا الوقت ثلاث قضايا نظرت أمام القاضي الخازندار، واحدة منها قضية وطنية هي إلقاء قنابل علي الانكليز في مدينة الإسكندرية، بأيدي مجموعة من شباب حزب مصر الفتاة، فالأمر كما قلت كان هديرا وطنيا ضد الانكليز في هذه الظروف من كافة أحزاب مصر وهيئاتها، ومن بينهم الإخوان المسلمون، وقد أدانت الدائرة التي يرأسها الخازندار بك هؤلاء الشباب بالسجن عشر سنوات في نفس الوقت الذي قضت فيه دائرة يرأسها الخازندار بك علي سفاح الإسكندرية المدعو حسن قناوي الذي راح ضحيته سبعة قتلي، بدوافع جنسية قذرة، نقلتها جميع الصحف إلي الشعب المصري بصورتها الواقعية التي تثير الذعر والاشمئزاز في نفس كل مصري ومصرية، حتي أن جميع أفراد شعب مصر وبدون أي مبالغة تمنواأن يخلص القضاء المصري سمعة مصر وشرفها وحياءها من هذا الوحش الكاسر الدنيء، وقد عبر الاتهام ممثلا في الأستاذ أنور حبيب وكيل نيابة عن هذه الرغبة الشعبية العارمة بطلب الاعدام، ولكن حكم هذه الدائرة الذي نطق به المستشار الخازندار بك كان مخيبا لكل الآمال، إذ قضي بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة،الأمر الذي أسعد المتهم أيما سعادة، وهو يسمع هذا الحكم مبتسما علي النحو الذي نقلته الصحف لجميع أفراد الشعب في هذه الأيام، وقد أجري جميع أفراد الشعب مقارنة بين حكم الخازندار بك علي الشباب الوطني الذي يلقي قنابل علي الانكليز بالسجن عشر سنوات، وبين حكمه علي هذا الوحش الدنيء بالسجن سبع سنوات، وخرج باستبعاد أن يكون هذا القاضي وطنيا علي أي صورة من الصور، وبل باتهامه بممالأة الانكليز والقسوة علي أعدائهم والرحمة بأعداء الشعب. في كل مايصدر عنه من أحكام. إن هذا الحكم القاسي علي الخازندار بك لم يخرج عليه أي مواطن، بل كان شبه حكم إجماعي من المصريين عامهم وخاصهم، خاصة أن هذه المقارنة لم تقتصر علي قضية حسن قناوي، بل أشيع أن دائرة برئاسة الخازندار بك أيضا حكمت وفي نفس الظروف علي سيدة اتهمت بتعذيب خادمتها تعذيبا وحشيا إلي حد إحماء عود من حديد وإدخاله في موضع العفة منها، حتي أودي بحياتها، بالسجن لمدة عام واحد مع إيقاف التنفيذ، فكان التعليق علي حكم الخازندار بك بسجن شباب مصر الفتاة بالغ القسوة لا من رجال مصر الفتاة وحدهم، بل من رجال السياسة في مصر ومنهم الإمام الشهيد حسن البنا.(258)
ويقول أيضا: «ولقد حدث أن رجعت إلي القاهرة في زيارة خاطفة لإعداد بعض المعدات اللازمة للمجاهدين، فأصبت بالأنفلونزا خلال هذه الزيارة ولازمت الفراش، فزارني الأخ حسن عبدالحافظ بمنزلي قبيل وقوع مقتل الخازندار بك وصارحني بأن الأخ عبدالرحمن السندي اختاره مع أخ آخر لقتل الخازندار بك لما ظهر من جحوده للشعور الوطني وتعاطفه مع القتلة والسفاكين في أحكامه.
وقد ذهلت لهذا الخبر، وأصدرت أمرا صريحا إلي الأخ حسن عبدالحافظ باعتباري أمير مجموعته إلي ماقبل سفري إلي فلسطين أن لاينفذ تعليمات عبدالرحمن في هذا الشأن، لأننا باعتبارنا من جماعة الإخوان المسلمين ليس بيننا وبين المستشار الخازندار بك أي عداء، فقد كان حكمه علي الأخوين حسين عبدالسميع، وعبدالمنعم إبراهيم، المتهمين بإلقاء قنابل علي الجنود الانكليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد سنة 1946 بالسجن ثلاث سنوات هو حكم معقول لاتثريب عليه، فالفعل وإن كان وطنيا خالصا يتفق مع كل الشرائع السماوية، والدوافع الوطنية النبيلة، إلا أنه مخالف للقانون الوضعي الذي يحكم به القضاء المصري في ذلك الوقت، الأمر الذي يجعل في هذا الحكم مراعاة للدوافع النبيلة التي دفعت هذين الأخوين لهذا الفعل الفدائي المرغوب من كل وطني مخلص، وكل مسلم صــادق.»
ثم يقول أيضا:«المطالبة بدم الضحايا الثلاث لهذا الحادث المؤسف»:
كانت غضبة قيادة النظام علي تصرف عبدالرحمن عارمة، فليس من حقه علي الإطلاق أن يأمر بمثل هذا العمل الذي لاتحله شريعة الإسلام وإن سمحت به المشاعر الوطنية، دون عرضه علي قيادة النظام، والتحقق من صدور أمر من المرشد العام بتنفيذه.
ولما كان من الممكن أن يحكم القضاء في هذه القضية بإعدام هذين الأخوين نتيجة لهذا التصرف الذي لم يراع فيه عبدالرحمن موقعه من النظام كمسئول، فيعتبر الإخوان أوامره شرعية صادرة من المرشد العام دون نقاش، فلابد وأن يتحمل عبدالرحمن دم الثلاثة وحده.
وعقدت قيادة النظام الخاص محاكمة لعبدالرحمن علي هذا الجرم المستنكر، وحضر المحاكمة كل من فضيلة المرشد العام الشهيد حسن البنا وباقي أفراد قيادة النظام بما في ذلك الأخوة صالح عشماوي، والشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة، والدكتور عبدالعزيز كامل، ومحمود الصباغ، ومصطفي مشهور، وأحمد زكي حسن، وأحمد حسنين، والدكتور محمود عساف، وقد أكد عبدالرحمن في المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التي سمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المستهجنة، أنه سيرضي عن قتله لو أنه نفذ القتل فعلا، وقد تأثر المرشد العام تأثرا بالغا لكلام عبدالرحمن لأنه يعلم صدقه في كل كلمة يقولها تعبيرا عما يعتقد، وبلغ من تأثر فضيلة المرشد العام أنه أجهش بالبكاء ألماً لهذا الحادث الأليم الذي يستوجب غضب الله، لأنه قتل لنفوس بريئة من غير نفس، كما يعتبر مادة واسعة للتشهير بالدعوة ورسالتها في الجهاد من أجل إقامة شرع الله، وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبدالرحمن قد وقع في فهم خاطيء في ممارسة غير مسبوقةٍ من أعمال الإخوان المسلمين، فرأوا أن يعتبر الحادث قتل خطأ، حيث لم يقصد عبدالرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك.
ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلي الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا علي الإطلاق في حياتهم ليفكروا في مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق علي الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة علي القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة علي إنقاذ حياة المتهمين، البريئين من حبل المشنقة بكل ماأوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرا يمكن أن يفرط فيه الإخوان في غير أداء فريضة واجبة يفرضها الإسلام، حيث تكون الشهادة أبهي وأعظم من كل حياة.
ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل مايعادل الدية إلي ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقي علي الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخرتين محمود زينهم، وحسن عبدالحافظ.
واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، بل إنه لقي موافقة إجماعية من كل الحضور بما في ذلك فضيلة الإمام الشهيد».(146)
وهنا تجدر ملاحظة أمر خطير هو إن حسن البنا وقيادات الإخوان لم ينصب نقدهم علي عدم ملاءمة الحادث للظروف المحيطة أو ان ضرره أكبر من نفعه إذن لهان الأمر ولأصبح لقولهم وجه، ولكن الخطورة انهم يعتبرونه منافيا للشرع ثم يتخبطون هذا التخبط المضحك فيقولون إن السندي مطالب بدم الأخوين لو حكم عليهما بالاعدام وبدم الخازندار.
ثم يرون ان الحادث قتل خطأ وليس عمدا ضاربين عرض الحائط بأي فهم شرعي.
لماذا كان خطأ؟ لأن الأخوين أرادا قتل الاستاذ / روح التبلد الوطني فأصابوا الخازندار أرأيت.
والتبلد الوطني أين يسكن في نفوس بعض أفراد الطبقة المثقفة من أمثال الخازندار.؟؟.
ولذا يجب عليهم الدية ولما كانوا في جماعة الإخوان فقد وجبت الدية علي الجماعة
ولما كانت الجماعة جزءا من الشعب وكانت الحكومة أم الشعب وأباه فقد دفعت الحكومة ماهو أكثر من الدية.
فإذن الحكومة دفعت عن الجماعة، وبقي علي الجماعة انقاذ الضحيتين اللتين لم تمتا بعد قتلهم للضحية الثالثة.
واستراح الجميع لهذا الحكم.
أما نحن والمخلصون والعقلاء فلم نسترح بعد فإن أي فهم شرعي بل أي منطق عقلي ليلهث لهثا شديدا وهو يحاول دون جدوي أن يلحق بالأستاذ الصباغ في هذا اللف والدوران.
وطبعا إذا كان هذا هو تعليق أحمد عادل كمال والصباغ وهما من قيادات النظام الخاص.
فما هو تعليق التلمساني، يقول التلمساني: عن الصليبية والشيوعية والصهيونية وكيف انها تحرض حكام البلاد الإسلامية ضد الإخوان «وقد ساعد علي ذلك بعض الأخطاء التي وقع فيها بعض الشباب من أعضاء النظام مثل قتل المستشار الخازندار فقد أساء بعض الشباب الفهم في تصرف قانوني سليم، ولكن لجهلهم بالقانون اقترفوا جريمتهم دون وعي الأمر الذي أزعج المرشد كثيرا وأخزنه، وأوقعه في الحرج»
ثم يسرد المقارنة بين حكم الخازندار علي الأخوة المجاهدين وحكمه علي سفاح الاسكندرية، ثم يقول «وقد قارن الشباب المسلم بين الحكمين، وبين الهدف منهما، فظن المخطئون الظنون بالسيد المستشار» (147).
ونعود فنذكر الأخ القاريء هنا بما قلناه في صدر الباب الأول من وجوب معرفة حكم الواقع بالنسبة للجماعات الإسلامية التي تواجه هذا الواقع وترفع راية السعي لتغييره، وأن حشد المسلمين وتجميعهم بدون تبصيرهم بحكم الواقع الذي يواجهونه هو نوع من أنواع التغرير بالمسلمين بل هو جناية في حقهم بتعريضهم لعدو متربص هم عنه غافلون.
ولعل السرد السابق المتعلق بحادثة اغتيال القاضي الخازندار يُظهر صدق ماقلناه من عدم تبنِّي الإخوان لحكم صريح في الواقع الذي يواجهونه، بل إنهم - وللأسف الشديد - يتبنون حكما مخالفا للحق، ومما أثار البلبلة والاضطراب في صفوف الأتباع، فقد اتفق حسن البنا وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وعمر التلمساني علي مايلي:
استنكار الحادث واعتباره مخالفا للشريعة.
اعتبار القاضي رجل مسلم تحق له الدية.
اعتبار حكم القاضي بسجن من ألقي القنابل علي الانجليز في حكم المقبول ولو أخطأ.

أبو عبد
04-11-2004, 06:55 PM
أن حسن البنا كان يري ضرورة الإلتزام بمعاهدة 1936 التي تعطي الانجليز وجوداً شرعيا بمصر.
تبرأ حسن البنا من أتباعه وأن فعلهم مخالف للشريعة، وهو نفس الموقف الذي يتخذه الإخوان اليوم من الشباب المجاهد بمصر إذا أقدم علي نكاية في العدو الحاكم الكافر تبرأ منه قادة الإخوان ووصفوا أفعال الشباب بأنها ليست من الإسلام في شيء وأن الإسلام بريء منها، وبهذا تري أن كل فساد في الإخوان أنما سنَّه لهم وسبقهم إليه حسن البنا.
وتعجب من أن من شعاراتهم (الجهاد سبيلنا)، فتسألهم جهاد من؟. قالوا نحن لانكفر الحكام، وإنما الجهاد ضد الانجليز، إذا فلماذا كان البنا يري الإلتزام بمعاهدة 1936؟ ولماذا استنكر إلقاء الشباب القنابل علي الخمارات كما سيأتي في مرافعة أحمد حسين؟، ولماذا رفض حسن الهضيبي أي مشاركة رسمية للإخوان في الأعمال الفدائية ضد الانجليز في منطقة القناة عام 1951 كما ذكرنا؟
سيتضح لك هذا التخبط في منهج الإخوان وسلوكهم عقب حادثة مقتل النقراشي كما اتضح عقب مقتل الخازندار.
11 - مقتل النقراشي وماكشفه من اختلاف ونقائص في منهج الإخوان المسلمين.
كان مقتل النقراشي مأساة من مآسي الإخوان المسلمين فقد كشف عن الهوة الواسعة بين مايدعو قادة الإخوان شبابهم إليه وبين واقعهم وضعفهم وعجز هذه القيادات عن الارتفاع لمستوي الصراع بين الجاهلية والإسلام سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية العملية.
وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه الحيرة والتخبط ولنستمع أولا لمحمود الصباغ أحد قيادي النظام الخاص ماذا يقول عن النقراشي ومقتله.
«لايمكن أن نعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف قام به بعض أبطال الإخوان المسلمين، لما ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين، بأن أسهم في تسليمها لليهود، ثم أعلن الحرب علي الطائفة المسلمة الوحيدة التي تنزل ضربات موجعة لليهود».
«فحل جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم، وحرم أن تقوم دعوة في مصر تدعو إلي هذه المباديء الفاضلة إلي الأبد، فكانت خيانة صارخة لاتستتر وراء أي عذر أو مبرر، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعا، ويكون قتله فرض عين علي كل مسلم ومسلمة، وهذا ما حدث له من بعض شباب النظام الخاص للإخوان المسلمين دون أي توجيه من قيادتهم العليا، فقد كان المجرم الأثيم قد أودعهم جميعا السجون والمعتقلات وحال بين الإخوان ومرشدهم»(148).
ويفصل الصباغ في تفاصيل خيانة النقراشي في فلسطين ثم يختمها بالتلخيص التالي:
«أولا: أسلموا القيادة العامة للجيوش العربية المسلحة إلي انكليزي صهيوني هو جلوب باشا وتلك هي ذروة الخيانة.
ثانيا: سمحوا بتوغل الجيش المصري في فلسطين دون أن يضع خطة عملية لفض الجيوب «اليهودية» الخطيرة، التي توزعت في صحراء «النقب»، حتي يحاصر هذا الجيش من الجنوب بقوات مستعمرات النقب، ومن الشمال بالقوات اليهودية في المستعمرات الصهيونية، فتتحقق بذلك هزيمته، وإعلان إسرائيل.
ثالثا: قبلوا الهدنة الأولي والثانية لإعطاء اليهود فرصة نادرة لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات والدبابات وغيرها، وحبسوا واعتقلوا أبناء مصر البررة، المتطوعين في سبيل الله، فمنعوهم من مواصلة العمل، لما رأوا أن في مصر رجال هم أهل فعلا لإنزال الهزيمة بالأعداء، وتخييب آمال حكام مصر في الولاء والفناء ذلا وانكسارا لهؤلاء الأعداء.
رابعا: غيروا دون سبب معقول هدف الجيش المصري في احتلال تل أبيب وهو يتقدم إلي الشمال دون مقاومة مخافة أن ينهار العدو باحتلال عاصمته، وقبل تل أبيب بعشرين ميلا عددوا له الأهداف ليضطرب صفه وينكمش جمعه، ويقترب من الهزيمة، وييأس من المقاومة والاستبسال.
خامسا: سلحوا الجيش بأسلحة ترتد إلي جنوده لتقتلهم، ولاتندفع إلي الأمام لتنصرهم، اللهم إلا القليل من الأسلحة الخفيفة، التي لم يستطيعوا سحبها، وإحلالها بما فسد، لثقتهم أنها لن تحسم المعركة، وأن خدمة العدو في تقديم شعب مصر ممثلا في جيشها فداء للأعداء هي خدمة أكيدة ومحققة.
فما يكون جزاء مثل هؤلاء الخونة الغدارين في الإسلام؟»
أما كيف تم الاغتيال فيحكي الصباغ القصة مختصرة «كان الشهيد السيد فايز هو مسئول النظام الخاص عن مدينة القاهرة بعد اعتقال كل من يعلوه في القيادة سواء رجال الدعوة العامة أو من رجال النظام الخاص، فقد اعتقل جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وحيل بين المرشد العام وبين جميع الإخوان، فأصبح سيد فايز هو المسئول الأول عن حماية الدعوة في هذه الظروف الشاذة وله حق الاجتهاد.
وقد نظر السيد فايز في قرار حل الإخوان المسلمين وفي الظروف التي تحيط بهذا القرار سواء في الميدان أو داخل مصر، فشعر أنه محكوم بحكومة محاربة للإسلام والمسلمين وقرر الدخول معها في حرب وعصابات فوق أرض مصر.
ولم يكن للسيد فايز من بد في أن يتحمل هذه المسئولية، فكل إخوان الدعوة العامة معتقلون والمرشد العام محجوب عن اللقاء بالإخوان بوضعه تحت العدسة المكبرة لرجال الأمن طوال ساعات النهار والليل، فليس هناك مجال للاتصال به أو أخذ التعليمات منه، وبدأ السيد فايز معاركه برأس الخيانة - محمود فهمي النقراشي، كون سرية من محمد مالك، وشفيق أنس، وعاطف عطيه حلمي، والضابط أحمد فؤاد، وعبدالمجيد أحمد حسن، ومحمود كامل، لقتل النقراشي باشا غيلة. ولتتحطم رأس الاستبداد، وقد أسند قيادة هذه السرية إلي الشهيد أحمد فؤاد.
وقد رسموا الخطة علي النحو الذي ظهر في تحقيقات هذه القضية».(149)
وبعد الاغتيال تطلب الحكومة من حسن البنا إصدار بيان باستنكار الحادث فيصدر بيانا يقلب فيه الحق باطلا ويصور فيه أعداء الإسلام بصورة أبطاله ولكن هل نفع هذا بشيء؟؟
وكان نص البيان الذي صدر بعنوان «بيان للناس» كالآتي: «لقد كان هدف دعوتنا حين نشأت، العمل لخير الوطن و إعزاز الدين، ومقاومة دعوات الالحاد والإباحية، والخروج علي أحكام الإسلام وفضائله، تلك الدعوات التي دوي بوقها وراجت سوقها في تلك الأيام.
وإذا كان ذلك كذلك، فما كانت الجريمة ولا الارهاب ولا العنف من وسائلها، لأنها تأخذ عن الإسلام وتنهج نهجه وتلتزم حدوده.
ووسيلة الإسلام في الدعوة مسجلة في كتاب الله «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» والقرآن الكريم هو الكتاب الذي رفع من قدر الفكر وأعلي من قيمة العقل وجعله مناط التكليف، وفرض احترام الدليل والبرهان وحرم الإعتداء حتي في القتال «ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين» والإسلام الحنيف هو دين السلام الشامل، والطمأنينة الكاملة، والروحانية الصافية، والمثل الإنسانية الرفيعة، ومن واجب كل مسلم ينتسب إليه أن يكون مظهرا لهذه الحقيقة التي صورها النبي صلي الله عليه وسلم بقوله «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
ولقد وقعت أحداث نسبت إلي بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها وتلا هذا الحادث المروع اغتيال رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته، وخسرت بفقده علما من أعلام نهضتها، وقائدا من قادة حركتها، ومثلا طيبا للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها، ولسنا أقل من غيرنا أسفاً من أجله وتقديراً لجهاده وخلقه.
ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافي مع العنف، بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، وتسخط علي مرتكبيها، فنحن نبرأ إلي الله من الجرائم ومرتكبيها.
ولما كانت بلادنا تجتاز الآن مرحلة من أدق مراحل حياتها مما يوجب أن يتوفر لها كامل الهدوء والطمأنينة والاستقرار، وكان جلالة الملك المعظم حفظه الله قد تفضل فوجه الحكومة القائمة، وفيها هذه الخلاصة من رجالات مصر هذه الوجهة الصالحة، وجهة العمل علي جمع كلمة الأمة وضم صفوفها، وتوجيه جهودها وكفاياتها مجتمعة لاموزعة إلي مافيه خيرها وإصلاح أمرها في الداخل والخارج.
وقد أخذت الحكومة من أول لحظة علي تحقيق التوجيه الكريم في إخلاص ودأب وصدق، وكل ذلك يفرض علينا أن نبذل كل جهد ونستنفد كل وسع في أن نعين الحكومة في مهمتها، ونوفر لها كل وقت ومجهود للقيام بواجبها، والنهوض بعبئها الثقيل، ولايتسني لها ذلك بحق، إلا إذا وثقت تماما من استتباب الأمن واستقرار النظام، وهو واجب كل مواطن في الظروف العادية فكيف بهذه الظروف الدقيقة الحاسمة التي لايستفيد فيها من بلبلة الخواطر وتصادم القوي، وتشعب الجهود إلا خصوم الوطن وأعداء نهضته.
لهذا أناشد إخواني، لله وللمصلحة العامة أن يكون كل منهم عونا علي تحقيق هذا المعني وأن ينصرفوا إلي أعمالهم، ويبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن وشمول الطمأنينة حتي يؤدوا بذلك حق الله وحق الوطن عنهم والله أسأل أن يحفظ جلالة الملك المعظم ويكلأه بعين رعايته ويسدد خطي البلاد حكومة وشعبا في عهده الموفق إلي مافيه الخير والفلاح آمين» (150).
وقد لاحظنا أن الأستاذ محمود الصباغ لما ذكر البيان حذف جملة «جلالة الملك المعظم حفظه الله قد تفضل....» وأبدلها بكلمة «الحاكم» كما حذف خاتمة البيان المحتوية علي الدعاء والثناء علي الملك، وليس هذا من أمانة النقل (151)
قارن هذا الرثاء من حسن البنا للنقراشي واعتباره مثلا للنزاهة والوطنية والعفة بمطالبة الإخوان للملك أن يقيل النقراشي من الوزارة كما نقلنا هذا من قبل، وقارن كلام البنا بكلام الصباغ الذي ذكر خمسة أسباب تجعل النقراشي مستحقا لوصف الخيانة وتجعله مستحقا للقتل.
فهل نفع هذا الخلط بشيء؟؟؟.
ينقل الصباغ عن محسن محمد في جريدة المسلمون مانقله عن وثائق الخارجية البريطانية هذا الحوار بين إبراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء و تشابمان أندروز الوزير البريطاني المفوض:
«الانطباع الذي أخذته من بيان حسن البنا أنه بدأ يتراجع أمام تصرف الحكومة. ثم يطمئن أندروز قائلا له: إني واثق من الحصول علي أفضل مالدي الإخوان، ولكني مستعد للقضاء عليهم» (152).
وتلخص د. لطيفة سالم هذه المأساة فتقول: «ومضي التخطيط، إبراهيم عبدالهادي - ومن ورائه فاروق - يقود حملته الوحشية علي الإخوان، وحسن البنا يوالي نشاطه وهو يعلم أن الانتقام آت لاريب فيه، لكنه يحاول التمويه، فتنشر صحيفة لابورص حديثا له يستنكر فيه القتل واستعمال القوة ويبين أنهما لايتفقان مع الدين الإسلامي ويأسف لما جري للنقراشي. ولكنه حسم الأمر سريعا، وانتصر جانب القوة، وفي 12 فبراير 1949 - اليوم التالي لعيد الميلاد الملكي - اغتيل المرشد العام رغم الحيطة التي أحاط بها نفسه، ويذكر السفير البريطاني أنه كان قد تسلم قبيل اغتياله خطابات تهديد بأنه سيقتل إن لم يقم بإرشاد الحكومة عن مخازن الأسلحة الخاصة بالجماعة. وفي حديث جري بين الملك وكامبل عن الحادث، أوضح الأول أن مقتل حسن البنا كان انتقاما لمقتل النقراشي» (153).
كان هذا هو موقف حسن البنا وكانت هذه هي حصيلة أقواله، تبرأ من النظام الخاص الذي أنشأه أمام الناس فكانت النتيجة أن سجلت عليه هذه الأقوال ولم يكسب أي مكسب مادي مما كان يطمع فيه بل علي العكس كان نصيبه الخسارة المطلقة فشباب الإخوان في السجون وهذه البيانات تستخدم للضغط عليهم ولعل أوضح مثال علي ذلك هو انهيار عبدالمجيد أحمد حسن قاتل النقراشي وتحوله طوال فترة محاكمته إلي أداة لايذاء إخوانه والقاء التهم عليهم نتيجة هذه البيانات.
وليسمح لي القاريء أن أتوقف عند هذه النقطة وأزيدها تفصيلا لما فيها من درس خطير لأي حركة إسلامية وسوف أعرض علي القاريء فقرات هامة من مرافعة المحامي أحمد حسين في دفاعه عن بعض المتهمين في قضية مقتل النقراشي وفيها يوضح خطة الحكومة ورئيس وزرائها إبراهيم عبدالهادي في خداع حسن البنا والتأثير علي عبدالمجيد أحمد حسن قاتل النقراشي ليعترف وليصير أداة في يد البوليس السياسي لإدانة زملائه وماقاله أحمد حسين يؤيده الصباغ فيما سننقله عنه في الفقرة التالية إن شاء الله.
يقول أحمد حسين:«وبينما كان رجال القسم السياسي يعملون في صبر لعلاج المتهم كان من هم أكبر منهم، كان رئيس الوزراء إبراهيم باشا عبدالهادي يعمل من ناحيته للتأثير علي عبدالمجيد وتحطيم أعصابه. وقد روي أن أعظم مايحطم أعصابه هو الإيقاع بينه وبين «حسن البنا» بحمل حسن البنا علي التبرؤ منه واستنكار فعلته»
ويقول أيضا مخاطبا القضاة: «أريد أن تستدعوا إبراهيم باشا عبدالهادي ومعالي مصطفي بك مرعي، لتسألوهما عن الظروف التي صدر فيها هذا البيان ولماذا صدر؟ فقد كان هناك أمر عسكري بحل (الإخوان المسلمون) ومنع أي نشاط خاص بهم، كانت الدعوة لهم محظورة وكل من نطق بكلمة يشتم منها رائحة النشاط للإخوان يرتكب جريمة وكان ذلك كله قبل مقتل النقراشي باشا، فلماذا وتحت أي دافع وأي مؤثر سمح للمرحوم الشيخ «حسن البنا» بأن يذيع بيانا للناس يستهله بالدعاية لجماعته ولحركته.
ماالذي حمل «حسن البنا» علي إذاعة هذا البيان، وقد رفض النقراشي باشا أن يسمح له قبل موته بإذاعة بيانات من هذا القبيل؟ وماالذي حمل إبراهيم باشا عبدالهادي علي السماح له بإذاعة هذا البيان، وماالمقصود منه؟
لقد كانت إذاعة هذا البيان ثمرة مفاوضات طويلة متصلة بين المرحوم الشيخ «حسن البنا» وبين مصطفي بك مرعي وزير الدولة وكان أساس هذه المفاوضات أن يذيع الشيخ «حسن البنا» هذا النداء تمهيدا للنظر في إعادة (الإخوان المسلمون) بعد إدخال إصلاحات علي خططهم وأنظمتهم. هذا هو موضوع المفاوضات كما زعموه لحسن البنا، ولكن الحقيقة أنهم كانوا يريدون أن ينتزعوا منه هذا البيان الذي يتبرأ فيه من القاتل، ويستنكر الجريمة والمجرمين، لما يحدثه هذا البيان من أثر في نفس عبدالمجيد. ولقد أجاب المرحوم «حسن البنا» طلبهم بحسن نية، فأصدر البيان كخطوة في سبيل عودة السلام.
ولقد دهش الناس في ذلك الوقت لصدور هذا البيان الذي يدل صدوره علي قرب عودة المياه إلي مجاريها، بين الشيخ «حسن البنا» والحكومة، فلما سألت واحدا من كبار السعديين عن تفسير هذا البيان، وهل هو مقدمة لعودة (الإخوان المسلمون)؟ إذ به يضحك ويقول: «بل لقد غررنا بحسن البنا لنحصل منه علي بيان، للتأثير به علي عبدالمجيد من ناحية، وليكون مقدمة لما يحل بعد ذلك بحسن البنا».
فهذا البيان كان ثمرة مناورات غرر فيها بحسن البنا، فهو ماكان ليصدره إلا بناء علي وعود قطعت له، فلما أصدره أسرعت النيابة إلي استغلال هذا البيان فيما قصد إليه، فاستدعت عبدالمجيد أحمد حسن في نفس اليوم، وهكذا يأبي الله إلا أن يكشف لنا المستور بالدليل من أوراق التحقيق. فلم يكن ثمة داع للتحقيق مع عبدالمجيد في هذا اليوم، ولكنه استحضر ليتلي عليه بيان «حسن البنا»، ليحدث تأثيره في نفس عبدالمجيد.
ولقد صدم عبدالمجيد بتلاوة البيان من غير شك، ولكن نفسه القوية قاومت الصدمة في باديء الأمر، فكان رد فعل البيان أن تمسك عبدالمجيد بفعلته، وأن قرر أنه مصر علي مافعل ولايندم عليه، بالرغم مما قاله «حسن البنا» أو سيقوله في المستقبل وعند هذا القدر أعيد عبدالمجيد إلي السجن ليتفاعل في نفسه تأثير هذا الموقف الجديد.لقد أقدم عبدالمجيد علي فعلته، معتقدا أنه يؤدي واجبا دينيا، وهاهو الزعيم الديني الذي عاش عبدالمجيد السنوات الأخيرة من حياته يتطلع إليه ويعتبره مثلا أعلي يقرر علي رءوس الأشهاد براءته منه، وإنكاره لهذا العمل وبراءة الإسلام من هذا الجرم.
لاجدال في أن عبدالمجيد أصيب من جراء هذا البيان بخيبة أمل شديدة، عبر عنها بنفسه مما علل سبب اعترافاته فيما بعد. وفي هذا الظرف المواتي تقدم له أصحابنا رجال القسم السياسي يستخدمون أساليبهم ومناوراتهم.
فهذا هو «حسن البنا» قد تبرأ منه، وقد فعل ذلك ثمنا لعودة (الإخوان المسلمين) علي حسابه، وها هو ذا في البيان يثني علي النقراشي باشا وعلي الحكومة القائمة، فعبدالمجيد إذن يضحي بنفسه من أجل زعيم لايستحق، وجماعة غير صادقة في جهادها هذا هو ماقيل لعبدالمجيد للتأثير عليه، وبعد يومين صدر بيان هيئة كبار العلماء وفيه تأييد لما جاء في بيان «حسن البنا» بإنكار القتل وأنه ضد الشريعة»0(154)
هل وعينا هذا المبدأ الشيطاني الذي تكرر أمامنا عشرات المرات التفاوض للحصول علي أفضل التنازلات ثم السجن.
أي التفاوض من أجل التنازل فتتشقق صفوف المسلمين من الداخل ثم الضرب بقوة من الخارج.
ثم قتل النظام حسن البنا في الشارع فذهب إلي ربه وترك لنا هذا الدرس القاسي.
ثم خرج بعض الإخوان كما يحكي أحمد عادل كمال من المعتقلات بعد ذلك فشكك في الجهاد، وادعوا أن لاجهاد إلا بخليفة وان علينا الدعوة بالحسني فقط وهكذا تراجعت الحركة الإسلامية عشر خطوات للوراء (155).
كانت هذه تجربة البنا وهو الذي بذر بذرة الجهاد ثم حاول التفاهم مع الطاغوت أمام الناس فاستنكر جهاد إخوانه وألبس المجرمين مسوح الشهداء والأولياء، ومضي إلي ربه بهذه الاجتهادات الخطيرة.
ثم خلف من بعده خلوف تمسكوا فقط بهذه الأقوال المهتزة للبنا وجعلوها أساسا ونبراسا فسري السرطان في الجسم وتمكن حتي أصبح الشفاء ميئوسا منه إلا أن يشاء الله شيئا.
فيقول عمر التلمساني «ففي كل حزب وفي كل هيئة قد يتصرف بعض أفرادها تصرفات لاتقرها رئاسة هذا الحزب. وقد تحمل الإخوان المسلمون كل الأعباء التي حدثت من بعد، ولذلك عندما طلب من الإمام الشهيد - في أيام النقراشي باشا رحمه الله عليه - أن يصدر بيانا يستنكر فيه ماحدث كان الإمام علي أتم الاستعداد، ونشر في الصحف بيانا عنوانه: «هذا بيان للناس» وبيان آخر بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» الخطأ نحن لانتمسك به ولاندافع عنه.» (156).
ويقول فريد عبدالخالق وهو لايحترم ذكاء قرائه:
«سادسا: أحداث سنة 1948 أو ذريعة المتآمرين:
كانت هذه السنة هي مسرح الأحداث التي أخذها المتآمرون علي إنزال ضربة قاضية بالإخوان المسلمين ومرشدهم، ذريعة لتنفيذ مؤامراتهم، وسهلت لهم جريمتهم أمام الرأي العام في وقتها وفضحتها الوثائق بعدها.
أمر عليها هنا في إيجاز، ففي مارس 1948 اغتيل الخازندار بيد اثنين ممن ينتسبون إلي الإخوان، وحكم عليهما بالسجن المؤبد في 22 نوفمبر 1948، وتم هذا الاعتداء بغير علم المرشد، وبدون إذنه، مما أثرعليه تأثيرا بالغا وحزن له حزنا شديدا وقد أثبت التحقيق عدم صلة الجماعة بالحادث، وفي 28 ديسمبر 1948 م اغتيل، النقراشي باشا رئيس الحكومة بعد عشرين يوما من صدور قرار حل الجماعة، واتهم القاتل بصلته بالجماعة ولكن التحقيق نفي صلة الجماعة بالحادث، وفي 20 يونيو نسفت بعض المساكن في حارة اليهود في القاهرة وكان ذلك ردا من مرتكبي هذا الحادث علي مذبحة دير ياسين التي ارتكبها اليهود في فلسطين 9/4/1948، وفي 19 يوليو وقع نسف محلي شيكوريل وأوريكو وكان ذلك ردا من مرتكبي هذا الحادث علي إلقاء طائرة إسرائيلية في 16 يوليو قذيفة علي أحد الأحياء الفقيرة في حي عابدين فهدمت منازل كثيرة وقتلت عددا من السكان، وفي 12 نوفمبر دمر انفجار آخر «شركة الإعلانات الشرقية» التي كانت مركز النشاط الصهيوني في ذلك الحين، وحوادث أخري، لم يسفر التحقيق فيها هي الأخري عن صلة الجماعة أو مرشدها بها» (157). هذا كلام فريد عبدالخالق وكل هذه الأحداث قد اعترف محمود الصباغ وأحمد عادل كمال بقيام النظام الخاص بها (158)
12 - بيان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»
حاول النظام الخاص ان يحرق أوراق قضية السيارة الجيب فكلف شفيق أنس بوضع قنبلة حارقة بجانب دولاب حفظ أوراق القضية ولكن القنبلة أكتشفت، فأصدر حسن البنا بيانا يتبرأ فيه من العملية، بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» ويقول فيه إن الذين فعلوا هذا ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ولايستحقون شرف المواطنة المصرية.
وفي هذا يقول محمود الصباغ:
«وقد هللت أجهزة الحكومة مدعية أن الغرض كان نسف المحكمة، وبالغت أبواق الإتهام تهييء الجو للقضاء التام علي الإخوان المسلمين، مما اضطر المرشد العام إلي إصدار بيانه ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ليساعد علي تخفيف حدة الضغط علي الإخوان وهو أمر جائز شرعا في الحرب ويعد من خدعه، كما أوضحنا عند ذكر سرايا رسول الله e لاغتيال أعداء المسلمين، ولكن الأخ عبدالمجيد أحمد حسن لم ينتبه إلي ذلك وتأثر بالبيان تأثرا قاده إلي الاعتراف علي إخوانه» (159).
ونحن نتعجب من هذا التبرير فليس من الخدعة أن يكفر حسن البنا أتباعه ويتبرأ منهم.
واستسمح القاريء عذرا في أن أنقل أيضا بعض التفاصيل حول هذا البيان لعلنا أن نتوب عن هذا الأسلوب المعوج الذي يضيع الدين والدنيا.
ينقل الأستاذ محمود عبدالحليم عن الأستاذ محمد الليثي الذي كان مصاحبا للشيخ حسن البنا في أيامه الأخيرة مايأتي:
«وبعد أن وقع حادث محاولة نسف محكمة الاستئناف المؤسف، والذي كان له أسوأ الأثر في نفس فضيلة المرشد، طلب مرعي من فضيلته أن يصدر بيانا آخر لنشره بالصحف يقول فيه بصراحة (انه يعتبر أي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان موجها إلي شخصه ولايسعه - أي الأستاذ البنا - إلا أن يقدم نفسه للقصاص أو يطلب إلي جهات الاختصاص تجريده من جنسيته المصرية التي لايستحقها إلا الشرفاء الأبرياء.).
ولقد أوجد حادث محاولة نسف المحكمة جوا صالحا مكن مرعي من الوصول إلي مايريد من بيانات يريد الحصول عليها وقد صدر البيان موقعا عليه من فضيلته بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين».
وتسلمت الحكومة البيان ولكنها بدلا من أن تنشره في اليوم التالي لحادث نسف المحكمة نشرته في اليوم التالي لحادث اغتيال الشيخ البنا ثم قدمته لجهات التحقيق زاعمة أن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا شيخهم لإصداره هذا البيان.
ولعل هناك حكمة لايعلمها إلا علام الغيوب ثم مرعي بك في ان يظل هذا البيان حبيسا شهرا كاملا، وان لايفرج عنه إلا لكي تنشره إحدي الصحف («الاساس» صحيفة السعديين) بالزنكوغراف تحت عنوان «النار بدأت تأكل بعضها - الارهابيون ينقلبون علي شيخهم» (160).
وينقل أيضا الأستاذ محمود عبدالحليم عن أحد الرقباء علي الصحف في وزارة إبراهيم عبدالهادي هذا النص من شهادته في محاكمة قتلة حسن البنا:
«وبعد الحادث بيوم أو بيومين علي ماأذكر طلب منا إعطاء البيان للصحف لنشره علي أساس أن يلقي في الأذهان أن الحادث كان مرجعه إلي تذمر بعض الإخوان المسلمين تذمرا أدي إلي ارتكابهم الحادث» (161)
وهكذا أصدر حسن البنا البيان الأول وتنازل فيه كما اعترف الإخوان أنفسهم طمعا في الافراج عن المعتقلين ولكن الحكومة استغلت البيان الذي صور أعداء الاسلام بصورة أولياء الله الصالحين في تحطيم أعصاب عبدالمجيد أحمد حسن - باعتراف الإخوان - حتي أصبح أداة طيعة في يد البوليس السياسي للاعتراف علي إخوانه. ثم تنازل حسن البنا مرة ثانية فاصدر البيان الثاني «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» فاخرج تلاميذه من الإسلام ومن الطريف أن الإخوان لايملون من قولهم إنهم لايكفرون أحداً.
بل وسنري صلاح شادي عند تأييده لحسني مبارك يبرر ذلك بأنه لايكفره ومع ذلك اتهم حسن البنا شفيق أنس وسيد فايز ومن عاونهما في حادث محاولة نسف المحكمة بأنهم ليسوا مسلمين فهل أجدي ذلك شيئا؟ أبدا لقد كان هذا البيان كما رأينا حلقة في سلسلة مؤامرة اغتيال حسن البنا وكان يراد به صرف الانظار عن القتلة الحقيقيين وتوجيه الشك إلي الإخوان بأنهم بدأوا يقتلون بعضهم بعضا.
وربما يجتهد الإخوان أنفسهم في الدفاع عن شيخهم وتبرير موقفه وربما يستغل ضعاف النفوس فهم هذه الأقوال لتأييد الجماعة بل وربما يهاجموننا رغم إننا لم ننقل إلا أقوالهم، وربما يفعلون ماهو أكثر من ذلك، ولكن كل هذا ليس مايعنينا إنما الذي يعنينا ويهمنا هو استخلاص العبرة والدرس.
ليس هدفنا وصف فلان بكذا أو كذا من الأوصاف. إنما هدفنا أن ننقل لإخواننا من شباب الحركة الإسلامية ولشباب الإخوان خاصة هذه الحقائق التي مافتئنا نكررها وهي أن الحوار والتنازل للطاغوت لن ينصر دينا ولن يصلح دنيا.
وهذا هو الدليل من سيرة الإخوان أنفسهم وبأقلامهم ورغم هذا يندفعون في نفس الهاوية مصرين علي أنهم الحركة الأم وأنهم يمتلكون الشرعية وحدهم وفوق كل هذا أنهم القادرون علي ترويض المتطرفين لو أتاح الطاغوت لهم حرية الحركة.
«فستذكرون ماأقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد»
13 - استنكار الهجوم علي حسن أبي باشا:
استنكرت قيادات الإخوان في الداخل والخارج الهجوم علي حسن أبي باشا رغم الصفحات التي سودوها عنه في كتبهم عن التعذيب في عهد عبدالناصر.
فعقب الهجوم عليه أصدر الإخوان المسلمون بيانا نشرته مجلة المجتمع: «
الإخوان يستنكرون الحادث
وقد أصدر الإخوان المسلمون بيانا أعلنوا فيه استنكارهم للعنف طريقا للتعامل بين أبناء الوطن الواحد حكاما ومحكومين... وقال البيان «إن العنف لايولد إلا عنفا، وإن الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة لهو سبيل الإسلام كما جاء بذلك صريح القرآن... كما يدعو الإخوان المسلمون ذوي الشأن وحملة الأقلام، أن يكبحوا جماح النفس، وان ينتظروا مايسفر عنه التحقيق في مثل هذه الأمور، وألا يعلقوا كل مايحدث علي شجب الجماعات الإسلامية فرب «ملتح» لا صلة له بالاسلام وإنما يبغي الفتنة..»
ودعا البيان جميع المواطنين أن يحكموا العقل والتروي في مثل هذه الأمور حتي لانصل إلي ما لايحمد عقباه من الفوضي والتربص، وكفي الله مصر شر هذا المصير.
وكان عدد من نواب الإخوان في البرلمان قد أرسلوا برقيات للواء أبو باشا في المستشفي - نظرا لمنع الزيارة له - يعلنون فيها رفضهم لاسلوب الحوار بالرصاص، ويتمنون له الشفاء معربين أن أي خلاف بينهم وبينه لايمكن أن يصل إلي هذا الحد، ولكنه موكول إلي الله أولا ثم إلي القضاء العادل ليرد المظالم إلي أهلها....» (162)
وقال حسن الجمل أحد قيادات الإخوان وعضو مجلس الشعب لمجلة المجلة «هذا الحادث مفتعل كحادث الأمن المركزي في العام الماضي الذي استقال بسببه وزير الداخلية السابق أحمد رشدي وأن أصابع خفية تلعب وراء هذه الأحداث ولاأعتقد أن من فعل هذا الحادث - مهما كانت دوافعه - انسان عاقل ومانشر عن ان من ارتكب الحادث هما مسلمان ملتحيان محاولات ينسبونها الي التيار الاسلامي وهو منها بريء لانه ليس هناك مسلم يؤيد مثل هذه الجريمة النكراء، وماحدث للواء حسن أبو باشا جريمة يرفضها الاسلام وكل مسلم بل ويدينها».
ونسأله: هل هناك ثأر بين حسن أبو باشا والتيار المتطرف بسبب مواقفه المتشددة تجاه بعض الجماعات الاسلامية ذات النشاط المتصاعد؟ فيقول: «إن الحكومة تخلط بين التيار الاسلامي ممثلا في الإخوان المسلمين وبين بعض الجماعات الأخري وتعتبرهم اتجاها واحدا، وفي كل الأحوال فأنا استبعد حتي عن الجماعات الإسلامية فعل هذا الحادث وأظنها محاولات لضرب التيار الإسلامي مثلها مثل محاولة اثارة فتنة طائفية في الأيام الماضية وقبيل الانتخابات».
ويقول عصام العريان النجم الصاعد في سماء الإخوان والذي يجدد مدرسة التلمساني: «إن هذا الحادث غريب علي مصر وعلي طبيعة الشعب المصري وفي ظني أن اللواء حسن أبو باشا ليس أول ولا أخر من سيوجه اليهم الاتهام باساءة استخدام سلطاتهم حتي يبرر مثل هذا الحادث، وأنه حادث غير مقبول مهما قيل من أنه تصفية حسابات أو معالجة لمواقف سابقة. وهي جريمة نكراء، لايستطيع أي منصف أن يلتمس لها مبررا أو يدافع عنها ورغم أنها جريمة لها توصيفها القانوني فليأخذ القانون مجراه وليلق فاعلوها العقاب الذي يستحقونه. وأري ان هذا الحادث ستكشف اسراره الأيام المقبلة، ولكن قيل أن مرتكبيه ملتحيان ويرتديان جلابيب، ولهذا اتساءل: كيف يفعلون هذا وهل من يرتكب هذا الحادث بمثل هذه الأوصاف قادر علي فعله أم لابد أن يحلق ذقنه أولا ويغير ملابسه حتي لاتوجه إليه الاتهامات؟ وحين قتل التيار المتطرف الرئيس الراحل أنور السادات قتلوه بعد حلق لحيتهم وكانوا مرتدين الزي العسكري، ولهذا اتوقع أن تكشف الأيام المقبلة أسرار هذا الحادث.» (163)
أما سعيد العبدالله في مجلة المجتمع الكويتية فيأتي بمالم تستطعه الأوائل فيقول: «لماذا حدثت هذه المحاولة؟
بعد النجاح الكبير الذي احرزه الإخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب، ارادت جهة ماسونية صليبية صهيونية، زعزعة ثقة رجل الشارع المصري بالجماعة الإسلامية، بوضع قنابل حارقة في مسيرة الجماعة الإسلامية حتي تبعثر صفها وتعصف بكيانها، وتحرك خفافيش الأقلام المترعة بالحقد علي الجماعة الإسلامية.
ان محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق محاولة عفنة قديمة يلجأ إليها أعداء الإسلام. ان شعار الانسان المسلم (وجادلهم بالتي هي أحسن).
لابد إلا أن تشرق شمس الحق وتحرق غدر الماكرين 0» (164).
أما مأمون الهضيبي رافع لواء عدم الخلاف مع الحكومة و المبشر بالشرعية الدستورية للحركة الإسلامية المسكينة الفاقدة للشرعية فيقول: «إننا نجدد ماأعلناه حين تم الاعتداء علي اللواء أبو باشا من استنكار لهذا الأسلوب وإدانته. ولانقبله علي الإطلاق. وفي نفس الوقت أيضا لانقبل الارهاب الحكومي فإرهاب الأفراد مهما بلغت خطورته لايمكن إطلاقا أن يساوي شيئا إلي جانب الإرهاب الحكومي.» (165)
بقيت كلمة أخيرة وهي أن حسن أبو باشا هو قاتل كمال السنانيري وهذا معلوم لنا ولهم.
14 - رمي التلمساني لعبدالرحمن السندي وهنداوي دوير بتهمة العمالة لعبدالناصر
من العجيب ان الذي يرمي السندي ودوير بهذه التهمة هو رائد التفاهم مع الحكومة الذي يفخر بأن وزارة الداخلية كثيرا مااستعانت به لتهدئة الكليات والجامعات!!.
يقول عمر التلمساني عن عبدالرحمن السندي أثناء ذكره لخلاف السندي مع الهضيبي «ومن يومها انتهي أمر عبدالرحمن السندي ومن معه من صفوف الإخوان، ولم يعد لهم في الجماعة من شأن، وبدأ عبدالناصر يحتضنه، وعينه في شركة شل وأسكنه فيلا في الاسماعيلية فيها كل وسائل الراحة، ولكنه كعادته اعتقل في عام 1965، كل الإخوان الذين سبق اعتقالهم» (166).
ويقول عنه أيضا: «وهذا الانسان أغوته القوة وأغواه الشيطان ولما لم يرض رئيس الجماعة عن ذلك وقع الخلاف بينهما» (167).
هذا هو تقييم التلمساني لعبدالرحمن السندي وسوف نعود إلي هذه النقطة عند الكلام عن علاقة الإخوان بالثورة.
فقط سأنقل هنا رأي أحد المقربين إلي عبدالرحمن السندي وهو محمود الصباغ الذي يقول:«ولقد لمسنا من عبدالرحمن طوال فترة العمل معنا الصدق في اللقاء والصبر علي العناء، والبذل بالمال والوقت دون حدود، مع صفاء في النفس ورقة في الشعور، والتزام بأحكام الدين حتي أحببناه حبا صادقا من كل قلوبنا لما جمع الله فيه كل هذه الصفات» (168).
أما عن هنداوي دوير فيقول عمر التلمساني: «أما المرحوم هنداوي دوير فكان شابا مغامرا، ثائر الأعصاب، سريع التأثر بما يسمع، وهناك شائعات كثيرة حول من ورطوه في هذه المغامرة، وكان بعض هؤلاء له مكانة في الإخوان»
ويقول أيضا «ومن رأي هنداوي دوير مع ذلك الإنسان يدخلان منزل عبدالناصر قبل حادث المنشية، بيوم واحد، لايزال حيا، وإن كان المرض قد جعله يلزم منزله، ولو كانت الأدلة في يدي لذكرت الأسماء، ولكني لا أتهم بلا دليل، ولا أسير وراء شائعة» (169).
إذا كان لديك شاهد فلماذا لاتذكر اسمه وإذا كان الأمر كما تقول اشاعة واتهام بلا دليل إذا فلماذا تذكره في مذكراتك.
ويقول أيضا «عندما أعدم هنداوي دوير نقل الحاضرون التنفيذ أنه قال: إذن تمت المهزلة علي رأسي»
ويقول أيضا «المعاملة الممتازة التي كان يعامل بها هنداوي دوير دون غيره من المساقين ظلما إلي هذا الاتهام الباطل،لها دلالتها بشكل واضح علي تلفيق هذه القضية» (170).
تري لو كان عبدالرحمن السندي وهنداوي دوير علي قيد الحياة فماذا كانا سيقولان في عمر التلمساني؟؟
والغريب أنهم يعيبون علي السندي التعاون مع عبدالناصر رغم أنهم قد أيدوه وكانوا يعتبرونه أخا لهم وكانوا مستعدين لدخول وزارة الثورة لولا الخلاف علي الأسماء كما قرر عمر التلمساني فيما سنذكره عند علاقة الإخوان بالثورة.
15 - موقف الإخوان من العنف:
لم تمل قيادة الإخوان وخاصة الحالية من التبرؤ من أي عنف فهي ترفض العنف لمجرد كونه عنفا. ونحن في عجالة ننقل أقوالهم في ذلك: -
يقول الهضيبي في حديث لصحيفة الجمهور المصري ولصحيفة المصري تعقيبا علي قرارات مؤتمر الطلاب العام المنعقد في المركز العام للإخوان المسلمين يوم الخميس 10 محرم سنة 1371 والذي توصلوا فيه إلي خمس قرارات ملخصها كما يلي: -
القرار الأول: مطالبة الحكومة بإعلان الحرب مع انكلترا، واباحة حمل السلاح والاعتداء علي الانكليز، وسحب امتيازات الانكليز، ومحاكمة مجرمي الحرب، والافراج عن المجاهدين، وعدم الاعتراف بحاكم السودان الانكليزي.
القرار الثاني: إذا قامت الحكومة بذلك فسيتكتل الشعب من وراءها وإلا فسيضعها مع الانكليز في صف واحد.
القرار الثالث: تأليف حرس وطني قوامه 16 ألف.
القرار الرابع: عقد مؤتمر شعبي اسلامي.
القرار الخامس: التحذير من الأحلاف الاستعمارية (171)
فقال الهضيبي لمندوب الجمهور المصري «هل تظن أن أعمال العنف تخرج الانكليز من البلاد. إن واجب الحكومة اليوم هو أن تفعل مايفعله الإخوان المسلمون من تربية الشعب وإعداده فذلك هو الطريق
لإخراج الانكليز»
ثم نفي الهضيبي ان الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص ونفي أن في نية الجماعة التوجه بهذا الطلب، فلما سئل عن معني القوة التي ينادي بها الإخوان. أجاب «القوة الروحية» أما القوة المادية فهي من اختصاص الحكومة، فلما سئل عما يكون عليه الوضع إذا لم تلجأ الحكومة للقوة قال «فلتقصر فنحن لانستطيع أن نفعل شيئا أكثر من مطالبتها بالقيام بالواجب» (172).
كما صرح لصحيفة المصري تعليقا علي قرارات شباب الإخوان أن الكفاح العملي قد يأخذ صورا مختلفة غير مقاطعة الانكليز وأن قرارات الشباب هذه لاتلزم الجماعة «لاقيمة لقرارات تصدر من غير المركز العام للإخوان المسلمين» (173).
أما عمر التلمساني فيقول «ولئن اغتال بعض الشباب بعض الوزراء فهذا مالا تقره جماعة الإخوان المسلمين» (174).
ويقول أيضا أن الهضيبي قال ليوسف طلعت:«أنا ضد هذه التدريبات وضد فكرة الاغتيالات مهما كانت الأسباب وإني لا أضمن الاندفاع والتهور، وأنا بريء من كل دم يسفك».
وقال له ذلك لما علم أن بعض الشباب يحضر الاحتفالات التي يحضرها عبدالناصر بهدف التدريب (175).
كما يحكي التلمساني أن محمود الحواتكي قال لهنداوي دوير عندما علم أنه يبحث عن مسدس «هناك تعليمات من المرشد بعدم الاغتيالات» (176).
ويقول أيضا:«ولسنا نهدف إلي عنف، بدليل انه في الخطاب الأخير للرئيس الراحل المرحوم أنور السادات قال: أنا أعرف عمر رجل سلام، ومعني هذا أننا ندعو إلي السلام علانية وفي الخفاء» (177).
ويقول أيضا:«نحن لانركب الموجات وماتركنا موقفا من المواقف التي تدعو إلي استنكار العنف وشغب الجماعات إلا ووقفنا بجانبه» (178)
ويقول أيضا «أنا أعارض فكر العنف في مواقفي كلها وكتاباتي كلها، انا استنكرت واستنكر بكل قوة العنف أو القتل أو الاغتيال وأنا قد اتهمت من الجماعات الإسلامية بموالاة الحكم القائم، ولم أهتم بهذا الاتهام» (179).
ويقول أيضا:«نحن لاننكر علي الشباب اتجاهه الديني، بل نحن نحضه علي هذا الاتجاه ولكننا ننكر العنف بأي صورة من صوره» (180).
ويقول أيضا:«إذا أسس أحدهم جماعة وأصبح أميرها فهذا شيء ينبغي أن نفرح به، ونأخذه بالأسلوب الإسلامي الذي يقره الشرع، ولكن أن تتكون الجماعة بهدف العنف، فهذا ماننكره ولانرضي عنه ولانقره، ولانقبل به بأي صورة من الصور» (181).
ويقول أيضا عن اغتيال السادات:«أما ان نهايته جاءت علي يد الإخوان المسلمين. أظن إن هذا حرام، بعد أن قرر رئيس الجمهورية الحالي أن الإخوان المسلمين أبعد مايكونون، ولاعلاقة لهم بهذا الاغتيال، إذن فنحن الإخوان المسلمون لاعلاقة لنا، ولم تكن نهاية السادات علي أيدينا.
والشباب الذي نتكلم عنه وعن انحرافه في فهم الإسلام وعن أخذه بهذه الأساليب. نحن ننكر أن يكون في الإسلام عنف والإخوان المسلمون ليس لهم شأن فيما حدث أبدا» (182).
ويقول أيضا:«أيها الإخوة سمعتموني أكثر من مرة أتحدث إليكم، لا أتحدث إلا في السلام وفي الأمن وفي الاستقرار وفي عدم التظاهر وعدم التخريب وعدم المصادمات» (183).
ويقول أيضا:«الدعاة إلي الله دعاة سلم وأمان ولا أتصور أن شابا يدعو الله، وقد تمكنت الدعوة من قلبه تماما ثم يدمر ويخرب أو أن يضرب أو ان يعنف» (184).
أما في مجلة الفن (فيديو 14) فيشتكي من أن ندوة الرأي التي تشرف عليها المباحث لنشر الإسلام الحكومي المنحرف - لاتأخذ وقتا كافيا في التلفاز فيقول:«إن الاساتذة الذين يحاربون الفكر الإرهابي في الإسلام يتم عمل ندوة لهم مرة كل أسبوع وقبل أن ينتهي الاستاذ من تكملة كلامه ينتهي وقت البرنامج، وهكذا يضطر المستمع إلي تأجيل الاقتناع إلي الأسبوع التالي، أو يضيع أثر كل شيء» (185).
أما محمد حامد أبو النصر فيقول إجابة علي سؤال حول ظاهرة العنف:«العنف عموما لانوافق عليه» (186).
أما فريد عبدالخالق فيقول حول سلوك العنف لبعض الجماعات الإسلامية في الجامعات:«وعلي أية حال فإنني لست مع العنف وأرفضه فالإسلام بريء منه»(187)
16 - الإخوان وعدم تحدي السلطة:
عدم تحدي السلطة بأي صورة أصبح الآن مبدأ مستقراً وعقيدة لازمة للإخوان.
يقول عمر التلمساني:«وقام الإخوان ونجحوا بفضل الله أولا.. ثم نظام الأسر ثانيا. هذه الأسر التي تجتمع علي توجيهات أخلاقية، ونفحات روحية، وقواعد دينية، وتعارف ومحبة بين الناس، ولكن للأسف الشديد يري رجال الأمن أنها أكبر خطر علي الأمن، لأنها من الممكن أن تتسلح. ولما كان هذا الأمر يهم الأمن فعلا، فقد استجاب الإخوان لإيقاف نظام الأسر، حتي لايتهموا بالعناد والتحدي» (188).
يقول أيضا «والعجيب في اتهام الكثيرين تصورهم أن دعوتنا تدعو إلي قلب الأوضاع القائمة، ونحن بهذه الصورة متآمرون، وليس لهذا ظل من الحقيقة عند الفهم السليم الخالي من العلل الظاهرة والباطنة» (189).
وحين يسأل:«هل يمكن أن يصل الأمر بينكم وبين الحكومة إلي حد الصدام؟
* نحن لن نخاشن أحدا ولانسعي للمخاشنة حتي لو وصل الأمر بهم إلي وضعنا في السجون فلن نصطدم».
ويقول أيضا عن علاقتهم بالمسيرة التي دعا إليها الشيخ حافظ سلامة «الإخوان يؤكدون برائتهم مما حدث يوم الجمعة ومما قد يحدث مستقبلا. فهم لايسعون إلي صدام بعد أن ارتضوا أن يكونوا جزءا من الحياة السياسية الشرعية وهم غير راغبين أو مهيئين للدخول في صدام مع الحكومة» (190)
17 - القتال عند الإخوان ضد العدو الخارجي - عدو الوطن - فقط:
يقول محمد حامد أبو النصر في حوار في صحيفة النور: «أما فيما يتعلق بمبايعتي للإمام علي المصحف والمسدس فقد كانت علي أساس أن الحق لابد له من قوة تحميه، ليس من أجل أن نغتال أو نقتل أحدا، كلا ولكن لكي نعلن استعدادنا الدائم للقتال في سبيل الله.
* قتال من؟
** قتال أعداء الإسلام وأعداء الوطن، فالجهاد أصل من أصول دعوتنا، وكل أخ لابد أن يكون عنده استعداد للجهاد في سبيل الله، وأمامك المثال الواضح، فعندما ظهرت قضية فلسطين سافرالإخوان فورا إلي هناك وجاهدوا ولو أن الأمر ميسر لنا لذهبنا إلي أفغانستان للجهاد في سبيل الله.
* ولكن مسدساتكم هذه يمكن أن توجه ضد حاكم مسلم أو حزب أو جماعة إذا ماخالفوكم في الرأي أو لم يستجيبوا لدعوة تطبيق الشريعة في مصر؟.
** لا... لا... إطلاقا إن دعوتنا تقوم علي قاعدة «وجادلهم بالتي هي أحسن» ونحن داخل الدولة ندعو بالكلمة فقط». (191).
أما صلاح شادي صاحب التبرير المشهور لانتخاب حسني مبارك رئيساً للجمهورية فيقول بوضوح شديد:«يجب أولا أن نعلم أن الهدف الذي من أجله قام الإخوان المسلمون لتحريره، هو جلاء الانكليز عن مصر وطرد الصهاينة من فلسطين، فهاتان كانتا شغل الإخوان الشاغل عندما تحركت رماحهم إلي إصابة أهدافهم نحو هذين العدوين، ومن هنا خاصمتنا الدنيا وشنت علينا حروبها العشواء.
أما مخاصمة الحكومات من أجل هذا الهدف فهو ليس غاية في ذاته وإنما هو استتباع لهذا الصراع حيث إن الحكومات في هذا الوقت كانت تخدم أطماع الانكليز وأطماع الصهاينة. أما الآن وقد طرد الانكليز من مصر فليس هناك داع لأن يظل الصراع حامي الوطيس بيننا وبين الحكومات وخاصة إذا كان دستورها ينص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام فلزم علينا أن نحقق بالوسائل المشروعة في الدستور هذه الحقيقة التي تجلو كل غبش عن دعوة الإسلام وبهذا نري أننا لم يبق أمامنا إلا طعان الصهاينة وهذا أمر لايكون إلا في عقر دارهم التي احتلوها» (192).
18 - موقف الإخوان من الحكام:
موقف الإخوان من الحكام كما سنري هو موقف التملق والتهاون والملاينة وعدم اللجوء إلي العنف بل ومنع أي طائفة من أن تقاومهم.
هذا ليس كلامنا بل هو نصوص كلامهم التي تواترات عنهم كما ستري أيها القاري الواعي وكنا قد أشرنا من قبل عند حديثنا عن الجوالة والملك عن استعراض الجوالة أمام قصر الضيافة الذي نزل به الملك ابن سعود بل ودور الجوالة في تأييد الملك والهتاف له ومبايعته مرارا وتكرارا كما حكي أحمد عادل كمال لا كما حكينا.
يقول حسن البنا ناهيا الشباب عن تحطيم الحانات ومبينا لهم الطريق الشرعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي طريقتهم.
«تحريم الخمر وتعاطيها أمر من اختصاص الإمام، فإذا قصر كان خارجا عن الكتاب والسنة، وعندئذ يجب علي العلماء وذوي الرأي أن يقدموا له النصيحة، فإذا أبي وجب علي الأمة أن تجاهده حتي تخلعه، ومن هنا نري الإسلام هو دين نظام، جعل حق تغيير المنكر للإمام، ولم يعط هذا الحق لكل فرد من أفراد الأمة، وإلا أصبح الأمر فوضي.
فالحكومة هي التي تقوم في عصرنا مقام الإمام، فهي المسئولة عن تحريم المنكرات، فإن لم تفعل وجب علي نواب الأمة أن يسحبوا ثقتهم منها، فإذا لم يؤد النواب واجبهم أصبح لزاما علي الأمة ألا تمنحهم ثقتها، وتنتخب غيرهم فإذا اجتمع تحت قبة البرلمان نواب مسلمون، أمكن القضاء علي كل منكر بقوة القانون وحكم النظام». (193).
أما عمر التلمساني فيقول عن موقفهم من الحكومات عامة «إن الإخوان المسلمون يودون من أعماق قلوبهم أن يطمئن إليهم المسؤولون وأن يعينوهم علي أداء رسالة التوعية الدينية ليأخذ المد الإسلامي طريقه سهلا ميسرا، أنا لا أقول إننا نمد أيدينا طاهرة نظيفة منذ اليوم بل لقد مددناها من أول يوم قامت فيه هذه الدعوة ورسائل الإمام الشهيد أوضح دليل».(49_).
ويقول عن موقف حسن البنا من الحلفاء في الحرب العالمية الثانية:«لما قامت الحرب العالمية الثانية عام 1939، والإخوان علي قوتهم، كان من الممكن أن يسببوا الكثير من المتاعب للحلفاء. لكن الإمام الشهيد حسن البنا، أصدر أوامره إلي كل الشعب والمناطق أن تلتزم جانب الهدوء، وأن تتفرغ لنشر الدعوة، وأن تعطيها كل اهتمامها وجهدها بعيدا عن الاستثارة، حتي انتصر الحلفاء.
وكان موقف هذه المنطقة - التي تعج بالإخوان المسلمين في كل مكان - سببا من أسباب انتصارهم، ولكنهم جازوا الإمام الشهيد جزاء سنمار!، ألا يستحق موقف الإمام الشهيد من تلك الأحداث في ذلك الحين، أن يسجل في صفحات الخلود» (195).هكذا يري التلمساني ولكننا نري عكس ذلك.
ويقول أيضا بصراحة ودون لف أو دوران عن صفقتهم مع الحكومة «وساهمت في الكثير من المواقف التي كانت تحتاج الحكومات إلي معونة الإخوان المسلمين فيها، والبداهة تقضي بأنه اعتراف ضمني من الحكومات بوجود الإخوان علي الساحة، رغم الأمر بحل جماعتهم، وكنت علي شبه اتصال دائم برجال الأمن في وزارة الداخلية أقدم كل مايسهم في ترسيخ الأمن في مصر.
وماكنت أجعل أحدا فيهم صغيرا أو كبيرا يحضر إلي، وأكتفي بأن يتصلوا بي تليفونيا لأذهب إليهم في الوزارة اللهم إلا في بعض المناسبات الصحية أو الأعياد، فكانوا يزورونني مشكورين، وكان من فضل الله علي أنني ماذهبت إلي كلية ثائرة لأمر من الأمور، إلا وعدت موفقا، وكان جهدي موضع شكر المسؤولين في وزارة الداخلية. ولعل أحدا لم ينس موقفي من أحداث الزاوية الحمراء. وماتفضل به وزير الداخلية حسن أبو باشا من تصريحات خاصة بي، وبأن الإخوان المسلمين أبعد مايكونون عن الإرهاب والتخريب... وأن الجماعات الإرهابية لم تخرج من تحت عباءة الإخوان المسلمين، فكان أول مسؤول عن الأمن أفضي بهذه الحقيقة التي طالما شوهتها إذاعات خصوم الإخوان.
وقد أخذت علي نفسي يوم أن كنت أكتب إفتتاحيات مجلة الدعوة بألا أمس أي إنسان من ناحيته الشخصية، وكنت ألتزم الموضوعية البحتة، وأدعوا إلي ضبط الأعصاب عند الأحداث المثيرة، حتي قال لي أحد المعتقلين من الأحزاب في سبتمبر (أيلول) 1981 إنني جمدت أعصاب الشباب ووضعتها في ثلاجة، ولست أدري أكان يمدح أو يقدح، وعلي كل حال فقد شكرت له قوله إنني صاحب تأثير، ورغم ذلك فإنني لم أنج من غمزات بعض الكتاب - ولكن علي خفيف - وإنصافا للسادات رحمني ورحمه الله وغفر لي وله، أنه أتاح للإخوان جوا من الحرية لابأس به، فأعدنا إصدار مجلة الدعوة، وكنا نقيم الاحتفالات في المناسبات الدينية في شتي أرجاء القطر» (196).وفي مقابل هذا التلطف من التلمساني للطواغيت وسعيه لترسيخ أمنهم، تراه يقول عن الشباب المجاهد «قلنا للمسئولين أكثر من مرة، دعونا نحن نتحدث مع هؤلاء الشبابا ونصحح له الفهم الخاطيء ونقيمه علي الصراط المستقيم لأن معالجة الأمر ليس بالعنف لأن العنف يولد العنف»
ويقول أيضا «في بعض الأحيان كان وزير الداخلية يرسلني إلي بعض كليات الجامعة، وحين كنت أخطب في الشباب كانوا يتقبلون كلامي رغم أنهم كانوا لايعرفونني، كانوا يقبلون كلامي ونصيحتي ضد التظاهر وضد العنف وضد الاضراب وضد التخريب والاعتصام كل هذه المظاهر كنت أقاومها بمنتهي الوضوح ومنتهي الصراحة...، وفي الزاوية الحمراء، أنا أول إنسان اتصل به السيد نبوي إسماعيل، وأنا أول إنسان خدمته في هذا».
ويقول أيضا «إننا كجماعة إذا طلبنا أي حزب أو أي حاكم للقائه أكون مخطئا لو قلت أننا نرفض، لأن معني ذلك إننا نعلن الحرب عليه».
ولما سئل عقب خروجه من السجن في يناير 1982 عن رأيه في الأولويات التي أمام الرئيس مبارك قال: «أري أيضا أن تظل المؤسسات القائمة كما هي... مجلس الشعب أو الوزراء لاداعي الآن للتغيير والتجديد حتي لا أعطي فرصة لمن هم خارج مصر في الكلام عن اهتزاز الأوضاع» (197).
أي اهتزاز الأوضاع عقب اغتيال السادات في أكتوبر 1981؟؟؟.
ويقول أيضا:«ولايغيب عن فهم الإخوان ويعلمون أنهم المستهدفون دون غيرهم لكل عقبة وصعاب، ورغم ذلك كله لم يعملوا يوما لاثارة القلاقل ضد آية حكومة».
ويقول أيضا:«بهذا التاريخ الأبيض الناصع يتحدث الإخوان المسلمون عن تطبيق الشريعة ولايقرون المسيرات ولا المؤتمرات ولامناصبة الحكومات العداوات» (198).
أما مأمون الهضيبي فيقول بمنتهي الصراحة «لاخلاف مع الحكومة في مصر حول تطبيق الشريعة الإسلامية:
القاهرة - مكتب الشرق الأوسط:
صرح المستشار مأمون الهضيبي عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين بمصر والمتحدث باسم نواب الإخوان بالبرلمان أنه لاخلاف بين التيار الديني والحكومة حول تطبيق الشريعة الإسلامية وإنما الخلاف يتركز حول امكانيات التطبيق.
وأكد المستشار الهضيبي ل «الشرق الأوسط»: إننا نطلب توافر امكانيات تطبيق الشريعة الإسلامية لأنه لايمكن تطبيقها بين يوم وليلة ولابد من وجود هيئة قضائية مستقلة يتشبع أعضاؤها بالشريعة تتولي عملية التطبيق لأن الشريعة ليست حدودا فقط ومن ينتقي الحدود من الشريعة لتطبيقها فهو خارج علي أحكام الشريعة.
وذكر المستشار الهضيبي: إن الحكومة لاتستطيع حاليا انكار وجودنا بعد أن اعترفت خلال الانتخابات الأخيرة وظهر ذلك في وسائل الاعلام الرسمية والصحف القومية وحصولنا علي 5ر1 مليون صوت ولابد أن نتعامل مع الواقع الموجود والقائم خاصة ان وجود الجماعة يمثل مصلحة للحكومة لأنها تلجأ إلينا كثيرا لضبط التيار الديني المتطرف» (199)

وقد حدث أن عقد نادي التدريس بجامعة القاهرة ندوة عن «واقع ومستقبل التيار الإسلامي في مصر» نشرت ملخصها مجلة المجتمع.(200).
أنكر فيها عصام العريان علي سعد الدين إبراهيم قوله «وقد لعب السادات دورا في توفير الجو الملائم لهذه الحركات لفرض نفسها، ليوازن بينها وبين التيارات اليسارية و القومية - وكان هذا هو الاتفاق الضمني للإخوان مع الدولة لعدم استخدام العنف.»
وتساءل عصام العريان «متي بدأ الاتفاق الضمني مع السادات؟ وقال ان الحديث مع الاتفاق الضمني لايدخل ضمن البحث العلمي الجاد».
ولعل في أقوال التلمساني ومأمون الهضيبي الرد الكافي علي عصام العريان عند أي طالب للحق.
أما صالح عشماوي فيقول عن أول وزارة بعد الثورة والتي دخلها الباقوري واستقال من مكتب الإرشاد من أجل دخولها. «لقد فرحنا بهذه الوزارة، وهؤلاء الوزراء، لا لأننا نعرفهم ونريد أن نتغني بمحامدهم، وننشر صورهم علي الناس ونصفق لهم ولكننا فرحنا لأنهم وزراء ثورة أحدثوا وسيحدثون انقلابا في أفكار الناس وتقديراتهم ونظراتهم إلي المناصب وأصحابها» (201).
وفي جريدة لواء الإسلام (لسان حال الإخوان) كتب محمد عقل عن دخول الإخوان الحكومة في الأردن «مع بداية العام الميلادي الجديد يكون «الإخوان المسلمون» قد بدأوا سياستهم العامة بنقلة نوعية في مجال إصلاح الحكم، وذلك عن طريق دخولهم حكومة السيد مضر بدران رئيس وزراء الأردن بخمس حقائب وزارية لأول مرة في تاريخ حركة «الإخوان المسلمون».
ويقول أيضا «إن هذا التطور في الموقف «الإخواني» بشأن المشاركة في أنظمة الحكم القائمة ليدل علي إنهم ينتهجون طريقا تعاونيا مع الحكومات التي لاتناصب الحركة الإسلامية العداء بشكل سافر ولاسيما وإن هذه الحكومة قد استجابت إلي اثني عشر مطلبا ومنها أن تجعل التشريع الأردني يتجه نحو الشريعة الإسلامية».
ويقول أيضا:«واستطاعوا أي الإخوان تكوين ائتلاف اسلامي ضم الكتلة الإسلامية المستقلة وبعض الاتجاهات القومية الإسلامية بحيث كونوا أكثرية محترمة التي أوصلت د. عبداللطيف عربيات إلي رئاسة مجلس النواب الأردني، وبذلك يكون الإخوان المسلمون في الأردن قد استلموا رئاسة السلطة التشريعية.
لقد أقرت جماعة «الإخوان» مبدأ المشاركة في الحكم بعد مداولات مستفيضة»
ويقول أيضا «ان رأي الإخوان قد استقر علي المشاركة في حكومة السيد مضر بدران الذي استجاب في تنفيذ أكثر مطالب نواب الإخوان والوعد القاطع باستمرار العمل نحو تطبيق الشريعة الإسلامية» (202).
وفي نفس الصفحة يؤيدهم أبو النصر ببرقية علي هذا الاتجاه التعاوني مع الملك حسين ورئيس وزرائه يقول فيها:«نبعث يتحياتنا إلي جميع الإخوة الإسلاميين الذين شاركوا كوزراء في حكومة معالي السيد مضر بدران».
يقول أيضا «ونذكرهم بأن أسلم طريق للإصلاح هو العمل نحو تطبيق الشريعة الإسلامية خاصة، وقد وعدكم السيد رئيس الوزراء وعدا قاطعا بالعمل نحو تطبيقها»
ويرد عليه محمد عبدالرحمن خليفة ببرقية يؤكد فيها إنهم يتعاونون مع الحكومة في وقت تحتاج الحكومة فيه لتعاونهم فيقول: «وقد لهجت الألسنة بالدعاء لكم مع وافر الشكر وجزيل الامتنان لله تعالي علي ماأنعم وتفضل من تأييد الأمة لخطنا السياسي الإسلامي وحاجة الحكومة لهذا التأييد بالمشاركة الفعالة التي سعت إلي إخواننا بقبول جميع طلباتهم الإصلاحية المتوجهة نحو تطبيق الشريعة الإسلامية ماوسعتهم الظروف الملائمة» (203).
وبعد هذه الجولة المضنية في هذا الطوفان الذي أتي علي حركة الإخوان لن أزيد في هذا الفصل شيئا إلا قولة حق انطلقت من بقية الخير من الإخوان وماأشبههم بالنبض المكدود في جسد المريض المشرف علي الهلاك.
صوت لايستطيع الإخوان أن ينكروه أو أن يتهموه أو يشوهوه إنه صوت من ذلك البيت الطاهر المؤمن الثابت بيت آل قطب علي شهداءهم رحمة الله.
صوت المؤمنة التقية النقية الصابرة المحتسبة السيدة الجليلة / أمينة قطب في قصيدتها الحزينة التي أهدتها إلي روح شقيقها المستشهد تحت لواء «لا إله إلا الله» الأستاذ / سيد قطب في «ذكراه» نختار منها هذه الأبيات - والقصيـدة بأكملها قد أثبتناها في مقدمة الكتاب - تقول السيدة الفاضلـة للأخ الشهيـد: -
«أخي إنه لحديــث يطـــــــول وفيه الأســــي وعميق الشـجـون
رأيت تبدل خـــــط الحــــداة بما نالهـم من عنــاء السنـيــــن
فمالوا إلى هــدنة المســـــتكيـن ومدوا الجســـور مـع المجرمـــين

رأوا أن ذلـك عيــن الصــــواب ومادونه عقبـات الطريـــــــق
بتلك المشــورة مـال السفيــــن تأرجـــح في سيره كالغريـــــق
وفي لجة اليّــــم تيه يطـــــول وظلمة ليــل طويل عميــــــق

حزنـــت لما قد أصـاب المســيـر وما يملك القلـــب غير الدعــــاء
بأن ينقذ اللـــه تلك السـفيـــن ويحمـــــي ربـانهــا من بـلاء
وأن يـــحذروا من ضـلال المسيــر ومما يدبـــر طي الخفـــــــاء


ترى هل يعــودون أم انهــــــم يظنون ذلك خــط النجـــــاح؟
وفي وهمــهــم ان مد الجســــور سيمضي بآمالهم للفــــــــلاح
وينسـون ان طريــق الكفـــــاح بـه الصدق والفوز رغم الجراح»(204).
ونحن ننادي مع السيدة الفاضلة: تري هل يعودون أم انهم.....؟؟
وصدق الله العظيم: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم»
19 - موقف الإخوان من الضباط الأحرار:
تعد علاقة الإخوان بالضباط الأحرار علاقة متشابكة مليئة بالدروس المريرة التي يجب أن يدركها المسلمون ولما كان الموضوع يحتاج في علاجه إلي بحث مستقل ولما كان هذا البحث لايسمح إلا بمرور سريع بهذه العلاقة فسوف نذكر تحت هذا العنوان بعضا من الحقائق التاريخية التي يستفاد منها دروساً خطيرة.
1 - بدأت معرفة جمال عبدالناصر بالإخوان في أكتوبر عام 1942 كما يحدد عبذالمنعم عبدالرؤوف الـذي دعا جمال عبدالناصر إلي الإخوان وأن عبدالمنعم وجمال عبدالناصر وخمسة آخرين هم كمال الدين حسين، وسعد حسن توفيق، وخالد محي الدين وحسين حمودة، وصلاح الدين خليفة قد بايعوا الإخوان علي السمع والطاعة في أوائل عام 1946 في منزل في حي الصلبية بجوار سبيل أم عباس.(205).
وسوف نري أن العلاقة بين الإخوان والضباط الأحرار بعد ذلك كان شعارها التساهل في المباديء من أجل المكاسب.... فلا هي أبقت علي المباديء ولاهي جنت المكاسب.
وهذه الحقيقة التي ذكرناها تواترت عليها روايات الإخوان مثل الصباغ وأحمد عادل وصلاح شادي بل وعبدالناصر نفسه. (206)
2 - يري الباحث الأخ أسامة حميد في كتابه (موجزتاريخ الحقبة العلمانية في مصر) أنه: «في البداية دار جدل بين حسن البنا ومحمود لبيب (وربما اشترك في النقاش آخرون) حول ما اذا كان ينبغي الاهتمام بغرس القيم الإسلامية في نفوس الأعضاء أم يكتفي بتجميع العناصر الوطنية المتحمسة ثم يأتي تحويلهم إلي الإسلام في مرحلة لاحقة - وفي النهاية انتصرت وجهة النظر الأخيرة - وهكذا كان كثير من أعضاء التنظيم لايحملون الفكر الإسلامي - وكانت كل أفكارهم لاتعدو بعض التصورات السطحية الهلامية» (207).
وهذا القول يؤكده سير الحوادث وسيرة هؤلاء الضباط بعد ذلك بل ومادونوه هم أنفسهم في مذاكراتهم (208).
ويري أيضا الأخ أسامة حميد أن محمود لبيب كان متساهلا في بعض أفكاره ولم يكن يري تعارضا بين الوطنية المصرية وبين الإسلام وان روايته «حماة السلوم» يتضح منها انه بالإضافة لقبوله لفكرة الوطنية كان يحترم أشياء غريبة مثل مايسمي بالانضباط العسكري والشرف العسكري... الخ (209)
ونتيجة لهذا التساهل ترك محمود لبيب قيادة التنظيم وأسراره لجمال عبدالناصر بعد وفاته (210)
3 - وفي أواخر عام 1949 بدأ جمال عبدالناصر يصرح لزملائه أمثال عبدالمنعم عبدالرؤوف وحسين حمودة وعبدالرحمن السندي أنه لايستطيع الالتزام بمنهج الإخوان المتزمت وسوف يضم ضباطا غير ملتزمين بل وذهب جمال فيما رواه أحمد عادل إلي أنه لايضر التنظيم أن ينضم إليه ضابط وطني من غير دين الإسلام وبعد وفاة محمود لبيب وحسن البنا انقطعت صلة التنظيم بالإخوان يروي أحمد عادل أن السندي قد عرض الأمر علي الهضيبي الذي سلم بالأمر الواقع فأجابه جمال بأنه سوف يستمر صديقا للإخوان (211).
إلا أن فريد عبدالخالق يرجع بداية هذا الانسلاخ إلي عام 1946 وينقل عن كمال الدين حسين اعتراضه علي هذا الأسلوب وهؤلاء الضباط كما ورد في كتاب الصامتون يتكلمون. «إن هؤلاء كانوا أول من أساء إلي الثورة بعد قيامها بتصرفاتهم وتحقيق المكاسب المادية لأنفسهم وتكوين الثروات من المال الحرام»، وأما عن أهداف التنظيم فيقول كمال الدين حسين: «إن أهداف تنظيم الضباط الأحرار كانت العمل علي تطبيق الإسلام، ولانعلم له هدفا غير ذلك»، ويقول في خطابه الذي دونه لعبدالحكيم عامر: «إن حركة الضباط الأحرار منذ دخلها سنة 1944 م لايعرف لها هدف سوي الحكم بكتاب الله، وأنهم جميعا:عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، وعبدالمنعم عبدالرؤوف قد بايعوا محمود لبيب والمرشد والسندي: وأن الحركة قد انتكست عندما أضاف إليها عبدالناصر ضباطا من غرز الحشيش والخمارات منذ سنة 1948» (212)
وإن جمال عبدالناصر كان يجمع هذا الغثاء في جلسات لتحضير الأرواح لكي (يختبرهم علي حد تبريره) (213).
بل ويذكر عبدالمنعم عبدالرؤوف أنه قبيل اغتيال حسن البنا بأسابيع دعي إلي بيت يوسف رشاد الطبيب الخاص بالملك وكان حاضرا معهم عدد من الضباط منهم أنور السادات وفي هذا اللقاء أثني يوسف رشاد علي الملك وتكلم عن ضرورة التخلص من مصطفي النحاس لأنه عميل انكليزي ومن حسن البنا لخطورته علي الملك وعلي أمن البلاد وأن الحاضرين أمنوا علي حديثه وأبلغ عبدالمنعم محمود لبيب بما حدث وبعد أسابيع اغتيل حسن البنا في 12/2/1949 وقبل ذلك كانت قد انفجرت عبوة ناسفة عند بيت النحاس في 30/4/1948 ومن ذلك عرف عبدالمنعم من هم المدبرون لهذه الأحداث (214).
4 - وبسبب حرب فلسطين فقد تفكك الهيكل التنظيمي للضباط (الذي كانت عوامل تفككه موجودة في الأصل) - وبعد انتهاء الحرب - وفي مطلع 1950 تشكل تنظيم «الضباط الأحرار» من جديد - وكانت لجنته التأسيسية هذه المرة مكونة من خمسة إشخاص: عبدالناصر - كمال الدين حسين - عبدالمنعم عبدالرؤوف - حسن إبراهيم - خالد محي الدين - ولم يكن علي صلة تنظيمية بالإخوان سوي عبدالمنعم وان بقيت لكمال الدين حسين صلات بالإخوان (ولكن بصورة غير تنظيمية) - وبعد عدة شهور ضم خمسة آخرون للجنة التأسيسية: صلاح وجمال سالم - عبداللطيف بغدادي - عبدالحكيم عامر - السادات. وهكذا أصبح التنظيم علي صلة بالإخوان (عبدالمنعم عبدالرؤوف) وبالشيوعيين (خالد محي الدين) وبالملك (السادات) (215).
ورغم ذلك فقد بقي الإخوان علي صلة بهذا التنظيم وظلوا أصدقائه ولقد ذكرنا من قبل عند الكلام علي صلة البنا بالملك أن حسن البنا قد وسط السادات لدي يوسف رشاد ليدبر لقاءاً بينه وبين الملك، إذن فالصلة المشبوهة للسادات بالحرس الحديدي لم تكن خافية علي الإخوان.
5 - وكان طبيعيا ألا يكون لهذا الخليط فكر محدد: وبسبب الافتقاد الي فكر فقد كان طبيعيا ألا يتم تحديد العدو وبدقة - ورغم أن مقر الحركة الصهيونية كان قد انتقل الي أمريكا بعد 1945 ورغم دور أمريكا الواضح في حرب 1948 فلم يكن الضباط (باستثناء الإسلاميين) يكرهون أمريكا - ولذلك لم يجد الضباط حرجا في الاتصال برجال المخابرات الأمريكية - وان حمروش يحاول تبرير ذلك (ج 1 ص 182 - 188) بقوله «والمقطوع به أن الامريكيين قد وجدوا في التنظيم السري لحركة الضباط الأحرار بعض مايحقق لهم أهدافهم في المنطقة ولكنهم لم يستطيعوا أبدا أن يكونوا مسيطرين عليه».
(ولماذا يرهقون أنفسهم بالسيطرة عليه مادام يحقق أهدافهم؟). (216)
6 - ورغم:
أ - ان التنظيم بلا فكر محدد.
ب - وأنه يضم شيوعييـن.
ج - وأنه يضم أفراد علي صلة قوية بالحرس الحديدي للملك الذي شارك في اغتيال حسن البنا باعتراف عبدالمنعم عبدالرؤوف.
د - ورغم ان جمال عبدالناصر قد نكث بيعته معهم وانقلب عليهم.
هـ - ورغم ان التنظيم يضم ضباطا جمعوا من الخمارات وغرز الحشيش.
و - ورغم إحساسهم بأنه علي صلة بالمخابرات الأمريكية.
رغم ذلك كله فقد استمر الإخوان علي صلة به بواسطة عبدالمنعم عبدالمرؤوف الذي كان عضوا في اللجنة التأسيسية.
ووافقوا علي التعاون معه في القيام بالثورة وتفاوضوا معه ويلخص فريد عبدالخالق هذا بقوله:
«دور الإخوان في حركة 23 يوليو.
(أ) حدد عبدالناصر في لقائه مع المجموعة التي كلفت من المرشد بالاتصال به، الغاية من الانقلاب في ثلاثة أمور:
1 - إصلاح النظام السياسي بإرساء قواعد حكم نيابي سليــم.
2 - تطهير الجيش وأجهزة الدولة من عملاء الملك وعناصر الفساد.
3 - إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل.
وكانت وجهة نظر المجموعة الإخوانية تتلخص في أن مباديء الإسلام هي الأساس الوحيد الصالح لحكم مصر ولعلاج الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأقر عبدالناصر ذلك وأكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغيير المنشود، وأن هدفه الإسلام، إلا أنه قال: إن المصلحة عدم المجاهرة بذلك في باديء الأمر، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا حتي لايحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها.
(ب) تمت مناقشة الأمور المترتبة علي قيام الانقلاب: وعرضوا للأحزاب السياسية القائمة وعدم صلاحها لتولي الحكم خلا الحزب الوطني ولكنه استبعد لضعف تكوينه.
وأوضح عبدالناصر أن موضوع لمن يسند الحكم لايخرج عن ثلاثة احتمالات عرضها بدهاء ووصل بها إلي مايريد:
الإخوان أو الجيش أو شخصية مستقلة. وخلصت المناقشة إلي استبعاد الإخوان لئلا ينكشف الاتجاه الإسلامي للحركة من باديء الأمر تفاديا لردود الأفعال الدولية. وكذلك استبعد العسكريون لأن التجارب دلت علي أن تدخلهم في السياسة وتوليهم الحكم يؤدي إلي انحرافهم وإلي الطغيان الشديد وتجاوز الأهداف التي قاموا من أجلها وقد تولي مهاجمة تولي العسكريين أحد الإخوان وقد لاحظ الإخوان وجوم عبدالناصر الشديد لوجهة النظر هذه، واتفق علي اختيار «علي ماهر» رئيسا للحكومة.
(ج) الاتفاق علي أن يتولي الإخوان مسئولية حماية الانقلاب من جانبه الشعبي ويتولي الضباط الأحرار الجانب العسكري، والمصلحة هنا كلها له، وقد راغ من المجاهرة بالهدف الذي أقره باسم مصلحة الحركة والهدف نفسه من البداية، ياله من ثعلب ماكر!.
(د) أما عن احتمالات التدخل الأجنبي:
اتجه التفكير إلي أمريكا وإنجلترا واحتمال تدخلهما، وقال عبدالناصر في هذا الموضوع «إن أمريكا لن تقف في صف الملك إذا حدث الانقلاب، بل إنها تؤيد أي ثورة أو انقلاب يطيح به» وقد فهم الإخوان أنه يبني رأيه علي أساس معلومات مؤكدة ومع ذلك لم يغن الإخوان فهمهم وسقط القناع سدي» (217).
ولنا هنا وقفة نورد فيها شهادة الصحافي مصطفي أمين أحد رجال جمال عبدالناصر وأحد وسطائه في التعامل مع المخابرات الأمريكية أو علي وجه الدقة العميل المزدوج الذي لم يكن يجد في ذلك حرجا طالما أن سيده جمال عبدالناصر كان يعلم ويستفيد بل ويتفوق عليه في نفس الدور وراوي هذه الشهادة لايمكن اتهامه بالكيد لعبدالناصر بل هو رجله الوفي الذي صعد علي أكتافه ولازال يرفل في الثروة من بيع الكتب عن علاقاته بعبدالناصر ومعلوماته عن عبدالناصر ذلك الراوي الأمين علي سمعة سيده هو محمد حسنين هيكل العميل المزدوج أيضا للمخابرات المركزية الأمريكية باعتراف الجميع بما فيهم الشاهد مصطفي أمين نفسه في هذه الشهادة وهذه الشهادة كما يحكي هيكل سلمها له عبدالناصر في ملف يتضمن اعترافات مصطفي أمين في المخابرات العامة علي يد صلاح نصر الأمين علي أمن عبدالناصر، وسلمها عبدالناصر إلي هيكل الأمين علي سمعة عبدالناصر.
فماذا يقول مصطفي أمين في هذه الشهادة التي استغرقت ستين صفحة ننقل منها هذه الفقرة:
«وعرفني كافري بمستر ليتلاند وليكلاند.... وعندما قامت الثورة ابلغني ليتلاند أنه في ليلة قيامها ايقظ السفير البريطاني في واشنطن مستر دين وزير الخارجية من النوم وابلغه أن ثورة شيوعية قامت في مصر وأن الحكومة البريطانية قررت التدخل العسكري فورا وتحرك الجيش البريطاني من فايد لقمع الثورة وقال لي ليتلاند ان دين اتشيسون طلب مهلة للتشاور وأنه أبرق إلي كافري يسأله رأيه وأن ليتلاند هو الذي أعد البرقية العنيفة التي علي أثرها أبدت أمريكا إعتراضها علي التدخل العسكري البريطاني في مصر» (محمد حسنين هيكل بين الصحافة والسياسة ص 188، وجريدة العرب اللندنية 17 يناير 1984، ومحمد جلال كشك: كلمتي للمغفلين - الطبعة الثانية 1985 ص 130).
ولن ندخل في تفاصيل العلاقة الخطيرة بين الثورة والمخابرات المركزية الأمريكية فلذلك مجال آخر.
ولكن نؤكد هنا فقط: أنه برغم كشف عبدالناصر لمفاوضيه من الإخوان عن ضمانات أمريكا له وأنهم كما يقول فريد عبدالخالق فهموا «أنه يبني رأيه علي أساس معلومات مؤكدة» ورغم تحسر فريد عبدالخالق في قوله:«ومع ذلك لم يغن الإخوان فهمهم وسقط القناع سدي» كما نقلنا.
ورغم ماذكرناه عن التركيبة المريبة للضباط الأحرار.
ورغم ان الثقل الصهيوني قد انتقل لأمريكا.
ورغم ان مباديء الثورة الستة لم تتضمن كلمة واحدة عن فلسطين رغم كل ذلك الذي علمناه والذي علمه الإخوان المشهورون بالاطلاع علي بواطن الأمور.
رغم كل ذلك (بل وربما من أجل ذلك لأنهم علموا أن الملك قد انتهت أيامه) اتفقوا مع عبدالناصر واستمروا في تأييده كما سنوضح.
ولعل هذه الحقائق تعطي بعض الاجابة علي هذا السؤال: لماذا شارك الإخوان في الثورة ضد الملك رغم أنهم دائما يقفون مع النظام الحاكم ولايعادون إلا المحتل الأجنبي؟؟؟ لماذا خرج الإخوان علي قاعدتهم هذه التي استمرت منذ الملك فؤاد حتي حسني مبارك الذي يؤيدونه وينتخبونه رئيساً للجمهورية ويصفون العلاقة بينهم وبينه أنها علاقة حب يزيد وينقص كما سنري ويعلنون عدائهم لإسرائيل فقط كما نقلنا من كلام صلاح شادي في الفقرة (17) من هذا الفصل.
لماذا خرج الإخوان علي هذه القاعدة وتحالفوا ضد فاروق مع الضباط الأحرار؟ ومالفارق بين فاروق والضباط الأحرار والسادات ومبارك؟؟؟.
اعتقد ان من حقنا أن نقول:
أ - إن الإخوان يخرجون علي الحاكم ويسقطون شرعيته ليس لخروجه عن الشرع ولكن إذا وجدوا ان فرصة نجاح الخارجين راجحة وان القوي العظمي تؤيدهم.
ب - إن الإخوان لايتحرجون من الانتقال من النقيض للنقيض فهذا هو الهضيبي الذي يهرول إلي سجل تشريفات قصر عابدين ثم إلي لقاء الملك في أول شهر من توليه منصب المرشد العام (راجع الفقرتين،11 12 من هذا الفصل)، ثم يتوجه بعد ذلك مرتين ليسجل ولاءه للملك في سجل التشريفات في 16/1/1952 وفي 25/5/1952 (راجع الفقرة 1 من الفصل الأول) - أي قبل أقل من شهرين من قيام الثورة - لايجد أي حرج في أن يرسل رجاله ليتفاوضوا مع جمال عبدالناصر لقلب نظام فاروق.
ج - إن الإخوان كانوا يعرفون تركيبة الضباط الأحرار فجمال عبدالناصر اختلف مع الإخوان لأنهم متزمتون ولامانع عنده من أن يضم أي ضابط وطني لتنظيمه ولو كان من غير دين الإسلام كما نقلنا عن أحمد عادل كمال كما أن التنظيم كان يضم شيوعيين وعملاء للملك وعلي صلة بالمخابرات الأمريكية كما بينا.
وهذه التركيبة لايمكن أن تقيم حكومة إسلامية بأي حال ومع ذلك عقد الإخوان معهم صفقة علي تأييدهم رغم مناورة عبدالناصر بأنه لابد من أخذ الأمر تدريجياً وعدم المجاهرة بالصبغة الإسلامية من أول يوم.
7 - ولذلك لم يكن غريبا أن يتنصل جمال عبدالناصر من الاتفاق ولكن الغريب ان هذا التنصل جاء بعد خمسة أيام من نجاح الانقلاب في أول لقاء له مع المرشد كما يروي صالح أبو رقيق: «وعندما وصلنا... ودخل عبدالناصر وصافح المرشد فوجئت به يقول للمرشد: «قد يقال لك إن احنا اتفقنا علي شيء... إحنا لم نتفق علي شيء».
وكانت مفاجأة... فقد كان اتفاقنا أن تكون الحركة إسلامية ولإقامة شرع الله.. واستمرت المقابلة في مناقشات أنهاها المرشد بقوله لجمال عبدالناصر: «اسمع ياجمال.... ماحصلش اتفاق... وسنعتبركم حركة إصلاحية... إن إحسنتم فأنتم تحسنون للبلد... وإن أخطأتم فسنوجه لكم النصيحة بما يرضي الله» وانصرف جمال. وقال لنا المرشد وكأنه كان يستطلع الغيب: «الرجل ده مافهش خير. ويجب الاحتراس منه». (218).
ويذكر فريد عبدالخالق رواية قريبة من تلك ولكنه يقول ان تاريخ اللقاء كان في 30 يوليو 1952 ويصفه بأنه «أول شعور بخيبة الأمل» (219)
8 - ومع كل هذا ومع أن الثورة لم تخط أي خطوة جادة نحو التحول الإسلامي بل ولم يكن لها أي فكر محدد إلا مجموعة من الشعارات التهريجية فقد استمر الإخوان في تأييدها وخداع الناس وخداع أنفسهم ان هذه هي حركتهم وسوف نضرب بعض الأمثلة فقط لهذا الطوفان من التأييد.
أ - صدر عدد كامل من الدعوة بتاريخ 17 محرم 1372، 7/10/1952 عن حركة الجيش وعلي صفحته الأولي صورة محمد نجيب بمساحة الصفحة كلها.(220).

أبو عبد
04-11-2004, 06:57 PM
أن حسن البنا كان يري ضرورة الإلتزام بمعاهدة 1936 التي تعطي الانجليز وجوداً شرعيا بمصر.
تبرأ حسن البنا من أتباعه وأن فعلهم مخالف للشريعة، وهو نفس الموقف الذي يتخذه الإخوان اليوم من الشباب المجاهد بمصر إذا أقدم علي نكاية في العدو الحاكم الكافر تبرأ منه قادة الإخوان ووصفوا أفعال الشباب بأنها ليست من الإسلام في شيء وأن الإسلام بريء منها، وبهذا تري أن كل فساد في الإخوان أنما سنَّه لهم وسبقهم إليه حسن البنا.
وتعجب من أن من شعاراتهم (الجهاد سبيلنا)، فتسألهم جهاد من؟. قالوا نحن لانكفر الحكام، وإنما الجهاد ضد الانجليز، إذا فلماذا كان البنا يري الإلتزام بمعاهدة 1936؟ ولماذا استنكر إلقاء الشباب القنابل علي الخمارات كما سيأتي في مرافعة أحمد حسين؟، ولماذا رفض حسن الهضيبي أي مشاركة رسمية للإخوان في الأعمال الفدائية ضد الانجليز في منطقة القناة عام 1951 كما ذكرنا؟
سيتضح لك هذا التخبط في منهج الإخوان وسلوكهم عقب حادثة مقتل النقراشي كما اتضح عقب مقتل الخازندار.
11 - مقتل النقراشي وماكشفه من اختلاف ونقائص في منهج الإخوان المسلمين.
كان مقتل النقراشي مأساة من مآسي الإخوان المسلمين فقد كشف عن الهوة الواسعة بين مايدعو قادة الإخوان شبابهم إليه وبين واقعهم وضعفهم وعجز هذه القيادات عن الارتفاع لمستوي الصراع بين الجاهلية والإسلام سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية العملية.
وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه الحيرة والتخبط ولنستمع أولا لمحمود الصباغ أحد قيادي النظام الخاص ماذا يقول عن النقراشي ومقتله.
«لايمكن أن نعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف قام به بعض أبطال الإخوان المسلمين، لما ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين، بأن أسهم في تسليمها لليهود، ثم أعلن الحرب علي الطائفة المسلمة الوحيدة التي تنزل ضربات موجعة لليهود».
«فحل جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم، وحرم أن تقوم دعوة في مصر تدعو إلي هذه المباديء الفاضلة إلي الأبد، فكانت خيانة صارخة لاتستتر وراء أي عذر أو مبرر، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعا، ويكون قتله فرض عين علي كل مسلم ومسلمة، وهذا ما حدث له من بعض شباب النظام الخاص للإخوان المسلمين دون أي توجيه من قيادتهم العليا، فقد كان المجرم الأثيم قد أودعهم جميعا السجون والمعتقلات وحال بين الإخوان ومرشدهم»(148).
ويفصل الصباغ في تفاصيل خيانة النقراشي في فلسطين ثم يختمها بالتلخيص التالي:
«أولا: أسلموا القيادة العامة للجيوش العربية المسلحة إلي انكليزي صهيوني هو جلوب باشا وتلك هي ذروة الخيانة.
ثانيا: سمحوا بتوغل الجيش المصري في فلسطين دون أن يضع خطة عملية لفض الجيوب «اليهودية» الخطيرة، التي توزعت في صحراء «النقب»، حتي يحاصر هذا الجيش من الجنوب بقوات مستعمرات النقب، ومن الشمال بالقوات اليهودية في المستعمرات الصهيونية، فتتحقق بذلك هزيمته، وإعلان إسرائيل.
ثالثا: قبلوا الهدنة الأولي والثانية لإعطاء اليهود فرصة نادرة لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات والدبابات وغيرها، وحبسوا واعتقلوا أبناء مصر البررة، المتطوعين في سبيل الله، فمنعوهم من مواصلة العمل، لما رأوا أن في مصر رجال هم أهل فعلا لإنزال الهزيمة بالأعداء، وتخييب آمال حكام مصر في الولاء والفناء ذلا وانكسارا لهؤلاء الأعداء.
رابعا: غيروا دون سبب معقول هدف الجيش المصري في احتلال تل أبيب وهو يتقدم إلي الشمال دون مقاومة مخافة أن ينهار العدو باحتلال عاصمته، وقبل تل أبيب بعشرين ميلا عددوا له الأهداف ليضطرب صفه وينكمش جمعه، ويقترب من الهزيمة، وييأس من المقاومة والاستبسال.
خامسا: سلحوا الجيش بأسلحة ترتد إلي جنوده لتقتلهم، ولاتندفع إلي الأمام لتنصرهم، اللهم إلا القليل من الأسلحة الخفيفة، التي لم يستطيعوا سحبها، وإحلالها بما فسد، لثقتهم أنها لن تحسم المعركة، وأن خدمة العدو في تقديم شعب مصر ممثلا في جيشها فداء للأعداء هي خدمة أكيدة ومحققة.
فما يكون جزاء مثل هؤلاء الخونة الغدارين في الإسلام؟»
أما كيف تم الاغتيال فيحكي الصباغ القصة مختصرة «كان الشهيد السيد فايز هو مسئول النظام الخاص عن مدينة القاهرة بعد اعتقال كل من يعلوه في القيادة سواء رجال الدعوة العامة أو من رجال النظام الخاص، فقد اعتقل جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وحيل بين المرشد العام وبين جميع الإخوان، فأصبح سيد فايز هو المسئول الأول عن حماية الدعوة في هذه الظروف الشاذة وله حق الاجتهاد.
وقد نظر السيد فايز في قرار حل الإخوان المسلمين وفي الظروف التي تحيط بهذا القرار سواء في الميدان أو داخل مصر، فشعر أنه محكوم بحكومة محاربة للإسلام والمسلمين وقرر الدخول معها في حرب وعصابات فوق أرض مصر.
ولم يكن للسيد فايز من بد في أن يتحمل هذه المسئولية، فكل إخوان الدعوة العامة معتقلون والمرشد العام محجوب عن اللقاء بالإخوان بوضعه تحت العدسة المكبرة لرجال الأمن طوال ساعات النهار والليل، فليس هناك مجال للاتصال به أو أخذ التعليمات منه، وبدأ السيد فايز معاركه برأس الخيانة - محمود فهمي النقراشي، كون سرية من محمد مالك، وشفيق أنس، وعاطف عطيه حلمي، والضابط أحمد فؤاد، وعبدالمجيد أحمد حسن، ومحمود كامل، لقتل النقراشي باشا غيلة. ولتتحطم رأس الاستبداد، وقد أسند قيادة هذه السرية إلي الشهيد أحمد فؤاد.
وقد رسموا الخطة علي النحو الذي ظهر في تحقيقات هذه القضية».(149)
وبعد الاغتيال تطلب الحكومة من حسن البنا إصدار بيان باستنكار الحادث فيصدر بيانا يقلب فيه الحق باطلا ويصور فيه أعداء الإسلام بصورة أبطاله ولكن هل نفع هذا بشيء؟؟
وكان نص البيان الذي صدر بعنوان «بيان للناس» كالآتي: «لقد كان هدف دعوتنا حين نشأت، العمل لخير الوطن و إعزاز الدين، ومقاومة دعوات الالحاد والإباحية، والخروج علي أحكام الإسلام وفضائله، تلك الدعوات التي دوي بوقها وراجت سوقها في تلك الأيام.
وإذا كان ذلك كذلك، فما كانت الجريمة ولا الارهاب ولا العنف من وسائلها، لأنها تأخذ عن الإسلام وتنهج نهجه وتلتزم حدوده.
ووسيلة الإسلام في الدعوة مسجلة في كتاب الله «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» والقرآن الكريم هو الكتاب الذي رفع من قدر الفكر وأعلي من قيمة العقل وجعله مناط التكليف، وفرض احترام الدليل والبرهان وحرم الإعتداء حتي في القتال «ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين» والإسلام الحنيف هو دين السلام الشامل، والطمأنينة الكاملة، والروحانية الصافية، والمثل الإنسانية الرفيعة، ومن واجب كل مسلم ينتسب إليه أن يكون مظهرا لهذه الحقيقة التي صورها النبي صلي الله عليه وسلم بقوله «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
ولقد وقعت أحداث نسبت إلي بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها وتلا هذا الحادث المروع اغتيال رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته، وخسرت بفقده علما من أعلام نهضتها، وقائدا من قادة حركتها، ومثلا طيبا للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها، ولسنا أقل من غيرنا أسفاً من أجله وتقديراً لجهاده وخلقه.
ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافي مع العنف، بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، وتسخط علي مرتكبيها، فنحن نبرأ إلي الله من الجرائم ومرتكبيها.
ولما كانت بلادنا تجتاز الآن مرحلة من أدق مراحل حياتها مما يوجب أن يتوفر لها كامل الهدوء والطمأنينة والاستقرار، وكان جلالة الملك المعظم حفظه الله قد تفضل فوجه الحكومة القائمة، وفيها هذه الخلاصة من رجالات مصر هذه الوجهة الصالحة، وجهة العمل علي جمع كلمة الأمة وضم صفوفها، وتوجيه جهودها وكفاياتها مجتمعة لاموزعة إلي مافيه خيرها وإصلاح أمرها في الداخل والخارج.
وقد أخذت الحكومة من أول لحظة علي تحقيق التوجيه الكريم في إخلاص ودأب وصدق، وكل ذلك يفرض علينا أن نبذل كل جهد ونستنفد كل وسع في أن نعين الحكومة في مهمتها، ونوفر لها كل وقت ومجهود للقيام بواجبها، والنهوض بعبئها الثقيل، ولايتسني لها ذلك بحق، إلا إذا وثقت تماما من استتباب الأمن واستقرار النظام، وهو واجب كل مواطن في الظروف العادية فكيف بهذه الظروف الدقيقة الحاسمة التي لايستفيد فيها من بلبلة الخواطر وتصادم القوي، وتشعب الجهود إلا خصوم الوطن وأعداء نهضته.
لهذا أناشد إخواني، لله وللمصلحة العامة أن يكون كل منهم عونا علي تحقيق هذا المعني وأن ينصرفوا إلي أعمالهم، ويبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن وشمول الطمأنينة حتي يؤدوا بذلك حق الله وحق الوطن عنهم والله أسأل أن يحفظ جلالة الملك المعظم ويكلأه بعين رعايته ويسدد خطي البلاد حكومة وشعبا في عهده الموفق إلي مافيه الخير والفلاح آمين» (150).
وقد لاحظنا أن الأستاذ محمود الصباغ لما ذكر البيان حذف جملة «جلالة الملك المعظم حفظه الله قد تفضل....» وأبدلها بكلمة «الحاكم» كما حذف خاتمة البيان المحتوية علي الدعاء والثناء علي الملك، وليس هذا من أمانة النقل (151)
قارن هذا الرثاء من حسن البنا للنقراشي واعتباره مثلا للنزاهة والوطنية والعفة بمطالبة الإخوان للملك أن يقيل النقراشي من الوزارة كما نقلنا هذا من قبل، وقارن كلام البنا بكلام الصباغ الذي ذكر خمسة أسباب تجعل النقراشي مستحقا لوصف الخيانة وتجعله مستحقا للقتل.
فهل نفع هذا الخلط بشيء؟؟؟.
ينقل الصباغ عن محسن محمد في جريدة المسلمون مانقله عن وثائق الخارجية البريطانية هذا الحوار بين إبراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء و تشابمان أندروز الوزير البريطاني المفوض:
«الانطباع الذي أخذته من بيان حسن البنا أنه بدأ يتراجع أمام تصرف الحكومة. ثم يطمئن أندروز قائلا له: إني واثق من الحصول علي أفضل مالدي الإخوان، ولكني مستعد للقضاء عليهم» (152).
وتلخص د. لطيفة سالم هذه المأساة فتقول: «ومضي التخطيط، إبراهيم عبدالهادي - ومن ورائه فاروق - يقود حملته الوحشية علي الإخوان، وحسن البنا يوالي نشاطه وهو يعلم أن الانتقام آت لاريب فيه، لكنه يحاول التمويه، فتنشر صحيفة لابورص حديثا له يستنكر فيه القتل واستعمال القوة ويبين أنهما لايتفقان مع الدين الإسلامي ويأسف لما جري للنقراشي. ولكنه حسم الأمر سريعا، وانتصر جانب القوة، وفي 12 فبراير 1949 - اليوم التالي لعيد الميلاد الملكي - اغتيل المرشد العام رغم الحيطة التي أحاط بها نفسه، ويذكر السفير البريطاني أنه كان قد تسلم قبيل اغتياله خطابات تهديد بأنه سيقتل إن لم يقم بإرشاد الحكومة عن مخازن الأسلحة الخاصة بالجماعة. وفي حديث جري بين الملك وكامبل عن الحادث، أوضح الأول أن مقتل حسن البنا كان انتقاما لمقتل النقراشي» (153).
كان هذا هو موقف حسن البنا وكانت هذه هي حصيلة أقواله، تبرأ من النظام الخاص الذي أنشأه أمام الناس فكانت النتيجة أن سجلت عليه هذه الأقوال ولم يكسب أي مكسب مادي مما كان يطمع فيه بل علي العكس كان نصيبه الخسارة المطلقة فشباب الإخوان في السجون وهذه البيانات تستخدم للضغط عليهم ولعل أوضح مثال علي ذلك هو انهيار عبدالمجيد أحمد حسن قاتل النقراشي وتحوله طوال فترة محاكمته إلي أداة لايذاء إخوانه والقاء التهم عليهم نتيجة هذه البيانات.
وليسمح لي القاريء أن أتوقف عند هذه النقطة وأزيدها تفصيلا لما فيها من درس خطير لأي حركة إسلامية وسوف أعرض علي القاريء فقرات هامة من مرافعة المحامي أحمد حسين في دفاعه عن بعض المتهمين في قضية مقتل النقراشي وفيها يوضح خطة الحكومة ورئيس وزرائها إبراهيم عبدالهادي في خداع حسن البنا والتأثير علي عبدالمجيد أحمد حسن قاتل النقراشي ليعترف وليصير أداة في يد البوليس السياسي لإدانة زملائه وماقاله أحمد حسين يؤيده الصباغ فيما سننقله عنه في الفقرة التالية إن شاء الله.
يقول أحمد حسين:«وبينما كان رجال القسم السياسي يعملون في صبر لعلاج المتهم كان من هم أكبر منهم، كان رئيس الوزراء إبراهيم باشا عبدالهادي يعمل من ناحيته للتأثير علي عبدالمجيد وتحطيم أعصابه. وقد روي أن أعظم مايحطم أعصابه هو الإيقاع بينه وبين «حسن البنا» بحمل حسن البنا علي التبرؤ منه واستنكار فعلته»
ويقول أيضا مخاطبا القضاة: «أريد أن تستدعوا إبراهيم باشا عبدالهادي ومعالي مصطفي بك مرعي، لتسألوهما عن الظروف التي صدر فيها هذا البيان ولماذا صدر؟ فقد كان هناك أمر عسكري بحل (الإخوان المسلمون) ومنع أي نشاط خاص بهم، كانت الدعوة لهم محظورة وكل من نطق بكلمة يشتم منها رائحة النشاط للإخوان يرتكب جريمة وكان ذلك كله قبل مقتل النقراشي باشا، فلماذا وتحت أي دافع وأي مؤثر سمح للمرحوم الشيخ «حسن البنا» بأن يذيع بيانا للناس يستهله بالدعاية لجماعته ولحركته.
ماالذي حمل «حسن البنا» علي إذاعة هذا البيان، وقد رفض النقراشي باشا أن يسمح له قبل موته بإذاعة بيانات من هذا القبيل؟ وماالذي حمل إبراهيم باشا عبدالهادي علي السماح له بإذاعة هذا البيان، وماالمقصود منه؟
لقد كانت إذاعة هذا البيان ثمرة مفاوضات طويلة متصلة بين المرحوم الشيخ «حسن البنا» وبين مصطفي بك مرعي وزير الدولة وكان أساس هذه المفاوضات أن يذيع الشيخ «حسن البنا» هذا النداء تمهيدا للنظر في إعادة (الإخوان المسلمون) بعد إدخال إصلاحات علي خططهم وأنظمتهم. هذا هو موضوع المفاوضات كما زعموه لحسن البنا، ولكن الحقيقة أنهم كانوا يريدون أن ينتزعوا منه هذا البيان الذي يتبرأ فيه من القاتل، ويستنكر الجريمة والمجرمين، لما يحدثه هذا البيان من أثر في نفس عبدالمجيد. ولقد أجاب المرحوم «حسن البنا» طلبهم بحسن نية، فأصدر البيان كخطوة في سبيل عودة السلام.
ولقد دهش الناس في ذلك الوقت لصدور هذا البيان الذي يدل صدوره علي قرب عودة المياه إلي مجاريها، بين الشيخ «حسن البنا» والحكومة، فلما سألت واحدا من كبار السعديين عن تفسير هذا البيان، وهل هو مقدمة لعودة (الإخوان المسلمون)؟ إذ به يضحك ويقول: «بل لقد غررنا بحسن البنا لنحصل منه علي بيان، للتأثير به علي عبدالمجيد من ناحية، وليكون مقدمة لما يحل بعد ذلك بحسن البنا».
فهذا البيان كان ثمرة مناورات غرر فيها بحسن البنا، فهو ماكان ليصدره إلا بناء علي وعود قطعت له، فلما أصدره أسرعت النيابة إلي استغلال هذا البيان فيما قصد إليه، فاستدعت عبدالمجيد أحمد حسن في نفس اليوم، وهكذا يأبي الله إلا أن يكشف لنا المستور بالدليل من أوراق التحقيق. فلم يكن ثمة داع للتحقيق مع عبدالمجيد في هذا اليوم، ولكنه استحضر ليتلي عليه بيان «حسن البنا»، ليحدث تأثيره في نفس عبدالمجيد.
ولقد صدم عبدالمجيد بتلاوة البيان من غير شك، ولكن نفسه القوية قاومت الصدمة في باديء الأمر، فكان رد فعل البيان أن تمسك عبدالمجيد بفعلته، وأن قرر أنه مصر علي مافعل ولايندم عليه، بالرغم مما قاله «حسن البنا» أو سيقوله في المستقبل وعند هذا القدر أعيد عبدالمجيد إلي السجن ليتفاعل في نفسه تأثير هذا الموقف الجديد.لقد أقدم عبدالمجيد علي فعلته، معتقدا أنه يؤدي واجبا دينيا، وهاهو الزعيم الديني الذي عاش عبدالمجيد السنوات الأخيرة من حياته يتطلع إليه ويعتبره مثلا أعلي يقرر علي رءوس الأشهاد براءته منه، وإنكاره لهذا العمل وبراءة الإسلام من هذا الجرم.
لاجدال في أن عبدالمجيد أصيب من جراء هذا البيان بخيبة أمل شديدة، عبر عنها بنفسه مما علل سبب اعترافاته فيما بعد. وفي هذا الظرف المواتي تقدم له أصحابنا رجال القسم السياسي يستخدمون أساليبهم ومناوراتهم.
فهذا هو «حسن البنا» قد تبرأ منه، وقد فعل ذلك ثمنا لعودة (الإخوان المسلمين) علي حسابه، وها هو ذا في البيان يثني علي النقراشي باشا وعلي الحكومة القائمة، فعبدالمجيد إذن يضحي بنفسه من أجل زعيم لايستحق، وجماعة غير صادقة في جهادها هذا هو ماقيل لعبدالمجيد للتأثير عليه، وبعد يومين صدر بيان هيئة كبار العلماء وفيه تأييد لما جاء في بيان «حسن البنا» بإنكار القتل وأنه ضد الشريعة»0(154)
هل وعينا هذا المبدأ الشيطاني الذي تكرر أمامنا عشرات المرات التفاوض للحصول علي أفضل التنازلات ثم السجن.
أي التفاوض من أجل التنازل فتتشقق صفوف المسلمين من الداخل ثم الضرب بقوة من الخارج.
ثم قتل النظام حسن البنا في الشارع فذهب إلي ربه وترك لنا هذا الدرس القاسي.
ثم خرج بعض الإخوان كما يحكي أحمد عادل كمال من المعتقلات بعد ذلك فشكك في الجهاد، وادعوا أن لاجهاد إلا بخليفة وان علينا الدعوة بالحسني فقط وهكذا تراجعت الحركة الإسلامية عشر خطوات للوراء (155).
كانت هذه تجربة البنا وهو الذي بذر بذرة الجهاد ثم حاول التفاهم مع الطاغوت أمام الناس فاستنكر جهاد إخوانه وألبس المجرمين مسوح الشهداء والأولياء، ومضي إلي ربه بهذه الاجتهادات الخطيرة.
ثم خلف من بعده خلوف تمسكوا فقط بهذه الأقوال المهتزة للبنا وجعلوها أساسا ونبراسا فسري السرطان في الجسم وتمكن حتي أصبح الشفاء ميئوسا منه إلا أن يشاء الله شيئا.
فيقول عمر التلمساني «ففي كل حزب وفي كل هيئة قد يتصرف بعض أفرادها تصرفات لاتقرها رئاسة هذا الحزب. وقد تحمل الإخوان المسلمون كل الأعباء التي حدثت من بعد، ولذلك عندما طلب من الإمام الشهيد - في أيام النقراشي باشا رحمه الله عليه - أن يصدر بيانا يستنكر فيه ماحدث كان الإمام علي أتم الاستعداد، ونشر في الصحف بيانا عنوانه: «هذا بيان للناس» وبيان آخر بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» الخطأ نحن لانتمسك به ولاندافع عنه.» (156).
ويقول فريد عبدالخالق وهو لايحترم ذكاء قرائه:
«سادسا: أحداث سنة 1948 أو ذريعة المتآمرين:
كانت هذه السنة هي مسرح الأحداث التي أخذها المتآمرون علي إنزال ضربة قاضية بالإخوان المسلمين ومرشدهم، ذريعة لتنفيذ مؤامراتهم، وسهلت لهم جريمتهم أمام الرأي العام في وقتها وفضحتها الوثائق بعدها.
أمر عليها هنا في إيجاز، ففي مارس 1948 اغتيل الخازندار بيد اثنين ممن ينتسبون إلي الإخوان، وحكم عليهما بالسجن المؤبد في 22 نوفمبر 1948، وتم هذا الاعتداء بغير علم المرشد، وبدون إذنه، مما أثرعليه تأثيرا بالغا وحزن له حزنا شديدا وقد أثبت التحقيق عدم صلة الجماعة بالحادث، وفي 28 ديسمبر 1948 م اغتيل، النقراشي باشا رئيس الحكومة بعد عشرين يوما من صدور قرار حل الجماعة، واتهم القاتل بصلته بالجماعة ولكن التحقيق نفي صلة الجماعة بالحادث، وفي 20 يونيو نسفت بعض المساكن في حارة اليهود في القاهرة وكان ذلك ردا من مرتكبي هذا الحادث علي مذبحة دير ياسين التي ارتكبها اليهود في فلسطين 9/4/1948، وفي 19 يوليو وقع نسف محلي شيكوريل وأوريكو وكان ذلك ردا من مرتكبي هذا الحادث علي إلقاء طائرة إسرائيلية في 16 يوليو قذيفة علي أحد الأحياء الفقيرة في حي عابدين فهدمت منازل كثيرة وقتلت عددا من السكان، وفي 12 نوفمبر دمر انفجار آخر «شركة الإعلانات الشرقية» التي كانت مركز النشاط الصهيوني في ذلك الحين، وحوادث أخري، لم يسفر التحقيق فيها هي الأخري عن صلة الجماعة أو مرشدها بها» (157). هذا كلام فريد عبدالخالق وكل هذه الأحداث قد اعترف محمود الصباغ وأحمد عادل كمال بقيام النظام الخاص بها (158)
12 - بيان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»
حاول النظام الخاص ان يحرق أوراق قضية السيارة الجيب فكلف شفيق أنس بوضع قنبلة حارقة بجانب دولاب حفظ أوراق القضية ولكن القنبلة أكتشفت، فأصدر حسن البنا بيانا يتبرأ فيه من العملية، بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» ويقول فيه إن الذين فعلوا هذا ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ولايستحقون شرف المواطنة المصرية.
وفي هذا يقول محمود الصباغ:
«وقد هللت أجهزة الحكومة مدعية أن الغرض كان نسف المحكمة، وبالغت أبواق الإتهام تهييء الجو للقضاء التام علي الإخوان المسلمين، مما اضطر المرشد العام إلي إصدار بيانه ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ليساعد علي تخفيف حدة الضغط علي الإخوان وهو أمر جائز شرعا في الحرب ويعد من خدعه، كما أوضحنا عند ذكر سرايا رسول الله e لاغتيال أعداء المسلمين، ولكن الأخ عبدالمجيد أحمد حسن لم ينتبه إلي ذلك وتأثر بالبيان تأثرا قاده إلي الاعتراف علي إخوانه» (159).
ونحن نتعجب من هذا التبرير فليس من الخدعة أن يكفر حسن البنا أتباعه ويتبرأ منهم.
واستسمح القاريء عذرا في أن أنقل أيضا بعض التفاصيل حول هذا البيان لعلنا أن نتوب عن هذا الأسلوب المعوج الذي يضيع الدين والدنيا.
ينقل الأستاذ محمود عبدالحليم عن الأستاذ محمد الليثي الذي كان مصاحبا للشيخ حسن البنا في أيامه الأخيرة مايأتي:
«وبعد أن وقع حادث محاولة نسف محكمة الاستئناف المؤسف، والذي كان له أسوأ الأثر في نفس فضيلة المرشد، طلب مرعي من فضيلته أن يصدر بيانا آخر لنشره بالصحف يقول فيه بصراحة (انه يعتبر أي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان موجها إلي شخصه ولايسعه - أي الأستاذ البنا - إلا أن يقدم نفسه للقصاص أو يطلب إلي جهات الاختصاص تجريده من جنسيته المصرية التي لايستحقها إلا الشرفاء الأبرياء.).
ولقد أوجد حادث محاولة نسف المحكمة جوا صالحا مكن مرعي من الوصول إلي مايريد من بيانات يريد الحصول عليها وقد صدر البيان موقعا عليه من فضيلته بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين».
وتسلمت الحكومة البيان ولكنها بدلا من أن تنشره في اليوم التالي لحادث نسف المحكمة نشرته في اليوم التالي لحادث اغتيال الشيخ البنا ثم قدمته لجهات التحقيق زاعمة أن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا شيخهم لإصداره هذا البيان.
ولعل هناك حكمة لايعلمها إلا علام الغيوب ثم مرعي بك في ان يظل هذا البيان حبيسا شهرا كاملا، وان لايفرج عنه إلا لكي تنشره إحدي الصحف («الاساس» صحيفة السعديين) بالزنكوغراف تحت عنوان «النار بدأت تأكل بعضها - الارهابيون ينقلبون علي شيخهم» (160).
وينقل أيضا الأستاذ محمود عبدالحليم عن أحد الرقباء علي الصحف في وزارة إبراهيم عبدالهادي هذا النص من شهادته في محاكمة قتلة حسن البنا:
«وبعد الحادث بيوم أو بيومين علي ماأذكر طلب منا إعطاء البيان للصحف لنشره علي أساس أن يلقي في الأذهان أن الحادث كان مرجعه إلي تذمر بعض الإخوان المسلمين تذمرا أدي إلي ارتكابهم الحادث» (161)
وهكذا أصدر حسن البنا البيان الأول وتنازل فيه كما اعترف الإخوان أنفسهم طمعا في الافراج عن المعتقلين ولكن الحكومة استغلت البيان الذي صور أعداء الاسلام بصورة أولياء الله الصالحين في تحطيم أعصاب عبدالمجيد أحمد حسن - باعتراف الإخوان - حتي أصبح أداة طيعة في يد البوليس السياسي للاعتراف علي إخوانه. ثم تنازل حسن البنا مرة ثانية فاصدر البيان الثاني «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» فاخرج تلاميذه من الإسلام ومن الطريف أن الإخوان لايملون من قولهم إنهم لايكفرون أحداً.
بل وسنري صلاح شادي عند تأييده لحسني مبارك يبرر ذلك بأنه لايكفره ومع ذلك اتهم حسن البنا شفيق أنس وسيد فايز ومن عاونهما في حادث محاولة نسف المحكمة بأنهم ليسوا مسلمين فهل أجدي ذلك شيئا؟ أبدا لقد كان هذا البيان كما رأينا حلقة في سلسلة مؤامرة اغتيال حسن البنا وكان يراد به صرف الانظار عن القتلة الحقيقيين وتوجيه الشك إلي الإخوان بأنهم بدأوا يقتلون بعضهم بعضا.
وربما يجتهد الإخوان أنفسهم في الدفاع عن شيخهم وتبرير موقفه وربما يستغل ضعاف النفوس فهم هذه الأقوال لتأييد الجماعة بل وربما يهاجموننا رغم إننا لم ننقل إلا أقوالهم، وربما يفعلون ماهو أكثر من ذلك، ولكن كل هذا ليس مايعنينا إنما الذي يعنينا ويهمنا هو استخلاص العبرة والدرس.
ليس هدفنا وصف فلان بكذا أو كذا من الأوصاف. إنما هدفنا أن ننقل لإخواننا من شباب الحركة الإسلامية ولشباب الإخوان خاصة هذه الحقائق التي مافتئنا نكررها وهي أن الحوار والتنازل للطاغوت لن ينصر دينا ولن يصلح دنيا.
وهذا هو الدليل من سيرة الإخوان أنفسهم وبأقلامهم ورغم هذا يندفعون في نفس الهاوية مصرين علي أنهم الحركة الأم وأنهم يمتلكون الشرعية وحدهم وفوق كل هذا أنهم القادرون علي ترويض المتطرفين لو أتاح الطاغوت لهم حرية الحركة.
«فستذكرون ماأقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد»
13 - استنكار الهجوم علي حسن أبي باشا:
استنكرت قيادات الإخوان في الداخل والخارج الهجوم علي حسن أبي باشا رغم الصفحات التي سودوها عنه في كتبهم عن التعذيب في عهد عبدالناصر.
فعقب الهجوم عليه أصدر الإخوان المسلمون بيانا نشرته مجلة المجتمع: «
الإخوان يستنكرون الحادث
وقد أصدر الإخوان المسلمون بيانا أعلنوا فيه استنكارهم للعنف طريقا للتعامل بين أبناء الوطن الواحد حكاما ومحكومين... وقال البيان «إن العنف لايولد إلا عنفا، وإن الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة لهو سبيل الإسلام كما جاء بذلك صريح القرآن... كما يدعو الإخوان المسلمون ذوي الشأن وحملة الأقلام، أن يكبحوا جماح النفس، وان ينتظروا مايسفر عنه التحقيق في مثل هذه الأمور، وألا يعلقوا كل مايحدث علي شجب الجماعات الإسلامية فرب «ملتح» لا صلة له بالاسلام وإنما يبغي الفتنة..»
ودعا البيان جميع المواطنين أن يحكموا العقل والتروي في مثل هذه الأمور حتي لانصل إلي ما لايحمد عقباه من الفوضي والتربص، وكفي الله مصر شر هذا المصير.
وكان عدد من نواب الإخوان في البرلمان قد أرسلوا برقيات للواء أبو باشا في المستشفي - نظرا لمنع الزيارة له - يعلنون فيها رفضهم لاسلوب الحوار بالرصاص، ويتمنون له الشفاء معربين أن أي خلاف بينهم وبينه لايمكن أن يصل إلي هذا الحد، ولكنه موكول إلي الله أولا ثم إلي القضاء العادل ليرد المظالم إلي أهلها....» (162)
وقال حسن الجمل أحد قيادات الإخوان وعضو مجلس الشعب لمجلة المجلة «هذا الحادث مفتعل كحادث الأمن المركزي في العام الماضي الذي استقال بسببه وزير الداخلية السابق أحمد رشدي وأن أصابع خفية تلعب وراء هذه الأحداث ولاأعتقد أن من فعل هذا الحادث - مهما كانت دوافعه - انسان عاقل ومانشر عن ان من ارتكب الحادث هما مسلمان ملتحيان محاولات ينسبونها الي التيار الاسلامي وهو منها بريء لانه ليس هناك مسلم يؤيد مثل هذه الجريمة النكراء، وماحدث للواء حسن أبو باشا جريمة يرفضها الاسلام وكل مسلم بل ويدينها».
ونسأله: هل هناك ثأر بين حسن أبو باشا والتيار المتطرف بسبب مواقفه المتشددة تجاه بعض الجماعات الاسلامية ذات النشاط المتصاعد؟ فيقول: «إن الحكومة تخلط بين التيار الاسلامي ممثلا في الإخوان المسلمين وبين بعض الجماعات الأخري وتعتبرهم اتجاها واحدا، وفي كل الأحوال فأنا استبعد حتي عن الجماعات الإسلامية فعل هذا الحادث وأظنها محاولات لضرب التيار الإسلامي مثلها مثل محاولة اثارة فتنة طائفية في الأيام الماضية وقبيل الانتخابات».
ويقول عصام العريان النجم الصاعد في سماء الإخوان والذي يجدد مدرسة التلمساني: «إن هذا الحادث غريب علي مصر وعلي طبيعة الشعب المصري وفي ظني أن اللواء حسن أبو باشا ليس أول ولا أخر من سيوجه اليهم الاتهام باساءة استخدام سلطاتهم حتي يبرر مثل هذا الحادث، وأنه حادث غير مقبول مهما قيل من أنه تصفية حسابات أو معالجة لمواقف سابقة. وهي جريمة نكراء، لايستطيع أي منصف أن يلتمس لها مبررا أو يدافع عنها ورغم أنها جريمة لها توصيفها القانوني فليأخذ القانون مجراه وليلق فاعلوها العقاب الذي يستحقونه. وأري ان هذا الحادث ستكشف اسراره الأيام المقبلة، ولكن قيل أن مرتكبيه ملتحيان ويرتديان جلابيب، ولهذا اتساءل: كيف يفعلون هذا وهل من يرتكب هذا الحادث بمثل هذه الأوصاف قادر علي فعله أم لابد أن يحلق ذقنه أولا ويغير ملابسه حتي لاتوجه إليه الاتهامات؟ وحين قتل التيار المتطرف الرئيس الراحل أنور السادات قتلوه بعد حلق لحيتهم وكانوا مرتدين الزي العسكري، ولهذا اتوقع أن تكشف الأيام المقبلة أسرار هذا الحادث.» (163)
أما سعيد العبدالله في مجلة المجتمع الكويتية فيأتي بمالم تستطعه الأوائل فيقول: «لماذا حدثت هذه المحاولة؟
بعد النجاح الكبير الذي احرزه الإخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب، ارادت جهة ماسونية صليبية صهيونية، زعزعة ثقة رجل الشارع المصري بالجماعة الإسلامية، بوضع قنابل حارقة في مسيرة الجماعة الإسلامية حتي تبعثر صفها وتعصف بكيانها، وتحرك خفافيش الأقلام المترعة بالحقد علي الجماعة الإسلامية.
ان محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق محاولة عفنة قديمة يلجأ إليها أعداء الإسلام. ان شعار الانسان المسلم (وجادلهم بالتي هي أحسن).
لابد إلا أن تشرق شمس الحق وتحرق غدر الماكرين 0» (164).
أما مأمون الهضيبي رافع لواء عدم الخلاف مع الحكومة و المبشر بالشرعية الدستورية للحركة الإسلامية المسكينة الفاقدة للشرعية فيقول: «إننا نجدد ماأعلناه حين تم الاعتداء علي اللواء أبو باشا من استنكار لهذا الأسلوب وإدانته. ولانقبله علي الإطلاق. وفي نفس الوقت أيضا لانقبل الارهاب الحكومي فإرهاب الأفراد مهما بلغت خطورته لايمكن إطلاقا أن يساوي شيئا إلي جانب الإرهاب الحكومي.» (165)
بقيت كلمة أخيرة وهي أن حسن أبو باشا هو قاتل كمال السنانيري وهذا معلوم لنا ولهم.
14 - رمي التلمساني لعبدالرحمن السندي وهنداوي دوير بتهمة العمالة لعبدالناصر
من العجيب ان الذي يرمي السندي ودوير بهذه التهمة هو رائد التفاهم مع الحكومة الذي يفخر بأن وزارة الداخلية كثيرا مااستعانت به لتهدئة الكليات والجامعات!!.
يقول عمر التلمساني عن عبدالرحمن السندي أثناء ذكره لخلاف السندي مع الهضيبي «ومن يومها انتهي أمر عبدالرحمن السندي ومن معه من صفوف الإخوان، ولم يعد لهم في الجماعة من شأن، وبدأ عبدالناصر يحتضنه، وعينه في شركة شل وأسكنه فيلا في الاسماعيلية فيها كل وسائل الراحة، ولكنه كعادته اعتقل في عام 1965، كل الإخوان الذين سبق اعتقالهم» (166).
ويقول عنه أيضا: «وهذا الانسان أغوته القوة وأغواه الشيطان ولما لم يرض رئيس الجماعة عن ذلك وقع الخلاف بينهما» (167).
هذا هو تقييم التلمساني لعبدالرحمن السندي وسوف نعود إلي هذه النقطة عند الكلام عن علاقة الإخوان بالثورة.
فقط سأنقل هنا رأي أحد المقربين إلي عبدالرحمن السندي وهو محمود الصباغ الذي يقول:«ولقد لمسنا من عبدالرحمن طوال فترة العمل معنا الصدق في اللقاء والصبر علي العناء، والبذل بالمال والوقت دون حدود، مع صفاء في النفس ورقة في الشعور، والتزام بأحكام الدين حتي أحببناه حبا صادقا من كل قلوبنا لما جمع الله فيه كل هذه الصفات» (168).
أما عن هنداوي دوير فيقول عمر التلمساني: «أما المرحوم هنداوي دوير فكان شابا مغامرا، ثائر الأعصاب، سريع التأثر بما يسمع، وهناك شائعات كثيرة حول من ورطوه في هذه المغامرة، وكان بعض هؤلاء له مكانة في الإخوان»
ويقول أيضا «ومن رأي هنداوي دوير مع ذلك الإنسان يدخلان منزل عبدالناصر قبل حادث المنشية، بيوم واحد، لايزال حيا، وإن كان المرض قد جعله يلزم منزله، ولو كانت الأدلة في يدي لذكرت الأسماء، ولكني لا أتهم بلا دليل، ولا أسير وراء شائعة» (169).
إذا كان لديك شاهد فلماذا لاتذكر اسمه وإذا كان الأمر كما تقول اشاعة واتهام بلا دليل إذا فلماذا تذكره في مذكراتك.
ويقول أيضا «عندما أعدم هنداوي دوير نقل الحاضرون التنفيذ أنه قال: إذن تمت المهزلة علي رأسي»
ويقول أيضا «المعاملة الممتازة التي كان يعامل بها هنداوي دوير دون غيره من المساقين ظلما إلي هذا الاتهام الباطل،لها دلالتها بشكل واضح علي تلفيق هذه القضية» (170).
تري لو كان عبدالرحمن السندي وهنداوي دوير علي قيد الحياة فماذا كانا سيقولان في عمر التلمساني؟؟
والغريب أنهم يعيبون علي السندي التعاون مع عبدالناصر رغم أنهم قد أيدوه وكانوا يعتبرونه أخا لهم وكانوا مستعدين لدخول وزارة الثورة لولا الخلاف علي الأسماء كما قرر عمر التلمساني فيما سنذكره عند علاقة الإخوان بالثورة.
15 - موقف الإخوان من العنف:
لم تمل قيادة الإخوان وخاصة الحالية من التبرؤ من أي عنف فهي ترفض العنف لمجرد كونه عنفا. ونحن في عجالة ننقل أقوالهم في ذلك: -
يقول الهضيبي في حديث لصحيفة الجمهور المصري ولصحيفة المصري تعقيبا علي قرارات مؤتمر الطلاب العام المنعقد في المركز العام للإخوان المسلمين يوم الخميس 10 محرم سنة 1371 والذي توصلوا فيه إلي خمس قرارات ملخصها كما يلي: -
القرار الأول: مطالبة الحكومة بإعلان الحرب مع انكلترا، واباحة حمل السلاح والاعتداء علي الانكليز، وسحب امتيازات الانكليز، ومحاكمة مجرمي الحرب، والافراج عن المجاهدين، وعدم الاعتراف بحاكم السودان الانكليزي.
القرار الثاني: إذا قامت الحكومة بذلك فسيتكتل الشعب من وراءها وإلا فسيضعها مع الانكليز في صف واحد.
القرار الثالث: تأليف حرس وطني قوامه 16 ألف.
القرار الرابع: عقد مؤتمر شعبي اسلامي.
القرار الخامس: التحذير من الأحلاف الاستعمارية (171)
فقال الهضيبي لمندوب الجمهور المصري «هل تظن أن أعمال العنف تخرج الانكليز من البلاد. إن واجب الحكومة اليوم هو أن تفعل مايفعله الإخوان المسلمون من تربية الشعب وإعداده فذلك هو الطريق
لإخراج الانكليز»
ثم نفي الهضيبي ان الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص ونفي أن في نية الجماعة التوجه بهذا الطلب، فلما سئل عن معني القوة التي ينادي بها الإخوان. أجاب «القوة الروحية» أما القوة المادية فهي من اختصاص الحكومة، فلما سئل عما يكون عليه الوضع إذا لم تلجأ الحكومة للقوة قال «فلتقصر فنحن لانستطيع أن نفعل شيئا أكثر من مطالبتها بالقيام بالواجب» (172).
كما صرح لصحيفة المصري تعليقا علي قرارات شباب الإخوان أن الكفاح العملي قد يأخذ صورا مختلفة غير مقاطعة الانكليز وأن قرارات الشباب هذه لاتلزم الجماعة «لاقيمة لقرارات تصدر من غير المركز العام للإخوان المسلمين» (173).
أما عمر التلمساني فيقول «ولئن اغتال بعض الشباب بعض الوزراء فهذا مالا تقره جماعة الإخوان المسلمين» (174).
ويقول أيضا أن الهضيبي قال ليوسف طلعت:«أنا ضد هذه التدريبات وضد فكرة الاغتيالات مهما كانت الأسباب وإني لا أضمن الاندفاع والتهور، وأنا بريء من كل دم يسفك».
وقال له ذلك لما علم أن بعض الشباب يحضر الاحتفالات التي يحضرها عبدالناصر بهدف التدريب (175).
كما يحكي التلمساني أن محمود الحواتكي قال لهنداوي دوير عندما علم أنه يبحث عن مسدس «هناك تعليمات من المرشد بعدم الاغتيالات» (176).
ويقول أيضا:«ولسنا نهدف إلي عنف، بدليل انه في الخطاب الأخير للرئيس الراحل المرحوم أنور السادات قال: أنا أعرف عمر رجل سلام، ومعني هذا أننا ندعو إلي السلام علانية وفي الخفاء» (177).
ويقول أيضا:«نحن لانركب الموجات وماتركنا موقفا من المواقف التي تدعو إلي استنكار العنف وشغب الجماعات إلا ووقفنا بجانبه» (178)
ويقول أيضا «أنا أعارض فكر العنف في مواقفي كلها وكتاباتي كلها، انا استنكرت واستنكر بكل قوة العنف أو القتل أو الاغتيال وأنا قد اتهمت من الجماعات الإسلامية بموالاة الحكم القائم، ولم أهتم بهذا الاتهام» (179).
ويقول أيضا:«نحن لاننكر علي الشباب اتجاهه الديني، بل نحن نحضه علي هذا الاتجاه ولكننا ننكر العنف بأي صورة من صوره» (180).
ويقول أيضا:«إذا أسس أحدهم جماعة وأصبح أميرها فهذا شيء ينبغي أن نفرح به، ونأخذه بالأسلوب الإسلامي الذي يقره الشرع، ولكن أن تتكون الجماعة بهدف العنف، فهذا ماننكره ولانرضي عنه ولانقره، ولانقبل به بأي صورة من الصور» (181).
ويقول أيضا عن اغتيال السادات:«أما ان نهايته جاءت علي يد الإخوان المسلمين. أظن إن هذا حرام، بعد أن قرر رئيس الجمهورية الحالي أن الإخوان المسلمين أبعد مايكونون، ولاعلاقة لهم بهذا الاغتيال، إذن فنحن الإخوان المسلمون لاعلاقة لنا، ولم تكن نهاية السادات علي أيدينا.
والشباب الذي نتكلم عنه وعن انحرافه في فهم الإسلام وعن أخذه بهذه الأساليب. نحن ننكر أن يكون في الإسلام عنف والإخوان المسلمون ليس لهم شأن فيما حدث أبدا» (182).
ويقول أيضا:«أيها الإخوة سمعتموني أكثر من مرة أتحدث إليكم، لا أتحدث إلا في السلام وفي الأمن وفي الاستقرار وفي عدم التظاهر وعدم التخريب وعدم المصادمات» (183).
ويقول أيضا:«الدعاة إلي الله دعاة سلم وأمان ولا أتصور أن شابا يدعو الله، وقد تمكنت الدعوة من قلبه تماما ثم يدمر ويخرب أو أن يضرب أو ان يعنف» (184).
أما في مجلة الفن (فيديو 14) فيشتكي من أن ندوة الرأي التي تشرف عليها المباحث لنشر الإسلام الحكومي المنحرف - لاتأخذ وقتا كافيا في التلفاز فيقول:«إن الاساتذة الذين يحاربون الفكر الإرهابي في الإسلام يتم عمل ندوة لهم مرة كل أسبوع وقبل أن ينتهي الاستاذ من تكملة كلامه ينتهي وقت البرنامج، وهكذا يضطر المستمع إلي تأجيل الاقتناع إلي الأسبوع التالي، أو يضيع أثر كل شيء» (185).
أما محمد حامد أبو النصر فيقول إجابة علي سؤال حول ظاهرة العنف:«العنف عموما لانوافق عليه» (186).
أما فريد عبدالخالق فيقول حول سلوك العنف لبعض الجماعات الإسلامية في الجامعات:«وعلي أية حال فإنني لست مع العنف وأرفضه فالإسلام بريء منه»(187)
16 - الإخوان وعدم تحدي السلطة:
عدم تحدي السلطة بأي صورة أصبح الآن مبدأ مستقراً وعقيدة لازمة للإخوان.
يقول عمر التلمساني:«وقام الإخوان ونجحوا بفضل الله أولا.. ثم نظام الأسر ثانيا. هذه الأسر التي تجتمع علي توجيهات أخلاقية، ونفحات روحية، وقواعد دينية، وتعارف ومحبة بين الناس، ولكن للأسف الشديد يري رجال الأمن أنها أكبر خطر علي الأمن، لأنها من الممكن أن تتسلح. ولما كان هذا الأمر يهم الأمن فعلا، فقد استجاب الإخوان لإيقاف نظام الأسر، حتي لايتهموا بالعناد والتحدي» (188).
يقول أيضا «والعجيب في اتهام الكثيرين تصورهم أن دعوتنا تدعو إلي قلب الأوضاع القائمة، ونحن بهذه الصورة متآمرون، وليس لهذا ظل من الحقيقة عند الفهم السليم الخالي من العلل الظاهرة والباطنة» (189).
وحين يسأل:«هل يمكن أن يصل الأمر بينكم وبين الحكومة إلي حد الصدام؟
* نحن لن نخاشن أحدا ولانسعي للمخاشنة حتي لو وصل الأمر بهم إلي وضعنا في السجون فلن نصطدم».
ويقول أيضا عن علاقتهم بالمسيرة التي دعا إليها الشيخ حافظ سلامة «الإخوان يؤكدون برائتهم مما حدث يوم الجمعة ومما قد يحدث مستقبلا. فهم لايسعون إلي صدام بعد أن ارتضوا أن يكونوا جزءا من الحياة السياسية الشرعية وهم غير راغبين أو مهيئين للدخول في صدام مع الحكومة» (190)
17 - القتال عند الإخوان ضد العدو الخارجي - عدو الوطن - فقط:
يقول محمد حامد أبو النصر في حوار في صحيفة النور: «أما فيما يتعلق بمبايعتي للإمام علي المصحف والمسدس فقد كانت علي أساس أن الحق لابد له من قوة تحميه، ليس من أجل أن نغتال أو نقتل أحدا، كلا ولكن لكي نعلن استعدادنا الدائم للقتال في سبيل الله.
* قتال من؟
** قتال أعداء الإسلام وأعداء الوطن، فالجهاد أصل من أصول دعوتنا، وكل أخ لابد أن يكون عنده استعداد للجهاد في سبيل الله، وأمامك المثال الواضح، فعندما ظهرت قضية فلسطين سافرالإخوان فورا إلي هناك وجاهدوا ولو أن الأمر ميسر لنا لذهبنا إلي أفغانستان للجهاد في سبيل الله.
* ولكن مسدساتكم هذه يمكن أن توجه ضد حاكم مسلم أو حزب أو جماعة إذا ماخالفوكم في الرأي أو لم يستجيبوا لدعوة تطبيق الشريعة في مصر؟.
** لا... لا... إطلاقا إن دعوتنا تقوم علي قاعدة «وجادلهم بالتي هي أحسن» ونحن داخل الدولة ندعو بالكلمة فقط». (191).
أما صلاح شادي صاحب التبرير المشهور لانتخاب حسني مبارك رئيساً للجمهورية فيقول بوضوح شديد:«يجب أولا أن نعلم أن الهدف الذي من أجله قام الإخوان المسلمون لتحريره، هو جلاء الانكليز عن مصر وطرد الصهاينة من فلسطين، فهاتان كانتا شغل الإخوان الشاغل عندما تحركت رماحهم إلي إصابة أهدافهم نحو هذين العدوين، ومن هنا خاصمتنا الدنيا وشنت علينا حروبها العشواء.
أما مخاصمة الحكومات من أجل هذا الهدف فهو ليس غاية في ذاته وإنما هو استتباع لهذا الصراع حيث إن الحكومات في هذا الوقت كانت تخدم أطماع الانكليز وأطماع الصهاينة. أما الآن وقد طرد الانكليز من مصر فليس هناك داع لأن يظل الصراع حامي الوطيس بيننا وبين الحكومات وخاصة إذا كان دستورها ينص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام فلزم علينا أن نحقق بالوسائل المشروعة في الدستور هذه الحقيقة التي تجلو كل غبش عن دعوة الإسلام وبهذا نري أننا لم يبق أمامنا إلا طعان الصهاينة وهذا أمر لايكون إلا في عقر دارهم التي احتلوها» (192).
18 - موقف الإخوان من الحكام:
موقف الإخوان من الحكام كما سنري هو موقف التملق والتهاون والملاينة وعدم اللجوء إلي العنف بل ومنع أي طائفة من أن تقاومهم.
هذا ليس كلامنا بل هو نصوص كلامهم التي تواترات عنهم كما ستري أيها القاري الواعي وكنا قد أشرنا من قبل عند حديثنا عن الجوالة والملك عن استعراض الجوالة أمام قصر الضيافة الذي نزل به الملك ابن سعود بل ودور الجوالة في تأييد الملك والهتاف له ومبايعته مرارا وتكرارا كما حكي أحمد عادل كمال لا كما حكينا.
يقول حسن البنا ناهيا الشباب عن تحطيم الحانات ومبينا لهم الطريق الشرعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي طريقتهم.
«تحريم الخمر وتعاطيها أمر من اختصاص الإمام، فإذا قصر كان خارجا عن الكتاب والسنة، وعندئذ يجب علي العلماء وذوي الرأي أن يقدموا له النصيحة، فإذا أبي وجب علي الأمة أن تجاهده حتي تخلعه، ومن هنا نري الإسلام هو دين نظام، جعل حق تغيير المنكر للإمام، ولم يعط هذا الحق لكل فرد من أفراد الأمة، وإلا أصبح الأمر فوضي.
فالحكومة هي التي تقوم في عصرنا مقام الإمام، فهي المسئولة عن تحريم المنكرات، فإن لم تفعل وجب علي نواب الأمة أن يسحبوا ثقتهم منها، فإذا لم يؤد النواب واجبهم أصبح لزاما علي الأمة ألا تمنحهم ثقتها، وتنتخب غيرهم فإذا اجتمع تحت قبة البرلمان نواب مسلمون، أمكن القضاء علي كل منكر بقوة القانون وحكم النظام». (193).
أما عمر التلمساني فيقول عن موقفهم من الحكومات عامة «إن الإخوان المسلمون يودون من أعماق قلوبهم أن يطمئن إليهم المسؤولون وأن يعينوهم علي أداء رسالة التوعية الدينية ليأخذ المد الإسلامي طريقه سهلا ميسرا، أنا لا أقول إننا نمد أيدينا طاهرة نظيفة منذ اليوم بل لقد مددناها من أول يوم قامت فيه هذه الدعوة ورسائل الإمام الشهيد أوضح دليل».(49_).
ويقول عن موقف حسن البنا من الحلفاء في الحرب العالمية الثانية:«لما قامت الحرب العالمية الثانية عام 1939، والإخوان علي قوتهم، كان من الممكن أن يسببوا الكثير من المتاعب للحلفاء. لكن الإمام الشهيد حسن البنا، أصدر أوامره إلي كل الشعب والمناطق أن تلتزم جانب الهدوء، وأن تتفرغ لنشر الدعوة، وأن تعطيها كل اهتمامها وجهدها بعيدا عن الاستثارة، حتي انتصر الحلفاء.
وكان موقف هذه المنطقة - التي تعج بالإخوان المسلمين في كل مكان - سببا من أسباب انتصارهم، ولكنهم جازوا الإمام الشهيد جزاء سنمار!، ألا يستحق موقف الإمام الشهيد من تلك الأحداث في ذلك الحين، أن يسجل في صفحات الخلود» (195).هكذا يري التلمساني ولكننا نري عكس ذلك.
ويقول أيضا بصراحة ودون لف أو دوران عن صفقتهم مع الحكومة «وساهمت في الكثير من المواقف التي كانت تحتاج الحكومات إلي معونة الإخوان المسلمين فيها، والبداهة تقضي بأنه اعتراف ضمني من الحكومات بوجود الإخوان علي الساحة، رغم الأمر بحل جماعتهم، وكنت علي شبه اتصال دائم برجال الأمن في وزارة الداخلية أقدم كل مايسهم في ترسيخ الأمن في مصر.
وماكنت أجعل أحدا فيهم صغيرا أو كبيرا يحضر إلي، وأكتفي بأن يتصلوا بي تليفونيا لأذهب إليهم في الوزارة اللهم إلا في بعض المناسبات الصحية أو الأعياد، فكانوا يزورونني مشكورين، وكان من فضل الله علي أنني ماذهبت إلي كلية ثائرة لأمر من الأمور، إلا وعدت موفقا، وكان جهدي موضع شكر المسؤولين في وزارة الداخلية. ولعل أحدا لم ينس موقفي من أحداث الزاوية الحمراء. وماتفضل به وزير الداخلية حسن أبو باشا من تصريحات خاصة بي، وبأن الإخوان المسلمين أبعد مايكونون عن الإرهاب والتخريب... وأن الجماعات الإرهابية لم تخرج من تحت عباءة الإخوان المسلمين، فكان أول مسؤول عن الأمن أفضي بهذه الحقيقة التي طالما شوهتها إذاعات خصوم الإخوان.
وقد أخذت علي نفسي يوم أن كنت أكتب إفتتاحيات مجلة الدعوة بألا أمس أي إنسان من ناحيته الشخصية، وكنت ألتزم الموضوعية البحتة، وأدعوا إلي ضبط الأعصاب عند الأحداث المثيرة، حتي قال لي أحد المعتقلين من الأحزاب في سبتمبر (أيلول) 1981 إنني جمدت أعصاب الشباب ووضعتها في ثلاجة، ولست أدري أكان يمدح أو يقدح، وعلي كل حال فقد شكرت له قوله إنني صاحب تأثير، ورغم ذلك فإنني لم أنج من غمزات بعض الكتاب - ولكن علي خفيف - وإنصافا للسادات رحمني ورحمه الله وغفر لي وله، أنه أتاح للإخوان جوا من الحرية لابأس به، فأعدنا إصدار مجلة الدعوة، وكنا نقيم الاحتفالات في المناسبات الدينية في شتي أرجاء القطر» (196).وفي مقابل هذا التلطف من التلمساني للطواغيت وسعيه لترسيخ أمنهم، تراه يقول عن الشباب المجاهد «قلنا للمسئولين أكثر من مرة، دعونا نحن نتحدث مع هؤلاء الشبابا ونصحح له الفهم الخاطيء ونقيمه علي الصراط المستقيم لأن معالجة الأمر ليس بالعنف لأن العنف يولد العنف»
ويقول أيضا «في بعض الأحيان كان وزير الداخلية يرسلني إلي بعض كليات الجامعة، وحين كنت أخطب في الشباب كانوا يتقبلون كلامي رغم أنهم كانوا لايعرفونني، كانوا يقبلون كلامي ونصيحتي ضد التظاهر وضد العنف وضد الاضراب وضد التخريب والاعتصام كل هذه المظاهر كنت أقاومها بمنتهي الوضوح ومنتهي الصراحة...، وفي الزاوية الحمراء، أنا أول إنسان اتصل به السيد نبوي إسماعيل، وأنا أول إنسان خدمته في هذا».
ويقول أيضا «إننا كجماعة إذا طلبنا أي حزب أو أي حاكم للقائه أكون مخطئا لو قلت أننا نرفض، لأن معني ذلك إننا نعلن الحرب عليه».
ولما سئل عقب خروجه من السجن في يناير 1982 عن رأيه في الأولويات التي أمام الرئيس مبارك قال: «أري أيضا أن تظل المؤسسات القائمة كما هي... مجلس الشعب أو الوزراء لاداعي الآن للتغيير والتجديد حتي لا أعطي فرصة لمن هم خارج مصر في الكلام عن اهتزاز الأوضاع» (197).
أي اهتزاز الأوضاع عقب اغتيال السادات في أكتوبر 1981؟؟؟.
ويقول أيضا:«ولايغيب عن فهم الإخوان ويعلمون أنهم المستهدفون دون غيرهم لكل عقبة وصعاب، ورغم ذلك كله لم يعملوا يوما لاثارة القلاقل ضد آية حكومة».
ويقول أيضا:«بهذا التاريخ الأبيض الناصع يتحدث الإخوان المسلمون عن تطبيق الشريعة ولايقرون المسيرات ولا المؤتمرات ولامناصبة الحكومات العداوات» (198).
أما مأمون الهضيبي فيقول بمنتهي الصراحة «لاخلاف مع الحكومة في مصر حول تطبيق الشريعة الإسلامية:
القاهرة - مكتب الشرق الأوسط:
صرح المستشار مأمون الهضيبي عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين بمصر والمتحدث باسم نواب الإخوان بالبرلمان أنه لاخلاف بين التيار الديني والحكومة حول تطبيق الشريعة الإسلامية وإنما الخلاف يتركز حول امكانيات التطبيق.
وأكد المستشار الهضيبي ل «الشرق الأوسط»: إننا نطلب توافر امكانيات تطبيق الشريعة الإسلامية لأنه لايمكن تطبيقها بين يوم وليلة ولابد من وجود هيئة قضائية مستقلة يتشبع أعضاؤها بالشريعة تتولي عملية التطبيق لأن الشريعة ليست حدودا فقط ومن ينتقي الحدود من الشريعة لتطبيقها فهو خارج علي أحكام الشريعة.
وذكر المستشار الهضيبي: إن الحكومة لاتستطيع حاليا انكار وجودنا بعد أن اعترفت خلال الانتخابات الأخيرة وظهر ذلك في وسائل الاعلام الرسمية والصحف القومية وحصولنا علي 5ر1 مليون صوت ولابد أن نتعامل مع الواقع الموجود والقائم خاصة ان وجود الجماعة يمثل مصلحة للحكومة لأنها تلجأ إلينا كثيرا لضبط التيار الديني المتطرف» (199)

وقد حدث أن عقد نادي التدريس بجامعة القاهرة ندوة عن «واقع ومستقبل التيار الإسلامي في مصر» نشرت ملخصها مجلة المجتمع.(200).
أنكر فيها عصام العريان علي سعد الدين إبراهيم قوله «وقد لعب السادات دورا في توفير الجو الملائم لهذه الحركات لفرض نفسها، ليوازن بينها وبين التيارات اليسارية و القومية - وكان هذا هو الاتفاق الضمني للإخوان مع الدولة لعدم استخدام العنف.»
وتساءل عصام العريان «متي بدأ الاتفاق الضمني مع السادات؟ وقال ان الحديث مع الاتفاق الضمني لايدخل ضمن البحث العلمي الجاد».
ولعل في أقوال التلمساني ومأمون الهضيبي الرد الكافي علي عصام العريان عند أي طالب للحق.
أما صالح عشماوي فيقول عن أول وزارة بعد الثورة والتي دخلها الباقوري واستقال من مكتب الإرشاد من أجل دخولها. «لقد فرحنا بهذه الوزارة، وهؤلاء الوزراء، لا لأننا نعرفهم ونريد أن نتغني بمحامدهم، وننشر صورهم علي الناس ونصفق لهم ولكننا فرحنا لأنهم وزراء ثورة أحدثوا وسيحدثون انقلابا في أفكار الناس وتقديراتهم ونظراتهم إلي المناصب وأصحابها» (201).
وفي جريدة لواء الإسلام (لسان حال الإخوان) كتب محمد عقل عن دخول الإخوان الحكومة في الأردن «مع بداية العام الميلادي الجديد يكون «الإخوان المسلمون» قد بدأوا سياستهم العامة بنقلة نوعية في مجال إصلاح الحكم، وذلك عن طريق دخولهم حكومة السيد مضر بدران رئيس وزراء الأردن بخمس حقائب وزارية لأول مرة في تاريخ حركة «الإخوان المسلمون».
ويقول أيضا «إن هذا التطور في الموقف «الإخواني» بشأن المشاركة في أنظمة الحكم القائمة ليدل علي إنهم ينتهجون طريقا تعاونيا مع الحكومات التي لاتناصب الحركة الإسلامية العداء بشكل سافر ولاسيما وإن هذه الحكومة قد استجابت إلي اثني عشر مطلبا ومنها أن تجعل التشريع الأردني يتجه نحو الشريعة الإسلامية».
ويقول أيضا:«واستطاعوا أي الإخوان تكوين ائتلاف اسلامي ضم الكتلة الإسلامية المستقلة وبعض الاتجاهات القومية الإسلامية بحيث كونوا أكثرية محترمة التي أوصلت د. عبداللطيف عربيات إلي رئاسة مجلس النواب الأردني، وبذلك يكون الإخوان المسلمون في الأردن قد استلموا رئاسة السلطة التشريعية.
لقد أقرت جماعة «الإخوان» مبدأ المشاركة في الحكم بعد مداولات مستفيضة»
ويقول أيضا «ان رأي الإخوان قد استقر علي المشاركة في حكومة السيد مضر بدران الذي استجاب في تنفيذ أكثر مطالب نواب الإخوان والوعد القاطع باستمرار العمل نحو تطبيق الشريعة الإسلامية» (202).
وفي نفس الصفحة يؤيدهم أبو النصر ببرقية علي هذا الاتجاه التعاوني مع الملك حسين ورئيس وزرائه يقول فيها:«نبعث يتحياتنا إلي جميع الإخوة الإسلاميين الذين شاركوا كوزراء في حكومة معالي السيد مضر بدران».
يقول أيضا «ونذكرهم بأن أسلم طريق للإصلاح هو العمل نحو تطبيق الشريعة الإسلامية خاصة، وقد وعدكم السيد رئيس الوزراء وعدا قاطعا بالعمل نحو تطبيقها»
ويرد عليه محمد عبدالرحمن خليفة ببرقية يؤكد فيها إنهم يتعاونون مع الحكومة في وقت تحتاج الحكومة فيه لتعاونهم فيقول: «وقد لهجت الألسنة بالدعاء لكم مع وافر الشكر وجزيل الامتنان لله تعالي علي ماأنعم وتفضل من تأييد الأمة لخطنا السياسي الإسلامي وحاجة الحكومة لهذا التأييد بالمشاركة الفعالة التي سعت إلي إخواننا بقبول جميع طلباتهم الإصلاحية المتوجهة نحو تطبيق الشريعة الإسلامية ماوسعتهم الظروف الملائمة» (203).
وبعد هذه الجولة المضنية في هذا الطوفان الذي أتي علي حركة الإخوان لن أزيد في هذا الفصل شيئا إلا قولة حق انطلقت من بقية الخير من الإخوان وماأشبههم بالنبض المكدود في جسد المريض المشرف علي الهلاك.
صوت لايستطيع الإخوان أن ينكروه أو أن يتهموه أو يشوهوه إنه صوت من ذلك البيت الطاهر المؤمن الثابت بيت آل قطب علي شهداءهم رحمة الله.
صوت المؤمنة التقية النقية الصابرة المحتسبة السيدة الجليلة / أمينة قطب في قصيدتها الحزينة التي أهدتها إلي روح شقيقها المستشهد تحت لواء «لا إله إلا الله» الأستاذ / سيد قطب في «ذكراه» نختار منها هذه الأبيات - والقصيـدة بأكملها قد أثبتناها في مقدمة الكتاب - تقول السيدة الفاضلـة للأخ الشهيـد: -
«أخي إنه لحديــث يطـــــــول وفيه الأســــي وعميق الشـجـون
رأيت تبدل خـــــط الحــــداة بما نالهـم من عنــاء السنـيــــن
فمالوا إلى هــدنة المســـــتكيـن ومدوا الجســـور مـع المجرمـــين

رأوا أن ذلـك عيــن الصــــواب ومادونه عقبـات الطريـــــــق
بتلك المشــورة مـال السفيــــن تأرجـــح في سيره كالغريـــــق
وفي لجة اليّــــم تيه يطـــــول وظلمة ليــل طويل عميــــــق

حزنـــت لما قد أصـاب المســيـر وما يملك القلـــب غير الدعــــاء
بأن ينقذ اللـــه تلك السـفيـــن ويحمـــــي ربـانهــا من بـلاء
وأن يـــحذروا من ضـلال المسيــر ومما يدبـــر طي الخفـــــــاء


ترى هل يعــودون أم انهــــــم يظنون ذلك خــط النجـــــاح؟
وفي وهمــهــم ان مد الجســــور سيمضي بآمالهم للفــــــــلاح
وينسـون ان طريــق الكفـــــاح بـه الصدق والفوز رغم الجراح»(204).
ونحن ننادي مع السيدة الفاضلة: تري هل يعودون أم انهم.....؟؟
وصدق الله العظيم: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم»
19 - موقف الإخوان من الضباط الأحرار:
تعد علاقة الإخوان بالضباط الأحرار علاقة متشابكة مليئة بالدروس المريرة التي يجب أن يدركها المسلمون ولما كان الموضوع يحتاج في علاجه إلي بحث مستقل ولما كان هذا البحث لايسمح إلا بمرور سريع بهذه العلاقة فسوف نذكر تحت هذا العنوان بعضا من الحقائق التاريخية التي يستفاد منها دروساً خطيرة.
1 - بدأت معرفة جمال عبدالناصر بالإخوان في أكتوبر عام 1942 كما يحدد عبذالمنعم عبدالرؤوف الـذي دعا جمال عبدالناصر إلي الإخوان وأن عبدالمنعم وجمال عبدالناصر وخمسة آخرين هم كمال الدين حسين، وسعد حسن توفيق، وخالد محي الدين وحسين حمودة، وصلاح الدين خليفة قد بايعوا الإخوان علي السمع والطاعة في أوائل عام 1946 في منزل في حي الصلبية بجوار سبيل أم عباس.(205).
وسوف نري أن العلاقة بين الإخوان والضباط الأحرار بعد ذلك كان شعارها التساهل في المباديء من أجل المكاسب.... فلا هي أبقت علي المباديء ولاهي جنت المكاسب.
وهذه الحقيقة التي ذكرناها تواترت عليها روايات الإخوان مثل الصباغ وأحمد عادل وصلاح شادي بل وعبدالناصر نفسه. (206)
2 - يري الباحث الأخ أسامة حميد في كتابه (موجزتاريخ الحقبة العلمانية في مصر) أنه: «في البداية دار جدل بين حسن البنا ومحمود لبيب (وربما اشترك في النقاش آخرون) حول ما اذا كان ينبغي الاهتمام بغرس القيم الإسلامية في نفوس الأعضاء أم يكتفي بتجميع العناصر الوطنية المتحمسة ثم يأتي تحويلهم إلي الإسلام في مرحلة لاحقة - وفي النهاية انتصرت وجهة النظر الأخيرة - وهكذا كان كثير من أعضاء التنظيم لايحملون الفكر الإسلامي - وكانت كل أفكارهم لاتعدو بعض التصورات السطحية الهلامية» (207).
وهذا القول يؤكده سير الحوادث وسيرة هؤلاء الضباط بعد ذلك بل ومادونوه هم أنفسهم في مذاكراتهم (208).
ويري أيضا الأخ أسامة حميد أن محمود لبيب كان متساهلا في بعض أفكاره ولم يكن يري تعارضا بين الوطنية المصرية وبين الإسلام وان روايته «حماة السلوم» يتضح منها انه بالإضافة لقبوله لفكرة الوطنية كان يحترم أشياء غريبة مثل مايسمي بالانضباط العسكري والشرف العسكري... الخ (209)
ونتيجة لهذا التساهل ترك محمود لبيب قيادة التنظيم وأسراره لجمال عبدالناصر بعد وفاته (210)
3 - وفي أواخر عام 1949 بدأ جمال عبدالناصر يصرح لزملائه أمثال عبدالمنعم عبدالرؤوف وحسين حمودة وعبدالرحمن السندي أنه لايستطيع الالتزام بمنهج الإخوان المتزمت وسوف يضم ضباطا غير ملتزمين بل وذهب جمال فيما رواه أحمد عادل إلي أنه لايضر التنظيم أن ينضم إليه ضابط وطني من غير دين الإسلام وبعد وفاة محمود لبيب وحسن البنا انقطعت صلة التنظيم بالإخوان يروي أحمد عادل أن السندي قد عرض الأمر علي الهضيبي الذي سلم بالأمر الواقع فأجابه جمال بأنه سوف يستمر صديقا للإخوان (211).
إلا أن فريد عبدالخالق يرجع بداية هذا الانسلاخ إلي عام 1946 وينقل عن كمال الدين حسين اعتراضه علي هذا الأسلوب وهؤلاء الضباط كما ورد في كتاب الصامتون يتكلمون. «إن هؤلاء كانوا أول من أساء إلي الثورة بعد قيامها بتصرفاتهم وتحقيق المكاسب المادية لأنفسهم وتكوين الثروات من المال الحرام»، وأما عن أهداف التنظيم فيقول كمال الدين حسين: «إن أهداف تنظيم الضباط الأحرار كانت العمل علي تطبيق الإسلام، ولانعلم له هدفا غير ذلك»، ويقول في خطابه الذي دونه لعبدالحكيم عامر: «إن حركة الضباط الأحرار منذ دخلها سنة 1944 م لايعرف لها هدف سوي الحكم بكتاب الله، وأنهم جميعا:عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، وعبدالمنعم عبدالرؤوف قد بايعوا محمود لبيب والمرشد والسندي: وأن الحركة قد انتكست عندما أضاف إليها عبدالناصر ضباطا من غرز الحشيش والخمارات منذ سنة 1948» (212)
وإن جمال عبدالناصر كان يجمع هذا الغثاء في جلسات لتحضير الأرواح لكي (يختبرهم علي حد تبريره) (213).
بل ويذكر عبدالمنعم عبدالرؤوف أنه قبيل اغتيال حسن البنا بأسابيع دعي إلي بيت يوسف رشاد الطبيب الخاص بالملك وكان حاضرا معهم عدد من الضباط منهم أنور السادات وفي هذا اللقاء أثني يوسف رشاد علي الملك وتكلم عن ضرورة التخلص من مصطفي النحاس لأنه عميل انكليزي ومن حسن البنا لخطورته علي الملك وعلي أمن البلاد وأن الحاضرين أمنوا علي حديثه وأبلغ عبدالمنعم محمود لبيب بما حدث وبعد أسابيع اغتيل حسن البنا في 12/2/1949 وقبل ذلك كانت قد انفجرت عبوة ناسفة عند بيت النحاس في 30/4/1948 ومن ذلك عرف عبدالمنعم من هم المدبرون لهذه الأحداث (214).
4 - وبسبب حرب فلسطين فقد تفكك الهيكل التنظيمي للضباط (الذي كانت عوامل تفككه موجودة في الأصل) - وبعد انتهاء الحرب - وفي مطلع 1950 تشكل تنظيم «الضباط الأحرار» من جديد - وكانت لجنته التأسيسية هذه المرة مكونة من خمسة إشخاص: عبدالناصر - كمال الدين حسين - عبدالمنعم عبدالرؤوف - حسن إبراهيم - خالد محي الدين - ولم يكن علي صلة تنظيمية بالإخوان سوي عبدالمنعم وان بقيت لكمال الدين حسين صلات بالإخوان (ولكن بصورة غير تنظيمية) - وبعد عدة شهور ضم خمسة آخرون للجنة التأسيسية: صلاح وجمال سالم - عبداللطيف بغدادي - عبدالحكيم عامر - السادات. وهكذا أصبح التنظيم علي صلة بالإخوان (عبدالمنعم عبدالرؤوف) وبالشيوعيين (خالد محي الدين) وبالملك (السادات) (215).
ورغم ذلك فقد بقي الإخوان علي صلة بهذا التنظيم وظلوا أصدقائه ولقد ذكرنا من قبل عند الكلام علي صلة البنا بالملك أن حسن البنا قد وسط السادات لدي يوسف رشاد ليدبر لقاءاً بينه وبين الملك، إذن فالصلة المشبوهة للسادات بالحرس الحديدي لم تكن خافية علي الإخوان.
5 - وكان طبيعيا ألا يكون لهذا الخليط فكر محدد: وبسبب الافتقاد الي فكر فقد كان طبيعيا ألا يتم تحديد العدو وبدقة - ورغم أن مقر الحركة الصهيونية كان قد انتقل الي أمريكا بعد 1945 ورغم دور أمريكا الواضح في حرب 1948 فلم يكن الضباط (باستثناء الإسلاميين) يكرهون أمريكا - ولذلك لم يجد الضباط حرجا في الاتصال برجال المخابرات الأمريكية - وان حمروش يحاول تبرير ذلك (ج 1 ص 182 - 188) بقوله «والمقطوع به أن الامريكيين قد وجدوا في التنظيم السري لحركة الضباط الأحرار بعض مايحقق لهم أهدافهم في المنطقة ولكنهم لم يستطيعوا أبدا أن يكونوا مسيطرين عليه».
(ولماذا يرهقون أنفسهم بالسيطرة عليه مادام يحقق أهدافهم؟). (216)
6 - ورغم:
أ - ان التنظيم بلا فكر محدد.
ب - وأنه يضم شيوعييـن.
ج - وأنه يضم أفراد علي صلة قوية بالحرس الحديدي للملك الذي شارك في اغتيال حسن البنا باعتراف عبدالمنعم عبدالرؤوف.
د - ورغم ان جمال عبدالناصر قد نكث بيعته معهم وانقلب عليهم.
هـ - ورغم ان التنظيم يضم ضباطا جمعوا من الخمارات وغرز الحشيش.
و - ورغم إحساسهم بأنه علي صلة بالمخابرات الأمريكية.
رغم ذلك كله فقد استمر الإخوان علي صلة به بواسطة عبدالمنعم عبدالمرؤوف الذي كان عضوا في اللجنة التأسيسية.
ووافقوا علي التعاون معه في القيام بالثورة وتفاوضوا معه ويلخص فريد عبدالخالق هذا بقوله:
«دور الإخوان في حركة 23 يوليو.
(أ) حدد عبدالناصر في لقائه مع المجموعة التي كلفت من المرشد بالاتصال به، الغاية من الانقلاب في ثلاثة أمور:
1 - إصلاح النظام السياسي بإرساء قواعد حكم نيابي سليــم.
2 - تطهير الجيش وأجهزة الدولة من عملاء الملك وعناصر الفساد.
3 - إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل.
وكانت وجهة نظر المجموعة الإخوانية تتلخص في أن مباديء الإسلام هي الأساس الوحيد الصالح لحكم مصر ولعلاج الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأقر عبدالناصر ذلك وأكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغيير المنشود، وأن هدفه الإسلام، إلا أنه قال: إن المصلحة عدم المجاهرة بذلك في باديء الأمر، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا حتي لايحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها.
(ب) تمت مناقشة الأمور المترتبة علي قيام الانقلاب: وعرضوا للأحزاب السياسية القائمة وعدم صلاحها لتولي الحكم خلا الحزب الوطني ولكنه استبعد لضعف تكوينه.
وأوضح عبدالناصر أن موضوع لمن يسند الحكم لايخرج عن ثلاثة احتمالات عرضها بدهاء ووصل بها إلي مايريد:
الإخوان أو الجيش أو شخصية مستقلة. وخلصت المناقشة إلي استبعاد الإخوان لئلا ينكشف الاتجاه الإسلامي للحركة من باديء الأمر تفاديا لردود الأفعال الدولية. وكذلك استبعد العسكريون لأن التجارب دلت علي أن تدخلهم في السياسة وتوليهم الحكم يؤدي إلي انحرافهم وإلي الطغيان الشديد وتجاوز الأهداف التي قاموا من أجلها وقد تولي مهاجمة تولي العسكريين أحد الإخوان وقد لاحظ الإخوان وجوم عبدالناصر الشديد لوجهة النظر هذه، واتفق علي اختيار «علي ماهر» رئيسا للحكومة.
(ج) الاتفاق علي أن يتولي الإخوان مسئولية حماية الانقلاب من جانبه الشعبي ويتولي الضباط الأحرار الجانب العسكري، والمصلحة هنا كلها له، وقد راغ من المجاهرة بالهدف الذي أقره باسم مصلحة الحركة والهدف نفسه من البداية، ياله من ثعلب ماكر!.
(د) أما عن احتمالات التدخل الأجنبي:
اتجه التفكير إلي أمريكا وإنجلترا واحتمال تدخلهما، وقال عبدالناصر في هذا الموضوع «إن أمريكا لن تقف في صف الملك إذا حدث الانقلاب، بل إنها تؤيد أي ثورة أو انقلاب يطيح به» وقد فهم الإخوان أنه يبني رأيه علي أساس معلومات مؤكدة ومع ذلك لم يغن الإخوان فهمهم وسقط القناع سدي» (217).
ولنا هنا وقفة نورد فيها شهادة الصحافي مصطفي أمين أحد رجال جمال عبدالناصر وأحد وسطائه في التعامل مع المخابرات الأمريكية أو علي وجه الدقة العميل المزدوج الذي لم يكن يجد في ذلك حرجا طالما أن سيده جمال عبدالناصر كان يعلم ويستفيد بل ويتفوق عليه في نفس الدور وراوي هذه الشهادة لايمكن اتهامه بالكيد لعبدالناصر بل هو رجله الوفي الذي صعد علي أكتافه ولازال يرفل في الثروة من بيع الكتب عن علاقاته بعبدالناصر ومعلوماته عن عبدالناصر ذلك الراوي الأمين علي سمعة سيده هو محمد حسنين هيكل العميل المزدوج أيضا للمخابرات المركزية الأمريكية باعتراف الجميع بما فيهم الشاهد مصطفي أمين نفسه في هذه الشهادة وهذه الشهادة كما يحكي هيكل سلمها له عبدالناصر في ملف يتضمن اعترافات مصطفي أمين في المخابرات العامة علي يد صلاح نصر الأمين علي أمن عبدالناصر، وسلمها عبدالناصر إلي هيكل الأمين علي سمعة عبدالناصر.
فماذا يقول مصطفي أمين في هذه الشهادة التي استغرقت ستين صفحة ننقل منها هذه الفقرة:
«وعرفني كافري بمستر ليتلاند وليكلاند.... وعندما قامت الثورة ابلغني ليتلاند أنه في ليلة قيامها ايقظ السفير البريطاني في واشنطن مستر دين وزير الخارجية من النوم وابلغه أن ثورة شيوعية قامت في مصر وأن الحكومة البريطانية قررت التدخل العسكري فورا وتحرك الجيش البريطاني من فايد لقمع الثورة وقال لي ليتلاند ان دين اتشيسون طلب مهلة للتشاور وأنه أبرق إلي كافري يسأله رأيه وأن ليتلاند هو الذي أعد البرقية العنيفة التي علي أثرها أبدت أمريكا إعتراضها علي التدخل العسكري البريطاني في مصر» (محمد حسنين هيكل بين الصحافة والسياسة ص 188، وجريدة العرب اللندنية 17 يناير 1984، ومحمد جلال كشك: كلمتي للمغفلين - الطبعة الثانية 1985 ص 130).
ولن ندخل في تفاصيل العلاقة الخطيرة بين الثورة والمخابرات المركزية الأمريكية فلذلك مجال آخر.
ولكن نؤكد هنا فقط: أنه برغم كشف عبدالناصر لمفاوضيه من الإخوان عن ضمانات أمريكا له وأنهم كما يقول فريد عبدالخالق فهموا «أنه يبني رأيه علي أساس معلومات مؤكدة» ورغم تحسر فريد عبدالخالق في قوله:«ومع ذلك لم يغن الإخوان فهمهم وسقط القناع سدي» كما نقلنا.
ورغم ماذكرناه عن التركيبة المريبة للضباط الأحرار.
ورغم ان الثقل الصهيوني قد انتقل لأمريكا.
ورغم ان مباديء الثورة الستة لم تتضمن كلمة واحدة عن فلسطين رغم كل ذلك الذي علمناه والذي علمه الإخوان المشهورون بالاطلاع علي بواطن الأمور.
رغم كل ذلك (بل وربما من أجل ذلك لأنهم علموا أن الملك قد انتهت أيامه) اتفقوا مع عبدالناصر واستمروا في تأييده كما سنوضح.
ولعل هذه الحقائق تعطي بعض الاجابة علي هذا السؤال: لماذا شارك الإخوان في الثورة ضد الملك رغم أنهم دائما يقفون مع النظام الحاكم ولايعادون إلا المحتل الأجنبي؟؟؟ لماذا خرج الإخوان علي قاعدتهم هذه التي استمرت منذ الملك فؤاد حتي حسني مبارك الذي يؤيدونه وينتخبونه رئيساً للجمهورية ويصفون العلاقة بينهم وبينه أنها علاقة حب يزيد وينقص كما سنري ويعلنون عدائهم لإسرائيل فقط كما نقلنا من كلام صلاح شادي في الفقرة (17) من هذا الفصل.
لماذا خرج الإخوان علي هذه القاعدة وتحالفوا ضد فاروق مع الضباط الأحرار؟ ومالفارق بين فاروق والضباط الأحرار والسادات ومبارك؟؟؟.
اعتقد ان من حقنا أن نقول:
أ - إن الإخوان يخرجون علي الحاكم ويسقطون شرعيته ليس لخروجه عن الشرع ولكن إذا وجدوا ان فرصة نجاح الخارجين راجحة وان القوي العظمي تؤيدهم.
ب - إن الإخوان لايتحرجون من الانتقال من النقيض للنقيض فهذا هو الهضيبي الذي يهرول إلي سجل تشريفات قصر عابدين ثم إلي لقاء الملك في أول شهر من توليه منصب المرشد العام (راجع الفقرتين،11 12 من هذا الفصل)، ثم يتوجه بعد ذلك مرتين ليسجل ولاءه للملك في سجل التشريفات في 16/1/1952 وفي 25/5/1952 (راجع الفقرة 1 من الفصل الأول) - أي قبل أقل من شهرين من قيام الثورة - لايجد أي حرج في أن يرسل رجاله ليتفاوضوا مع جمال عبدالناصر لقلب نظام فاروق.
ج - إن الإخوان كانوا يعرفون تركيبة الضباط الأحرار فجمال عبدالناصر اختلف مع الإخوان لأنهم متزمتون ولامانع عنده من أن يضم أي ضابط وطني لتنظيمه ولو كان من غير دين الإسلام كما نقلنا عن أحمد عادل كمال كما أن التنظيم كان يضم شيوعيين وعملاء للملك وعلي صلة بالمخابرات الأمريكية كما بينا.
وهذه التركيبة لايمكن أن تقيم حكومة إسلامية بأي حال ومع ذلك عقد الإخوان معهم صفقة علي تأييدهم رغم مناورة عبدالناصر بأنه لابد من أخذ الأمر تدريجياً وعدم المجاهرة بالصبغة الإسلامية من أول يوم.
7 - ولذلك لم يكن غريبا أن يتنصل جمال عبدالناصر من الاتفاق ولكن الغريب ان هذا التنصل جاء بعد خمسة أيام من نجاح الانقلاب في أول لقاء له مع المرشد كما يروي صالح أبو رقيق: «وعندما وصلنا... ودخل عبدالناصر وصافح المرشد فوجئت به يقول للمرشد: «قد يقال لك إن احنا اتفقنا علي شيء... إحنا لم نتفق علي شيء».
وكانت مفاجأة... فقد كان اتفاقنا أن تكون الحركة إسلامية ولإقامة شرع الله.. واستمرت المقابلة في مناقشات أنهاها المرشد بقوله لجمال عبدالناصر: «اسمع ياجمال.... ماحصلش اتفاق... وسنعتبركم حركة إصلاحية... إن إحسنتم فأنتم تحسنون للبلد... وإن أخطأتم فسنوجه لكم النصيحة بما يرضي الله» وانصرف جمال. وقال لنا المرشد وكأنه كان يستطلع الغيب: «الرجل ده مافهش خير. ويجب الاحتراس منه». (218).
ويذكر فريد عبدالخالق رواية قريبة من تلك ولكنه يقول ان تاريخ اللقاء كان في 30 يوليو 1952 ويصفه بأنه «أول شعور بخيبة الأمل» (219)
8 - ومع كل هذا ومع أن الثورة لم تخط أي خطوة جادة نحو التحول الإسلامي بل ولم يكن لها أي فكر محدد إلا مجموعة من الشعارات التهريجية فقد استمر الإخوان في تأييدها وخداع الناس وخداع أنفسهم ان هذه هي حركتهم وسوف نضرب بعض الأمثلة فقط لهذا الطوفان من التأييد.
أ - صدر عدد كامل من الدعوة بتاريخ 17 محرم 1372، 7/10/1952 عن حركة الجيش وعلي صفحته الأولي صورة محمد نجيب بمساحة الصفحة كلها.(220).

أبو عبد
04-11-2004, 07:04 PM
ب - بعد الثورة بأشهر في أوائل سبتمبر 1952 عرض جمال عبدالناصر علي الإخوان دخول الوزارة ولكن مكتب الإرشاد رفض وفي هذا يذكر محمود عبدالحليم نقلا عن صلاح شادي «وذهبنا إلي المرشد... واجتمع مكتب الإرشاد واتخذوا قراراً بعدم الاشتراك في الوزارة بعد مناقشات طويلة... فقد رأي البعض أن اشتراكنا في الوزارة سيجعلنا مبصرين بكل الخطوات التي تقوم بها الحكومة... ولكن المرشد كان له رأي آخر وهو أنه: لو حدثت أخطاء من الحكومة فإنها ستلقي علي الإخوان فضلا عن أن رسالة الإخوان كما كان يراها المكتب في تلك الآونه هي عدم الزج بأنفسهم في الحكم.»
فاتصل الضباط بالباقوري واستمالوه لجانبهم فقبل الوزارة فضغط عليه الهضيبي ليستقيل من الإخوان «وأعلن ذلك في الصحف، فقد جاء في «أخبار اليوم» في 13/9/1952 مانصه: «اتصل الأستاذ حسن الهضيبي رئيس جماعة الإخوان المسلمين بجميع الصحف ليلة تأليف وزارة محمد نجيب، وطلب إليها أن تنشر علي لسانه أن الأستاذ أحمد حسن الباقوري قد استقال من الإخوان قبل قبوله المنصب الوزاري.».
وفي الصباح التالي توجه المرشد إليه في مكتبه بوزارة الأوقاف مهنئاً له.فقال له الباقوري: اعذرني يامولاي.... إنها شهوة نفس.
فرد المرشد تمتع بها كما تشاء.... اشبع بها». (221).
ولكن لعمر التلمساني رواية أخري انهم لم يرفضوا مبدأ دخول الوزارة ولكن الخلاف كان علي الأسماء حيث يقول «لقد أقر فضيلة المرشد «حسن الهضيبي» هذا الانقلاب أو التغيير، لأن الاخوة الذين كانوا علي صلة بجمال عبدالناصر، كانوا يتصلون بعلم فضيلته وإشارته وتوجيهه والدليل علي ذلك أن جمال عبدالناصر لما طلب من فضيلته ترشيح عدد من الإخوان ليدخلوا الوزارة، رشح الشهيد عبدالقادر عودة، فقالوا إنهم لاينسجمون معه، فرشح لهم الأستاذ منير دلة. فقالوا إنه لم يصل بعد إلي درجة مستشار، فرشح لهم المرحوم الأستاذ العشماوي فقالوا إنه صغير السن، فترك لهم حرية الاختيار، فاختاروا الأستاذ الباقوري فقبل دون أن يستأذن المرشد أو مكتب الإرشاد، وبعد أن استنفذوا غرضهم من تعيينه قالوا فيه ما قالوا» (222).
ويقول في مجلة المصور ردا علي سؤال «المصور: الذي نعرف ان قيادات الإخوان المسلمين قدمت للرئيس قائمة بعدد من شخصيات الإخوان أرادوا اشراكها في الحكم وأصروا علي هذه الشخصيات بذاتها؟
التلمساني: لم نقدم قائمة. لكن طلبنا ان يشترك بعض الإخوان المسلمين في الوزارة. وقدم الأستاذ الهضيبي بعض الأسماء. وقد اعترض عبدالناصر علي أحد المتقدمين وقال إنه صغير السن وهو حسن عشماوي رحمه الله كما اعترض علي عبدالقادر عودة. أما أحمد الباقوري فقد دخل الوزارة علي مسئوليته» (223).
وأيا كان الذي حدث فإن اعتراض الإخوان لم يكن علي مبدأ الاشتراك في الوزارة وإنما كان اعتراضهم علي حساب المكاسب والخسائر السياسية فعلي الرواية الأولي لم يريدوا أن يتحملوا تبعة النقد الموجه للحكومة الجديدة وعلي الرواية الثانية اختلفوا علي الأسماء والقضية كلها متناقضة: فلماذا طرد الباقوري ولماذا ذهبوا في الصباح يهنئونه وإذا كانت الحكومة الجديدة إسلامية فلماذا رفضوا مشاركتها وإذا لم تكن حكومة مسلمة فلماذا يؤيدنها؟؟؟؟.
بل إن الأمر أشد من ذلك فلربما يعجب القاريء الكريم إذا علم أن الهيئة التأسيسية انقسمت بعد لقاء 28 يوليو بين المرشد وجمال عبدالناصر إلي ثلاثة أقسام قسم يظن ان مايخبرهم به الهضيبي مبالغ فيه ومستبعد وطلبوا مهلة للتحقق من الأمر وقسم دفعتهم صداقتهم الشخصية بجمال عبدالناصر إلي الدفاع عنه بحكم الصداقة وقسم صدق ماقاله المرشد.
حتي أصبحت جلسات الهيئة التأسيسية صراعا بين تيارين تيار يذهب لجمال ويواجهه بما قال المرشد فينكر جمال ويقول هذا كذب وانا سأحكم بالقرآن ولكن حين يأتي الظرف المناسب فيعود أصحاب هذا التيار ليطالبوا بتأييد جمال تأييداً مطلقاً لأنه كما يقولون «أخ لنا» وتيار يحذر من مغبة التأييد المطلق مقتنعاً برأي المرشد والاعجب ياأخي القاري لو علمت من كان علي رأس التيار المؤيد لجمال الذي يعتبره أخا له إنه فقيه الجماعة ووكيلها وشهيدها فيما بعد علي يد جمال وعصابته الأستاذ / عبدالقادر عودة حتي لقد أفرد مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم له فصلا كاملا في كتابه عن الإخوان بعنوان «مواقف محرجة عبدالقادر عودة» (224).
إذا علمت هذا ياأخي القاري لعلمت أي خبط وارتباك في الأفكار والموازين كانت تحويه جماعة الإخوان وانه ليس هناك أي مقاييس أو ثوابت شرعية تقاس بها الأمور وانما المسائل عواطف وأهواء ومتابعات ومصالح وآمال.
فماذا قدم عبدالناصر من أدلة علي التزامه حتي يتخبط فيه الإخوان ثم أليس هو صاحب التنظيم المخلط الذي بيَّنا سوءاته باختصار من قبل ثم أليس في تنظيمه أنور السادات وماأدراك ماأنور السادات، أنور السادات رجل الحرس الحديدي للملك وصديق يوسف رشاد وقد ذكرنا أحد لقاءاته وآراءه من قبل.
ويشاء القدر أن يكون أنور السادات هذا وحسين الشافعي وجمال سالم هم أعضاء المحكمة التي حكمت علي عبدالقادر عودة وخمسة من رفاقه بالاعدام.
أنور السادات وحسين الشافعي هما الوحيدان اللذان بقيا من مجلس قيادة الثورة نائبين لجمال عبدالناصر حتي هلك لإنهما لايعارضان ولايعترضان، أنور السادات رجل إسرائيل الأول، الذي رفع علمها في القاهرة، ثم يأتي أنور السادات هذا فيتصالح الإخوان معه في رئاسته للجمهورية ويذكرونه بالخير كما سنري وينسون دم أخيهم عبدالقادر عودة، كما نسوا من قبل دم شيخهم حينما ذهبوا إلي قصر عابدين ليسجلوا ولاءهم في سجل التشريفات لدي قاتله بعد تشكيل مكتب الإرشاد الجديد.
وكما نسوا من بعد دم كمال السنانيري الذي يعلمون جيدا كيف قتله حسن أبو باشا و ذهبوا يستنكرون العدوان عليه ويصفون فاعله بأنه مجرم يستحق أقصي العقاب بل وكما ذكرنا أدعوا إنها مؤامرة صهيونية شيوعية ماسونية كما أوردنا وذهبوا يبايعون حسني مبارك الذي قتل السنانيري في عهده كما سنري.
إذا علمت هذا ياأخي علمت مدي الفقر العقائدي والشرعي في هذه الجماعة وعلمت ان الفتن التي وقعت بهم انما هي نتيجة طبيعية وسنة قدرية لازمة «فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم»
وهذه المآسي التي نقصها عليك أخي الكريم لاتزال تتكرر دون أن يعي المسلمون الدرس ودون أن يعوا أن التعاون مع المشبوهين والتأييد العاطفي للذين لايبدون التزاما حقيقيا بالإسلام والذين يقولون سنحكم بالقرآن ولكن عند الظرف المناسب هذا التأييد الذي لايستند علي أدلة وثوابت شرعية أدي ويؤدي وسيؤدي إلي خسارة الدنيا والدين.
«فستذكرون ماأقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد».
ونفس هذا الموقف المتناقض من الوزارة وقفوه من عرض جمال عبدالناصر عليهم ان يدخلوا هيئة التحرير وان يتولوا قيادتها فرفضوا الأمر لأسباب سياسية وقالوا نحن نتولي التربية الإسلامية ونؤيدك وتتولي أنت الهيئة السياسية كما يحكي مؤرخهم محمود عبدالحليم عنهم لا كما نحكي نحن.
«يقول صلاح شادي: في أحد الأيام في أوائل عام 1953 اتصل بي جمال عبدالناصر وقال لي: ياصلاح... أنا باعت لك إبراهيم الطحاوي وسيحدثك في موضوع هام وعايز رأيك ورأي جماعة الإخوان فيه.
وفعلا جاءني إبراهيم الطحاوي وقال لي: إن الرئيس عبدالناصر يريد من جماعة الإخوان أن تنصهر داخل هيئة التحرير ويصبحا تنظيما واحدا.
وقلت له: مش ممكن... إن معني هذا القضاء علي جماعة الإخوان... وهيئة التحرير ماهي إلا حزب سياسي ونحن جماعة دينية.
وفوجئت به يقول لي: ماهو الرئيس عايزك تمسك هيئة التحرير.
وأجبته: إنني لاأبحث عن مصلحة شخصية... لكن من الخطأ أن تطلب منا ذلك..
وانصرف إبراهيم الطحاوي... وبطبيعة الحال أبلغ الرسالة إلي عبدالناصر الذي طلب أن ينعقد جلسة عمل في منزل عبدالقادر حلمي... المنزل الذي شهد كثيرا من الاجتماعات.
وحضر جمال عبدالناصر ومعه عبداللطيف البغدادي وكمال الدين حسين والمرحوم عبدالحكيم عامر وأحمد أنور الذي كان وقتئذ قائدا للبوليس الحربي... وكان يحضر هذا اللقاء من الإخوان أنا وصالح أبو رقيق وفريد عبدالخالق وبطبيعة الحال عبدالقادر حلمي الذي دعانا لتناول الغداء... وبعد أن انتهينا منه جلس عبدالناصر يتحدث عن هيئة التحرير وعن رغبته أن تنصهر داخلها جماعة الإخوان المسلمين لتكون تنظيما قويا.
ويرد صالح أبو رقيق ويقول: شوف ياجمال... الحكومة أياً كانت مادامت في الحكم وأرادت تكوين حزب فمصيره الفشل... سيولد الحزب ميتاً.. لأن الذين سينضمون إلي عضويته ويسارعون إليها هم أعداؤها قبل أنصارها وذلك خوفا منها.. وعندك تجربة إسماعيل صدقي في سنة 1930 خير دليل علي ذلك... فعندما تولي الحكم شكل حزب الشعب وزور الانتخابات ونجح مرشحوه... ولما خرج من الحكم انتهي حزب الشعب وتلاشي.
وجنح جمال وقال بخبث: أنتم عصاة.
فناداه فريد عبدالخالق أن يجلس إلي جواره علي أريكة في جانب غرفة الصالون ودار بين الاثنين حديث يرويه فريد ويقول: قلت له ياجمال إنني أري الجو ينذر بصدام ليس من مصلحة أحد في البلد أن يقع... وكنت بذلك أشير إلي رغبته في أن تنصهر جماعة الإخوان داخل هيئة التحرير وكذلك لعدة مواقف اعتبرناها عدائية، وكان مظاهرها حذف الرقابة جميع بيانات الجماعة وعدم نشرها في الصحف.
فأجابني: أعملكم إيه... ماانتم عصاه..
تعجبت لرده وقلت له مستنكراً.
عصاة... دي كلمة كبيرة ياجمال... عصاه ليه... هل نحن نقف موقفاً عدائيا من الأهداف الوطنية للثورة ومصلحة البلد... إننا نريد تحقيق الديمقراطية وعودة الحياة النيابية.
فأجابني بسرعة: ماأنتم كده بتحرجوني... طالبين انتخابات حرة... يعني عايزين النحاس باشا يرجع تاني وتعود نفس الأوضاع... أنا بأقول لكم ادخلوا هيئة التحرير وتولوا أنتم أمرها وتصبح هي مسرح نشاطكم...وأنتم بترفضوا...عايزين إيه أمال؟
فقلت له اسمع ياجمال... إحنا بنصارحك... الديمقراطية لابديل لها، وأنت يجب أن تكون عندك الثقة في أن الشعب سيتمسك بك ولن يرضي عنك بديلا... أما أن تتشكك في ذلك فهذا أمر غريب فعلا.... لماذا تتشكك؟... أما بالنسبة لدخولنا هيئة التحرير فليس هناك تعارض من أن تقود أنت التنظيم السياسي عن طريق هيئة التحرير ونبقي نحن دعاة للتربية الإسلامية - أما رأيك أن تندمج الجماعة مع هيئة التحرير فهذا بالضبط أشبه بمن يضع زيتا وماء في زجاجة ويحاول أن يمزجهما ببعض... مش ممكن أبدا يمتزجان... ومن الأفضل للإسلام وللبلد ولك أن نبقي بعيدين عن السياسة ومؤيدين لك كحركة إسلامية.... والتزام الحكمة وضبط النفس يمكن أن يكون جسرا لتعبر من فوقه الأزمة... وليس من هدفنا نهائيا أن ننافسك في الحكم فنحن لانريد الحكم... ولذلك لا أري أي سبب للتصادم وعدم تقبل النصيحة وخاصة أن المرشد قال لك عند بدء الخلاف بالحرف الواحد: «ياجمال عندما تشعر بضيق من الإخوان أبلغني وأنا أسلمك مفتاح المركز العام ونقفلها حتي لاتقع فتنة».0(225).فأي تخاذل واستسلام بعد هذا؟.
ج - وفي 29 /5/1953 أقام الإخوان حفلا بمناسبة ذكري غزوة بدر ألقيت فيها كلمة للمرشد جاء فيها «وإننا مع هذا نتابع جهودنا في ميدان الإصلاح الداخلي، متعاونين مع كل من يريد الإصلاح والخير لهذا الوطن، مؤيدين رجال العهد الحاضر في ذلك تأييد الكريم للكريم، لايألون عونا إن أصاب ولا نصحا خالصا إن أخطأ... معرضين عن كل مايحاوله أعداء الإصلاح في عهده الجديد من إيغار الصدور، وتفريق الصفوف... وموقفنا هذا مما يفرضه حق الأمة والوطن علي جماعة تدعو إلي الإصلاح، لاتبتغي من الناس جزاء ولاشكوراً». (226).
د - وفي 4/6/1953 تمت مقابلة بين المرشد العام ووكالة الاسوشيتد برس وكان مما جاء فيها:
«س - هل الإخوان المسلمون علي استعداد للتعاون مع الحكومة في أي إجراء تقرره لتحقيق الجلاء عن القناة مهما يكن هذا الإجراء؟.
ج - إن أحدا لايشك في ذلك - ولو لم تكن موقنين بأن صبر الحكومة الحالي وانتظارها في مصلحة مصر لسبقناها وخطونا الخطوات الضرورية التي يجب علي مصر اتخاذها بشأن هذا النضال بجميع الوسائل الممكنة ضد القوات البريطانية وعندما تقرر الحكومة أن الوقت قد آن للتحرك فستجد الإخوان المسلمين علي استعداد للتجاوب بكل الإجراءات والعمليات الضرورية لتحقيق آمال مصر وحقوقها» (227).
هـ - استجاب الإخوان لطلب عبدالناصر بحل الجهاز السري وتأييداً لهذا ينقل محمود عبدالحليم رأيا لفريد عبدالخالق حول محاولة اغتيال عبدالناصر يقول فيه: «لاشك أنها كانت محاولة وهمية لاغتيال عبدالناصر... فلم يكن أحد ابتداء من المرشد إلي أعضاء مكتب الإرشاد يفكر في اغتيال عبدالناصر.... بل إن المرشد هو الذي استجاب لنداء عبدالناصر بحل الجهاز السري عندما طلب منه ذلك وأعلن أن لا سرية في الدعوة... وعندما رفض عبدالرحمن السندي حل الجهاز عزله وعين يوسف طلعت بدلاً منه تمهيداً لتصفيته» (228).فأين حل الجهاز السري من رفع شعار (الجهاد سبيلنا)؟.
9 - مطالبة الإخوان للضباط بالحياة النيابية والديمقراطية وإصرارهم علي ذلك وجعلها القضية الرئيسية في الخلاف علي زعمهم. وكانوا يطالبون بحياة نيابية علي النمط الغربي كما سيتضح مما يلي:
أ - بعد أسبوع من قيام الثورة أصدر الإخوان برنامجهم الذي أسموه الإصلاح المنشود في العهد الجديد جاء فيه «ولما كان تصرف الحكام قد أهدر الدستور المصري نصا ومعني، وكان من طبيعة الثورات الناجحة أن تسقط الدساتير التي تحكم الأوضاع السابقة عليها، فإن الدستور المصري... يكون قد أصبح لاوجود له من ناحية الواقع ومن ناحية الفقه، مما يقتضني المسارعة إلي عقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، علي أساس أنه تعبير عن عقيدة الأمة وإرادتها ورغبتها، وسياج لحماية مصالحها - لأعلي أنه منحة من المـلك.
وسيترتب علي إعادة إصدار الدستور بطبيعة الحال اختفاء جميع نصوصه التي تصدر عن طبيعة كونه منحة، ويستمد مبادئه من مباديء الإسلام الرشيدة في كافة شئوون الحياة» (229)
ولايغرنك هذه الجملة الأخيرة للأتي: -
أولا - أن مباديء الإسلام الرشيدة تتناقض مع أن يكون الشعب هو المشرع وارادة الأمة هي الحاكمة كما بينا في نشراتنا وخاصة نشرتنا الأولي حيث بينا أن التشريع حق لله وحده.
ثانيا - أن الدستور المصري الحالي وهو دستور 1971 المعدل باستفتاء 1980 ينص في مادته الثانية علي «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»
فما طالبوا به من استمداد الدستور لمبادئه من مباديء الإسلام قد تحقق فلماذا يعارضون؟؟.
وقد بينا إن هذه المادة من قبيل الخداع لسببين رئيسيين:
أولهما: ذكرها المصدر الرئيسي وليس المصدر الوحيد.
ثانيهما: ذكرها لمباديء الشريعة وليس أحكام الشريعة.
وقد بينا فساد هذه الحيل في نشرتنا وخاصة الأولي والمسماة «بتحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت سنة ربانية لاتتبدل» والرابعة والمسماة «بكشف الزور والبهتان في حلف الكهنة والسلطان».
ب - والدليل علي انهم يعنون بهذه الحياة النيابية الحياة النيابية الغربية.
إن الاتفاق الذي تم بين المرشد ومجلس قيادة الثورة كان صريحا جدا في هذا ولم يذكر أي صلة لهذه الحياة النيابية بمباديء الإسلام أو غيرها من الحيل التي يراد بها إفساد عقيدة المسلمين وفي هذا يقول مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم «وقد بلغنا ونحن بالعامرية حيث كنا آخر من غادرها أنه تم الاتفاق علي أن يخرج المرشد العام وجميع المعتقلين، وأن يقوم جمال عبدالناصر - رداً لاعتبار الإخوان - في نفس اليوم بزيارة المرشد العام في منزله. علي أن يكون للإخوان أن يزاولوا نشاطهم كاملا وأن ترد إليهم ممتلكاتهم ودورهم وكل ماأخذ منهم. وأن يصدر مجلس الثورة بيانا يوضح فيه حقيقة الأسباب للحل علي أن يكون هذا البيان مسك الختام في هذه المعادلة.»
ويقول أيضا:«يوم 25 مارس هذا الذي أفرج فيه عن آخر دفعة من المعتقلين هو نفس اليوم الذي اجتمع فيه مجلس الثورة اجتماعا استمر خمس ساعات بحث خلالها الموقف الداخلي، وبعد انتهاء الاجتماع خرج الصاغ كمال الدين حسين إلي الصحفيين وأذاع عليهم القرار التاريخي وهذا نصه:

قرر مجلس الثورة بجلسته اليوم 25/3/1954:.
أولا - يسمح بقيام أحزاب.
ثانيا - المجلس لايؤلف حزبا.
ثالثا - لاحرمان من الحقوق السياسية حتي لايكون هناك تأثير علي الانتخابات.
رابعا - تنتخب الجمعية التأسيسية انتخابا حراً مباشراً بدون أن يعين أي فرد وتكوين لها السيادة الكاملة والسلطة الكاملة، وتكون لها سلطة البرلمان كاملة، وتكون الانتخابات حرة.
خامسا - حل مجلس الثورة في 24 يوليو المقبل باعتبار الثورة قد انتهت وتسلم البلاد لممثلي الأمة.
سادسا - تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها»
ويقول أيضا «وبعد أن نشرت الصحف هذه القرارات نشرت مايأتي: -
«تم الافراج أمس عن الأستاذ حسن الهضيبي من السجن الحربي كما أفرج عن باقي أعضاء جماعة الإخوان المعتقلين، وقد تم اتصال أمس بين المسئولين وبين السيد / حسن الهضيبي المرشد العام قبل الإفراج عنه بشأن عودة جماعة الإخوان إلي نشاطها السابق.
وقد تم الاتفاق معهم علي ثلاث نقاط:
أولا - أن تعود الجماعة إلي سابق نشاطها وكيانها بدون أي حد من حرياتها، وإعادة أموالها المصادرة وشعبها ومركزها العام.
ثانيا - الإفراج عن جميع الإخوان مدنيين أو عسكريين مع إعادة من فصل منهم إلي الخدمة العسكرية.
ثالثا - أن يصدر مجلس الثورة بيانا يوضح فيه حقيقة الأسباب التي اعتبرها داعية إلي حل الإخوان. ويكون هذا البيان بمثابة الختام في هذه المسألة المؤسفة.
وقد صرح السيد حسن الهضيبي للمسئولين بأن الإخوان سيكونون بعد عودتهم عونا للحكومة علي طرد الانكليز من منطقة قناة السويس ورد اعتداءاتهم الوحشية - وفي منتصف ليلة أمس توجه البكياشي جمال عبدالناصر إلي منزل الأستاذ الهضيبي حيث اجتمع به في منزله» (230).
فهل في هذا الاتفاق الذي تعهد فيه الهضيبي أن يكون عونا للحكومة أي ذكر للحكم بالشريعة أو حتي مباديء الشريعة؟؟.
ج - ويؤكد هذا المعني فريد عبدالخالق حيث يقول تحت عنوان مطالبة الإخوان بالحياة النيابية «إن خلافنا مع «جمال» وصحبه خلاف حول حق الأمة في أن تنال حرياتها وحقوقها الأساسية، وأن تحترم إرادتها، وأن تصان كرامتها وكرامة أفرادها، فهو خلاف حول مباديء ومصالح الوطن العليا، فحسب.»
ثم يورد أجزاءاً من الخطاب الذي أرسله الهضيبي لعبدالناصر في 4/5/1954 وفيه يقول: «وأن مصر لتحتاج إلي الاستقرار... وأن للاستقرار وسائل أحب أن أضع تحت نظركم منها مايلي:
1 - إعادة الحياة النيابية فهي الأساس السليم لكل حكم في العصر الحاضر....
2 - إلغاء الإجراءات الاستثنائية والأحكام العرفية...
3 - إطلاق الحريات.....» (231).
ح - ويؤكد هذا أيضا مانقلناه عن محمود عبدالحليم فيما يرويه عن فريد عبدالخالق انه قال لعبدالناصر أثناء مناقشة موضوع هيئة التحرير «اسمع ياجمال... احنا بنصارحك.... الديمقراطية لابديل لها»
د - وقد ذكرنا من قبل في الفقرة الرابعة من هذا الفصل (الفصل الثاني) أن الهضيبي صرح بأنه ليس لديه مانع من قيام حزب شيوعي، وهذا أيضا مانقله مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم عن حديث يوسف صديق في جريدة المصري ولم يعترض عليه بل أثني علي قائله وعلي صدقه وشجاعته. (232).
10 - قبول الإخوان لتوسط الضباط بينهم في الفتنة التي نشبت بينهم في نوفمبر 1953 وفيها اتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه يعمل مع الحكومة وليس في هذا مايعنينا إلا بقدر بيان تدهور وضع الجماعة الداخلي، أما قبول تدخل الضباط في الوساطة بينهم فهذه إحدي الدواهي، ففي مجلة الدعوة بتاريخ 1/12/1953 بيان باسم صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبدالعزيز جلال - وكان مكتب الإرشاد قد فصلهم - جاء فيه:«دعانا البكباشي جمال عبدالناصر إلي منزله فتوجه عن اللجنة الأستاذ صالح عشماوي ومعه الشيخ سيد سابق حيث وجدا البكباشي زكريا محي الدين وزير الداخلية والصاغ صلاح سالم وزير الارشاد القومي والشيخ محمد فرغلي مندوبا عن مكتب الإرشاد ثم بحث الموقف برمته في هذا الاجتماع واتفق علي تكوين لجنة للتحقيق مع الإخوان المفصولين وتحديد موقفهم وعلي تهدئة الخواطر في الاجتماع الذي انعقد بعد العصر وفي نفس الوقت اتصل بنا الاستاذ عبدالعزيز كامل وابلغنا أنه أفلح في اقناع أعضاء المكتب بالموافقة علي تكوين لجنة للتحقيق» (233)
وقد أصاب أحمد عادل كمال كبد الحقيقة حين قال: «وقد كان جمال عبدالناصر يتصل بطرفي الخلاف في الجماعة بدعوي إصلاح ذات البين، ولكنه كان يفسد ذات البين ويدبر لقرار حل الجماعة، والتخلص منها نهائيا» (234).
11 - وفي 26/10 وقع حادث المنشية: وعلي الفور صدر قرار حل الإخوان وتشكلت ماتسمي بمحكمة الشعب برئاسة جمال سالم وعضوية السادات وحسين الشافعي وأصدرت أحكاما ضد 867 من الإخوان (اضافة الي 254 حوكموا أمام محاكم عسكرية) وانتهت المحكمة أيضا إلي اعدام ستة، خمسة منهم من الاسلاميين (235).
ثم ظهر الأستاذ «الهضيبي» في الاسكندرية مستقلا القطار إلي القاهرة ومن بيته في الروضة بعث إلي «جمال عبدالناصر» بالخطاب التالي مكتوبا بخط يده:
[ «السيد جمال عبدالناصر
رئيس مجلس الوزراء
السلام عليكم ورحمة الله
أحمد الله اليكم، الله تعالي (كذلك في النص) وأصلي وأسلم علي رسوله الكريم.
وبعد - فقد وجدت أثناء قدومي من الاسكندرية أمس محوطا بمظاهر توحي بأن الحكومة تتوقع قيام الإخوان المسلمين بحركة، ربما كانت لأخذي عنوة، ولو أن الحكومة أعلنت رغبتها في مجيئي لبادرت والله بالمجيء أسعي إليها من تلقاء نفسي دون أن يحرسني حارس. علي أن هذه المظاهر قد أورثتني حسرة وجعلتني أتمني لو وهبت البلد حياتي في سبيل جمع الكلمة وصفاء النفوس. فأحببت أن أبادر بالكتابة إليك أرجو أن يتسع صدرك للقائي بضع دقائق أشير عليك فيها بما يحقق أمانيك وأماني، وأنا أعلم أنك قد تكون راغبا عن هذا اللقاء، ولذا تركت أمر تدبير الجماعة من نحو خمسة أشهر إلي غيري فلم يصلوا معك إلي شيء، وأريد الوصول إلي شيء حتي تتجه البلد كلها اتجاها واحدا ثم لايجدني أحد في مكاني الذي أنا فيه من الإخوان.
وأبادر فأقول لك: إن ماسمي اختفاء قد أدهشني أن ينسب إلي تدبير جرائم فهذا كان مفاجأة لي وأقسم بالله العظيم وكتابه الكريم أني ماعلمت بوقوع جريمة الاعتداء عليك إلا في الساعة تسعة من صباح اليوم التالي، ولا كان لي بها علم، وقد وقعت من نفسي موقع الصاعقة لأنني ممن يعتقدون أن الاغتيالات مما يؤخر حركة الإخوان ويؤخر الإسلام والمسلمين ويؤخر مصر، وقد كنا بحثنا هذه المسألة (الاغتيالات) في الجماعة منذ زمن بعيد واستقر رأينا علي ذلك، وأخذنا نوجه الشباب إلي هذه الحقيقة، حتي لقد مضي وجودي بينهم ثلاث سنوات لم يقع فيها شيء من العنف، ولست أجد سبب لذلك بنعمة الله، ولا اختلفنا علي كثير وإنما جسم الخلاف أنه لم يسمح لي بادلاء رأيي.
فأما المعاهدة فاني كنت أخبرتكم أن الإخوان لايوافقون علي معاهدات وأعداؤهم في داخل البلاد، ولكنهم يصرحون أن هذه المعاهدة قد قربت البلاد من أمانيها قربا كبيرا، ونلح في استكمال الباقي حتي لايطمع الانكليز فينا، وهذا هو محصل رأيك أنت في المسألة.
وأما مسألة الحملة التي شنها عليك الإخوان في سوريا فاني لا أعلم بها ولا بتفاصيلها، فان عبدالحكيم عابدين (عضو مكتب الارشاد) ودعنا في المطار يوم 3 يونيو ولم أراه إلي الآن، ولم يكن بيني وبينه أي نوع من الاتصال، وحين عدت بعد عيد الأضحي وجدته ذهب لأداء فريضة الحج، ومن هناك إلي دمشق، ويجب أن نتحقق عما إذا كان قد اشترك في هذه الحملة، وحضر اجتماعاتها وقد بلغني أنه رماك بأنك قابلت رجالا من إسرائيل في أثناء سياحتك في البحر. وهذه علي وجه الخصوص إذا كان قد قالها أحدا لايقره عليها بل يستنكره كل الاستنكار، وفوق ذلك فانها (واقعة قول عبدالحكيم عابدين بذلك) حصلت أيام اعتكافي.
وأما هذا الاعتكاف فقد أشار علي به بعض الإخوان لسبب ماهو الخوف من وقوع حوادث مؤسفة علي أثره، ولقد كنت أخبرت الإخوان بأن أضع استقالتي تحت تصرفهم إذا وجدوا في وجودي مايعطل الاتفاق بينهم وبين الحكومة، وأكدت ذلك لهم بخطاب أرسلته لهم من هناك وتركت لهم التصرف في شئونهم من تلقاء أنفسهم.
هذا وقد يكون في المشافهة خير كثير - إن شاء الله - وقد يكون في نفسك أشياء تحب أن تستجليها.
ولا أذكر التحقيق الذي يجري، فاني محتمل كل مايمس شخصي، وسأدفعه باذن الله بما يريح نفسك إلي الحق الذي هو بغية الجميع، هذا وأسأل الله تعالي أن يوفقكم ويوفق البلاد كلها للخير والحرص علي والوئام.
والسلام عليكم ورحمة الله.
المخلص
حسن الهضيبي»] (236)
والذي يعنينا في هذه الرسالة ليس دلالتها في وقتها فربما تكون قد صدرت تحت ظروف من الارهاب والخوف وإنما الذي يعنينا أن هذه المعاني لاتزال تتردد حتي بعد ان صار الإخوان أحرارا طلقاء.
12 - ونختم هذه الفقرة الكئيبة ببعض الترفيه من عمر التلمساني حيث يقول «لقيت من المرحومين إبراهيم عبدالهادي وعبدالناصر الكثير من الظلم فلم أحقد ولم أضمر سواءا»
ويقول عن جمال سالم قاتل عبدالقادر عودة ورفاقه: «وكان الإخوان يقدمون إلي هذه المحاكمة باعترافاتهم، وكلهم مثخنون بالجراح، وعلامات التعذيب، ثم يحكم عليهم باعترافاتهم المزعومة. وياليت الأمر وقف عند هذا الحد. بل إن الأخ الذي كان ينكر الاعترافات المقدمة للمحكمة، كان يعاد إلي السجن الحربي لينظر في أمره، ثم يجيء وقد أيقن بأن المستجير بالمحكمة من معذبيه، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وكان جمال سالم هو الذي يقوم بالسخرية والإهانات، أما العضوان الآخران، فقد ظلا طوال المحاكمة صامتين.
وقد انتهي الأمر بجمال سالم إلي خلع بدلته العسكرية وارتدي الجلباب الأبيض والعباءة البنية اللون، وكان يقضي أغلب ساعات النهار في مسجد السيدة زينب.
هل ندم وعلي أي شيء؟ وهل تاب من أي شيء؟ ألا إن رحمة الله واسعة، ولن تضيق بمن يلجأ إليه، مهما كانت جرائمه وإن من أكبر الذنوب عند الله، من يستعظم جريمته علي عفو الله.
أما تقييمي لرئيس تلك المحكمة، فيقف عند قول رسول الله e (اذكروا محاسن موتاكم)» (238). هذا كلام التلمساني أما نحن فنقول إن جمال سالم ليس من موتانا بل من موتي الكافرين.
ويحكي التلمساني أيضا «أن الأخ الحاج محمد جودة شفاه الله، دعاني يوما إلي منزله وكان معي فضيلة المرحوم الأستاذ البهي الخولي، وعند وصولنا إلي هناك، وجدت حوالي سبعة من الضباط الأحرار، لا أعرف منهم إلا إبراهيم الطحاوي وأحمد طعمية وعقدت جلسة تحضير أرواح، والحقيقة أني دهشت لمعرفة الوسيط عن طريق الروح المستحضرة ولبعض التفصيلات وكانت الأصوات رفيعة ومضايقة للأذن. ولأني لم أكن أعرف الوسيط إذ دخل والحجرة مظلمة، قدرت أنه يعرف هذه التفصيلات فيلقيها كأنه موحي به إليه من تلك الروح، وكان كل كلام الروح حملة علي السيد «محمد نجيب» وفضيلة المرشد الأستاذ الهضيبي». (239).
20 - موقف الإخوان من أنور السادات:
نعرض هنا في عجالة سريعة لموقف الإخوان من أنور السادات عندما أصبح رئيسا للجمهورية متناسين دوره المشبوه في الحرس الحديدي للملك ويداه الملوثتان بدم عبدالقادر عودة ورفاقه وخدمته الطويلة لسيده عبدالناصر.
أ - يقول عمر التلمساني عن شكره للسادات بعد الافراج عنهم «وحين خرجنا من السجون 1971 كان أول شيء فعلته هو ذهابي إلي قصر عابدين لتسجيل شكري للرئيس السادات بافراجه عنا»
ويقول أيضا «عندما ماأفرج السادات عنا ذهبت أنا باعتباري أمثلهم ــــ وقدمت واجب الشكر وكتبت تقديري وشكري» (240)
لا أدري علي ماذا يشكره علي طول سجنهم أم علي قتله لعبدالقادر عودة ورفاقه؟.
ثم أليس هذا الذهاب لقصر عابدين لشكر قاتل إخوانهم مذكر بذهابهم من قبل لقصر عابدين لشكر قاتل شيخهم كما ذكرنا في الفقرتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الفصل الأول؟.
ب - اتفاق الإخوان مع السادات:
ذكرنا من قبل في الفقرة الثامنة عشر (موقف الإخوان من الحكام) الكلام الصريح للتلمساني انه كان يضع نفسه في خدمة وزارة الداخلية وكلام مأمون الهضيبي عن مصلحة الحكومة في وجود الجماعة وانه لاخلاف بين الحكومة والجماعة حول تطبيق الشريعة.
ونحن الآن نلقي مزيدا من الضوء علي هذه المفاوضات بين الحكومة والإخوان واستعداد الإخوان التام للتعاون مع الحكومة كل هذا بأقلام الإخوان أنفسهم.
يقول عمر التلمساني عن جولات اتفاقه مع الحكومة وعن استعداده دائما للتعاون يقول «وجاءني في عام 1973 فضيلة الشيخ «سيد سابق» أخبرني أن السيد «أحمد طعمية» وكان وزيرا في عهد السادات جاءه وأخبره أن السادات علي استعداد للقاء بين الإخوان المسلمين المعروفين لإزالة مافي النفوس والتعاون علي خدمة الوطن. وكان ذلك قبل استبعاد الخبراء السوفيت بقليل، فرحبت بالفكرة وذهبت إلي فضيلة المرشد «حسن الهضيبي» الذي كان في الاسكندرية وأخبرته بحديث الشيخ سيد سابق معي، فقال لي فضيلته إن الفكرة لابأس بها إن صحت النوايا عند أصحابها، وكلفني أن أستمر في المفاوضات التي سارت سيرا حثيثا وصل إلي الدرجة التي طلب مني فيها الشيخ سيد سابق - طبقا لما طلب منه السيد أحمد طعمية - أن أقوم بتكوين لجنة من الإخوان تقابل السادات في الاسكندرية لوضع الصيغة النهائية للاتفاق، واتصلت بالسيد أحمد طعمية تليفونيا وأعلمته بأسماء الإخوة الذين سيقابلون السادات بناء علي طلبه، ثم حدث توقف تام لم أدر ماأسبابه إلي أن التقيت بالشيخ سيد سابق مصادفة عند الأزهر وسألته عن النتائج، فأخبري أن الجماعة - يقصد السادات - رأوا إرجاء الأمر إلي حين.»
ويقول أيضا: «المهم أن الإخوان وعلي رأسهم فضيلة المرشد، كانوا في قمة المسؤولية والتقدير عند أية بادرة من البوادر تهدف إلي إصلاح هذا الوطن العزيز»
ويقول أيضا:«وفي مرة أخري طلب منا السيد «عثمان أحمد عثمان» وقد كان وزيرا للإسكان حينذاك أن تلقاه مجموعة منا، فذهبت مع الدكتور أحمد الملط والحاج حسني عبدالباقي والاستاذ صالح أبو رقيق. وقابلناه، فرأي أنه من الخير أن نقدم للسادات وجهة نظرنا في الإصلاح كتابة، حتي يدرس الأمر في روية وعلي مهل، فكتبنا له وجهة نظرنا في تسع صفحات فولسكاب حملها إليه السيد «عثمان أحمد عثمان» ثم كانت لي مقابلات مع السيد محمد حسني مبارك وكان نائبا لرئيس الجمهورية في ذلك الحين، لقيته في منزله في مصر الجديدة منفردا مرارا. ومعي الأستاذ مصطفي مشهور مرات أخري، لبعض استفسارات عن بعض ماجاء بتلك الصفحات التسع، ثم انتهي الأمر إلي صمت مطبق، وتوقفت اللقاءات، ماهي الأسباب؟ لست أدري. والمهم مرة أخري هو وثوق المسؤولين بثقل الإخوان في الشارع السياسي، وأثره في الرأي العام.، وإلا فما الذي يحمل المسؤولين علي مثل هذه التصرفات، والذي أؤكده علي وجه القطع واليقين أن الإخوان المسلمين كانوا ومايزالون وسيظلون بفضل الله علي مستوي المسؤولية الوطنية، وأنهم أبعد مايكونون عن التعصب، وأنهم علي استعداد كامل لكل حوار من ورائه رفعة شأن هذا الوطن الغالي الحبيب، ومما لاشك فيه أن هذه اللقاءات التي كانت تتم بين المسؤولين تقطع ببراءة الإخوان من الخيانة والعمالة والتبعية» (241).
ولاأدري أهذه اللقاءات دليل البراءة أم دليل الأدانة؟
والآن وبعد أن نقلنا كلام عمر التلمساني المرشد العام والمتحدث الرسمي باسم الإخوان فلنقرأ رواية محمد حسنين هيكل حول هذه الاتصالات «لم يكن ذلك هو الطريق الوحيد الذي اتبعه الملك فيصل في تشجيع ومساعدة اليمين الديني في مصر، وإنما ذهب إلي أبعد من ذلك حين حاول أن يرتب مصالحة بين الرئيس السادات ومجموعة من الإخوان المسلمين. كان الإخوان المسلمون الآن موزعين علي عدة مجموعات. كانت هناك أولا تلك القلة التي ظلت علي اعتقادها بأن العنف والإرهاب هما أفعل الوسائل لتحقيق أهدافهم، لكن معظم هؤلاء كانوا لايزالون إما في السجون أو مختفين تحت الأرض. وكانت هناك مجموعة ثانية، هم هؤلاء الذين غادروا مصر هربا من الاضطهاد أو بحثا وراء فرصة عمل في الخارج، وكان كثيرون من هؤلاء قد جمعوا ثروات طائلة. وأخيرا كانت هناك مجموعة هؤلاء الذين آثروا البقاء في مصر وحاولوا قدر ما يستطيعون أن يواصلوا الدعوة في ظل الظروف القائمة مهما تكن صعوباتها.
وفي صيف سنة 1971 نجح الملك فيصل في أن يرتب اجتماعا بين السادات وبين مجموعة الإخوان المسلمين الذين ذهبوا إلي الخارج. وبالفعل فقد عقد اجتماع في استراحة الرئيس في «جاناكليس» في إطار من السرية المطلقة، حضره زعماء الإخوان في الخارج بعد أن حصلوا علي ضمان بتأمين دخولهم إلي مصر وخروجهم منها، والتقوا هناك بالرئيس السادات. كان بين هؤلاء الدكتور «سعيد رمضان» الذي عاش بعض الوقت في السعودية ثم قصد إلي جنيف حيث رأس منظمة إسلامية ترعاها المملكة العربية السعودية. وخلال المناقشات التي جرت في ذلك الاجتماع قال الرئيس السادات للإخوان الذين قابلهم إنه يواجه المشاكل من نفس العناصر التي قاسوا هم منها (كان قد فرغ لتوه من معركته مع مراكز القوي)، ثم أنه يشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وكذلك فإن عبدالناصر قد خلف له تركة ثقيلة. وقد عرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلي النشاط العلني في مصر، بل وكان علي استعداد لعقد تحالف معهم. لكن الإخوان الذين قابلهم السادات في ذلك الوقت لم يكونوا قادرين علي اتخاذ قرار، ويبدوأنهم لم يكونوا واثقين من احتمالات التعاون معهم، وكانت لهم شكوكهم حول نواياه. وفي كل الأحوال فإنهم حتي ذلك الوقت كانوا يعتبرونه جزءا من ثورة 23 يوليو التي اصطدموا معها.
ومضت سنوات، والآن أصبح الإخوان المسلمون - شأنهم شأن غيرهم من القوي في مصر - يدركون رغبة نظام السادات في التعاون مع العناصر الدينية. ووجد بعضهم رعاية خاصة من أحد الأصدقاء المقربين للرئيس، وهو المهندس عثمان أحمد عثمان. كان عثمان أحمد عثمان من أغني الناس في مصر، وكان ينحدر من أسرة أصلها من العريش عاصمة سيناء، وقد جاء إلي الاسماعيلية ليعمل في المقاولات، ونمت أعماله حتي في الوقت الذي كانت فيه مصر تتخذ نهجا اشتراكيا. وكانت الاسماعيلية التي أصبحت قاعدة نشاطه في ذلك الوقت هي الموطن الذي تأسست فيه جماعة الإخوان المسلمين، فهناك قام بإنشائها مرشدها العام الأول الشيخ «حسن البنا» سنة 1928» إلي أن يقول عن الإخوان بعد محنة سنة 1954:
«وفر من استطاع إلي الخارج. ووجد بعضهم مجالا فسيحا في مشروعات «عثمان أحمد عثمان» الذي كانت ظروف التحول الاشتراكي في مصر قد جعلته يتوسع في نشاطه خارجها. كان علي استعداد لأن يعطيهم وظائف في مشروعاته، وعلي استعداد لمساعدتهم في الحصول علي أعمال خارج مشروعاته. وبعد تغير الظروف في مصر عاد بعضهم اليها ومعهم بعض ما جمعوه من مال. ولقد عادوا إلي مصر ليجدوا أن «عثمان أحمد عثمان» قد أصبح قوة كبيرة فيها بقرب الرئيس السادات. كان مازال صديقا لهم، وكان من حوافزه للاحتفاظ بهذه الصداقة أنه يشاركهم العداء ل «جمال عبدالناصر» ولتجربته في التحول الاشتراكي، إلي جانب أنه كان حريصا علي الحصول علي تأييدهم للسادات كقوة في الشارع تواجه من كان يسميهم - ويسميهم السادات معه - بالناصريين والشيوعيين. ولقد راح يحاول إقناعهم بالتعاون مع السادات، بل إنه كان يبدوا أمامهم مفوضا من السادات بالتعامل معهم. ولقد حمل إليهم تطمينات كثيرة باسم الرئيس، لكن بعضهم كان لايزال متشككا» (محمد حسنين هيكل: خريف الغضب - قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات، الطبعة الأولي «في مصر» 1408 هـ - 1988 م، مركز الأهرام للترجمة والنشر ص 227 إلي ص 229).
وهيكل هذا يبرز دور الملك فيصل وعثمان أحمد عثمان وهو كلام جدير بالتأمل لأن روايته تتفق معظمها مع أقوال التلمساني كما ان سير الأحداث الذي عاصرناه جميعا لايتناقض معها.
ويقول عمر التلمساني عن لقائه بفؤاد محي الدين رئيس الوزراء في عهد السادات «وكم كنت أود لو تكررت هذه اللقاءات وبهذا الأسلوب الرقيق ولكن المنية عاجلته فرحمة الله عليه وعلينا أجمعين.ولو قدر المسئولون أن هذا التصرف له أثره في جمع صفوف الشعب لحرصوا عليه وأكثروا منه» (242).وكعادته يوزع التلمساني الرحمات علي من يشاء.
وفي لقاء عمر التلمساني المشهور مع السادات والذي يفخر بأنه واجهه فيه، اعترف التلمساني بشرعية رئاسة السادات فقد قال له:«لو أن غيرك وجه إلي مثل هذه التهم لشكوته إليك. أما وأنت يامحمد ياأنور السادات صاحبها، فإني أشكوك إلي أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين لقد آذيتني يارجل وقد ألزم الفراش أسابيع من وقع ماسمعت منك» (243)
ج - ثم بعد هذه المواجهة!! دعاه السادات إلي لقاء خاص في القناطر، يقول التلمساني:«المرة الثانية كانت بعد ذلك كان لقاءاً خاصا في القناطر الخيرية، وفي هذا اللقاء أضفي علي من الصفات ماجعلني أخجل وعرض علي عضوية مجلس الشوري واعتذرت» (244)
ويقول أيضا:«لايفوتني أن أذكر إنصافا للسادات أنني يوم أن قابلته باستراحة القناطر الخيرية في ديسمبر (كانون الأول) 1979 أنني وجدت أمامه مجموعة من أعداد مجلة الدعوة وأخبرني أن الاسرائليين يشكون ويحتجون علي هذه الحملات الإخوانية. فأجبته بأن معارضتي لمعاهدة السلام والتطبيع وموقف إسرائيل بأجمعه مبعثه ديني محض ولا علاقة له بما يسمونه سياسة دولية أو غير دولية، وإن ديني يحتم علي أن أستمر في هذه الحملة، حتي تنجلي الغمة، وراعني حقا أن الرجل بعد الاستماع إليَّ قال لي بمنتهي الصراحة والوضوح والرضا: أكتب، ولن أنساها للسادات ماحييت رغم مالقيته منه يرحمني ويرحمه الله.» (245).
أنت لن تنساها والمسلمون لن ينسوها والله لن ينساها «وماكان ربك نسيا».وإذا كان دينك يحتم عليك مهاجمة اليهود أفلا يحتم عليك جهاد الحكام المرتدين الحاكمين بغير ماأنزل الله؟ (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)؟.
د - ويقول معترفا بفضله:«وإنصافا للسادات رحمني ورحمه الله وغفر لي وله، أنه أتاح للإخوان جوا من الحرية لابأس به، فأعدنا إصدار مجلة الدعوة، وكنا نقيم الاحتفالات الدينية في شتي أرجاء القطر». فتأمل ياأخي المسلم أهذا مايطلبه المسلم من حاكم مرتد يحكم بغير الشريعة؟.
ويقول أيضا: «أما نظام السادات فقد بدأ بداية طيبة، فأفرج عن المعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم سياسيا، وان كان الافراج لم يتم فورا بل طال وقته حتي بلغ قرابة العامين»
ويقول أيضا: «أظنني قد تقدم مني الكلام عن موقف السادات من الإخوان المسلمين، قلت إنه أخرج الإخوان من المعتقلات، وأنه ترك لهم جانبا كبيرا من الحرية في التنقل وإقامة الاحتفالات الإخوانية في المناسبات الدينية، وقد استقبل الإخوان كل ذلك بالحمد والثناء». (246).وهكذا ينسي الإخوان دماء إخوانهم التي شارك السادات في إهدارها عام 1954.
هـ - ولايعترف بفضله فقط بل ويدعو له بطول البقاء لاقصي مدة ممكنة!!، ويواجهه الأستاذ / اسماعيل الشطي بهذا القول في لقاء التلمساني بمجلة المجتمع فيسأله «يؤخذ عليك مخاطبة السادات بصورة غير مقبولة إسلاميا كقولك أتمني بقاؤك لاقصي مدة ممكنة ومن المعلوم أن في بقائه البعد عن الإسلام فما هو ردك؟»
فرد التلمساني بأنه لم يفرض عليه أحد أن يأتي للسادات وأنه أتي عن طيب خاطر وذكر أنه في مصر وحدها يستطيع الإخوان أن يقولوا مايريدون وذكر أنه عارض السادات ابتداء من استقبال الشاه وانتهاء بالمعاهدة مع إسرائيل. (247).
و - وبالطبع يستنكر قتل السادات الذي استقبل معروفه بالحمد والثناء والذي أضفي عليه من الصفات ماجعله يخجل!!
فعند ما يسأل في حواره مع المصور «المصور: أين المعتقد الديني في مقتل عثمان بن عفان وأين المعتقد الديني في حادث الكلية الفنية العسكرية وفي اغتيال د.الذهبي، ثم في اغتيال السادات.
التلمساني: قبل الاجابة أسأل سؤالا: أين المعتقد الديني فيمن يقول انه صلب المسيح، وهذا رسول من الرسل؟
المعتقد الديني بعيد كل البعد عن هذه الجرائم» (248). أما نحن فنقول إن المعتقد الديني بعيد كل البعد عما يقوله التلمساني وهو يمثل جميع الإخوان بمقتضي قانونهم الأساسي.
21 - موقف الإخوان من حسني مبارك:
كنا قد ذكرنا في الفقرة السابقة ان احدي جولات المفاوضات بين الإخوان والحكومة كانت بين عمر التلمساني وحسني مبارك كما ذكر التلمساني ونحن الآن نلقي بعض الضوء علي موقفهم من مبارك كما جاء علي لسانهم وباقلامهم: -
أ - فهذا عمر التلمساني عندما يسئل في مجلة المصور: «تري أن سيادتك متحمس جدا للرئيس مبارك، لانعتقد أن الرئيس مبارك قدم لك أكثر مما قدمه الرئيس الراحل السادات، فهذا أخرجك من السجن وهذا فعل نفس الشيء. ماهي مبررات الحماس والتفاؤل الشديد؟.
التلمساني:أنا كمسلم عندما أري إنسانا يعمل الخير أقول له:أكثر الله من أمثالك، وأعانك وأدامك في هذا البلد وهذا هو ماقلته لحسني مبارك.
أقول له أفرجت عن البعض ولكن هذا لايكفي لابد أن تفرج عن كل معتقل أو متحفظ عليه وأسأل الله أن يعينك علي هذا ويوفقك فيه طالما أنت تسير علي هذا الخط السليم. فالكل راض عنك» (249).
وحسني مبارك لاشك في كفره. ويبدو أن التلمساني تجاوز كونه ممثلا للإخوان فقط فصار يتحدث باسم (الكل) وإن رضي هو والإخوان عن مبارك فنحن لانرضي.
وعن موقفه من حكم مبارك فيقول: إنه يذكر له الحسنات أما أي موقف شرعي فليس له في كلامه أثر، يقول عمر التلمساني «سألني الكثيرون عن موقفنا من حكم السيد «محمد حسني مبارك» رئيس الجمهورية وكان جوابي الذي لم يتغير أنه بدأ عهده بداية طيبة، فأفرج عن المعتقلين السياسيين، ومنع الصحف من مهاجمة حكام البلاد العربية، وإن كنت أود لو أن هذه الصحف سلكت ذلك الطريق دون أمر أو توجيه ولكنها لاتزال تظهر نفسها بأنها لاتتوجه إلا بتوجيه.
كما أنه أطلق لصحف المعارضة حقها في النقد، كما أنه حريص في كل مناسبة علي التصريح بالتزامه جانب الحرية، وأنه لن يعدل عنها، كل هذه مبشرات، ومن حقه علينا أن نذكرها له.»
وينتقده فقط في كثرة اعتقالات الإخوان والإخوان فقط - وكأنهم هم المسلمون وحدهم وكأنه ليس هناك الالاف من غيرهم يسجنون ويعذبون - فيقول: «ولكننا في الوقت نفسه، ومن حقنا عليه، أن يرفع مضايقات لامبرر أن تقع في عهده، وهو مسؤول عن توفير الأمن لكل مواطن يلتزم القانون. ولكن الذي يحدث، وأظنه لن ينتهي، أنه لايمر أسبوع دون القبض علي عدد من الإخوان في كافة أرجاء البلاد، ويساقون إلي الأقسام حيث يساء إليهم بمختلف أوجه الإساءة وفي عنجهية، ثم يظلون في الأقسام ساعات أو أياما، أو أسابيع ثم يفرج عنهم، دون أن يعلموا لماذا قبض عليهم؟!»
ثم يختم كلامه فيقول: «ورغم ذلك فقد قلنا مرارا وتكرارا أننا لسنا معارضين ولكننا ناقدون وناصحون، وهذا أضعف مايمكن أن يكون، لسنا من عشاق المعارضة» (250).
ويعترف به كرئيس للدولة وان له عليه حقا فيقول: «إننا لم ندخل مع السيد رئيس الجمهورية في حوار إلي اليوم، لأن الأمر ليس بأيدينا، فهو صاحب الحق، كرئيس للدولة، وأن يستدعي من يشاء لأي غرض من الأغراض، يري أن فيه مصلحة للوطن. أما المواطن فليس من حقه أن يفرض نفسه علي رئيس الدولة ليستمع إليه، وكل حقه أن يعارض أو ينتقد أو ينصح» (251).ما كل هذا الأدب؟.
ويقول ان نقطة الخلاف الوحيدة ان مبارك رئيس لحزب ثم يكرر الاعتراف السابق فيقول: «بدأ السيد «محمد حسني مبارك» عهده بدءا طيبا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات للصحف والأحزاب، أن تنتقد كما تشاء، وكل ماأخالف سيادته فيه أن يكون رئيسا لحزب بذاته. فظروفنا وتقاليدنا ليست كالولايات المتحدة أو غيرها. ولكن لعل له في ذلك حكمة لاندركها. وقد كثر تساؤل الناس لماذا لم يقابل الرئيس مبارك «عمر التلمساني» كما قابل غيره، فكان جوابي هو أن هذا تصرف متروك تقديره لسيادته. خاصة وأن معاملتي كغيري لاتزيدني قدرا.ولاتحط مني شأنا، فمرجع ذلك لسيادته باعتباره رئيسا للدولة يقدر مايفعله ومالا يفعله دون أن يكون لذلك أثر علي أحد» (252).
وللاسف فإن عمر التلمساني غير صادق فلم تفرغ السجون من آلاف المسلمين من بداية حكم مبارك وإلي الآن، وفي عهده قتل كمال السنانيري مساعد عمر التلمساني كما قتل العشرات غيره من المسلمين وعلي رأسهم محمد عبدالسلام وصحبه الابرار قتلة السادات تقبلهم الله في الشهداء.
ومن المؤسف ان تعترف المنظمات الكافرة كمنظمة العفو الدولية بهذه الحقائق وتحصيها ونفاجأ بالمرشد العام للجماعة الأم يحاول أن يطمسها.
وعمر التلمساني لم يتوقف عند الاعتراف برئاسته وشكره ولكنه يعلن علي الملأ ثقتــه فيه فيقـــــول «هل فقدنا الثقة في بعض؟ رئيس الجمهورية لايثق فيّ وأنا لاأثق فيه. نحن نثق في رئيس الجمهورية انما هم....!» (253)
ب - أما المرشد الرابع أبو النصر فيقول متبرءاً ممن يكفر الحاكم «إننا نمد يدنا إلي كل العاملين في مجال الدعوة المنتسبين إلي التيار الإسلامي فيما عدا أولئك الذين يكفرون الحاكم أو أي إنسان فإننا ضد التكفير بصفة عامة» (254) ونحن أيضا نقول: من الذي قال إن الذين يكفرون الحكام المرتدين سوف يمدون أيديهم للإخوان أو يثقون بهم؟.
ويقول معترفا برئاسة حسني مبارك: «ليس هناك داع أن أقدم نفسي للسيد الرئيس وأقول له إنني أريد كذا وكذا وكذا... ولكنه هو كرئيس للجمهورية، وباعتبار أن الأمة كلها جنوده وشعبه فإنه يستطيع أن يحل مشكلاتنا التي يعرفها جيدا دون أن نحرج أنفسنا أو نحرجه» (255). وقد يكون أبو النصر من جنود مبارك كما يدعي، ولكنا نحن لسنا من جنوده، فليحدث أبو النصر عن نفسه فقط لا عن الأمة كلها.
أما عن علاقته مع النظام فيقول عنها:«أما علاقتنا مع النظام فهي علاقة ود ومحبة تزيد وتنقص وإن كنا نتمني لها الزيادة»
ويقول أيضا:«علاقتنا بالقيادة علاقة حب ومودة وتقدير يزيد وينقص ونتمني له الزيادة».
ولكن الله سبحانه وتعالي يقول «لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله... الآية» وإذا كان أبو النصر يحب النظام والقيادة فقد قال رسول الله e (المرء مع من أحب) رواه البخاري.
ولما سئل عن مشاركة مندوب الرئيس في جنازة عمر التلمساني قال:«لفتة كريمة نعتز بها وقمنا بالرد عليها فقام مجموعة من الإخوان بتسجيل شكرهم في سجل التشريفات بقصر عابدين» (256)
ذلك السجل الذي يعرفون الطريق إليه جيدا كما أوضحنا.
ج - أما مأمون الهضيبي رائد الشرعية البرلمانية والتفاهم مع الحكومة فيقول عن حسني مبارك «أنه لاتوجد أي حساسية أو كراهية بين الإخوان المسلمين والرئيس حسني مبارك فهو لم يشترك في اضطهاد الإخوان أو تعذيبهم في عهود سابقة، كما لاتوجد أي عداوة بين جماعة الإخوان وأي تيارات سياسية أو أحزاب» (257).
إذن في عهد من قتل كمال السنانيري؟.
وهبه أنه لم يعذب الإخوان ألم يعذب آلاف المسلمين ويقتل العشرات منهم؟ أم أن المسلمين هم الإخوان فقط؟.
ومن الذي قصف جزيرة أبا بالسودان وقتل فيها عشرة آلاف مسلم عام 1970، أليس هو حسني مبارك وقت أن كان قائدا لإحدي القواعد الجوية بمصر؟.
ولاتعجب ياأخي القاريء إنهم الإخوان.
د - أما صلاح شادي فيقول مبررا اختيارهم ترشيح حسني مبارك لفترة رئاسة ثانية وعدم الاعتراض أو الامتناع حتي عن الترشيح. «وأسلوب المنابزة هذا يدفع إلي الصدام وتفريق كلمة الأمة فهل هذه النتائج مرجوة في هذا الوقت الذي بلغت فيه القلوب الحناجر» ونقول: وأي خير في اجتماع كلمة الأمة علي حكم كافر؟.
ويقول صلاح شادي أيضا «فلا الصمت يغني ولا الاكتفاء به صحيح ولا الموافقة علي الترشيح أمر صحيح كذلك، ولكن اعلان المطالب والسعي إلي تحقيقها وعدم اليأس من المضي إليها هو الطريق الذي رآه التحالف مثمرا ومتفقا مع أسلوب الدعاة بالرغم من غطرسة نظام الحكم»
ويقول أيضا فيزيد الطين بلة:«وليس من سعة الأفق - في التفكير السياسي - أن نجعل - بعد معرفة كل هذه الظروف - ترشيح مبارك معركة أساسية يقوم لها التحالف ويقعده»
ويقول وياليته ماقال: «ونحن لاننابز الحاكم العداء ولانقف منه موقف الدفع إلا أن يأتي كفرا بواحا في الحدود التي رسمها الشرع في دفع المنكر».
ويختم كلامه بالطامة الكبري فيقول:«وهذا شأننا مع الحاكم أمر بالمعروف ونهي عن المنكر حال ظلمه، فنحن جماعة ولسنا دولة، ولانقدر إلا مايقدر عليه الناس، نناصح ونكافح في مجال النصح حكامنا وأولي الأمر منا بقدر مانستطيع باليد واللسان أو القلب فهذا دورنا ومن الظلم أن يطالبنا أحد بغيره» (258).
إذن فهو ولي أمرك الشرعي المسلم ولايجوز لك الخروج عليه.
ولكن للأسف هو نفسه لايوافقك علي ذلك فهو ليس الخليفة ولكنه مرشخ لرئاسة جمهورية مصر العربية ذات النظام الاشتراكي الديمقراطي والتي لاتطبق فيها الشريعة باعترافك.
إذن فأنت تخدع من؟ تخدعه أم تخدعنا أم تخدع نفسك ياصاحب «حصاد العمر»
أهذا حصاد عمرك اللهم ارزقنا حسن الخاتمة؟.
وحاول الإخوان لإنقاذ البقية الباقية من ماء وجوههم ان يدعو ان موافقتهم كانت مشروطة لأنهم اذاعوا مع تأييدهم لمبارك بيانا بمطالبهم فقالوا كما صرح أحدهم «وكأنها موافقة مشروطة» ولكن مبارك لم يأبه بهم أو حتي يرد عليهم حتي يكون هناك عقد بين طرفين وله شروط.
ثم أبوا إلا أن يفضحوا حتي هذه الحيلة. فيخرجون مقالا في مجلة المجتمع بعنوان «هل الإخوان في حل من تأييد مبارك»
يسألون فيه عصام العريان هذا السؤال فيأبي ويتمسك بالمبايعة.
يسئله مراسل المجتمع «اشترط نواب الإخوان للموافقة علي تجديد رئاسة مبارك شروطا مثل العمل من أجل تطبيق الشريعة وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وحرية تكوين الأحزاب.. الخ، وإلي الآن لم يتحقق منها شيء فهل أنتم في حل من هذه الموافقة؟».
فيجيب: «لايستطيع إنسان أن ينكر أنه رغم كل هذه القيود، إلا أن هناك مساحة نسبية من الحريات العامة موجودة في مصر بالمقارنة بغيرها من الدول الأخري، سواء العربية أو الإسلامية، وهناك حرية نشاط إلي حد ما موجودة، وهناك حرية صحافة إلي حد كبير، ولاشك في أن هذا يتم بناء علي توجه النظام، لمحاولة التنفيس حتي لاتنفجر الأوضاع أيا كان التبرير الذي يمكن أن يلجأ إليه النظام لهذا الأمر. إلا أن موافقة الإخوان علي إعادة ترشيح الرئيس حسني مبارك، جاءت بناء علي هذا التقييم، انه من أجل تدعيم هذا القدر المتاح من الحرية وتوسيعه،ومن أجل المطالبة بتطيبق الشريعة الإسلامية لم نعترض علي ترشيح الرئيس لفترة رئاسة ثانية، ولانستطيع أن نحكم بسرعة خلال سنة، فمدة الرئاسة الثانية ست سنوات لم تمض إلا سنة واحدة،وقد يكون في المستقبل إجراءات أفضل وهناك تغييرات منتظرة في مصر، قد تكون هذه التغييرات أنباء سارة في المستقبل إن شاء الله» (259).
ولاندري من يخدع هذا المغرور، وأي حرية هذه التي يتحدث عنها؟ وآلاف الشباب المسلم قابع في السجون مكبل بالأغلال يلقي التعذيب والهوان، والنساء المسلمات يحتجزن رهائن في سجون مبارك ويجردن من ملابسهن ويعذبن. فنعوذ بالله من زيغ القلوب، قال تعالي (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).
هـ - أما د. محمد السيد حبيب عضو البرلمان فيقول عن حسني مبارك «انني اعتب علي رئيس الجمهورية الذي يعلم بان عاطفة جماهير الشعب المصري مع الإسلام» (260).
ويقول الأستاذ المعاتب: «لاشك أننا نعيش عهدا يستطيع الفرد فيه أن يقول كل ماعنده دون خوف، وهذه حسنة من حسنات العهد الذي نعيشه، ويجب أن يكون منصفين، وإن كنا نطمع في المزيد» (261) فإذا كنت تستطيع أن تقول كل ماعندك دون خوف فماذا تريد أيضا؟ يبدو أن كل ماعندك هو العتاب علي تجاهل العواطف لذا فأنت لست بخائف.
أنا لن أرد عليك إلا بقول استاذك مأمون الهضيبي حيث يقول «إنه منذ سنة 1986 وحتي 1989 بلغ عدد المعتقلين السياسيين 680ر12 بدون أسباب جدية إلا 25 % منهم فقط ومن سوء المعاملة لقي ثلاثة مصرعهم، وقال ان الدكتور محمد السيد سعيد أغمي عليه من التعذيب وقد رآه مكرم محمد أحمد بنفسه عندما زاره بصفته نقيب الصحفيين.» (262)
22 - رأي الإخوان في رفعت المحجوب:
ذهب عمر التلمساني لرفعت المحجوب، بعد أن طلب المحجوب لقاءه في مكتبه بمجلس الشعب ليوضح له المقصود بكلمته:«علي العقائد ان تتنحي جانبا حتي يأخذ الخبر مكانه والكلمة مكانها» بمجلة أكتوبر وبعد اللقاء كتب التلمساني «وفي اللقاء لمست من سيادته مدي تمسكه بدينه وحرصه علي مثالياته».
ويقول أيضا:«وتمنيت أن يتعامل كل مسئول مع أفراد الشعب بهذا الأسلوب الحر الرفيع الذي تحلي به السيد رئيس المجلس، فذلك أدي إلي توفر الثقة الكاملة بين المسئولين وأفراد الشعب»
ويقول أيضا:«إن مالمسته - منصفا - علم غزير، وأدب جم، ونقاش مثمر وحرص علي جمع الصفوف وتوحيد الكلمة. ليس بيني وبين الرجل معرفة سابقة ولكن أثر هذا اللقاء بث في نفسي آمالا فسيحة لخير كثير مرتقب» (263)
23 - موقف الإخوان من الديمقراطية:
تكلمنا من قبل عن موقف الإخوان من الدستور والقانون الوضعي والأحزاب الناصرية والشيوعية ورضاهم بالانتخابات ونحن هنا نزيد الأمر وضوحا وننقل من أقوالهم الصريحة رضاهم بالديمقراطية الوضعية بلا تأويل.
أ - يقول عمر التلمساني: «إننا نقف مع الأحزاب كلها موقف الاحترام الحر لرأي الآخرين وإذا كنت حريصا علي أن يأخذ الناس برأيي فلماذا أحرم علي الناس ماأبيحه لنفسي وهل من الحرية أن أحول بين الناس وبين الاعتداد بآرائهم؟ بعد أن يمنحهم أحكم الحاكمين هذا الحق في وضوح لا لبس فيه «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (264). ونقول: هذا حق أريد به باطل، فإذا كان من كلام الله تعالي (ومن شاء فليكفر) فإن من كلام الله تعالي أيضا (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ومن كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم - في المرتدين - (من بدّل دينه فاقتلوه) متفق عليه. ولم تأت الشريعة بإعطاء حرية الكلمة أو حرية الرأي للكافر والمرتد. فانظر تلبيس التلمساني علي أتباعه وعلي الناس باسم الإسلام، وقال تعالي (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)؟.
ب - ويقول محمد حامد أبو النصر في حديثه لمجلة العالم الذي تصدره عنوان «نريدها ديقراطية شاملة وكاملة للجميع»
يدور هذا الحوار: «ماهي الفلسفة التي سيتعامل بها أبو النصر مع الشارع السياسي المصري؟
الحق للجميع - الحرية للجميع - العدالة للجميع»
ويسأل «البعض يتهم الإخوان بأنهم أعداء للديمقراطية ويعادون التعدد الحزبي فما هي وجهة نظركم في هذا الاتهام؟!».
فيجيب «الذي يقول ذلك لايعرف الإخوان إنما يلقي التهم عليهم من بعيد نحن مع الديمقراطية بكل أبعادها وبمعناها الكامل والشامل ولانعترض علي تعدد الأحزاب فالشعب هو الذي يحكم علي الأفكار والأشخاص» (265) وقد ذكرنا في الفصل الثاني من الباب الأول أن الديمقراطية كفر أكبر.
يقول أيضا حين يسأل في مجلة المصور:«هل تؤمنون بجدوي الديمقراطية الغربية؟ نحن نؤمن بالحرية وهي مطلبنا، والديمقراطية أكثر النظم الوضعية تحقيقا للحرية لذلك فنحن لانعارضها.
في حال الوصول إلي الحكم من يتولي الأمر، أهم أهل الحل والعقد، أم مرشحون يأتون عبر الطريق البرلماني؟.
نحن لانسعي في طلب الحكم، ولكن لانرفضه. إذا استدعتنا الأمة لذلك، ولاشك أن أنجح الوسائل في هذا العصر النظام البرلماني الذي يعبر عن إرادة الأمة بصدق».
ويسأل أيضا: «وماهو رأيكم في مصادرة بعض التيارات السياسية الأخري في الجامعة؟
نحن نطالب بالحرية للجميع والشعب هو الذي يحكم لتيار ما أو عليه» (266) ونحن نقول لأبي النصر: أقم وجهك للدين حنيفا، فالله تعالي هو الذي يحكم فيما اختلف فيه الناس لا الشعب، قال تعالي (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلي الله). وهذا هو دين الإسلام.
وتنشر مجلة المجتمع بيان الإخوان المسلمين بمناسبة فوز حزب الجبهة الإسلامية للانقاذ في الجزائر تحت عنوان:«الإخوان يعبرون عن سعادتهم بعرس الديمقراطية في الجزائر»
وتقول المجلة:«اعرب الإخوان المسلمون عن سعادتهم بعرس الديمقراطية الذي شهدته الجزائر مؤخرا» «وصف الإخوان ماحدث بأنه يشكل منعطفا حضاريا وحدثا تاريخيا له أعمق الأثر في حياة الأمة الإسلامية والعربية» (267).وقد انتهي العرس الديمقراطي بمأتم لجبهة الانقاذ حيث تدخل الجيش واعتقل قادة الجبهة الذين حادوا عن الجهاد الشرعي الواجب عليهم وسلكوا طريق البرلمان الكافر.
ج - وأما فريد عبدالخالق في كتابه «الإخوان المسلمون في ميزان الحق»
فيفرد الباب الثاني ل «فكر ومفاهيم الجماعة» وتحت عنوان «دعائم الحكم الإسلامي» يقول:
«ومهما يكن من شيء فلا أعتقد أن الإسلام يرفض مبدأ وجود أحزاب سياسية نظيفة تعبر عن اجتهادات مختلفة في البرامج الإصلاحية، ووجهات النظر السياسية والدولية».
ويقول أيضا:«فإذا تعذر وقامت المصلحة العامة بقيام التعددية الحزبية فإن الإسلام يسعها» والاستاذ فريد أصبح كمرشديه متحدثا رسميا باسم الإسلام.
ويقول أيضا:«وعلي هذا فليس في قواعد هذا (النظام النيابي) مايتنافي مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيدا عن النظام الإسلامي ولا غريبا عنه. وبهذا الاعتبار يمكن أيضا ان نقول في اطمئنان إن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لاتتنافي مع قواعد الإسلام، وليست بعيدة عن النظام الإسلامي ولاغريبة عنه. بل إن واضعي الدستور المصري رغم إنهم وضعوه علي أحدث المباديء الدستورية وأرقاها، فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية، فهي إما متمشية معها صراحة كالنص الذي يقول: «دين الدولــــة
الإسلام - وأن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع - أو قابلة للتفسير الذي يجعلها لاتتنافي معها كالنص الذي يقول: «حرية الاعتقاد مكفولة» (268).فانظر هذا التلفيق والتلبيس.
ويقول أيضا في حديث لمجلة المصور «إن الإسلام لايتعارض مع قيام أحزاب سياسية ولايتعارض مع الديمقراطية، بل إن لب الديقراطية من صميم الإسلام».
ويقول أيضا:«في رأينا أن حل الأزمة الاقتصادية يرجع إلي تعميق واطلاق الحرية والديمقراطية، وعلاج مشاكلنا بمزيد من الديمقراطية» (269).
د - وأما محمد الغزالي فيقول: «تعلم الإخوان المسلمون من دينهم أن طغيان الفرد في أمة ما جريمة غليظة وإن الحاكم لايستمد بقاؤه المشروع ولا يستحق ذرة من التأييد إلا إذا كان معبرا عن روح الجماعة ومستقيما مع أهدافها.
ومن ثم فالأمة وحدها هي مصدر السلطة، والنزول علي إرادتها فريضة والخروج علي رأيها تمرد!! ونصوص الدين وتجارب الحياة تتضافر كلها لتوكيد ذلك» (270).وكذب الغزالي أيما كذب وخلعَ علي الأمة صفات لاتنبغي إلا لله تعالي.
هـ - أما مأمون الهضيبي فيقول: «إن النظام الدستوري في سنة 1923 هو خير من عبر عن الشوري وأهل العقد...وقال: ومع ذلك فإن الإخوان المسلمين يوافقون علي الديمقراطية الحقيقية» (271)
و - أما عبدالحميد الغزالي فيقول:«إننا قد قبلنا الديمقراطية الوضعية كبديل عملي للشوري واشتركنا في انتخابات مجلس الشعب عام 1987 تحت مظلة غير مظلتنا» (272).
ز - أما أحمد سيف الإسلام حسن البنا (نجل حسن البنا) فيقول حين يسأل في مجلة المجتمع: «المجتمع:ما رأيكم وماموقفكم من حق تكوين الأحزاب لجميع الاتجاهات والانتماءات ومن ضمنها الشيوعيون؟.
البنا: لها هذا الحق.... والإسلام لايجبر الانسان علي الالتزام بعقيدة (لا إكراه في الدين)»
ويضيف «وأنا أري شخصيا أنه في ظل مجتمع إسلامي من حق كل الناس أن تعلن أراءها ومعتقداتها» (273).
ح - أما عصام العريان فيقول: «إن موقف الإسلام معروف من الشوري والتعددية فالقانون الإساسي لجماعة الإخوان والذي ينظم العلاقة بين الجماعة يقر الشوري كما أقرها علماء الإخوان بل ينظر الإخوان إلي الحكم الدستوري علي أنه أقرب نظم الحكم إلي الإسلام، ولايعدلون به نظاما خاصا كما تؤكد رسالة المؤتمر الخامس للشهيد حسن البنا.
وأضاف:«لماذا نؤكد ونصر علي أن الاسلاميين معادون للديمقراطية؟ إن هذا افتراء عظيم. فنحن أول من ينادي بالديمقراطية ويطبقها ويذود عنها حتي الموت» (274).ولاندري أين علماء الإخوان الذين يتحدث عنهم العريان، ولاندري هل من يزود منهم عن الديمقراطية حتي الموت سيسمونه شهيداً أم لا؟ أما نحن فلا نعرف عن الشهيد غير قول النبي e (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليه.
24 - موقف الإخوان من العلمانية:
يقول عمر التلمساني في مجلة المستقبل التي تقول:«وكان لقاء «المستقبل» الأستاذ عمر التلمساني أحد المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية والذي ذهب إلي إقامة أول تحالف من نوعه بين الإخوان والوفد والذي قال ل «المستقبل» إن هناك مفاوضات مازالت تجري. واللمسات الأخيرة لم توضع بعد.
وعن كيفية التحالف مع حزب عرف موقفه العلماني يقول التلمساني: «إن هناك فارقا واضحا بين العلمانية والالحاد. فالعلمانية ليست ضد الدين، إنما تعطي للمتدين الحق في التعبير عن ذاته. أما الالحاد فهو موقف خاص يؤدي إلي ملاحقة المتدينين.
وكنت زميلا للأستاذ فؤاد سراج الدين رئيس الوفد في كلية الحقوق، وهو رجل صالح يصلي ويصوم. كما ان حزب الوفد لم يؤذ الإخوان كما فعل غيره مثل الحزب السعدي» (275).
فمقياسهم إذا هو معاملة الآخريين للإخوان وليس الحكم بالإسلام ولا كون حزب الوفد حزبا علمانيا حكم بغير الإسلام زمنا.
وتجدر الملاحظة أن المرشد العام يمثل الإخوان وهو المتحدث الرسمي باسمهم ليس علي مستوي مصر فقط ولكن علي مستوي التنظيم الدولي كله كما ينص علي ذلك القانون العام للإخوان المسلمين (276).

25 - التدرج في تطبيق الشريعة:
كثرت أقوال قادة الإخوان المتفاهمين مع الحكومة علي أن تطبيق الشريعة يكون بالتدريج وبالهدوء.
وللأسف لانعلم - في حدود علمنا - عالما منتسبا للقبلة قال بهذا القول.
أ - يقول عمر التلمساني المرشد الثالث حين يسأل في مجلة المصور:«المصور: إذن المسألة ليست تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل فوري؟
التلمساني: لا... لم يقل أحد بذلك»
ويقول أيضا:«الإسلام يراعي كل شيء ولكن من يحكمون لايريدون ان يعرفوا هذا للأسف الشديد.
يكفيني أن يقول الحاكم: إننا نريد تطبيق حدود الله ولكن هناك متطلبات لابد وأن نتيحها قبل ذلك» (277).
ويقول أيضا:«أنا قلت لرفعت المحجوب في مجلس الشعب عندما دعوني في جلسة استماع تطبيق الشريعة: علي مهل... تدريجيا... وكان المحجوب دائما يستشهد برأيي هذا» (278).
ويقول أيضا في مجلس الشعب في لجنة الشئون الدينية:«اننا لانريد أن نطبق الإسلام مرة واحدة «الحلال بين والحرام بين»
الخمر حرام يعني حرام، القمار.... السرقة، هذه مسائل منتهية لسنا بصدد التشريع من جديد. إنما الكلام في الأسلوب كيف نصل إلي تنفيذ هذه المهام، فهذا الأسلوب يقتضينا التأني» (279).
ويتكلم عن منهج الإخوان فيقول: «بهذا التاريخ الأبيض الناصع يتحدث الإخوان المسلمون عن تطبيق الشريعة الإسلامية.
ولايقرون المسيرات ولا المؤتمرات ولامناصبة الحكومات العداوات. لأن أسلوبهم في الدعوة إلي الله حقق مالم تحققه الاندفاعات والحماس الطائش فنحن اليوم إذ ندعو إلي التطبيق رويدا رويدا لانتنكر لماضينا ولا نتناقض مع أنفسنا، ولكننا نسير علي منهجنا القديم نفسه» (280). وإذا كان التلمساني يري أن تاريخ الإخوان أبيض ناصع، فنظن أن ماذكرناه في هذا الكتاب يدل علي أن تاريخهم ليس كذلك، ولكن الأمر كما قال الله تعالي (كل حزب بما لديهم فرحون).
وفي آخر خطبة له يقول: «نحن لانريد عنتا ولانريد إحراجا. نحن ندعو إلي تقنين الشريعة الإسلامية علي مهل حتي لاتختلط الأمور» (281).
ب - أما حامد أبو النصر المرشد الرابع في حوار مع مجلة العالم فيسأل: هل يختلف موقفكم بخصوص تطبيق الشريعة مع موقف الأستاذ التلمساني الذي طالب الدولة بالبدء في تطبيق الشريعة بالتدرج؟!.
* لاشك أن الأستاذ عمر التلمساني - رحمه الله - كان بعيد النظر لقد كان يهدف إلي معرفة رؤية الحكومة هل تريد تطبيق الشريعة أم لا - بالضبط - وبالتالي كشف موقفها. ونحن نطالب بضرورة الاسراع في اتخاذ خطوات عملية لتطبيق الشريعة الإسلامية حتي تطمئن النفوس وترتاح القلوب ونرضي الله». (282).ونقول لهؤلاء المزايدين بالشريعة لماذا لاتطبقون أنتم ياإخوان مايجب عليكم من شريعة الله، لماذا لاتكفرون الحكام الذين كفَّرهم الله ورسوله وكفَّرهم علماء المسلمين بالإجماع، ولماذا لاتطبقون الشريعة التي توجب عليكم جهاد هؤلاء الحكام المرتدين؟. وقال تعالي (إن الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم).
وفي حوار في جريدة النور يسأل: «ماالأسلوب الأمثل - من وجهة نظركم - الذي يتم به تطبيق الشريعة الإسلامية إذا ماأقر مجلس الشعب مبدأ التطبيق؟.
هل تتصور مثلا ان يكلف الرئيس مبارك الأستاذ حامد أبو النصر بتشكيل الوزارة؟؟.
* أولا... أنا مستبعد أن يكلفني الرئيس مبارك بتشكيل وزارة إذا حدث ذلك فلابد أن تكون هناك فترة انتقالية يتم فيها تهيئة المناخ ثم بعد ذلك يأتي الفكر الإسلامي للحكم بقواعده وكوادره والفترة الانتقالية التي أشير إليها هي بمثابة همزة الوصل بين الوضع الحالي و الوضع الذي نتطلع إليه في ظل المجتمع الإسلامي... وذلك حتي تتهيأ البلاد للحكم الإسلامي.
فنحن لانقول هيا نقطع يد السارق دون أن نحدد متي تقطع هذه اليد تحديدا دقيقا ونعلنه للناس... ثم يجب أن تؤخذ الأمور علي مراحل حتي لانقع في الاخطاء التي وقع فيها غيرنا عند التطبيق.
وأطالب بأن يكون السير في هذه المراحل بتؤدة وبخطوات محسوبة ومدروسة» (283).
ج - ويقول مأمون الهضيبي:«لإنه لاخلاف بين التيار الديني والحكومة حول تطبيق الشريعة الإسلامية وإنما الخلاف يتركز حول امكانيات التطبيق».
وأضاف «إننا نطلب توافر امكانيات تطبيق الشريعة الإسلامية لأنه لايمكن تطبيقها بين يوم وليلة ولابد من وجود هيئة قضائية مستقلة يتشبع أعضاؤها بالشريعة تتولي عملية التطبيق لأن الشريعة ليست حدود فقط ومن ينتقي الحدود من الشريعة لتطبيقها فهو خارج علي أحكام الشريعة» (284).
ومن الجدير بالذكر أن جلسات الاستماع في لجنة الشئون الدينية لمجلس الشعب كانت حيلة سياسية لتغطية مطالبة الشيخ صلاح أبو إسماعيل باقرار مشاريع ست قوانين مدفونة في أوراق مجلس الشعب فجاء الإخوان وشاركوا الوفد والحكومة في هذه الحملة وطالبوا بالتدرج وإن الموقف غير معد للتطبيق الفوري وعلي هذا يرد الشيخ صلاح أبو إسماعيل في حسرة:«وكل مناداة باستئناف مسيرة الشريعة إنما تنطوي علي تجاهل العمل الكبير الذي تم انجازه.
وماينادي به من تهيئة المناخ العام في المجتمع المصري هو نداء تناسي الاستفتاءات العديدة التي طلب إلي الشعب فيها أن يقول كلمته في الاتجاه الإسلامي فأسفرت عما يشبه الإجماع علي المطالبة بالشريعة الإسلامية فأي مناخ نريد أن نعده والشريعة فيها ضمان الوحدة الوطنية والعدل والرخاء والأمن.؟
والمناداة بالتدرج هي مناداه بشيء في غير موضعه لأن التدرج كان في نقل المجتمع من الجاهلية إلي أنوار الإسلام. وأرفض المناداة بالتنقية فهذا أمر قد تم وأخذ من عمر الزمان 40 شهرا ومضي علي تمامه 36 شهرا ونحن الآن أمام تراث موجود في اللجنة التشريعية في البرلمان» (285)
أما رفعت المحجوب الذي أوردنا من قبل رأي التلمساني فيه في الفقرة الثانية والعشرين من هذا الفصل فيكشف مخطط التواطؤ قائلا: «أؤكد في البداية أن البرلمان والحكومة حريصان علي تطبيق الشريعة أكثر من أي جهة أخري ولكن ليس بأسلوب الارهاب وفرض الرأي وإصدار المنشورات واستغلال منابر المساجد والمسيرات لتهديد النواب وإرهابهم والتشهير بالبرلمان وإثارة الرأي العام بتقديم وقائع غير صحيحة.
ويكفي أن البرلمان عقد علي مدار 6 أسابيع 5 جلسات عقدتها لجنة الشئوون الدينية بالبرلمان لمناقشة تطبيق الشريعة الإسلامية وحضرها كافة الاتجاهات الحزبية والدينية واتيحت الفرصة للجميع للحديث ثم عقدت عدة اجتماعات في مكتبي مع ممثلي الأحزاب وأعدت اللجنة تقريرا عرض علي البرلمان لمناقشته واتيحت الفرصة لحوالي 11 نائبا للحديث واتفقت جميع الآراء علي التدرج في التطبيق وتنقية القوانين القائمة لأن ليس كل القوانين مخالفة للشريعة ولانستطيع أن نهدم التراث» (286).والتراث الذي يعنيه المحجوب هو القوانين الوضعية تراث الكفر والكافرين.
أرأيت ياأخي القاريء الخطة الشيطانية للمشاغبة علي الشيخ صلاح وتضييع صوته في خلال حملة استغرقت 6 أسابيع اتفق الجميع (لاحظ كلمة الجميع) علي التدرج والتنقية.
والذي حدث بعد ذلك أن رئيس المجلس أعلن إنهاء الدورة التشريعية وبذلك يكون الموضوع قد أغلق ولايجوز مناقشته في دورة أخري طبقا للائحة المجلس.
ثم فصل حزب الوفد الشيخ صلاح أبو إسماعيل من عضويته ولم يتنفس أحد من الإخوان في البرلمان ببنت شفة مع إنهم رسميا أعضاء في حزب الوفد ودخلوا البرلمان بواسطته.
والمقصود من هذا نزع الصفة الحزبية عن الشيخ صلاح حتي لايتمكن من الدخول لأي انتخابات قادمة حسب القانون الذي كان ساريا وتواطؤا الإخوان علي السكوت علي الشيخ صلاح وتركوا المؤامرة تمر مع أن الشيخ صلاح هو الذي أدخلهم للوفد ونحن نود أن نؤكد أن اثباتنا لكلمة الشيخ صلاح لاتعني موافقتنا علي مافيها فنحن لانوافق علي أسلوبه ونراه غير مجد شرعا وعقلا.
وها قد مضت ست سنوات وتوفي خلالها الشيخ صلاح ولازال المناخ العام لم يهييء ولن يهييء طالما أن تطبيق الشريعة قضية مناورة سياسية ولاتعجب ياأخي إنهم الإخوان.
26 - قصة الضابط محمود عبده:
وهذه القصة باختصار حتي لانطيل: إن النقيب محمود عبده كان من الإخوان وكان متطوعا في حرب فلسطين وكان مشهودا له بالبطولة والفداء، فلما صدر أمر حل الإخوان في القاهرة أودع هو وإخوانه المعتقل في الجبهة، ولما احتاجت القوات المصرية لبطولته لعجزها عن الاستيلاء علي التبة 86 ذهب إليه القائد العام وطلب منه احتلال التبة فخرج هو وإخوانه واحتلوا التبة بعد بطولات واستشهادات ثم دخلوا إلي السجن مختارين طائعين والإخوان يعتبرونها من مفاخرهم (287).
وأنا أعتبرها دليلا علي الافلاس العقائدي للقيادة التي سمحت للحكومة أن تستخدم جنودها لمصلحتها ثم تودعهم السجون متي شاءت.
والعجيب إن هذه المفاهيم لازالت سارية في الإخوان ألم تر إلي أقوال صلاح شادي في الفقرة العشرين من هذا الفصل التي يعتبر فيها حسني مبارك إماما شرعيا لاتجوز منابزته.
والعبرة ياأخي القاريء ان هذا هو مايريد الإخوان أن يستغلوك لاجله تتطوع لمحاربة أعداء الحكومة ثم تدخل المعتقل وقتما تشاء الحكومة، وإذا كان الإخوان قد حاربوا اليهود قديما، فإنهم الآن يحاربون جماعات الجهاد العدو المعاصر للحكومة.
فإذا أضفت هذا إلي كل ماذكرناه لك من قبل مثل موقفهم من إخوانهم قتلة الخازندار ومن أخيهم عبدالمجيد أحمد حسن قاتل النقراشي ثم موقفهم المتخبط من جمال عبدالناصر وعصابته ثم موقفهم من أنور السادات وحسن أبو باشا وحسني مبارك لعلمت ماذا يريد قادة الإخوان منك!!!.
27 - ونختم هذا ببعض النوادر لعمر التلمساني:
يقول عمر التلمساني عن المعاملة في السجن في يناير 1982:«وان كنت علي يقين إنهم يعاملون (أي المعتقلين) الآن معاملة طيبة وإنسانية وفيه احترام للآدمية، بل ان الطلبة فيما أعلم بدأت تصلهم الكتب ليذاكروا فيها» (288)
وأشهد الله ويشهد آلاف المعتقلين بل وتشهد جثة كمال السنانيري أنه غير صادق. ويقول عن حادثة قتل أنور السادات:
«لقد أشيع أن رصاصا أطلق من الخلف، وإن الصفة التشريحية للجثة أثبتت هذا، ولا أقول إنها حقيقة مقطوع بصحتها، ولكنها شائعة، وإلي جانبها تقوم الحكمة المعروفة إنه «لادخان من غير نار». (289)
ولا أدري ترى حول من يثور الدخان؟.

غسان بابتي
04-11-2004, 07:22 PM
هذا راءي ايمن الظواهري الذي احترم و اقدر و لكن ليس هو بمعصوم...

و اشك في نقل الموضوع عن لسانه من قبل الناقل الاصلي ..