تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تدمير وثن القوميين (الفصل الأول)



islam
03-14-2004, 06:00 AM
الفصل الأول

[align=center:5a8b7a6a69]المقدمة[/align:5a8b7a6a69]
" وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " ، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحطم أوثان الجاهلية حول الكعبة .. وها نحن أولاء نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نستعين بالله على الإجهاز على البقية الباقية ـ إن كان هناك بقية ـ من ذلك الوثن ، الذي طالما عبده الملأ من الناس وألّهوه ، ذلك المسمى : بالقومية العربية .
وما دفاع بعض عبدة القومية عن دينهم هذا ، ومنافحتهم عنه ، إلا كمثل الغريق يمسك بالقشة مخافة الغرق السحيق ، ولقد أضحت القومية ومن يعبدونها جيفاً نتنة ، قد تعفنت واهترأت تحت الطين والوحل منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ، منذ أن وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام تحت قدمه الشريف حين قال في خطبة الوداع " وإن كل أمر من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع " والعجب أن نرى من يأتي ويعمل على إخراجها من تحت الطين والوحل ، ليُقَبلُها ويدثر بها جسده .
أما زال أولئك المسخاء يؤملون في ذلك الوثن المتهالك المسمى بالقومية بعد ما جرى ما جرى ؟..ما بالهم ينحطون إلى درك عفن ومستنقع أسن يمرغون فيه وجوههم وصدورهم ، ثم يخرجون علينا ويدّعون النظافة والنصاعة .. عجباً لهم وأف ثم تف ، بيد أن أعجب العجب هو ترك العجب من العجب ، ومن ثم لنقرأ معاً هذه الدراسة .
[align=center:5a8b7a6a69]المدخل[/align:5a8b7a6a69]
مازال في عالمنا العربي من يريد أن يجعل الآصرة التي يجتمع عليها الناس في العالم العربي ، هي القومية العربية ، مازالوا كذلك رغم كل تلك المآسي التي أردت العرب إلى الحضيض بين الأمم .. مازالت المساجلات على صفحات المجلات والجرائد ، وبين دفوف الكتب تناقش ، هل هي عروبة أم إسلام ؟ رغم أن الفترة الزمنية التي نجح فيها القوميون في امتلاك أزقّة الأمور والحكم ، كانت ومازالت أسوأ الاحقاب الزمنية التي مرت ، وليس على الأمة العربية فحسب ، ولكن على كل الأمة الإسلامية فكم من الهزائم مُنيَ بها العرب وكم من عداوات وأحقاد فيما بينهم لازالت إلى الآن تطحن الشعوب العربية المسلمة طحنا .
ما ذلك إلا جرّاء لمخالفة نص الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول : ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ) وقوله : ( دعوها فإنها منتنة ) بعد ما سمّاها جاهلية .
[align=center:5a8b7a6a69]حال العرب قبل الإسلام[/align:5a8b7a6a69]
وقبل الكلام عن القومية الجديدة ومنشأها ومصابها التي جناها الناس من خلفها . يجدر بنا إلقاء نظرة سريعة على حال العرب قبل الإسلام ، لنرى كيف أحيا الإسلام أمة العرب من عدم وبالتالي فلا حياة لها إلا به ؟
فبعد أن بعد العرب عن ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وبعد أن أوحى الشيطان لزعيم لهم هو عمرو بن لحيّ ، بعبادة الأصنام كان من أمر فرقتهم واختلافهم وقتالهم بعضهم بعضا ما يذهل العقل ، فهم ـ على قتالهم ـ كانت حروبهم بينهم تدوم أعواماً عديدة ، فحرب البسوس بين بني بكر وبين مرة دامت أربعين سنة متوالية ، وحرب داحس والغبراء دامت هذا العدد من السنين ، والأسباب من التفاهة بمكان والحرب التي كانت بين الأوس والخزرج والتي دامت السنين الطوال ، وحرب امرئ القيس ضد قتلة أبيه …الخ .
وذكر ذلك يطول ويطول .
إذن فالتشرذم والتنافر والتقاتل كان سمة بارزة أدت إلى جعل الأمة العربية أمة لا يأبه بها العجم من الفرس والروم ، بل إن هذا الوضع جعل كثيراً من القبائل العربية التي على تخوم فارس تنضوي تحت لواء فارس ، وكذلك الأمر فالقبائل التي كانت على تخوم الروم والت الروم ، واليمن وما فيه من القبائل كان متقلب بين الحبش والفرس .
فالعرب فيما بينهم كقبائل ليس بينهم إلا السيف والدم بينما على غيرهم فهم إما تبع للفرس أو للروم أو للحبش . وليس لهم أي كيان سياسي أو عسكري يخافه الروم أو الفرس ـ إلا بعض الحروب القليلة مثل يوم ذي قار .. ولم يكن وضعهم الاجتماعي أحسن حالاً من الوضع السياسي والعسكري ، فكان وضع المرأة المتردي ، ووأد البنات ، وفوق ذلك وتحته عبادة الأصنام وما تخلفه من أدواء . وغيرها من الصفات التي محاها الإسلام ورفضها . فحثهم على الاعتصام والاجتماع وكان ذلك حتى قوضوا دولة الفرس والروم والقضاء على كل الصفات المذمومة ليشير بوضوح ويدل دلالة جازمة على عظمة هذا الدين .
نعم كانت هناك بعض الصفات المحمودة كالنخوة والشجاعة والكرم والمروءة ، ولكنها كانت كقطرة خير في بحر من أمواج الشر المتلاطمة .
هذه هي حالة العرب قبل الإسلام ، لا تنظيم سياسي ولا اجتماعي ولا قوة اقتصادية ولا قوة عسكرية ولا شئ من الأمور التي تخيف منهم الأمم ، فكانوا في ذيلها . وهذا لا يماري فيه أحد ولا يستطيع إثبات عكسه .
[align=center:5a8b7a6a69]الإسلام[/align:5a8b7a6a69]
ثم جاء الإسلام فجعل من العرب قوة مرهوبة الجانب ، قوضت ملك قيصر وملك كسرى ، وليس أدلّ على ذلك من قول أحد الخلفاء لسحابة فوقه : " أذهبي حيث شئت فسوف يأتيني خراجك " . ثم انتشر الإسلام فيه أفواجاً فلم يفُضّل عربي على عجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح .
[align=center:5a8b7a6a69]المؤامرة[/align:5a8b7a6a69]
حاول الغرب الصليبي تقويض الدولة الإسلامية عن طريق الحروب العسكرية ، فيما سمي بالحروب الصليبية ، ولكن كلها تحطمت على صخرة الإسلام القوية ، وكان لصلاح الدين الأيوبي الكردي المسلم دور عظيم في تحطيم تلك الحملات .د
وأيقن مفكروا الغرب الصليبي أنه لا سبيل إلى البلاد الإسلامية والإسلام حي ينبض في عروقهم ، فبدأوا يشنون مع الحروب الإستعمارية حروباً من نوع آخر ، تستهدف هدم الإسلام في قلوب المسلمين ، فبدأ ما عرف بالاستشراق الذي كان في حقيقته عبارة عن شبكة للجاسوسية تنقل للدولة الاستعمارية الحديثة أمثل الطرق للسيطرة على بلاد المسلمين ، وتهدم دينهم بعد أن كانوا يدفعون الجزية لمدة قرون عديدة للخاقان التركي المسلم .
وعمل المستشرقون كخبراء ـ للحكومات الغربية ـ بشؤون الشرق الإسلامي ، وسيطر الغرب في القرن التاسع عشر على البلاد الإسلامية ، ولكن وجد أن الإسلام ما يزال يحرك الشعوب ، فأوحي إلى من أوحي إليه بالقومية .
[align=center:5a8b7a6a69]أول ظهور القومية[/align:5a8b7a6a69]
إن أول ما ظهرت دعوى القومية في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، ثم صارت لا يؤبه بها هناك ، لأنها ترمز إلى التخلف والرجعية عندهم ، ولكن ابتلي بها العالم العربي والأمة الإسلامية .
ولكن من الذي دعى للقومية العربية ؟ ولماذا ؟
كما ذكرنا أن القومية العربية فكرة أوروبية المنشأ . أما الذين قاموا على نقلها ونشرها في المنطقة العربية فهم النصارى ، فالفكرة أوروبية والتنفيذ صليبي .
أما الأهداف التي من أجلها ظهرت دعوى القومية فهي : طرد تركيا ـ دولة الخلافة ـ من المنطقة ، وتفريغ المنطقة والعالم الإسلامي من دينه بإحلال العروبة مكان الدين ، وبالتالي يمكن أن يدخل مكانه أي دين أو فكر جديد في المنطقة ، وهذا ما حدث .
أما كون النصارى هم الذين بدأوا بالدعوة لهذه الفكرة ، وكانوا هم زعماء القوميين في المنطقة ، فهذا واضح جداً كما أشار إليه معرّب كتاب " لعبة الأمم " . من أن أكثر من تسعين بالمائة من قادة حركة القومية العربية هم خريجو الجامعة الأمريكية في بيروت ، ويشير كذلك إلى أسماء زعماء القومية العربية وكلهم من النصارى ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر :
ميشيل عفلق زعيم حزب البعث العربي الاشتراكي ، وأنطون سعادة زعيم القوميين السوريين ، وجورج حبش زعيم القوميين العرب ، وقسطنطين زريق وغيرهم .
كيف بدأت الدعوة إلى القومية ؟
بدأت الدعوة للقومية العربية بجمعية الآداب والفنون سنة (1847) وأسسها إبراهيم اليازجي وبطرس البستاني ، وهما من النصارى ، ثم تحول اسمها إلى الجمعية العلمية السورية سنة (1868) وكانت تدعو العرب إلى الانفصال عن تركيا ، وطالما علمونا أشعار إبراهيم النازجي في المدارس وحتى الآن مازالت تدرس إذ يقول :
تنبّهوا واستفيقوا أيها العرب لقد طمى السيل حتى غاصت الركب
أقداركم في عيون الترك نازلـة وحقكم بين أيدي الترك منتهـب
ويقول إدورد عطية ـ أحد دعاة القومية : " كان المسيحيون يكرهون السيادة التركية ويتطلعون نحو التحرر " .
وجاء في كتاب " المجتمع العربي " الذي ألفه مجموعة من الأساتذة في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية :" إن أول حركة ذات صبغة عربية قامت في العالم العربي صد الحكم التركي ، واتخذت العروبة أساساً وهدفاً ، كانت جمعية سرية يتزعمها مجموعة من الشباب المسيحي في بيروت وتهدف إلى التفرقة بين العرب والأتراك ، والذي أوحى بفكرة تأسيس القومية رجل يسمى ( إلياس جبّالين ) من بلدة دوك مكايل ، وكان أستاذاً للغة الفرنسية في الجامعة الأمريكية ، وكان من بين الطلاب إبراهيم اليازجي ويعقوب فرهود وشاهين مكاريوس ، وكان الأستاذ معجباً بالثورة الفرنسية .
أما أنها غربية التخطيط فيقول أستاذهم فيليب حتي ـ وهو معروف عندهم أنه مؤرخ الأجيال الذي مجده القوميون ـ يقول :" كان من نتيجة الاحتكاك بين العقلية السورية والنتاج الفكري الغربي أن تولدت فكرة القومية ، واستمدت وحيها من أكثر النظريات السياسية الأمريكية ، بخلاف القومية التركية التي جاءت متأخرة عن القومية العربية ، واستمدت وحيها من الثورة الفرنسية " .
ويقول حتّي " لقد كان ظهور مبادئ القومية العربية في العقد السابع من القرن التاسع عشر على يد رجال الفكر الثوريين ، وأغلبهم من اللبنانيين المسيحيين الذين تثقفوا في المدارس الأمريكية في بلادهم ، ومما لا ريب فيه أن القومية بضاعة غربية استوردها العالم بما فيه الشرق العربي من أوربا " أما عن التنظيم الدقيق للقومية فكان أول من اهتم به " نجيب عاذوري " النصراني في هذا القرن وكوّن جمعية " عقيدة الوطن العربي " في باريس وألّف كتاباً سماه " يقظة الأمة العربية " وفي سنة (1907) أصدرت جريدة الاستقلال العربي .
يقول ساطع الحصري :" إن القومية العربية بدأت بنجيب عاذوري الذي يضع آماله العربية السورية في فرنسا أولاً وفي بريطانيا ثانياً " .
ثم كان بعد ذلك مؤتمر باريس الذي عقده نجيب عاذوري ، واتفق المؤرخون على اعتباره أساس القومية الحديثة فيقول عنه إميل صوصائيل :" إنه كان ـ أي المؤتمر ـ خالياً من المطالبة بالاستقلال حتى لا نحرج بعض الدول الأوروبية التي كانت تشجع الدول العربية وتمدها بالأموال ، وقد صرح الزهراوي ـ رئيس المؤتمر ـ لمراسل جريدة فرنسية : إنه ليس للمؤتمر علاقة بولايات العرب غير العثمانية ـ أي الشمال الأفريقي ـ وأشاد فيه بالمدنية الأوروبية ووزارة الخارجية الفرنسية " .

سيف الحق
03-14-2004, 04:16 PM
القيادة الفكرية في الإسلام
تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر رابطة الوطن ، وذلك بحكم عيشهم في أرض واحدة والتصاقهم بها ، فتأخذهم غريزة البقاء بالدفاع عن النفس ، وتحملهم على الدفاع عن البلد الذي يعيشون فيه ، والأرض التي يعيشون عليها ، ومن هنا تأتي الرابطة الوطنية ، وهي أقل الروابط قوة وأكثرها انخفاضاً ، وهي موجودة في الحيوان والطير كما هي موجودة في الإنسان ، وتأخذ دائماً المظهر العاطفي . وهي تلزم في حالة اعتداء أجنبي على الوطن بمهاجمته أو الاستيلاء عليه ، ولا شأن لها في حالة سلامة الوطن من الاعتداء وإذا رد الأجنبي عن الوطن أو أخرج منه انتهى عملها ، ولذلك كانت رابطة منخفضة .
وحين يكون الفكر ضيقاً تنشأ بين الناس رابطة قومية ، وهي الرابطة العائلية ولكن بشكل أوسع ، وذلك أن الإنسان تتأصل فيه غريزة البقاء فيوجد عنده حب السيادة ، وهي في الإنسان المنخفض فكرياً فردية ، وإذا نما وعيه يتسع حب السيادة لديه ، فيرى سيادة عائلته وأسرته ، ثم يتسع باتساع الأفق ونمو الإدراك فيرى سيادة قومه في وطنه أولاً ثم يرى عند تحقق سيادة قومه في وطنه سيادتهم على غيرهم ، ولذلك تنشأ عن هذه الناحية مخاصمات محلية بين الأفراد في الأسرة على سيادتها ، حتى إذا استقرت السيادة في هذه الأسرة لأحدها بانتصاره على غيره انتقلت إلى مخاصمات بين هذه الأسرة وبين غيرها من الأسر على السيادة ، حتى تستقر السيادة على القوم لأسرة أو لمجموعة من الناس من أسر مختلفة ، ثم تنشأ المخاصمات بين هؤلاء القوم وغيرهم على السيادة والارتفاع في معترك الحياة . ولذلك تغلب العصبية على أصحاب هذه الرابطة ، ويغلب عليهم الهوى ونصرة بعضهم على غيرهم . ولذلك كانت رابطة غير إنسانية ، وتظل هذه الرابطة عرضة للمخاصمات الداخلية إن لم تشغل عنها بالمخاصمات الخارجية .
وعلى ذلك فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لثلاثة أسباب : أولا - لأنها رابطة منخفضة لا تنفع لأن تربط الإنسان بالإنسان حين يسير في طريق النهوض . وثانياً - لأنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء بالدفاع عن النفس والرابطة العاطفية عرضة للتغيير والتبديل ، فلا تصلح للربط الدائمي بين الإنسان والإنسان . وثالثاً - لأنها رابطة موقتة توجد في حالة الدفاع ، أما في حالة الاستقرار - وهي الحالة الأصلية للإنسان - فلا وجود لها ولذلك لا تصلح لأن تكون رابطة بين بني الإنسان .
وكذلك الرابطة القومية فاسدة لثلاثة أسباب : أولاً - لأنها رابطة قبلية ولا تصلح لأن تربط الإنسان بالإنسان حين يسير في طريق النهوض . وثانياً - لأنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء ، فيوجد منها حب السيادة . وثالثاً - لأنها رابطة غير إنسانية ، إذ تسبب الخصومات بين الناس على السيادة . ولذلك لا تصلح لأن تكون رابطة بين بني الإنسان .

نظام الإسلام ،،، تقي الدين النبهاني ،،، الطبعة السادسة ،،، من منشورات حزب التحرير