تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تدمير وثن القوميين



islam
03-14-2004, 05:51 AM
المقدمة

" وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " ، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحطم أوثان الجاهلية حول الكعبة .. وها نحن أولاء نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نستعين بالله على الإجهاز على البقية الباقية ـ إن كان هناك بقية ـ من ذلك الوثن ، الذي طالما عبده الملأ من الناس وألّهوه ، ذلك المسمى : بالقومية العربية .
وما دفاع بعض عبدة القومية عن دينهم هذا ، ومنافحتهم عنه ، إلا كمثل الغريق يمسك بالقشة مخافة الغرق السحيق ، ولقد أضحت القومية ومن يعبدونها جيفاً نتنة ، قد تعفنت واهترأت تحت الطين والوحل منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ، منذ أن وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام تحت قدمه الشريف حين قال في خطبة الوداع " وإن كل أمر من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع " والعجب أن نرى من يأتي ويعمل على إخراجها من تحت الطين والوحل ، ليُقَبلُها ويدثر بها جسده .
أما زال أولئك المسخاء يؤملون في ذلك الوثن المتهالك المسمى بالقومية بعد ما جرى ما جرى ؟..ما بالهم ينحطون إلى درك عفن ومستنقع أسن يمرغون فيه وجوههم وصدورهم ، ثم يخرجون علينا ويدّعون النظافة والنصاعة .. عجباً لهم وأف ثم تف ، بيد أن أعجب العجب هو ترك العجب من العجب ، ومن ثم لنقرأ معاً هذه الدراسة .
المدخل
مازال في عالمنا العربي من يريد أن يجعل الآصرة التي يجتمع عليها الناس في العالم العربي ، هي القومية العربية ، مازالوا كذلك رغم كل تلك المآسي التي أردت العرب إلى الحضيض بين الأمم .. مازالت المساجلات على صفحات المجلات والجرائد ، وبين دفوف الكتب تناقش ، هل هي عروبة أم إسلام ؟ رغم أن الفترة الزمنية التي نجح فيها القوميون في امتلاك أزقّة الأمور والحكم ، كانت ومازالت أسوأ الاحقاب الزمنية التي مرت ، وليس على الأمة العربية فحسب ، ولكن على كل الأمة الإسلامية فكم من الهزائم مُنيَ بها العرب وكم من عداوات وأحقاد فيما بينهم لازالت إلى الآن تطحن الشعوب العربية المسلمة طحنا .
ما ذلك إلا جرّاء لمخالفة نص الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول : ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ) وقوله : ( دعوها فإنها منتنة ) بعد ما سمّاها جاهلية .
حال العرب قبل الإسلام
وقبل الكلام عن القومية الجديدة ومنشأها ومصابها التي جناها الناس من خلفها . يجدر بنا إلقاء نظرة سريعة على حال العرب قبل الإسلام ، لنرى كيف أحيا الإسلام أمة العرب من عدم وبالتالي فلا حياة لها إلا به ؟
فبعد أن بعد العرب عن ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وبعد أن أوحى الشيطان لزعيم لهم هو عمرو بن لحيّ ، بعبادة الأصنام كان من أمر فرقتهم واختلافهم وقتالهم بعضهم بعضا ما يذهل العقل ، فهم ـ على قتالهم ـ كانت حروبهم بينهم تدوم أعواماً عديدة ، فحرب البسوس بين بني بكر وبين مرة دامت أربعين سنة متوالية ، وحرب داحس والغبراء دامت هذا العدد من السنين ، والأسباب من التفاهة بمكان والحرب التي كانت بين الأوس والخزرج والتي دامت السنين الطوال ، وحرب امرئ القيس ضد قتلة أبيه …الخ .
وذكر ذلك يطول ويطول .
إذن فالتشرذم والتنافر والتقاتل كان سمة بارزة أدت إلى جعل الأمة العربية أمة لا يأبه بها العجم من الفرس والروم ، بل إن هذا الوضع جعل كثيراً من القبائل العربية التي على تخوم فارس تنضوي تحت لواء فارس ، وكذلك الأمر فالقبائل التي كانت على تخوم الروم والت الروم ، واليمن وما فيه من القبائل كان متقلب بين الحبش والفرس .
فالعرب فيما بينهم كقبائل ليس بينهم إلا السيف والدم بينما على غيرهم فهم إما تبع للفرس أو للروم أو للحبش . وليس لهم أي كيان سياسي أو عسكري يخافه الروم أو الفرس ـ إلا بعض الحروب القليلة مثل يوم ذي قار .. ولم يكن وضعهم الاجتماعي أحسن حالاً من الوضع السياسي والعسكري ، فكان وضع المرأة المتردي ، ووأد البنات ، وفوق ذلك وتحته عبادة الأصنام وما تخلفه من أدواء . وغيرها من الصفات التي محاها الإسلام ورفضها . فحثهم على الاعتصام والاجتماع وكان ذلك حتى قوضوا دولة الفرس والروم والقضاء على كل الصفات المذمومة ليشير بوضوح ويدل دلالة جازمة على عظمة هذا الدين .
نعم كانت هناك بعض الصفات المحمودة كالنخوة والشجاعة والكرم والمروءة ، ولكنها كانت كقطرة خير في بحر من أمواج الشر المتلاطمة .
هذه هي حالة العرب قبل الإسلام ، لا تنظيم سياسي ولا اجتماعي ولا قوة اقتصادية ولا قوة عسكرية ولا شئ من الأمور التي تخيف منهم الأمم ، فكانوا في ذيلها . وهذا لا يماري فيه أحد ولا يستطيع إثبات عكسه .
الإسلام
ثم جاء الإسلام فجعل من العرب قوة مرهوبة الجانب ، قوضت ملك قيصر وملك كسرى ، وليس أدلّ على ذلك من قول أحد الخلفاء لسحابة فوقه : " أذهبي حيث شئت فسوف يأتيني خراجك " . ثم انتشر الإسلام فيه أفواجاً فلم يفُضّل عربي على عجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح .
المؤامرة
حاول الغرب الصليبي تقويض الدولة الإسلامية عن طريق الحروب العسكرية ، فيما سمي بالحروب الصليبية ، ولكن كلها تحطمت على صخرة الإسلام القوية ، وكان لصلاح الدين الأيوبي الكردي المسلم دور عظيم في تحطيم تلك الحملات .د
وأيقن مفكروا الغرب الصليبي أنه لا سبيل إلى البلاد الإسلامية والإسلام حي ينبض في عروقهم ، فبدأوا يشنون مع الحروب الإستعمارية حروباً من نوع آخر ، تستهدف هدم الإسلام في قلوب المسلمين ، فبدأ ما عرف بالاستشراق الذي كان في حقيقته عبارة عن شبكة للجاسوسية تنقل للدولة الاستعمارية الحديثة أمثل الطرق للسيطرة على بلاد المسلمين ، وتهدم دينهم بعد أن كانوا يدفعون الجزية لمدة قرون عديدة للخاقان التركي المسلم .
وعمل المستشرقون كخبراء ـ للحكومات الغربية ـ بشؤون الشرق الإسلامي ، وسيطر الغرب في القرن التاسع عشر على البلاد الإسلامية ، ولكن وجد أن الإسلام ما يزال يحرك الشعوب ، فأوحي إلى من أوحي إليه بالقومية .
أول ظهور القومية
إن أول ما ظهرت دعوى القومية في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، ثم صارت لا يؤبه بها هناك ، لأنها ترمز إلى التخلف والرجعية عندهم ، ولكن ابتلي بها العالم العربي والأمة الإسلامية .
ولكن من الذي دعى للقومية العربية ؟ ولماذا ؟
كما ذكرنا أن القومية العربية فكرة أوروبية المنشأ . أما الذين قاموا على نقلها ونشرها في المنطقة العربية فهم النصارى ، فالفكرة أوروبية والتنفيذ صليبي .
أما الأهداف التي من أجلها ظهرت دعوى القومية فهي : طرد تركيا ـ دولة الخلافة ـ من المنطقة ، وتفريغ المنطقة والعالم الإسلامي من دينه بإحلال العروبة مكان الدين ، وبالتالي يمكن أن يدخل مكانه أي دين أو فكر جديد في المنطقة ، وهذا ما حدث .
أما كون النصارى هم الذين بدأوا بالدعوة لهذه الفكرة ، وكانوا هم زعماء القوميين في المنطقة ، فهذا واضح جداً كما أشار إليه معرّب كتاب " لعبة الأمم " . من أن أكثر من تسعين بالمائة من قادة حركة القومية العربية هم خريجو الجامعة الأمريكية في بيروت ، ويشير كذلك إلى أسماء زعماء القومية العربية وكلهم من النصارى ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر :
ميشيل عفلق زعيم حزب البعث العربي الاشتراكي ، وأنطون سعادة زعيم القوميين السوريين ، وجورج حبش زعيم القوميين العرب ، وقسطنطين زريق وغيرهم .
كيف بدأت الدعوة إلى القومية ؟
بدأت الدعوة للقومية العربية بجمعية الآداب والفنون سنة (1847) وأسسها إبراهيم اليازجي وبطرس البستاني ، وهما من النصارى ، ثم تحول اسمها إلى الجمعية العلمية السورية سنة (1868) وكانت تدعو العرب إلى الانفصال عن تركيا ، وطالما علمونا أشعار إبراهيم النازجي في المدارس وحتى الآن مازالت تدرس إذ يقول :
تنبّهوا واستفيقوا أيها العرب لقد طمى السيل حتى غاصت الركب
أقداركم في عيون الترك نازلـة وحقكم بين أيدي الترك منتهـب
ويقول إدورد عطية ـ أحد دعاة القومية : " كان المسيحيون يكرهون السيادة التركية ويتطلعون نحو التحرر " .
وجاء في كتاب " المجتمع العربي " الذي ألفه مجموعة من الأساتذة في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية :" إن أول حركة ذات صبغة عربية قامت في العالم العربي صد الحكم التركي ، واتخذت العروبة أساساً وهدفاً ، كانت جمعية سرية يتزعمها مجموعة من الشباب المسيحي في بيروت وتهدف إلى التفرقة بين العرب والأتراك ، والذي أوحى بفكرة تأسيس القومية رجل يسمى ( إلياس جبّالين ) من بلدة دوك مكايل ، وكان أستاذاً للغة الفرنسية في الجامعة الأمريكية ، وكان من بين الطلاب إبراهيم اليازجي ويعقوب فرهود وشاهين مكاريوس ، وكان الأستاذ معجباً بالثورة الفرنسية .
أما أنها غربية التخطيط فيقول أستاذهم فيليب حتي ـ وهو معروف عندهم أنه مؤرخ الأجيال الذي مجده القوميون ـ يقول :" كان من نتيجة الاحتكاك بين العقلية السورية والنتاج الفكري الغربي أن تولدت فكرة القومية ، واستمدت وحيها من أكثر النظريات السياسية الأمريكية ، بخلاف القومية التركية التي جاءت متأخرة عن القومية العربية ، واستمدت وحيها من الثورة الفرنسية " .
ويقول حتّي " لقد كان ظهور مبادئ القومية العربية في العقد السابع من القرن التاسع عشر على يد رجال الفكر الثوريين ، وأغلبهم من اللبنانيين المسيحيين الذين تثقفوا في المدارس الأمريكية في بلادهم ، ومما لا ريب فيه أن القومية بضاعة غربية استوردها العالم بما فيه الشرق العربي من أوربا " أما عن التنظيم الدقيق للقومية فكان أول من اهتم به " نجيب عاذوري " النصراني في هذا القرن وكوّن جمعية " عقيدة الوطن العربي " في باريس وألّف كتاباً سماه " يقظة الأمة العربية " وفي سنة (1907) أصدرت جريدة الاستقلال العربي .
يقول ساطع الحصري :" إن القومية العربية بدأت بنجيب عاذوري الذي يضع آماله العربية السورية في فرنسا أولاً وفي بريطانيا ثانياً " .
ثم كان بعد ذلك مؤتمر باريس الذي عقده نجيب عاذوري ، واتفق المؤرخون على اعتباره أساس القومية الحديثة فيقول عنه إميل صوصائيل :" إنه كان ـ أي المؤتمر ـ خالياً من المطالبة بالاستقلال حتى لا نحرج بعض الدول الأوروبية التي كانت تشجع الدول العربية وتمدها بالأموال ، وقد صرح الزهراوي ـ رئيس المؤتمر ـ لمراسل جريدة فرنسية : إنه ليس للمؤتمر علاقة بولايات العرب غير العثمانية ـ أي الشمال الأفريقي ـ وأشاد فيه بالمدنية الأوروبية ووزارة الخارجية الفرنسية " .
دين جديد
أما أنها دين جديد يريد القوميون أن يحلوه محل الإسلام ، فذلك واضح جداً في كتاباتهم ، ومن أقوالهم ، ومن ومنهم من يصرح بذلك دون مواربة .
فيقول عمر فاخوري في كتابة كيف ينهض العرب : " لا ينهض العرب إلا إذا أصبحت العروبة مبدأ يغار عليه العربي كما يغار المسلم على قرآنه " .
وفي هذا الشأن يقول لورنس أيضاً :" وأخذت أفكر طوال الطريق في سوريا وفي الحج وأتساءل : هل تتغلب القومية ذات يوم على الاعتقاد الديني ؟ وبمعنى أصح هل تحل المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام ؟ وتستبدل سوريا بمثلها الأعلى الديني مثلها الأعلى الوطني ؟ هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق " .
ويقول جُبّ ـ المستشرق المعروف ـ وبصراحة تامة " وقد كان من أهم مظاهر فَرْنَجَة العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة والتي يشغلها المسلمون الآن ، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا ومصر واندونيسيا والعراق وفارس ، وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا ، ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دوراً مهماً في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها " ومن هنا نرى أن مساعدة حكومات الاحتلال الغربية الحكومات الوطنية ـ في الشرق الإسلامي والعربي خاصة ـ في كل المشاريع التي من شأنها تقوية الشعوبية فيها ، وعمل الحدود بين البلاد ، وإبراز تاريخ هذه البلاد ما قبل الإسلام ، وتدريسه للطلاب والتفاخر بالحضارات القديمة المصرية والأشورية وغيرها ، وجعل الاختلاف حتى في الأشياء البسيطة كغطاء الرأس والزي القومي وكل ذلك يعمق فكرة القومية في نفوس الناس .
ويستمر القوميون في الدعوة لأن تحل العروبة محل الإسلام ، فيكتب بعض القوميون الذين يتسمون بأسماء المسلمين ، فيقول محمود تيمور في مجلة " العالم العربي " عدد (171) : " وأن كُتّاب العرب في أعناقهم أمانة بأن يكونوا حواريين لتلك النبوة الصادقة ـ القومية العربية ـ يزكونها بأقلامهم " .
ويقول في هذا الصدد أيضاً علي ناصر الدين في كتابه " قضية العرب " : " العروبة نفسها دين لنا نحن القوميين العرب المؤمنين العريقين من المسيحيين والمسلمين ، ولئن كان لكل عهد نبوته المقدسة فإن القومية العربية هي نبوة هذا العصر " . ويقول في مجلة العربي عدد (2) يناير (1959) : " القومية العربية يجب أن تنزل من قلوب العرب أينما كانوا منزلة وحدة الله من قلوب المسلمين " .
ويزداد التبجح والكفر في قول إبراهيم خلاص ـ البعثي السوري ـ في مجلة الجيش السوري في (25/4/1967) أي قبل الهزيمة أو النكسة بشهر ونصف تقريباً فيقول : " والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي ، الذي يؤمن أن الله والأديان والإقطاع ورأس المال والمتخمين وكل القيم ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ " . تعالى الله عما يقول علواً كبيرا .
فها هي أقوال وكتابات القوميين ومن أوحي لهم واضحة في أنهم يريدون أن تحل القومية محل الإسلام ، ومن هنا قامت كل الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية منذ أول انقلاب ، تم فيها وكان في سوريا على يد حسني الزعيم ، ثم انقلاب مصر عام 1952م ، ولقد كانت الشعارات التي ترفعها هذه الانقلابات هي القومية العربية .
وأشار مايلز كوبلاند في كتابه " لعبة الأمم " إلى أنهم قرروا أن يرفع جمال عبدالناصر في مصر شعار القومية العربية على الرغم ـ على حد قولة ـ من أن الشعار الإسلامي إذا رفعه جمال سيعطيه مساحة جماهيرية أكبر ، ولكنهم خافوا من انتشاره ، ولكبح التيار الإسلامي المتنامي أملوا عليه أن يرفع شعار القومية الذي ضرب به الإسلام ضربة كبيرة .
و ها هي الايكونمست البريطانية تقول في مقال عام (1962) عنوانه " الإسلام ضد القومية " :
" لقد وضع العرب منذ الحرب العالمية الأولى القومية في المقام الأول عندما حاربوا الأتراك إلى جانب الانجليز من أجل التحرر ، باستثناء القلة الهزيلة من الإخوان المسلمين ، فليس هناك في العالم العربي اليوم أناس ذوي تفكير سياسي يضعون مجتمع الدولة الإسلامية فوق قوميتهم " .
وحتى الأحزاب التي تمخضت في أرض الواقع ، كل مؤسسيها وزعمائها من النصارى ، فظهرت أحزاب البعث العربي الأشتراكي ، وحزب القوميين العرب وحزب القوميين السوريين .
أما حزب القوميين العرب فخرج من الجامعة الأمريكية ، فلقد كان رئيس الجامعة دودج وقسطنطين زريق يشجعون الآراء القومية وسط الطلاب ويدفعون الطلاب دفعاً للقيام بمظاهرات ضد فرنسا باسم العروبة .
ورّبى قسطنطين زريق تلميذاً قاد القوميون العرب ومازال ، هو جورج حبش .
أما القوميون السوريون ، فزعيمهم أنطون سعادة الذي قُتل ثم تولت أرملته القيادة ، وبعدها جاء أسد أشقر ثم جورج عبدالمسيح .
وحزب البعث بشقيه ، صاحب الخيانات الكبيرة ، فزعيمه هو ميشيل عفلق الذي نال من البابا وساماً رفيعاً ، وقال له البابا : " لقد فعلت ما لم تفعله جميع الجمعيات التبشيرية طيلة ثلاثة قرون " . وحينما عاد إلى العراق " الإله العائد " ومن المضحكات المبكيات ما حدث عندما هلك ، فقد أقيمت عليه صلاة الجنازة في كل أرجاء العراق ، وصلى أبناؤه عليه مع المصلين ، ومن الجدير بالذكر أن صدام حسين الرئيس العراقي ـ وهو تلميذ وفيّ للهالك عفلق يقول : إن جلسة واحدة مع الاستاذ ـ كما كان يطلق عليه ـ استلهم منها مدداً لمدة ستة شهور آتية .
وجدير بالذكر كذلك أن عفلق هو الذي أوعز للانجليز بتدبير الانقلاب الذي قام به أحمد حسن البكر ، وعين صداماً نائباً له ، ثم ها هو الآن ومنذ سنوات رئيساً للعراق يطحن أهلها طحناً ، وتعدىّ الأمر هذا الحد فاتجه إلى دول الخليج ليبتر منها الأموال تحت تهديد عضلاته ، ثم تدخله السافر في الكويت وتهديده المنطقة كلها بتدخل أجنبي ، خاصة وأن جيوش هذه الدول جيوش لم تعد لقتال .
عقيدة القوميين
ولكن لماذا كانت العقيدة الشيوعية هي عقيدة كل الأحزاب ؟
كل الأحزاب القومية العربية ذات فكر اشتراكي ، وذلك لأن القومية كما ذكرنا أنفاً جاءت لتقوض الإسلام وتخرجه من نفوس وقلوب المسلمين ، فكان لا بد من وجود فكرة عقائدية يعتنقها الناس والمجتمعات ، وذلك لأن المجتمعات لا تقبل الفراغ ، ولما كانت الرأسمالية ليس لها توجه عقائدي ، كانت الاشتراكية هي الفكرة البديلة ، ومن ثم كانت كل الأحزاب القومية أحزاباً ذات توجه شيوعي ، فطالما تغنت إذاعة البعث في سوريا ليلاً ونهاراً :
آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثاني
فكانت الشيوعية كعقيدة هي عقيدة كل القوميين قال شاعرهم :
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
وكان شباب المقاومة الفلسطينية أيام العمل الفدائي ، الذين يتبعون جورج حبش ونايف حواتمة وغيرهم من القوميين يرددون :
إن تسأل عني فهذي قيمي أنا ماركسي لينيني أممي
وهكذا كان ديدن الشباب الذين فتنوا بالقومية العربية في الخمسينات والستينات ، يتفاخرون بأنهم قوميون عرب اشتراكيون تقدميون ، وكانت الأسماء المفضلة لهم هي : كاسترو ، وجيفارا ، وهوشي منّه ، وماو ، وغيرها من أسماء زعماء الاشتراكية ، بل أن بعضهم لم يكن يسمي نفسه إلا بأبي جهل وأبي لهب ، ولعل قصة وزير الصحة الأردني الذي كنى نفسه : بأبي لهب معروفة .
ظلمات بعضها فوق بعض :
وكما اقتربت القومية العربية بالعداء للإسلام ، وكما هو واضح من كلام منظريهم ومفكريهم ، اقترنت القومية والقوميون بالعمالة للاستعمار وأعداء الأمة ، وإذا ذهبنا نستعرض خيانات القوميين وعمالاتهم التي أظهرها الله على ألسنتهم وألسنة الذين كانوا يعملون لحسابهم ، لطال المقام وطال ولكن نذكر منها طرفاً للتدليل والاستشهاد على أن شعار القوميين المرفوع ما هو إلا دهان باطنه العمالة والخسة ، وظاهرة التقدمية والثورية إلى آخر هذه الشعارات .
ففي سنة (1939) طالبت عصبة التحرر الوطني التي أنشأها الشيوعيون في فلسطين بجلاء الإنجليز ، وتشكيل حكومة مشتركة بين اليهود والعرب ، وفي حرب (1948) تحول أعضاء عصبة التحرر الوطني إلى قادة عصابات مسلحة ، يذبحون الشعب الفلسطيني ، وكان في هذه العصبة توفيق طوبي وإبراهيم بكر المحامي ، وفؤاد نصار في يافا .
أما سقوط فلسطين وإعلان دولة اليهود فقد كان للقوميين العرب دور بارز في ذلك .. من ذلك :
ـ انسحاب فوزي القاوقجي بجيش الانقاذ بعد معارك ناجحة ضد اليهود مما أدى إلى نتائج سيئة وسقوط المدن الفلسطينية تباعاً .
ـ محاكمة القائد العراقي عمر علي محاكمة عسكرية بعد عودته إلى العراق بعد أن قاوم اليهود وأحدث فيهم مقتلة عظيمة ، وكانت التهمة هي التمرد على الأوامر .
ـ ثم جاءت اتفاقيات الهدنة ، والاعتراف بدولة إسرائيل ، وكان في ذلك من العمالة والخيانة ما لا يخفى على أحد لآن :
1) الأسلحة الفاسدة للجيش المصري .
2) اعتقال الإخوان من الجبهة وإرسالهم إلى معتقل الطور .
3) حين كان بإمكان الجيش العراقي أن يضرب اليهود رد القادة العراقيون " ما كوا أوامر إلى الجيش العراقي " .
4) ثم اتفاقية رودس سنة (1949) التي سلمت بموجبها أراضي فلسطين إلى اليهود . ولعل تصريح رئيس وزراء مصر في هذه الأيام بأنه لن يتناول في محادثته مع الأنجليز موضوع فلسطين لأنه رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين . أوضح دليل .
والدليل الأوضح الذي استبان بعد حرب (1967) هو النكبة والنكسة .
فقد استيقظت الجماهير العربية في صباح الخامس من يونيو على هزيمة ما رأت البشرية لها نظيراً ، وما سجل التاريخ العسكري اندحاراً أغرب من هذا ، ثلاثة جيوش عربية ـ الجيش المصري والجيش السوري ـ ينحدرون في سويعات أمام الجيش اليهودي ، وتترك مساحات شاسعة من الأرض مازال أكثر من نصفها تحت الاحتلال اليهودي ، فعندما حوكم صلاح نصر ـ مدير المخابرات المصرية آنذاك ، سئل عن ملابسات الهزيمة ومسئولية جهاز المخابرات المصرية عن ذلك .ذكر أنهم كانوا على يقين أن الضربة الأولى ستكون للطيران يوم الاثنين الخامس من يونيو الساعة الخامسة صباحاً وقال : أبلغنا ذلك للقيادة .. وقال أيضاً : ودخلت عليه ـ يعني جمال عبدالناصر ـ فكنت أجده يقدم ويؤخر مقاطع من أغنية عبدالحليم " لأجل الربيع لأجل الحياة لأجل عشاق الحياة اضرب وقاتل " .
وقال جمال نفسه عند الاستقالة :" لقد كنا نعلم مائة في المائة أن الهجوم يوم الاثنين خمسة يونيو واتصل بي السفير الأمريكي الساعة السابعة مساء وقال لا تضرب ، واتصل بي السفير الروسي الساعة الثالثة فجراً وقال لا تضرب " . أليس عجيباً أن يطيع أوامر السفير الأمريكي على الرغم من أنه كان يقول قبل الحرب بأيام سنحارب إسرائيل ومن وراء إسرائيل ؟ وتستمر المهازل في المعركة ، فالراديو الإسرائيلي التقط برقية من عبدالناصر إلى الملك حسين قال فيها " أسقطنا ثلثي طائرات العدو ، طائراتنا فوق تل أبيب ، شد حيلك يا جلالة الملك ـ التوقيع سلمى " سلمى كان أسم عبدالناصر في الشفرة . فكانت أسلحة الجيش الأردني غنيمة لليهود ، كما كانت أسلحة الجيش المصري الذي جاءه الأمر بالانسحاب بعد إلقاء السلاح .. وغنم اليهود في ذلك أكثر من 800 دبابة لم تسر إلا من مخازن السلاح إلى سيناء ، وعرضها اليهود في يافا على العرب ، ثم باعوا أكثر من 400 دبابة لرومانيا .
والسؤال لماذا لا ينسحب الجيش بأسلحته ؟
ويذكر أكرم الحوراني ـ وهو من منظري حزب البعث ـ في كتابه أن جمال عبدالناصر قال له : مطلوب منا تسليم الضفة والقطاع ، وعندما رأى علامات الذهول في وجهه قال : لا بد أن نسلم الضفة والقطاع . وكان ذلك أيام الوحدة بين مصر وسوريا والتي انتهت بمأساة لا تخفى على أحد .
والكلام لا يحتاج إلى أي تعليق .
أما عن الخيانة البعثية السورية النصيرية فحدث ولا حرج ، ويذكر سعد جمعة ـ وكان رئيس وزراء الأردن في ذلك الوقت ـ في كتابة " المؤامرة ومعركة المصير " فقد طلبت الأردن من القيادة القطرية في سوريا الغطاء الجوي ـ كما كان متفقاً عليه ـ فاستلهموهم ساعة ساعة ثم راجعوهم بعد ساعة فاستلهموهم ساعة أخرى ، وكما يقول سعد جمعة : ومازلنا ننتظر الرد إلى الآن . ثم يقول إضافة إلى ذلك " ثم علمنا النبأ اليقين " أن إسرائيل أرسلت إلى سفير دولة كبرى في دمشق ـ أمريكا ـ تقول فيها إن إسرائيل تعطف على التجربة الاشتراكية العلوية فإذا التزمت سوريا الصمت فإن إسرائيل لا تمسها ، وأرسل السفير البرقية إلى القيادة القطرية فوافقت على الفور " .
فكان نتيجة ذلك أن توجهت الألوية اليهودية لاحتلال القدس والضفة الغربية ، ثم بعد ذلك استدارت إلى الجولان واحتلتها كذلك .د
ويقول تشرشل الحفيد في كتابه :" حرب الأيام الست " :" في الوقت الذي كانت المدفعية السورية تلقي آلاف الأطنان من المتفجرات على الأعشاش الفارغة والقش اليابس ، كانت جرافات البلدوزر الإسرائيلية تشق طريقها صاعدة إلى الجولان ، وقد حصل أن تعطل جنزير إحدى الدبابات فوجه قائد الدبابة مدفعها نحو الدبابات الصاعدة فدمّر ست دبابات إسرائيلية ، مما أعاق تقدم الجيش الإسرائيلي في هذا المحور ثماني ساعات " .
والأدهى من ذلك أن سفير سوريا في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة بأيدي اليهود ، بينما السفير اليهودي ينكر ذلك ويقول : لا لم ندخل القنيطرة بعد .
فهذه الكوارث إنما جرها القوميون العرب على العرب والمسلمين ، بعمالتهم التي أظهرها الله على ألسنتهم وألسنة أسيادهم .
ومازال القوميون ينقلون الأمة من سيئ إلى أسوأ ، ومن تشرذم إلى تشرذم وانحطاط أكثر بالبعث العلوي يحشد القوات أكثر من مرة على حدود الأردن ، وتنسحب بعد أن يأخذ من العرب ما يريد من أموال .
البعث العربي انشق فأصبح بعثين . البعث التكريتي في العراق والبعث العلوي في سوريا وبينهما ما لا يخفى على أحد من نزاع وشقاق وقد يصل الأمر بينهما إلى حد القتال ، مع أن مؤسس الحزب ـ كما ذكرنا ـ هو ميشيل عفلق النصراني .
جرائم القوميين :
أما عمليات الإبادة والقتل التي قام بها القوميون ضد القوميون فلا يمكن سردها كاملة ، وسنكتفي بطرف منها .
قبل نكبة يونيو (1967) كان النشاط الفدائي قد بدأ ولما كان أول بيان للمنظمة قد استهل بالقول " إتكالاً على الله وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس " . فإن ذلك كان كفيلاً بأن تضيق أنظمة دول المواجهة مع إسرائيل على الفدائيين ، وراحت تطاردهم وتعتقلهم ، لأنهم إخوان مسلمون ـ كما زعم بقض الحكام القوميون ـ ولأن هذه العمليات ستكفلهم مواجهة مع العدو الإسرائيلي وهم ليسوا مستعدين لها ولا يريدونها ، أما بعد النكسة فقد اضطرت هذه الدول أن تسمح للفدائيين بعمل قواعد لهم في بعض هذه البلدان ومن أجل ألا يتجاوز العمل الفدائي الهدف المطلوب ، سارعوا إلى تأسيس ودعم منظمات مشبوهة ، فأسس حزب البعث النصيري السوري بعد النكسة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فزعيمها " جورج حبش " وأسس حزب البعث العراقي سنة (1969) منظمة الصاعقة ، وأسس الشيوعيون منظمة قوات الأنصار ومنظمة فلسطين التي أسسها الناصريون ثم بعد ذلك توترت العلاقة بين هذه المنظمات ـ فبعد أن قام القوميون أنصار جورج حبش وغيره برفع شعارات مثل " عمان هانوي العرب " و " كل السلطة للمقاومة " و " تحرير فلسطين يبدأ بإسقاط الحكم الرجعي في عمان " وتحرش شباب المنظمات الفلسطينية الرهيبة فيما سمّي " بمذابح أيلول الأسود " فارتكبت أبشع أنواع القتل والإبادة للفلسطينيين وأولهم القوميون على يد الجيش الأردني في مخيمات عمان وجرش وإربد ، حتى فاق عدد القتلى من الجانبين عدد قتلى حرب (1967) . وقال حبش كلمته المشهورة :" لقد حاربت النظام الأردني بمنظمة التحرير " ولا تكاد تنتهي المأساة حتى يكتشف أن عبدالناصر هو الذي أعطى الضوء الأخضر للسلطات الأردنية للقيام بما قامت به ، ولعل أحد أسباب ذلك أن المنظمات الفلسطينية كانت قد خرجت في مظاهرات عارمة تندد بجمال عبدالناصر وسياساته بعد قبوله مبادرة روجرز في يوليو (1970) .
وبعد أن انتقلت المقاومة إلى لبنان وبدأت الحرب الأهلية في لبنان بحادث الأتوبيس في " عين الرمانة " في (3/7/1975م) . ووجد الفلسطينيون أنفسهم طرفاً في الحرب ، وبعد أن دحرت القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية الوطنية الكتائبيين وحلفاءهم الموارنة تدخل الجيش السوري بقوات قوامها (30,000) ألف جندي في (5/6/1976م) ودحر القوات المشتركة ـ الفلسطينية واللبنانية ـ بعد أن تخلى كمال جنبلاط عن الفلسطينيين ووقف الشيعة إلى جانب القوات النصيرية ، وكانت بعد ذلك مذبحة تل الزعتر (14/8/1976م) . وانطلق الموارنة كالوحوش الكاسرة يذبحون النساء والشيوخ يبقرون الحوامل ، وينتهكون أعراض الحرائر ، وظهرت صورهم على شاشة التلفاز في معظم بلدان العالم وهم يشربون كؤوس الخمر احتفالاً بالنصر على الفلسطينيين ، كل ذلك تحت مظلة الحماية السورية وقادتها القوميين .
ناهيك عن تدمير المباني والمنشآت الحيوية فدمر الجيش السوري مصفاة البترول التي كانت تمد سوريا نفسها بالمواد البترولية .
وإذا انتقلنا إلى اليمن فسوف نجد الرفاق الحمر في عدن ينقلب بعضهم على بعض ، ويقاتل بعضهم بعضا حتى بلغ عدد القتلى (12) ألف قتيل وأكثر من (30,000) جريح ، مع أنهم جميعاً ينتمون لفكر واحد هو الفكر الشيوعي الممزوج بالقومية والتي أرسى دعائمها جورج حبش من قبل .
وعلى صعيد المغرب العربي ، لا تزال مشكلة الصحراء قائمة بين المغرب التي تدعم جبهة البوليساريو التي تقاتل من أجل استقلال الصحراء ، وكم من الضحايا قتل من أجل ذلك .
ولو ذهبنا نسرد المخازي والمساوئ لطال المقام ونحسب أن في هذا كفاية للتدليل على فساد فكرة القومية من ناحية الواقع التي يعيشه القوميون .
موقف الإسلام من الدعوة إلى القومية
من المعروف أن مبادئ الإسلام ومبادئ القوميين متباينة كلياً ، فالذي يعتبره القوميون مصدر القوة ، هو مصدر الضعف والخذلان عند الأمة الإسلامية ، فقوة المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وأوطانهم هي في وحدتهم التي توجدها آصرة الدين وليس الوطن أو النسب أو اللغة أو غير ذلك من الأمور التي يلتف حولها القوميون ، وآصرة الدين هي التي كانت سبب قوتهم وعزتهم وسيادتهم للدنيا طوال قرون عديدة ، ولذا كان من غير المعقول ولا الممكن ـ كما يقول الأستاذ المودودي ـ أن توجد في الأمة الإسلامية قوميات على أساس الألوان والأجناس واللغات والأوطان . كما لا يمكن أن توجد في داخل دولة دول كثيرة ومختلفة .
ومن كان مسلماً وأراد أن يبقى على إسلامه فلابد له أن يبطل في نفسه الشعور بأي أساس غير أساس الإسلام ، ويقطع العلاقات والروابط القائمة على أساس اللون والتراب .
ولا يمكن بقاء الرابطة الإسلامية مع نشوء الشعور بالقومية العنصرية ومن المغالطة الزعم بأن إحداها تساير الأخرى ، ولا تغايرها .
فعندما بدأ المسلمون في هذا الزمان يتغنون بالعنصرية والوطنية في كل قطر من أقطارهم متأثرين بالأوروبيين صار العربي يتغنى بالعروبة ويجعلها دينه ، والتركي يتيه إعجاباُ بتركيته ، ويحاول أن يصل يسبه إلى جنكيز خان ، وبدأ مسلمو الهند يفخرون بالانتساب إلى القومية الهندية بل منهم من يدعو للانقطاع عن ماء زمزم ، والاتصال بنهر جنجا ، وفيهم من تبعثهم أهواؤهم على اتخاذ ( نهيم ـ وأرجن ـ ورام ها ) أبطال الهندوس القدماء رموزاً قومية ، وليس هذا كله من هؤلاء السفهاء الراكبين رؤوسهم إلا لأنهم ما استطاعوا أن يملكوا من الحضارة ما يملكه الغرب .. وما تبينوا ما بينهما من الفرق الجذري ، لأن عيونهم كليلة عن المبادئ والحقائق ، فلا ينظرون إلا إلى السطح ، ويبهر عقولهم ما يجدونه بارزاً عليه من الفقاقيع والألوان الظاهرة ، ولا يعلمون أن الشيء الذي هو ماء الحياة للقومية وهو نفسه السم الزعاف للرابطة الإسلامية .
إنه يمكننا القول : إن الدعوة للقومية العربية أو غيرها من القوميات باطل ، ويكاد يكون معلوماً من دين الإسلام بالضرورة ، لأنها منكر ظاهر ، وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله ، وذلك من وجوه أربعة :
أولاً ـ أنها تفرّق بين المسلمين وتفضل المسلم العجمي عن المسلم العربي ، بل تفرّق بين العرب أنفسهم وتقسمهم أحزاباً ، فهي بذلك تخالف مقاصد الإسلام التي تدعو إلى الاجتماع والوئام . قال تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) وقال ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
ثانياً ـ لأنها من أمر الجاهلية وتدعو إلى الجاهلية فهي تدعو إلى غير الإسلام ، وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن من نسب وبلد وجنس ومذهب أو طريقة فهو عودة للجاهلية ، والرسول صلى الله عليه وسلم حين كادت أن تنشب حرب بين الأوس والخزرج غضب وقال ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ) وهو القائل ( ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من غضب على عصبية ) .
ولا ريب أن كل ما يفعله دعاة القومية من أجل العصبية ـ وهذا يخالف الإسلام والدين ـ فهي تدعو إلى الجاهلية في كل شيء ، وهذا كله يخالف الإسلام الذي يدعو إلى التقوى والتواضع والتحاب في الله .
ثالثاً ـ القومية تؤدي إلى موالاة الكفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة والإستنصار بهم على غير القوميين من المسلمين وغيرهم ، والقرآن يقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) . والقوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية فيوالون لأجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين وملاحدة وغيرهم تحت لواء القومية العربية ، ويقولون : إن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي ، وإن تفرقت أديانهم . والله عز وجل يقول ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) وقال ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون )
بل إن دعاة القومية يقولون : أقصوا الدين عن القومية ، وافصلوا الدين عن الدولة ، والتفوا حول قوميتكم ، حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم وكأن الإسلام وقف في طريقهم وحال بينهم وبين أمجادهم ، وهذا والله هو الجهل والتلبيس وعكس القضية .
رابعاً ـ لأن الدعوة للقومية تفضي بالمجتمع إلى رفض حكم القرآن الكريم لأن القوميين ـ غير المسلمين ـ لن يرضوا بتحكيم الشرع فيوجب هذا على زعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام .
وهذا هو الحاصل الآن فكل البلاد الإسلامية أستبدل الحكام فيها أحكام البشر بأحكام الشرع . وآخر هذا حدوثاً في اليمن عند الوحدة ونظرة واحدة في الدستور السابق والدستور الجديد كافية للدلالة على ذلك .
وعلى ظهر القومية تسلق من تسلق من غير المسلمين وتسلطوا على رقابهم فذبح من ذبح وقتل من قتل ومازال الأمر إلى اليوم على هذا النحو . وسيستمر إلى أن يُخلع هذا الرداء المهتريء العفن ونقبره تحت أقدامنا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان .
وأخيراً فهذه دعوة إلى المسلمين في كل الأرض إلى نبذ قومياتهم ، والالتفاف حول الدين وحول رابطة الإسلام فهي الوحيدة التي ترفع شأنهم عرباً وعجماً كما رفعت شأن أسلافنا من قبل فسادوا الدنيا شرقاً وغرباً