تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يزيد ومعاوية في تاريخ الطبري ومن موقع سني .



عاصم
03-08-2004, 02:53 PM
ذكر كتاب المعتضد في شأن بني أمية
و تحدث الناس أن الكتاب الذي أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر ، فلما صلىالناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يقرأ .
فذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية فأخرج له من الديوان ، فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب ، و ذكر أنها نسخة الكتاب الذي أنشئ للمعتضد بالله :
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله العلي العظيم ، الحليم الحكيم ، العزيز الرحيم ، المنفرد بالوحدانية ، الباهر بقدرته ، الخالق بمشيئته و حكمته ، الذي يعلم سوابق الصدور ، و ضمائر القلوب ، لا يخفى عليه خافية ، و لا يغرب عنه مثقال ذرة من السموات العلا ، و لا في الأرضين السفلى ، قد أحاط بكل شئ علماً ، و أحصى كل شيء عدداً و ضرب لكل شيء أمداً ، و هو العليم الخبير . و الحمد لله الذي برأ خلقه لعبادته ، وخلق عباده لمعرفته ، على سابق علمه في طاعة مطيعهم ، و ماضي أمره في عصيان عاصيهم ، فبين لهم ما يأتون و ما يتقون ، و نهج لهم سبل النجاة ، و حذرهم مسالك الهلكة ، و ظاهر عليهم الحجة ، و قدم إليهم المعذرة ،و اختار لهم دينه الذي ارتضى لهم ، و أكرمهم به ، و جعل المعتصمين بحبله و المتمسكين بعروته أولياءه و أهل طاعته ، و العاندين عنه و المخالفين له أعداءه و أهل معصيته ، ليهلك من هلك عن بينة ، و يحيا من حي بينة ، و إن الله لسميع عليم . و الحمد لله الذي اصطفي محمداً رسوله من جميع بريته ، و اختاره لرسالته ، و ابتعثه بالهدى و الدين المرتضى إلى عباده أجمعين ، و أنزل عليه الكتاب المبين المستبين ، و تأذن له بالنصر و التمكين ،و أيده بالعز و البرهان المتين ، فاهتدي به من اهتدى ، و استنقذ به من استجاب له من العمى ، و أضل من أدبر و تولي ، حتى أظهر الله أمره ، و أعز نصره ، و قهر من خالفه ، وأنجز له وعده ، و ختم به رسله ، و قبضه مؤدياً لأمره ، مبلغاً لرسالته ، ناصحاً لأمته ، مرضياً مهتدياً إلى أكرم مآب المنقلبين ، و أعلى منازل أنبيائه المرسلين ، و عباده الفائزين ، فصلي الله عليه أفضل صلاة و أتمها ، و أجلها و أعظمها ، و أزكاها و أطهرها ، و على أله الطيبين .
والحمد لله الذي جعل أمير المؤمنين و سلفه الراشدين المهتدين ورثة خاتم النبين و سيد المرسلين و القائمين بالدين ، و المقومين لعباده المؤمنين ، و المستحفظين ودائع الحكمة ، و مواريث النبوة و المستخلفين في الأمة ، و المنصورين بالعز و المنعة ، و التأييد و الغلبة ، حتى يظهر الله دينه على الدين كله و لو كره المشركون .
و قد انتهي إلى أمير لمؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد خلتهم في أديانهم ، و فساد قد لحقهم في معتقدهم ، و عصيبة قد غلبت عليها أهواؤهم ، و نطقت بها ألسنتهم ، على غير معروفة و لا روية ، و قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة و لا بصيرة ، و خالفوا السنن المتبعة ، إلى هؤلاء ، إلى الأهواء المبتدعة ، قال قال الله عز و جل : و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، خروجاً عن الجماعة ، و مسارعة إلى الفتنة و إيثاراً للفرقة ، و تشتيتاً للكلمة و إظهاراً لمولاة من قطع الله عنه الموالاة ، و بتر منه العصمة ، و أخرجه من الملة ، و أوجب عليه اللعنة ، و تعظيماً لمن صغر الله حقه ، و أوهن أمره ، و أضعف ركنه ، من بني أمية الشجرة الملعونة ، و مخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة ، و أسبغ عليهم به النعمة ، من أهل بيت البركة و الرحمة ، و قال الله عز و جل : يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم . فأعظم أمير المؤمنين ما انتهي إليه من ذلك ، و روي في ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين ، وفساداً لمن قلده الله أمره من المسلمين ، وإهمالاً لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين و تبصير الجاهلين، و إقامة الحجة على الشاكين ، و بسط اليد على العاندين .
و أمير المؤمنين يرجع إليكم معشر الناس بأن الله عز و جل لما ابتعث محمداً بدينه ، و أمره أن يصدع بأمره ، بدأ بأهله و عشيرته ، فدعاهم إلى ربه و أنذرهم و بشرهم ، و نصح لهم و أرشدهم ، فكان من استجاب له و صدق قوله و اتبع أمره نفر يسير من بني أبيه ، من بين مؤمن بما أتى به من ربه ، و بين ناصر له و إن لم يتبع دينه ، إعزازاً له ، و إشفاقاً عليه لماضي علم الله فيمن اختار منهم ، و نفذت مشيئته فيما يستودعه إياه من خلافته و إرث نبيه ، فمؤمنهم مجاهد بنصرته و حميته ، و يدفعون من نابذه ، و ينهرون من عاره و عانده ، و يتوثقون له ممن كانفه وعاضده ، و يبايعون له من سمح بنصرته ، و يتجسون له أخبار أعدائه ، و يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين ، حتى بلغ المدى ، و حان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين الله و طاعته و تصديق رسوله ، و الإيمان به ، بأثبت بصيرة ، و أحسن هدي و رغبة ، فجعلهم الله أهل البيت الرحمة ، و أهل بيت الدين ـ أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً ـ و معدن الحكمة ، و ورثة النبوة و موضع الخلافة ، و أوجب لهم الفضيلة ، و ألزم العباد على الطاعة .
و كان ممن عانده و نابذه و كذبه و حاربه من عشيرته ، العدد الأكثر ، و السواد الأعظم ، يتلقونه بالتكذيب و التثريب ، و يقصدونه بالأذية و التخويف ، و يبادونه بالعداوة ، و ينصبون له المحاربة ، و يصدون عنه من قصده ، و ينالون بالتعذيب من اتبعه . و أشدهم في ذلك عداوة و أعظمهم له مخالفة ، و أولهم في كل حرب و مناصبة ، لا يرفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها و رئيسها ، في كل مواطن الحرب ، من بدر و أحد و الخندق و الفتح . . . أبو سفيان بن حرب و أشياعه من بني أمية ، الملعونين في كتاب الله ، ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن ، و عدة مواضع ، لماضي علم الله فيهم و في أمرهم ، و نفاقهم و كفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ، و دافع مكابداً ، و أقام منابذاً حتى قهره السيف ، وعلا أمر الله و هم كارهون ، فقتول بالإسلام غير منطو عليه ، و أسر الكفر غير مقلع عنه ، فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون ، و ميز له المؤلفة قلوبهم ، فقبله و ولده على علم منه ، فمما لعنهم الله به على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم ، و أنزل به كتاباً قوله : و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً . و لا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أمية .
و منه قول الرسول عليه السلام و قد رآه مقبلا على حمار و معاوية به و يزيد ابنه يسوق به : لعن الله القائد و الراكب و السائق . و منه ما يرويه الرواة من قوله : يا بني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة . فما هنالك جنة و لا نار . و هذا كفر صراح يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون .
و منه ما يروون من وقوفه على ثنية أحد بعد ذهاب بصره ، و قول لقائده : هاهنا ذببنا محمداً و أصحابه . و منه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه و سلم فوجم لها ، فما رئي ضاحكاً بعدها ، فأنزل الله : و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، فذكروا أنه رأى نفر من بني أمية ينزلون على منبره . و منه طرد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه ، و ألحقه الله بدعوة رسوله آية باقية حين رآه يتخلج ، فقال له : كن كما أنت ، فبقي على ذلك سائر عمره ، إلى ما كان من مروان في افتتاحه كانت في الإسلام ،و احتقابه لكل دم حرام سفك فيها أو أريق بعدها .
و منه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر : ليلة القدر خير من ألف شهر ، من ملك بني أمية . و منه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه ، فدافع بأمره ، و اعتل بطعامه فقال النبي : لا أشبع الله بطنه ، فبقي لا يشبع ، و يقول ما أترك الطعام شبعاً ، و لكن إعياء . و منه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي ، فطلع معاوية . و منه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه . و منه الحديث مرفوع المشهور أنه قال : إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي : يا حنان با منان . الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين .
و منه انبراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكاناً ، و أقدامهم إليه سبقاً ، وأحسنهم فيه أثراً و ذكر ، علي بن أبي طالب ، ينازعه حقه بباطله ، و يجاهد أنصاره بضلاله و غواته ، و يحاول ما لم يزل هو و أبوه يحاولانه ، من إطفاء نور الله و حجود دينه ، و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره المشركون .
يستهوي أهل الغباوة ، ويموه على أهل الجهلة بمكره و بغيه ، الذين قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر عنهما ، فقال لعمار : تقتلك الفئة تدعوهم إلى الجنة و يدعونك إلى النار ، مؤثراً للعاجلة ، كافراً بالآجلة ، خارجاً من ربقة الإسلام ، مستحلاً للدم الحرام ، حتى سفك في فتنته ،و على سبيل ضلالته ما لا يحصي عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله و الناصر لحقه ، مجاهداًلله ، مجتهداً في أن يعصي فلا يطاع ، و تبطل أحكامه فلا تقام ، و يحالف دينه فلا يدان . و أن تعلو كلمة الضلالة ، و ترتفع دعوة الباطل ، و كلمة الله هي العليا ، و دينه المنصور ، و حكمه المتبع النافذ ، و أمره الغالب ، و كيد من حاده المغلوب الداحض ، حتى احتمل أو زار تلك الحروب و ما اتبعها ، و تطوق تلك الدماء و ما سفك بعدها ، و سن سنن الفساد التي عليه إثمها و إثم من عمل بها إلى يوم القيامة ، و أباح المحارم لمن ارتكبها ، و منع الحقوق أهلها ، و اغتره الإملاء ، و استدرجه الإمهال ، و الله له بالمرصاد .
ثم مما أوجب الله له به اللعنة ، قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة و التابعين و أهل الفضل و الديانة ، مثل عمرو بن الحمق و حجر بن عدي ، فيمن قتل من أمثالهم ، في أن تكون له العزة و الملك و الغلبة ، و لله العزة و الملك و القدرة ، و الله عز و جل : و من يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذاباً عظيماً .
و مما استحق به اللعنة من الله و رسوله ادعاؤه زيادة بن سمية ، جرأة على الله ، و الله يقول ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله و رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يقول : ملعون من ادعي إلى غير أبيه ، أو انتمي إلى غير مواليه ، و يقول : الولد للفراش و للعاهر الحجر ، فخالف حكم الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم جهاراً ، و جعل الولد لغير الفراش ،و العاهر لا يضره عهره ، فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله و محارم رسوله في أم حبيب زوجة النبي صلى الله عليه و سلم و في غيرها من سفور و جوه ما قد حرمه الله ، و أثبت بها قربي قد باعدها الله ، و أباح بها ما قد حظره الله ، مما لم يدخل على الإسلام خلل مثله ، و لم ينل الدين تبديل شبهه .
و منه إيثار بدين الله ،و دعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير ، صاحب الديوك و الفهود و القرود ، و أخذه البيعة على خيار المسلمين بالقهر و السطوة و التوعيد و الإخافة و التهدد و الرهبة ، و هو يعلم سفهه و يطلع على خبثه و رهقه ، ويعين سكرانه و فجوره و كفره . فلما تمكن منه ما مكنه منه ، و وطأه له ، وعصي الله و رسوله فيه ، طلب بثأرات المشركين و طوائلهم عند المسلمين ، فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها و لا أفحش ، مما ارتكب من الصالحين فيها ، و شفى بذلك عبد نفسه و غليله ، و ظن أن قد انتقم من أولياء الله ، و بلغ النوى لأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره و مظهراً لشركه :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القوم من ساداتكم و عدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلوا و استهلوا فرحاً ثم قالوا : يا يزيد لا تسل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
و لعت هاشم بالملك فلا خبر جاء ، و لا وحي نزل
هذا هو المروق من الدين ، و قول من لا يرجع إلى الله و لا إلى دينه و لا إلى كتابه و لا إلى رسوله ، و لا يؤمن بالله و لا بما جاء من عند الله .
ثم من أغلظ ما انتهك ، و أعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم و مكانه و منزلته من الدين و الفضل ، و شهادة رسول الله صلى الله عليه و سلم له و لأخيه بسيادة شباب أهل الجنة ، اجتراء على الله ، و كفراً بدينه ، و عداوة لرسول ، و مجاهدة لعترته ، و استهانة بحرمته ، فكأنما يقتل به و بأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك و الديلم ، لا يخاف من الله نقمة ، و لا يرقب منه سطوة ، فبتر الله عمره ، و اجتث أصله و فرعه ، و سلبه ما تحت يده ، و أعد له من عذابه و عقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .
هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله و تعطيل أحكامه ، و اتخاذ مال الله دولاً بينهم ، و هدم بيته ، و استحلال حرامه ، و نصبهم المجانيق عليه ، و رميهم إياه بالنيران ، لا يألون له إحراقاً و إخراباً ، و لما حرم الله منه استباحة و انتهاكاً ، و لمن لجأ إليه قتلا و تنكيلا ، و لمن أمنه الله به إخافة و تشريداً ، حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب ، و استحقوا من الله الانتقام ، و ملئوا الأرض بالجور و العدوان ، و عموا عباد الله بالظلم و الاقتسار ، و حلت عليهم السخطة ، و نزلت بهم من الله السطوة ، أتاح الله لهم من عترة نبيه ، و أهل وراثته من استخلصهم منهم بخلافته ، مثل ما أتاح الله من أسلافهم المؤمنين و آبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين ، فسفك الله بهم دماءهم مرتدين ، كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين ، و قطع الله دابر القوم الظالمين ، و الحمد لله رب العالمين . و مكن الله المستضعفين ، ورد الله الحق إلى أهل المستحقين ، كما قال جل شأنه : و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمةً و نجعلهم الوارثين .
و اعلموا أيها الناس ، أن الله عز و جل إنما أمر ليطاع ، و مثل ليتمثل ، و حكم ليقبل ، و ألزم الأخذ بسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ليتبع ، و إن كثيراً ممن ضل فالتوى ، و انتقل من أهل الجهالة و السفاه ممن اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله ، و قد قال الله عز و جل : فقاتلوا أئمة الكفر .
فانتهوا معاشر الناس عما يسخط الله عليكم ، و رجعوا ما يرضيه عنكم ، وارضوا من الله بما اختار لكم ، و الزموا ما أمركم به ، و جانبوا ما نهاكم عنه ، و اتبعوا الصراط المستقيم ، و الحجة البينة ، و السبل الواضحة ، و أهل بيت الرحمة ، الذين هداكم الله بهم بديئاً ، و استنقذكم بهم من الجور و العدوان أخيراً ، و أصاركم إلى الخفض و الأمن و العز بدولتهم ، و شملكم الصلاح في أديانكم و معايشكم في أيامهم ، و العنوا من لعنه الله و رسوله ، و فارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته .
اللهم العن أبا سفيان بن حرب ، و معاوية ابنه ، و يزيد بن معاوية ، و مروان بن الحكم و ولده ، اللهم العن أئمة الكفر ، و قادة الضلالة ، و أعداء الدين ، و مجاهدي الرسول ، و مغيري الأحكام ، و مبد لي الكتاب ، و سفاكي الدم الحرام .
اللهم إنا نتبرأ إليك من موالاة أعدائك ، و من الإغماض لأهل معصيتك ، كما قلت : لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله .
يأيها الناس ، اعرفوا الحق تعرفوا أهله ، و تأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها ، فإنه إنما يبين عن الناس أعمالهم ، و يلحقهم بالضلال و الصلاح آباؤهم ، فلا يأخذكم في الله لومة لائم ، و لا يميلن بكم عن دين الله استهواء من يستهويكم وكيد من يكيدكم ، و طاعة من تخرجكم طاعته إلى معصية ربكم .
أيها الناس . بنا هداكم الله ، و نحن المستحفظون فيكم ، أمر الله و نحن ورثة رسول الله و القائمون بدين الله ، فقفوا عندما نقفكم عليه ، و انفذوا لما نأمركم به ، فإنكم ما أطعتم خلفاء الله و أئمة الهدى على سبيل الإيمان و التقوى ، و أمير المؤمنين يستعصم الله لكم ، و يسأله توفيقكم ، و يرغب إلى الله في هدايتكم لرشدكم ، و في حفظ دينه عليكم ، حتى تلقوه به مستحقين طاعته ، مستحقبين لرحمته . و الله حسب أمير المؤمنين فيكم ، و عليه توكله ، و بالله على ما قلده من أموركم استعانته ، و لا حول لأمير و لا قوة إلا بالله و السلام عليكم .
و كتب أبو القاسم عبيد الله بن سلمان في سنة أربع و ثمانين و مائتين .
و ذكر أن عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي ، و أمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد ، فمضى يوسف بن يعقوب ، فكلم المعتضد في ذلك ، و قال له : يا أمير المؤمنين ، إني أخاف أن تضطرب العامة ، و يكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة . فقال : إن تحركت العامة أو نطقت وضعت سيفي فيها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، فما تصنع بالطالبين الذين هم في كل ناحية يخرجون ، و يميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول و مآثرهم ، و في هذا الكتاب إطراؤهم ، أو كما قال ، و إذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل ، و كانوا هم أبسط ألسنة ، و أثبت حجة منهم اليوم . فأمسك المعتضد فلم يرد عليه جواباً ، و لم يأمر في الكتاب بعده بشيء .
http://islamweb.net/pls/iweb/library.showSingleChapter?BkNo=651& StartNo=1607&L=-1