تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قوم اللحي وجهة نظر بدوية



no saowt
03-08-2004, 01:08 PM
قوم اللحي وجهة نظر بدوية
السيد محمد الكثيري

عرف الاسلام عبر تاريخه الطويل تفسيرات وتأويلات متعددة، نشأت عنها المدارس الفقهية والاصولية المختلفة. وكان لكل مدرسة جذورها الفكرية والواقعية التي تغذيها و تصبغها بلون خاص، يؤكد خصوصيتها وتميزها. والمدارس السلفية كاجتهاد ووجهة نظر في الاسلام، لها ما يميزها كذلك. و اهم ما لاحظه الباحثون، الجذور العميقة لاصحابها في البداوة. فاذا كانت "حران" مسقط رأس ابن تيمية، الاب الشرعي للحركة السلفية. فانه "نجد" ستكون ليس فقط مولد الزعيم السلفي والقائم بأمر دعوتها. ولكن موطن هذه الحركة والرحم الطبيعية التي تفرخ الاتباع والافكار.

اما اهم ما يجمع بين حران و نجد فانها الطبيعة الصحراوية، حيث الجفاف والبعد عن المدينة، لذلك تميز سكانها بالعراقة في البداوة، ولم تعرف المنطقتان على طول التاريخ الاسلامي اية حركة مدنية واسعة او تمركز عمراني حضاري، خصوصا بلاد نجد التي كانت وما زالت موطنا لقبائل ابدو الرحل الذين يتنقلون بحثا عن الكلأ والخضرة طوال السنة.

و نحن عندما نسلط الضوء على الخلفيات الجغرافية والبشرية للحركة السلفية، نفعل ذلك للكشف عن جذور بعض الظواهر الفكرية والسلوكية التي تتميز بها هذه الحركة، والتي لا يمكن معرفتها و تحليها، الا بارجاعها الى منطلقاتها الاصلية. والبداوة الصحراوية بالخصوص لها مميزات خاصة يعرفها كل من درس حياة البدو الصحراويين او عايشهم. فقساوة الطبيعة وشظف العيش، والبحث الدائم و المستمر على المرعى والماء، وما يتبع ذلك من حياة عدم الاستقرار والمخاطرة الدائمة، كل ذلك ينطبق على سلوكيات الافراد –البدو- ويظهر جليا في معاملاتهم وتفكيرهم. فالجفاء والغلظة والقسوة وبساطة المعرفة والحرمان من ايجابيات المدنية الحضارة، كلها صفات و اوضاع يعرفها البدو، ويمتمثلها صغيرهم بعد كبيرهم.

لذلك لما كانت نجد منطلق الدعوة السلفية و كان ابناءها هم جند هذه الحركة واتباعها و دعاتها. كان لزاما ان تصطبغ دعوتهم بكل صفات البداوة وعلى رأسها الغلظة والخشونة، بالاضافة الى ضعف المستوى العلمي والفكري والذي يكون عادة بسيطا و سادجا وبدائيا: يقول محمد اسد في كتابه "الطربق الةى مكة": (..ان كثيرا من مفاهيمهم –اي الوهابية- كانت بدائية، وان حماستهم الدينية كثيرا ما قاربت الغلو)(1).

و لاشك ان الغلو الذي عرفوا به وواكب حركتهم سببه القصور المعرفي الواضح. فلم تكن نجد قديما ولا حديثا حاضرة علمية، ومن اراد من اهلها ان يكسب حظا من العلم والمعرفة كان يهاجر الى العراق او الشام ومصر وكذا المدينة المنورة.

الخشونة و ضيق الافق:

واذن فقد كانت بلاد نجد في فجر انطلاقة الحركة الوهابية غارقة في الجهل و الامية والسداجة المعرفية. لكن بعد فترة قصيرة من الزمن سيصبح ابناء هذه المنطقة و فجأة علماء و فقهاء و دعاة للاسلام وعقيدة التوحيد. ليس فقط ضمن مجالهم الجغرافي، الصحراوي الضيق ولكن لابعد من ذلك شرقا وغربا. حيث بدأت محاكمة الاسلام والمسلمين معا، انطلاقا من معارف هؤلاء الدعاة الجدد. فما ارتضوه حقا هو الحق، وما جهلوه فهو الباطل الذي يجب ان يرفض ويزول بحد السيف. يقول الدكتور محمد عوض الخطيب: (انطلقت الوهابية من نظرة خاصة للاسلام احتوت على الحد الاقصى من التزمت و ضيق الافق، مسيئة الظن بالمسلمين الى درجة اعتبارهم بشكل مسبق كافرين و مشركين)(2)

و ضيق الافق والتزمت الذي عرف به دعاة الوهابية لم يكن بسبب المزاج الصحراوي فقط ولكن بسبب بساطتهم المعرفية وسداجتهم الفكرية وضعف بضاعتهم في الفكر الاسلامي. يقول السيد محمد سليم الاسكندراني: (اني اجتمعت بكثير من علمائهم فوجدتهم من الجهل بمكان ومن العلم بمعزل) (3).

و قد استغل ابن سعود هذا الجهل وهذه البساطة في فهم الاسلام عندما رسخ في اذهانهم ان حربهم للمسلمين مقدسة، حرب الموحدين ضد الكفار والمشركين. وبذلك ضمن توسع مملكته و سيطرته على الحجاز و اطراف العراق والشام، وقد انتبه محمد اسد لذلك، عندما اشار الى ان ابن سعود بقى قانعا بتعريف الاخوان الى ابسط مباديء الثقافة الدينية والدنيوية. والحق انه لم يعرفهم الى شيء من هذا، الا بمقدار الذي بدأ ضروريا للحفاظ على حماستهم و غيرتهم. بكلمة اخرى لم يرد ابن سعود في حركة الاخوان الا وسيلة لبلوغه القوة و استتاب الحكم(4). وهذه السياسة السعودية تجاه الوهابية مازالت سالرية المفعول. حيث يتم استغلال دعاتها وعلماءها لخدمة السياسة الخارجية السعودية، وخصوصا لاثارة الفتن المذهبية والطائفية. وتحريف وتمييع اهداف الصحوة الاسلامية، واشغال المفكرين الاسلاميين بالقضايا والمسائل الجزئية الهامشية في حيياة الامة. بينما يواصل الغرب والشرق التهامه الحضاري العام والاقتصادي بالخصوص لامكانيات الامة وثرواتها.

الفتن والخصومات المستمرة:

ان سياسة اشغال العقل الاسلامي في مناقشة القضايا الفقهية الجزئية، وبعض القضايا الاصولية المختلفة فيها. والتي كتب حولها الكثير قديما، وفصل في الكثير منها، على اساس الاطارات المذهبية المتنوعة. لايمكنها ان تأتي بطائل اليوم. سوى عرقلة مسيرة الصحوة الاسلامية، وتشويه صورتها امام العالم، ولو بقى الامر مقتصرا على الوضع في "نجد" وما حولها لهان الامر، لكن ركوب الدعوة السلفية وسائط الاعلام المختلفة وانتشار دعاتها في بقاع العالم كسياسة دينية سعودية قد جعل سلبيات هذه الظاهرة تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم. والنتيجة كتنت عدة آثار مست جسد الامة الديني والاجتماعي. يقول الدكتور البوطي متحدثا عن بعض هذه الاثار السلبية لانتشار السلفية في العالم.

"الاذى المتنوع والبليغ الذي انحط في كيان المسلمين من جراء ظهور هذه الفتنة المبتدعة، فلقد اخذت تقارع وحدة المسلمين، وتسعى جاهدة الى تبديد تآلفهم وتحويل تعاونهم الى تناحر وتناكر. وقد علرف الناس جميعا انه ما من بلدة او قرية في اي من اطراف العالم الاسلاميى. الا وقد وصل اليها هذا البلاء شضايا. واصابها من حجرائه ما اصابها من خصام وفرقة و شتات. بل ما رأيت او سمعت شيئا من ابناء الصحوة الاسلامية التي تحتاج اليوم كثيرا من انحاء اوروبا وامريكا و آسيا، مما ثلج الصدر ويبعث على البشر والتفاؤل، الا رأيت او سمعت بالمقايل من اخبار هذه الفتنة الشنعاء التي سيقت الى تلك الاوساط سوقا، ما يملأ الصدر كربا و يزج المسلم في ظلام من الخيبة الخانقة والتشاؤم الأليم...

و يضيف الدكتور متحدثا عن معاناة بعض الدعاة الاسلاميين المعاصرين من جراء هذه الفتنة السلفية قائلا: "كنت عندما اسأل كلا منهم عن سير الدعوة الاسلاميية في تلك الجهات، اسمع جوابا واحدا يطلقه كل من هؤلاء الاخوة على انفراد، بمرارة وأسى، خلاصته: المشكلة الوحيدة عندنا هي الخصومات الطاحنة التي تثيرها بيننا جماعات السلفية.