تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الطائفة المنصورة



أبو عبد
02-29-2004, 05:33 PM
لماذا الجهاد
الطائفة المنصورة وظهور الدين
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

وقد كتب الله تعالى لدينه الظهور والرفعة والغلبة بالحجّة والبيان وبالسيف والسنان، قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون}، وقد جاء صلى الله عليه وسلم ابتلاًء للناس، قال : إنّي مبتليك ومُبتلٍ بك [4].

ومن أجل إقامة الدين وحصول الرفعة والغلبة أرسل الله مع نبيّه الكتاب والميزان والحديد. قال تعالى: {لقد أرسلنا رُسُلَنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصُرُه ورسُلَه بالغيب، إن الله لقويٌّ عزيز}.

فكتابه يهدي إلى الحقّ، والحديد يُقوِّم من خرج عنه، والناس لا يُصلِحُهم إلاّ هذا، ومتى ضعف في الناس أحدُ الأمرين -الكتاب والحديد- حصل الفساد والخراب، قاصلى الله عليه وسلم : بُعِثتُ بالسيف بين يدي الساعة حتّى يُعبَدَ الله وحده.

فكان هذا ميراثه في أمّته: الكتاب الهادي والسيف المانع المقوّم، فكان الناس قسمين: علماء وأهل جهاد، وقد جمع الله هاتين الفضيلتين لخير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة، قال تعالى: {محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماءُ بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار}.

وقال عليه الصلاة والسلام : ( إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنّما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ عظيم وافر ) [5].

فكما أمر الله تعالى نبيّه بالاقتداء في الأنبياء كما قال تعالى {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}، فكذلك أمر الله أمّة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم أن تقتدي به، فأسرع الناسُ في التسابق في أخذ ميراثه وإقامته في أنفسهم وفي الناس.

فمن أقبل على دين الله يريده ويبتغيه علّموه وفقّهوه كما قال عليه الصلاة والسلام : نضّر الله امرءً سمع مقالتي فوعاها وأدّاها كما سمعها [6]، ومن أعرض عنه قاتلوه حتّى يخضع لحكم الله تعالى، كما قال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}.

وهكذا كان دور أتباع محمّد، وهذا كان عملهم، هداية الخلق إلى الحقّ وتقويم من أعرض وتعدّى، لا عمل لهم في حقيقة الأمر إلاّ هذا، فلمّا توفيّ رسول الله انتشر الصحابة في الآفاق فخرج جيش أسامة لقتال الروم، وخرجت جموع الصحابة لقتال من ارتدّ من العرب عن الإسلام، ثمَّ حملوا هذا الدين للتابعين ثمّ جيلاً بعد جيل.

قال عليه الصلاة والسلام : ( يحمل هذا العلم من كلّ خَلَفٍ عُدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) [7]، فكان مداد العلماء ودماء الشهداء هما أحبّ ما يتقرّب به إلى الله تعالى، مداد العلماء لهداية الخلق وتعليمهم السنّة وكشف البدعة ونشر الحقّ، ودماء الشهداء من أجل نشر التنزيل وحفظ التأويل، وكلّما أظهر الناس بدعة قام لها العلماء حقّ القيام فأزالوا عنها زيفها ونفّروا الناس منها، وكلما جهل الناس سنّة أظهروها وعلّموها الأمّة، وكلّما خرج عن هذه الأمّة من داخلها من يريد لها شرّاً أو جاء من خارجها ليستبيح بيضتها قاموا له بالسيف حتّى يكسروا له قرنه ويردّوه على عقبيه ويدخلوه حجره.

كذا فعل الصدّيق مع المرتدّين، وكذا فعل عليّ بن أبي طالب مع الخوارج إذ أرسل لهم عبد الله بن عبّاس فناظرهم حتى ردّ أكثرهم ثمّ قاتلهم حتّى قتل منهم مقتلةً عظيمة، وهكذا فعل عمر بن عبدالعزيز معهم، وقد كتب الله تعالى بقاء طائفة منصورة قائمة بالحقّ والهدى وحاملةً للسيف والسنان إلى قيام الساعة.

قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة ). قال: ( فينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول إمامهم: تعالى صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمّة ). رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله، وفيه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : ( لا تزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوّهم، لا يضرّهم من خالفهم حتّى تأتي الساعة وهم على ذلك ).

وهؤلاء في كلّ وقت غرباء.

وروى الترمذي في سننه وقال: حسن صحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنّ الدين بدأ غريباً، ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنّتي ). وفي رواية أخرى عند غيره قال عنهم: ( الفرّارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى عليه السلام )، وفي رواية: ( ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم ).

فورّاث النبيّ صنفان:

علماء دعاة إلى الحقّ والهدى، لا يكتمون الناس شيئاً كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه}، وقد أنذر من علم علماً أوجبه الله على الناس ثمّ كتمه بأن يلجمه يوم القيامة بلجام من نار كما في الحديث الصحيح.

وصنفٌ آخر هم الذين يحمون هذا العلم ويقيمونه في الناس إذا ملكتهم الأهواء وهم المجاهدون في سبيل الله، وخير الأمرين هو من جمع بين الفضلين، وهذه هي صفة الطائفة المنصورة، فهي طائفة علم وجهاد.

قال عليه الصلاة والسلام : ( ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلاّ كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثمّ إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ) [8].

وكان العلماء على الدوام هم حجّة الله على هذه الأمّة، كما كان شأن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في فتنة خلق القرآن، إذ وقف لهذه الفتنة التي كادت تعصف بالأمّة وتخرجها إلى الشرك والكفران موقف الأسد الذي يحمي ذمامه فنصره الله وأيّده، وكما هو موقف علماء المالكيّة من أتباع سحنون في فتنة الباطنيّة العبيدية حين قاتلوهم وكشفوا زندقتهم.

قال الرعينيّ في كتابه: ( أجمع علماء القيروان: أبو محمّد بن أبي زيد، وأبو الحسن القابسيّ، وأبو القاسم بن شبلون، وأبو علي بن خلدون وأبو محمد الطبيقي وأبو بكر بن عذرة: أنّ حال بني عبيد، حال المرتدّين والزنادقة، فحال المرتدّين بما أظهروه من خلاف الشريعة فلا يورثون بالإجماع، وحال الزنادقة: بما أخفوه من التعطيل، فيقتلون بالزندقة ) [9].

وخرج العلماء لقتالهم.

قال أبو الفرج ابن الجوزي: ( أقام جوهر - الصقلي نائب العبيديين في مصر - القائد لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي - الإمام القدوة - وقال له: بلغنا أنّك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؟ قال: ما قُلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، فإنّكم غيّرتم الملّة، وقتلتم الصالحين، وادّعيتم نور الإلهية، فشهره ثمّ ضربه ثمّ أمر يهوديّاً فسلخه ) [10].

وقال الذهبيّ: ( وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه. وخطب الإمام أحمد بن أبي وليد الناس قائلاً : جاهدوا من كفر بالله وزعم أنّه ربّ من دون الله، وغيّر أحكام الله وسبّ نبيّه صلى الله عليه وسلم وأصحاب نبيّه، فبكى الناس بكاءً شديداً. وركب ربيع القطّان فرسا ملبساً، وفي عنقه المصحف وحوله جمع كبير وهو يتلو آيات جهاد الكفرة فاستشهد هو وخلق من الناس ).

وهكذا كان شأن الإمام أحمد بن تيمية في بيانه للحق والهدى والسنة، فكشف أهل البدع من متكلّمين وفلاسفة وصوفيّة، وجلّى الحق الذي غشيته زبالات الأهواء أحسن بيان وأجلاه، ثمّ قام مقام المجاهدين فقاتل التتار وحرّض الناس على قتالهم وحضّ ملوك الإسلام عليهم وخوّفهم إن لم يقوموا بواجب الجهاد ضدّ التتار أنّه ومن معه من المسلمين سيبدلونهم ويختارون ملوكاً عليهم غيرهم، ولما التبس على الناس أمر قتالهم وفي أيّ نوع من الأنواع يدخل قتالهم، بيّن أنّ قتالهم هو قتال من امتنع عن شرائع الإسلام، فعاد الحقّ أبلجاً وكشف الله الغمّة وهزم التتار في معركة شقحب (مرج الصفر).

ثمّ ما كان من شأن الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب رحمه الله تعالى حين دعا إلى التوحيد والسنّة فعُودي ورُمي عن قوس واحدة.

وهكذا هي سلسلة الدعوة والجهاد، حلقاتها تمتدّ من زمن إلى زمن، لا تنقطع ولا تتوقّف حتّى يومنا هذا.


--------------------------------------------------------------------------------

[4] رواه مسلم .
[5] رواه الترمذيّ وهو حسن .
[6] رواه الترمذي وغيره .
[7] رواه جماعة من الصحابة وصحّحه الإمام أحمد وابن القيّم .
[8] رواه مسلم من حديث عبدالله بن مسعود .
[9] ترتيب المدارك، ج 7/247 .
[10] أنظر سير أعلام النبلاء، 7/148 .

أبو عبد
02-29-2004, 05:35 PM
لماذا الجهاد
أخي المسلم
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

إذا علمت هذا وتبيّن لك على وجه صحيح رأيت الواجب الملقى على عاتقك، وبحثت عن هذه الطائفة التي يمتدّ تاريخها من يومنا هذا إلى النبيّ، وهي الطائفة التي تدعو الناس إلى التوحيد والسنّة، وتكشف للناس الشرك والبدعة، وتقاتل في سبيل ذلك حتّى تقوم الساعة.

والآن تسأل من نحن ولماذا الجهاد؟ لقد نشأنا فوجدنا علماً مفقوداً، وأمّة جاهلة، ومعاصي متفشيّة، وحقوقاً مهدورة، وأرضاً مغصوبة، وحكّاماً مرتدّين. فما هو الواجب الملقى على عاتق من علّمه الله وفقّهه؟

لقد قيّض الله في زماننا أمراً عظيماً هو انتشار كتب السلف، وقد مرّ وقت طويل كان الناس إلاّ قلّة قليلة لا يعرفون من كتب العقائد إلاّ كتب أهل الكلام، فلا يعرفون إلاّ العقائد النسفية وشرح جوهرة التوحيد وأمثالهما، ولا يقرؤون الفقه إلاّ من كتب المتون ولا يعرفون إلاّ التقليد، ولا يعرفون كتب التربية إلاّ كتب التربية الصوفية كالرسالة القشيرية واللمع للطوسي وإحياء علوم الدين للغزالي.

ثمّ برحمة من الله تعالى أن أقبل الناس على طباعة وتحقيق كتب السلف، فطبعت مؤلّفات ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وطبعت كتب السنّة والتوحيد كالسنّة لعبد الله بن الإمام أحمد والسنّة لابن أبي عاصم والتوحيد لابن خزيمة والشريعة للآجري، ثمّ تتابع السيل المبارك، فأقبل الناس على دراسة هذه الكتب ثمّ بالبحث عن بقايا العلماء الذين هم همزة الوصل للطائفة المنصورة الدائمة الباقية، وبدؤوا يحاولون فهم واقعهم على ضوء فهم أئمّة هذه الطائفة بدءاً من أبي بكر الصدّيق إلى قول أيّ عالم أصاب الحقّ والهداية وارتبط بالكتاب والسنّة.

فكان ما خرجوا به أنّ الأمّة غيّرت وبدّلت وأصابها الجهل في كلّ جوانب هذا الدين، وبسبب جهلها وقعت في المعاصي والذنوب واقترفت البدع، بل إنّ بعضها لحق بالمشركين واتّبع دينهم، ثمّ نظروا فوجدوا أنّه قد استولى على أمرهم وقيادتهم حكّام باعوا دينهم للشيطان ودخلوا في دين المشركين، وسرقوا مقدّراتها من خيرات الله فيها، ولم يجدوا طريقاً للخير إلاّ أغلقوه، فعطّلوا المساجد ودور العلم ولاحقوا العلماء والدعاة إلى الله، ولم يجدوا طريقاً للشرّ إلاّ سلكوه، فنشروا دين الردّة وحسّنوا للناس الباطل والكفر من علمانية وديمقراطية وشيوعية واشتراكية، وأوجبوا على الناس المعاصي فأقاموا مصارف الربا وضيّقوا على الناس سبل الحياة حتّى لا يدخلوا إلاّ من بابه، ونشروا الرذيلة مع الفقر حتّى لا يكون للشاب إلاّ طريق الخبث، ثمّ لم يجدوا منفذاً للشرّ إلاّ وسهّلوه وقرّبوه للناس، والأمّة ترى الأسماء هي الأسماء التي عهدتها في تاريخها وأمّا الحقائق فتخالف ذلك كلّه، ثمّ وجد من حسّن هذا الأمر وأفرغ وسعه من أجل إسباغ الشرعيّة عليه وساعدهم في هذا قلب الأسماء، فالزندقة عندهم هي الحرّية، والدخول في دين الطاغوت ديمقراطيّة، وموالاة الكافرين سلاماً ووحدةً وطنيّة، وأمّا شرع الله ودينه فهو التخلّف والرجوع إلى الوراء إلى زمن البعير والسيف والرمح، وسمّوا زنا المرأة فنّاً وحرّية اختيار، وسمّوا بيع الأوطان والديار سلاماً وحسن جوار.

هذا أبصره الشباب المقبل على ربّه ودينه، فعلم من دينه ما علم، فحمل كلمة الحقّ وقذفها في صدور الأعداء والمناوئين وبدأ يدعو إلى الله ويكشف للناس حقيقة ما هم عليه والواجب الملقى على عاتقهم، وكان جماع ذلك كلّه في كلمتين: الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله.

الدعوة إلى الله: وفيها تعليم الناس ما جهلوه من التوحيد والسنّة، وفيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمّا الجهاد في سبيل الله تعالى : فهو ضدّ المرتدّين قبل غيرهم، لأنّ رأس المال مقدّم على الربح وتحقيق الزيادة، أمّا الدليل على ردّة هؤلاء الحكّام وردّة طوائفهم فهو بسبب تبديلهم شريعة الرحمن وموالاتهم لليهود والنصارى والشيوعيين، ومعاداتهم المؤمنين والموحّدين وأتباع الرسل، ومن فعل هذه الأفاعيل فهو بإجماع الأمّة المسلمة التي خلت أنّه كافر مرتدّ، وإليك الدليل ردّة من بدّل شريعة الرحمن وحكم بشريعة الشيطان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتّفاق الفقهاء".

والعبودية تقوم على الطاعة وامتثال الأمر، ولا تصحّ عبوديّة دون امتثال أمر السيّد الآمر وهو المعبود، ولذلك فكلّ من اتّخذ من نفسه آمراً ناهياً حاكماً على غيره من خلال التشريع والذي معناه تسمية الأشياء ووصفها بالحلّ والحرمة فقد جعل نفسه إلهاً مطاعاً معبوداً يُعبَد الأدلّة من القرآن والسنّة إنّ ممّا اتّفق عليه جميع الأنبياء والمرسلين هو الدعوة إلى توحيد الله في العبادة والقصد والطلب، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وكان ممّا يدخل في عبادة الله تعالى، بل هو قاعدة العبادة وأصلها، هو إفراد الله تعالى في الطاعة والامتثال، فالله هو الحَكَمُ وله الحُكم. قال تعالى: {إنِ الحكمُ إلاّ لله}. وقال تعالى: {ألا له الحكم}. وقال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}. وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}. وقال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}.

فهذه الآيات تبيّن بوضوح وجلاء أنّ حقّ الحكم هو لله وحده، بل إنّ معنى الإله هو المعبود، والعبودية تقوم على الطاعة وامتثال الأمر، ولا تصحّ عبوديّة دون امتثال أمر السيّد الآمر وهو المعبود.

ولذلك فكلّ من اتّخذ من نفسه آمراً ناهياً حاكماً على غيره من خلال التشريع والذي معناه تسمية الأشياء ووصفها بالحلّ والحرمة فقد جعل نفسه إلهاً مطاعاً معبوداً يُعبَد، قال تعالى: {أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. فقد سمّى الله المشرّع شريكاً وسمّى ما شرّع ديناً، وأصل كلمة الدين تعني الخضوع، وهكذا حال المطيع لشرع غيره فإنّما هو خاضع له، وهو معنى الدين، فهذه الآية جامعة لهذا الباب وهو تسمية المشرّع إلهاً، وتسمية الشرع الذي شرعه ديناً، وتسمية الطائع له مشركاً، وقال تعالى: {إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}.

وقد فسّر النبيّ صلى الله عليه وسلم ربوبيّتهم على أتباعهم بطاعة الأتباع لهم في ما أحلّوا وحرّموا، فعن عديّ بن حاتم أنّه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلميقرأ هذه الآية: { إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمِروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون}، فقال: إنّا لسنا نعبدهم، فقال : ( أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟ )، فقال: بلى. فقال: فتلك عبادتهم [11].

وقد قرّر الله في كتابه كفرَ من حكم بغير كتابه، فقال سبحانه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.

وسمّى الله من تحاكم الناس إليه من غير خضوع لأحكام الكتاب والسنّة طاغوتاً. قال تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً}، وقال الشيخ الإمام محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: ( كلّ تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاغوت ) [12].

ومثل الآية التي تقدّمت: {أم لهم شركاء...} قوله تعالى: {إنِ الحكم إلاّ لله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه ذلك الدين القيّم}. فقد سمّى الله الحكم عبادة، وسمّى ما يُحكم به ديناً، فمن حكّم الله في كلّ أمر فقد عبده واتّخذ دينه ديناً، ومن حكّم الطاغوت في أيّ أمرٍ فقد عبده واتّخذ حكمه ديناً، وقد سمّى الله تعالى شرع الطواغيت ديناً، كما سمّى شرعه ديناً فقال تعالى عن يوسف: {كذلك كدنا ليوسف، ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلاّ أن يشاء الله}، فقد سمّى شرعَ الملك وحكمَه وملكَه ديناً.


--------------------------------------------------------------------------------

[11] رواه الترمذيّ وحسّنه .
[12] 7/65 .

أبو عبد
02-29-2004, 05:37 PM
أقوال العلماء في حكم المبدّلين للشريعة
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

وقد تكلّم علماؤنا في كفر هذه الأديان والتشريعات الباطلة وحكموا على من شرعها وقام عليها بالكفر والردّة:

قال ابن حزم رحمه الله تعالى: ( من حكم بحكم الإنجيل ممّا لم يأت بالنص عليه وحيٌ في شريعة الإسلام فإنّه كافر مشرك خارج عن الإسلام ) [13].

وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( معلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتّفاق جميع المسلمين أنّ من سوّغ اتّباع غير دين الإسلام أو اتّباع شريعة غير شريعة محمّد صلى الله عليه وسلم فهو كافر[14]. ويقول كذلك: الشرع المنزّل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنّة الذي بعث الله به رسوله فإنّ هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلاّ كافر ) [15].

ويقول: ( والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتّفاق الفقهاء ) [16].

ويقول ابن كثير رحمه الله تعالى: ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمّد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ) [17].

ويقول عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ: ( من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنّة رسوله ( بعد التعريف فهو كافر، قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وقال تعالى: {أفغير الله يبغون...} ) [18].

وقال عبد الله بن حميد: ( ومن أصدر تشريعاً عامّاً ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملّة كافراً ) [19].

ويقول محمّد بن إبراهيم آل الشيخ: ( إنّ من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمّد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربيّ مبين، في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}. وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يحكّموا النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم نفياً مؤكّداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً} ) [20].

وقد ذكر فيها أنّ من أعظم أنواع الكفر الأكبر في هذا الباب هو ما وقع فيه المرتدّون المعاصرون، فقال: ( الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقّة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعيّة إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات، فكما أنّ للمحاكم الشرعيّة مراجع ومستندات مرجعها كلّها إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفّق وشرائع شتّى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيّين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.. فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكمّلة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكّامها بينهم بما يخالف حكم السنّة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم وتقرّهم عليه، وتحتّمه عليهم، فأيّ كفر فوق هذا الكفر، وأيّ مناقضة للشهادة بأنّ محمّداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟ ).

وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان: ( والعجب ممّن يحكّم غير تشريع الله ثمّ يدّعي الإسلام كما قال تعالى: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزِلَ من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً}، وقال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وقال: {أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّل من ربّك بالحقّ فلا تكوننّ من الممترين} ) [21].

ويقول رحمه الله إنّ متّبعي أحكام المشرّعين غير ما شرعه الله أنّهم مشركون بالله [22].

ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: ( هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداءُ الإسلام السافرو العداوة هي في حقيقتها دينٌ آخر جعلوه ديناً للمسلمين بدلاً من دينهم النقيّ السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبّها وتقديسها والعصبيّة لها، حتّى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيراً كلمات: تقديس القانون، قدسيّة القضاء، حَرَم المحكمة، وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصَفَ بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين. بل هم حينئذٍ يصفونها بكلمات الرجعيّة، الجمود، الكهنوت، شريعة الغاب ) [23].

ويقول: ( إنّ الأمر في هذه القوانين الوضعيّة واضح وضوح الشمس، هي كفرٌ بواحٌ لا خفاء فيه ولا مداراة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكلّ امرئ حسيب نفسه ) [24].

ويقول الشيخ محمّد حامد الفقي: ( الذي يُستخلص من كلام السلف : أنّ الطاغوت كلّ ما صرف العبد وصدّه عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجنّ الشياطين والإنس والأشجار والأحجار وغيرها، ويدخل في ذلك بلا شكّ: الحكم بالقوانين الأجنبيّة عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كلّ ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الل ه، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ممّا أخذت هذه القوانين تحلّلها وتحميها بنفوذها ومنفّذيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروّجوها طواغيت ) [25].

وهكذا علمنا أن الشرع الذي تُحكم به بلاد المسلمين هو شرع طاغوتيّ وأنّ حكّامنا طواغيت كفرة، بل هم من أشدّ أنواع الكفّار وأغلظهم، فإنّ هؤلاء لم يحكموا بشريعة الشيطان فقط، ولكنّهم صرّحوا بأنّ الله تعالى ليس له الحقّ في الحكم والتشريع، فإنّه ما من دولة إلاّ وقد كتبت في دستورها: أنّ السيادة للشعب، والسيادة في دينهم تعني معنى السيّد في دين الله تعالى وهو معنى الإله، فإنّ السيادة عندهم هي سلطة مطلقة لها الحقّ في تقييم الأشياء والأفعال، أي هي سلطة التحليل والتحريم، وهذا هو معنى الحاكم وهو معنى الإله والمعبود كما تقدّم.

وأمّا الدول التي تزعم أنّها لم تكتب قانوناُ أو دستوراً وتزعم العمل بالكتاب والسنّة، فيقال لهم:

ما أشدّ كذبكم وتدجيلكم، فإنّ واقعكم هو واقع الدول التي كتبت دستورها وقانونها، فشبهكم بهم هو شبه الغراب بالغراب، ثمَّ زعمتم أنّكم لم تجعلوا السلطات بيد الشعب، ولم تقولوا أنّ السيادة لغير الل ه، فها أنتم الآن كوّنتم مجلس شورى تغييراً للأسماء فقط وانضممتم بهذا المجلس إلى اتّحاد المجالس الشركيّة البرلمانيّة كبقيّة إخوانكم، ثمّ ها أنتم تدخلون في كلّ مؤسّسة كافرة كالجامعة العربية وهيئة الأمم المتّحدة وغيرها، ثمّ كذلك أنتم فرضتم من الدساتير والقوانين الكافرة التي أبحتم بها ما حرّم الله وحرمتم بها ما أحلّ الله تعالى، وسمّيتم هذه بالنظم -تغييراً للأسماء مع اتّفاق الحقائق- فأبحتم الربا، فها هي البنوك الربويّة مشرعة الأبواب، فيقال لكم بأيّ قانون تمّ الترخيص لهذا العمل، بل إنّ هذه الدولة المزعومة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع الترخيص لما يسمّى بالبنك الإسلامي.

وهكذا أيّها السائل الصادق رأيت أنّ دولنا محكومة بحكومات مرتدّة كافرة وبحكّام كفّار مرتدين وأنّهم شرّعوا للناس ديناً وأوجبوا على الناس الدخول فيه.

ثمّ إنّ هؤلاء الحكّام قد والوا أعداء الله تعالى وعادوا أهل الإسلام: فما من حاكم من هؤلاء إلاّ وتراه يقرّب المشركين ويوادّهم ويناصرهم ويدافع عنهم، ولا يسمح في بلده قطّ أن يشتم هؤلاء الكفّار أو أن يعلن أحد بغضهم، وفرضوا في قوانينهم من العقوبات الشديدة لمن سبّ هؤلاء المشركين أو لعن دينهم.

وإنّ من صور الموالاة والنصرة أنّهم عقدوا معهم من التحالفات العسكرية والأمنية مما جعلهم في دين واحد ومذهب واحد، فإنّ أعظم درجات الموالاة هي النصرة قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.

قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: ( فإنّ من تولاّهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم، فإنّه لا يتولّى متولٍ أحداً إلاّ وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه ) [26].

وهكذا علمنا كفر هؤلاء الحكّام من هذا الباب، فهؤلاء الحكّام مكّنوا للمشركين واليهود والنصارى من بلاد المسلمين، ثمّ من صور الموالاة التي وقع فيها هؤلاء المرتدّون هو الدخول في طاعة المشركين، وذلك بالانقياد لهم واتّباع شريعتهم والانضمام إلى طوائفهم والتي هي المؤسّسات التي تدين بدين الشيطان من مذاهب إنسانية كقولهم: لا فرق بين إنسان وآخر حسب دينه، فدعوا إلى المساواة بين المسلم والمشرك تحت دعوة المذهب الإنساني الذي نشره اليهود في هؤلاء البهائم والله تعالى قد قطع موالاة المؤمن للمشرك وأوجب عليه بغضه وبغض دينه، قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون}، ففي هذه الآية قطع الله علائق الموالاة بين المؤمن وبين أبيه وأخيه الكافر، فكيف بالأجنبيّ؟ وفيها من بيان ضلال وكفر ما يُسمّى في بلادنا بأخوّة المواطنة المزعومة، فإنّ دساتير وقوانين البلاد التي حكّمها هؤلاء المرتدّون تنصّ على المساواة بين أهل البلد الواحد دون اعتبار دينه وعقيدته تحت دعوى المواطنة المزعومة فهم يقولون: الدين لله والوطن للجميع، ومعناه أنّ قانون المواطنة لا يفرّق بين الناس باعتبار الدين والاعتقاد، فالمسلم والكافر عندهم سواء والله جعل مَن والى كافراً مثله في الحكم، قال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}. وإنّ مما أجمع الأنبياء على تبليغه للناس هو البراءة من المشركين كما قال تعالى عن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتّى تؤمنوا بالله وحده}.

ثمّ انظروا إلى هؤلاء الملاعين ماذا فعلوا بالمسلمين والدعاة إلى الل ه: لقد علّقوا لهم المشانق وملؤوا بهم السجون وشرّدوهم في الأرض، فما من دولة من هذه الدول إلاّ وقد ابتُلِيَ الدعاة إلى الله تعالى فيها فسُجنوا وعُذّبوا وقُتّلوا، وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، وأخرجوا الشباب من البلاد لطهرهم كما قال تعالى على لسان قوم لوط: {أخرِجُوهم من قريتكم إنّهم أُناسٌ يتطهّرون}.

فهؤلاء الحكّام خرجوا من دين الله تعالى من هذه الأبواب ومن غيرها، وهذا من العلم الضروري الذي يجب أن لا يجهله أحد من أهل الإسلام.


--------------------------------------------------------------------------------

[13] الاحكام في أصول الأحكام، 5/153 .
[14] مجموع الفتاوى، 28/524 .
[15] مجموع الفتاوى، 11/262 .
[16] مجموع الفتاوى، 3/267 .
[17] البداية والنهاية، 13/119 .
[18] الدرر السنّية 8/241 .
[19] أهمّية الجهاد، ص196 .
[20] رسالة تحكيم القوانين .
[21] 3/441 .
[22] 4/82-83 .
[23] عمدة التفسير، 3/214 .
[24] السابق،4/174 .
[25] هامش فتح المجيد .
[26] 6/277 .

أبو عبد
02-29-2004, 05:47 PM
تَبِعَاتِ تكفير الحكّام
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

قال القاضي عياض: ( أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنّه لو طرأ عليه كفر ينعزل. قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها ).

وقد يسأل سائل: ما أهمّية هذا العلم، وهل من الواجب أن يُكَفِّرَ المسلمُ هؤلاء الحكّامَ الطواغيت ؟

فالجواب: نعم، فإنّه مما يجب أن يعلمه كلّ مسلم أن تكفير الكافرين الملحدين هو ركن من أركان عقيدة المسلم، وذلك لما يترتّب على هذا التكفير من الواجبات.

فإن سألت: ما هي هذه الواجبات ؟

قلنا لك: إعلم أيّها الأخ الحبيب أنّ البراءة من هؤلاء الطواغيت هو فرض عينٍ على كلّ مسلم، فقد تقدّم لك من الأدلة على أنّ من ركنِ الإيمان الركين والذي لا يصح إسلام المرء إلاّ به هو البراءة من هؤلاء الطواغيت ووجوب معاداتهم وبغضهم وعدم محبّتهم.

وممّا قاله أئمّتنا: إنّ تكفير الملحدين ضروريّة من ضروريّات الدين، وإنّ من مقتضيات هذه البراءة هو بغضهم وعدم محبّتهم وعدم الدخول في طاعتهم، فلا يجوز للمسلم أن يعاونهم أو أن يدخل في أيّ مؤسّسة من مؤسّسات نصرتهم وتقويتهم كالجيش والأمن والمخابرات، ومن يدخل من المسلمين في نصرتهم في هذه المؤسّسات فإنّه معرّض لقوله تعالى: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم} وهذا يعرّضه إلى ما أوجب الله على المؤمنين من معاداته ومقاتلته، قال تعالى: {الذين آمنوا يُقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً}. وقال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}، وهذا حاكم كافر فيجب خلع ولايته وعدم طاعته.

أبو عبد
02-29-2004, 05:56 PM
وجوب قتالهم
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

ثمّ إعلم أنّ هذه البراءة توجب مقاتلة هؤلاء الحكّام، فإنّه إن كفر الحاكم وارتدّ عن شريعة الرحمن فإنه يُقاتل حتّى يُزال ويُقام بدلاً منه رجلٌ من أهل الإيمان. وهذا هو الواجب الثاني.

فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان [27].

قال النووي: ( قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنّه لو طرأ عليه كفر ينعزل. قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها... قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلاّ إذا ظنّوا القدرة عليه فإنّ تحقّقوا العجز لم يجب القيام فيها وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفرّ بدينه ) [28].

وقال ابن حجر: ( قال ابن التين: وقد أجمعوا أنّه -أي الخليفة- إذا دعا إلى كفر أو بدعة أنّه يُقام عليه. وقال ابن حجر: وملخّصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعاً، فجيب على كلّ مسلم القيام في ذلك ) [29].

فأنت ترى إجماع العلماء على أنّه لا يجوز للمسلم أن يرضى بحكم الكافر عليه، بل يجب أن تكون العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين -كما قال تعالى- وإنّ خضوع المسلم للكافر وأحكامه هي صور من صور الذلّة التي لا تنبغي للمؤمن.

ثمّ إعلم حفظك الله أنّ حكم المرتدّ في ديننا -كما هو شأن هؤلاء الحكّام- أغلظُ وأشدّ من حكم الكافر الأصلي. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( وكفر الردّة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي ) [30].

وقال كذلك: ( وقد استقرّت السنّة بأنّ عقوبة المرتدّ أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعدّدة، منها أنّ المرتدّ يُقتل بكلّ حال ولا يُضرب عليه جزية، ولا تُعقَد له ذمّة، بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال، فإنّه لا يُقتل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد، ولهذا كان مذهب الجمهور أنّّ المرتدّ يُقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد، ومنها أنّ المرتدّ لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته، بخلاف الكافر الأصلي إلى غير ذلك من الأحكام ) [31].

وقد أنكر الإمام أحمد عقد الذمّة للمرتدّ، ففي جامع الخلال: قال الأثرم: ( سمعت أبا عبد الله يُسأل عن الزنادقة تُؤخذ منهم الجزية؟ فأنكر ذلك، وقال: لا بل تُضرب أعناقهم، ما سمعنا بهذا في الإسلام. ثمّ قال: سبحان الله؟! تُؤخذ الجزية من الزنادقة؟ منكراً لذلك جدّاً، قال الأثرم: وأظهر إنكار ذلك واستعظمه ) [32].

بل إنّهم رأوا في المرتدّ أن لا يُدفن:

قال إسحق بن منصور: ( قلت لأحمد: المرتدّ إذا قُتل ما يُصنع بجيفته؟ قال: يُقال: يُترك حيث ضُرب عنقه كأنّما كان ذاك المكان قبره. يُعجبني هذا ) [33].

وقال ابن تيمية: ( والصدّيق رضي الله عنه وسائر الصحابة بدؤوابجهاد المرتدّين قبل جهاد الكفّار من أهل الكتاب، فإنّ جهاد هؤلاء حفظ لما فُتح من بلاد المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه، وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين، وحفظ رأس المال مقدّم على الربح ) [34].

فواجب كل مسلم أن يجاهد هؤلاء حتّى يخلعهم ويزيلهم عن ولاية المسلمين، ويجب على المسلمين جميعاً أن ينشغلوا بإعداد أدوات الجهاد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً من أجل إعادة سلطان المسلمين إلى هذه الأرض التي فتحها المسلمون بدمائهم، فجاء هؤلاء الحكّام الملاعين فغيّروا الملّة والدين وبدّلوا الشريعة وأعادوا سلطان المشركين إليها.

ثمّ إعلم أنّ هؤلاء الحكّام مفسدون في الأرض بسبب ما هم عليه من البغض لهذه الأمّة، وبسبب حكمهم بشريعة الشيطان والله قد أمر المؤمنين بجهاد المفسدين في الأرض، قال تعالى: {إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفَوا من الأرض}.

وهؤلاء الحكّام اجتمع فيهم ما تقدّم من محاربة لله ولرسوله وذلك بالإعراض عن شريعة الإسلام وترك الخضوع لأحكام الكتاب والسنّة والإفساد في الأرض، فالواجب أن يقوم أهل الإسلام عليهم كلّ قيام حتّى تطهّرَ الأرض منهم.

وهذا الأمر يجب أن يكون اليوم قبل الغد، فإنّ كلّ يومٍ وكلّ لحظة تمرّ على أمّتنا وهم في سدّة الحكم يزداد شرّهم وتبتعد الأمّة عن دين الله تعالى، وذلك أنّهم، مع طوائف ومؤسّسات الفساد التي يديرونها، يجذّرون الفساد في المجتمعات وينشطوا بكلّ قوّتهم لأن يكون هو حياة الناس وثقافتهم وغذاؤهم، فليس الحكمة ما يزعم البعض بأنّ التأنّي خيرٌ من الإقدام في قتال هؤلاء المبدّلين والمرتدّين، بل الصحيح إنّه كلّما تعجّل أهل السنة والدعوة والجهاد في إزالة هؤلاء المرتدّين كلّما أحسنوا لأنفسهم وأحسنوا لأمّتهم.

ألا ترى أيّها الحبيب ماذا تصنع وزارات الإعلام من بثّ سموم الزندقة، ومن نشر العهر والرذيلة، ومن تحسين الفجور والزنا، ومن الدعوة إلى المذاهب الشركيّة الهدّامة من نفايات العقول وزبالتها؟

ثمّ ألا ترى ما تصنع وزارات العدل المزعوم من تحليلٍ للحرام وإباحة للفروج ومن تضييع للحقوق وقلب الأمور رأساً على عقب، فمن هو ذلك المرء الذي يطمئنّ إلى الوصول إلى حقّه أو دفع الظلم عن نفسه عن طريق هذه المحاكم التي تقوم عليها وزارات العدل المزعوم؟

ثمّ ألا ترى المؤسّسات المالية التي تديرها الدولة يقوم كلّ أمر من أمورها على الربا المحرّم، فلا يستطيع أحد أن يحفظ ماله إلاّ في البنوك الربويّة، ولا يستطيع أن يقوم بتجارته إلاّ عن طريقها، ثمّ هذه القروض التي يزعمونها لتحسين معيشة الناس فهي لا تكون إلاّ عن طريق الفائدة الربويّة؟

ولا تنسَ أن تنظر وتتفكّر في نظم التأمين الإجباري على ضروريّات الناس في هذه الحياة كالسيّارة وغيرها.

ثمّ ألا ترى وزارة التربية والتعليم ماذا صنعت في جيل الشباب الذي تخرّج من معاهدها ومدارسها، ماذا علّموه وثقّفوه وأيّّ شيء من الإسلام اهتمّوا به لتربيته إياه وتعليمه؟

وها هي الأيّام تزيد الأمر وضوحاً وذلك بعد ما يسمّى بالسلام المزعوم مع إخوان القردة والخنازير، حيث أزالوا كلّ آية أو حديث أو خبر فيه بيان عداء المسلم لأعداء الملّة والدين، وكيف بدؤوا ببثّ ما يسمّى بالتطبيع والذي هو حقيقة تدمير لعقيدة الولاء والبراء والتي لا يصحّ إسلام المرء إلا بها كما تقدّم. ثمّ انظر إلى بقيّة معاهد التعليم كالجامعات والمعاهد العليا، وقارن بينها وبين ما أمر الله تعالى، ترى حقيقة هذه المؤسّسات والدوائر التي يفرضها هؤلاء الطواغيت وأعوانهم بكلّ وضوح وجلاء.

فهل بقي للمسلم عذرٌ في عدم القيام على هؤلاء الحكّام وقتالهم، والله تعالى يقول: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله}. فهل الدين في بلادنا لل ه، أم أنّه في أغلبه لغير الل ه، وفيه القليل الذي يزعمون أخذه من الشريعة الإسلامية؟

فإذا كان بعض الدين لله والآخر لغيره وجب القتال والجهاد حتّى يكون الدين كلّه لله سبحانه وتعالى.


--------------------------------------------------------------------------------

[27] متّفق عليه .
[28] شرح النووي على مسلم، 12/229 .
[29] فتح الباري: 13/123 .
[30] مجموع الفتاوى، 28/478 .
[31] مجموع الفتاوى، 28/534 .
[32] فقرة 1340 .
[33] السابق، فقرة 1301 .
[34] مجموع الفتاوى، 35/158-159 .

أبو عبد
02-29-2004, 06:08 PM
الخاتمة
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

إنّنا نجاهد أيّها الأخ الحبيب لأنّ الجهاد هو الطريق الوحيد لعودة الأمّة إلى عزّتها ورفعتها، وذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا تبايعتم بالعينة واتّبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وترتكم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتّى تعودوا لدينكم )، والدين ها هنا هو الجهاد كما هو ظاهر من سياق وسباق الحديث.

إنّنا نجاهد لأنّ الجهاد هو الحياة كما قال تعالى: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، وفسّر العلماء الحياة هنا بالجهاد.

أمّا إذا قيل لك: اصبر !

فاعلم أنّ الصبر على الذلّ والخزي والعار لا يرضاه الله للمسلمين، فإنّ الله تعالى يقول: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين}، وقال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}.

وإذا قيل لك: أنّ الجهاد فتنة !

فقل له ما قاله تعالى لأمثاله: {ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين}، وكيف يكون الجهاد فتنة وبالجهاد تُزال كلّ فتنة كما قال تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة}.

وإذا قيل لك: إنّ الجهاد فيه الموت !

فقل له: ما جاهدّت إلاّ لأموت، فإنّ الموت في الجهاد شهادة في سبيل الله وهذا الذي نطلب. قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً}. وقال تعالى: {ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون}.

وإن قيل لك: أنت في هذا الطريق وحدك وليس لك من معين، والناس في شغل عنك بأموالهم وأهليهم !

فقل لهم: هذا هو شأن أهل الحقّ في كلّ زمان، أنّهم غرباء. والله تعالى يقول: {فقاتل في سبيل الله لا تُكلَّفُ إلاّ نفسَكَ وحرِّضِ المؤمنين}.

قال الإمام القرطبي في تفسيرها: ( هي أمرٌ للنبيّ بالإعراض عن المنافقين وبالجدّ في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك ) [35].

وهذه أيّها الأخ المحبّ كلمات يسيرة للتعريف بهويّتنا وتجيبك سريعاً على سؤالك :

من نحن وماذا نريد ولماذا الجهاد في سبيل الله.

فهلاّ حملت معنا هذه الأمانة ولم تظلمها بعد أن علمتها؟! قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتّقين}.


والحمد لله رب العالمين


--------------------------------------------------------------------------------

[35] الجامع لأحكام القرآن، 5/293 .

تيمور
03-03-2004, 05:06 AM
وجوب قتالهم
[الكاتب: أبو قتادة الفلسطيني]

ثمّ إعلم أنّ هذه البراءة توجب مقاتلة هؤلاء الحكّام، .

لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ...
إتقوا الله كفاكم من زرع الفتن بين المسلمين ...
ولا ينساق خلفكم إلا كل ذو عقل سقيم...
الإسلام يدعو الى الوحدة والتقارب ...
أنتم تزرعون الفتن ...
إتقوا الله ...

ahmadamir
03-04-2004, 08:53 AM
هذا رأي أبو قتادة وهذه أدلّته التي استند عليها

مسلمة
03-06-2004, 10:33 AM
ما شاء الله كلام قيم من الشيخ المجاهد ابا قتادة نسال الله ان يفك اسره.

وجزاك الله خيرا اباعبد ونسال الله ان يجعلنا واياكم من الطائفه المنصورة .