تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : :: المبـــاهلـة ::



منير الليل
02-27-2004, 05:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

:: المبـــاهلـة ::

بقلم: بسّام جرّار



كثر الجدل في هذه الأيام حول المناظرات التي تعقدها قناة المستقلة الفضائية بين علماء من السنّة والشيعة، ولم يتيسّر لنا أن نشاهد هذه المناظرات، ومن هنا ليس بإمكاننا أن ندلي بدلونا مع الآخرين. ولكن لفت انتباهنا ما قيل حول دعوة أحد المناظرين خصمه للمباهلة، وكأنه بذلك يريد أن يوحي للمشاهدين أنه على الحق، وأن خصمه يجادل بالباطل. ولا يهمنا هنا أن نعرف من هو صاحب هذا الطرح، ولكن يهمنا أن نبيّن خطأ مثل هذا الطرح، ومجافاته للفهم السوي لآية المباهلة، الواردة في سورة آل عمران.

جاء وفد من نصارى نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يجادلونه في عيسى عليه السلام، ولو كان هذا الجدال يقوم على أساس من البرهان لأمكن دحضه بالبرهان، ولكن ماذا يصنع البرهان في مواجهة الجدل الذي يدفع إليه الكبر والمكابرة. وماذا يمكن للبرهان أن يقدم في مواجهة العواطف التي تتنكر لبدهيّات العقل؟! وعندما يكون إمام الموحدين صلى الله عليه وسلم طرفاً في مناظرة تتعلق بتوحيد الخالق، وتتعلق بجوهر الرسالة الإسلامية، فهل يصح أن يُترك أولئك لباطلهم، الذي يعلمون أنه باطل، ولكن يصرفهم عن الاعتراف بالحقيقة صوارف دنيويّة؟!

ما كان لمثل هذا الباطل أن يمضي من غير حسم، فنزلت الآيات الكريمة لتحسم الموقف:"إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، الحق من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين" آل عمران:(59-61)، فمن جادلك يا محمد في عيسى عليه السلام، فقل تعالوا نجتهد في الدعاء والتضرّع إلى الله تعالى أن يجعل لعنته على الكاذب الذي يجادل في أشرف الحقائق وأجلّ المسائل، وهو يعلم أنّه كاذب، ولكنه يبيع نفسه من أجل عرضٍ زائل، فيكون فتنة للناس.

لقد تمّ حسم الموقف، فقد بادر وفد نجران إلى القبول بإعلان تابعيتهم لدولة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم أدركوا خطورة الموقف، فما كان لهم أن يباهلوا نبياً عرفوا صدقه، فصدق فيهم قول الله تعالى:" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ..." بل هم "يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" وهنا قد يقول قائل: فلماذا لا يعلنونها صريحة؟! نقول: هذا سر من أسرار النفس البشرية، وليس هذا مقام استعراض عجائب الباطل في مواجهة الحق، فهذا فرعون لا يتردد في العبور خلف موسى عليه السلام، بل لا يفكر في معجزة فلق البحر ... أمّا وفد نجران فكان أعقل من فرعون، وأقدر على تقدير العواقب.

جاء في الحديث الذي رواه أحمد، والنسائي، وقال فيه الترمذي: حسن صحيح، وفيه عن ابن عبّاس رضي الله عنه:" ... لو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً" وعليه فإن حادثة المباهلة هي كما قال القرطبي في تفسيره من أعلام نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم. وواضح من الآية الكريمة أنها دعوة من الله لرسوله "قل تعالوا ..." وهذا يعني أنه لا بد من نزول اللعنة الفورية على الطرف الكاذب في حالة المباهلة . وهذا يشبه ، من وجوه ، ما حصل مع موسى عليه السلام عند مبارزة السحرة .

وعليه، فبأي سلطان يتجرأ البعض فيطلب المباهلة، أَوَحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أم هو الجهل والعجز عن تقديم البرهان المفحم؟! أم هو الخيال الموهم لصاحبه بأنه المقبول عند الله، دون غيره من البشر؟! ألم يقل اليهود والنصارى:" نحن أبناء الله وأحبّاؤه"؟! ونقول لمن يطالب بالمباهلة: هل لديك ضمانة بأن ينزل الله لعنته على الكاذب منكم، وما معنى هذه المباهلة إذا لم يحصل شيء يقنع الجماهير بصدق هذا الطرف دون الآخر؟!

إنه العجز عن الاتيان بالدليل، إنه الإعلان عن الانتماء العاطفي الذي لا يستند إلى البرهان، إنّه الوهم الذي يجعل من صاحبه مدّعياً بإمكانية إجراء المعجزات على يديه حتى بعد ختم الرسالات، إنّه التألّي على الله. أمّا ما ورد عن بعض السلف من أنه قال في مسألة:"من شاء باهلته" إن صح هذا الأثر فإنه فهم خاطئ، ولم نقل بعصمة السلف رضوان الله عليهم.

http://www.islamnoon.com/Motafrkat/monazara.htm