تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحمد لله على نعمة الإسلام: ماتت ضحية الفقر والملل



no saowt
02-23-2004, 02:45 AM
امرأة ممددة في سريرها، وفتاتان صغيرتان تروحان وتجيئان في المنـزل بشكل طبيعي تنتظران ان تستفيق والدتهما من النوم ولكن يبدو ان هناك سوء تفاهم لان الأم ميتة منذ عدة ايام.. كيف حصل ذلك؟

هذه العائلة تسكن في بلدة صغيرة متواضعة ومدخلها عبارة عن ممر طويل جداً تحيط بجانبيه الاشجار والحشائش، اما المنازل فمتناثرة هنا وهناك وهي قديمة وتدل على الحياة الطبيعية والمتواضعة جداً.

وفي كل صباح تنطلق سيارة صغيرة صفراء اللون تقودها امرأة جميلة بتوزيع البريد وهي الجسر بين هذه القرية والعالم..

الجولة التي تقوم بها يومياً هذه المرأة لا تتغير ابداً، فحركتها دائماً مستمرة، نشيطة وتحب عملها كثيراً وتخلص له بتوصيل كافة الرسائل الى الجميع..

وذات صباح قطعت السيارة حقولاً عديدة حتى استقرت امام منـزل صغير وضيق، جدرانه زرقاء وفيه اربع نوافذ يدخلها الحديد المشبك للحماية وتفوح من المنـزل رائحة الفقر..

هنا تعيش ((لويز)) وهي امرأة في الاربعين من عمرها وابنتاها الصغيرتان 3 سنوات و5 سنوات، وتأتي ساعية البريد الى هنا دائماً لتعطي لويز الرسائل ولكن في المرات الاخيرة كانت تأتي وهي قلقة جداً والآن جاءت ليس لتسليم اية رسالة وانما للاطمئنان لان لويز لم تخرج لمقابلتها كما في كل مرة تأتي فيها لتزورها منذ فترة، فاعتقدت بأنها مريضة او انها تركت المنـزل، ولكن الذي اقلقها اكثر هو تراكم الرسائل في علبة البريد الموضوعة في الحديقة، ولكن طبعاً هذه التفاصيل الصغيرة غير مهمة لتصل الى حد ابلاغ الشرطة كما ان بقية السكان في القرية قالوا بأن هذا امر طبيعي لان لويز تعيش هنا منذ ولادتها وهي لا تخرج من المنـزل ولا تزور احداً لانها لا تحب ان تراهم، فمنهم من راح يسخر منها ومنهم من قال بأنها تعيش في العصر الحجري.

فهي لا تملك جهاز تلفزيون ولا راديو، وأهلها لا يعملون ويعيشون مع اولادهم الاربعة في بيت صغير كالعلبة، يقتاتون من الخضار والحشائش المزروعة امام بيتهم، ولا احد يتدخل بهم من اهل القرية، اما لويز فكان عمرها 16 عاماً عندما اجبرها والداها على الخروج من المنـزل حتى تعمل مدبرة في احد المنازل، وبعد عدة اشهر التحقت بخدمة رئيس بلدية البلدة.

ومرت عشرات السنين على ترك لويز منـزل والديها الى المنـزل الحالي والذي يبعد 200 متر عن اقرب منـزل لها، حيث عاشت لوحدها دون أي ارتباط مع احد ومع العالم الخارجي، مثل والديها بالضبط، دون جهاز تلفزيون او راديو او حتى هاتف، وليس لديها اصدقاء ابداً ولم يرها احد مع أي رجل في يوم من الايام.

وفي احد الايام خرجت لويز الى الطبيعة وكانت هذه المرة من المرات المعدودة على اصابع اليد الواحدة التي تخرج فيها من المنـزل، ولكن الدهشة ليس في ظهورها بل في بطنها المنتفخ الذي يحوي على طفلة جميلة سمتها عند ولادتها ((ساندرين))، وقد توقفت لويز عن العمل حتى تتكرس لطفلتها، اما الأب فلا احد يعرف من يكون.

وبعد مرور سنتين انتفخ بطن لويز من جديد، وفي العام 2000 وضعت ((اماندين)) وايضاً من أب مجهول. فربما عاشت قصة حب غامضة..

ولكن هذا كله لم يغير في حياة لويز شيئاً، فقد بقيت كما هي ولكنها أتبعت طفلتيها في الطريق ذاته، ولولا انها لا تخرج للتبضع من الدكان ولا توصل طفلتيها الى المدرسة، لنسيها اهل القرية بالتأكيد..

لكن لويز اتخذت صديقة واحدة تتبادل معها كلمات معدودة وهي ((جان دارك)) ساعية البريد، علماً انه مرت اعوام كثيرة حتى استطاعت جان دارك ان تكلمها لان العادات في تلك القرية تقضي بعدم تبادل الثقة والمحادثة كثيراً.

وذات صباح، مرت سيارات الشرطة مسرعة، فظن الجميع ان ثمة خطأ ما او سوء تفاهم. فما الذي حصل ولماذا ابلغت ساعية البريد الشرطة للتوجه فوراً الى منـزل لويز؟ لكن تبين لاحقاً ان هناك مأساة مروعة تجعل شعر الرأس يشيب..

لا احد يعرف بعد ماذا حصل، ولكن ساندرين واماندين متسختان وجائعتان ومرعوبتان، ترتديان منذ أيام لباس النوم نفسه، تجولان في المنـزل كالاشباح حتى شارفت قواهما على الانحطاط.

ولكن من الذي سيجرؤ على القول لطفلتين في الثالثة والخامسة، ان امهما لم تعد تستطيع ان تطعمهما وتأخذهما الى المدرسة، ومن سيقول لهما لماذا أمهما لم تتحرك ولم تخرج من غرفتها منذ مدة؟

فمنذ عدة ايام وضعت ساعية البريد الرسالة في العلبة دون ان تطرق الباب، وبعد ايام اخرى اتت ووجدت ان الرسائل المتراكمة قد اختفت، فمدت يدها الى داخل العلبة، فوجدت رسالة صفراء اللون وهي عبارة عن ايصال، وقد سبق ووضعته هنا منذ ايام، استغربت الساعية الامر وفكرت ملياً، وقالت في نفسها ان ثمة احداً ما قد اخذ الرسائل ولكنه لا يملك مفتاح العلبة لانه لم يستطع ان يأخذ الورقة الصفراء!.

فقررت ان تأخذ الورقة الى والدة لويز وتدعى ماري لويز وتعيش وراء الاشجار الضخمة، والتي قالت انها لم تر ابنتها لويز منذ وقت لا بأس به وليس لديها اية اخبار جديدة عنها، واقترحت بأنها قد تكون ذهبت برحلة مع ابنتيها، ولكن هذا ليس اكيداً وبقيت ساعية البريد قلقة جداً.

انهت عملها بعد الظهر من ذلك اليوم وهي تشعر بأن مكروهاً ما حدث لتلك السيدة، فتوجهت الى منـزل لويز وكان الباب موصداً فراحت تطرق الباب وتنادي لويز عدة مرات بأعلى صوتها، من دون جواب، فجلست على الارض وقد خارت قواها، وفجأة فتح باب المدخل واطلت الطفلتان وهما تبكيان، فسألتهما عن امهما وقد بدتا مصدومتين تماماً ولم تتفوها بكلمة، فصعدت الى سيارتها وتوجهت مباشرة الى مديرها في العمل واخذت برأيه بأن اتصلت بالشرطة، وفي الساعة الرابعة من بعد الظهر وصل فريق من مركز الشرطة، فأطلت الابنة البكر للويز عبر زجاج النافذة وقالت بهدوء: رجاءً لا تحدثوا ضجة لان امي نائمة.

فكسروا الباب واشتموا رائحة كريهة جداً تفوح من داخل المنـزل، انها رائحة الجثة التي جعلت عناصر الشرطة يحتاجون الى اقنعة حتى امكنهم الدخول.

كانت لويز ممددة على سريرها وقد قضت نحبها منذ وقت طويل وقد عانت هاتين الطفلتين كثيراً طيلة هذه المدة كما يبدو عليهما. فبانتظار ان تصحو والدتهما من النوم كانتا تأكلان كل ما يقع بين يديهما من سكاكر وبقايا خبز..

ولكن كيف ماتت لويز؟

رد الطبيب الشرعي سبب الوفاة الرئيسي الى الوحدة والبؤس. فالفقر والحياة المملة سببا الوفاة لتلك الام تاركة وراءها جميلتين جائعتين..

منير الليل
02-23-2004, 06:45 AM
البؤساء.... ذكرتني بالقصة المشهورة.
وبطلها جان فلجان... والطفلة ( الشابة) كوزيت ....


ولكن أيامهم، كانت السلطة ظالمة...

اما لويز، لماذا كانت تعيش الفقر... لم تكن ملزمة على عزلته من العالم الخارجي.