تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "الحرة" ..محاولة يائسة لأمركة العرب



fakher
02-18-2004, 08:46 AM
طه عبد الرحمن

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد السيطرة والهيمنة على العالم العربي والإسلامي فحسب؛ بل تسعى أيضا لأمركة أدمغة العرب وتزييف الحقائق وتغيير المفاهيم من خلال إطلاق قناة فضائية أمريكية موجهة للعرب بدأت بثها في مساء سبت 23/12/1424، و إذا كانت أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من احتلال لأفغانستان والعراق كشفت عن زيف الإعلام الأمريكي بعد أن حجبت الإدارة الأمريكية حق المواطن الأمريكي حقائق ما يجرى في على أرض العراق من خسائر تتكبدها على يد المقاومة العراقية ، كما سبق أن لعبت الدور نفسه في حربها في أفغانستان ، وفرضها لإعلام أحادى لا يعرف الرأي الآخر.
ويؤكد كثير من الأكاديميين في الشأن الإعلامي أن قناة "الحرة" الأمريكية الجديدة الناطقة باللغة العربية سوف تتخذ أساليب مباشرة في تحسين صورة أمريكا، فضلاً على محاولة تشكيل رؤية ثقافية جديدة تتفق مع السياسة الأمريكية وتعتبر قناة "الحرة" أكبر مشروع (إعلامي – سياسي- غربي) موجه للعرب منذ إطلاق القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عام 1934، و"صوت أمريكا" بالعربية العام 1942.
الغرض منه تغيير المفاهيم الإسلامية الأصيلة من مقاومة العدوان والجهاد من أجل توثيق العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
ويضم فريق العمل بالقناة الأمريكية أكثر 200 صحفي وإعلامي عربي، استقطبوا من وسائل إعلامية مختلفة، تحت إدارة إعلامية تشرف في ذات الوقت أيضًا على شبكة إذاعات "صوت أمريكا".
ويتألف مجلس الأمناء من 9 أعضاء بمن فيهم 4 جمهوريين و4 ديمقراطيين، إضافة إلى وزير الخارجية كولن باول بحكم منصبه.
وقد خصص الكونجرس الأمريكي 62 مليون دولار لتمويل القناة خلال عام 2004، ويقع مقر القناة الرئيس في مقاطعة سبرنغفيلد، إحدى ضواحي ولاية فيرجينيا، على بعد 20 دقيقة من وسط واشنطن، فيما تنتشر شبكة مراسلين للمحطة التليفزيونية في معظم أنحاء العالم العربي.
وإذا كانت قناة "الحرة" تمثل تحديًّا ثقافيًّا للعرب؛ فإنه مطلوب من العرب والمسلمين تنشيط أجهزة إعلامهم، وأن تكون له قضية تناسب طبيعة التحديات الإعلامية، وذلك من خلال إعلام هادف، ورسالة جادة، بعيدًا عن إعلام اليوم الذي يغلب عليه التسطيح، والدعوة لنشر الإباحية وتعميق مفاهيم مضللة، والدعوة إلى قضايا لا أخلاقية لا تمت إلى الإنسانية بصلة.
ويتوجب على إعلامنا ضرورة التركيز على مخاطبة الآخر باللغة التي يفهمها من خلال ثوابتنا ومصالحنا، خاصة وأن الواقع يؤكد أن مصيره الفشل، والدليل على ذلك أن العديد من المحطات الإذاعية الغربية الموجهة إلى المنطقة أثبتت فشلها؛ لاعتمادها على التوجيه المباشرة والدعاية البينة، والتعبير عن وجهة نظر واحدة.

عبث أمريكي غاشم

من جانبه يرى الخبير الإعلامي (سعد لبيب) أن هذه الفضائية الأمريكية الموجهة للعرب لتحسين الصورة الأمريكية لن يكتب لها النجاح؛ لأنها لن تضيف جديدًا للإذاعة الموجهة حاليًّا، سوى أنها ستكون وسيلة مرئية، ولن تستطيع خلق رأي عام جديد لها، وستكون شكلاً من أشكال العبث الأمريكي، لأنها تتبع سياسة الكيل بمكيالين في تأييدها الواضح لمفاهيم العدل والحريات في العالم ودعمها في ذات الوقت لاحتلال العراق وقمع الشعب الفلسطيني على يد إسرائيل.
ويقول الخبير الإعلامي (سعد لبيب): إن الرأي العام العربي سينصرف بالتالي عن هذه الوسيلة مهما كانت مؤثراتها، لأن المواطن العربي يرتبط بما هو حاصل على الأرض، وعليه فإنه سيجد نفسه أمام تناقض غريب؛ ففي الوقت الذي سيجد فيه هذه الفضائية تتحدث عن المثل وسياسات الدول تبعًا لأمزجة السياسة الأمريكية؛ فإنه سيجد في المقابل دعم لقوات الاحتلال، وممارسة الإدارة الأمريكية لسياسة عدوانية تتسم بالهيمنة ضد الدول العربية والإسلامية، فالعبرة بما يحدث على أرض الواقع، والذي يقترب منه الرأي العام العربي أكثر.
ويقول لبيب: إن زمن التعبئة الإعلامية قد ولى زمانها، بالرغم من أن الإعلام الأمريكي يسعى إلى إحيائه ليتوجه به إلى العرب والمسلمين، وهو يدرك أنه سيفشل في ذلك، ولكنها غطرسة القوة المتسلطة والمهيمنة التي تحاول الإدارة الأمريكية فرضها بالمنطقة العربية.

تشويه الحقائق الإسلامية

ويؤكد الدكتور (مختار التهامي) -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- أن قناة "الحرة" الأمريكية الجديدة هي وسيلة من وسائل النصب الأمريكي على العالم بهدف تشويه الحقائق للمواطن العربي والإسلامي، وكمحاولة لاختراقه ثقافيًّا، لكي تخاطب فيه ما تراه.
ويقول التهامي: إن الولايات المتحدة لم تدرك أن المواطن العربي أصعب من أن يتم اختراقه؛ لأنه يتمتع بذكاء عميق، ويدرك التحديات التي تواجهه، ولكن ليس غريبًا على الإدارة الأمريكية التي أعلن رئيسها الحرب الصليبية على العرب والمسلمين، أن تفكر بهذه الطريقة "الساذجة" في محاولة لبث الفرقة بين أبناء الوطن العربي وحكامه بقدر الإمكان، وبأعلى درجة من اليقين.
ويضيف التهامي أن كافة المحاولات الأمريكية ستنال طريقها إلى الفشل، ولن تحقق أهدافها كما ترجو؛ لأن جميع تجاربها السياسية سيئة، ولذلك ستكون أيضًا تجاربها الإعلامية أكثر سوءًا ، وإذا كانت ترى أن احتلالها للعراق وأفغانستان وانحيازها الدائم لإسرائيل أدى إلى توجيهها وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية إلى منطقتنا لتدافع من خلالها عن جرائمها في العراق وأفغانستان؛ فإن كل هذه الأساليب ستنال طريقها إلى الفشل، لأنها مهما فعلت ومارست من وسائل لتحسين صورتها في العالم العربي أو إبراز أن احتلالها للعراق غرضه نشر الديمقراطية والحرية؛ فإن هذا كله سيكون مصيره نفايات التاريخ، وستلفظ الأجيال العربية الحالية والقادمة هذه الأساليب ولن تلتفت لها.
ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية لن تستطيع تحقيق مهامها كما تراها في تحقيق العدالة، في الوقت الذي تبارك فيه أعمال الإرهابيين في مؤسسة الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي العربية، فضلاً عن احتلال العراق وتلويحها بتوجيه ضربة عسكرية إلى عدة دول عربية.
ويضيف قائلاً: إذا كان إعلامها يخدع المواطن الأمريكي من غير النخبة؛ فلن يخدع شعوبنا التي بدأت تدرك تمامًا الأساليب الملتوية للإعلام الأمريكي.
ويؤكد أن الإعلام الأمريكي لا يحق أن نطلق عليه إعلاما بالمعنى المتعارف عليه، ولكنه دعاية ليس فقط ضد الشعوب العربية والإسلامية ودول العالم الثالث؛ ولكن داخل بنية المجتمع الأمريكي الذي جعلت منه وسائل إعلامه مجتمعًا "معصوب العينين" مضلل العقل، مخدوع الفكر.. وهذا كله يذكرنا بأفعال النازية القديمة.

دعم الاتجاهات العلمانية

أما الدكتور (محمد يحيى) -الكاتب الإسلامي، وأستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة-؛ فيقول: إن الهدف من قناة "الحرة" الأمريكية هو الدعاية عن طريق مناصرتها لاتجاهات علمانية معينة؛ فالهدف الأساسي ليس الدفاع عن السياسة الأمريكية فحسب، بل دعم الاتجاهات العلمانية المسماة بالليبرالية أو البرجماتية، إذ إن كثير من هؤلاء يوجد في بعض الدول العربية وهم في حاجة إلى من يؤازرهم لمواجهة خطر التيار الإسلامي.
فالقائمون على القناة يدركون أن الدعوة إلى تأييد السياسة الأمريكية سيكون دافعًا إلى فشلها كما حدث مع راديو أمريكا.
ولمواجهة المحطة يري الدكتور يحيى أنه لمواجهة محطة فضائية؛ فإنه لا بد من تشيط الفضائيات العربية والإسلامية، ولأن الحركة الإعلامية والصحافة الإسلامية تعاني ضعفًا شديدًا نظرًا للظروف المحيطة والضغوط التي تمارس عليها؛ فإن على المحطات العربية الفضائية الأخرى كـ"الجزيرة" و"المجد" و"اقرأ" أن تقوم بهذا الدور. وأقول: إن بث هذه القناة الأمريكية فرصة لأن تزود هذه القنوات من فاعلياتها وتعطي مساحة أكبر لمن تهاجمهم "الحرة" في برامجها حتى يتسنى لهم الرد، كما ولا بد من إعطاء المزيد من الحرية التي يمكن بها مواجهة الغزو الثقافي الأمريكي.

عقبات في طريق

وأكد الدكتور (محمد الحضيف) -الإعلامي السعودي المعروف- أن قناة "الحرة" الأمريكية تكرار لتجربة إذاعة (أوروبا الحرة) أيام الحرب الباردة مع المعسكر الشرقي من حيث توظيف الإعلام لخلق صورة ذهنية إيجابية عن أمريكا بشكل عام وعن السياسة الأمريكية في العراق والمنطقة بشكل خاص.
وأضاف الحضيف أن القناة ستواجه بعض العقبات، والتي منها تبريرها لقضية التحالف الأمريكي الإسرائيلي، أيضًا سياسة الجيش الأمريكي المحتل في العراق، ثم موقف أمريكا من كل ما هو إسلامي في العالم مثل حملتها على العمل الدعوي والخيري.
وحول إمكانية نجاح القناة أشار الدكتور الحضيف إلى أن انتقاد "الحرة" لسياسات الأنظمة العربية قد يرفع مصداقيتها عند المشاهد العربي، والذي بدوره قد يدعو تلك الأنظمة العربية إلى إيجاد بعض إصلاحات؛ ولكنها لن تكون جذرية بالطبع.