تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اللهم انصر المجاهدين



بشرى
01-14-2004, 03:01 PM
دعوة جميلة تنطلق من قلوب خاضعة تصحبها دموع من أعين هملت من عظمة هذا الدعاء بعد مناجاة لمن فتح بابه للسائلين.
فيها إظهار لتلاحم هذه الأمة المباركة، واشتغالها دوماً في البحث عن الرفعة والسناء والتمكين.
إن المتبصر في ألفاظ هذا الدعاء ليعلم أن معناه طلب النصر والتأييد لمن بذل جهده من أجل هذه الأمة المحمدية ودينها المجيد، فاستغرق الوقت والبدن من أجل ذلك، فهجيراه وديدنه البحث عما يرفع عن هذه الأمة ما حل بها.
إلا أن من الخطأ أن يحصر فهم هذا الدعاء على أنه دعوة لمن سل سيفه وامتطى صهوة جواده، وإن كان هو الصنف المقدم، والمجاهد الذي لا يعلى عليه، إلا أن الجهاد أوسع من ذلك، فكل من بذل الجهد في نصرة هذا الدين وتوحيد وتوجيه أتباعه فهو مجاهد.

فكل من بذل جهده بلسانه يوجه هذه الجموع إلى معرفة دين الله وفهم أسراره وحكمه وأحكامه، وأنه دين الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه عظمة في كل شيء "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت:53).. جهاد في الذب عن هذا الدين مما ألصق به من أفعال من انتسبوا إليه فعملوا أعمالاً باسم الإسلام فشوّهوه، سواءً في الاعتقاد أو السلوك أو غير ذلك، فكل من بذل الجهد؛ توعيةً للناس، وتحبيباً لهم في دينهم، وترغيباً لهم فيما أعد الله لهم من الأجر العظيم والجزاء الحسن –إن هم أطاعوا أمره– فهو مجاهد.

وكل من بذل جهده بيده كتابة ينصر بها هذه الأمة وينافح عن أوطانها، ويدفع شبه أعدائها، ويحافظ على وحدتها وجمع كلمتها، ويذب عن ذوي هيئاتها، ويستخدم المداد والقرطاس ليكونا شجى في حلق كل من أساء فهم رسالة الإسلام، وما فيه من الخير والسماحة والعدل، وأن من أراد السعادة فليلحق بركبه، وأضاف لذلك استخدام تقنيات هذا العصر المهولة كالشبكة المعلوماتية –الإنترنت– وكتابة المفيد عبرها، مترفعاً عن السباب والشتائم وإلقاء التهم والترصد للنقد قبل التحقق، واستغلالها متنفساً لما في داخل الصدور من المكنون، فمن فعل ذلك فهو مجاهد.

وكل من بذل جهده بقلبه حرقة وألماً من أجل هذا الدين ودياره وولاته وعلمائه يفرح لفرح المسلمين، ويحزن لحزنهم تجده إن سمع ما يسره من أحوال المسلمين استبشر وظهرت علامات السرور على محياه، فما يسمع بارتفاع مجاعة، ومكافحة مرض، واستكشاف دواء، ومكافحة أمية في أي بلد من بلاد الإسلام إلا وتراه فرحاً مسروراً، وما يسمع بالضد من مجاعة أو فيضانات أو حروب أو فتن داخلية إلا ويحزن لذلك ويتمعّر وجهه حزناً على ذلك، فتنطلق ألفاظ الشكر والثناء والحمد في الأولى، والدعاء والاسترجاع وتمني صلاح الأحوال في الثانية فمن فعل ذلك فهو مجاهد.

إن هذا الفهم الصحيح لمعنى الجهاد، وأنها معنى بنّاء لدعوة كل متقاعس أن يعمل وأن يجد في التقويم والإصلاح بالتي هي أحسن للتي هي أقوم بعداً عن الانغلاق على معنى معين من معاني الجهاد وأنواعه، سعياً للحصول على ما أعده الله لعباده المجاهدين، ومن تأمل أحوال المصطفى صلى الله عليه وسلم وجد الدليل على ما ذكرت، ففي صحيح مسلم "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" فكن ساعياً في تحصيل الخير وعظيم الأجر بصدق التوجه وحسن الاتباع، وابتعد عن كل ما يضيّق على المسلمين في أمور دينهم "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ"(الحج: من الآية78)، واعلم أن خير الدين أيسره.