تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لا نــســتــطــيــع أن نــوافــق عــلــى الحــجــاب



no saowt
01-13-2004, 12:37 AM
لا نــســتــطــيــع أن نــوافــق عــلــى الحــجــاب وأن نـنـاضـل ضـد الأصـولـيـات فـي آن واحـد

في وقت يتحول فيه نقاش جماعي ومستقل الى مشروع سياسي، وحتى الى قانون، من المحتم ان يترافق هذا النقاش مع خلافات تترجم واقع القوى السياسية الموجودة اكثر منها طبيعة المشكلة التي نظر فيها "الحكماء". لكن يجب الا يتحول سوء التفاهم الى تفسير خاطئ، ويجدر بالجميع تاليا ان يفسروا بوضوح المواقف التي اتخذوها، وفي ما يتعلق بي، سأشرح موقفي في ما يأتي. لنكن واقعيين. ما من بلد ديموقراطي يفرض ديانة او ايديولوجيا ما بطريقة الزامية، عبر نبذ الثقافات الاخرى. حتى الدول التي لا تزال تطبق دين الدولة وتدفع اجورا لرجال الدين، هي دول علمانية الى حد كبير، كما يظهر بوضوح المثل البريطاني. في المقابل، لا وجود لمجتمع متعدد الثقافة مئة في المئة، لأن التواصل يصبح مستحيلا عندئذ. في كل مكان، او على الاقل في الدول حيث يوجد اندماج وطني فعلي، هناك منطقة مركزية تحيط بها نوى على الاطراف. والمثل الاوروبي الصارخ هو وضع الاتراك في المانيا، لأن قانون الجنسية الالماني القائم على حق الدم، حرمهم مطولا من الجنسية، في حين ان الحصول على الجنسية كان ولا يزال سهلا نسبيا في فرنسا. واعترفت الولايات المتحدة بالعادات والمعتقدات الآتية من بلدان المنشأ، لكنها تحفّز الاندماج وحتى الاستيعاب، كما يُظهر النفوذ الذي تتمتع به القومية الاميركية التي ينادي بها المتحدرون من المهاجرين.

في فرنسا، وبعد حروب دينية طويلة، حصل البروتستانت واليهود على اعتراف بحقوقهم قبل وقت طويل من اعتراف بريطانيا العظمى بحقوق الكاثوليك. في الواقع، وكبلدين يضمان عددا كبيرا من المهاجرين، اقرت فرنسا وبريطانيا العظمى كل على طريقتها، نوعا من التعددية الثقافية. ففي القرن التاسع عشر، رفضت فرنسا سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على الدولة، وانفصلت بريطانيا العظمى عن روما بطريقة اشد عنفا. لكن حاليا، وفي البلدين، هدأت العلاقات بين الدولة والكنائس المسيحية.

لنضع جانبا اذاً الفكرة القائلة انه سيكون هناك نموذج متعدد الثقافة مهيمن، واستثناء فرنسي. ما من بلد احادي او متعدد الثقافة مئة في المئة. في كل مكان تطرح المشكلة نفسها، ويجب ان تكون هذه الاوضاع مجتمعة محط الانظار. ترتكز مجتمعاتنا التي توصف بالعصرية، على الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية، وهي مجتمعات علمانية، كما تؤمن بالفكر العقلاني وتطبيقاته العلمية والتقنية. في النهاية، تؤمن كل مجتمعاتنا بحقوق فردية حتى القوانين لا تستطيع الغاءها. وقد اعطيت هذه الفكرة الاساسية الدفع لهولندا وانكلترا في البداية، ثم للمستعمرات الانكليزية في الولايات المتحدة عندما نالت استقلالها، قبل ان تتعزز في اعلان الحقوق الفرنسي عام .1789 ويمكننا ان نضيف حاليا ان مجتمعاتنا توصي بالمساواة بين الرجل والمرأة، ولو كان هذا يحصل منذ وقت قصير وبطريقة جزئية حتى الآن. هذه هي النواة المشتركة بين كل المجتمعات "العصرية". ولم يتخل اي منها عن هذه النواة، كما لا يقبل ان تكون محط تشكيك جدي.

وفي موازاة تلك، تعيش كل الدول تجربة عالم من الانفتاح والترحل حيث تلتقي المجتمعات والثقافات ولم يعد بامكانها ان تذوب في وحدة الدولة القومية، كما في الماضي، الاسطوري في جزء منه. من هنا المشكلة المطروحة على الجميع. كيف نحافظ على مبادئ الحداثة الاساسية، مع احترام تنوع الاتجاهات الثقافية وتشجيعها؟ لقد عبّرت فرنسا عن موقفها من هذه المشكلة الرئيسة. وسارع الكثيرون الى انتقاد النصوص والاعلانات الفرنسية منددين بغطرسة ثقافة منغلقة على نفسها، عاجزة عن قبول الثقافة الاسلامية على الرغم من الثقل الذي يمارسه ملايين السكان من اصل عربي اسلامي. ويبدو ان النص المختصر لمشروع القانون المقترح يشجع التفسير الآتي: ستُحظر كل الرموز الواضحة التي تدل على انتماء ديني او توجه سياسي، في المدارس والخدمات العامة الاساسية الاخرى.

ادرك ان بعض الاشخاص يريدون عزل الدين في الحياة الخاصة، وعدم الانشغال بما يعتبرونه افكارا قديمة. لكنني لا اتبنى هذا التفسير. وانا الذي دافعت باستمرار في السابق عن النساء المحجبات، اود ان اشرح لماذا حافظت على الافكار عينها، من خلال توقيعي على تقرير لجنة ستازي، ولماذا استمر في الدفاع عن حرية المعتقد لدى اللواتي يردن التأكيد على مكانتهن. لكن بهدف اتخاذ موقف في قضية ملموسة، يجب ان اضيف اننا نواجه تنامي الاصولية الاسلامية التي تهاجم ما عرفته بأنه نواة الحداثة، والتي تبدو بعيدة كل البعد عن مشاريع الكثير من النساء المحجبات.

وبما انه من المستحيل افهام الرأي العام الفرنسي انه عبر السماح بارتداء الحجاب واعتمار القلنسوة اليهودية، نستعد للنضال ضد "الاصوليات"، وجب التصرف بطريقة معاكسة ومنع الرموز الواضحة في المدارس، التي تنم عن انتماء ديني او سياسي. لكننا كنا على يقين بأنه ما من قانون سيحول دون تكاثر الحالات الملتبسة. اظن ان القانون يستطيع وقف الحركات الاسلامية التي تريد الحاق الاذى بالمدارس والمستشفيات، لكنه يؤدي الى مزيد من المرونة، وليس القمع، في ما يتعلق بالاشارات الشخصية التي تدل على ايمان او حتى انتماء ما.

تصفحوا تقرير لجنة ستازي. انه يرفض رفضا قاطعا العلمانية المناهضة للدين، ويتمسك أكثر بعلمانية يكون هدفها الاساسي حماية حرية المعتقد وتعزيزها. وفي نص التقرير، آراء ايجابية عديدة عن الديانات، الامر الذي لم يكن ممكنا في اواخر القرن التاسع عشر. قد يبدو هذا التفسير معقدا جدا بالنسبة الى من يجهلون تاريخ فرنسا. لكن هذا التاريخ، ولاسيما النضال الطويل للدولة والكنيسة، يجسدان حقيقة ليست اكثر غرابة من عبارة "بالله نثق" المطبوعة على العملة الاميركية، او من تنصيب ملكة انكلترا رئيسة على الكنيسة الانغليكانية. لكن لن تزول التفسيرات الخاطئة الا عندما نسمع اصوات الشابات المسلمات اللواتي يردن الاندماج في الحداثة بدون التخلي عن هوياتهن الثقافية، وعندما يدحضن علنا القوانين والعادات غير المقبولة بالنسبة الى مجتمعنا. هنا تكمن الاولوية المطلقة، لندعم هؤلاء الشابات المحجبات في مواجهة السيطرة المزدوجة التي يعانين منها: سيطرة المسلمين الاصوليين وسيطرة الفرنسيين الذين يكرهون العرب. فليتخذ المسلمون وغير المسلمين مبادرات معاً لمصلحة هؤلاء الشابات، لأنه عندما تنتصر حركتهن، نحقق هدفنا المزدوج: انقاذ روح المواطنية من مخاطر تقوقع المجموعات والاعتراف في الوقت عينه بحرية المعتقد للرجال والنساء. الخيار بين العلمانية وحرية التعبير عن المعتقدات والاقتناعات ليس واردا، فهما تتكاملان وتتعارضان من جهة مع الاصوليات كافة، ومن جهة اخرى، مع العزل غير المقبول للمعتقدات في الحياة الخاصة.

عن "ليبراسيون"

7/1/2004

ترجمة نسرين ناضر
بقلم آلان تورين
عضو لجنة ستازي وعالم الاجتماع الفرنسي المعروف