تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا نقلت الجمعية العراقية الكويتية



السيد مهدي
12-18-2003, 06:53 PM
هكذا نقلت الجمعية العراقية الكويتية
1

في 6 أمتار مربعة

في غرفة طولها ثلاثة أمتار وعرضها متران، كان صدام يجلس على سرير صغير، مفروش بعناية عسكرية بفرش حديث.

يرتدي دشداشة بيضاء وسترة زرقاء وينتعل شحاطة سوداء وجوارب باللون نفسه.

الغرفة مضاءة بشكل يمنعه من استخدام الكهرباء لو فكر في إيذاء نفسه (الانتحار الذي انتظره الكثيرون ولم يأت بعد على سبيل المثال).

في الغرفة الصغيرة جدا هناك طاولة بلاستيكية، عليها بعض الطعام وعصير فواكه وقنينة مياه معدنية وقدح.

هزيل صغير

ويبدو أن حياته في الحفر قد جعلت جسده ينكمش، فبدا للحضور وكأنه أصغر حجما مما كان يبدو عليه في التلفزيون الذي يعشقه. هزال جسمه أثر على قامته التي بدت محنية ومتقوسة ومتقلصة، وكثرت التجاعيد على وجهه بشكل أربك الذين جاءوا يتعرفون عليه للوهلة الأولى.

لم تظهر عليه جروح أو خدوش، كتلك التي تبدو لإنسان عاش فترة طويلة في القبر، لم يضربه أحد، غير أن طلاء شعر رأسه، بدا واضحا ومن ماركة جيدة.

وضعه النفسي

مستكين و متمسكن ومهزوز ومكفهر ومليء بالمرارة والشر ويتملق للأمريكان ببضع كلمات بالإنكليزية، وعندما دخل عليه السفير بول بريمر والقائد العسكري ريكاردو سانشيز كان ينظر إليهم ويؤشر بيديه نحوهم عندما يقول بضعة كلمات بالإنكليزية بالتأكيد تعلمها بعد هروبه لكي تساعده في الحفاظ على حياته.

كان يردد الكلام وكأنه مسجل في داخله ويسرده كشريط وكأنه ما زال رئيسا مثل: الأمة العربية المجيدة، حقوقنا التاريخية في الكويت، أنا رئيس جمهورية منتخب، خيانة العرب.. وغيرها من الكلمات التي كان يحلو ترديدها في اجتماعاته مع أزلامه.

وجدوه جالسا على حافة السرير، دليل على الانكسار والعزلة الشديدة عن الحياة.. لكنه حاول نفخ نفسه على الطريقة الغربية بوضعه رجلا على رجل.

غير أنه طوال الحديث لم يضع عينيه بعين من يحدثه دليل جبن وذلة، وكان قلقا الى الحد الذي كان ينظر الى الأعلى والأسفل ويقوم بحركات مفاجئة وانحناءات، ويتلفت بدون سبب وكأنه يوحي بحدوث شيء قريب أو يتهيأ له حدوث هذا الشيء، كدليل على قمة الاضطراب النفسي.

وطوال ثلاثة أرباع الساعة التي تحدث بها مع خلفائه في حكم العراق، لم يشعر أي من الذين سألناهم بأن صدام كان يحمل قطرة واحدة من الندم، وحاول التغاضي أو التظاهر بأنه نسي تلك الجرائم، حتى التي ذكره بها خلفاؤه.

رجل على رجل على حافة السرير يرفع عينيه وينزلها ولا يضع عينه في عينك أبدا، لم أشعر منه طيلة ثلاثة أرباع الساعة ان لديه شعرة من الندم على ما فعله بالرغم من أنه ذكر بها. كما أنه حاول تحويل أي اتهام جنائي الى حوار سياسي وعندما كان «ضيوفه» يحاصرونه في زاوية في الحوار، يحول الحوار الى الأميركان كما لو كان يستعين بهم.

لكن الأميركيين بريمر وسانشيز لم يتفوها بكلمة ولم يكلماه أبدا.

صورة حوار

فتح الباب وكان صدام يجلس على حافة السرير في الغرفة المستطيلة ودخل عليه الرجال الستة، وبادر الدكتور أحمد الجلبي بتقديم الحضور الى صدام: الدكتور عدنان الباجه جي، الدكتور موفق الربيعي والدكتور عادل عبد المهدي.

وبعد أن صمت الجلبي قدمه الربيعي الى صدام: الدكتور أحمد الجلبي.

رأى صدام أنهم واقفون، فطلب منهم الجلوس لكنهم رفضوا.

الربيعي: لماذا قتلت الصدر؟

صدام : أي صدر؟

الربيعي: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد صادق الصدر وآل الحكيم.

صدام: شنو الصدر.. شنو الرجل . هؤلاء عملاء متآمرون.

الربيعي: وماذا عن الذين قتلتهم ودفنتهم في المقابر الجماعية؟

صدام: هؤلاء لصوص وسراق وهاربون من الخدمة العسكرية، أسألوا عوائلهم عنهم سيقولون لكم الشيء نفسه.

الربيعي: طيب لنترك الصدرين وشهداء المقابر الجماعية، لماذا قتلت عبد الخالق السامرائي وعدنان الحمداني؟

صدام(شعر بالاستفزاز وأجاب بغضب وعنجهية) ما شأنكم بهما؟ هؤلاء بعثيون.. البعثيون لا علاقة لكم بهم.

عبد المهدي: لماذا أعدمت البعثيين؟

صدام: (بدأ يهين ويشتم كل البعثيين الذين عملوا معه ووصفهم بالاوغاد.

عبد المهدي: وماذا فعلت بالعراقيين؟

صدام: أنتم وكل العراقيين كنتم حفاة وجياعا وقد قمت بإطعامكم وإلباسكم الأحذية.

عبد المهدي: كنت تعتبر الجميع ملكا لك تتصرف بهم كما تشاء.

صدام: العراقيون يحتاجون حاكما حازما وعادلا وكنت كذلك.

الربيعي: بل كنت ظالما ومسؤولا عن موت الناس.

صدام: أنا رجل بسيط لا أملك شيئا.

عبد المهدي: في بغداد وحدها لديك 10 قصور.

صدام: هذه قصور الشعب.

عبد المهدي: هل أنت مالك إرادتك.. هل كان الشعب يستطيع الاقتراب من هذه القصور لكي تقول انها قصور الشعب . الى متى تستمر في هذه المراوغة والكذب. سابقا كنت تستطيع أن تقول ما تشاء ولا أحد يستطيع أن يقول ما يشاء، أما الآن فالناس أحرار ويقولون ما يشاءون.

الربيعي : لماذا ارتكبت كل تلك الحماقات وأعلنت الحرب على إيران واجتحت الكويت وأدخلت البلاد في حروب لا طائل منها.

صدام: (وجه سؤاله الى الباجه جي) أنت وزير للخارجية العراقية ما الذي تفعله مع هؤلاء الأشخاص؟ قل لهم هل الكويت عراقية أم لا؟

الباجه جي: انكم أنتم اعترفتم بالكويت عام 1963 وكانت لديك فرصة ذهبية في أن تنسحب من الكويت وتجنب العراقيين كل هذه المشكلات.

صدام: لنا حق تاريخي في الكويت ولولا خيانة العرب لما حصل ما حصل. فالآلة عندما تنطلق لا يمكن إيقافها وكانت هناك نيات مبيتة من الدول الأجنبية ومن الخونة العرب.

الباجه جي: لكنكم في عام 1963 اعترفتم بالكويت وأقررتم أنها دولة؟

صدام: كان ذلك في ظروف خاصة.

الباجه جي: وماذا تقول عن مصر وسوريا اللتين شاركتا في التحالف في الحرب ضدك.

صدام: أطرق رأسه ولم يجب؟.

عبد المهدي: لماذا استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد الشعب في حلبجة؟

صدام: إيران ضربت حلبجة وكانت حرب.

عبد المهدي: لماذا تدعو الناس الى القتال بينما أنت تهرب في كل المعارك التي دعوت لها وتسببت في قتل الأعداد الضخمة؟ وعندما كاد الموت يصل إليك استسلمت؟ كنت تقول سأجعل من بغداد مقبرة للغزاة وعندما وصلوا إليك هربت.

الربيعي: قلت إنك ستقاوم وحرضت الناس على المقاومة وكان لديك بندقيتان ومسدس وتقول أنا شجاع وعربي، لماذا لم تطلق رصاصة واحدة؟ لماذا لم تقتل جنديا واحدا؟ أنت جبان إذن، فقد أتحت لهؤلاء(أشار الربيعي لبريمر وسانشيز اللذين كانا يقفان معهما) أن يقبضوا عليك من دون أن تطلق رصاصة واحدة.

صدام(يسأل الربيعي) أنت مكاون (مقاتل بالتكريتية)؟

الربيعي: نعم مكاون.

صدام: أين؟

الربيعي: في كردستان وفي إيران.

صدام: ما معرفتك بالقتال؟

الربيعي: نحن نعرف القتال أفضل منك وأنت قدت البلاد الى كل هذه النتائج بما فيها وجود القوات الأجنبية على أرض العراق.

عبد المهدي: الأسئلة ليست لنا.

صدام: شنو يعني؟!

عبد المهدي: أنت المتهم الآن، ولو كنا مكانك الآن وأنت في مكاننا لثرمتنا وما حاورتنا بهذه الطريقة.

صدام: متهم ممن؟ أنا رئيس جمهورية منتخب..

عبد المهدي: بأي مهزلة انتخبك الشعب، نعتقد أنك غير جاد بذكر هذا. أنت الآن بحماية الجنود الأميركيين، فها هو الشعب فرحان بالقبض عليك، لولا الجنود الأميركيين لرأيت ماذا يفعل بك الشعب.

الربيعي: لو خرجت الآن ورأيت العراقيين كيف يعبرون عن فرحهم.

صدام: هؤلاء غوغاء وجهلة.. تعرفون كم كنت قريبا من الشعب في حين إنكم لا تستطيعون النزول الى الشارع.

عبد المهدي: بالعكس، جئناك من وسط الجماهير المبتهجة. ما رأيك أن تطلب من الذين يحمونك الآن أن يرفعوا حمايتهم عنك ونذهب معا الى الشارع والشعب لنرى ما سيفعله الناس لنا وما يفعلونه بك؟

صدام: (طأطأ رأسه ولم يجب).

عبد المهدي: كنت تدفع الناس للقتال وأنت لم تقاتل؟ أولادك قاتلوا وأنت لم تقاتل.. ألم تكن جبانا؟

صدام: (أطرق رأسه وصمت).

الربيعي: لعنة الله عليك يا صدام حسين بأي وجه ستقابل الله يوم القيامة بما فعلته بالعراقيين!

صدام: يتهجم على الربيعي بالشتائم؟.

في اللحظات التي خرج بها أعضاء مجلس الحكم، خاطبهم صدام بذهول وخوف شديد: «ها.. رايحين .. هاي شلون .. ليش طالعين ..».

تصور صدام، على الأرجح، أن خروجهم يعني تنفيذ حكم إعدام فوري بحقه، كما فعل رفاقه عندما حاوروه أيضا لبعض الوقت ثم دخلت مجموعة أخرى وأطلقت النار عليه.

هكذا تركه خلفاؤه، منكسرا، لائذا بهم، متشبثا حتى بأعدائه، شديد العزلة والقلق والخوف

المصدر : الجمعية العراقية الكويتية