تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العراق...إلى أين؟ (4) و الأخير



قلب الأسد
09-18-2002, 10:51 PM
ومن هنا فإن مواجهة تلك الاستراتيجية وذلك المخطط الرهيب، لا يكون بردود الأفعال، والتصرفات غير المدروسة، أو الخطط قصيرة المدى والأثر، وإنما باتخاذ كل ما يكافئ تلك الاستراتيجية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(22)) . وهذا يتطلب جهوداً جماعية مضاعفة، يتضامن فيها الحاكم والمحكوم، الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الفرد والجماعة، جهود على مستوى الأمة المؤمنة المسلمة، لا تفرقها العصبيات والحزبيات واختلاف البلدان والأقاليم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)(23) (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)(24) ، نحن بحاجة إلى جهود في كافة المجالات، عسكرية وأمنية وإعلامية واقتصادية وسياسية واجتماعية.

كما أن إعداد الأفراد لخوض هذه المعركة يجب أن يكون شاملاً لكل الجوانب الإيمانية والتربوية والمالية والنفسية، ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))(25) ، إننا يجب أن نربي أبناءنا منذ الصغر على معرفة عدوهم، وأن نرضعهم بغض أمريكا ومن يدور في فلكها، وأن نقرر لهم العقيدة الراسخة في كفر اليهود والنصارى والمشركين، وأنهم لم يكونوا ولن يكونوا لنا أصدقاء أبداً حتى يعود إلى الضرع اللبن، أو يؤمنوا بالله وحده، (..كفرنا بكم وبدا بينا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده..) (26) .

إن أعظم من ضرب العراق، ما نشهده من ضرب عقيدة الولاء والبراء، بل ونحرها نحراً على أيدي بعض من يدعي الإسلام، (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق..) (27) .

والمعركة تتطلب تربية إيمانية شاملة جادة بعيدة عن اللهو والعبث والمجون، تربية أساسها القرآن والسنة، ومنهجها فهم سلف الأمة، وميدانها تزكية النفوس وصقلها، وتجنيبها الفتن والمحن وبنيات الطريق.

وهي كذلك معركة اقتصادية تحتاج منا إلى خطة بعيدة المدى نواجه فيها عدونا بما يكافئ تلك الوسائل التي يواجهنا بها، وأولى تلك الخطوات الاستغناء عن عدونا، ومقاطعة منتجاته ضمن برنامج عملي تدريجي تراعى فيه الأحوال والظروف مع الصدق والعزيمة، (..في الأرض مراغما كثيرا وسعة..)(28) . والمهم أن نصدق مع الله ونتخلص من الهزيمة النفسية، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(29) (..فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم) (30) وأن نكون على ثقة بوعد ربنا، وبشرى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ولست في سبيل تفصيل كيف يكون الإعداد، وإنما أردت استنهاض الهمم والعزائم، وشحذ الطاقات، واستثمار الإمكانات وعندها سنرى العجب وما لا يخطر لنا على بال قال ابن القيم رحمه الله: "لو توكل العبد على الله حق توكله، في إزالة جبل عن مكانه، مأموراً بإزالته، لأزاله". (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)(31) .

فإذا أخذنا بالأسباب، وتوكلنا على الله حق توكله، فلن تستطيع أمريكا ولا غيرها هزيمتنا واستباحة بيضتنا، طال الزمان أو قصر (..قال أصحاب موسى إنا لمدركون* قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين* وإن ربك لهو العزيز الرحيم) (32) .
وأخيراً أختم هذا البيان بكلمتين:
الأولى أوجهها إلى العلماء وطلاب العلم والدعاة رجالاً ونساءً: قوموا بما أوجب الله عليكم، وبما أخذه من العهد والميثاق بتبليغ رسالة الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونشر العلم، والصدع بالحق، لا تأخذكم في ذلك لومة لائم، واعملوا على جمع شمل الأمة حكاماً ومحكومين على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكونوا صفاً واحداً في مواجهة أعداء الأمة والملة، و تقدموا الصفوف مجاهدين في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ولا تدعوا المجال للمنافقين والعلمانيين، فإن الناس إذا لم يجدوا عالماً ربانياً اتخذوا رؤساء جهالاً، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، فبادروا إلى بيان الحق قبل فوات الأوان، وابتعدوا عن التسويف والتأجيل، وأذكركم بقوله تعالىوإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلاً فبئس ما يشترون)(33) وقولهإن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (34).

وعليكم أن تتداعوا وتجتمعوا لتبصير الأمة بما يجب عليها، خاصة وأن الخطب جلل، والأمر جدّ خطير، وأن تبتعدوا عما يفرقها، ويزيد من شتاتها، وتنافرها، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (35) .

والثانية: أن نحسن الظن بالله، وأن نثق بوعده، وبأن العاقبة للمتقين، وأن الباطل وإن انتصر في جولة فسينهزم في جولات.

إن ما يجري على مرارته وشدته يحمل بشائر النصر، وإن المستقبل بإذن الله لهذا الدين، وإن قوى الكفر مهما عملت فلن تستطيع إطفاء نور الله (يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(36) ، إن جولة الباطل ساعة، وجولة الحق إلى قيام الساعة وإن الظلم مرتعه وخيم، وعلى الباغي تدور الدوائر، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء، وسيأتي يوم نردد فيه ما ردده نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يحطم الأصنام (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (37) ، ولكنه الابتلاء والامتحان ليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، والمهم أن نكون كما أمرنا الله في عقيدتنا وعبادتنا وخلقنا وسلوكنا واستعدادنا الحسي والمعنوي، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، (هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)(38) ولنتفقد أحوالنا حتى لا يحل بنا ما حذرنا منه رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) (39).

فلنعد إلى ديننا عودة صادقة مخلصة، ولنغير من أحوالنا فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وعندها أبشروا وأملوا، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، وعندما تكون الأمة على مستوى المسؤولية سيتحقق وعد الله بالنصرة، ويحيق بعدونا ما حاق بأمثالهم من قبل (أم يقولون نحن جميع منتصر* سيهزم الجمع ويولون الدبر* بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر* إن المجرمين في ضلال وسعر)(40) .

وقبل الوداع أذكر نفسي وإخواني بأهمية الالتجاء إلى الله، والرجوع إليه بتوبة صادقة، وفيئة خالصة، مع التضرع إليه في سجودنا وقنوتنا وأسحارنا بأن يكشف هذه الغمة، ويهلك أعداء الملة والأمة، وأن يعز الإسلام والمسلمين، ويذل الشرك والمشركين، وأن يدفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وأن يوحد قلوب العلماء والدعاة والمؤمنين على كلمة سواء، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من ظلم الظالمين، وكيد الكافرين، وأن يرد كيدهم في نحورهم، ويجعل الدائرة عليهم، إنه قوي عزيز سميع مجيب، (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد)(41) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أ.د. ناصر بن سليمان العمر
من علماء الجزيرة حفظهم الله