تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العراق...إلى أين؟ (3)



قلب الأسد
09-18-2002, 10:50 PM
وهذا التحول سيحرك أحجاراً أخرى في المنطقة كإيران وسوريا وقد يدفع لتغيير جغرافي بين العراق والأردن من أجل إنهاء القضية الفلسطينية بالطريقة التي يريدونها هم، وخصوصاً اليمين الإنجيلي المتطرف الذي يرى أن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد! وبخاصة أن إنهاء القضية الفلسطينية هو أحد الأهداف الاستراتيجية الكبرى للغرب، والذي يجري الآن لون من الاستعمار الجديد والهيمنة على العالم الإسلامي، عن طريق زرع عدد من القواعد الأمريكية في بلاد المسلمين.

ثانياً: إن عداوتنا لصدام وحزبه البعثي الكافر وظلمه السافر، لا تجيز لنا بحال من الأحوال تبرير موقف أمريكا تجاه العراق فضلا عن تأييدها أو الوقوف معها:

إليك فإنـي لسـت مـمن إذا اتقى سموم الأفاعـي نام فوق العقارب!

وعداوتنا وبغضنا لأمريكا لا يلزم منه حبنا لصدام أو التعاطف معه ومع حزبه، فأمريكا صليبية نصرانية عداوتها ركن أصيل من صلب عقيدتنا (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل(3)) (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)(4) وكذلك نتقرب إلى الله ببغض صدام وحزبه والبراءة منه حتى يعودوا إلى دينهم (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءؤا مما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بينا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده..)(5) . وأي خلل في بغض هؤلاء أو عداوة أولئك خلل في عقيدة المسلم وولائه وحبه لله ولدينه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وذلك أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حرب الله هم المفلحون) (6).

إن فقه هذه العقيدة والالتزام بها جزء من موقف المسلم تجاه تلك المعركة الطويلة ومنطلق أصيل لفهم مجرياتها وأبعادها وآثارها، وما يجب على المسلم تجاهها، دون إفراط أو تفريط ودون غلو أو جفاء.

ثالثاً: يجب أن نعرف أن ضرب العراق ظلم فادح وجريمة كبرى، فشعب العراق وبخاصة أهل السنة هم الذين سيكتوون بنار تلك الحرب ، سواء بقي صدام أو ذهب، وكما دفعوا الثمن فيما مضى من حروب طاحنة فهم من سيدفع الثمن في هذه الحرب، ولن يتم الوصول إلى صدام إلا بعد أن يكون الدمار والبوار، فقد أخذ صدام للأمر أهبته وأعد له عدته، فجعل من يشك في ولائهم أول وقود الحرب وحطبها، وقد أثبتت لنا التجارب أن أمريكا في سبيل احتمال كبح إنسان واحد لا مانع لديها من إهلاك مصر كامل، وبلاد الأفغان خير شاهد، ومن هذا المنطلق وحيث إن الله حرم الظلم لما له من عواقب وخيمة كما في الحديث القدسي: ((ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا))(7) لذلك كله لا يجوز تأييد هذا الظلم، بل تجب البراءة المعلنة منه براءة بالقلب واللسان، مع الحذر كل الحذر من تأييده سواء أكان ذلك بالجنان أو الأركان، بالعبارة أو الإشارة، ولنتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في صيد الحرم ((هل منكم أحد أمره أو أشار إليه))(8) فمجرد الإشارة مشاركة في العمل، وقول اللسان من أعظم الأفعال (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون)(9) فسمى القول فعلاً، غير أن بعض الناس يظنه هيناً غير مؤاخذ عليه وليس الأمر كذلك (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)(10) (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين)(11) كما أن عمل القلب له آثاره ولوازمه (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)(12) (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم..) فالحذر الحذر، تفقد قلبك وألجم لسانك وارفع يدك وإياك أن تشير أو تشارك في تلك الجريمة النكراء، أو تسكت عن إنكارها وبيان أخطارها.

رابعاً: يجب الوقوف مع إخواننا في العراق، لا مع النظام، فوقوفنا معهم واجب شرعي وحق أخوي ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما))(13) ، والوقوف معهم له صور وأشكال متعددة باليد واللسان والقلب، بالحس والمعنى، بالمال والنفس، كل حسب استطاعته وطاقته، ولنحذر من السلبية القاتلة والوقوف في صف المتفرجين، فإن من أعظم الظلم خذلان المسلم لأخيه المسلم، و ((ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(14) ، و((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة.. )) (15).

خامساً: مأساة الأمة مع الأنظمة العربية وحكام المسلمين مأساة طويلة، فكم خذلت تلك الأنظمة شعوبها وجرت على نفسها الويلات والنكبات، فتراها تعلن شيئا وتخفي أشياء وتقول قولا وتعمل بضده، ومن ثم فقدت أغلب الحكومات ثقة شعوبها، حتى أصبحت لدى الشعوب قناعة بأن النفي من حكوماتها إثبات، والعطاء أخذ، والنصر هزيمة.

وفي هذه القضية كيف تُصدق بعض الأنظمة التي تعلن وقوفها ضد ضرب العراق وهي تزود ناقلات أمريكا وطائراتها بالنفط! وأخرى تشجب ضرب العراق والقواعد الأمريكية في أراضيها! وثالثة تعلن عداوة لأمريكا أمام الملأ وتعقد معها الصفقات في الخفاء! ورابعة تسمح بمرور الأساطيل الأمريكية عبر موانئها وأجوائها.

ويزداد عجبي من شأن هذه الأنظمة وتعاملها مع الأحداث الكبرى، انظر إلى واقعها فيما بينها تجد أن التناحر والتطاحن والاختلاف هو الأصل، والاتفاق حالة استثنائية، حتى أثناء الأزمات والمحن ليس لديها القدرة على اتخاذ موقف موحَد مشرِف، وعدوها الحقيقي يأكلها دولة بعد أخرى، بل صرح زعماء الغرب أنه يصعب عليهم التعامل مع العرب والمسلمين، لأنهم لا يملكون رأياً واحداً مشتركاً، بل كل دولة لها وجهة نظر تختلف عن الدولة الأخرى.

وهذا يذكرني بقصة يهود بني قريظة مع كعب بن أسد عندما كانوا يساقون إلى القتل واحداً تلو الآخر، فقالوا له: إلى أين يذهب بنا؟ فقال قولته المشهورة: تباً لكم يا معشر يهود، أفي كل موطن لا تعقلون.

فهل تعقل تلك الأنظمة ماذا تريد بها أمريكا، وهي لا تزال تتباكى، تحت قدمي أمريكا مُقسِمَة اغلظ الأيمان أنها هي الصديق والحليف وأنها معها ضد الإرهاب في خندق واحد، وأمريكا تعلن جهاراً نهاراً عداوتها واستعدادها لمواجهتها، وأنها مصممة للقضاء عليها واحدة تلو الأخرى.

إن أولئك الحكام لا يتعلمون من التاريخ! ماذا جنوا من صداقتهم لأمريكا وتحالفهم معها، قدموا بلادهم وأموالهم بل أموال المسلمين قرباناً لتلك الصداقة، بل أصبحت بعض الأنظمة تدفع لأمريكا قيمة الرصاصة التي تقتلها بها، وعلى نفسها جنت براقش، وهاهي النتيجة ظاهرة للعيان، فقد أكلنا يوم أكل الثور الأول، وصدق الله العظيم (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (16).
إنني أدعو الأنظمة العربية والحكام العرب بل وحكام المسلمين جميعاً إلى أن يصطلحوا مع شعوبهم ويتحالفوا معهم بدلاً من تحالفهم مع اليهود والنصارى، وصداقتهم للشرق والغرب، فوالله إن تلك الأحلاف الظالمة لن تغني عنهم من الله شيئاً، كما أنهم لن يصطلحوا مع شعوبهم، ولن يحافظوا على وحدة صفهم، مالم يتوبوا إلى ربهم، ويستمسكوا بدينهم، ويسلموا قيادة أمرهم وحكمهم إلي مليكهم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)(17) . كما أنصحهم بالبعد عن اتخاذ المواقف التي تبعدهم عن شعوبهم، وتثير الفتن الداخلية، مما يسهل على العدو تحقيق أهدافه ومآربه.

إنني آمل أن تجد هذه الكلمات آذاناً صاغية وقلوباً واعية قبل فوات الأوان، وحلول الهوان، ومن أنذر فقد أعذر.(وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)(18) (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (19) .

سادساً: أما الشعوب الإسلامية، والعربية خصوصاً فلها شأن آخر، حيث لا تزال في لهوها وغفلتها، ومع أن الأمر جدّ خطير، فلم تغير من واقعها شيئاً يذكر، وكأن الأمر لا يعنيها، بل هناك من ينتظر بفارغ الصبر ما ستفعله أمريكا، من أجل رفع المعاناة عن شعب العراق المظلوم ولم يدرك ذلك المسكين أن الغرب لا يعنيه من شأن ذلك الشعب شيئاً، وهل ضُرب الشعب العراقي إلا على يد الغرب وحلفائه.

إن إنقاذ شعب العراق من محنته مع حكومته الجائرة والتآمر الدولي الظالم، لا يأتي على يد بوش، وهل كانت محنته إلاّ صنيعة أبيه مِن قبله!

إن حلّ مشكلة العراق، بيد الشعب العراقي أولاً، وذلك بعودته الصادقة إلى الله والتزام شرعه وأمره، ثم بيد إخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

كما أن الحكومات العربية والإسلامية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن حل تلك الأزمة، وإنقاذ هذا الشعب من ذلك الظالم الجائر.

والتزام الدول العربية بالقرارات الدولية الظالمة هو من جملة ما أوصل الحال إلى تلك المأساة، ويزداد عجبي من تقديس الحكومات العربية للأنظمة الدولية فضلاً عن تنفيذها والالتزام بها، وبخاصة عندما أرى مواقف الحكومة الصهيونية من تلك القرارات، وضربها إياها بعرض الحائط، وجعلها خلفها ظهريا.

وأوجه نصيحة خاصة لكل عراقي ألا يجعل من نفسه مطية لأمريكا، من أجل تنفيذ مآربها وأهدافها على أرضه ومن خلال أهله وعشيرته، والموت بشرف على يد صدام، أفضل من حياة ذليلة في جنة أمريكا.

لا تسقـني مــــاء الحيـاة بــذلة بل فاسقـني بالعز كأس الحنظل

فاخـتر لنفســك منـزلاً تعلو بـه أو مت كريماً تحت ظل القسطل

مــوت الفـتى في عزة خير له من أن يبيت أسير طرف أكحل


سابعاً: إن استراتيجية أمريكا في المنطقة بعيدة المدى، غائرة الجذور، ثابتة الأركان، وهي مصممة على تنفيذ تلك الاستراتيجية، طال الزمن أو قصر (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل أن هدى الله هو الهدى ولإن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)(20) (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)(21) ، وهي في ذلك تستخدم أسلوب الكر والفر، والإقدام الإحجام، والسر والإعلان، في ضوء ما يحقق لها أهدافها، ولن تتورع عن أي أسلوب يوصلها لغايتها، فالغاية لديها تبرر الوسيلة، وما أحجار رقعة الشطرنج عنا ببعيد، والميكافيلية دينها وديدنها، كما صرح بذلك وجلاّه ساستها ودهاقنتها ورجال مخابراتها وجيوشها.