تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما رأيك بشريط 11 أيلول؟؟؟



قلب الأسد
09-18-2002, 10:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



شريط القاعدة الجديد انتصار إعلامي نوعي



الشريط الذي بثته قناة الجزيرة بتسجيل لصوت الشيخ بن لادن ووصية أحد منفذي عملية سبتمبر ليس مجرد مادة إعلامية بل هو بذاته حدث مهم ذات تأثير كبير جدا في النفسية العربية والإسلامية. التوقيت والطريقة والمحتوى وتعليقات الضيوف كلها أمور تكاد تكون عملية من عمليات القاعدة وليس مادة إعلامية فقط. الشريط بطريقته وإخراجه ومحتواه حقق في نظرنا أهدافا تصب في منهجية القاعدة لم تكن لتتحقق بدون هذا المحتوى والإخراج.

التأكيد القطعي لأول مرة

تسجيل صوت الشيخ بن لادن شخصيا وهو يسمي منفذي عملية سبتمبر واحدا واحدا ويثني عليهم ويتحدث عن حياتهم ويسمي الأهداف التي ضربوها بالتفصيل كان المرة الأولى التي يعترف فيها تنظيم القاعدة بشكل صريح ومباشر لا لبس فيه عن المسؤولية عن أحداث سبتمبر. وكون الشيخ بن لادن يسمي الأهداف وتوزيع المسؤوليات فهو يتجاوز مجرد الاعتراف بمسؤولية القاعدة إلى الاعتراف بمسؤوليته هو شخصيا عن كل تفاصيل العملية والتخطيط لها. وفي التسجيل تكمل مسيرة الاعتراف بإظهار المنفذين في لقطات أخرى وهم يشتغلون على الخرائط وكتيبات الطيران مما يدل على أن القاعدة كانت عازمة على ربط نفسها بالعملية مقدما بشكل صريح حين سجلت هذه اللقطات على الفيديو بطريقة مهنية وجهزتها للبث بعد التنفيذ.

هل ماتت نظرية المؤامرة

هل سيزيل هذا الاعتراف الصريح آخر شك عند الذين روّجوا لنظرية المؤامرة وحمّلوا جهات غامضة المسؤولية عن العملية؟ الذي نظنه أنه لن يزيل لسبب بسيط هو أن هؤلاء لا يفكرون بشكل منطقي عقلي بل يفكرون بشكل نفساني مبني على أحد الأسباب التالية:

السبب الأول هو الهزيمة النفسية الحضارية التي تجعل البعض يعتقد أن المسلمين في حالة من العجز والتخلف والضعف لا يمكنهم بحال أن ينجزوا عملا معقدا وكبيرا مثل هذا –بغض النظر عن صوابه أوخطأه- وأن أي عمل من هذا القبيل يجب أن يكون من إنجاز غير المسلمين. هؤلاء لن يغيرو وجهة نظرهم حتى لو أقسم بن لادن أيمانا مغلظة أنه خلف العملية وسيجدون مخرجا لنظرية المؤامرة بالقول إن القاعدة مجرد أداة وأن الذي خطط ونفذ هو قوة أخرى. السبب هو عجزهم عن أن يفكروا بشكل منطقي واستغراقهم في التفسير النفسي المبني على ارتكاسهم في حمأة الهزيمة الحضارية. لا نعتقد أن هؤلاء سيغيرون وجهة نظرهم إلا بعد ضربة أخرى أو ضربات من بن لادن ليس لأن ذلك سيثبت منطقيا أن بن لادن خلفها بل لأن الضربة الثانية ستنقلهم نفسيا إلى تقديس قوة بن لادن مثلما قدّسوا قوة الغرب العسكرية والتقنية والاستخباراتية والنفسية والتنظيمة والثقافية والسياسة والتخطيطية والتنظيمية ووووالخ.

السبب الثاني هو تضايق بعض التيارات الإسلامية من ظهور الشيخ بن لادن وتنظيم القاعدة والتيار الجهادي كقوة قادرة على فعل ما لم تفعله كل هذه التيارات والجماعات والشخصيات طوال العقود الماضية، وهو الارتفاع إلى مستوى الندية لأمريكا. ولذلك كان أكثر المروّجين لنظرية المؤامرة هم المنتمين لهذه التيارات. كان ينبغي لهذه التيارات أن تكون أكثر واقعية وتنظر للأمور نظرة عملية وتعيد تقويم الوضع حتى تستطيع أن تعمل في بيئة دخل فيها العنصر الجهادي دخولا قويا وأصبح رقما هائلا. لكن مشكلة هذه التيارات أن كثيرا منها يعيش شيئا من الكبرياء غير المبررة ومحاولة خداع الذات بأن لها صفة المرجعية في الشارع الإسلامي، ولذلك لن تتخلى عن هذا الشعور إلا بالطريقة الصعبة حين ترى تنكب قواعدها عنها وتوجهها بقوة للفكرالجهادي.

السبب الثالث يخص بعض القيادات الفكرية الإسلامية على وجه الخصوص التي كانت –مع الأسف- من أشد الناس تضايقا من حادث سبتمبر لأن شعبية الشيخ بن لادن اكتسحت شعبيتهم بطريقة ساحقة حتى لم تعد صورتهم في أذهان الناس إلا على شكل مؤلفين سبق أن ألفوا بعض الكتب أو محاضرين سبق أن سجلت لهم بعض المحاضرات. هذا الشعور له مفعول نفسي كبير لدى هذه الشخصيات لكنه لا ينعكس على شكل انتقاد الشيخ بن لادن خوفا من خسارة الجمهور فيترجم بدلا من ذلك على شكل نفي قدرة بن لادن على تنفيذ مثل هذا العمل. لعل هذا التحليل يفسر لماذا كان نفي مسؤولية الشيخ بن لادن منتشرا أكثر بين الرموز الدعوية والفكرية من انتشاره بين القيادات العلمانية والليبرالية أو عامة الناس.

وصية العمري مشروع تغيير كامل
إن كان الشيخ العمري قد أعد هذه الوصية لوحده فهو شخص عبقري يكتب بطريقة خارقة وإن كانت أعدت له من تنظيم القاعدة فإن هذا التنظيم لديه مشروع واضح المعالم في مخاطبة الجمهور برسالته الجهادية. ومخاطبة الجمهور بهذا النوع من الرسالة بينما الجميع متسمّر أمام جهاز التلفاز تؤدي إلى استثمار الحدث في مشروع تغيير نفسي وتربوي استراتيجي هائل بسبب المحتوى الموجه توجيها ذكيا جدا. احتوت الوصية على ثلاث مقاطع لا يقل أي واحد منها عن الآخر في الأهمية نستعرضها واحدا واحدا:

المقطع الأول هو الذي أكد فيه العمري أنه لم يلتحق بالجهاد بسبب يأس من الحياة أو معاناة من الفقر والبؤس بل إن ما قاده للجهاد هو قناعة دينية وإدراك لدوره في السعي لتغيير في واقع المسلمين. وحرص العمري على أن لا يكتفي بكلام موجز وعام عن وضعه المرفّه قبل الالتحاق بالجهاد بل أعطى تفاصيل عن هذا الوضع تجعل تأكيد هذه الحقيقة أكثر تأثيرا من مجرد الكلام المجمل. ثم إن حديثه بهذا الأسلوب خاصة مع الوضع النفسي المحتقن في الشارع الإٍِسلامي تجعل من يشبهه في الوضع لا يستكبر على نفسه أن يقلده وتجعل من يعيش معاناة أو فقرا أو بؤسا يشعر بدافع أكبر حين يرى شخصا مرفّها اختار هذا الطريق بينما هو جالس يتعذب في معاناته وفقره.

المقطع الثاني هو الذي سرد فيه العمري قائمة بأسباب إقدامه على عملية ضد أمريكا بالذات ورتبها بطريقة مؤثرة ومقنعة للنفسية العربية الإسلامية. بدأ العمري بالحديث عن التغول الأمريكي على المسلمين في فلسطين من خلال إسرائيل وفي العراق من خلال الحصار وفي الجزيرة العربية من خلال القوات المتمركزة هناك. ثم انتقل إلى وصف حالة العجز والضعف التي تنتاب المسلمين رغم أنهم يتعرضون للإهانة وانتهاك الأعراض من قبل اليهود وغيرهم. وبعدها تحدث عن خيانة الحكام وكيف أنهم أصبحوا أداة في يد أمريكا لقمع كل من يريد أن يساهم في رفع شأن الإسلام والمسلمين. لكن العمري لم يسرد سردا مجردا بل وضعه في سياق يخترق النفسية العربية الإسلامية اختراقا ويؤدي لتجييش هذه النفسيات ضد أمريكا وعملائها من الحكام.

المقطع الثالث هو الذي سرد فيه العمري مجموعة رسائل موجهة بعناية فائقة ومصاغة صياغة غاية في التأثير المباشر وبعيد المدى. ويتضح من توجيه هذه الرسائل أن من أعدّها يفكر بطريقة منهجية وشاملة حين اختار الجهات التي يوجه لها هذه الرسالة. إن ترتيب هذه الرسائل لجهات معينة مختارة بدقة يشد الانتباه من كل جهة بطريقة خاصة وتؤدي إلى مفعول أكبر بكثير من كلام عام ونصحية عامة. رسالته لأهل الجزيرة العربية مثلا وتأكيده على ما يخص هذه الجزيرة كان مثيرا جدا خاصة حين وضع الناس بين خيارين إما أن القوات الأمريكية قوات كافرة يجب أن تخرج تنفيذا للأمر النبوي أو إن من يقصر عن ذلك لا يعتقد أنها كافرة فيكون لديه خلل كبير في عقيدته. رسالته لقبيلته زهران كانت لفتة لم يخطر ببال أحد أن يكون تنظيم القاعدة يفكر بهذا الأسلوب الذي يستحث القبائل فيها على الفخر بانتمائهم الديني وتسابقهم في خدمة الإٍسلام. الأمر الطريف أن الحركة علمت أن قبيلة زهران تتنافس مع قبيلة غامد في الافتخار بالمشاركة في عملية سبتمبر. أما رسائله الأخرى فلا تقل تأثيرا في شد انتباه المستهدفين بها خاصة رسالته لوالدي المجاهد ولأبنائه ورسالته للعلماء والحكام.

مؤسسة السحاب مهنية ومنهجية فائقة
اتضح من المادة المعروضة أن أداء مؤسسة السحاب مستوى متميز ليس فنيا فحسب بل مهنيا ومنهجيا. وبعد تأمل هذه المادة بعناية يستطيع المرء أن يخرج بعدة استناجات لها علاقة مهمة بقدرات القاعدة ومنهجيتها:

الاستنتاج الأول أن القاعدة لديها قدرات فنية آلية وبشرية تستطيع أن تنتج عملا ناجحا من الناحية الفنية والمهنية. لا نريد أن نزعم أننا خبراء في تقويم الإنتاج الإعلامي لكن أخبرنا أهل الصنعة أن مستوى الإخراج مستوى متميز ومنظم وناجح في تسهيل إيصال الرسالة للمشاهد. هذه القدرة هي جزء من المنظومة الإعلامية عند القاعدة والمنظومة الإعلامية جزء من بقية منظومة القاعدة وهو استنتاج يعطي فكرة عن قوة أجنحة القاعدة وتوفر القدرات والخبرات والكفاءات بين صفوفها أو المتعاطفين والمتعاونين معها.

الاستنتاج الثاني أن مؤسسة السحاب لديها أرشيف جاهز حيث تبين من اللقطات المعروضة التي صاحبت وصية العمري أنها ليست جمعا عشوائيا لمادة مصورة بل هي مادة مختارة بعناية، والاختيار بعناية لا يمكن أن يتم إلا من أرشيف جاهز مليء وليس من تجميع شخص هاوي. هذه الأرشفة والاحتفاظ بها وحسن استخدام المادة دليل على تفكير استراتيجي عند القاعدة. وكانت مؤسسة السحاب قد أصدرت شريطا قبل أحداث سبتمبر شد الانتباه في إخراجه لكن لم يكن ذلك مستغربا كون القاعدة في وقتها في وضع مسترخ تحت حماية الطالبان، لكن هذا الشريط شأنه مختلف.

الاستنتاج الثالث أن المادة المعروضة ليست مجرد تسجيل جاهز بمؤثرات ولقطات إضافية وحشو الخلفية لإكمال المشهد بل إنها مادة مدروسة دراسة ذكية لإتمام الرسالة المنهجية للوصية وحديث الشيخ بن لادن. الحديث المطول عن حياة العمري وطلبه للعلم وإبرازه كشخص متمكن علميا وشرعيا وبيان قائمة العلماء الذين طلب العلم عليهم رسالة هامة لمن يزعم أن هؤلاء الشباب شرذمة من المتهورين الجهلة الذي شدهم الحماس المجرد. وإذا علمنا أن الحزنوي صاحب الوصية السابقة كان خطيبا مفوها وطالب علم كذلك فإن هذا يتمّم الصورة التي تدل على أن أتباع القاعدة ليسوا مجرد شباب متهور. اختيار منظر الجندي الإسرائيلي وهو يهين المرأة الفلسيطينية متزامنا مع حديث العمري عن الانتقام لأعراض أخواننا في فلسطين واختيار تسجيل الأم الفلسطينية التي تقول إنها تتمنى لابنها حياة في الجنة مع رسالته لأم الشهيد واختيار مشاهد من القوات الأمريكية في المملكة مع حديث العمري عن طرد المشركين من جزيرة العرب وغيرها عمل منهجي تربوي مدروس ذات أثر بعيد المدى في نفسيات الناس.

الاستنتاج الرابع أن المادة قد أُعدت حديثا مما يعني أن مؤسسة السحاب تعمل وتنتج الآن وليس أيام الطالبان في أفغانستان. وهذا بحد ذاته أمر مثير لأن القاعدة مطاردة باتفاق وتعاون عالمي ضدها ومع ذلك تنتج هذا الانتاج المتطور فنيا ومهنيا ومنهجيا وتوصله إلى الجهة الإعلامية في الوقت المناسب. هذه القدرة على العمل الفني المتطور الذي يحتاج أدوات متطورة وقدرات بشرية متمكنة وأرشيف وفي ظروف مطاردة دليل على أن القاعدة لن يصعب عليها أن ترتب أعمالا أخرى غير النشاط الإعلامي تحت هذه الظروف.

العلم والجهاد.. رسالة تكررت
في تعليق الشيخ بن لادن وتعليق العمري وتعليق مؤسسة السحاب على سيرة العمري تكررت رسالة خطيرة بأشكال مختلفة هي أن الجهاد مرتبط بالعلم الشرعي ارتباطا وثيقا وأن العالم الحق هو الذي يحاول أن يسعى للجهاد فإن لم يتمكن يصبح ردءا للمجاهدين بفتاواه وتحريضه وتأصيله الشرعي ودعمه المعنوي فإن لم يتمكن فعلى الأقل لا يكون خصما للمجاهدين ومعينا للطغاة عليهم. وتكررت الرسالة بطريقة تشعر المشاهد بأن علماء معنيين بهذا الكلام غير علماء السلطان المكشوفين. وإذا أخذ في الحسبان الزخم النفسي الكبير الذي نتوقعه لهذا الشريط فإن إرسال هذه الرسالة في ثناياه مرة تلو الأخرى سيجعل الملتفين حول العلماء مسكونين بمثلها.

التوقيت
من المعروف أن القاعدة لا تؤمن بالمناسبات السنوية ولا أمثالها لكن القاعدة على علم أن أجهزة الإعلام العالمية ستجعل من يوم 11 سبتمبر يوم اهتمام غير طبيعي بالحادث مرة أخرى. ولذلك كان حشر هذا الشريط في هذا التوقيت فكرة ذكية وكأنه يثبت أن القاعدة بعد عام كامل من القصف والحصار والمطاردة لا تزال نشيطة ومتحركة وتخاطب الجمهور بقدرة إعلامية نوعية ونفس طويل ولها القدرة على شرح منهجها في الوقت المناسب.