تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : [توضيح السبيل في بيان أنواع الرحيل]



أبو يونس العباسي
01-08-2012, 12:20 PM
[توضيح السبيل في بيان أنواع الرحيل]

أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما بلا اعوجاج , وجعله عصمة لمن تمسك به واعتمد عليه في الاحتجاج , وأوجب فيه مقاطعة أهل الشرك بإيضاح الشرعة والمنهاج , والصلاة والسلام على محمد الذي مزق الله ظلام الشرك بما معه من السراج , وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا الكفار وباينوهم من غير امتزاج .. ثم أما بعد …

[مناسبة المقال]

رحيل عام 2011م وقدوم عام جديد هو عام 2012م , ولو سئلت عن اسم للعام المنصرم , لأسميته عام الرحيل , حيث رحل فيه شرفاء عظماء وظلمة أشقياء , وعلى رأس هؤلاء الشرفاء: الشيخ أسامة بن لادن , والشيخ عطية الله , والشيخ: أنور العولقي , وكل من ساهم في إسقاط أنظمة الخزي والخيانة في ليبيا وسوريا ومصر وتونس وغيرها

( رحم الله الجميع وأجزل لهم المثوبة والعطاء ) إنه ولي ذلك ومولاه.

[النوع الأول: رحيل الأعوام والسنين]

إن السنين والأعوام ترحل سريع سريعا , حتى إن الإنسان ليخيل له في نهاية عمره أن ما عاش على سطح الأرض إلا يوما أو بعض يوم …

قال الله تعالى مخاطبا الكافرين:

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}[المؤمنون]

فإذا كانت الأيام والسنون ترحل سريع فماذا نستفيد من ذلك؟

نستفيد من ذلك ضرورة المسارعة إلى الجد والاجتهاد في مرضاة الله ( سبحانه وتعالى ) , ومحاسبة النفس على ما تقوم به من أعمال …

قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)}[الحشر]

[النوع الثاني: الرحيل عن الدنيا]

إن سنة الله في مخلوقاته أنهم عن الدنيا راحلون , لا يستثنى من ذلك مخلوق , والرحيل عن الدنيا معنى مرادف للموت , والموت لا بد سيذوقه كل مخلوق …

قال الله تعالى:

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران]

فإذا علمنا أننا عن الدنيا راحلين , فماذا سنستفيد؟

نستفيد أمورا كثيرة منها:

1ـ أن الدنيا دار ممر , والآخرة هي دار المستقر …

قال الله تعالى:

{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}[العنكبوت]

2ـ ضرورة العمل للمصير الذي سيصل إليه كل إنسان, فإننا في هذه الحياة نعمل , وبعد العمل جحيم أو نعيم , يحدد ذلك طبيعة العمل الذي كنا نعمله , والحساب في الآخرة بالذرة …

قال الله تعالى:

{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[الزلزلة]

[النوع الثالث: رحيل الملك والنفوذ والسلطة]

إن المتطلع لتجربة التاريخ ليتبين له وبوضوح أن الملك والنفوذ والسلطة لا يبقى بيد فرد أو جماعة أو عائلة أو جنس , بل هو متقلب , وتقلبه غير خارج عن قدرة الله , بل إن المتحكم في ذلك كله هو الله ( رب العالمين ) …

قال الله تعالى:

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}[آل عمران]

هل انتبهتم يا إخوة إلى خاتمة الآية السابقة:{ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}؟

إنها تدل وبكل وضوح على أن نزع الملك من أي أحد ليس مستحيلا , مهما كانت قوته وجبروته , لأنه لا يوجد أمام قدرة الله مستحيل…

فإذا كان الملك عن أصحابه راحلا , والسلطة عن أصحابها راحلة , والنفوذ عن أصحابه راحلا , فماذا نستفيد من ذلك؟

نستفيد من ذلك أمور منها:

1ـ ضرورة استخدام الملك والسلطة والنفوذ في خدمة الدين , تيسير أمور المسلمين …

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِى بيتي هَذَا:

« اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ , فَاشْقُقْ عَلَيْهِ , وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ , فَارْفُقْ بِهِ »

2ـ الملك لا ينفع صاحبه عند الله إذا ظلم, وترك العدل في إدارته لشؤون الرعية , ولذلك جعل الله الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله …

أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :

« سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ … »

وإذا سألت لماذا كان أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل؟

قلت: لأن عدله يعم الجميع , فاستحق هذه المنزلة لعموم النفع الذي يصل للأمة من خلاله.

3ـ الملك لا ينفع صاحبه إلا إذا سار فيه مسيرة الصالحين , من أمثال: يوسف وسليمان وذو القرنين ومحمد ( عليهم السلام أجمعين ) …

وكم أتأثر وأنا أقرأ في آخر سورة يوسف قوله تعالى على لسان يوسف ( عليه السلام ) :

{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}[يوسف]

[النوع الرابع: رحيل النعم]

نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى …

قال الله تعالى:

{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}[النحل]

ولقد حثنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على اغتنام ما يصلنا من نعم ؛ لأنها ترحل سريعا سريعا …

أخرج الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ:

((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ , شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ , وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ .))

ومن أسباب رحيل النعم أيضا: كفرانها , وكفرانها يكون بترك شكرها , واستخدامها في معصية الله ( جل في علاه ) …

قال الله تعالى:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}[إبراهيم]

[النوع الخامس: رحيل اليهود عن أرض فلسطين]

فهل سيرحل اليهود عن أرض فلسطين؟

بلا شك سيرحلون , وهذا هو وعد الله الكريم الرحيم …

قال الله تعالى:

{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}[إسرائيل]

ولقد اشترط الله في الآيات السابقة علينا لرحيل اليهود عن بلادنا أن نتصف بالعبودية , فكيف تكون العبودية؟

العبودية باختصار:

أن لا يكون لك اختيار إلا ما اختاره لك الله الواحد القهار …

قال الله تعالى:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)}[الآحزاب]

العبودية باختصار:

أن يكون شعارك في التعامل مع القرآن والسنة: (( سمعنا وأطعنا )) …

قال الله تعالى:

{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}[النور]

العبودية باختصار:

أن تحب في الله , وأن تبغض في الله , أن تعطي في الله , وأن تمنع في الله , أن تنكح في الله , وأن تُنكح في الله , أن تعز في الله , وأن تذل في الله , أن تطيع في الله , وأن تعصي في الله , وألا تخشى أحدا إلا الله ( جل في علاه ) …

أخرج البيهقي في شعب الإيمان عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ.))

العبودية باختصار:

أن تكون حياتك كلها لله ( رب العالمين ) …

قال الله تعالى:

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}[الأنعام]

[النوع السادس: رحيل الحكم الجبري]

لقد من الله علينا إذ أرانا بدايات رحيل الحكم الجبري , وفي وقت ما كان واحد منا يتوقع أن يحدث ما حدث , ولقد بشرنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) برحيل الحكم الجبري , وقيام الخلافة الراشدة بعده منذ أكثر من 1400 عاما هجريا …

أخرج أحمدعن حُذَيْفَةُ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم :

((تَكُونُ فِيكُمُ النُّبُوَّةُ مَا شَاءَ الله أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ تَكُونُ مَا شَاءَ الله أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ الله أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ الله أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونَ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ.))

وأذكر فأقول:

إن رحيل هذه الأنظمة الجبرية نعمة تستوجب منا شكر الله وحمد بكرة وأصيلا …

قال الله تعالى:

{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}[الأنعام]

وأبشر أهلي في بلاد الشام خصوصا , والمسلمين عموما , بأن هذه الخلافة ستقوم في بيت المقدس , مما يعني أننا سنحرره من اليهود , ثم نقيم فيه خلافة على منهاج النبوة …

أخرج أبو داوود عن ابن حوالة قال: قال الرسول: (صلى الله عليه وسلم):

(( يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ.))

[النوع السابع: رحيل الدنيا]

ورحيل الدنيا معناه قيام الساعة , وهي لا تقوم إلا بغتة أو فجأة , والسر في هذا أن يظل الناس مستعدين لقيامها دائما , فلا يتركون طاعة الله , بل يداومون عليها …

قال الله تعالى:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}[الأعراف]

فيا عجبا لمن استبدل الدنيا الفانية بالآخرة الباقية …

ويا عجبا لمن استبدل ما يزول على ما يدوم …

ويا عجبي على من قدم الظل الزائل على النعيم الدائم ..

قال الله تعالى:

{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}[طه]

وأخرج الطبراني في المعجم الكبيرعن ابن عباسt قال: دخل عمر بن الخطابt علي النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو على الحصير , قد أثر في جنبه , فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا:

((فقال: مالي والدنيا , وما الدنيا ومالي , والذي نفسي بيده , ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف , فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار , ثم راح وتركها.))

قال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) :

<< يا دنيا غري غيري … طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها.>>

[الشيء الذي لا يرحل عن الإنسان ولا يفارقه]

كل ما ذكرت آنفا يرحل عن الإنسان , إلا أن هناك شيئا لا يرحل لنكتشفه من خلال الحديث التالي:

أخرج البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - ، عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :

(( يَتْبَعُ المَيتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبقَى عَملُهُ ))

قال الله تعالى:

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}[آل عمران]

وقال أيضا:

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}[الكهف]

[أمور أرجو من الله أن يريني رحيلها]

من الأمور التي أمور أرجو من الله أن يريني رحيلها ما يلي:

1ـ رحيل القانون الوضعي, ورجوع الأمة إلى القرآن والسنة كمرجعية للحكم وإدارة شؤون الناس , فإن القرآن والسنة ما نزلا إلا ليحكما …

قال الله تعالى:

{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)}[النساء]

2ـ رحيل الأحزاب العالمانية والاشتراكية والقومية والديمقراطية , ليكون انتماء الناس للإسلام وحسب …

قال الله تعالى:

{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}[الأنعام]

وقال أيضا:

{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}[الحج]

3ـ رحيل التبرج والسفور والغناء والاختلاط , وكل المظاهر التي تخالف دين الله , ولا تمت للإسلام بصلة …

قال الله تعالى:

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}[النحل]

4ـ رحيل العداوة والبغضاء والحسد الذي عم وطم ديار المسلمين , ليحل محل ذلك الحب والمودة والألفة …

أخرج الترمذي عن الزبير بن العوام (رضي الله عنه) أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ):

((دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد و البغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر و الذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم .))

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات

ولا حول ولا قوة إلا بالله.