تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مجاعة الصومال.. وابنتي.. والسؤال البريء؟!



من هناك
08-27-2011, 08:41 PM
مجاعة الصومال.. وابنتي.. والسؤال البريء؟!

كنَّا حولَ مائدةِ الإفطار لهذا اليوم الإثنين الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارَك بانتظار أذان المغرب، ونُتابِع باهتِمامٍ الحملةَ الوطنيَّة لإغاثة الشَّعب الصومالي المسلم على القَناة السعوديَّة الأولى وهم يَعرِضون صُوَرًا عن مُعاناة إخواننا المسلمين في الصومال، وكان من ضِمن المشاهد التي تُعْرَضُ في القَناة جنائز أطفال فارَقُوا الحياة وماتوا جُوعًا بين أيدي أهليهم، لا يستطيعون حيلةً في إنقاذهم من بَراثِن الجوع، ولا يملكون حلاًّ لِمَنْ ينتظرهم نفسُ المصير إلا مُواراة أجسادهم البريئة الهزيلة التي غُطِّيتْ بأثوابٍ باليةٍ، حتى الأكفان عزَّت عليهم ولم يجدوها، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون!

ونحن جميعًا متسمِّرون، تتفتَّت أكبادُنا كمدًا، وتتقطَّع قلوبنا حسرةً على تلك المناظر، وإذا بابنتي الصغيرة تُوجِّه لي سؤالاً بريئًا ولكنه كالصاعقة.

تسأل وتقول: لماذا لا يبكون يا أبي وهم يُوارون موتاهم التراب، ويَدفِنون أبناءهم وأحبابهم تحتَ الأرض؟!

صدِّقوني أنَّني تحيَّرت في إجابتها، وأخَذتُ لحظةً أُلَملِمُ نفسي وأستجمِعُ قواي الفكريَّة والعاطفيَّة والروحيَّة؛ لتسعفني بإجابةٍ مُستَساغةٍ يمكن قبولها والاقتناع بها.

فقلت لها إجابةً عن استِفسارها - وهي تنتَظِرُ منِّي الإجابة الشافية المقنعة -:يا بُنيَّتي، إنَّ القوم بكَوْا وبكَوْا ثم تباكَوْا حتى جفَّتْ مآقيهم من الدُّموع؛ فلم تَعُدْ قَنواتهم الدَّمعيَّة تَجُود لهم حتى بهذه الدُّموع، فحسبُنا الله ونعم الوكيل. سؤالٌ بَرِيء لكنَّه حاضرٌ في ذِهن كلِّ مُشاهِدٍ لتلك المناظر المحزنة، لكلِّ مسلمٍ؛ بل لكلِّ إنسانٍ لديه ذرَّة من إنسانيَّة.


نعم؛ هو ابتلاءٌ واختبارٌ من الله - سبحانه وتعالى - للجميع؛ لهم ولنا.لهم؛ ليصبروا ويحتسبوا، ولنا؛ لينظُر ردَّة فعلنا تجاههم وقد علمنا حالهم وشاهدنا مآلهم. لن نُسأل عن كم اشترينا من ملابس للعيد، وكم اقتنينا من هاتفٍ محمول، وما هي نوع سيَّارتنا، أو ماركة ساعتنا، أو لون أحذيتنا، لا، لا أبدًا، لن نسأل عن هذه ولا تلك.

إنما السؤال هو: هل وقفنا معهم ومدَدْنا يدَ المساعدة بما نقدر عليه، ولو بشقِّ تمرة؟ لا أحدَ مِنَّا يتقالُّ هذا الشق والنصف من التمرة؛ فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُضاعِفها أضعافًا مضاعفة، لا سيَّما ونحنُ في زمنٍ فاضلٍ، وعشرٍ هي من أعظم ليالي السَّنة على الإطلاق، فسوف تأتي يومَ القيامة وقد صارت نصف هذه التمرة التي تصدَّقتَ بها بنيَّةٍ خالصةٍ جبالاً من الحسنات، ووديانًا من النخيل والتمور في الجنَّة، والله يجزي المتصدِّقين.

إنَّ السؤال الكبير الذي سنُسأَل عنه يوم القيامة هو: هل تصدَّقت على هؤلاء الجِياع وأمثالهم، فهل نحن مُدرِكون لهذا ومستعدُّون للإجابة عنه؟!