تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : [أنواع الأسر والأسرى]



أبو يونس العباسي
06-15-2011, 03:59 PM
[أنواع الأسر والأسرى]

أبو يونس العباسي

الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته من الآل والصحب الميامين , إلى يوم الدين.

[من هو الأسير؟]

الأسير هو:

شخص أخذه أعداؤه وقيدوا حركته بين أربعة جدران.

وقد جاء ذكر الأسير في القرآن في عدة مواضع …

قال الله تعالى:

{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}[الإنسان]

وليس الأسر بالمعنى آنف الذكر فقط , بل إن للأسر أشكال وأنواع …

[الجهل سجن كبير وأهله أسى وسجناء]

الجهل هو:

ضد العلم والخبرة , والجهالة: أن تفعل فعلا بغير علم , والجاهلية: هي الفترة التي سبقت الإسلام , أو هي: كل فعل يخالف صاحبه القرآن والسنة.

قال الله تعالى:

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}[الأعراف]

حقا:

إن الجهل سجن وأسر لصاحبه , والحرية تكون في العلم والمعرفة …

قال الله تعالى:

{… وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}[طه]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:

"وكثيرا ما يضيع الحق بين الجهال والأميين."

وإن من سياسة الأنظمة الجبرية سياسة التجهيل , ليظل الناس عبيدا لهم , أسرى في أيديهم …

قال على بن أبي طالب t :

الناس من جهة التمثيل أكفاء

أبوهم آدم ، والأم حواء

فإن يكن لهم من بعد ذا نسب

يفاخرون به ، فالطين والماء

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم

على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداء

فعش بعلم ، ولا تبغي به بدلا

فالناس موتى ، وأهل العلم أحياء

[الخوف سجن والمتصفون به أسرى وسجناء]

والخوف هو:

شعور يدفع صاحبه لفعل شيء أو ترك شيء آخر.

إن الخوف من المخلوقين سجن وأسرٌ لصاحبه , وحريته في الالتجاء إلى الله والاعتماد عليه , والثقة به…

قال الله تعالى:

{ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}[يونس]

ولذلك كان الخوف من الله وحده توحيد , وكان الخوف من غيره شرك …

قال الله تعالى:

{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}[آل عمران]

إن الخوف قيد , والجبن قيد , والخور قيد , والحر من كان شجاعا مقداما , غير خواف ولا هياب …

فالنافع والضارُّ هو الله وحده , والجبن لن يزيد العمر , والشجاعة لن تنقصه …

قال الله تعالى:

{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}[الأعراف]

قال أبو بكر الصديق t:

"اطلبوا الموت توهب لكم الحياة."

[الشهوة سجن ومتبعوها في معصية الله أسرى وسجناء]

إن الإنسانَ يكون أسيرًا لشهواته عندما يمارسها ويزاولها بطرق غير شرعية …

قال الله تعالى:

{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}[مريم]

ويكون الإنسان أسيرا لشهواته أيضا عندما تلهيه عن طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ …

لقد جاءت لسليمان u خيول عربية أصيلة , فظل ينظر إليها حتى غابت الشمس فألهته عن صلاة العصر , فماذا فعل؟

لقد ذبح سليمان u الخيول كلها , حتى لا يكون أسيرا لشهواته , وعبداً لها من دون الله …

قال الله تعالى:

{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)}[ص]

ويكون الإنسانُ أسيرًا لشهواته عندما تقوده هي , لا أن يكون هو من يقودها …

قال السلف:

"كانت الدنيا في أيدي الصحابة ولم تكن في قلوبهم."

فقلوبهم لم يكن فيها سوى الإيمان بالله رب العالمين , ولقد علق الله دخول الجنة على التحرر من أسر الشهوات وسجن النزوات …

قال الله تعالى:

{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}[النازعات]

[التقليد سجن وأهله أسرى وسجناء]

التقليد هو:

اتباع شخص لآخر بدون حجة ولا دليل ولا برهان.

إن التقليد سجنٌ يدخله كثيرٌ من الناس بإرادتهم واختيارهم , ويتركون الحق من أجله …

لقد ترك كثير من الناس اتباع الرسل وكان المانع هو التقليد لمعظمين عندهم …

قال الله تعالى:

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}[البقرة]

وكثير ما يُسأَل العصاة عن معاصيهم فيقولون:

"نفعل ما يفعله الناس…"

قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ :

" كل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر."

[التعصب سجن والمتصفون به أسرى وسجناء]

التعصب هو:

التحيز لفكرة أو جنس أو لغة أو جماعة , ورفض ما دون ذلك.

إن التعصب سجن لكثير من الناس , يحرمهم من الحق والهدى والنور والخير الكثير…

إن كثيرا من الناس يعرضون عن الحق تعصبا للباطل , مع علمهم أنهم على باطل ومع علمهم أنهم يحاربون الحق !!!

قال الله تعالى:

{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}[الأنعام]

[الحزبية سجن والمتحزبون أسرى وسجناء لحزبهم]

إن الحزبية صورة من صور التعصب المقيت , وعليه:

فالحزبية سجن , والمتحزبون أسرى وسجناء , فعلى حزبهم يوالون , وعليه يعادون , ومنه يتلقون , وما جاء من غيره يرفضون , وعلى أساسه يعطون , وعلى أساسه يمنعون , وكان الأصل أن يفعلوا ذلك من أجل الله ومن أجل الله وحده …

لذلك فقد ذم الله التحزب المقيت فقال:

{… وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}[الروم]

[الذنوب سجن والمذنبون أسرى وسجناء]

ويكون الإنسان أسيرًا للذنوب إذا زاولها , وأصرَّ عليها , ولم يتب منها …

إن المذنبَ سجين وأسير بذنوبه , والمؤمن حرٌّ بطاعته لربه ومولاه …

قال ابن عباس t:

إن للطاعة نورا في القلب , وضياء في الوجه , وسعة في الرزق , ومحبة في قلوب الخلق …

وإن للمعصية سوادا في القلب , وظلمة في الوجه , وضيقا في الرزق , وبغضا في قلوب الخلق …

قال الله تعالى:

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}[المطففين]

إن المذنب أسير للشيطان يفعل به ما يشاء …

قال الله تعالى:

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}[الأعراف]

وقال أيضا:

{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)}[المجادلة]

أما المؤمن فلا سلطان للشيطان عليه …

قال الله تعالى:

{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}[النحل]

[المظاهر الخداعة سجن والمنخدعون بها أسرى وسجناء لها]

ويكون الإنسان أسيرا للمظاهر الخداعة , إذا ظن أن الحق مرتبط بالكثرة والقلة …

قال الله تعالى:

{ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}[الأنعام]

ويكون الإنسان أسيرا للمظاهر الخداعة , إذا ظن أن مقياس تفاضل الناس في الشكل والمظهر …

أخرج مسلمعَن أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ.))

ويكون الإنسان أسيرا للمظاهر الخداعة إذا اطمأن إلى الدنيا , وزهد في الآخرة …

قال الله تعالى:

{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)}[الحديد]

وختاما أقول:

إن الأسير الذي فقد حريته من أجل دينه , وربه , ثم من أجل وطنه والمقدسات والأعراض هو الحر حقيقة …

قال الشاعر:

أخي أنت حر وراء السدود * أخي أنت حر بتلك القيود

إذا كنت بالله مستعصما * فماذا يضيرك كيد العبيد

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات

ولا حول ولا قوة إلا بالله…

المهاجر7
06-15-2011, 06:03 PM
بارك الله فيك وجزاك كل خير.