تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما أجمل الإنصاف



منير الليل
11-13-2003, 10:19 AM
الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ اسمٌ معروفٌ في تاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ ، اسمٌ اقترنَ بسفكِ الدمِ والبطشِ والجبروتِ ، اسمٌ لا يكادُ كتابٌ من كتبِ التاريخِ إلا ولهُ ذكرٌ فيه ، ولكن هل للرجلِ حسناتٌ تذكرُ في بحرِ ذنوبهِ ؟

يجيبُ الإمامُ الذهبي في " السير " (4/344) فيقولُ في ترجمتهِ : وَكَانَ ظَلُوْماً ، جَبَّاراً ، نَاصِبِيّاً ، خَبِيْثاً ، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ ، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ ، وَإِقْدَامٍ ، وَمَكْرٍ ، وَدَهَاءٍ ، وَفَصَاحَةٍ ، وَبَلاَغَةٍ ، وَتعَظِيْمٍ لِلْقُرَآنِ ... وَلَهُ حَسَنَاتٌ مَغْمُوْرَةٌ فِي بَحْرِ ذُنُوْبِهِ ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، وَلَهُ تَوْحِيْدٌ فِي الجُمْلَةِ ، وَنُظَرَاءُ مِنْ ظَلَمَةِ الجَبَابِرَةِ وَالأُمَرَاءِ .ا.هـ.

و من الإنصاف أن يسجل المؤرخ لمن يؤرخ له ما أصاب فيه بمثل ما يسجل عليه ما أخطأ فيه .. واضعاً قول الله تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى } نصب عينيه .
نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري : إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون /76] . الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح .

فالحجاج كان من الولاة الذين اشتهروا بالظلم والقسوة في المعاملة ، و هي شدة كان للظروف التي تولى فيها هي السبب الرئيسي في أن يكون بهذه الصفة ..

فثورات الخوارج المتتالية والتي أنهكت الدولة الأموية .. و الفتن الداخلية .. كان للحجاج الفضل بعد الله في القضاء عليها ، و هذه لا ينكرها أحد حتى الأعداء .. و لا ننسى ثورة ابن الأشعث التي كادت أن تلغي و تقضي على الخلافة الإسلامية ..

و مع هذا نقول : ليس كل ما يشاع عن شخص قد ثبت فعلاً .. و ليس كل ما هو مشهور معروف .. فكم سمعنا و قرأنا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تنصح الخارجين بالثورة على عثمان و قتله !! فهل نصدق هذا ، و كم سمعنا أن عثمان رضي الله عنه قد استحدث أموراً خرج بسببها من الإسلام !! فهل نصدق هذه أيضاً .. و كذلك ما اشتهر من أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل الستة الذين اختارهم ليكون أحدهم خليفة من بعده إن تخلف أحدهم تضرب عنقه !! و هكذا ..

فليس كل ما هو مشهور صحيح ..

و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل . تاريخ دمشق (4/82) . والبداية والنهاية (9/138) .


ونقول للذين يطعنون في نيات الناس اسمعوا إلى قول الحسن رحمه الله حينما سمع أحد جلاسه يسب الحجاج بعد وفاته ، فأقبل مغضباً و قال : يا ابن أخي فقد مضى الحجاج إلى ربه ، و إنك حين تقدم على الله ستجد إن أحقر ذنبٍ ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنبٍ اجترحه الحجاج ، و لكل منكما يومئذٍ شأن يغنيه ، و اعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم ، كما سيقتص للحجاج ممن ظلموه فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد . ذكره أبو نعيم في الحلية (2/271) .


هل يلعنُ الحجاجُ بنُ يوسف :
قد يقومُ بعضُ الناسِ بلعنِ الحجاجِ بنِ يوسف كلما ورد اسمهُ عليه ، فهل هذا الفعلُ من الشرعِ في شيءٍ ؟

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ؛ بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا . كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ .

كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ : " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ . فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً . فَلَعَنَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنْهُ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .

(((((((()))))))))

ما أروعه من إنصاف ما أروعه من أثر منقول ما أروعه من كلام حق وعدل
لله درّ أهل الحديث....... لله درّ أهل النقل المأثور والحق المعقول
فليس لنا أن نقول ما ليس لنا به علم، بل يجب أن نتكلم عن علم وبصيرة وبيّنة ودلالة.

(((((((())))))))
اخترتها لكم من موضوع مشترك
للأخ أبو عبدالله الذهبي والأخ عبدالله زقيل
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/292.htm