تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في تداعيات الثورة المصرية



مقاوم
02-10-2011, 06:51 AM
تأملات في تداعيات الثورة المصرية

http://www.alasr.ws/images/asr-spacer.gif
وهذا النجاح لا يمكن الجزم به، بل أعتقد أنه في الحالة المصرية أبعد منه في الحالة التونسية، ولكنه يبقى لنا مع ذلك الحد الأدنى من النجاح، والذي يمكن إجماله في انتشال النخب الفكرية والشعوب العربية من بئر اليأس والإحباط، وإمكانية التغيير عبر وسائل سلمية. وفي الساحة الفكرية السعودية سعى بعض المشتغلين بقضايا الإصلاح والحرية إلى استثمار الأحداث وتوظيف تداعياتها على الصعيد المحلي عبر قناتين: الأولى: تشويه التيار السلفي وإلباسه لباس "محامي الظلم والاستبداد"، الثاني: تطبيع المضامين المنحرفة للديمقراطية..



بقلم عبد الرحيم التميمي


في لقاء على إحدى الفضائيات عام 2005م، قرن الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، المعضلة التونسية بالقضية الفلسطينية في موقف مؤثر يبعث برسالة غير مباشرة، مفادها استبعاد حدوث أي تغيير نوعي في الواقع التونسي، ولن يعدم الباحث والمطلع على الإنتاج الفكري والمشاريع السياسية الإصلاحية أن يرصد مقدار "الإحباط الكبير" والشعور المتعاظم بـ"اليأس والقنوط"، الذي أطبق بقبضته على قطاعات واسعة من النخب الفكرية العربية والإسلامية، أيا كانت توجهاتها خلال العقد الأخير.

وهذه الحالة النفسية من اليأس والإحباط واستحالة التغيير، دفعت بعض تلك النخب لمراجعات واضطرابات مروعة ومخيفة لمشاريعها وخطابها الفكري، وشرعت في إضفاء ألوان من التبريرات والتلفيقات والالتفافات، التي أفضلت ـ في المحصلة ـ إلى الارتماء في وعاء الاستبداد بكل نجاساته ومظالمه وجرائمه، فمن كان مطلّعاً إطلاعاً فاحصاً على هذا التردي النفسي والفكري ثم كان مدركاً لمحورية معضلة الاستبداد في ترسيخ الواقع المتخلف حضارياً والمنحرف شرعياً على كل الأصعدة، سوف يدرك جيداً أي حدث جوهري عظيم، وأي أصنام فكرية ونفسية واجتماعية حطمتها سواعد الشباب التونسي ثم المصري، وأي أثر إيجابي مفصلي سيحدث على نطاق الأمة فيما لو تكللت هذه الثورة بالحد المتوسط من النجاح، وهو إقامة نظام سياسي ديمقراطي يكفل الحريات ويسجل للمرة الأولى في التاريخ العربي المعاصر شهادة دفن للاستبداد والقهر منذ خروج الاستعمار من أراضيه.

وهذا النجاح لا يمكن الجزم به، بل أعتقد أنه في الحالة المصرية أبعد منه في الحالة التونسية، ولكنه يبقى لنا مع ذلك الحد الأدنى من النجاح، والذي يمكن إجماله في انتشال النخب الفكرية والشعوب العربية من بئر اليأس والإحباط، وإمكانية التغيير عبر وسائل سلمية، وتنبيه رؤوس الاستبداد إلى حقيقة إمكانيات الشعوب، ولا شك أن التجربة التونسية ثم المصرية ستكون مصدراً حافلاً بالدروس والعبر التي يمكن استخلاصها والاستفادة من إيجابياتها وتلافي سلبياتها، سيما ونحن نعيش ثورة الاتصالات والانترنت والتي شكلت عاملاً رئيساً في قيام الثورة.

كما يلاحظ أن الثورة المصرية كانت سبباً في انتزاع جماعة الإخوان المسلمين الاعتراف الرسمي من النظام بوجودها ودورها الفاعل في الساحة، والمأمول ألا يكون هذا الطموح السياسي على حساب ثورة الجماهير.

وهذا الأمر من شأنه أن يلفت الأنظار إلى أن أي جماعة أو تيار لا يعتني بالشأن السياسي ولا يجيد تنظيم صفوفه، سيبقى على هامش الأحداث، مهما كان دوره الدعوي والاجتماعي، بل ربما أمكن توظيفه من أي طرف بسبب ضعف الوعي السياسي، وهذه ليست دعوة لاستهلاك طاقات كافة الشباب في الشأن السياسي، وإنما ينبغي أن تعلم التيارات الإسلامية في مصر التي تنأى بالكليّة عن الشأن السياسي، أن دورها الدعوي والاجتماعي مهما كان كبيراً، إلا أن غياب مؤثريها وشبابها عن الميدان وخفوت صوتها الإعلامي في مثل هذه الأحداث الجسام، من شأنه أن يحرق مصداقية خطابها أمام المجتمع، وهذا ما أتوقعه فيما لو نجحت الثورة في إسقاط النظام.

في الساحة الفكرية السعودية سعى بعض المشتغلين بقضايا الإصلاح والحرية إلى استثمار الأحداث وتوظيف تداعياتها على الصعيد المحلي عبر قناتين:

الأولى: تشويه التيار السلفي وإلباسه لباس "محامي الظلم والاستبداد"، انطلاقاً من ثنائية حديّة إقصائية طالما رددها هؤلاء الإخوة مفادها، إما قبول الفكرة الديمقراطية بكافة مضامينها أو الانحياز للاستبداد والظلم، كما حرص أولئك على انتقاء بعض المواقف الشاذة لبعض المشايخ السلفيين التي جاءت في غير محلها، مع علم هؤلاء الإخوة بأن الغالبية الساحقة من السلفيين لا تتبنى رؤيتهم وأقوالهم، ولكنها الرغبة المحمومة في إسقاط الخصم وإحراجه بعيداً عن التدقيق في مجمل خطابه ومحدداته وأداء الأكثرية الساحقة من أفراده.

الثاني: تطبيع المضامين المنحرفة للديمقراطية، والتي تجعل ما هو حق خالص لله تعالى كالتشريع للبشر، وتبيح للطوائف والأديان نشر زندقتها وكفرياتها تحت راية الحرية، أو ركوب فتاوى العلماء الذين أباحوا الاشتغال باللعبة الديمقراطية انطلاقاً من قاعدة ارتكاب أخف الضررين لدفع أعظمهما، والانتقال ببلد ما من حكم وضعي دكتاتوري إلى حكم وضعي ديمقراطي، ففرق بين رؤية فقهية إسلامية تتبنى موقفاً مصلحيّاً للدخول في اللعبة الديمقراطية من باب تقليل الشر والانتقال بالمجتمع من نظام منحرف دكتاتوري إلى نظام منحرف ديمقراطي، وبين رؤية تنويرية تقول إن اللعبة الديمقراطية تعبر عن صميم المنهج الإسلامي للحكم.

كما طرح بعض الفضلاء نظرية المؤامرة كتفسير لهذه الثورة، ولاشك أن للقوى الغربية دورا مهما في العالم العربي، ولا يمكن لأي مفكر أن يحلل واقعاً عربيّاً بمعزل عن التأثير الغربي ولكن هذا شيء والإيغال في الدور الغربيّ، حتى لكأنّه يتحكم بكل الأحداث فيه قدر من المبالغة.

وفي الحالة المصريّة يتفق كافة المحللين والمفكرين أن الرئيس المصري يُعد الخيار المفضل للولايات والمتحدة وإسرائيل، ولو كان ثمة مؤامرة في الموضوع لكان بإمكان نقل السلطة إلى شخص مناسب من داخل الحزب الوطني دون هذا الانفلات والثورة التي لا يمكن الجزم بنتائجها لدى أي طرف.

وتهميش الإسلاميين في الحالة التونسيّة أو حتى الحالة المصريّة لا يمكن جعله عاملاً مؤكداً لنظرية المؤامرة، فكل فصيل أو حزب سياسي يتسلم مقاليد الأمور في هذه المرحلة الانتقالية، يدرك حساسيّة الوجود الإسلامي لدى الغرب، وبالتالي فقد يبدأ بتهميش الإسلاميين انطلاقاً من "براجماتية سياسية"، وليس بالضرورة لعداء أيدلوجي أو عمالة للغرب، ولكن ينبغي أن يُعلم أن الأمور إذا استتبت وانطلقت قاطرة الديمقراطيّة غير المزيّفة في تونس ومصر، فبإمكان الإسلاميين أن يلحقوا بالركب وأن يقفزوا لمقدمة القاطرة بإذن الله.

ولاشك أن مطلبنا ومطلب كل مسلم غيور أن تحكم بلاد الإسلام بالإسلام، ولكني أجزم أن كل فقيّه مطلّع على الواقع التونسي ثم المصري يدرك عدم إمكانيّة تحقيق هذا الأمر في الوقت الراهن، وإن كان هذا لا يعني ترحيل هذا المطلب الشرعي إلى أرشيف الذاكرة أو أرفف المكتبات، بل لا بدّ أن تحث الأمة عليه، وأن يربى الشباب على مركزيته ومكانته الجوهرية في عقيدة المسلم الذي ينبغي ترجمته لواقع على الأرض متى ما سنحت الظروف المناسبة لإقامته.

فالحريّة الحقة تكون بالتحرر من عبوديّة المخلوقات إلى العبوديّة للواحد القهار، والمسلم الذي يعتقد إمكانيّة مشاركة المخلوق للخالق في التشريع، ويسبغ المشروعية للنشاط الفكري والعقدي المناقض لأصول الإسلام ليس حراً ولا داعية حق وهدى بل قد وقع من حيث لا يدري لعبوديّة من نوع آخر، محصلتها التبعيّة لمفاهيم مصادمة لحقائق الوحي المعصوم.

لقد واجه كثير من المصلحين قرابة قرن من الزمان نظم استبداية ديكتاتوريّة حكمت بالحديد والنار، وتكللت تلك المحاولات بالفشل، والمتأمل في السياق الزمني يجد أن مسار الانحطاط والتخلف والقهر كان يزداد مع كل محاولة فاشلة، فالحذر ثم الحذر في تفويت هذه الفرصة مع شعوب عربية أخذت زمام المبادرة وتوشك أن تدفع بالأمة نحو منعطف جوهري في تاريخها.
وإن كنا ندرك مدى المكر الكُبّار الذي يُدار اليوم من قوى كبرى والذي قد يؤدي لإجهاض العديد من المكاسب، ولكن مع ذلك نرى فيما حدث مخاضاً سيفتح آفاقاً رحبة لدى كافة الشعوب للتغيير والإصلاح.