تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : استفت قلبك .. رسمت منهج حياة



بنت خير الأديان
02-06-2011, 01:32 PM
استفت قلبك .. رسمت منهج حياة

لم أكن قد جاوزت العاشرة يومها , يوم أن كان الناس يسخرون مني لما يسمونه بـ ( التعقد )
كانوا لا يألون جهدا في إقناعي بما لديهم من أفكار وآراء وفتاوى ليست من الدين
فتارة أنت غبية وتارة معقدة وتارة أخرى يقولون : ( عيشي حياتك )



فلما لم تجدِ معهم هذه الكلمات عمدوا إلى الإقناع والحوار
فلا تكاد تراني في جلسة معهم أو معهنّ بالأصح إلا والكل يحاول إقناعي بعبارات وكلمات لا تدخل لي من جوف
والأحداث تتوالى وما أكثرها

وفي أحدها أنني سلّمت على امرأة ولم أسلّم على زوجها فبدأوا يقولون : عيب , احترام , بعمر جدك , بعمر والدك , اذهبي وسلّمي ...
فلما لم أذهب وأصررت على أنه حرام حتى لو كان عمره ألف سنة
قالوا لي يوجد من الشيوخ من أفتى أنه يجوز أن تسلّمي على الرجل إذا كان كبيرا
لم تنزل والله في جوفي ولم أكد أسيغها
وبقيت على إصراري : الدين لم يبح هذا فكيف يأتي فلان ويبيحه , لن أسلّم
ثم قالوا لي بعض الشيوخ أفتوا أنه يجوز أن تسلمي على رجل بحائل أي ويداك مغطاة لذلك لا بأس ارتدي القفازات وسلّمي
تقبلت الكلام وقلت ربما يكون صحيحا لكن فكرت قليلا فلم أتجرعها ثم لم أسلّم لا بحائل ولا بغيره
ثم قالوا لي يجوز إذا كان للمرة الأولى وهو لا يعلم لأنك لو لم تسلمي سيكون هناك إحراج فمن باب الحياء عليك أن تسلّمي
قالت لي نفسي الله أحق أن يستحيى منه فلا تسلّمي لا في المرة الأولى ولا في المرة العاشرة

هذا هو الدين !



فلما استيأسوا خلصوا نجيا
ثم جاؤوا لحجابي وجلبابي ..
قالوا لي الجلباب ليس واجبا لقد أفتى بعض الشيوخ أنه يجوز أن تلبسي بنطالا واسعا والمهم هو السترة
قلت أين السترة في ما لا يرضي الله , الله قال : وليدنين عليهن من جلابيبهن , وهذا الجاهل يقول وليلبسن بناطيلهن !
سبحانك ربي
ولم أفعل وبقيت بالجلباب
ثم قيل لي الحجاب ليس بالضرورة أن يكون هكذا يكفي أن يغطي الرأس
وبقي أمام عيني قول الله : وليضربن بخمرهن على جيوبهن ..

والأحداث بعد ذلك تتوالى والشتائم تنهال والسخرية تزداد ولم أكن يومها على العلم الذي أعلمه الآن بيد أني كنت على الصغر أعمل بقول رسول الله : استفت قلبك
إي والله استفتيت قلبي فأجابني بما يرضي ربي

ولم يكن يغيب عني يومها قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا تَشَابَهَ كَانَ أَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ

هذا ما تذكرته اليوم حين وقعت في موقف مشابه
جاءتني الفتاوى من كل حدب وصوب في مسألة لم أسغها ولم أتجرعها والكل كان ضدي يقول : العلماء قالوا والمشايخ أفتوا
انتابني همّ وأنا أقول في نفسي يا بشر رب العزة قال حرام أفتأتون أنتم وتقولون حلال
فجعلوا يقولون هو حلال إذا .. وبِـنيّة كذا ..
فصرت أشتهي أن أكوي لسان من يقول : ( حلال إذا ) بغير علم ولا برهان



فلما عدت للدار ولازالت الأفكار تتردد عليّ لا تفارقني وأنا لا أجد لها مردا
راجعت أقوال العلماء بين محلل ومحرم ولم أطمئن لمن حلل واطمأننت للآخر ولكن هجمة القوم علي توهم أنني ومن حرم من العلماء على جهل
قلت أسأل , لكن من ؟!
فلما لم أجد من حولي إلا كل مسوّغ لمنكر ازددت همّا على همّ
وكنت قد أخذت عهدا ألا أسوّغ لمنكر ولا أسمع لمن يسوّغ
وازداد إصراري لما تذكرت تسويغ الناس لي في الصغر على منكر خلع الجلباب والسلام على الأجانب وإتيانهم بالحجج إذ كل كل حجة أكبر من أختها , ولكن هيهات
ولازال بي هذا الهم حتى خطر على بالي خاطر قال لي استفت قلبك
فلما استفتيته اطمأننت وسكنت وهدأت نفسي
وقلت : سبحان الذي بعثك بالحق والله ما نطقتَ عن هوى عليك صلاة ربي


ورغم أنني كنت في الصغر أجهل الكثير من المسائل لكنني كنت آخذ بكلام العلماء الثقاة ولا ألقي بعد ذلك بالا لما يقال فلا أسوّغ لهوى قلبي ولا أضع حجة لمنكر
ولم أكن أقول كما يقول الكبار الآن ممن ينتهز فرصة التسويغ للمنكر
حتى إذا عرض عليهم كلام الله وكلام عباد الله أخذوا بكلام العباد وتركوا كلام رب العباد

ومظاهر التسويغ للمنكر كثيرة هذه الأيام لا نكاد نحصيها
فإنها إذ كثرت الأهواء كثر معها شيوخ السلطان وكثر معها شيوخ العامة وشيوخ الدنيا لا الدين
حتى قال قائل يوما : يجوز أن تهجر القرآن !!
والله لو وزن هذا الكلام بميزان حديدي صَدِئ ما وزَنَـه

ولا يخفى عليكم أن الناس قد جعلوا النية علّاقة كل منكر
فكلما ارتكبوا منكرا سوّغوا له بقولهم : النية صافية , النية حسنة , المهم هو النية ...

أي نية هذه ؟ , أيزني الزاني ويقول نية ؟
وما أكثر مظاهر الزنا بالعين واليد واللسان حتى ما تورع الرجال أن ينادوا النساء بألفاظ رقيقة ثم يقولون : إنما الأعمال بالنيات
وبعد أن رأيت ذلك عيانا كان لزاما علي أن أبين وأوضح بطلان هذه الحجة وبطلان النية الصالحة إذا قرنت بمنكر وألا حجة لهذا الاستدلال
إذ النية الصالحة لا تقبل إلا إذا قرنت بعمل صالح حتى يؤجر عليها صاحبها
- فلا اعتبار لمن يريد أن يساعد عائلة فقيرة فيسرق ليساعدها ! -
والعمل الصالح لا يقبل إلا إذا قرن بنية صالحة حتى يؤجر عليه صاحبه
- فلا أجر يكتب لمن ينفق أمواله في مساعدات أو ما شابه وهو ينوي بها شهرة ورياء وسمعة -
ولا يوجد شيء اسمه آتي بالمنكر خالصا فأثاب عليه إذ المنكر في كل حالاته يلحق بصاحبه الإثم



ويدل على ذلك :
(( التَّبْوِيب يَتَعَلَّق بِالْآيَةِ وَالْحَدِيث مَعًا ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْأَنْبِيَاء ثُمَّ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين } .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة فِي قَوْله تَعَالَى { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } قَالَ وَصَّاهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَته .

قَوْله : ( إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ )
كَذَا أُورِدَ هُنَا ، وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَة الْجَمْع بِالْجَمْعِ ، أَيْ كُلّ عَمَل بِنِيَّتِهِ . وَقَالَ الْخُوبِيّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّة تَتَنَوَّع كَمَا تَتَنَوَّع الْأَعْمَال كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْه اللَّه أَوْ تَحْصِيل مَوْعُوده أَوْ الِاتِّقَاء لِوَعِيدِهِ ... وَلِأَنَّ النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الْإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ )) . اهـ
فتح الباري

وهنا وقفة : فلما كان صلاح النية مقرونا بالإخلاص وبقوله تعالى : " ليعبدوا الله مخلصين " انقطعت كل حجة على من يجعل النية الصالحة في المنكر
لأن الإخلاص لا يكون في المنكر
بل يكون الإخلاص في عبادة الله وحده
فلا يخلص السارق لوجه الله ولا يخلص الوثني ولا الكافر
إذ النية الصالحة مع المنكر باطلة لا يقبل فيها شيء بل هي حجة على صاحبها


وأما النية الفاسدة فهي تلحق الإثم بصاحبها في ظعنه وإقامته
ولو بدا للناس أن العمل صالح
- كمن يعطي الدواء لمريض يقصد به موته , فالدواء شفاء في الظاهر لكن زيادته مثلا تسبب كذا وكذا , ومن تعمد ذلك الضرر باطنا وأظهر للناس حسن عمله فهو .. منافق ! -


ولازلت أقتفي الأثر الذي كنت عليه وأسأل الله أن أثبت على الحق فيه ثم يُختم لي بخير .. أسأل الله ذلك

وأختم بالحديث الذي يحق له أن يتخذ منهج حياة :
عن وابضة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم. قال: " استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"

سائر في رحاب الله
02-06-2011, 04:19 PM
قَوْله : ( إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ )
كَذَا أُورِدَ هُنَا ، وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَة الْجَمْع بِالْجَمْعِ ، أَيْ كُلّ عَمَل بِنِيَّتِهِ . وَقَالَ الْخُوبِيّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّة تَتَنَوَّع كَمَا تَتَنَوَّع الْأَعْمَال كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْه اللَّه أَوْ تَحْصِيل مَوْعُوده أَوْ الِاتِّقَاء لِوَعِيدِهِ ... وَلِأَنَّ النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الْإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ )) . اهـ
فتح الباري




منذ فترة كنت أسمع للشيخ أبو إسحاق الحويني تفسير حديث : إنّما الأعمال بالنيات و إنّما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ......

أشار إلى نقطة مهمة .... وهي أنه من كانت هجرته إلى الله ورسوله .... فإن هجرته إلى الله ورسوله .... هذا دليل على عظم ما هاجر إليه ... لأن الجواب أنه هاجر إلى الله ورسوله .....

أما الذي هاجر لدنيا أو إمرأة .... فهجرته إلى ما هاجر إليه ... ولم يكن الجواب .... فهجرته إلى دنياه مثلاً أو إمرأة مثلاً .... وهذا دليل على القيمة المتدنية لما هاجر له ....




وهنا وقفة : فلما كان صلاح النية مقرونا بالإخلاص وبقوله تعالى : " ليعبدوا الله مخلصين " انقطعت كل حجة على من يجعل النية الصالحة في المنكر
لأن الإخلاص لا يكون في المنكر
بل يكون الإخلاص في عبادة الله وحده
فلا يخلص السارق لوجه الله ولا يخلص الوثني ولا الكافر
إذ النية الصالحة مع المنكر باطلة لا يقبل فيها شيء بل هي حجة على صاحبها




وأما النية الفاسدة فهي تلحق الإثم بصاحبها في ظعنه وإقامته
ولو بدا للناس أن العمل صالح


هناك حديث .... عن قارئ القرآن الذي يرائي بقراءته .... وعن المجاهد الذي يبتغي غير وجه الله في جهاده .... وعن المتصدق الذي يتصدق ليقول عنه الناس أنه متصدق .... هؤلاء جميعاً يكبون على وجوههم في النار لأن أعمالهم غير خالصة لله عزوجل .....

الحديث لا أذكره كصيغة .... لكن هذا معناه ....

لذلك كل عمل يجب أن يكون خالصاً لوجه الله حتى تكسب الأجر الأكبر .....

أم ورقة
02-06-2011, 07:16 PM
جزاكِ الله خيراً وثبتنا الله و اياكِ

صرخة حق
02-06-2011, 08:22 PM
أحسن الله إليك

بنت خير الأديان
02-07-2011, 12:18 PM
ذكرتموني بنشيد : طلّوا النشامى

سائر في رحاب الله , أم ورقة , صرخة حق
حياكم الله وبارك في مروركم

مقاوم
02-10-2011, 06:34 AM
أختنا الفاضلة بنت خير الأديان
جزاك الله خيرا على ما خطت يراعك وثبتنا وإياك على الحق وجعل قلوبنا حية متصلة به وأصلحها لنا فبصلاحها يصلح سائر الجسد.

أخي سائر
إليك نص الحديث من صحيح مسلم:
روى مسلم في صحيحة بسنده الى أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد فأُتيَ به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال هو جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه ثم ألقي في النار )رواه مسلم

وهنا إضافة توضيحية من بعد إذن أختنا بنت خير الأديان:
السؤال : ما صحة هذا الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( استفت قلبك ولو أفتاك الناس ) (كتاب الترغيب والترهيب الجزء الثاني، ص 557)؟



الجواب : الحمد لله
أولاً :
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (17545) عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) .
وهو من أحاديث الأربعين النووية ، وقد حسنه النووي والمنذري والشوكاني ، وحسنه الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" (1734) .
وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه حديث وابصة ، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) .
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ) رواه أحمد (29/278-279) طبعة مؤسسة الرسالة ، وصححه المحققون بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط . وقال المنذري : "إسناده جيد" انتهى . "الترغيب والترهيب" (3/23) ، وكذلك قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/251) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2/151) .
ثانياً :
يخطئ كثير من الناس في فهم هذا الحديث ، حيث يجعلونه مطية لهم في الحكم بالتحليل أو التحريم على وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم ورغباتهم ، فيرتكبون ما يرتكبون من المحرمات ويقولون : (استفت قلبك) !! مع أن الحديث لا يمكن أن يراد به ذلك ، وإنما المراد من الحديث أن المؤمن صاحب القلب السليم قد يستفتي أحداً في شيء فيفتيه بأنه حلال ، ولكن يقع في نفس المؤمن حرج من فعله ، فهنا عليه أن يتركه عملاً بما دله عليه قلبه .
قال ابن القيم رحمه الله :
"لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه ، وحاك في صدره من قبوله ، وتردد فيها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك) .
فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا ، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه ، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من نار) .
والمفتي والقاضي في هذا سواء ، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن ، سواء تردد أو حاك في صدره ، لعلمه بالحال في الباطن ، أو لشكه فيه ، أو لجهله به ، أو لعلمه جهل المفتي ، أو محاباته في فتواه ، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة ، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة ، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه ، وسكون النفس إليها" انتهى .
"إعلام الموقعين" (4/254) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"أي : حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز ، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه ، فإن هذا من الخير والبر ، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض" انتهى .
"شرح رياض الصالحين" (2/284) .
فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم ، لا القلب المريض ، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها !
وفي هذا قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"(الإثم ما حاك في نفسك) أي : تردد وصرت منه في قلق (وكرهت أن يطلع عليه الناس) لأنه محل ذم وعيب ، فتجدك متردداً فيه وتكره أن يطلع عليك الناس .
وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً ، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً ، ويكره أن يطلع عليه الناس .
أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون ، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم ، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد ، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً ، فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه ، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن" انتهى .

موقع الإسلام سؤال وجواب

بنت خير الأديان
02-10-2011, 09:31 AM
بارك الله فيكم أخي مقاوم وأحسن إليكم