تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من وحي مصر وتونس: المستحيل ممكن - بقلم كلوفيس مقصود



مقاوم
02-06-2011, 09:43 AM
من وحي مصر وتونس: المستحيل ممكن
كلوفيس مقصود

أين موقع لبنان مما يحصل وأين يجب أن يكون؟ سؤالان تستولدهما الانتفاضتان الملهمتان في كل من تونس ومصر واللتان تشكل كل منهما عملية اختراق وتزرع بذوراً في مختلف أرجاء الوطن العربي، بذوراً لنهضة لطالما استبعدنا حصولها وإذ بها تمكّن جماهير الأمة من القدرة على مواجهة الظلم والاستبداد وشراسة الإفقار وانعدام فرص الطبابة والتعليم والعيش الكريم لأكثرية شعوب الوطن العربي. أما اليوم، فإن عدم اكتراث الانظمة بحقوق شعوبها انتهى، والتقوقعات القبلية والاقليمية والمذهبية والطائفية صار تغييبها في حيز الامكان. عصر التشاؤم الذي لازمنا طيلة العقود المنصرمة انتهى بدوره. قد لا نكون بعد في زمن يجيز لنا التفاؤل، لكن التفاؤل خرج من حيز المستحيل. صارت عروبة وحدة المصير والاستشعار بها الواقعية المتجددة بعدما حاول "الواقعيون" جعلها مجرد "وجهة نظر".

نعم الاجيال الجديدة اقتحمت ساحات العمل القومي وأدخلت الى الخطاب السياسي استقامة العمل الهادف، كما برهنت ثورة الشباب في مصر ان المطالب تفترض الالتزام، وان التعبئة تفترض أخلاقية السلوك وان شرعية الثورة تكمن في احتضان الجماهير لها. وأهم ما ورد في انتفاضتي تونس ومصر هو رسوخ معادلة الاستقواء المتبادل. في الحالتين امتزج الاقناع مع تصميم على الحسم. وفي الحالتين لم يُسمح بالتفرد بأي قرار. كانت القيادة في كلتا الحالتين جماعية تشاورية لكونها صادقة مع نفسها وتدرك ان أهدافها سليمة، لكن سلوكها يكون مرشحاً للخطأ. أدركت قيادة الانتفاضتين حاجتهما الى النقد الذاتي فكان التواضع الذي ميز سلوكها هو ما ألهم – أو ألهب! ملايين المواطنين.

أين موقع لبنان من هذا الذي يحصل، وأين يجب أن يكون؟

ان العمل السياسي في لبنان محكوم الى حد كبير بما يفرزه النظام الطائفي من اختناق وتهميش لمفهوم المواطنة. في مرحلة سابقة طالبنا أن يمنح من هو في سن 18 حق الانتخاب ولكن في ظل النظام الطائفي اعتبر هذا الاقتراح المشروع في تركيبته "غير واقعي" ويقارب تحقيقه المستحيل. وحده المجتمع اللبناني المدني تجاوب مع هذا المطلب الذي من شأنه اخراج اللبناني من سجن الطائفة الى رحاب المجتمع والوطن. وفي ضوء التطورات في مصر وتونس أصبح نظام لبنان الطائفي مرشحاً - كما يجب أن يكون – سريع العطب، أجل صار الانتقال الى ما سعى المجتمع المدني في لبنان اليه مرشحاً لأن يتحقق فينتقل اللبناني من كونه عنصراً في قطيع في طائفة الى مواطن متحرر من رواسب التزمت والتقوقع الكابت. انها فرصة للمجتمع المدني اللبناني وسائر مكوناته ليقتحم ويخرج مفاهيم السياسة من حيز الحرتقة الى ساحة المنافسة على برامج.

ان لبنان الذي كان واحة التفاعل الفكري للعديد من الناشطين العرب عليه ان يدرس تجارب الانتفاضات الرائعة ويساهم، كما فعل دوماً في اثرائها، وأن يطبقها ويستدخلها في لبنان، فتتم الانتفاضة المغيبة ويصير لبنان مساهماً رئيساً كما هو مرشح أن يكون في نهضة عربية رسم ملامحها ما هو حاصل اليوم في مصر التي تستعيد دورها المركزي في ردع اسرائيل عن استباحتها لشعب فلسطين، واستنئاف دورها الجسر بين عرب افريقيا وآسيا واثراء عروبة مستنيرة بعد نحو أربعين عاماً من تهميش الذات تحت عنوان "الواقعية" المزورة.