تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من هو المفسر؟ شروط تفسير القرآن



من هناك
01-12-2011, 02:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالميـن
( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) سورة البقرة ، الآية 32

إن كثيرا من الدارسين المحدثين قد أقحموا في دراساتهم كتبا، هي أبعد ما تكون عن التفاسير، وقاموا بدراسة مباحث رجال هم أبعد ما يكونون عن المفسرين، فارتأيت أن أقوم بدارسة شروط وآداب المفسر حتى تكون نبراسا في اختيار التفاسير التي يعول عليه الإنسان في استنباط مراد الله تعالى من القرآن الكريم.
لقيام أي بحث علمي لابد من توفر شروط نظرية نتطلبها في الباحث الذي يريد خوض غمار الكشف عن الحقيقة وتجليتها. وهذه الشروط التي نشترطها فيه هي ذات بعدين :
البعد الذاتي :
ونعني به الأخلاق والقيم الروحية التي ينبغي أن تتوفر في الباحث، لتؤهله لتحمل أمانة الكشف عن الحقيقة وتجليتها لمن يجهلها من البشر. وقد عبر سلفنا الصالح عما ذهبنا إليه بآداب العالم أو سمت العلماء .
البعد المعرفي :
وهو يتمثل في جملة العلوم المساعدة والضرورية للكشف عن الحقيقة، والتي بدونها تذهب الجهود هدرا ودون جدوى، لأنها لم تتهيأ لها الأسباب الكفيلة بإيصالنا إلى الكشف الحقيقة التي نطمح إلى تجليتها وبيانها. وقد اصطلح العلماء على تسمية هذا البعد المعرفي بشروط العالم. وبالنسبة لمبحث تفسير القرآن الكريم فإن علماء الأمة قد وضعوا أيدينا على جملة آداب وشروط ينبغي توافرها في المفسر حتى يوفر لنفسه الأسباب الموصلة إلى الحقيقة .


شــــــروط المـــفــســر :

إذا تتبعنا الشروط التي اشترط العلماء توفرها في المفسر- والتي اجتهد الإمام السيوطي-رحمه الله- وصاحب كتاب "المباني" في جمعها لنا(1)- لا نجدها تخرج عن هذه الشروط- :
1- اللغة : لأن بها يعرف شرح المفردات ومدلولاتها بحسب السياق.
2- النحو : لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب . فلا بد من اعتباره.
3- التصريف : فيه تعرف الأبنية والصيغ .
4- الاشتقاق : لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما .
5- علوم البلاغة : وهي علوم المعاني والبيان والبديع، لأن المفسر يعرف بالأول خواص تركيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وحفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام. وهذه العلوم هي أعظم الشروط التي ينبغي توفرها في المفسر، ذلك أنه مطالب بمراعاة ما يقتضيه الإعجاز ، وإنما يدرك بهذه العلوم .
والملاحظ أن النصوص الأدبية الرفيعة لا تدرك إلا بالذوق وليس كل من اشتغل بالنحو واللغة وغيرهما يكون من أهل الذوق، وممن يصلح لانتقاد تلكم النصوص. وإنما أهل الذوق هم الذين يشتغلون بعلم البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر، وصارت لهم بذلك دراية وملكة تامة فهؤلاء يمكن الاعتماد عليهم في انتقاد النصوص وتمييزها .
6 علم القراءات وبه نعرف كيفية النطق بالقرآن، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض .
7- أصول الدين : بما في القرآن الكريم من الآيات الدالة بظاهرها على ما يجوز على الله تعالى، فالأصولي يؤول ذلك، ويستدل على ما يستحيل، وما يجب وما يجوز.
8- أصول الفقه : فيه يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط .
9- أسباب النزول والقصص : فبسبب النزول يمكننا معرفة الظروف والملابسات التي واكبت نزول الآية . وبالقصص يمكننا الوقوف على بعض أبعاد ما أجمل في القصص القرآني.
10- الناسخ والمنسوخ : ليعلم محكم آي الذكر الحكيم من غيره .
11- الفقه : حتى تفسر آيات الأحكام تفسيرا صحيحا لا يحيد بها عن جادة الحق والصواب.
12- الإلمام بالأحاديث النبوية الشريفة المبينة والمفسرة لما أجمل وأبهم من آي الذكر الحكيم .
13- علم الموهبة : وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم . وإليه يشير الحديث النبوي ( من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ).(1)
أما بالنسبة للمفسر المعاصر فيتعين إضافة ثلاثة شروط أخرى، وهي :
1- الإلمام التام بعلوم العصر وذلك حتى يمكن أن يعطي للقرآن بعده الحضاري الصحيح فيتحقق مفهوم شمولية وعالمية الدين الإسلامي.
2- المعرفة بالفكر الفلسفي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، السائد والمهيمن على الساحة، وذلك حتى يستطيع دحض كل الشبهات المحاكة حول الدين الإسلامي، وإبراز حقيقة القرآن الكريم وموقفه من كل قضايا العصر، وذلك مساهمة منه في نشر الوعي بحقيقة الإسلام وريادته الفكرية والحضارية.
3- الوعي بمشكلات العصر وأزماته. والمعرفة بها ضرورية لإبراز موقف الإسلام منها وسبل تفاديها وكيفية معالجتها، ولصاحب " كتاب المباني " إشارة لطيفة لهذه النقطة، حيث يقول: " والثالثة أن يكون عالما بأبواب السر من الإخلاص والتوكل والتفويض والأذكار الباطنة التي افترضها الله تعالى، وبالإلهام والوسوسة وما يصلح الأعمال وما يفسدها، وبآفات الدنيا ومعايب النفس، وسبل التوقي من فسادهما ليتأتى له تفسير الآيات المنتظمة لهذه المعاني (1) ".
والمتتبع للشروط المعرفية التي اشترطها علماؤنا ـ من أهل السنة ـ يتضح له أن هذه الشروط وإن كانت كلها معرفية فإنها تنقسم إلى قسمين :
1- شروط معرفية بحتة .
2- شروط منهجية .
وهذه الأخيرة اشترطوا فيها :
أ- تفسير القرآن بالقرآن .
ب- تفسير القرآن بالسنة .
ح - الأخذ بقول الصحابي .
د- الأخذ بأقوال كبار التابعين كمجاهد وابن جبر وسعيد ابن جبير، وعكرمة وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب، وغيرهم ممن تلقى جميع التفسير عن الصحابة رضوان الله عليهم(1).




آداب المـفـســــــر :

وهي ما سميناه بالبعد الذاتي، وللسيوطي قول جامع فيه : " اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي، ولا يظهر له أسراره وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حب الدنيا أو هو على ذنب أو غير متحقق بالإيمان أو ضعيف التحقيق أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم أو راجع إلى معقوله، وهذه كلها حجب وموانع بعضها آكد من بعض. قلت : وفي هذا المعنى قوله تعالى : { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق }(2) . قال سفيان بن عيينة " يقول أنزع عنهم فهم القرآن" أخرجه ابن أبي حاتم "(3).
من هذا القول الجامع للإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ نستخلص جملة آداب يتعين على المفسر التحلي بها وهي :
1- صحة الاعتقاد .
2- التجرد عن الهوى.
3- حسن النية .
4- حسن الخلق .
5- التواضع ولين الجانب .
6- الزهد في متاع الدنيا، حتى يكون عمله خالصا لله تعالى .
7- إعلان التوبة والامتثال لأمور الشرع، والانتهاء عن نواهيه .
8- عدم الاعتماد في التفسير على أهل البدع والضلالة.
9- يتعين عليه أن لا يستكين إلى معقوله، وأن يجعل من كتاب الله أميرا يقتدى به .
وفي هذا يقول الشهيد حسن البنا ـ رحمه الله ـ "ومع هذا التعظيم لقدر التفسير والمفسرين الذين يعلمون فيما أنزلت الآيات وما أريد بها، فإن السلف رضوان الله عليهم، كانوا يتحرون دائما في التفسير ألا تتحكم فيما يفهمونه من الآيات أغراض خاصة، أو أهواء شخصية، أو ظروف طارئة، ولكنهم كانوا يجردوه من كل ذلك حتى يكون القرآن أميرا على تصرفاتهم، ويكون هواهم تبعا لما جاء به رسولهم صلى الله عليه و سلم وهو صريح الإيمان .
ومن هنا كان الكثير منهم يتحرج من التفسير ويخاف أن يقول في القرآن برأيه"
ومن أقوال العلماء يتضح لنا أن التأويل المذموم هو الذي لا يبنى على علم محصل سلفا، يكون أداة المفسر وآلته في تبيان وتفسير القرآن الكريم.