تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أي غد لمسلمي دولة الكاكاو؟



مقاوم
12-30-2010, 08:26 AM
أي غد لمسلمي دولة الكاكاو؟

كتب أ. أحمد عمرو*


302


خاص-"قاوم"
بعد انتخابات طال انتظارها في ساحل العاج، أجلت 6 مرات منذ العام 2005، كان الأمل منها إعادة توحيد البلاد المقسمة واقعيًا منذ العام 2002/2003، أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة أخيرًا فوز "الحسن وتارا" في الانتخابات الرئاسية العاجية خلال جولتها الثانية، بحصوله على نسبة 54,1 في المائة من الأصوات ، لكن المجلس الدستوري ـ أعلى هيئة قانونية في ساحل العاج ـ ألغى هذه النتيجة، وأعلن فوز الرئيس المنتهية ولايته " لوران غباغبو" بنسبة 51,45 في المائة من الأصوات، موضحا أن نتائج التصويت في سبع مناطق من المناطق الشمالية المؤيدة لوتارا ألغيت بسبب ما أسماها تجاوزات انتخابية خطيرة. ولم يقف الأمر عند ذلك بل إن رئيس الوزراء جويلومي سورو أعلن استقالته من منصبه وتأييده لمرشح المعارضة، فيما تعهد الجنرال فيليب مانجو قائد القوات المسلحة بالولاء لجباجبو.

ذلك الخبر الأخير والذي طالعتنا عليه وكالات الأنباء أن هناك دولة تسمى ساحل العاج وأن تلك الدولة أغلبيتها مسلمون وأن مرشح الرئاسة الفائز الفعلي في الانتخابات مسلم، لكنه لا يستطيع أن يمارس مهام منصبه، فلا هو ولا أي شخص مسلم آخر استطاع الوصول لمنصب الرئاسة منذ أن استقلت ساحل العاج عن فرنسا.

هذا ما يدفعنا للحديث عن واقع المسلمين في ذلك البلد الأفريقي الذي ينتج وحده 40 في المائة من محصول الكاكاو في العالم، والمفارقة أن معظم ذلك الإنتاج يأتي من شمال ساحل العاج حيث توجد الأغلبية المسلمة.

هذا ما يدفعنا للبحث عن موقع المسلمين من هذه الأزمة السياسية؟ وما هي الدور الدولي في إدارة ذلك الصراع؟ وقبل ذلك يلزمنا الحديث عن واقع المسلمين في تلك البقعة من الأرض ومعاناتهم في ظل نظام ديكتاتوري عنصري.

مسلمو ساحل العاجل:

يشكل المسلمون حوالي 60% من عدد سكان ساحل العاج البالغين نحو 20 مليون نسمة، ويستقر غالبيتهم في الشمال، ورغم كونهم الأغلبية في البلاد، إلا أنهم لاقوا أبشع صور الاضطهاد؛ سواء في دينهم أو أموالهم وأنفسهم، منذ سقوط دولة القائد المسلم ساموري توري، ودخول الاحتلال الفرنسي أواخر القرن التاسع عشر.

ومعروف أن الإسلام وصل ساحل العاج عن طريق الشمال عبر التجار المسلمين الذين قدموا من غرب إفريقيا وسرعان ما نشطوا في نشر الدعوة الإسلامية في جنوب ساحل العاج .

وبعد ذلك، بدأ الاستعمار يفرض سيطرته على المنطقة خلال النصف الأول من القرن الماضي وفرضت فرنسا سيطرتها على ساحل العاج ، وبالنظر إلى أن الزحف الاستعماري بدأ من الجنوب فقد انتشرت فيه البعثات التنصيرية التي ركزت على التعليم المهني لكي تجذب أبناء البلاد إليها.

وعلى الرغم من أن تعداد هذا الشعب المسلم يفوق 60% من إجمالي السكان، لم تحصل الأغلبية الكاسحة في جنوب البلاد على شيء منذ حصول الاستقلال عن فرنسا عام 1960، بل بقيت السلطة والثروة والنفوذ بيد الأقلية المسيحية طوال عهود "بوانيه" و"روبرت جي" ونهاية "بلوران جباجو"، حاكم الأمر الواقع في البلاد حاليًّا، الـذي وصل إلى السلطة عام 2000 بعد انتخابات مثيرة للجدل، شابها التزوير والتلاعب؛ لحرمان زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق "الحسن ووتارا" من الوصول للسلطة، وتبعتها أعمال تصفية وقتل للمسلمين وإحراق مساجدهم ومؤسساتهم على يد فرق الموت الموالية لـ"جاجبو".

ولا شكّ أن الأوضاع المعقدة التي تمرُّ بها البلاد منذ بداية الألفية الجديدة قد خلقت ظروفًا أمنية وإنسانية شديدة الصعوبة في البلاد، لا سيَّما في تجمعات المسلمين في الشطر الجنوبي من البلاد خصوصًا في العاصمة السياسية ياماسوكورو والعاصمة الاقتصادية أبيدجان حيث تقوم كتائب الموت التابعة للحرس الرئاسي لجباجبو بحملات تصفية ضد المسلمين وتقتل المئات بشكل منتظم، فضلًا عن خطف عشرات المسلمين والربط بين الإفراج عنهم وبين دفع ذويهم في الشمال فديةً كبيرة لإخلاء سبيلهم، متذرعين بدعم المسلمين للانفصاليين في الشمال وتأييدهم لزعيم المعارضة حسن ووتارا.

ولا تكتفي فرق الموت باستهداف عامة المسلمين في ساحل العاج، بل تشنّ حملة التصفية على العلماء والأئمة ومحفظي القرآن سعيًا لإيجاد حالة من الانفصام بين المسلمين ودينهم وإفشال مساعي المؤسسات الإسلامية لتنمية الوعي الديني للمسلمين وإفشال مخططات المنظمات التنصيرية لتجريف هويتهم، وفي مقدمتهم المجلس الوطني الإسلامي العاجي برئاسة الإمام إدريس كودوس كونيه، والذي لا يترك فرصة إلا ويشير فيها للواقع المؤلم للمسلمين في ساحل العاج وشعورهم الدائم بالتهديد وفقدان الأمان بفعل العمليات القذرة ضدهم من قِبل كتائب الموت الموالية لجاجبو.

وسعى الاستعمار الفرنسي في فترة سيطرته على البلاد للتمييز بين المواطنين على أسس دينية حيث سمح لأبناء القبائل المسيحية والوثنية باستكمال تعليمهم في فرنسا، وتبوء الوظائف في البلاد مقابل حرمان المسلمين منها، وكانت تكافئ كل من يرتد عن الإسلام بمنحه الجنسية الفرنسية.

ثم عمل أول رئيس للدولة العاجية "هوفيه بوانييه" على تكريس هذا التمايز الديني، من خلال قسمه أمام بابا الفاتيكان على جعل ساحل العاج تحت راية الصليب ....كما أعلن يوم الأحد وأيام الأعياد الكاثوليكية عطلات رسمية، ورفض الاعتراف بعطلة الجمعة والأعياد الإسلامية، هذا بالرغم من أن المسلمين يشكلون 60 في المائة من إجمالي السكان .

الأزمة العاجية نظرة تاريخية:

مع تنامي الوعي السياسي للعاجيين؛ خاصة بعد سقوط الشمولية مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وما أعقبه من تحركات شعبية ومظاهرات طلابية، لطلب إقرار الديمقراطية وإجراء انتخابات رئاسية تعددية.

أعلن الرئيس العاجي وقتها "بوانيه" الاستجابة للرغبات الجماهيرية وإجراء انتخابات رئاسية نهاية 1990م، ولكي يواجه المنافسين الأقوى أستاذ التاريخ د. لوران جباجبو رئيس الجبهة الشعبية الإيفوارية ذات التوجهات الاشتراكية، ورئيس البرلمان كونان بيديه؛ قام باستحداث منصب رئيس الحكومة، وعهد به إلى المسلم الشمالي الحسن أوتارا الذي كان حينها نائب رئيس صندوق النقد الدولي، وذلك ليضمن أصوات قبيلته الجيولا المسلمة ويكسب تأييد الشمال المسلم.

وبعد فوزه بالانتخابات أعطى بوانيه كثيرًا من الصلاحيات لرئيس حكومته أوتارا، فاستغلها الأخير في عمل إصلاحات اقتصادية واسعة، واستغل موارد البلاد الطبيعية في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وحازت ساحل العاج 40% من حصة إنتاج الكاكاو بالعالم، وارتفع معدل النمو إلى 6%، فيما بلغ متوسط دخل الفرد سنويًّا نحو 2000 دولار.

وبعد وفاة بوانيه سنة 1993م، دعمت فرنسا رئيس البرلمان الكاثوليكي كونان بيديه لتولي رئاسة البلاد، لحين إجراء الانتخابات التي أعلن نفسه مرشحًا لها، ولكي يتجنب الخسارة أمام الزعيم المسلم ورئيس الوزراء الحسن أوتارا، ابتدع ما يعرف حاليًّا في الأدبيات السياسية بـ"الذاتية العاجية"، والتي لا تعطي الحقوق السياسية كاملة، إلا للمواطنين "أنقياء" الجنسية، والهدف هو استبعاد أوطارا من خوض الانتخابات الرئاسية بدعوى أن أمه تحمل جنسية بوركينا فاسو.

واستمر حكم بيديه ست سنوات عجاف، تدهورت فيها الأحوال الاقتصادية والاجتماعية خاصة بالشمال المسلم؛ وذلك نتيجة الفساد وتفشي المحسوبية وقمع المعارضة، فجاء الانقلاب الأول نهاية 1999م على يد رئيس أركان الجيش الجنرال روبرت جيه وبدعم شعبي كبير في الشمال والجنوب، ما أجبر بيديه على الهروب إلى باريس التي منحته حق اللجوء السياسي.

وشهدت البلاد في رئاسية جيه المؤقتة فترة هادئة عسكريًّا وساخنةً سياسيًّا، بما حفلت به من مناورات للتحايل على حقوق مسلمي الشمال في ترشيح الحسن أوتارا، باستدعاء بدعة الذاتية العاجية من جديد، وهو ما تم انتخابات أكتوبر سنة 2000م، والتي شهدت تلاعبًا وتزويرًا فاضحًا، حتى يفوز جيه برئاسة ساحل العاج.

ولم يتول الرئاسة بعد الانتخابات سوى يوم واحد، قبل أن يدعو منافسه لوران جباجبو إلى انتفاضة شعبية، وقام بالتنسيق مع قيادات الدرك (الجيش العاجي) والشرطة لدعمه في إسقاط جيه وتنصيبه رئيسًا البلاد؛ وهو ما تم بسرعة ملحوظة مع دعم القوات الفرنسية التي بادر جباجبو لإعلان الولاء لبلادها.

وطالب الزعيم المسلم الحسن أوتارا بإعادة الانتخابات التي تمت بعيوب دستورية، إلا جباجبو تحايل على الدعوة، ووعد المسلمين بإجراء تعديلات دستورية وإصلاحات اقتصادية، تمكن كافة العاجيين من خوض الانتخابات، وترفع المستوى المعيشي لأهل الشمال.

وحظيت وعوده بموافقات مسلمة، لم يستثمرها جباجبو في تحقيق الوحدة الوطنية، ولكنه تحايل للالتفاف عليها، ورفض إلغاء مبدأ الذاتية العاجية، ليستبعد أوتارا من الانتخابات التشريعية، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه حزب التجمع الجمهوري بقيادة أوتارا في الانتخابات البلدية.

وأمر جباجبو بتشكيل حكومة جديدة استبعد الشماليين منها، وكانت القاضية في سبتمبر سنة 2002م حين سرح أكثر من 800 جندي وصف ضابط من الجيش معظمهم من مسلمي الشمال؛ ما دفع الشماليين لإعلان العصيان والانقلاب.

ونجحوا في زمن قياسي من السيطرة على نصف البلاد، وأهم مدينتين وهما بواكيه وكورجوهو ذات الأغلبية المسلمة، وكانوا على وشك السيطرة على العاصمة ياماساكرو، إلا أن القوات الفرنسية حالت دون ذلك.

وقد أعلن قادة الانقلاب تشكيل جبهة سياسية أطلق عليها اسم الجبهة الوطنية لساحل العاج برئاسة جيوم سورو (مسيحي)، وإعلان الضابط (شريف عثمان) قائدًا للجناح العسكري للجبهة.

وطالب الشمال المسلم بتعديل الدستور خاصة المادة 35 بشأن هوية المرشحين، وإجراء انتخابات وطنية، يشارك فيها الجميع دون تمييز، مع وضع حد لسيطرة الجنوبيين على شئون البلاد، وتجاهل الأغلبية المسلمة.

وواجه جباجبو طلبات الشمال المسلم بمزيد من العنف والتنكيل، وعاونته القوات الفرنسية في ضرب القوات الشمالية، فيما شكل جباجبو ميليشيات عسكرية باسم (كتائب الموت)، من أفراد حرسه الخاص، وأبناء قبيلته (البيتي)، فارتكبت أبشع المذابح في صفوف المسلمين، وحاولت اغتيال الزعيم أوطارا، إلا أن أنصاره استطاعوا تهريبه ليحتمي بإحدى السفارات الغربية، بعد قتل نحو 50 مسلمًا من معاونيه.

ومع تواصل الحرب الأهلية تيقن جباجبو من عجزه عن دحر جيش الشمال، فاستجاب للضغوط الإقليمية بوقف القتال وتوقيع اتفاقية بالعاصمة البوركينية واجادوجو نهاية عام 2007م، والتي تم بموجبها تنصيب جيوم سورو رئيسًا للوزراء، على أن يتم انسحاب المسلحين إلى ثكناتهم، ودمج جنود الشمال والجنوب في جيش وطني، تمهيدًا لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في يونيو عام 2008م.

وتحايل جباجبو بكل الطرق لتعطيل الانتخابات، وواصل تشدده في استبعاد ما يقرب من 2 مليون عاجي مسلم من حق التصويت، بعد أن أدرك استحالة الاستجابة لمطالبه السابقة بإلغاء إدراج نحو 6 ملايين مسلم من الاقتراع بحجة أصولهم البوركينية، وذلك في سبيل تغيير المعطيات الحالية التي تؤكد أن الانتخابات القادمة لن تكون في صالحه.

وتعددت حجج التأجيل من موعد لآخر، حتى قام جباجبو أواسط فبراير الماضي بإقالة حكومة جيوم سورو وحل اللجنة الانتخابية، ما تبعه احتجاجات شعبية واسعة صاحبها اعتداء الجيش العاجي على المتظاهرين وإثخان صفوفهم بالقتلى والجرحى، قبل الإعلان عن تأجيل جديد للانتخابات التي كانت مقررة في شهر مارس الماضي.

وكشف وزير الدفاع نهاية الشهر عن حجة جديدة هي طلب نزع السلاح الكامل من جنود الشمال؛ الأمر الذي رفضه الشماليون، وأكدوا التزامهم بالاتفاق السابق الذي يقضي برجوعهم فقط إلى ثكناتهم حتى يتم إجراء الانتخابات قبل دمج من تنطبق عليه شروط التجنيد في الجيش الوطني العاجي.

الموقف الدولي والإقليمي من الصراع ودلالاته:

المتابع للردود الأفعال الدولية على نتيجة الانتخابات يلحظ بشكل واضح انحياز المؤسسات الدولية لنتائج الانتخابات المعلنة وهو ما يعني فوز الحسن وتارا، ومع كون الفائز من الأغلبية المسلمة، فهل يعني ذلك الانحياز إرادة من المجتمع الدولي لرفع الظلم عنهم، أو على أفضل تقدير أن الشرعية الدولية استيقظت لتؤيد حرية الشعوب في اختيار حكمها؟

هذا السؤال سنحاول الإجابة عليه، وقبله سنستعرض مواقف القوى الدولية من الاعتراف بنتائج تلك الانتخابات...فقد أكد مبعوث الأمم المتحدة إلى ساحل العاج" يونج جين شوي" أن الانتخابات جرت في أجواء ديمقراطية بشكل عام، موضحاً أنه حتى إذا أخذت في الاعتبار المخالفات المفترضة فإن النتيجة لن تتغير، ورأى أن قرار المجلس الدستوري ليس له أساس واقعي..

ـ أما الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، فقد بعث بالتهنئة إلى وتارا بمناسبة فوزه وطلب منه العمل من أجل إحلال سلام دائم واستقرار ومصالحة في ساحل العاج، كما دعا "غباغبو" إلى أن يفعل ما يجب أن يفعله لخير بلاده والتعاون من أجل عملية انتقالية سياسية بدون صدامات.

ـ كذلك مجلس الأمن الدولي، دان كل جهد يبذل للإطاحة بإرادة الشعب، في تحذير واضح إلى الرئيس المنتهية ولايته، "لوران غباغبو"، كما لوَّح بعقوبات ضد كل مَن يهدد عملية السلام في ساحل العاج..

ـ كما هنأ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "باراك أوباما " "الحسن وتارا" بـمناسبة فوزه ودعا "غباغبو" إلى الاعتراف بنتيجة الاقتراع واحترامها، أما غير ذلك فإن الولايات المتحدة كما جاء على لسان "جوني كارسون" مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، ستؤيد فرض عقوبات على "غباغبو" وعائلته والذين يدعمون وضعه غير القانوني .

ـ من جانبه طلب الرئيس الفرنسي " نيكولا ساركوزي" من "غباغبو" احترام إرادة الشعب، وعمل على تهنئة "الحسن وتارا"..

ـ فيما الاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات على " لوران غباغبو" تحرمه من إمكانية الحصول على تأشيرة دخول بلدان الاتحاد الأوروبي وتجمد أصوله المالية. هذه العقوبات تطال أيضًا كل من يعرقل مسار المصالحة الوطنية في ساحل العاج، لا سيما الذين لا يحترمون نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ـ كذلك أعلن المدير العام لصندوق النقد الدولي" دومينيك ستروس" أن مؤسسته لن تتعامل مع حكومة في ساحل العاج لا تعترف بها الأمم المتحدة مثل حكومة "لوران جباجبو".

ـ أما الإتحاد الإفريقي، فقد علق عضوية ساحل العاج، وأن هذا التعليق سيظل سارياً حتى الاعتراف بـ"الحسن وتارا" رئيساً دون منازع.

ـ من جانبها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) دعت " غباغبو" من أجل قبول النتائج التي منحت الفوز لزعيم المعارضة "الحسن واتار"، وعملت على تعليق عضوية ساحل العاج بالمجموعة.

نستطيع أن نقول: إن الضغوط الأمريكية وإجراءاتها السياسية كانت هي العامل الأبرز في ظهور رأي عام دولي مؤيد لـ(واتار)، فما الذي يدفع أمريكا لدمع وتارا؟

تشير العديد من التقارير أن وتارا من الشخصيات المقربة من الإدارة الأمريكية خاصة أن كان يشغل منصب نائب رئيس صندوق النقد الدولي، وفي أثناء حكم (بوانييه) لساحل العاج جاء بـ وتارا رئيسًا للوزراء استرضاءً لأمريكا، لتخفيف ضغطها الذي كان ملحوظًا، ومحاولة لاستقطاب المسلمين إلى جانبه، وكانت فرنسا تدرك ميول الحسن وتارا خلال وجوده في صندوق النقد الدولي ولكنها لم تكن تخشاه مع وجود عميلها القوي المحنك (بوانييه)، وفي الوقت نفسه تهدئ من ضغوط أمريكا... لكن عند وفاة بوانييه عام 1993 خافت فرنسا على نفوذها وصعود نجم الحسن وتارا الذي بدأ يطبق سياسات صندوق النقد الدولي هناك، فأتت برئيس البرلمان هنري كونان بيديه ليرأس البلاد فترة انتقالية وليصدر قانونا يحول دون دخول الحسن وتارا الانتخابات الرئاسية ومن ثم لينصب نفسه رئيسا فعليا للبلاد عام 1995.

كل هذا يدل على أن الحسن وتارا بقي محافظاً على ولائه لأمريكا منذ أن كان في جهاز صندوق النقد الدولي، ولهذا دعمته أمريكا حيث اعتبرته هو الفائز وهو الرئيس الشرعي للبلاد، وأوجدت رأيا عاما دوليا مؤيدًا له.

الصراع الفرنسي الأمريكي على كعكة الكاكاو:

لا تستطيع عين ناظر أن تخطأ الصراع الغربي للسيطرة على ساحل العاجل ـ المصدر الأول للكاكاو في العالم ـ بين الاستعمار الفرنسي القديم والهيمنة الأمريكية الجديدة.

لقد بدى من الواضح أن هناك رغبة أمريكية بإخراج ساحل العاج من النفوذ الفرنسي ووضعها تحت نفوذها. ولذلك بدأت ساحل العاج تشهد اضطرابات وقلاقل بسبب هذا الصراع.

فشهدت انقلابا عسكريا في نهاية عام 1999 ووعد رئيس الانقلاب روبرت جيه بانتخابات جرت بالفعل في 22/10/2000، استطاعت فرنسا خلالها أن تبقى ممسكة بالحكم بتوصيل عميلها لوران غباغبو في الانتخابات رغم الوسائل الأمريكية المضادة.

ومع ذلك لم تهدأ الأساليب الأمريكية ووسائل الضغط المختلفة لدرجة خشيت فرنسا من سقوط غباغبو في الانتخابات التالية، ولذلك فعندما انتهت ولايته في 2005 أجّل إجراء الانتخابات لستّ مرات حتى جرت هذا العام بسبب الضغوط الأمريكية المتزايدة عليه وعلى نظامه وما تفرضه عليه من عزلة دولية وعقوبات، فكانت الجولة الأولى في نهاية أكتوبر الماضي، والجولة الثانية في نهاية الشهر المنصرم 28/11/2010.

فأمريكا وجدت في أزمة الانتخابات الرئاسية في ساحل العاج فرصة لتوطيد نفوذها داخل تلك الدولة عبر الوقوف مع الطرف الأقوى، فواشنطن تسعى لاختراق مناطق النفوذ الفرنسي وتحويلها إلى مناطق نفوذ أمريكية. وحيث أن ستين في المائة من رجال الأعمال في ساحل العاج هم فرنسيون ، فإن واشنطن رأت في الأزمة المتصاعدة فرصة لإجبار هؤلاء على الرحيل خاصة وأنهم مرتبطون في عيون المسلمين بأنهم سبب نهب خيراتهم.

ـ في حين تحاول فرنسا استعمال ورقة جيشها الموجود في ساحل العاج والجيش العاجي نفسه الذي لفرنسا النفوذ القوي فيه، وتحاول فرنسا استعمال هذه القوة العسكرية كورقة ضاغطة للقبول بصفقة ما تحفظ لها بعض الوجود في ذلك البلاد الفرانكفوني. وقد تحرَّك الإنجليز لصالح فرنسا عن طريق عملائهم في أفريقيا في هذا الاتجاه، فحركوا جنوب أفريقيا التي دعت في بيان أصدرته وزارة خارجيتها قالت فيه: "إن بريتوريا تدعو القادة المتنافسين إلى ضبط النفس والعمل من أجل المصالحة الوطنية، وأن تكون الوحدة هي الأولوية المطلقة خلال هذه الفترة". (هيئة الإذاعة البريطانية 9/12/2010)، فجنوب أفريقيا لم تعلن تأييدها للحسن وتارا، بل تدعي أنها تهتم بوحدة البلاد وإلى إيجاد المصالحة التي تعني المحافظة على بقاء غباغبو في الحكم. وفي هذا الإطار يأتي تحرك ثابو ميبكي رئيس جنوب أفريقيا السابق لإيجاد هذه المصالحة، وهو تحرك باسم الاتحاد الأفريقي شكلا... وبعد لقاء مبيكي مع الحسن وتارا لمدة نصف ساعة خاطب وتارا مبيكي قائلا: "أطلب منه (أي من مبيكي) أن يطلب من لوران غباغبو عدم التمسك بالسلطة" (أ.ف.ب 6/12/2010) ما يدل على أن مبيكي لا يعمل على تنحية غباغبو وإنما على تثبيته. وما يؤكد ذلك تصريح مبيكي نفسه عقب هذا اللقاء عندما قال: "الوضع خطير جدا، والمهم تفادي أعمال العنف وعدم العودة إلى الحرب وإيجاد حل سلمي".

أي بالنسبة لمبيكي ليس المهم تنحي غباغبو والإتيان بالحسن وتارا كما تريد أمريكا وتصر عليه، وإنما المهم تفادي العنف وعدم الحرب التي ستقوض النفوذ الفرنسي، وإيجاد حل سلمي. وهذا يعني إيجاد صيغة تصالحية بين غباغبو وبين وتارا.

مستقبل الصراع في ساحل العاج وموقع المسلمين منه:

وهكذا فإن المشكلة الانتخابية في ساحل العاج هي مشكلة صراع دولي طرفاه البارزان فرنسا وأمريكا. ومن يتتبع ما يجري في ساحل العاج، والرأي العام الدولي الذي استطاعت أمريكا تحريكه ضد غباغبو، يجعل أمريكا تجد الفرصة سانحة لعدم الموافقة على الدخول في صفقة ما مع فرنسا، آملةً تنحية غباغبو واستلام الحسن وتارا حليفها السلطة، هذا على الأقل هو المتوقع في المدى المنظور. لكن هذا لا ينفي احتمال الصفقة....

إن أمريكا ترى فيما يجري فرصة لاحت لها لأن تأخذ دولة أفريقية بالانتخابات دون انقلاب عسكري، فهذا الوضع يمنح أمريكا ذرائع أصدق ليجعلها تتبنى عملاءها علنا وتدافع عنهم لأنهم يُحسَبون بأنهم شرعيون جاءوا بإرادة الشعب عن طريق الانتخابات، فلا يستطيع أحد أن يلومها ويتهمها بأنها تدعم نظما ديكتاتورية فيما لو جاء عملاؤها عن طريق انقلابات عسكرية.

وهكذا فإن المتوقع هو أن لا تتخلى أمريكا عن ضغوطها وتهديداتها لغباغبو وكذلك عروضها عليه لأن يتنحى.

فالإدارة الأمريكية برئيسها وبوزيرة خارجيتها وغيرهما من موظفيها ألقوا بكل ثقلهم في هذه القضية حتى وإن استعمل السلاح والاقتتال الداخلي. فهي تتمسك بورقة نجاح وتارا وتسنده بكل قوتها حتى تقعده على كرسي الحكم لتتمكن من بسط نفوذها هناك. فقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قائلة: "نحن متفقون بشكل كامل على أن الحسن وتارا هو الرئيس المنتخب بشكل شرعي لساحل العاج وأنه يحترم نتائج الانتخابات".

ويظهر أن أمريكا هذه المرة ستنجح في ذلك، وعليه فمن المحتمل أن ترفض أمريكا صيغة تقاسم السلطة المقترحة بأن يكون الرئيس هو جباجبو، ويكون الحسن وتارا رئيسًا للوزراء. حتى لو تطلب ذلك الدخول في حرب في تلك البلاد ويدل على ذلك رفض القوات الدولية الرحيل من ساحل العاج بعد طلب جباجبو منها ذلك.

وبين أمريكا وفرنسا يترنح المسلمين، حيث لا وجود لبعد إسلامي أو عربي في دعم تلك الأغلبية المضطهدة في ساحل العاج، ويقع العبء الأكبر على الشعب العاجي المسلم وحده للاستفادة من تلك المتناقضات الدولية للحصول على أكبر قدر من المكاسب.

كاتب إسلامي مصري.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"

من هناك
12-30-2010, 02:49 PM
لا مستقبل لهم إلا بالعودة للبحث عن مكمن القوة وترك الواتارا وغباغباو فكلاهما وجه آخر لنفس العملة العميلة