تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل هي أزمة موارد



فـاروق
12-12-2010, 07:56 PM
هل هي أزمة موارد؟
بقلم: جمال بسيسو
[email protected] ([email protected])
يشعر بعض الناس بأنهم مقيدون، وأن العجز يقعدهم عن المضي قدما لتحقيق ما يصبون إليه، فتتسلل الكآبة إلى نفوسهم، ويتملكهم الحزن، وتنتابهم نوبات من السخط وعدم الرضا. ولو أننا أجرينا حوارا مع هذا البعض حول أسباب ما يشعرون به من قيود وعجز لوجدنا أنها تنصب في سببين أساسيين: السبب الأول وهو خاص بذات الشخص وإمكانياته ويتمثل بقلة أو انعدام الموارد على اختلاف أنواعها، والسبب الثاني وهو متعلق بعدم القدرة على التفاعل المثمر مع المحيط بالرغم من وجود الموارد وتوافرها.

وقبل الخوض في هذين السببين ومدى وجاهتهما دعونا نقرر بداية أن ما نصبو إليه يجب أن يكون مشروعا في ذاته، وأن تكون وسائله كذلك، كما يجب أن تكون النية فيه خالصة لله، وذلك أمر مهم جدا لأن مشاعر العجز لا يجب أن تنتاب من فشل في صفقة تجارية بمواد محرمة كالخمور مثلا، وكذلك فإن الشعور بالقيد لا يجب أن يتطرق إلى من لم يحصل على مراده في علاقة غير مشروعة، أيضا فإن من كذب وخان من أجل أن يصل إلى منصب ما وفشل في مبتغاه لا يجب عليه أن يحزن، وحتى هؤلاء الذين فشلوا بالرغم من أن أهدافهم ووسائلهم كانت مشروعة، إلا أن مقصدهم لم يكن لله، لا يجب عليهم أن يتملكهم عدم الرضا. كل هؤلاء يجب أن يصححوا النوايا والأهداف والوسائل، لا أن ينتابهم الحزن ويفكروا في أسباب الفشل، فالفشل في الشر خير بذاته، ولا بد من استثماره.

الآن نعود مرة أخرى إلى السببين لنحللهما ونرى مدى صدقيتهما. يلخص السبب الأول المشكلة بأنها أزمة موارد، بينما هي في السبب الثاني عبارة عن صيغة تفاعل مفقودة أو مجهولة وبدونها لا يتم الوصول إلى المأمول.

لقد خلق الله تعالى البشرية، وساوى بينها في أهم موردين ومقدرين منحهما إياها، وهما الأوقات باعتبارها تشكِل مادة الحياة، والأنفس وما تحتويه من طاقات عقلية وبدنية وروحية. كلا الموردين يتساوى فيهما جميع البشر الأحياء، ومنهما تنبع وعنهما تصدر كل الموارد الفرعية الأخرى المحسوسة وغير المحسوسة من مال وعلم ومعرفة وغير ذلك.

لقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذين الموردين في سورة قال فيها الشافعي "لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم"، وهذه السورة هي سورة العصر وقد قال فيها سبحانه "وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)" فالعصر هو الوقت وهو يمثل المورد الأساسي الأول للبشرية جمعاء، ثم يأتي الإنسان ذاته كمورد أساسي ثان وما يتضمنه من طاقات وقدرات.

ومن هنا يتهاوى السبب الأول في أن الأزمة هي أزمة موارد، إذ أن البشرية كلها تنعم بموردي الأوقات والأنفس، ومن الأدلة المحسوسة على بطلان السبب الأول هو تلك الرفعة التي وصل إليها المسلمون الأوائل كأمة وأفراد، بالرغم من أنه لم يكن لديهم من موارد إلا ما امتلكه الآخرون من أنفس وأوقات بالإضافة إلى رمال الصحراء! إن كان بوسعنا أن نعتبر ذلك موردا!
ولكن يحق لنا أن نتسائل هنا ما الذي جعل من هذين الموردين المجردين أعظم مولدين لموارد المال والرفعة والعلم والحضارة والفن والتطور والرقي لأمة الإسلام والمسلمون فيما مضى؟ وما الذي جعل الخسران هو النتيجة العامة الغالبة لمعظم البشرية "إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)" مع أنه سبحانه وبتمام عدله ورحمته لم يفرق بين أحد من أبناءها فيما أعطاهم؟

للإجابة على هذين السؤالين لا بد من تدبر بقية الآيات من سورة العصر، حيث يقول سبحانه: "إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)"، فالإستثناء الوحيد للنجاة من وادي التهلكة والخسران الذي تتيه فيه معظم البشرية هو تسخير الموردين الأساسيين الأوقات والأنفس للتفاعل التام مع المحيط وفق الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر ودون أن ينقص أي أمر من هذه الأربعة، فكلها تكمل وتتمم بعضها. فالإيمان هو اعتقاد بالجنان، والعمل الصالح هو نطق باللسان وعُمل بالأركان، والتواصي بالحق هو تعميم للخير إلى الجماعة وعدم الاستئثار به، أما التواصي بالصبر فهو للتثبيت على الاستمرار في الطريق مهما كثرت العوائق والعراقيل.

إنها أشبه بمعادلة رياضية لا تنخرم، وصيغة علمية مسبوكة من لدن رب العالمين للتفاعل مع المحيط، تؤدي بمن يتبعها إلى النجاح في تحقيق المأمول، وتكسبه المناعة من الاصابة بأي حزن سلبي، أو شعور بالعجز أو القيد في حالات الفشل الخارجة عن الإرادة.

هذه الخلاصة تقودنا مرة أخرى إلى التأكيد على أنها ليست أزمة موارد، تستحق أن يتقاتل الناس من أجلها ويتباغضون، أو يشعروا بالتعاسة والحسد حينما لا يحوزونها، إنما هي إزمة فقدان للصيغة الصحيحة لتفعيل الموردين الأساسيين مع المحيط من أجل الوصول إلى المراد.

ومن عظمة وشمول هذه السورة، وما حوته من أسرار وعبر لا تنفد إلى يوم القيامة، أن تلك الصيغة العظيمة للنجاح تنطبق على كافة مناحي الحياة وسياقاتها المختلفة الفردية المتعلقة بالأسرة والوظيفة والدعوة وغير ذلك، والجماعية المتعلقة بالأمة ككل.

والملاحظة الهامة هنا هي ضرورة أن يتم انتقاء وتفعيل ما يناسب السياق ومقتضى الحال والدور المناط بصاحبه من عناصر وتفرعات أركان النجاح الأربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.

ومن الأمثلة على ذلك أن إيمان المجاهد بما ينتظر الشهيد من كرامة هو الذي يجب أن يٌفعَل في نفسه، بينما إيمان الطالب بأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم هو ما يجب أن تستحضره نفسه، كما أن العمل الصالح للموظف في تطوير عمله من أجل خدمة الناس يجب أن يختلف عن العمل الصالح للأم في رعاية زوجها وأبناءها، أما عن التواصي بالحق فما يكون بين العالم في المسجد وجمهور المصلين لا بد أن يختلف في مادته واسلوبه عمَا يكون في القصر بين الحاكم ووزراءه المؤتمنين إلا ما كان من خطاب عام، وكذلك الحال بالنسبة للتواصي بالصبر فمن ابتلي بالسراء يوصى عادة بالصبر على الطاعات، وبالصبر عن المعاصي، ومن ابتلي بالضراء يوصى بالصبر على الشدائد والكرب حتى تنجلي.

وفي الختام، لا عجب أن نقرأ أنه قد جاء بالأثر الصحيح عَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ قَالَ: كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ". فيا لها من صيغة عظيمة للنجاح لو أننا عملنا بها!

من هناك
12-13-2010, 05:21 AM
شكراً لك اخي فاروق على هذه الإضافة الطيبة. ما شاء الله عليك فاتحة مهمة جداً لعودة مباركة إن شاء الله

على الصعيد الشخصي، النجاح بحاجة إلى ارادة وعزم وثبات ولا يمكن ابداً للشخص ان ينجح بدون ان يتعب وان يعرق. إن الذي يولدون وفي فمهم ملعقة من حديد قليلون (واقل منهم من يولدون وفي فمهم ملعقة ذهب). على الرجل ان يؤمن بأن رزقه آتيه لا محالة وانه لن ينال ما يحب إلا بأن يضحي بما يحب. كان معاوية رضي الله عنه يقول: "من اراد العظيم ضحى بعظيمه".

على الصعيد العالمي، سأخذ مشكلة واحدة فقط (وإن كان في الأمر خروج على الموضوع الأصلي - عفواً). مشكلة الجوع ليست في الموارد ابداً بل هي في طريقة تعامل الإنسان مع هذه الموارد. هناك موارد تكفي لكل البشر لو احسن الإنسان إستخدام ما لديه. الطعام الذي يهدر فقط في امريكا الشمالية يكفي لإطعام كل جياع الأرض. إن معدل الوجبة في هذه البلاد لا يقل عن 700 غرام للشخص الواحد واكثر من نصفها يرمى في الزبالة. لو اخذنا ثمن الطعام المهدور وحولناه لأولئك الفقراء لما تذكروا ابداً ابتلاء الجوع.

إن الأموال الخيالية التي تتراكم في البنوك وتدور في البورصة تعادل حوالي 5000 مليار دولار ناهيك عن الأموال غير المنقولة من عقارات واوراق مالية ومعدات وما إلى ذلك. كم هي نسبة زكاة هذا المبلغ سنوياً؟ النقود فقط تعطيك 125 مليار دولار سنوياً (دون احتساب زكاة المشتقات المالية المحرمة طبعاً) والعقارات تعطي ما لا يقل عن 500 مليار دولار سنوياً؟

هل يحتاج جياع العالم لأكثر من هذا؟

مقاوم
12-13-2010, 06:14 AM
لفتات طيبة جزاكما الله خيرا.