تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وثيقة سرية هامة جدا مكتوبة عام 1917 تؤكد أن أفغانستان عصية على الغزاة



من هناك
11-21-2010, 03:15 PM
في كتاب : " الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية " للمؤلف نجدة فتحي صفوة (والكتاب متاح على الانترنت حتى جزءه السابع)
هناك وثيقة عالية الأهمية تشابه الظروف التي نعيشها اليوم ..
كاتب الوثيقة ضابط بريطاني أعدها لوزارة الخارجية في تلك الفترة .
وعمل مقارنة بين الجزيرة العربية وأفغانستان كمكان للعمل ضد المسلمين ووحدتهم ..
وخلص إلى نتيجة أن أفغانستان مكان لا يمكن تحقيق النصر فيه

وأهم ما جاء فيها هو ما يلي :
ولذلك فمن المهم أن لا يكون القطر الذي يتجه إليه المسلمون أفغانستان. وعلينا لذلك أن نخلق دولة أكثر ملاءمة لأنفسنا تتجه إليها أنظار الإسلام. وعندنا فرصة حاضرة في جزيرة العرب.
من الناحية الستراتيجية: أفغانستان في وضع صالح للقيام بعمل هجومي ضد الهند.
ومن الناحية السوقية: أفغانستان يصعب الهجوم عليها.
من الناحية السوقية: جزيرة العرب مفتوحة لهجومنا من كل جهة عدا الشمال.
سياسياً: أفغانستان يصعب ضبطها.
سياسياً: جزيرة العرب يمكن ضبطها والتأثير عليها تماماً إذا تحققنا من أنها لا تنظم سياستها أية دولة أخرى. هذا من حقنا أن نصر عليه.
جغرافياً: أفغانستان في وضع صالح لتجميع العناصر المعادية لنا حولها.
جغرافياً: جزيرة العرب في وضع مثالي لتجزئة هذه العناصر، ويكون ذلك أكثر إذا تركزنا في بغداد.
لذلك من مصالحنا ولسلامتنا أن نقوم إذ أمكن بتوجيه أنظار العالم الإسلامي إلى جزيرة العرب.



أعدها: الكابتن براي

جدة في 25 آذار / مارس 1917
"أرى لذلك أن المعلومات المفصلة الموضوعة في يدنا من خلال رسائل عبيد الله مضافاً إليها تصريح عبد الحق تبرر وتتطلب جهداً من جانب الحكومة (البريطانية ) لهدم طرق المواصلات والدسائس التي ظهرت لنا، وكبت بعض الأشخاص المهمين ذوي العلاقة لخير المجتمع بأسره ولأجل السلام وأمان الإمبراطورية ". (مقتبس عن مذكرة للسير شارلس كليفلاند عن أنجمن خدّام كعبة).
لقد اخترت الفقرة المتقدمة توطئة لمذكرتي لأنها تلخص بكلمات قليلة غايتي من تقديمها.
أدرك تماماً أنه ليس من شأني انتقاد عمل الحكومة أو سياستها، حتى إذا كنت مؤهلاً لذلك، وأنا لست كذلك. وإذا بدا أنني أفعل فأطلب الصفح لأنه ليس لي رغبة متعمدة في هذا الخصوص. إنما هذه محاولة جدية، ومحاولة خصوصية خالصة، للمساعدة بطريقة صغيرة للحفاظ على إخلاص وثقة الأكثرية العظمى لأعضاء إمبراطوريتنا، وفي الوقت نفسه للمحافظة ضد بعض التجمعات التي قد تكون قوة محتملة وخطراً حقيقياً لنا في عهد لاحق.
إن الجهد ضدنا ليس منحصراً في الهند وحدها، كما يعترف بذلك بوضوح السير كليفلاند في تقديره لمؤامرة الرسائل "الحريرية" التي نقلت مقتبساً عنها في رأس هذه الصفحة.
إنها منتشرة في منطقة واسعة، بل في العالم الإسلامي كله. ولذلك يجدر بنا، لأجل المحافظة على أنفسنا، أن ندرس ونراقب بدقة الأحداث في إيران وأفغانستان وتركستان وجاوة وبلاد العرب فضلاً عن مراقبة وضعنا الداخلي نفسه.
ولا بد من الاعتراف بأن الحركة مستمرة منذ سنوات عديدة، وقد حصلت على أتباع عديدين، وأصبحت مثلاً أعلى لألوف من أبناء الجيل الحديث، أولئك الذين تشربوا بالأفكار الإسلامية في التعليم.
صحيح أنها ليست لديها سياسة معينة قاطعة تجاه الأغلبية الواسعة، فهي في الوقت الحاضر مجرد شعور لدى الجماهير، وعبارة عن أوهام، ولكن الزمن سيجعله أكثر موضوعية. وحالما يصبح للحركة في عقول المسلمين بصورة عامة هدف واضح، وأمل، وطموح، فإنه يصبح خطراً حقيقياً وعاجلاً. ولن يكون بالضرورة خطراً في حد ذاته، كعامل عسكري، بل سلاحاً، وسلاحاً قوياً جداً، بأيدي أي عدو في المستقبل. وحتى في هذه الحرب الحالية سببت لنا المسألة الإسلامية قلقاً كثيراً جداً. ولكنها في هذه المرحلة لا تزال مفككة، وليس لديها أي تنظيم حقيقي، والمستقبل قد يعالج أو يحسن كلا هذين الخللين. فإذا كنا في ذلك الوقت قد سببنا نفرة الشعور الإسلامي، فإننا نتعرض لخطر شديد إذ نكون عاجزين عن معالجة ذلك الخطر بالطريقة التي سرنا عليها خلال الاضطراب الحالي، وساعدنا فيها قدر كبير من الحظ.
لا يمكننا أن نأمل أن نقضي بإجراءات قمعية في الهند وبلاد العرب أو مكان آخر على العناصر التي تؤلف مادة خطرة. ولا يمكننا أن نأمل أن نزيل بإجراءات شديدة حركة كهذه عميقة الجذور ومنتشرة في ميدان واسع، أكثر من أن نأمل أن نقضي بإجراءات مماثلة على الحركة الاشتراكية في أوروبا. إن الإجراءات القمعية الخالصة تدفع بالحركة إلى العمل السري لا غير، ونحن نعقد خيوطها. والاعتقالات بالجملة لا تفعل أكثر من التخويف آنياً ثم تؤدي إلى سخط أكبر، بينما هؤلاء المعتقلون ينظر إليهم كشهداء في سبيل قضية نبيلة ويجتذبون بقضيتهم أشخاصاً أكثر إلى الميدان ضدنا. أما أولئك الذي يعملون في أقطار لا رقابة لنا عليها، أو لنا رقابة قليلة، فيكونون أكثر تصميماً في محاولاتهم.
لذلك فالنقطة التي أرغب في التأكيد عليها هي إن الحركة قد استقرت استقراراً قوياً في أذهان المسلمين إلى حد أننا لا نأمل إزالتها. وحتى في الهند، مهما تكن إجراءات الردع الشديدة التي نتخذها، فإنها تجتذب موالين جدداً، وفي الأقطار خارج الهند تبلغ زخماً جديداً.
لذلك فإن الأساليب التي نتبعها والسياسة التي نتخذها في المتقبل القريب سوف تخلق لنا أصدقاء كثيرين أو أعداء كثيرين.
فإذا أظهرنا أنفسنا معادين كل العداء لهذه الحركة، فإن هذه الحقيقة سوف تجد ترحيباً لدى أولئك الذين يعملون ضدنا، وهي نفس الموقف الذي يرغبون أن نتخذه.
ويجب أن نحمل في أذهاننا دائماً أن القوة الإيجابية الدافعة تقع في أقاليم لا سيطرة لنا عليها، في أقطار مستقلة أو تابعة لتوجيه دول أخرى.
إنني أحاول معالجة القضية بوصفها قضية إسلامية بحتة، وإن لم تكن قاصرة على العالم الإسلامي بأي وجه من الوجوه، بل إنها، من حيث الأساس، قضية آسيوية. وإن معالجتها بهذه الصفة ستضاعف من صعوبة هذه المحاولة الجسيمة، وأنني أذكر هذه الحقيقة هنا إشارة إلى ملاحظتي الواردة أعلاه: "تحت سيطرة دول أخرى".
يؤمل أن الحرب التي نخوض غمارها الآن تكون الأخيرة لمدة طويلة، لكن وضع سياستنا على هذا الافتراض يؤدي إلى التعرض لمخاطر شديدة. إن أمننا الأكبر يقع على الحيلولة دون حدوث مثل هذا الاحتمال بكل الوسائل التي في يدنا، وفي نفس الوقت حفظ أنفسنا، من مثل هذه الإمكانية. وإذا كان إمكان لتورطنا بحرب أخرى في المستقبل القريب أو البعيد فيكون من الحكمة النظر في التجمعات التي يحتمل أن تستعمل ضدنا.
إن فكرة الجامعة الإسلامية التي تعتبر الآن ميتة كانت، كما أؤكد بكل قوة، محض سلاح سياسي استعمل لتوحيد بعض الشعوب على أساس مشترك، بينما هي من النواحي الأخرى، منفصلة انفصالاً واسعاً حتى في المعتقدات الدينية، كالشيعة والسنة مثلاً، وذلك لغرض نهائي بعيد جداً عن الجامعة الإسلامية أو الدين.
وقد استغلتها ألمانية، وحاولت استعمالها، وطلبت تركية العون منها، لكن هاتين الدولتين أخفقتا تماماً في الاستفادة منها لأنهما لم تقدراها حق قدرها سياسياً أو عسكرياً، وباستعمال أساليب خاطئة وعدم قراءة العلامات بصحة، وبكونهما منفصلتين انفصالاً واسعاً بطبيعة أمرهما، فحولت أكثرية شعبها ضدهما.
إن هاتين ليستا الدولتين الوحيدتين، غيرنا، اللتين تهتمان بالمسألة الإسلامية، ففرنسة وروسية، وأفغانستان واليابان جميعها تدرس هذه المشكلة دراسة وثيقة.
وفي المستقبل سوف تتوقف تركية عن أن تكون دولة ذات أهمية، لكن مقومات الجنسية التركية لا يمكن هدمها. وأفغانستان وحدود الهند الشمالية الغربية تبقى، وجزيرة العرب أخذت أهمية عظيمة جداً، وسورية وإيران الشمالية سوف تتقدمان تحت ظل فرنسة وروسية.
وقد عثر حديثاً في الهند على مؤامرة موجهة مباشرة إلى الحكم البريطاني. واستمر رئيس تحقيقاتنا الجنائية ثلاث ساعات يشرحها لبعض ضباطنا ذوي الخبرة الفائقة. لكن هذه المؤامرة على أهميتها ليس سوى حجر صغير في البناية.
إن "أنجمن خدّام كعبة" ليس سوى جمعية واحدة من جمعيات كثيرة، وفعالياته لا قيمة لها بالنسبة إلى المجموع، ولو أن أعضاءه كثيرون.
لم يكن لها أي أمل في النجاح، فقد أخفقت في مرحلتها الابتدائية. لماذا؟ لأنها كانت تعمل قبل أوانا، ولأن سائر الرؤساء ذوي الخبرة يعرفون تماماً أنه، مهما بدا هذه الوقت ملائماً، فإنه ليس الوقت لإظهار قوتها.
إن القوة والتنظيم هما اللذان كانا السبب في ظهور "الأنجمن" وسائر المنظمات المماثلة إلى الوجود، وذلك ما يجب أن يثير اهتمامنا. وإن اكتشاف هذه المؤامرة التي، كما قلت، لم يكن من المقدر لها أن تصيب نجاحاً، لها أهميتها الحيوية لمجرد أنها تقودنا خطوة أقرب لتقدير العوامل التي أدت إلى وجودها. واعتقال أعضاء الجمعية الرئيسيين، ولو أنه يزيل في الوقت الحاضر مادة قابلة للالتهاب، فإنه لا يؤثر في تحريرنا من مخاطر مماثلة في المستقبل أو وقف سير الأحداث الإسلامية، أكثر من تأثير سحب بضعة دلاء ماء من نهر لوقف جريانه. وقد كنت حديثاً متصلاً بأعمال "الأنجمن" هنا في جدة وبواسطة وكلاء في مكة بالنيابة عن الحكومة الهندية بأوامر من الكرنل ويلسن.
وظهر، كما عملت حقاً قبل الحرب، أن مسلمين من بخارى هم وكلاء نشيطون لفكرة الجامعة الإسلامية معادن للبريطانيين والشريف.
وجالت في ذهني حقيقة غريبة في كثير من الأحيان، ولو أن رعايا القيصر (الروسي) في بخارى وسمرقند وطشقند وأماكن أخرى في الأقاليم الروسية، كانوا يقومون فعلاً بالدعاية، فإن اضطراباً مماثلاً لما جرى في الهند وإيران ومصر لم يسمع به في تلك الأقاليم.
فلماذا إذن لا يقوم رعايا قيصر، وهم مشربون بنفس المثل، باستحداث مشاريع لإزاحة سادتهم؟ وعند درس قضية رسالة "سلك" نعلم أن بعثة من الهنود وغيرهم قامت بزيادة من كابل إلى الإقليم الروسي في نيسان / أبريل 1916. وكان غرض البعثة قد استبقي طي الكتمان الشديد جداً، حتى عن أعضاء الجمعية الفعالين في كابل. ولكن يظهر أنه انصرفت الرغبة، بين أغراض أخرى، إلى معرفة هل أن روسية تمتنع عن التدخل في حالة هجوم أفغانستان على الهند. وقد عادوا بعد ذلك إلى كابل مسرورين بنتيجة مهمّتهم، وقيل دليلاً على ذلك إن موظفاً روسياً كان سيذهب إلى أفغانستان في زيارة تتعلَّق بهذا. وفي الوقت نفسه عادت البعثتان الألمانية والتركية دون أن تحققا شيئاً. ويجري اختيار مراكز إدارة لهذه الجمعية في كابل والمدينة والآستانة وطهران. وليس هناك أي مركز في بلاد القيصر. ومن الواضح إذن أن روسية ينظر إليها كصديقة من قبل المتآمرين بالمقارنة مع بريطانية بريطانية العظمى. وأنا قلق جداً لأن الأسباب التي دعتني إلى استرعاء النظر إلى هذه النقطة يجب أن تكون واضحة.
ولا أرغب في إبداء فكرة خيانة من جانب الحكومة الروسية، لكنني أقرّ بأن موظفي بنك الحكومة المسؤولين عن مناطقها البعيدة يتبعون سياسة اعتداء تكون أحياناً معارضة مباشرة لأوامر بتروغراد.
ومن الخطأ من جانبي أن أمضى أكثر من ذلك في هذه القضية في الوقت الحاضر، وغايتي الوحيدة هي ذكرها بصورة خفيفة لكي توضح خطراً واحداً قد يجابهنا في مدة لاحقة، لأننا إذا كنا غير متعاطفين مع المثل الإسلامية، بينما تظهر دول أخرى متعاطفة خلاف ذلك، خاصة إذا كانت تلك الدول قوية، فإننا نجابه مخاطرة شديدة في استبعاد عناصر قد تكون في المستقبل مساعدة لنا كثيراً أدبياً وعملياً، وأكثر من ذلك قد ندفع تلك العناصر إلى صفوف عدوّ محتمل.
ولذلك من المهم لنا أن نسيطر على أكثر ما يمكن من الشعوب الإسلامية، ونمنع بسياسة العون وتنازلات قليلة تدعوا الحاجة إليها إلى أولئك المسلمين الذين من رعايانا، احتمال بحثهم عن التأييد في مكان آخر. قال لنا الخبراء الذين درسوا حركة الجامعة الإسلامية في تركية الأوروبية إن فكرة الجامعة الإسلامية قد ماتت أو لا تأثير لها. وإن كنت لا أحاول إن أدعي المعرفة مثلهم بهذا الموقف، فإنني أجرؤ فأقول بكل عدم ثقة إنهم كانوا على خطأ حين تخصصوا في موضوع تركية أو توقفوا عن دراستها، لأنها انطفأت في تلك البلاد. وبهذا اعتبروا أن تركية تتولى قيادة العالم الإسلامي، وكان ذلك، ولا يزال، بعيداً عن الواقع. من الحقيقة القول إن عيون المسلمين تتجه إلى الأمة العثمانية، لكن سبب ذلك أنها على الغالب دولة عسكرية إسلامية قوية، يستطيعون خلال ذلك أنهم قد يمكنهم بواسطتها تحقيق هدفهم، لكن تركية لم تتولّ القيادة قط. والهند مثلاً أشارت إلى تركية مراراً إلى خطة عملها، وكان المسلمون الهنود ينصحون فيها الأتراك بالإصلاح والاعتدال، ويدعونهم إلى عدم التورط في الحرب وإنفاق وقتهم في تثبيت تركية وتحسين حالتها الداخلية. وأعرب عن نفس النصائح في الصحافة الهندية، ولكن كما في ألمانية ثبت أن فكرة الجامعة الجرمانية قد أخفقت فإن الأتراك اتبعوا تعاليم سيدهم وماتت فكرة الجامعة الإسلامية أو أصبحت غير فعّالة. وقد حاولت أنا بطريقة صغيرة جداً دراسة هذه القضية في أقطار إسلامية مختلفة، وأنا مقتنع في فكري أن هناك آلافاً من المسلمين المخلصين يعملون بإخلاص للاستقلال الإسلامي. وهناك آلاف من المتعصبين الثابتين أكثر من ذلك يركضون قبل أن يستطيعوا المشي يحاولون أن يحققوا في سنوات قلائل تغييراً يتطلب أجيالاً للنضوج. وقد رأيت تدريجاً المثل الأعلى يخالط أذهان الجماهير. وصحيح أنهم يكوّنون لأنفسهم آراء واضحة عن حاجاتهم ومطامحهم، كذلك ليس للاشتراكيين (آراء) كجمهور. وصحيح أيضا أنهم ليسوا متفقين إلى درجة تكفي لفهم المثل الأعلى كما يشرحه قادتهم، لكن هناك علامات لا شك فيها تدل على أن أذهان الجماهير على شؤون واسعة مضطربة وأنها أشبه بسطح البحيرة الهادئ تحركه ريح خفيفة. ويظهر ذلك في أساليب صغيرة متعددة، لا صلة لها في النظرة الأولى بالقضية الكبرى. عدم الارتياح لحالتهم، الانزعاج بسهولة، حساسية أكثر بوساوسهم الدينية، أقل صداقة لنا كمجموعة، هناك نقاط كثيرة جداً غير ذلك ذات أهمية بسيطة في الظاهر، وكلها دليل لدى الدرس العميق على تغيير واضح في أذهان المسلمين وموقفهم ـ أحدهم نحو الآخر وللعالم عموماً، ولو أنهم موجودين في أقطار واسعة الاختلاف، وبكل بساطة لأنهم مسلمون. (هذه ملاحظة مهمة شعرت بها خلال الحرب، حين اجتمع المسلمون لأول مرة في أقطار مختلفة اختلافاً واسعاً). ولا يسعنا إلاّ أن نعترف بأن هناك قوة ترمي إلى توحيد المسلمين في كل أنحاء العالم.
أعتقد أن من المهم تلخيص ما حققه الشريف بمساعدتنا خلال الأشهر الثمانية الماضية.
في مكة كانت أكثرية الشعب مناوئة له، مستعدة للإفادة من أي نجاح تركي، لاتخاذ إجراءات فعالة ضده. وقد بلغ من نفوذه الشخصي أنه، وهو يعمل فعلاً بمفرده، استطاع أن يكسب إلى جانبه الكثيرين من خصومه السابقين، حتى بعض أقارب الشريف علّي حيدر وأصدقائه.
وكانت عشائر الحجاز متفرقة وحتى مناوئة إحداها للأخرى وله. بل هناك نزاعات بين الرؤساء لكل عشيرة فردية مختلفة.
وقد استطاع أبناؤه أن يحملوا هذه العشائر التي فرقتها عداوات محلية وحزازات دموية لأجيال طويلة على تسوية نزاعاتهم لمصلحة القضية العربية. وليس ذلك فحسب بل جلبوا العشيرة كلها، إلى الميدان تحت لوائهم.
وفي جيش الشريف فيصل حين زحف إلى الشمال اجتمعت فئات كانت، حتى قبل أسابيع قليلة، معادية بعضها للبعض وللشريف.
يتكلم الشريف فيصل عن نفوذه العظيم في سورية والأشياء الكبرى التي يأمل أن ينفذها بواسطته. ولما كنت أعرفه وقد رأيت النجاح البالغ الذي حصل عليه بسحر أخلاقه ولباقته وشخصيته، لا شك لدي شخصياً في النجاح الذي ينتظره إذا سار مع جيشه إلى تلك المنطقة. ومن المهم الشعور بالأهمية العظمى لهذه الحقيقة. خلال أشهر قلائل تمت تسوية قرون طويلة من النزاعات، وعلى الرغم من العداوات المحلية، لم تطلق طلقة واحدة، حسب علمنا، من جانب أي رجل عشائري ضد قوات الشريف.
وقد أخذ الرؤساء العرب الآخرون يعترفون بنجاحه ونفوذه، وهم يقرون بسرعة أنهم جروا وراء الفريق المخذول فصاروا يثبتون بالنتيجة أو يظهرون علامات الرغبة في المشاركة في مساعيه.
وإنني أشير بصورة خاصة إلى الإدريسي، وابن الرشيد الذي صرف أخيراً الأتراك الذين كانوا معه في حائل، ويحيى إمام اليمن.
وقد يعترض معترض أن نجاح حركاتنا قد حقق ذلك. ولا أنكر أنه ساعد مادياً في تحقيق ذلك، لكن الحقيقة ذات المغزى أن هؤلاء الرؤساء، حتى حين وجدوا الفرصة للهجوم على الشريف بصورة فعالة، لم يفعلوا ذلك. وذلك يدل في رأيي أنهم ولو كانوا غيورين على نفوذهم، فإنهم مع ذلك لم يكونوا راغبين في إلزام أنفسهم نهائياً بمعارك علنية إلى جانب الأتراك ضد أبناء قوميتهم.
وفي خارج جزيرة العرب وفي مصر على كل يتحول الرأي العام بسرعة لصالحه، وحتى المارونيون طلبوا حمايته، والأمر أكثر احتمالاً بأن في الهند يتخذ الرأي العام قبل أمد طويل تغييراً كاملاً.
عسكرياً
عند نشوب الثورة لم يكن لدى العشائر سوى معلومات عسكرية قليلة أو كانوا بلا معرفة عسكرية.
والقوات العشائرية المخلية لم تكن بأية حالة من المقاتلين الشجعان بين العرب، لأنها عاشت في أمن أكثر من معظم مجاوريهم. لم يسبق للعشائر أن استبقيت في الميدان لأكثر من أسابيع قليلة في وقت واحد. والتعاون بالمعنى العسكري لم يكن معروفاً والنظام غير موجود. أنا لا أحاول أن أدعي بالنيابة عن الشريف أن هذه النواقص قد أصلحت الآن ولا أخفف من المساعدة الكبيرة التي قدمناها بالمادة والمشورة، ولا أنكر النواقص الخطيرة من وجهة النظر العسكرية المتأصلة في قواته. لكن هناك تحسناً ظاهراً ومتزايداً في هذا الخصوص، والنتائج التي حققت في الميدان العسكري ليست أقل إثارة للإعجاب من تلك التي حصلت في الميدان السياسي.
لقد دُمّرت فرقة تركية كاملة، وعزلت فرقة ثانية، وضويقت ثالثة مضايقة شديدة وأُرغمت على الوقوف نهائياً موقف الدفاع. واحتلت ثلاث مدن واستولت على مراكز عديدة أو دمرتها.
احتفظ على الأقل بـ 10000 محارب في الميدان بصورة دائمة لمدة ثمانية أشهر.
إن زحف الشريف فيصل مسافة 200 ميل مع قوة قدرها 8000 رجل. ولو أنه لم يتم بالسرعة المأمولة، فإنه لم يكن ولا ريب إنجازاً عسكرياً صغيراً.
وتقدير الكابتن لورنس عن هذا الزحف له أهمية خاصة ويستحق أن يدرس دراسة دقيقة. وقد اعترف الإخوان الثلاثة بروح التعاون وأهميته وأصبحوا يعملون بها.
وعلينا فضلاً عن ذلك أن لا ننسى المساعدة الفعالة التي قدمتها هذه الثورة لنا. فقد ساعدتنا من الناحيتين السياسية والعسكرية، إلى مدى ربما لم يقدر تقديراً كاملاً.
إن المقتبس التالي المأخوذ من تقدير للموقف العربي كتب قبل عدة أشهر وهو يعطي فكرة جيدة عما أنجزه كفاح الشريف في سبيل الاستقلال.
"على الرغم من عدم اتخاذ إجراء على نطاق واسع ضد العثمانيين حتى الآن بنتيجة مفاوضاتنا مع الشريف فلا بد من الإشارة إلى أن نتائجها السلبية مرضية تماماً. فمن خلال هذه المفاوضات في سنة حرب خطيرة حقاً، لم تضمن الحياد الودي لنفوذ قوي جداً فحسب، بل سببت إزعاجات شديدة لعدونا وأخرت أو قضت على تحقيق خطط واسعة لتحشيد عداوة إسلامية ضدنا، مما كان يحتمل أن يجعل موقفنا في الشرق أقل صلاحاً مما هو عليه الآن".
وبعد كتابة ما تقدم كانت لنا أسباب أكبر لتهنئة أنفسنا.
بعثة ستوتزنغن استهدفت خلق ثورة واسعة النطاق في أفريقية الشرقية وأماكن أخرى في أقاليمنا، وهي خطة نظمت تنظيماً جيد جداً واحتوت على عناصر ذات أخطار عظيمة لقضيتنا، وقد فشلت وقتل وكيلها في الحجاز. ومؤامرة "أنجمن خدّام كعبة" التي ترمي إلى محاولة خطيرة لتحريض الهند على العصيان وأفغانستان على دخول الحرب كانت، لولا العثور عل "رسائل سلك"، مهددة تهديداً خطيراً، بينما استطاعت الثورة أن تلقي بالمتآمرين في اضطراب عظيم في الهند وخارج الحدود.
وما تقدم يلخص بإيجاز ما تم تحقيقه، والمستقبل القريب يجعل توقعنا أكثر أملاً للشريف ولنا إذا كنا على استعداد للاستفادة منها.
ولكن قبل أن ننظر في هذه التوقعات أذكر حقيقة أخرى ذات صبغة سياسية تستحق أن ننظر فيها.
إن إمكان تأليف دولة عربية تعاظم مؤخراً إلى مدى واسع جداً. فهناك في القاهرة رجال كانوا في الماضي وإلى وقت قريب معادين للشريف بمرارة، وبهذا الأمل بصورة رئيسية غيروا الآن عداءهم إلى إعجاب شديد.
وبين العرب أنفسهم تسيطر هذه الفكرة عليهم ـ بسرعة، وتلاحظ حماسة متزايدة لقضيتهم.
ولأجل تصوير هذه الملاحظة الأخيرة أنقل من تقرير الكابتن لورنس الذي كتبه وهو مع الشريف فيصل في زحفه شمالاً إلى "الوجه":
"إن دوافع فيصل في اتخاذ هذه القوة الكبيرة معنوية وليس تاكتيكية، وقد بررت نفسها تماماً حين قال عودة (أبو تايه): "ليس هذا جيشاً، بل عالماً يزحف إلى الوجه". وحين قال عبد الكريم البديوي في "سمنة"، وهو جالس في باب خيمته، وقد رأى السهل جميعه مزروعاً بنيران المعسكر لهذه الفرق المنتشرة: "نعم، لسنا بعد بدواً بل نحن أمة"".
إننا نحن الذين أنزلنا سفينة الأماني العربية، ونحن الذين أرسلنا العرب للبحث عن مقدراتهم. وليس في استطاعتنا حذف هذه الحقيقة من مجالسنا، من قلوب العرب، ولا التغاضي عن حصتنا أمام حكم جميع الشعوب الإسلامية.
نستطيع إذا كنا حكماء أن نشارك في نجاحهم لأننا سوف نعتبر حقاً مسؤولين عن كل ضرر قد يلحق بهم.
خلال هذه الأوقات القلقة، حين كانت الثورة في مرحلتها الخطيرة، سمعت، أنجال الشريف مراراً عديدة يقولون بصدق وإخلاص: "إن مقدراتنا تعتمد على شيئين: الله وبريطانية العظمى". ومع إننا قد نبتسم لهذا القول، أصرح بكل قناعة أن إيمانهم واعتقادهم فينا حقيقي وقد تضاعف خلال الشهرين الأخيرين.
إذن من المهم جداً أن نحصل للشريف على الأقاليم التي تحقق المطامح العادلة للشعوب العربية. يضاف إلى ذلك أننا إذا حققنا له أقل مما هو عادل ومعقول يمكنه من المحافظة على الوضع الذي تحقق، فإننا يجب أن لا ننسي أبداً أننا نسئ إلى نفسنا في أنظار الشعوب العربية، وأنها ستشعر دائماً أننا نحن الذين كان في وسعنا أن نحقق لهم ما يجب تحقيقه، قد امتنعنا عن منحهم ما يستحقونه وسوف يحاولون دائماً الحصول عليه لأنفسهم على الرغم منا، وبذلك نفقد صداقتهم لنا إلى حد كبير أو صغير. وسأحاول أن أشرح في جزء آخر من هذه المذكرة كون هذه الصداقة قد تعني الكثير بالنسبة لنا في المستقبل.
ولكن فيما عدا العرب، فإن التأثير يكون أعظم في سائر الأقطار الإسلامية. إن السلطة الروحانية للشريف عظيمة وسلطته الزمنية، إذا ربطنا شعبه بنا، يجب أن تكون بنفس النسبة. إذا قضينا على بلد إسلامي واحد، أي تركية، ولم نعوض العالم الإسلامي بصورة كافية في جهة أخرى، نكون قد أتحنا الفرصة للذين يعملون ضدنا للتعريض بنا، لأنهم سيكونون تواقين للقيام بذلك، أمام عيون إخوانهم في الدين، كقوة مدمرة للإسلام. والأهم من ذلك فإننا نكون قد منعنا الشريف من الحصول على التأييد الذي كان ـ يحصل عليه لولا ذلك من رعايانا المسلمين الهنود لأن المسلمين في الهند، إذا وجدوا رئيسهم الروحاني في الوقت نفسه حاكماً لبلاد كبيرة إلى درجة تؤثر في مخيلتهم، وكافية للحفاظ على نفوذ المسلمين تعويضاً عن مثلهم العليا المفقود في تركية. وهم يتجمعون حول الشريف كأب لآمالهم وحولنا تعبيراً عن شكرهم.
والبديل هو أن خصومنا سوف يبحثون في محل آخر عن رئيس له من القوة والنفوذ ما يكفي ليحل محل تركية ويحقق آمال أتباعهم الذين لا يحملون لنا الود خارج منطقة نفوذنا. ويصبح الشريف لا شئ عملياً، وسوف يشيرون إلى عدم فعالية التأييد البريطاني.
من المهم جداً للإمبراطورية إذن أن نجعل الشريف قوياً بصورة كافية ليعترف به رئيساً روحياً وزمنياً للعالم الإسلامي وأن نحافظ على أمتن العلاقات معه، وأن نقود سياسته ونحافظ على الثقة والمودة اللتين لا شك في وجودهما في الوقت الحاضر.
ومن المهم جداً إذن أن تقع عاصمته الإدارية في منطقة نفوذنا وأن تنفذ هذه الإدارة حسب خطواتنا، وأن الجيش الذي ـ لا شك في أنه سيحتفظ به ـ يدرب من قبل ضباط بريطانيين.
ويجب أن نتذكر أن القسم الأعظم من إقليمه يقع في بلاد لا دخل لنا فيها لأسباب دينية.
لقد حاولت أن أشرح بصورة مسهبة وأخشى من التكرار الكثير أن عناصر الخطر، أو على الأقل، الارتباك الشديد، موجودة أمامنا. وطالما يعترف بالشريف رئيسا، أو على الأقل بكونه أحد الرؤساء الكبار للعالم الإسلامي، فإنه يبقى صديقاً لنا. طالما كنا على صلة متينة مع الحكومة العربية كما هو الحال في الوقت الحاضر، احتفظنا إلى جانبنا بالقسم الأعظم من هذه العناصر.
والجانب الديني، وإن يكن أقل أهمية مما كان قبلاً، لا يزال السبيل الوحيد للحصول على اهتمام الجماهير. وفي استطاعتنا بطرق كثيرة غير ظاهرة أن نجعل هؤلاء غير متعصبين لأن الشريف وأنجاله واسعو الفكر وسياستهم، كما استطعت أن ألاحظها، ترمي إلى التوحيد بأساليب عملية وغير دينية، إلاّ إذا كان الشعور يدعو بضع جماعات من الانفراديين.
ولكن الشريف، لأجل أن يتمكن من أن يكون له أي وزن حقيقي في شؤون العالم الإسلامي، يجب أن يحظى بتأييد المسلمين في أقطار خارج بلاده. ومن الضروري أن يأتي هذا التأييد من أقطار تابعة للنفوذ البريطاني.
كما ذكرت في مذكرة مؤرخة في 30 حزيران / يونيو 1916، أولئك المسؤولون عن التحريض ضدنا في الهند فقدوا صوابهم تماماً حين سمعوا بالثورة. وكان واضحاً ومتوقعاً أن يفعلوا ذلك لأن أساس دعوتهم، الدين، ووحدة الشعوب الإسلامية والأخوة الكبيرة التي كان مفترضاً وجودها خلال العالم الإسلامي جميعاً، ظهرت في يوم واحد بأنها غير حقيقية. ووقفوا أمام مخاطبيهم بلا نص لخطبتهم، وحاولوا تحويل الأنظار عن نفوسهم بالنيل من الشريف. وهذا بديل أخرق جداً ولا يأملون أبداً جمع الإسلام بطريقة سخيفة كهذه. ولذلك سوف يلتمسون عاملاً آخر ليجذبوا أفكار أتباعهم.
وأهمية هذه لنا كانت واضحة. لأول مرة منذ تدشين الجامعة الإسلامية والاضطراب في الهند أصبح خصومنا لا قوة لهم. وحين يظهر للعيان، كما سيكون الأمر قريباً، أن الشريف يصبح ذا مركز حقيقي، فإنهم لن يضيعوا فرصة لاستغلاله ولن يكون لنا تدابير مضادّة.
ولكن، إذا صرفنا النظر الجانب الديني للمسألة، وأيدنا الشريف علناً كحليف في المعنى العسكري. إذا جعلنا أنفسنا، كما نستطيع أن نفعل حقاً، محررين لشعب مظلوم، إذا شرحنا ذلك للجماهير بالدعاية، مع قناعة شديدة، فإننا سنحصل على شكر الأكثرية الساحقة من رعايانا المسلمين.
آمل بكل إخلاص أن لا تضيع الحكومة الهندية الوقت لأجل هذه الغاية. والحكومة الهندية مقتنعة أنها أوقفت كل تحامل ضد الشريف. وأجرؤ فأقترح أنها أخمدت حملتها من نفسها للأسباب التي شرحتها سابقاً.
ولكن الإخماد لا يكفي وعلينا أن نقدم قيادة المسلمين. ومع أنهم مخلصون كل الإخلاص لصاحب الجلالة والحكومة البريطانية، فإنهم ينظرون إلينا في الوقت اضطراب شديد طالبين التعاطف والقيادة.
نستطيع أن نعطيهم كلا الأمرين مع تحقيق أعظم الفائدة لنا. يجب أن نحمل في ذهننا أن السلام حين يتحقق سوف ينتج كثيراً من التأمل في أذهان المسلمين، خصوصاً حين يتحققون من انحلال تركية. فيكون كما أزعم، من سوء السياسة وعدم الثقة أن نسمح لهذا الحدث بالحلول كرجة في أذهان المسلمين، وعلينا أن نعطيهم آمالاً أخرى وعزاء بإعداد الخطة الآن.
وقد ذكرت في الفصل السابق ـ أمرين يمكن الاعتراض عليهما من جانب الدارسين الوثيقين لهذه القضية.
الأول هو أن فكرة الجامعة الإسلامية لم تمت وحتى لم تشّل، كما يريدنا دارسو الدولة العثمانية أن نعتقد.
والثاني هو أنه لا يكون من الحكمة لنا أن نهمل روسية في تحقيقاتنا.
هذا التقرير يكون لا وزن له ولا يؤدي خدمة كبيرة، إذا لم أستطع استخراج دليل، وإن لم يكن نهائياً في أذهان البعض، فإنه على كل حال يدعو إلى التفكير. وخلاف ذلك يمكن صرف النظر عن ملاحظاتي بوصفها غير مسؤولة.
لقد حاولت بنهج ضيئل أن أدرس هذه القضية، وكنت منذ سنة 1909 أعمل بصورة غير رسمية لجمع المعلومات ولأفهم شيئاً ولو قليلاً من قضية معقدة يصعب الحصول على إيضاح ذي قيمة عنها من خلال الاختلافات بين الشعوب والتزام أعضائها بالسرية.
وعلّي أن أعترف أنني أقرأ سوى شئ قليل، لكن جميع ملاحظاتي مبنية على محادثات متعددة مع أشخاص ذوي تعليم ومنزلة من جميع الدرجات، ومن خلال الوكلاء ومن ملاحظاتي الشخصية وأنني أبدي هذه الملاحظة لئلا يظن أنني أكتب صورة عشوائية ودون تفكير دقيق.
أولاً فيما يتعلق بكون فكرة الجامعة الإسلامية قد ماتت:
أرفق خريطة في آخر هذه المذكرة أشرت عليها أماكن لديّ بعض المعلومات عن وجود مدارس تنشر فكرة الجامعة الإسلامية. ليس لديّ أية معلومات سابقة لشهر أيلول / سبتمبر 1913، وأحدثها يعود إلى اليوم 21 آذار / مارس 1917. وفي الصفحة الأخيرة أشير إلى مصادر هذه المعلومات. إن لديّ بطبيعة الحال وثائق قليلة هنا. ولكن يمكنني إذا طلب إليّ ذلك أن أقدم في وقت لا حق تصريحات مسهبة أكثر من تلك المذكور في الجدول.
إذن ففكرة الجامعة الإسلامية يفترض أنها غير منظمة ولا متحدة فلا أمل لها في التقدم، ولا تشكل عناصر خطر. هذا الافتراض مبنيّ على رأي أشخاص درسوا المشكلة من وجهة نظر تركية، بينما لم تكن تركية وليست هي الآن خالقة هذه الخطة. وخلافاً للرأي المقبول عموماً إنها تمتد من الشرق إلى الغرب وليس عكس ذلك.
هذه الفكرة التي شرحت للمناطق الغربية أو الغربية المركزية قد استمسكت بها الأفكار الذكية كوسيلة للحصول على فوائد لنفسها وتشجيع خططها الخاصة. فالفكرة الوطنية في مصر وسياسة حزب الاتحاد والترقي والقاسية لرجال تركية الفتاة ليست الأمثلة الوحيدة للفوائد المستحصلة من الجامعة الإسلامية لتشجيع مشروع لا صلة له بالحركة الإسلامية العظمى.
إن الأتراك هم أقل المسلمين تشدداً في الدين، ويليهم المصريون حسب رأيي في هذا الشأن، فهم كانوا وما زالوا يستعملون الدين في سبيل الفائدة التي يحصلون عليها من تعاليمه، كقوة عسكرية، كقوة تساعدهم بثقلها على بلوغ هدفهم، لا لأنهم مخلصون في إيمانهم الإسلامي ولا لأنهم يعتقدون حقاً أن الإسلام في نفسه، كقوة دينية، يمكنهم من التخلص من سيادة الدول المسيحية. وهكذا قال لي أحد قادة الحركة الوطنية في مصر إن آخر شئ يريدوه هو أن يكونوا تحت حكم الأتراك. وهذا لا يثير عجبنا، ولكن إذا كانوا يعتقدون، كما يدّعون، في "ماسونية" (تكاتف) الإسلام الكبرى فإنهم يعملون على إنشاء إمبراطورية إسلامية عظمى تحت حاكم واحد. في دمشق سمعت الشئ نفسه من رجال يمثلون طوائف مختلفة من العالم الإسلامي. مثلاً: "حاشا لله أن نخدم بمعيتهم"، وهي عبارة استعملها العرب بخصوص الأتراك أو المصريين. والممثلون من سمرقند وكشغر وطهران، لكل واحد منهم حاكم مسلم مكروه يستغفرون الله أن يخدموا تحت رئاسته. وقد تخلت تركية عن فكرة الجامعة الإسلامية لصالح فكرة تركية محضة. ولما قدمت ألمانية مشروعاً لـ"جرمنة" كل الشعوب التي ترغب في السيطرة عليها فإن حزب الاتحاد والترقي سار على الخطة نفسها وجعل هدفه إزالة "جنسية" الشعوب التي يحكمونها أو يأملون حكمها.
وقد ثبت أن هذه السياسة من جانب رجال تركية الفتاة كانت نكبة لهم كما كانت السبب المباشر للثورة العربية ولكن لأن العرب ثاروا، وأنا أتخذهم مثالاً، فلا يدل ذلك بأي حال على أنهم تركوا أيضاً فكرة الجامعة الإسلامية ـ وأستطيع أن أتكلم من معرفة شخصية أن هذه أبعد ما تكون عن الحقيقة.
ويظهر مما كتبته أن الحركة غير متصلة ولا يمكن أن تتماسك. وفي الوهلة الأولى تبدو كذلك، لكن لدى الفحص النافذ للحقائق نرى أن هذا ليس الحقيقة.
والمهم أن نسأل أنفسنا ماذا حققت، وفي الحقيقة أنها أنجزت الكثير.
لقد جمعت بين الأكثرية الساحقة من الرجال المثقفين وعدداً متزايداً من الجماهير في كل واحدة من المناطق، وسوف تعمل ذلك على درجة أعظم في المستقبل.
كان العرب إلى وقت قريب راضين كشعب أن يبقوا على ما هم عليه أو، إذا لم يكونوا راضين، غير مهتمين بحالتهم. وخلال سنوات غير قليلة ماضية، كما يدلنا التأريخ، كانت الهند سعيدة تحت الحكم البريطاني. لكن فكرة إنشاء حكومة وطنية ملكت أذهان الكثيرين وأزعجت أفكار المجتمع بأسره.
لذلك فإن المهمة التي أنجزتها لم تكن صغيرة، لأن هذه الفكرة لم تنحصر ببلد واحد خاص، بل رسخت مفردة في كل إقليم مسلم تقريباً.
لقد أوجدت في بعض الأقطار رغبة في الاستقلال، وهذه الرغبة تقاوم في بعضها وتشجع في البعض الآخر. لكن الدولة الحاكمة في أي قطر منها تستطيع أن تتجاهل إصرارها.
كان الفرنسيون في مراكش يجلبون معهم البغض والمساوئ، مما دعا إلى هجرة الكثيرين من رعاياهم إلى سورية. وفي الهند أفسحنا المجال في بعض الأحوال، والأمر يحظى بمزيد اهتمامنا. وحكمنا متساهل ومتفاهم، لكن مع ذلك تشربت أذهان الكثيرين بكراهيتنا، وألفت جمعيات لطردنا خلال السنوات الأخيرة إلى درجة متزايدة.
ارتفع صوت حزب الحكم المحلي في الهند ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة. وفي الظروف الحاضرة الصوت مخلص متى من غير المخلصين، لأنهم يعملون ـ هؤلاء الحكماء الذين يسيطرون عليه ـ أن الوقت لم يحن لاتخاذ إجراءات فعّالة. والخطر لنا لا يمكن في مكائد المتهورين بل في الهدف المتواصل للرؤساء الكبار، رجال الثقافة والنفوذ الذين يحملون معهم تأييد الجماهير، والذين بإخلاصهم أو ادعائهم بالإخلاص في الوقت الحاضر يستطيعون الحصول بحق، أكبر، على امتيازات تقربهم خطوة أخرى من هدفهم.
لقد أوسعت القول في حالتين من أحوال كثيرة، لكن إذا كانت هذه الحركة قد حققت ما حققته فقد حققت شيئاً غير قليل.
يعلمنا التاريخ أن المثل العليا للوطنية متى تشرب بها خيال الشعب لا يمكن أبداً كبتها أو القضاء عليها.
فرنسة، ألمانية، بولندة، إيرلندة، اليابان. كم من الأمثلة نستطيع أن نذكرها عكس ذلك. إنها لا يمكن أن تنقطع ولن تنقطع عن القيام بدورها الرئيسي في السياسات الإسلامية.
ولا بد لنا أن نعترف بأن الأمر كذلك، وإذا كان ذلك حقاً أليس من الحق أيضاً أن مجتمعين من هذا القبيل متصلين بأساس عام من الدين وأمل الحصول على الحكم لأنفسهم قد يتحدان في سبيل هدف مشترك. وإذا كان شعبان مثل هؤلاء يستطيعان الاتحاد فليس هناك ما يمكن عمله سوى انتهاز الفرصة للحد من عددهم.
لقد ذكرت في الفصل الأول بأن الحركة لم يكن لها حتى الآن غاية عامة. وهذا صحيح ما دامت محصورة في الوقت الحاضر في مجتمعات فردية. لكن العلامات ليست مفقودة بأنها ستكون "إيجابية" في المعنى الواسع مع مرور الزمن. فإذا أصبحت كذلك فإن الخطر الذي يهدد إمبراطوريتنا يكون واضحاً.
يكمن الخطر، لا فيما تستطيع الأقطار المسلمة أن تنجزه بنفسها، بل ما يمكنها التأثير به كمجموعة، أو بواسطة دولة أخرى، أوروبية أو آسيوية.
وقد تكلمت أيضاً عن احتمال توحيد جزيرة العرب تحت حكومة واحدة. أنا مقتنع بهذا الاحتمال، لا بمعنى أن جميع العشائر تعترف بحاكم مطلق واحد له سلطة الحياة والموت عليها، بل بإمكان اتحاد البلاد تحت حكم رئيس اسميّ واحد يُشرف على خمسة فروع مثلاً من الزعماء المحليين.
إذا كان ذلك ما يجري في الحجاز، كما يظهر من سير الأحداث الحالية، حيث كما ذكرت من قبل قد أنهيت قرون من العداوات خلال بضعة أشهر قصيرة، فإن إمكانيتها سهلة التوقع بين جماعات لها خلافات "عائلية" مثل هذه تصبح دائماً أشد مرارة، وإذا بها تختفي من الوجود.
ونموذج جزيرة العرب سوف يكون حافزاً لشعوب أخرى لإنجاز النجاح نفسه، وسنسمع داعية المستقبل يقول: "تشبّهوا، يا إخوان، بالمثل النبيل للعرب الذين حرروا أنفسهم من الاستعباد بشجاعتهم وتضحيتهم".
وحسب معلوماتي الأكيدة أن المثل العليا للجامعة الإسلامية تدرس في المدارس في جميع الأماكن المؤشرة على خريطتي. وفي الكثير من البلدان المؤشرة هناك توجد مدارس عديدة، وإن سعة البلاد التي تنتشر فيها عظيمة. لكن الخريطة تمثل معلومات محدودة عن عددها الكامل ومحلاتها، وهي كافية لإعطائنا فكرة عن الجهود الواسعة التي تبذل لتقدم رسالة الجامعة الإسلامية.
في الوقت الحاضر الاضطراب شديد في كل الأقطار الإسلامية. وفي الوقت القليل الأخير الذي كنت أعمل فيه في جدة جاءت تقارير الوكلاء وغيرهم تؤكد المعلومات التي حصلت عليها في دمشق قبل الحرب عن شدة حيوية هذه الحركة.
تصل معلومات يومية عن دعاياتها ونشاط وكلائها من كل ناحية من نواحي الإسلام.
وفيما عدا مراكز طبيعية هي في أيدي العدو، كبرلين والمدينة، والآستانة، ترد الأخبار يومياً تقريباً من أماكن متباعدة بعضها عن بعض ككشغر إلى المغرب (مراكش) ودلهي إلى مكة.
نحن منشغلون الآن بصورة جدية بحرب عظيمة، وكل العيون بطبيعة الحال تتجه إلى أوروبا. لكنني أسأل بكل اهتمام أن القضية الخطيرة المهمة لإمبراطوريتنا يجب أن تبحث تماماً وبكثير من الجد في مجالسنا القادمة.
تقدمت خلال الحرب تقدماً ثابتاً بعد الحرب سوف تخطو خطوات أعظم.
نحن نعمل للحصول على ضمانات تكفل سلاماً دائماً بين دول أوربا، وهذا الحل لا يمكن تحقيقه ما دامت القضية الإسلامية لم تؤخذ بنظر الاعتبار.
وآتي الآن إلى الملاحظة الثانية، روسية:
في الظروف الحاضرة أجد صعوبة كبيرة في بحث هذه الجهة لأسباب واضحة. وسواء أكنت مصيباً أو مخطئاً في ذلك فإن من واجبي أن أطلب بذل الجود لتأكيد آرائي أو نفيها.
حينما كنت في سورة وردتني معلومات أن روسية كانت، وأقول ذلك بكل اعتدال، تهتم أشد الاهتمام بالقضية الإسلامية في بلاد خارج أقاليمها، وأنها كانت تشجع الجامعة الإسلامية بصورة سرية، وأنها تثير القلاقل خارج حدودها.
ومن هنا وردتني معلومات أنها تموّل جمعية معادية لنا في كشغر.
إن السياسة الروسية فيما يتعلق برعاياها المسلمين مضادة تماماً لسياستنا.
إن لديها تسهيلات أكثر في أفغانستان وإيران وتركستان الصينية، ولها مصالح إسلامية عظيمة. وقد عقدت أخيراً معاهدة جديدة مع البيان، وفرضت حمايتها على منغولية.
كل ما أطلبه في الوقت الحاضر هو أن لا نهمل احتمال الخطر الذي أذكره حتى إذا قوبل بعدم التصديق.
إن سياسة الحكومة الهندية هي أن لا نخلق دولة إسلامية قوية في جزيرة العرب أو غيرها.
وهذا يبدو عادلاً ومعقولاً، وملاحظاتي في النظرة الأولى عن احتمال خطر إسلامي تؤيد حكمة هذه الفكرة.
إن كل ما تهدف إليه هذه المذكرة هو اقتراح أسلوب ممكن للمحافظة على إمبراطوريتنا الهندية، وذلك بتجزئة الأقسام المؤلفة لهذه الحركة حتى يؤمل بصورة معقولة أن نستطيع مواجهة أية مجموعة توجه إلينا.
ولذلك أقسم العمل الممكن اتخاذه من قبلنا إلى أربعة عناوين:
(أ‌) الجزيرة العربية.
(ب‌) الهند.
(ج‌) تثقيف ضباطنا، مدنيين وعسكريين، لمعرفة هذه القضية.
(د‌) منظمة استخباراتنا المقبلة خارج الهند.
(أ‌) الجزيرة العربية
أعتقد انه لن يختلف معي أحد بأنه، عند تحقيق شروط الصلح بصورة تامة، يأتي تفسيخ تركية صدمة عنيفة لجمهور المسلمين في كل أنحاء العالم، وأنهم سوف يطلبون بديلاً يتجمعون حوله.
وهناك نقطتا تجمع لهم فقط، أفغانستان أو الجزيرة العربية إذا كانت بلاد الشريف واسعة بحيث تؤثر في أذهانهم.
إن حزب الحرب في أفغانستان، الذي يرأسه نصر الله، معادٍ عداءً مراً لنا. والأمير الحالي لا يكاد يستطيع أن يصمد بنفسه، وفي المستقبل القريب سيجبر على التراجع أو يفقد عرشه. وإذا كسب حزب الحرب تأييد عشائر الحدود الشمالية الغربية والمسلمين في الهند، فسوف ينشأ خطر يصعب مجابهته.
لقد اعترف الخبراء كلياً، في شهادتهم أمام لجنة نيكلسن، أن هذا الاحتمال يكون عبئاً شديداً على مواردنا في الهند وأننا لا نستطيع سوى البقاء في موقف الدفاع حتى تصلنا التعزيزات من أسترالية وإنكلترة.
و إذا أضيف إلى ذلك أن تكون كتائبنا الإسلامية غير مخلصة في ولائها فيصبح وضعنا خطيراً جداً.
وإذا وجدوا بالإضافة إلى ذلك تأييداً من روسية فإننا نجابه اختباراً عسيراً.
ولذلك فمن المهم أن لا يكون القطر الذي يتجه إليه المسلمون أفغانستان. وعلينا لذلك أن نخلق دولة أكثر ملاءمة لأنفسنا تتجه إليها أنظار الإسلام. وعندنا فرصة حاضرة في جزيرة العرب.
من الناحية الستراتيجية: أفغانستان في وضع صالح للقيام بعمل هجومي ضد الهند.
ومن الناحية السوقية: أفغانستان يصعب الهجوم عليها.
من الناحية السوقية: جزيرة العرب مفتوحة لهجومنا من كل جهة عدا الشمال.
سياسياً: أفغانستان يصعب ضبطها.
سياسياً: جزيرة العرب يمكن ضبطها والتأثير عليها تماماً إذا تحققنا من أنها لا تنظم سياستها أية دولة أخرى. هذا من حقنا أن نصر عليه.
جغرافياً: أفغانستان في وضع صالح لتجميع العناصر المعادية لنا حولها.
جغرافياً: جزيرة العرب في وضع مثالي لتجزئة هذه العناصر، ويكون ذلك أكثر إذا تركزنا في بغداد.
لذلك من مصالحنا ولسلامتنا أن نقوم إذ أمكن بتوجيه أنظار العالم الإسلامي إلى جزيرة العرب.
ولإنجاز هذا الأمر يجب علينا أن نؤيد الشريف في مطالبة وأن نؤيده علناً كحليفنا العسكري وأن نثقف شعور المسلمين نحوه. مع قيامنا بقمع المؤامرات ضدنا يجب أن نثبت أننا الأصدقاء الحقيقيون للمسلمين. وهذا لا يصعب عمله، وأخيراً، نجمع حول الحكومة بامتيازات قليلة جماهير الهند ولا سيما الطبقات المحاربة.
يجب أن نحافظ بكل الصور على نفوذنا في الجزيرة العربية ونبقى على ثقة الحكومة العربية ومودتها بسياسة مستقيمة وواضحة وثابتة.
(ب) الهند
لا يسعنا أن ننكر أن في الهند عوامل خطيرة من الفتن والتعصب والعداء، وأنها زادت في السنوات الأخيرة. ولا يسعنا أن ننكر أن فكرة الجامعة الإسلامية وأمل الحكم الذاتي تحمله أكثرية الرجال المثقفين ووجهاء البلاد. وهذه القلاقل غير منحصرة بطبيعة الحال بالمسلمين في البلاد ولكنها عامة في كل شبة الجزيرة.
ويرجع هذا الاستياء بصورة رئيسية إلى تعاليم الجامعة الإسلامية. وهذه العقيدة لا تستطيع أن تحقق تقدماً كبيراً من تلقاء نفسها، وخاصة نحو الثورة، لولا وجود ظلامات صغيرة في أذهان رعايانا الهنود.
ولولا هذه الظلامات لما استطاع المشاغب أن يتقدم كثيراً، لكن، بدراسة موضوعة بعناية شديدة، يقوم بالاتصال بكل فرد بأفضل طريقة ملائمة لاجتذابه إلى صفوف المعارضة. وهكذا يلوح للمزارعين بوعود حول مزيد من الأراضي، ويعد الضباط الهنود بالترقية والقيادة، والخريج بنصيب في وظائف الحكومة يناسب دراسته، والزعيم بسلطة في الدولة تلائم سلالته.
إن الجماهير مخلصة للحكم البريطاني، وبنتيجة ذلك فشلت العناصر الأكثر عنفاً في تحريك الثورة في الوقت الحاضر.
وتشمل الجماهير كل شعوب الهند المتحاربة التي بدون تأييدها لا يأملون بلوغ هدفهم.
لذلك فكلما أظهرنا أنفسنا متعاطفين مع ظلامات الشعب، وثابتين على سياستنا وحكمنا الصالح، واستطعنا تخفيف بعض الصعوبات التي هي موجودة بلا شك مهمة قللنا من حجج خصومنا لطردنا.
من هذه الظلامات القليلة التي نستطيع تخفيفها:
عسكرياً: (1) رواتب التقاعد.
(2) الأرض.
(3) الترقية.
(4) الاستخدام المدني.
(5) المكافآت.
(6) القضايا القانونية.
مدنياً: (1) الاستخدام في الحكومة.
(2) الأرض.
(3) الهجرة.
(4) القضايا القانونية.
هذه بلا ريب ليست كل النقاط الرئيسية التي نتمكن بإصلاحها من تجميع جمهرة الشعور المسلم نحو الحكومة.
(ج) تثقيف ضباطنا، مدنيين وعسكريين، لمعرفة المشكلة
أعتقد أن الجميع يتفقون معي حين أقول إننا في الماضي لم نعر هذه المشكلة عناية تذكر بصفتنا حكاماً مدنيين وعسكريين.
ومعرفة الضباط البريطانيين للجامعة الإسلامية وعملها في التأريخ والدين الإسلامي صفر فعلاً.
لا ينكر أحد، وأنا أقلهم إنكاراً العلاقات الطيبة، بل الودية، القائمة بين الضباط البريطانيين والجنود الأهليين. أعرف جيداً الإخلاص والمودة القائمين بيننا، بنيت هذه في الجيش على أساس الرياضة والعدالة الصحيحة للرجل البريطاني. وأنا أعلم أنني لا أظلم إخواني الضباط حين أقول إننا كمجموع جاهلون بصورة فظيعة للعادات الإسلامية والتأريخ والدين والسياسة.
يجب أن لا ينتمي ضابط بريطاني إلى الجيش الهندي قبل أن ينجح في امتحان مهما يكن ضئيلاً في هذه الموضوعات، في كلية ساندهرست أو غيرها.
ذلك مهم أهمية الاقتصاد الداخلي الذي هو في الواقع ذو علاقة به. كل ضابط في الكتيبة يجب أن يتجول في منطقة تجنيده، وامتحانات الاستبقاء (في الخدمة) يجب أن تحتوي على مادة صعبة عن الطبقات المختلفة التي تتألف منها كتيبته.
من منّا ينكر الاهتمام الذي يظهره الجنود الهنود بضباط يعرف قراهم وعاداتهم وديانتهم ورؤساء فئاتهم وتأريخهم. فذلك يحمل في نفسه المكافأة في حل كثير من المشاكل المعقدة التي تنشأ في كتيبة، ويسهل القيادة، ويمضي بعيداً في التخفيف من الاستياء.
إن ذلك يساعد كثيراً على تحقيق تفاهم أكبر بين الإدارة المدنية والعسكرية، ويكون ذلك بالنسبة للدولة ذا قيمة لا تقدر.
ليس من شأني أن أتحدث عن إدارتنا المدنية، لكنني آمل أن يسمح لي أن أقول بإيجاز الشيء الذي قاله لي الضباط الهنود ذوو المناصب العالية أنفسهم في أكثر من مناسبة:
"موظفونا المدنيون أصبحوا مرتبطين بالمكتب، وذلك يعود، على نطاق واسع، إلى قضايا تافهة، وهذه بدورها تعود إلى ازدحام السوق بالوكلاء.
"الأيام السالفة حين كان نائب المفوض يعلم مداخل الحياة القروية ومخارجها، والتنافسات الموجودة والتي توجد دائماً بين العوائل والفرق، قد مضت ، بالنظر إلى الزيادة الكبيرة للأعمال المكتبية والحالات الضئيلة والملفقة أحياناً والمصطنعة لتوفير معيشة للعدد الكبير من الوكلاء.
"وعند قيام المفوض بتفتيش منطقته، ذلك التفتيش السريع في هذه الأيام الكثيرة العمل، لا يسمح مرؤوسوه الهنود بمقابلته إلاّ لأفراد معينين. وفي حالات كثيرة يجب دفع رشوة".
"إنه لا يعرف شعبه فعمله في المكتب يأخذ معظم وقته".
"المبادأة لا تشجع شيئاً فشيئاً في الدرجات الصغرى، بالإحالة إلى سلطات أعلى. وبالنتيجة يحصد الوكلاء ثماراً جنية، والعدالة تمضي أحياناً إلى أطول كيس".
أطلب ثقة الحكومة للمدنيين والعسكريين على حد سواء. يجب أن يخبروا على قدر الإمكان بالمصاعب السياسية الآنية، وأعني بذلك أنهم يجب أن يعلموا أكثر ما يمكن من المعلومات "السرية". إن ذلك أسلم لحكمنا، من الجهل الكامل المستمر لهذه القضايا التي توجد في الوقت الحاضر. وإن كانت نتف صغيرة من المعلومات تتسرب إلى الخارج.
ولتشجع مبادأة أكثر لدى الموظفين المحليين في معالجة الشؤون الإقليمية.
وليشجع الضباط البريطانيون ويساعدوا في الذهاب بالإجازة إلى إيران وسورية وسائر الأقطار ليضيفوا إلى معلوماتهم الداخلية عن الهند الأحوال السائدة في الخارج.
إن الضابط البريطاني محبوب عموماً حيثما يذهب. وذلك يزيد في نفوذنا ويضيف إلى معلوماتنا ويساعد على حمايتنا. يضاف إلى ذلك أننا مدينون لرعايانا المسلمين بدرس القضية من كل جانب في الداخل والخارج.
ولو أن هذا التقرير يبحث في الشعوب الإسلامية لا غير فإنني لا أنكر أهميته فيما يتعلق بالعناصر الهندوسية أيضاً .
(د) الاستخبارات خارج الهند
القضية برمتها قضية إمبراطورية. فالهند ومصر وعدن ليست سوى حلقات في سلسلة الحكم. مع ذلك كنا قبل الحرب نجهل جهلاً فظيعاً الأحوال السائدة في أقاليم بعضنا البعض.
من الضرورة المحتمة تبادل دائمي للآراء والاستخبارات والشؤون والسياسة، وهو واجب لإمبراطوريتنا كمجموعة.
وأشير مرة أخرى إلى خريطتنا ، وعلنيا أن يكون لنا وكلاء في كل محل مذكور فيها.
ولن يكون بأي حال من الصعب تنظيم نظام جيد للاستخبارات، وتكون الكلفة ضئيلة إذا قيست بالمعلومات التي نحصل عليها والاتصالات التي نحافظ عليها.
ولما كانت القضية مسألة إمبراطورية فكل المعلومات التي تصل بهذه الصورة يجب أن تأتي إلى مكتبنا المركزي وتوزع على جميع ذوي العلاقة. وفي وقت قصير نستطيع أن ننظم خدمات استخبارات تتناول المنطقة بأسرها وتراقب كل جمعية منفصلة وتنذرنا بأية قلاقل في الوقت المناسب.
وتستطيع خدماتنا القنصلية أن تجمع المعلومات محلياً، وتتناول هذه الخدمة الجانب العسكري مع الجانب المدني.
وتسير التجارة مع الحرب يداً بيد، والمعلومات المحلية لمكان ما قد يضمن النصر، ومعرفة الأحداث والشعوب قد تمنع حرباً.
وأخيراً أذكر أنني قلت إن "أنجمن خدام كعبة"، مهما بلغ من قوته، يجب أن لا يحصر اهتمامنا دون سائر الجمعيات والخطر الحقيقي الذي يكمن داخل الهند وخارجها.
علينا أن نذكر أن الأنجمن الذي اكتشف فإن الجمعية الرئيسية الكبرى سوف تبذل قصارى جهودها لحفظ اهتمام الحكومة مركزاً على هذه الجهة، وكل الأعمال السيئة سوف تنسب إلى هذه الجمعية، ليهرب الآخرون من الاكتشاف. إن ذلك يجري الآن حقاً لأن أعضاء الجمعية الكبرى يعطون المعلومات عن هذا الفرع.
وأنا ألفت نظر الحكومة دون ثقة في نفسي إلى "إسلام لاك" و"النيتشري". فالجمعية الأولى (إسلام لاك) أقوى الجمعيات، وهي متحفظة أكثر بكثير، وتضم أعضاء أكثر نفوذاً ، ولها مجال عمل أوسع، وآلاف أكثر من الأعضاء، وهي القوة المحركة على كل حال خارج الهند.
إن أعمال القسوة والإجراءات السابقة لأوانها هي ضد تعاليمها ـ الآن؟
مركزها الرئيسي خارج الهند في بخارى، وتجري من هناك حرب دعاية فعالة.
وأؤكد مرة أخرى أهمية موقف المسلمين الخارجين إزاء الشريف. حاولت هذه الجمعيات فيما مضى أن تجذبه إلى جانبها، وهي لا تقطع جهودها في الوقت الحاضر. بعد الحرب سوف تحاول أن تستعمل كل الضغط لتحقيق ذلك. فإذا امتنعنا عن الاعتراف بالشريف في أسرع ما يمكن فإننا نفقد فرصة وحيدة عظيمة لإحباط هذه الجمعيات.
ومهما طالت هذه المذكرة فإنني لم أعالج سوى جانب صغيرة من هذه المشكلة الضخمة، وكل موضوع ذكر فيها هو في نفسه دراسة واسعة يمكن حلها بالإخلاص والتعاون والمعلومات الكبيرة التي يملكها الخبراء في كل ناحية خاصة. نستطيع أن نجلب الشريف إلى جانبنا للمساعدة في التغلب على خطر جسيم، لأنه في الوقت الحاضر يهتم بنفس الخطر. وإذا أثبتنا ذلك له، وفي وسعنا أن نعمل ذلك حقاً، فإننا نهيء لأنفسنا حليفاً في نفس الاتجاه الذي نحن أقل مقدرة لعلاجه، وهو الجانب الديني، لأنه واضح النظر ومعتدل في آرائه ويستطيع أن يمنح الإسلام صفة أنقى بالمعارضة بالاتفاق معنا لكل الجمعيات المعادية لنا وله، التي لا يحتمل أنها بشدها تستطيع أن تخدم مصالح الإسلام الحقيقية.
وأخيراً هناك طريقة واحدة لمجابهة الدعاية وهي الدعاية المضادة. فلتتكلم الحكومة، وكل الثقل هو إلى جانبنا. إن لدينا الفرصة، ولنا حتى الحق والعدالة أكثر مما كان لدينا في أي وقت مضى، وقد يكون لنا في المستقبل.

(التوقيع) نورمان ن. أي. براي، كابتن
18 لا نرز، الجيش الهندي