تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قول عظيم في التكفير .. منقول



صرخة حق
10-31-2010, 05:40 AM
(اللهَ اللهَ يا أبْناءَ غَزَّة).


الحُمدُ لله؛ والصلاةُ والسلامُ علَى نَبِيِّهِ الكَرِيمِ؛ أما بعْد:

فَقْدْ آلَمَنِي - كما آلَمَ كَثِيرِينَ مِن المُسْلِمِينَ - ما وَقَعَ قَبْلَ مُدَّةٍ لَيْسَتْ بالبَعِيدَةِ بَينَ بَعْضِ أبْناءِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ مِنَ المُجاهِدِينَ وبَيْنَ حُكُومَةِ حَرَكَةِ المُقاوَمَةِ الإسْلامِيَّةِ (حَماس)، مَمّا اتُّخِذَ مَدْخَلاً للوَقِيعَةِ بالإسْلامِ وَبِأَهْلِ الإسْلامِ، مَعَ فَتْحِ بابِ الكَلامِ لِمَنْ يُحْسِنُ ولِمَنْ لا يُحْسِنُ؛ كَما هِيَ السِّمَةُ الغالِبَةُ علَى كُلِّ ما يَقَعُ مِن الحَوادِثِ فِي زَمانِنا!
لانْتِشارِ القَلَمِ مَعَ قِلَّةِ العِلْمِ وغَلَبَةِ الجَهْلِ، ونَحْنُ فِي زَمانٍ غَدا الإنْصافُ فِيهِ عَزيزاً!
وتِلْكَ ثَمَرَةُ ما أَسْلَفْناهُ، ولا تَكادُ تَجْدُ مُخْتَلِفَيْنِ مِنَ (المُسْلِمِينَ) إلاّ ولِسانُ حالِ كُلٍّ مِنْهُما:

إمّا مَعْنا وإما عَلَيْنا!!؛ وما أحْسَنَ ما قالَ بَعْضُ العُلَماءِ رَحِمَهُمُ اللهُ: عَلى قَدْرِ الجَهْلِ يَكُونُ الشِّقاقُ؛ وعلَى قَدْرِ العِلْمِ يَكُونُ الوِفاقُ

وَمُنْذُ أنْ وَقَعَتْ تِلْكَ الأحْداثُ والناسُ يُكْثِرُونَ السؤالَ عَنْها شِفاهاً تارَةً ومَكاتَبَةً أُخْرَى، وكَثُرَ الخَوْضُ فِيها مِنَ الأغْرارِ والأغْمارِ المُفْتِينَ!!؛

حَتى آلَ الحالُ إلَى التَّرامِي بالكُفْرِ والتَّراشُقِ بِالبِدْعَةِ والفُسُوقِ!،
مِمَّا لَوْ عُرِضَ مِثْلُهُ عَلَى فُحُولِ الأَئمَةِ وأساطِينِ العِلْمِ لأَطالُوا الوُقُوفَ عِنْدَهُ؛ وأَعَدُّوا لِهَوْلِ المَوْقِفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعالَى جَواباً؛ قَبْلَ أنْ يُقَدِّمُوا للسّائِلِ جَوَاباً!،
أَلاَ قاتَلَ اللهُ الجَهْلَ ما يَصْنَعُ بِأَهْلِهِ.

وقَدْ أَبَى عَلَيَّ إلْحاحُ السائِلِينَ؛ مَعَ ما ذَكَرْتُهُ لكَ؛ إلاّ أنْ أُدْلِيَ بِما تُوجِبُهُ أمانَةُ العِلْمِ، وما يُمْلِيهِ حَقُّ الشرْعِ أَوَّلاً وحَقُّ المُسْلِمِينَ ثانِياً، وكَمْ رَجَوْتُ فِي مِثْلِ هَذهِ المَواطِنِ أنْ يَكْفِيَنِي اللهُ تعالَى بِغَيْرِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وهُمْ كَثِيرٌ وللهِ الحَمْد

أما وقَدْ وقَعَ السؤَالُ فَقَدْ تَعَيَّنَ مَعَ العِلْمِ الجَوابُ، فَأَقُولُ مُقَدِّما بِما لا بُدَّ مِن بِيانِهِ فِي مِثْلِ هَذا المَقامِ، مُراعِياً إِدْراجَ ما نُعَوِّلُ عَلَيهِ بَعْدَ اللهِ تعالَى مِن الأصُولِ المَرْعِيَّةِ فِي مِثْلِه:

فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ الشافِعِيّ 1/200):
وَلاَ يَقْبَلُهُ (الجَرْحَ) مِنْ فَقِيهٍ دَيِّنٍ عَاقِلٍ إِلاّ بِأَنْ يَقْفَهَ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ، فَإِنَّ النّاسَ يَتَبَايَنُونَ فِي الأَهْواءِ؛ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بُالكُفْرِ وَالفِسْقِ بِالتّأْوِيلِ، وُهُوَ بِالْجَرْحِ عِنْدَهُمْ أَوْلَى... . انتهى.

والجَرْحُ بالكُفْرِ أَعْظَمُ هَذا كُلِّهِ؛ ولِذا وَرَدَ الوَعِيدُ الشديدُ عَلَيْهِ؛ كَما فِي الصحيحَيْنِ مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمما مَرْفوعا:
إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا؛ فِإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ، وفِيهما أيضاً مِن حَديثِ ثابِتِ بِن الضحاكِ:
وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ. وهَذا وَعِيدٌ شَدِيدٌ؛ لِما عُلِمَ مِن تَغْلِيظِ الشارِعِ فِي قَتْلِ المُؤْمِنِ عَمْداً؛ حَتَّى صارَ ذلكَ مِن المَعْلُومِ مِن الدينِ بالضَّرُورَة.

وفِي عِباراتِ الأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَأْيِيدٌ لِهَذا المَعْنَى:
مِنْها: ما فِي حاشَيَةِ الدرِّ المُختار: لَوْ وُجِدَ سَبْعُونَ رِوَايةً مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَكْفِيرِ المُؤْمِنِ، وَرِوَايَةٌ وَلَوْ ضَعِيفَةٌ بِعَدَمِهِ يَأْخُذُ المُفْتِي وَالقَاضِي بِها دُونَ غَيْرِهَا. وهُو فِي (الخُلاصَةِ) و (البَزّازِيَّةِ) من كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ، وذكَرَ نَحْوَهُ فِي فَتْحِ القَدير؛ وقالَ قَبلَه: وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ، وزادَ فِي دُرَرِ الحُكامِ شَرْحِ غُرَرِ الأحْكام تَعْلِيقاً علَى قَوْلِ المَتْنِ: يَمْيلُ العَالِمُ إلَى ما يَمْنَعُ التكْفِير:

أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ: عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِ.

ومِنها: وَهوُفِي الحاشِيَةِ أيضا:
وَمَا يُشَكُّ أَنَّه رِدَّةٌ لاَ يُحْكَمُ بِها، إِذِ الإِسْلامُ الثابِتُ لاَ يَزُولُ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الإسْلاَمَ يَعْلُو، وَيَنْبَغِي للعِالِمِ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا أَنْ لاَ يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الإِسْلامِ؛ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّة إِسْلاَمِ المُكْرَهِ.

ومِنْها: مَافِي الفَتَاوَى الصُّغْرَى مِنْ كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ أَيْضاً: الكُفْرُ شَيْئٌ عَظِيمٌ، فَلاَ أَجْعَلُ المُؤْمِنَ كَافِراً مَتَى وَجَدْتُ رِوَايَةً أَنَّهُ لا يَكْفُرُ. انتهى.

ومِنْها: مَا فِي الّتَتارخَانِيَّةِ: لاَ يُكَفَّرُ بِالْمُحْتَمَلِ، لأَنَّ الكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي العُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ، وَمَعَ الاحْتِمَالِ لاَ نِهَايَةَ. انتهى.

وَمِنْهَا: مَا فِي حاشِيَةِ الدرِّ عَنِ البَحْرِ مُخْتَصَراً: وَالّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لاَ يُفْتَي بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلاَمِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ، أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلاَفٌ؛ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ لاَ يُفْتَي بِالتَّكْفِيرِ فِيهَا، وَقَدْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي أَنْ لاَ أُفْتِي بِشَيْئٍ مِنْهَا. انتهى.

وَمِنْها: ما فِي الفُرُوعِ لابنِ مُفْلِحٍ مِن كُتُبِ الحنابِلَة: وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ (السِّرّ الْمَصُون):
رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ أَقْدَمُوا عَلَى تَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِالْكُفْرِ عَلَى مَنْ خَالَفَ إجْمَاعَ الأُمَّـةِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ حَالُهُ تَأْوِيلاً
وَأَقْبَحُ حَالاً مِنْ هَؤُلاءِ الْمُكَفِّرِينَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ كَفَّرُوا عَوَامَّ الْمُسْلِمِـينَ وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ لاَ يَعْرِفُ الْعَقِيدَةَ بِأَدِلَّتِهَا الْمُحَرَّرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ!، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ، فَإِنَّهَا حَكَمَتْ بِإِسْلامِ أَجْلاَفِ الْعَرَبِ وَالْجُهَّالِ، انْتَهَى كَلامُهُ.

وكَما أنَّ بَيانَ الحِقِّ واجِبٌ علَى العُلَماءِ رَحِمَهُمُ الله صِيانَةً للدينِ وحراسَةً للشرْعِ المُطَهَّر، فَلَيْسَ مِن شَأْنِ الراسِخِينَ فِي العِلْمِ كَذلكَ المُبادَرَةُ بِتَكْفِيرِ المُسْلِمِ لِقَوْلٍ أو فِعْلٍ يَحْتَمِلُ الكُفَرَ، بل الجادَّةُ المَطْرُوقَةُ المُعَوَّلُ عَلِيْها عِنْدَهُمْ دِقَّةُ النَّظَرِ والتَّفْصِيلِ، وإيرادُ ما يُحْتَمَلُ مِنَ الوُجُوهِ النافِيَةِ للكُفْرِ ولَو كانَتْ ضَعِيفَةً، كما قالَ ابنُ عابدينَ فِي عُقُودِ رَسْمِ المُفْتِي:

وكُلُّ قَوْلٍ جاءَ يَنْفِي الكُفْرا عَنْ مُسْلِمٍ ولَو ضِعِيفاً أَحْرَى

ولَذا تَرَى الأئِمّةَ رَحِمَهُمُ اللهُ يُكْثِرُونَ مِن قَوِلِهِمْ فِي جَوابِ هَذهِ المَسائلِ: إنْ كانَ المُرادُ كذَا فالأمْرُ كَذا، وإنْ كانَ كَذا فَهُوَ كذا، حَتَّى إِنَّهُمْ يُورِدُونَ علَى الأمْرِ الواحِدِ الوَجهَيْنِ والثلاثَةَ والأرْبَعَةَ وأكْثَرَ؛ كُلُّ ذلكَ حَيْطَةً مِنْهُمْ وحَذراً رَحِمَهُمُ الله، وهَذَا هُوَ مُوجَبُ العِلْمِ، بَلْ كُلَّما ازْدادَ العِلْمُ ازْدادَ العالِمُ احْتِياطاً وتَفْصِيلاَ
لا كَحالِ المُتَعالِمِ الغَمْر!؛ النُّتَفَةِ أَبِي شِبْرٍ!؛ شَيْخِ الأُذُنِ! كما يُسَمِّهِ إخْوانُنَا مِن أَهْلِ (بُخارَى)، وهُوَ الذي يَسْمَعُ اللفْظَةَ فَيْجْعَلُها غايَتَهُ ومُنْتَهَاه!؛ وسَمِيرَهُ وهِجِّيراه، فَتَرَاهُ وقَدْ قَعَدَ لأهْلِ الإسلامِ بالمِرْصادِ!؛ فلا يَقَعُ أحَدُهُمْ فِي خَطَأٍ أوْ يَتَعَثَّرُ فِي مِشْيَةٍ إِلاَّ وبَادَرَ إلَيْهِ وأَجْهَزَ علَيْهِ!!، ويَحْسَبُ أنَّ ذلكَ مِن الصلابَةِ فِي الدين!، وفَاتَهُ أَنَّها زَلَّةُ الحِمارِ فِي الطِّين!!

وما لِهَذا المُتَطاوِلِ عَلَى مَقامِ الإفْتاءِ فِي الشرْعِ؛ وقَدْ بَلَغَ مِن الجَهْلِ غايَةً لا يُفَرِّقُ مَعها بَينَ أَصْلٍ وفَرْع؟!
وَكَمْ مَنَّ اللهُ تعالَى علَى هَذا العُبَيْدِ وفَرَّقَ مِن أمْثالِ هَؤلاءِ جُمُوعاً، وكَمْ هَدَمَ لَهُمْ مِنْ حِصْنٍ حَسِبُوهُ مَنِيعاً، والحَمْدُ للهِ علَى فَضْلِهِ وإحْسانِهِ، وهَا أنا ذا أُورِدَ فِي هَذا المَقامِ مِنْ صَنِيعِ الأَئمَّةِ ما يَكُونُ – إنْ شاءَ الله - مِثالاً يُحْتَذى لِمَنْ شاءَ اللهُ لَهُ الهِدايَةَ والتُوفِيق:

فَمِنْ ذلكَ: ما رَأيتُهُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ فِي حَقِّ مَنْ سَبَّ دِينَ رَجُلٍ، فإنْ كانَ يُرِيدُ بِذلكَ دينَ الإسلامِ كَفَرَ، وإنْ كانَ يُرِيدُ بِهِ طِرِيقَتَهُ فِي المُعامَلَةِ مِن خِيانَةِ الأمانَةِ وإيذاءِ الجارِ والكَذِبِ ونَحْوِ ذلكَ فَلاَ يَكْفُر، وإنْ كانَ يُعَزَّرُ ويُنْهَى عَن اللفِظِ الذي ذكَر.

ومِنْه: ما لَو دَعا علَى رَجُلٍ من المُسْلِمِينَ بِأَنْ يَمُوتَ كافِراً، فإنْ أرادَ حَقِيقَةَ الكُفْرِ كَفَر، وَإنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ فِي الشَّتْمِ؛ وَإِرَادَةُ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لَهُ؛ وإنّما مُرادُهُ الدعاءُ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ كَافِرًا بِذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛
كما قالَ الخَرَشيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ خَلِيل. وتَرَى نَحْوَهُ فِي مِنَحِ الجليل؛ وزاد: وَصَوَّبَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( عَلَى الأَصَحِّ ) لأَنَّهُ قَصَدَ شِدَّةَ الضَّرَرِ بِالْخُلُودِ فِي سَقَرَ لاَ الرِّضَا بِالْكُفْرِ، وَمُقَابِلُ الأَصَحِّ فَتْوَى الْكَرْكِيِّ بِكُفْرِهِ لأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.

ومِنْهُ: ما لَوْ شَدَّ فِي وَسْطِهِ (زُنَّاراً)؛ - وهُو الحِزامُ المُلَوَّنُ الخاصُّ بالكافِرِ لِيتَمَيَّزَ بِهِ عَن المُسْلِم - إنْ شَدَّهُ مُسْلِمٌ مَحَبَّةً لِذَلِكَ الدِّينِ وَمَيْلاً لأَهْلِهِ لاَ هَزْلاَ وَلَعِباً حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَأَسِيرٍ عِنْدَهُمْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ مَلْبُوسِهِمْ فَلاَ يَحْـرُمُ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. انْتَهَى منْ مِنَحِ الجَلِيل شرحِ مُخْتصرِ خليل.

ومِنْهُ: الرِّضا بالكُفِر، قال فَي الفَوَاكِهِ الدّوَانِي شرحِ رِسالَةِ أبي زَيدٍ القَيروانِيِّ:
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا إذَا رَضِيَ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ، لاَ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ قَضَاهُ.


فانْظُرْ – يا رَعاكَ الله – وتَعَلَّمْ: رَجُلٌ سَبَّ دِينَ رَجُل مِنَ المُسْلِمينَ!، ورَجُلٌ دَعا عَلَى مُسْلِمٍ أنْ يَمُوتَ كَافِراً!، ورَجُلٌ شَدَّ فِي وَسَطِهِ (زُنارَ النصارَى)!، ورَجُلٌ رَضِيَ بالكُفْر!، ورَجُلٌ قال: إنْ فَعَلَ كَذا فَهُوَ يَهُودِيٌّ؛ أوْ قالَ كَذا فَهُوَ يَهُودِي!، ورَجُلٌ سَجَدَ للصَّنَمِ فِي دارِ الحَرْبِ وتَكَلَّمَ بالكُفْرِ!، ورَجُلٌ اسْتَنْجَى بِوَرَقَةٍ فِيها اسْمٌ عَظّمَهُ اللهُ تعالَى!، ورَجُلٌ ابْتَدَأ القرَاءَةَ بَقَوْلِهِ تعالَى: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ}؛ {المُسيحُ ابْنُ اللهِ}؛ {إِنِّي كَفَرْتُ}!

لَوْ عُرِضَ هَذا وأَمْثالُهُ عَلَى كَثِيرِينَ مِن فَسائِلِ المُتَعَلِّمِينَ وأنْصافِهِمْ! لبَادَرَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ بالقَوْلِ بِكُفْرِهِ وكُفْر مَن لَمْ يُكَفِّرْهُ قَبْلََ أنْ يَفْرُغَ السائِلُ مِن سُؤالِهِ!!؛ ظَنّا مِنْهُ أنَّ ذلكَ مِن الواضِحاتِ الجَلِيَّاتِ، وَأنَّهُ قَدْ جَمَعَ مِن أطْرافِ العِلْمِ ما غابَ عَمَّنْ سِواهُ، وما دَرَى المُسْكِينُ أنَّهُ فاتَهُ مِنْهُ زُبْدَةُ البابِ؛ وضَيَّعَ مَحْضَ اللبابِ، ولَوْلا أنْ أُطِيلَ عَلَيكَ لأتَيْتُكَ بَعَشَرَةِ أضعافِ ما ذكَرْتُهُ لكَ مِن الأمْثِلَةِ، وما أَصْنَعُ بِذلكَ - لَوْ فَعَلْتُ - إِلاّ أنْ آتِيَ عَلَى بَعْضِ ما حُفِظَ عَن الأئِمَّةِ رَحِمَهُمُ الله.

وبِهَذا التَّقْرِيرِ يَلُوحُ لكَ فَسادُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ القَوْلَ بِتَكْفِيرِ (حَماسٍ) لِتَصْرِيحِ بَعْضِ قادَتِها بالتِزَامِها مَبْدَأَ (الديمُوقْراطِيَّةِ)!، ونَحْنُ وإنْ كُنّا نُنْكِرُ علَى (حَماسٍ) هَذه التّصْرِحاتِ وأمْثالَها مِمّا يَصْدُرُ عَنْهُم؛ كما سَيأتِي إنْ شاءَ الله، إِلاّ أنَّ إنْكارَهُ شَيءٌ؛ وإطْلاقَ القَوْلِ بالتكْفِيرِ بِهِ شَيءٌ آخَرُ

فإنَّنا نَسْلُكُ بِهِ مَا ذكَرْناهُ لكَ مِن مَسالكِ الأئِمَّةِ رَحَمِهُمُ الله، فِإنَّ (الديموقْراطِيَّةَ) وإنْ كانَتْ فِي الأصْلِ نَهْجاً غَرْبِياً ومُصطَلَحاً وافِداً دَخِيلاً عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالَى؛ وهِي فِي الأصْلِ عِنْدَ واضِعِها تَعْنِي (حُكْمَ الشَّعْبِ للشعْبِ)!؛

إِلاّ أَنَّنا نَسْلكُ مَعَ مَنِ اسْتَعْمَلَ هَذهِ اللفْظَةَ مِن المُسْلِمِينَ مَسالكَ الأئِمَّةِ فِي الألْفاظِ التِي سَبَقَتْ الإشارَةُ إلَى بَعْضِها، فالمُتَعَيِّنُ إيرادُ الأَوْجِهِ التِي يَحْتَمِلُها مُرادُ المُتَكَلِّمِ بالعِبارَةِ، فِإنْ أَرادَ المَعْنَى الذِي دَلَّتْ علَيهِ بِأصْلِ الوَضْعِ وهُوَ تَحْكِيمُ آراءِ البَشَرِ وأهْوائِهِمْ وتَقْدِيمُها علَى شَرْعِ اللهِ تَعالَى فَذلكَ كُفْرٌ يَقِينا
وإنْ قَصَدَ (بالديمُوقْراطِيَّةِ) مَبْدَأَ الشورَى الذي جاءَ بِهِ الشرْعُ وأنْ تُقامَ الحُكُومَةُ الإسلامِيَّةُ بَمُشاوَرَةِ أهْلِ الحَلِّ والعَقْدِ كَما يَصَرِّحُ بِهِ كَثِيرٌ من كِبارِ المُعاصِرِينَ كَما سَمِعْناهُ مِن بَعْضِهِمْ مُشافَهَةً ونُقِلَ لنا عَنْ آخَرين فَلا يَكُونُ كُفْراً

وكَذلكَ إنْ كانَ مُرادُهُ كَما يَقُولُ آخَرُونَ أيْضاً: إنَّ (الديمُوقْراطِيَّةَ) احْتِرامٌ لإرادَةِ الشعْبِ؛ ونَحْنُ واثْقُونَ بأَنَّ الشعْبَ مُسْلِمٌ ولَنْ يَخْتارَ غَيرَ الإسلامِ ويُرِيدُونَ بِذلكَ أنْ يُثْبِتُوا تَمَسُّكَ الشعُوبِ الإسلامِيَّةِ بإسلامِها وأنَّ العِلْمانِيِّينَ المُحارِبِينَ للشرْعِ فِئَةٌ قَلَيلَةٌ مُتَسلِّطَةٌ بغَيْرِ حَقٍّ عَلَى الأمَّةِ؛ ومَتَى تُرِكَ الخِيارُ الحَقِيقَيُّ للأُمَّةِ بَعِيداً عَن القَهْرِ والظُلْمِ نَبَذْتْهُمْ ورَاءَها ظِهْرِيّاً ولَفَظَتْهُمْ لَفْظَ النّواةِ؛ فَلا يَكُونُ كُفْراً كَذَلكَ، فَإنْ أَرادَ أنَّ الناسَ مَخَيَّرُونَ! إنْ أرَادُوا حُكْمَ اللهِ فَحُكْمُ الله، وإنْ أرادُوا حُكْمَ الجاهِلَيَّةِ فَحُكْمُ الجاهِلِيَّةِ؛ أَوْ أَنَّهُمْ يَسَعُهُمْ الخُرُوجُ عَن شَرِيعَةِ اللهِ إلَى القانُونِ الوَضْعِيِّ إنْ اخْتارَت الأَغْلَبِيَّةُ ذلكَ؛ فَكُفْرٌ وشِرْكٌ باللهِ تعالَى فِي حُكْمِهِ.

وهَكذا لَمَّا وقَعَ القِتالُ فِي هَذهِ الفْتِنَةِ التِي قُتِلَ فِيها بَعْضُ المُجاهِدِين رَحِمَهُمُ الله، أَطْلَقَ بَعْضُهُم القَوْلَ بَتَكْفِيرِ (حَماسٍ)؛ وَعَلَّلَ ذَلكَ بِأَنَّهُ قِتَالٌ فِي سَبِيلِ الطاغُوتِ!، وَهَذهِ إطْلاقاتٌ فاسِدَةٌ خارِجَةٌ عَن طَرِيقَةِ العُلَماءِ رَحِمَهُمُ الله، بل الواجِبُ هُو التفْصيل، فإنّ هَذا الذي قالُوهُ إِنَّما يَسْتَقِيمُ أنْ لَو كانَ مَبْعَثُ القِتالِ عَداوَةً لدِينِ الإسْلامِ وإِدالَةً للكافِرِ علَى المُسْلِمِ، ولَيْسَ هَذا مُتَعَيِّناً فِيما وَقَع، يُؤَيِّدُهُ أَنَّنا نَعْلَمُ مِن حالِ (حَماسٍ) - عَلَى ما فِيها – أَنَّها حَرَكَةٌ إسلامِيَّةٌ لَها يَدٌ طُولَى فِي قِتالِ البَهُودِ لَعَنَهُم الله؛ ولَها جُهُودٌ كَبِيرَةٌ فِي المُحافَظَةِ علَى إسلامِ الناسِ فِي تِلكِ البِلادِ ونَشْرِ الدَّعْوَةِ بَيْنَهُمْ؛ بَعْدَ أنْ كادَتْ مَعالِمُهُ تَنْدَرِسُ فِي تِلكَ الربوعِ لطُولِ عَهْدِها بالاحْتِلال، فَكَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَ هذا وبَيْنَ مَنْ عُرِفَ عَنْهُ العَداءُ للدِّينِ والشرِيعَةِ؛ والسعْيُ فِي هَلاكِ أهْلِهِ؛ وتَسْليطُ الكافِرِ علَى بِلادِ الإسلامِ؛ وتَمْكِينُهُ مِن رِقابِ المُسْلِمينَ يَصْنَعُ بِهِمْ ما يَشاء؟!، وقَدْ تَجْتَمِعُ الحَسناتُ والسيِّئاتُ فِي المُسْلِمِ كَما ذكَرَ ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي قاعِدَتِهِ المَشْهُورَةِ فِي الباب؛ فَيَكُونُ ذلكَ مِمّا يُوجِبُ حَمْلَ ما يَقَعُ مِن الزّلَلِ مِنْهُ علَى أَحْسَنِ المَحامِلِِ والتِماسِ العُذرِ لَهُ ما أمْكَنَ؛ وإنْ كانَ يُنْهَى عَن الوُقوعِ فِي مواطِنِ الشبُهاتِِ.

فَإنْ كانَ القِتالُ إنَّما وقَعَ لأَنَّهُمْ جَماعَةٌ مُسْلِمَةٌ بَأيدِيهِمْ مَقالِيدُ الأُمَورِ ومَنْ دَخَلَ هُناكَ مِنَ الصحَفِيِينَ والمُراسِلِينَ إنْما دخَلَ فِي جِوارِهِمْ وعَهْدِهِمْ وذِمَّتِهِمْ فَلَيْسَ هَذا القِتالُ قِتالاً للطاغُوتِ ولا كُفْراً كَما قِيل

وقَوْلُنا هَذا لَيْسَ تَصْوِيباً لِما وَقَعَ، ولا حُكْما لإحْدَى الطائِفَتَينِ علَى الأخْرى، فَإنَّ ذلكَ مَوقُوفٌ علَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ ما جَرى فِي نَفْس الأمْر، بَلْ هُو جَوابٌ علَى مَنْ رَتَّبَ علَى ذلكَ القَوْلَ بِالتَكْفِيرِ، وأرادَ أنْ يُلْحِقَها بالطوائِفِ الخارِجَةِ عَنْ شَرِيعَةِ الإسلامِ.

نَعَمْ، والواجِبُ عَلَى (حَماسٍ) أنْ تَرْعَى حَقَّ اللهِ تَعالَى وحَقَّ المُسْلِمِينَ أوّلا، وأنْ تَخْشَى اللهَ تَعالَى ولا تَخْشَى الناس؛ فاللهُ أحَقُّ أنْ يَخْشَوْهُ إنْ كانُوا مُؤْمِنِين، ونَحْنُ وإنْ كُنّا نَقَدِّرُ ما هُمْ فِيهِ والمُسْلِمُونَ هُناكَ مِن ضِيقٍ وحِصارٍ وشِدَّةٍ؛ ورُبَّما انْتَفَى عَن المَرْءِ فِي بَعْضِ المَواطِنِ الخِيارُ فالتَحَقُ حُكْمُهُ بالمُكْرَهِ؛

إلاّ أنَّ الاعْتِصامَ باللهِ تَعالَى فِي هَذه المَواطِنِ هُو سَبيلُ النَّجاةِ، ومِنَ الاعْتِصامِ بِهِ سُبْحانَهُ إخْلاصُ المَوَدَّةِ للمُؤْمِنِينَ وتَوْثِيقُ عُرْوَةِ المَوَدَّةِ الإيمانِيَّةِ عَلَى أساسِ الإسلامِ والتَوحِيدِ؛
لا علَى أساسِ العَصَبِيَّةِ لِحِزْبٍ أو طائِفَةٍ أو جَماعَةٍ مِن الناس، وهَؤلاءِ الشبابُ المُجاهِدُونَ هُمْ دِرْعُ الإسلامِ وحِصْنُهُ، وعلَيْهِم بَعْدَ اللهِ تعالَى المُعَوَّلُ فِي حَمْلِ رايَةِ الجِهادِ لِدَحْرِ العَدُو الصائلِ مِن اليَهُودِ وأولِيائِهِ مِن الصلِيبِيينَ

وأيْضاً فَإنَّ ما يُسْمَعُ مِنْهُمْ مِن التًصْرِيحاتِ والأقْوالِ عَلَى طِرِيقَةِ الساسَةِ الذينَ لا يَرْفَعُونَ بِدِينِ الإسلامِ رَأساً!!؛ فَذلكَ – مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ -
فَإنَّهُ مِمّا لا يُجْدِي شَيئاً، والأصْلُ أنْ يُكُونُوا أعْرَفَ الناسِ بِذلكَ؛ خاصَّةً بَعْدِ أحْداثِ غَزَّةَ الأخِيرة، فَإنّهُ عِبْرَةٌ لَهُمْ لَو كانُوا يَعْتَبِرُون، وهُمْ إنْ كانُوا يَطْلُبُونَ حَقا أو عَوناً علَى حَقٍّ أو يَرْتَجُونَ ذلكَ عِنْدَ أُمَمِ الغَرْبِ فَإنَّما يَسْعَونَ وراءَ سَرابٍ لَيسَ يَزِيدُهُمْ إلا ظَمَأً!.

وعلَى المُسْلِمينَ هُناكَ جَمِيعاً أنْ يُعِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، فإنَّ مِثْلَ هَذه الفِتَنِ تُوغِرُ الصدُورَ، خاصَّةً والبلادُ كَثِيرَةُ العشائرِ والقبائلِ، وفِي ذلكَ مَنْفَذٌ لِعَدُوِّ الدينِ كَما صَنَعَ الإنْجلِيزُ أيامَ احتِلالِ فِلَسطينَ الذي مَهْدَ لِدَولَةِ اليَهُود، ولا يَزالُ يَصْنَعُ هَذا فِي كَثيرٍ من أمصارِ المُسْلِمين.

وعلَى الإخْوانِ هُناكَ حَفِظَهُمُ اللهُ أنْ يَقْدُروا للأُمورِ حَقَّ قَدْرِها، ومِن السياسَةِ الشرْعِيةِ أنْ يُتْرَكَ الشيءُ لِما هُو أولَى مِنْهُ، وماذا علَى المُجاهِدِينَ لَوْ وَفَّرُوا جُهْدَهُمْ فِي المَواضِعِ المُتَّفَقِ علَيْها ودُونَهُمْ عَدُوٌّ لا يُنازِعُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ؟!، وماذا يَضِيرُهُمْ لَوْ تَرَكُوا ما يَقَعُ الخِلافُ حَوْلَهُ ويُؤَدِّي بِهِمْ إلَى مِثْلِ ما وَقَعَ فِي هَذه الحَوادِثِ؟!، ولَيْسَ كُلُّ ما جازَ فِعْلُهُ وَجَبَ عَلَيْنا أنْ نَفْعَلَهُ، بَلْ قَدْ يُتْرَكُ الجائِزُ لِمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِيهِ، وقَدْ يُتْركُ الواجِبُ لما هُو أوجَبُ مِنهُ؛ وحذرا مما يُفْضي إلَيهِ من المَفاسد، فَيكُونُ تَرْكهُ حينئذٍ واجِباً.

واعلَمْ أنّ الجهْلَ بالسياسَةِ الشرْعِيَّةِ التي يَجِبُ اتباعُها فِي مثْلِ هذه المواطِنِ يُفْضِي إلى آصارٍ وأغْلالٍ لَمْ يكَلْفْنا الشرْع بِها أصلاً؛

كما كتَبْتُ بذلكَ إلى بَعْضِ العُلَماءِ فِي رِسالَةٍ وضَعْتُها مِفْتاحاً لِكِتابٍ مُوعِبٍ فِي نَوازلِ السياسَةِ الشرعِية إن شاء الله؛ قُلْتُ فِيه:

وقَدْ تأمَّلْتُ طَويلاً فِي أحْوالِ العامِلِينَ لدِين الإسلامِ جماعاتٍ وأفرادَا، فَرَأيتُهُم في كَثيرٍ من المواطِنِ يَبْذُلُونَ الغالِيَ والنفِيسَ فِي سَبيلِ التَّمْكِينِ لدينِ الإسلامِ، فَكمْ بَذلوا من الدماء والنفوسِ والأعمارِ والأموالِ في سبيلِ ذلكَ!؛ وهوَ عندَ اللهِ تعالَى لا يَضيع، غَيْرَ أنَّهُمْ مَتى حانَ وقْتُ الحَصادِ وقَطْفُ الثمارِ؛ وبَلغَتِ الأُمُورُ إلَى دَهالِيزِ السياسَةِ جَنَى الثمَرَةَ غَيرُهم، وتَوَلَّى القِطافَ مَنْ لمْ يَبْذُلْ في تَحْصيلهِ فَتِيلاً!
فاسْتَوقَفَنِي هذا عِنْدَ النظَرِ في أسبابِهِ مرَّاتٍ ومراتٍ؛ فَرَأَيْتُ الجَهْلَ بِهذا البابِ الذي نَحْنُ فِيهِ مِن أعْظَمِ أسبابِهِ؛ بلْ العُلَماءُ والدُّعاةُ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالَى مِن أجْهَلِ الناسِ بِهِ!!
مَعَ أَنَّهُمْ أحَقُّ بِهِ وأهْلُه، ولا يَخْفَى عَليكمْ أنَّ أسبابَ القوَّةِ تَشتَركُ فِيها الأمَمُ كَما تَشتَركُ في غَيرها من الأسباب.

وقَبْلَ هذا وذاك، ما يَقَعُ فِي كَثِيرٍ من الأحْيانِ مِن الخَطأِ العظيم في تَقْديرِ المصالحِ والمَفاسِدِ؛ حتى تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَبِعاتٌ كَثِيرةٌ؛ مِن تَحَمُّلِ الدعاةِ مِن التكالِيفِ ما لَمْ يُحَمِّلْهُم الشرْعُ إياهُ!؛
كما وقَعَ لِبَنِي إسرائيلَ لما حَمَّلُوا أنفُسهمْ من الأغلالِ والرهبانِيَّةِ التي ابْتَدَعُوها، وما نَراهُ مِن التعَنُّتِ فِي مَواطِنِ التيسير، أو التساهُلِ فِي أُصُولِ الدينِ وقَواعِدِهِ، ونَتَجَ عن هذا تَكْثِيرُ العَداوات!؛ واصْطِناعُ الخُصومات!؛ وتَنْفِيرُ الوَلِيِّ القَريب!؛ والزهُدُ فِي الأَنْصارِ والأعْوان!؛ والمُنافَقَةُ فِي اصْطِحابِ مَنْ يُرْتَجَى مِنه النفعُ إلى حين! والجَهْلُ بالفَرْقِ بِينَ ما يُباحُ فِعْلُهُ وما يَتَعَيَّنُ فِعْلُه!، وبَينَ ما يُخْفَى وما يُعْلَن، وبَيْنَ ما يُقَدَّمُ وما يُؤَخَّر، والجَهْلُ بمراتِبِ الناسِ فِي المُعامَلَةِ والخِطابِ!، وهذا كُلُّهُ ومِثْلُهُ كثيرٌ فِي داخِلِ الدار!؛ دَعْ عَنكَ خارِجَها واليَقَظَةَ والحَذرَ من كَيدِ العَدُوَّ ومَكْرِه؛ ومَعْرِفَةَ مَصالِحِهِ ومَضارِّهِ؛ ومَواطِنِ الالتْقاءِ والافْتِراقِ بَينَ الأُمَمِ في ذلكَ، معَ أن النبِيَّ صلى اللهُ علَيهِ وسلم يَقول:

الحَرْبُ خَدْعَةٌ؛ وكيفَ يَتَسَنَّى ذلكَ لمنْ جَهِلَ ما نَحْنُ فِيه؟!؛ وللهِ الأَمْرُ من قَبْلُ وَمِنْ بَعْد... . انتهى ما أردْتُ نَقْلَه.
وهَذا الذِي أشرْتُ إلَيْهِ فِيما نَقَلْتُهُ عَن الرسالَةِ مِن أُصولِ فِقْهِ الواقِعِ الذي يَذكُرُهُ كَثِيرُونَ لكِنَّهُمْ لا يَدْرُونَ مِعناهُ!،
واللهَ أسْألُ أنْ يُفَقِّهَنا فِي دِينِنا ويُبَصِّرَنا بِعُيُوبِنا، وأنْ يَحْفَظَ المُجاهِدينَ فِي سَبِيلِهِ حَيْثُ كانُوا، وأنْ يَكْتُبَ لَهُم النصرَ والتمْكِينَ.
والحَمْدُ للهِ أوَّلاً وآخِراً.
وصلى الله على محمَّدٍ وآلهِ وصحْبِهِ وسلّم.

وكَتَب: خادِمُ العِلْمِ وأَهْلِهِ:
كانَ اللهُ له

العلامه أبُو الوَلِيدِ الغَزِّيُ الأَنْصارِيُ