تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حال المسلمين في اوروبا: فرنسا وايطاليا مثلاً



من هناك
10-26-2010, 03:55 PM
خبران وردا من أوربة ومن بلدين متجاورين، بديا بعيدان تماما إلا أن فيهما تقاطع يستحق التوقف عنده. الخبر الأول من إيطاليا والذي جاء فيه، أن مسؤولين في مدينة كاستيلا ماري الساحلية يدرسون فرض حظر على ارتداء التنانير القصيرة او اي ملابس يمكن اعتبارها مستفزة، وتحاول المدينة أن تستفيد من الصلاحيات الإضافية التي منحتها الحكومة الإيطالية لرؤساء البلديات بهدف مكافحة الجريمة والتصدي للسلوك الاجتماعي السيء. وقال عمدة المدينة لويجي بوبيو إنه يريد استخدام الحظر لمواجهة ما يصفه بالسلوكيات غير الاجتماعية واعادة اللياقة، وبمقتضي القانون سيحظر على زوار المدينة ارتداء التنانير القصيرة والجينز القصير أيضا. ويرى العمدة أن الهدف من القانون الجديد هو ملاحقة الأشخاص "الغوغائيين والجامحين أو الذين يتصرفون بطريقة سيئة". من جانبه أيد القس دون باولو سيسيري القرار واعتبره "القرار الصائب" وأضاف قائلا "إن القانون يعد وسيلة جيدة لمكافحة زيادة حالات التحرش الجنسي".

الخبر الثاني ورد من فرنسا ساركوزي والتي كان لها السبق في محاربة الحجاب وحظر النقاب في فرنسا، فلقد أوصى "المجلس الأعلى للتكامل" في فرنسا هيئات التدريس في البلاد برفض ما وصفه بالمطالب المتزايدة للطلبة المسلمين وأولياء أمورهم في البلاد. وقال المجلس إن "هناك مشاكل متنامية بسبب مطالبة طلبة من أبناء المهاجرين بتوفير اللحم الحلال لهم في الوجبات المدرسية، وبسبب الاعتراضات التي يقدمونها لدى تدريس بعض المناهج مثل الأديان والحرب الفرنسية في الجزائر، والأحداث المتعلقة بالفلسطينيين والإسرائيليين والأنشطة العسكرية الأمريكية في دول مسلمة، وكذلك مواضيع كالهولوكوست والحروب الصليبية والنشوء والارتقاء".

وأوصى المجلس برفض هذه المطالب وضرورة أن توضح هيئات التدريس لأولئك الطلبة المبادئ العلمانية للبلاد، وطالب بأن "نؤكد الآن علمانيتنا وندرب المدرسين على كيفية التعامل مع مشاكل محددة تتعلق باحترام هذه المبادئ". وأفاد التقرير بأن بعض الفتيات يطلبن إعفاءهن من المشاركة في فصول الالعاب الرياضية أو السباحة لان اختلاطهن بالاولاد حرام. وأضاف أن المدارس الفرنسية يجب أن تصر على مبدأ التعليم المختلط والحقوق المتساوية والاحترام المتبادل، وقال "أن تكون مواطنا فرنسيا يعني أن يقبل المرء آراء مختلفة عن رأيه...وهذا هو ثمن حرية الرأي والتعبير".

وقال باتريك جوبرت رئيس المجلس الأعلى إن مجلسه قرر دراسة تكيف الطلبة من خلفيات مهاجرة مع النظام التعليمي في البلاد، لأن ذلك "في قلب التحديات التي يتوجب على المجتمع الفرنسي مواجهتها"، وكما قال "يجد المدرسون بشكل متكرر أن أولياء الامور المسلمين يرفضون تدريس المسيحية لابنائهم... بل أن بعضهم يرى أن هذا يصل إلى حد التنصير" ، "وتظهر معاداة السامية على السطح عند تدريس مواد عن الهولوكوست مثل ترديد نكات غير لائقة ورفض مشاهدة أفلام' عن معسكرات التعذيب النازية".
في الوقت الذي تحارب فيه فرنسا الحجاب والاحتشام نجد أن مسألة انتشار بعض الجرائم وربطها بالتعري وبشكل واضح وصريح غربيا كما حصل في المدينة الإيطالية يثير الكثير من التساؤلات. فلو أن الاقتراح الإيطالي جاء من مركز إسلامي أو من خطيب مسجد في أوربة لقامت الدنيا ولم تقعد، ولسمعنا تحذيرات من ضياع الهوية الأوربية والتخويف من أسلمة القارة العجوز. من الواضح إيطاليا على الأقل، بأن العري من مسببات ودوافع الاستفزاز والجرائم وبالتالي ومن قبيل البداهة فإن الستر والحجاب سيقدمان دواء للمشكلة والتي وصلت إلى حدود لا يمكن السكوت عليها. فلماذا تسن القوانين لمكافحة الحجاب ولا تكون في مواجهة العري والاباحية وما يتسبب عنهما من أمراض وخلل وأعراض؟

المسألة فرنسيا وأوربيا ليست في الحجاب أو في النقاب أو ما إلى ذلك، بل في التضييق على المسلمين ومحاولة تخييرهم بين الذوبان في المحيط الأروبي أخلاقيا وفكريا أو العودة إلى ديارهم ألأصلية. أوليست هذه النقطة هي ما ارادت المستشارة الألمانية أن تصل إليه وهي تتحدث عن فشل خيار التعدد الثقافي في ألمانيا؟ أجراس الخطر والتي تقرع في فرنسا والتي تحذر من تمسك ناشئة المسلمين بدينهم وتعتبره أمر في غاية الخطورة، أمر يتنافى تماما مع شعارات الحرية والديمقراطية والتي يتغنى فيها الغرب في كل وقت وحين. المدارس الفرنسية مستاءة إذا ما اعتذر تلميذ مسلم عن مشاهدة فيلم عن الهولوكست، ربما لإنه شاهد في بيته في الليلة الماضية وعلى الهواء فيلما عن إحراق غزة، والفرنسيون متضايقون من شاب مسلم يعترض على غزو العراق على الرغم من أن مواقف القيادة الفرنسية السابقة كانت معارضة بشدة لجريمة الغزو الأمريكية هناك.

الأمر المثير للسخرية السوداء ما جاء في التقرير "أن تكون مواطنا فرنسيا يعني أن يقبل المرء آراء مختلفة عن رأيه...وهذا هو ثمن حرية الرأي والتعبير"، بمعنى أوضح أن تكون مسلما فحرية الرأي والتعبير تعنى أن تتبع ما نقوله لك وأن تلغي عقلك وتتنكر لهويتك وأن تصفق للاحتلال الإسرائيلي والأمريكي. إنه نفس المنطق الأمريكي والغربي –في بعض أبعاده- والذي يسمى احتلال العراق تحرير، وتفتيت البلد طائفيا بنشر الديمقراطية، ويعتبر محرقة غزة وقتل أطفالها وشيوخها وتشويههم دفاع عن النفس، وجرائم الصهاينة المتواصلة مبررة ويمكن تفهمها.

إن الغرب في تصرفاته وسلوكياته غير العادلة مع المسلمين، وفي معاييره المزدوجة وسلوكياتها الفاضحة في نفاقها فيما يتعلق بقضاياهم، إنما يهزم نفسه أخلاقيا وحضاريا. من هنا ليس من المستغرب أن تنهض تركيا كقوة إقليمية وربما مستقبلا أوسع من ذلك، بتميزها عن الغرب في ربط سياساتها بالإضافة لمصالحها وطموحاتها إلى القيم الأخلاقية النبيلة والرفيعة.

ياسر سعد