تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقال رائع لعبد العزيز الخميس عن ام سعود والاصلاح



اليتيم
11-05-2003, 08:59 AM
مقال رائع لعبد العزيز الخميس عن ام سعود والاصلاح

صفحة جديدة من التاريخ السياسي السعودي
عبد العزيز الخميس
أم سعود امرأة من نجد اختفي زوجها قبل 11 عاما ولم تبذل حكومتها جهدا يذكر للبحث عنه حتي داخل أقبية تعذيبها، فلم يبقي لها سوي ابنها سعود وثلاث بنات ظللتهم بحنوها وحمايتها خوفا عليهم من عاديات الزمن لكن الزمن الغادر خطف منها ابنها علي دفعات فسجن بتهمة تنكرها ثم احرق السجانون قلبها بحرق جسد ابنها داخل سجن الحائر قبل اسابيع.
أم سعود امرأة قحطانية من نساء المملكة العربية السعودية الصابرات علي غدر الزمان وصلف الرجال وتجاهل النظام وضياع الهوية، ثكلت في قرة عينها فخرجت من منزلها لتتقدم مظاهرة الثلاثاء في العاصمة الرياض ولتصرخ بشعار اصبح حديث كل من تواجد في جوفه قلب عطوف. حملت قرآنها وسجادتها وتوجهت الي مقر المظاهرة وبينما كان الشباب المتظاهرون يهربون من تحت هراوات جلاوزة النظام وقفت أم سعود تصرخ بأعلي صوتها: يا ويلي يا سعود أين انت أخذوك مني الظلمة لم يستمع اليها ضابط القوات الخاصة فأنهال عليها ضربا ثم كوم جسدها الضعيف داخل حافلة امتلأت بنساء المظاهرة.
نعم نساء سعوديات من قحطان ومطير وشمر وغامد وتميم وبني خالد لم تمنعهم عباءاتهم ولا ما تندر عليه الرئيس المصري أنور السادات يوما ملقبا اياه بالخيام السوداء. لم تمنعهن هذه الخيام من ان يضربن اطناب خيامهن في قلب شعب صابر بحب وحنان ولم يتعثرن بثيابهن الطويلة بل اظهرن انهن اكثر رجولة ورفضا للظلم ورغبة في الحرية من اصحاب الشوارب الطويلة الذين يتشدقون بانتصاراتهم في ملاهي بيروت وكازينوهات لندن.
قدمت المرأة السعودية دليلا لا يدحض انها موجودة في الساحة السياسية بل انها اللاعب الأول ما دام بعض رجال البلاد يرون في الظلم عدل، وفي انتهاك الحقوق قسطاس، وفي التعبير عن الرأي فتنة، وفي المشاركة السياسية تهجم علي ولي الأمر الذي لم نري له ولاية ولا أمر.
لم تكن أم سعود وحدها بل ان المرأة السعودية والشاب السعودي لعبوا دورا مهما في انتفاضة الثلاثاء العظيمة خرجوا ليس لأنهم يؤيدون حركة الاصلاح الإسلامية التي دعت للمظاهرة او هم اعضاء فيها بل لأنهم سمعوا قولا يرفض الظلم ويطالب بحقوقهم فنهضوا وضربوا مثلا عظيما هو ان المرأة التي ظلمها النظام والشباب الذين نسي مشاكلهم وتجاهلهم، هم من تقدموا بصدورهم مستقبلين هراوات النظام، وهم من حشر في حافلاته، وليقدموا فتحا جديدا في التاريخ السعودي المعاصر يلغون فيه هيبة النظام ويثبتوا ان المواطن السعودي في اضعف حلقاته المرأة وصغار الشباب يستطيع القيام بفعل مضاد ومعارض وفعال أقلق كثيرا من الطفيليين الذين يعيشون علي جسد النظام المتهالك.
كان الغائب الأول عن الساحة هم اولئك الذين يقبعون وراء زجاجات خمرهم من الليبراليين يتباكون علي حقوق المرأة التي قهرها المطاوعة وينظمون قصائد طويلة في ضياع الشباب واستقطاب التيار الاصولي له بينما تتسلل المرأة من بيتها حاملة مصحفها وسجادتها متجهة الي الساحة المجاورة لبناية المملكة شمال الرياض لتعلن احتجاجها ليس علي لون عباءتها او طولها او قصرها وليس علي ما يراه من يسمون انفسهم ليبراليون وهم ابعد عن فهم وتطبيق معني هذا اللقب.
خرجت أم سعود وبنت الخوالد وبنت شمر وحصة القفاري والغامدية ليرفضوا الظلم بمعناه الحقيقي رافقهن شباب عاطل عن العمل لم يتعلموا يوما في مدارس الليسيه ولم يقرأوا جملة لروسو ولا يعرفون هل نيتشه مفكر او لاعب كرة قدم الماني.
لم تفلح المناهج التعليمية التي لا تعرف من تاريخ بلادنا المعاصر الا تاريخ الأسرة الحاكمة، ولم تمنع الحملات الاعلامية وغسيل العقول المستمر بكل قوة ابناء وبنات الوطن من الوقوف ضد الظلم، فمهما بلغت قوة آلة النظام الاعلامية وانبطاح المطبلين للظالم الا ان القائمين علي النظام يمنحون بعنجهيتهم وصلفهم فرصة لشعبنا كي يرفض قمعهم وبينما يمجد النظام نفسه نهارا عبر اعلامه يدمر ما حققه ليلا بسرقته ونهبه لثروة الوطن وتعذيب ابنائه.
خرج المواطن والمواطنة في الرياض وغيرها من المدن السعودية ليصبحوا ليبراليين حقيقيين وليس اولئك الذين يباركون القمع يوميا ويعتبرون قمة المناداة بالحرية ان تلبس الفتاة جنزا وان يطيل الشاب ضفيرته.
كل تلك الحشود يومي الثلاثاء والخميس العظيمين مزقت ثوب الكذب والنفاق الذي لبسه مجتمعنا السعودي وأعادته الي صوابه والي روحه الحقيقية الرافضة للظلم والمطالبة بالمشاركة السياسية وأن حقوقنا مثل اولياء الأمر بل انها اكبر وأعظم منهم فهم خدم للشعب ونحن الشعب.
خرجت جموع ابناء وطني المغلوبة علي أمرها لتطالب بأمرها فقدم لها ولي أمرها وبعد فوات الأوان قرار مضحكا لا يعدو عن كونه دليلا علي طريقة تفكيره فحين كان الشعب يبكي تصور النظام انه طفل فأعطاه لعبة صغيرة حتي يسكت عن البكاء لفترة تريح اعصابه.
لم يقبل الشعب قرار مجلس الوزراء السعودي إتاحة الفرصة للمواطنين السعوديين في المشاركة بإدارة شؤونهم البلدية مثل ما أستقبله بعض المحللين السياسيين الذين هللوا وتحدثوا عن تطور في مسيرة الإصلاح السياسي السعودي، لأن شعبنا الصابر يعرف الحقيقة المرة ان هذا القرار لا يمثل سوي طعنة نجلاء في ظهر المواطن السعودي وحقوقه في إدارة بلاده بنفسه والمشاركة في تقرير مصيره ومصير ابنائه.
ولا يعدو هذا القرار إلا خطوة متسمة بالخجل والرغبة في كسب الوقت، ومن ساهم في اتخاذ القرار يعرف جيدا ان عجلة الإصلاح الضخمة والتي لا ترس حكوميا صالحا يدور فيها تراوح مكانها، بل ان مشاركة الحكومة في الإصلاح لا تعدو عن تعطيل مسيرته او وضع العراقيل أمامها.
في المملكة العربية السعودية يمنع المواطن من اختيار ولي أمره وممثله في الحكومة، ولم يتطور الأمر الا بمكرمة مخجلة لا تعدو عن منحه الحق في اختيار نصف اعضاء مجلس بلديته التي لا تحوز إلا علي سلطات النظافة وتحديد ارتفاع المباني بل نزع من هذه البلديات في نفس القرار سلطة توزيع الأراضي في استمرار لسياسة الارض وما عليها ملكا لولي الأمر.
وكمن يقول أكرمتني بعد صوم يوم صيفي ببصلة، وجد المواطن نفسه أمام حكومة قررت ان له نصف الحق في تحمل مسؤولية نظافة منطقته وللحكومة النصف الأخر، حتي في نظافة شوارعنا يري النظام ان شعبنا غير كفؤ.
هذه الحكومة التي تتعامل مع شعب يضم أكثر من مليون مؤهل جامعي وعشرات الآلاف من رجال الاعمال الذين يستثمرون اموالهم في أسهم الشركات الدولية التي تقرر مستقبل العالم الاقتصادي بل والسياسي، لا يأتمنه ولي أمره علي اضاءة شوارعه ولا حتي تصريف مجاريه في نفس الوقت الذي يمتلك فيه مواطنون سعوديون شركات كهرباء في بريطانيا ومياه في اميركا.
هذا الشعب الذي تربي منذ الاف السنين علي التعامل مع رمال الربع الخالي واستطاع ان ينقذ عينيه ورئتيه من رياح السموم، لا تعتقد السلطة التي تتربع علي كرسي القيادة ان لديه القدرة علي ان ينظف شوارعه بنفسه دون ان يشاركه ولي الأمر القرار. وكأن ولي الأمر ليس من نفس أرومة مواطنيه وينتمي الي عائلة من عوائله، فهل ذلك البروفيسور أبن القرية القصيمية والذي أفني شبابه بين قاعات المطالعة في جامعات غربية وعاد الي وطنه يعلم تلاميذه مبادئ السياسة وأصول القانون لا يحق له ان يتحمل بشكل كامل قرار نظافة شوارعه ولا صحة بيئته ناهيك عن توزيع ثروته الوطنيه وعلاقات بلده الخارجية.
الكثير من الفاعلين في مجال حقوق الإنسان في داخل الوطن لا يرون في ما قررته الحكومة السعودية من تنظيم انتخابات بلدية سوي انه كنس للدرج من أسفل وليس من أعلي.
لكن البعض يتفاءل بأن الفرصة تحققت أخيرا في ان يتعلم السعوديون ممارسة الديموقراطية، ومنطقهم يقول: صحيح ان التجربة قاصرة وناقصة بل ان البعض يعتبرها تافهة وغير جديرة بالاعتبار الا انها أفضل من لا شيء. هذا الشيء الذي يبدو بعيد المنال قد بدا للمجتمع السعودي طيفه فحق لهم ان يداعبوه ويقتربوا منه كي يروا ماهيته وهل هو غول حقيقي بشع المظهر والمحتوي كما يصر علماء السلطة الرسميين الذي حفروا في عقول ابناء الوطن ان الديموقراطية رجس من عمل الشيطان وان الانتخابات افتراء علي الله وتعدي علي الإسلام الذي شوهه وعاظ السلطان بأن حولوه الي برنامج سياسي يبرمج الحياة السياسية لصالح الحاكم.
اين رجال السلطة والعلم الشرعي الذين سجنوا ابناءنا وحكموا عليهم بالقتل ونفوا بعضهم لأنهم دعوا للانتخابات كحل سياسي. وهل اصبحت الانتخابات حلالا اليوم لأن ابنائنا خرجوا الي الشوارع رافضين كذبهم وتزييفهم لتاريخنا وحاضرنا.
تختلف التحليلات والتنبؤات عن نية السلطة وسبب اعلانها عن هذه الانتخابات وما ستقوم به في المستقبل الا ان ابرزها وأقربها الي الواقع ان ما أعلنته السلطة ليس سوي امتصاص للحماس الذي كشفت عنه قوي المعارضة والتي أبدت خلال العام الحالي قدرة كبيرة ومهارة متميزة خاصة بعد ان تملكت وسائل وقدرات اعلامية استطاعت رغم صغرها هز كرسي النظام وحشد القوي الضاغطة من امامه وخلفه، ويساعد النظام عن جهل أو غرور منه في حشد صفوف ليبراليين ( حقيقيين) وإسلاميين تجاه هدف واحد وهو الضغط علي النظام من أجل الإصلاح بل ان اصوات قوية في داخل الوطن تدعو للتغاضي عن الاختلافات الفكرية والاجتماعية من اجل صياغة عقد اجتماعي جديد برضا او رغم عن السلطة. وهذا المقال جزء من الدعوة الي التحالف الوطني من اجل الديموقراطية بين جميع قوي الشعب بمختلف توجهاتها.
ان من خرجوا في مظاهرة الثلاثاء العظيمة لم يفكروا في الايدولوجيا او المذاهب الفكرية او الملل والنحل ولا بطول اللحي او قصرها خرجوا لأنهم يرفضون الظلم، ولم يعودوا يروا في النظام والأسرة المالكة حلا او صماما يمنع الانفجار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. خرجوا نساء ورجال كي يقولوا لولي الأمر ان الأمر لم يعد حكرا عليه من بعد وان عليه ان يقبل بأن هناك شركاء في رسم الخريطة السياسية الوطنية. خرجوا كي يقولوا لأولئك الذين يتشدقون بالحديث عن الحريات والليبرالية ومن تمتلئ لياليهم تدفقا وبإسهاب في الحديث عن ان الحرية جميلة بينما يزدحم جدولهم النهاري بحثا عن صالح ولي الأمر من تقارير عن معارضين وغيرها.
يقول لهم الخارجون عن الظلم: لم يعد لكم مكان في قلب الشعب وخاصة اولئك الذي يسمون انفسهم بالنخبة ويكتبون عن الاصلاح السياسي لكن اذا ثار غبار قرب عباءة أميرهم امتشقوا اقلامهم دفاعا عنه حتي لو كان رافضا للاصلاح ومطبقا للظلم والسرقة وتبديد الثروات.
ولو استعرضنا ما كتبته الصحف الحكومية لوجدنا العجب العجاب فجريدة عكاظ تصف المتظاهرين بالغوغاء وناشري الأحقاد بين الناس وتشترط للإصلاح ان يتلاحم افراد الشعب بالقيادة ولم يتحدث كاتب رأيها عن مطالب المتظاهرين بل اغتصب حقهم في التعبير عن الرأي واتهمهم بالغوغائية التي بناء علي منطقه تتمثل في ان تحمل مصحفا وسجادة صلاة وتفترش الأرض رافعا مصحفك ومطالبا بحريتك وإطلاق سراح المعتقلين، هذه الغوغائية عند الجريدة التي تدعي انها ليبرالية. اما جريدة الوطن والتي اسبغت علي نفسها لقب صوت الوطن اهملت في افتتاحيتها اصوات بعض المواطنين المعتصمة واتهمتهم بأنهم منساقون وراء دعوات وحملات مغرضة ونسيت الجريدة ان أم سعود القحطانية لم تعرف يوما علم الاجتماع السياسي ولم تطلب الا ان تجتمع بجسد ابنها المحترق ظلما. وزادت الوطن الطين بلة فمارست قمعا فكريا ودعت الي سلب الشباب حرية الاستماع للرأي الأخر وهي من عانت كثيرا لأنها تبنت حملات لها رأي آخر. أما رئيس تحرير جريدة الرياض فقد اتهم الف مواطن كما بينت اجهزته الاحصائية بأنهم مجموعة تافهة في نظر الوطن وحجمه ونسي وهو يرأس جمعية الصحفيين السعوديين ان يمارس شيئا من المهنية وان يرسل مصوري جريدته ومحرريها كي ينقلوا لشعبنا ما حدث يومي الثلاثاء والخميس وحينها سنصدق هل هم الف او مائة او خمسون الف. ولم ينفذ الرئيس العزيز واجباته المهنية بأن يسأل من تظاهر عن سبب خروجه وشكواه ومطالبه بدلا من ان يسيل قلمه دفاعا عن ولي أمره. ولو كانت التظاهرة في ميدان صيني لوجدت صورة ملونة وخبرا طويلا يتحدث عن قلاقل في الصين واعتصامات في كوريا الجنوبية. لكنه يوم الثلاثاء نسي أم سعود وتذكر أبن سعود فقط.

ماذا بقي للنظام بعد الثلاثاء العظيم؟

تقوم اجهزة النظام بتحركات تعيد للذاكرة ما فعله يوما وزير داخلية المغرب السابق والذي عرف بقسوته علي معارضي النظام فقد فاجأ اعداءه وحل بينهم في مؤتمر الكونفدرالية الديموقراطية للشغل عام 1997 لابسا ثوب الحمل الوديع متحدثا عن اصلاحات وشفافية، واليوم نري وزير الداخلية السعودي وهو يصبح ناشطا حقوقيا رغم ان في جيبه مفتاح زنازين كثيرة يعذب فيها ابناء وطننا مما يثير العجب قيامه أمام مؤتمر حقوق الإنسان في السلم والحرب بالحديث عن كرامة الإنسان وحقوقه. ولا يدفع الاثنين الي ذلك سوي الإحساس بأن من الممكن ان يتلاعبا بالألفاظ وأن يتحدثا وكأنهما ناشطين في حقوق الإنسان بينما يداهما ملطخة بدماء الأبرياء واسماهما علي ألسنة الأرامل الثكالي بالسوء.
لكن ماذا يحدث علي أرض الصراع بين النظام ومعارضيه ومن سيتفوق علي رقعة الشطرنج لقد حققت المعارضة عدة انتصارات واستطاعت حشد الآلاف في عقر دار ابن سعود الرياض وهي بذلك هزت أهم ركن من الاركان التي يستند عليها النظام وهي القاعدة النجدية القوية فما بالك وقد اهتز المحور هل ستبقي الأطراف هادئة. الحقيقة بل والبديهة السياسية تنفي ذلك وترفضه فبرميل النفط لم يعد نعمة بل انه نقمة وتحركات الذئاب الأجنبية كثرت هذه الأيام.
وتختلف طرق الصراع السياسي بين المعارضة والأسرة المالكة السعودية حتي انها تصل الي اقتناع بعض المعارضين للنظام أن للسحر والشياطين مكانا في هذا الصراع فحينما اعلنت المعارضة عن القبض علي طيارين كادا يقصفان المنصة التي يجلس فيها الأمير سلطان في استعراض جوي وقال انه قد تم القبض عليهم قبل اقامة الحفل بيوم واحد وهو يوم الثلاثاء، لم يجد احد المعارضين سببا لنجاة الأمير سلطان من محاولة الاغتيال سوي السحر، الذي يؤكد المعارض ان الحكومة السعودية تعتمد عليه وهي لا تستغني عن ذلك في الدفاع عن نفسها.
ولم يتوقف أخر عن التأكيد عن انه يوجد في وزارة الداخلية 18 مكتبا مكتوب عليها ( ضباط تحقيق ) وهي في الواقع لسحرة تستخدمهم الداخليه لكشف الجرائم وغيرها.. ونلاحظ أن بعض التفجيرات التي حدثت من المحسوبين علي التيار الجهادي نفذوا عملياتهم ولم تكشفهم أعمال السحرة لأنهم كانوا يذكرون الأذكار والأوراد فأعماهم الله تعالي.. وهذا سبب طلب الدكتور سعد الفقيه في يوم المظاهرة تلاوة الأذكار جميعها.. لذا نحن متأكدين من استخدام الداخلية للسحرة.. ، لكن المعارض الظريف برأ الي الله انه ليس متأكداً من وجود سحرة في وزارة الدفاع.
فات علي من تحدث عن سحر النظام انه لم يخالف الواقع ولكن النظام سحر مواطنيه ليس بأعمال الشعوذة بل بأعمال مختلفة اولها المرجعية الدينية ثم القوة ثم المال ثم الاعلام بالترتيب، وكل هذه الاعمال انتهت صلاحيتها فلم يبق للنظام ورقة توت تستره وانتهت اعماله فلا مرجعية دينية له بعد ان اصبحت السلفية التي وقف متسترا ورائها ليست ملكا له فقد سجلت براءتها تحت حيازة الشيخ ابن لادن وغيره ممن يختبئون في الكهوف او المزارع النائية في اطراف القصيم.
اما القوة فلم يعد استعمالها ممكنا لقمع الناس فخبر اعتقال شخص في النماص المعلقة علي جبال السروات الحجازية يسمع به صياد كوري في كوخه البارد بعد دقائق.
وما بقي من مال لا يكفي ازلام النظام ناهيك عن الشعب الذي تكوم ابناؤه في انتظار فرص وظيفية. وسلاح الاعلام الذي كان اخر سهام النظام انكسر بسبب قناة اذاعية معارضة لا يخرج منها الا صوت صادق استقطب بسرعة الريح اصواتا غاضبة، ولم تنفع مليارات الدولارات التي انفقت لشراء الاقلام والأصوات بل والأعراض فانتبه الشعب السعودي علي تردد لم يكلف صاحبه الا بضع الاف الدولارات النظيفة، لكن هذا التردد ازاح ببساطة كل تلك المليارات من البنكنوت الاخضر الوسخ.
لقد فشل النظام فشلا ذريعا نتيجة لافتقاده الي خطة مضبوطة تهدف الي تحقيق تغييرات جوهرية عبر مراحل فخططه الخمسية لم تسفر الا عن كتل اسمنتية مخلفة داخلها نفوسا حائرة لم تصدق انه يمكنها التعايش مع فكرة المستبد العادل التي ينادي بها النظام.
تهاوت فكرة المستبد العادل والتي كانت تهدف الي تبرير القمع والظلم والسرقة وأخفقت عملية تحويل شخصية اللص من منفرة الي مقبولة لأنه يسرق كي يعدل، وتوارت مصداقية فكرة انه يمكن للحاكم المستبد العادل ان يقمعنا علي ان يعمل للحيلولة بيننا وبين قتال بعضنا البعض.
نسي المستبد العادل ان زمن القبائل المتنافرة انتهي وان المجتمع غير نفسه بنفسه وأصبح يقبل التعايش دون حساسيات فقضيته لم تعد في خوفه من شقيقه بل في البحث عن لقمته. لقد بذل منظرو النظام جهدا باء بالفشل في تسويغ الاستبداد بإسم العدل والترويج له علي انه ضرورة لا أمان دونها.
لم يستطع النظام السعودي خلق آليات جديدة من شأنها الحد من هيمنة قوي التطرف بل انه علي العكس من ذلك وقف وقتا طويلا بجوارها فدفع ثمن ذلك غاليا، إذ رغم علاقته الوثيقة بالتجربة الملكية في المغرب لم يعمل بنتائجها فلم يطبق طريقة التغيير الممنهج، ولم يحرص علي الاستجابة لبعض مطالب قوي المعارضة وفي نفس الوقت يقوم فيه بخلق آليات تحد من قوتها ويبدو ان سبب فشله هو عدم توفر القدرة علي اتخاذ القرار في الوقت المناسب فقد استعمل صانع القرار الزمن كحل مما عاد عليه بالضرر.
قدم النظام السعودي للمعارضة فرصة ذهبية بأخطائه فوجدت قوي المعارضة نفسها تقترب من بعضها البعض، فرغم ان مظاهرة الثلاثاء حسبت علي القوي السلفية الا ان معظم المتظاهرين كانوا غير محسوبين علي هذه القوي وينتظر ان يتطور الأمر الي خطر داهم علي استقرار النظام بل وزواله حالما يكون هناك تفعيل لحوار بين القوي الضاغطة في المجتمع وهي القبائل والعائلات الكبيرة والعلماء التقليديين والمثقفون وعلماء الاسلام السياسي.
حالما يتمكن هؤلاء من الاتفاق علي الحد الادني وهو التعبير عن امتعاضهم عبر اعتصامات ومظاهرات لن يلبث الامر طويلا كي يذهب النظام الي غير رجعة. فلم يعد امر تحرك هؤلاء سرا فالحوار بدأ يبرز الي السطح ولا يعني كما كان قديما رد فعل ضد مسلسل الحداثة الجارف بل اصبح الآن انعكاسا لأزمة عميقة يمر بها المجتمع السعودي ناتجة عن فشل النظام في القيام بالمأموريات المناطة به وهي تدبير الموارد وتوزيع الفوائد والتنسيق بين المصالح المتنافسة.
يعتقد السعوديون ان الوقت قد حان لإعادة تحديد القواعد التي تقنن اللعبة السياسية في بلادهم. ويري معظمهم ان الأمر يتطلب خلق حقل سياسي عصري جديد وضرب مبدأ احتكار المؤسسة الملكية للوظائف الشرعية وفتح المجال اما اجتهادات خاصة خارجة عن دوائر المؤسسات الدينية التقليدية التي تعمل في خدمة السلطة الدينية. وفي هذا المجال وبعد المظاهرات والاعتصامات الاخيرة حاول النظام التعامل معها في جانبها النظري باستعمال ديناصورات شارع عسير ( مقر دار الافتاء) فلم يفده الأمر شيئا بل عاد عليه بالوبال. ولا يمكننا انكار ان هناك اصواتا من علماء الاسلام السياسي الجدد تنحو منحي انتهازيا فهي تستشعر ضعف النظام وتحطم قاعدته الشرعية وتيقن بعض قياداته من ان العلماء الشرعيين التقليديين لم يعودوا قادرين علي ضمان استمرار الشرعية الدينية للنظام وان النظام لا بد وان يلجأ اليها كي تساعده في تدعيم مرجعيته الشرعية، هذه الاصوات تبدو مسموعة في تصريح الشيخ عايض القرني لجريدة الجزيرة المحلية حيث قال: المظاهرات والاعتصامات تحدث الفوضي وتجلب الفتن وتجر إلي اختلاف الرأي وشتات الكلمة . ولفت الشيخ القرني إلي أخذ العظة والعبرة من الدول التي تحدث فيها المظاهرات حيث لم تخلف من وراء ذلك إلا ذهاب الأنفس والأموال والدماء وفساد الممتلكات العامة مشيراً إلي أن الإسلام شريعة أتت بما يصلح العباد والبلاد وهي صمام الأمان لبلادنا فمن كان له رأي أو مظلمة فليرفعها عبر الطريق الشرعي السليم الذي يكفل حقه ولا تهدر حق غيره أما أن تبقي الأمور فوضي لكل من أراد أن يعبر عما يجول في خاطره دون مراعاة لآداب الشريعة وحقوق المسلمين والمصالح العامة فهذا ما لا يجوز ولا يقره عاقل.
ونسي الشيخ عايض ان من تظاهر واعتصم فعل ذلك لأن الحاكم لم يوفر له ما تحدث عنه القرني من طريق شرعي سليم وكفالة للحق.
الانتهازية السياسية التي تبدت في طرح بعض العلماء الشباب الشرعيين قدمت هدية لليبراليين في ان يفعلوا ما يستطيعونه من جهود لاقتناص الفرصة وتدعيم مكانتهم داخل المجتمع السعودي لكنهم فعلوا ما اعتادوا عليه من بيات شتوي ولم يفعلوا سوي استنكار المظاهرات معتبرينها فتنة وتصرفا أصوليا لا يمكنهم المشاركة فيه وبهذا ابانوا عن عدم فهم للخريطة السياسية السعودية وغباء استراتيجي فاضح.
ما فعله من خرج في مظاهرات الثلاثاء والخميس العظيمة لم يكن عملا بسيطا بل كان بداية للعصيان المدني في السعودية وخرقا للقوانين الظالمة التي تمنعهم من التعبير عن ارائهم، وقد تذوق السعوديون طعم الحرية حتي ولو فروا من هراوات ورصاص النظام و اعتقل اكثر من 400 مواطن ومواطنة منهم، ولكنها معركة اعتاد عليها اجدادهم فكر وفر الي ان يتحقق الأمل.
لم يكن عصيانهم سلاحا للجبناء كما يعتبره بعض انصار العنف بل انه يتطلب شجاعة متميزة وتضحيات بطولية فمن يخرج ليعبر عن رأيه يعرف جيدا تبعات ذلك الأمنية والاقتصادية لكن ابناء الشعب السعودي قدم وسيقدم تضحيات بطولية حتي يصل الي حلمه في ان يحكم نفسه بنفسه.

ہ المشرف العام علي المركز السعودي لحقوق الإنسان

منقول عن طريق صحيفة القدس العربي