تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المعارك الرمضانية: المعركة الخامسة-فتح أرمينيا الصغرى



مقاوم
08-26-2010, 06:38 AM
في رمضان كان فتح أرمينيا الصغرى ... 673هـ

كتب أ. أحمد حسين الشيمي

http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngوتستمر بطولات المسلمين في شهر رمضان المعظم تحت قيادة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، يريدون العفة والنصر أو الشهادة، وكسر شوكة أعداء الإسلام الذين دأبوا على إعلاء كلمة الباطل على كلمة الحق، لكن الله متم بنوره ولو كره الكافرون .

اليوم نلقي مع بطولة وملحمة إسلامية تضاف إلى الفتوحات الإسلامية العظيمة التي تعطي دروساً حتى يومنا هذا في المقاومة والتضحية والفداء في وجه عبدة الطاغوت ، إنها فتح أرمينيا الصغرى على يد القائد المغوار " الظاهر بيبرس" وذلك في شهر رمضان سنة 673 هـ .

خيانة الأرمن :

لكن نتوقف في البداية عند أسباب قيام الظاهر بيبرس بالهجوم على أرمينيا الصغرى، وتتجلى تلك الأسباب في التالي :

- تحالف الأرمن مع المغول ضد المسلمين : اشترك الأرمن في الحملة المغولية على بلاد الشام والجزيرة ، وبلغ عدد الجيش الأرميني فيها ستة عشر ألف مقاتل بقيادة الملك هيثوم الأول، حيث أنزل مذبحة كبيرة بمسلمي مدينة ميفارقين الأيوبية بعد أن ساهم مع المغول في إسقاطها؛ وكذلك كان حال مدينة نصيبين وحران وسروج والرّها والبيرة.

كما اشترك الملك هيثوم بن قسطنطين في الوقت ذاته في احتلال مدينة حلب وارتكب فيها الكثير من المجازر في السكان المسلمين دون النصارى في سنة 658 هـ، وأشعل النار في الجامع الكبير والمساجد الأخرى في المدينة، وقد كافأه هولاكو على اشتراكه في هذه الحملة بأن منحه كميات كبيرة من الغنائم، فضلاً عن منحه بعض أملاك الأيوبيين.

كما باع الأسرى الحلبيّون البالغ عددهم مائة ألف أسير من نساء وأطفال وشيوخ في أسواق سيس عاصمة الأرمن، وكافأه هولاكو بأن منحه مدينة اللاذقية وبعض قلاع الأيوبيين وحصونهم الواقعة على الساحل الشامي.

واستمر الملك هيثوم في تحالفه مع المغول، فاشترك في احتلال مدينة دمشق في السنة ذاتها وقام بتدميرها وإنزال المذابح بسكانها من المسلمين وحول المسجد الجامع إلى كنيسة، بناءً على طلب الملك هيثوم وبعد عودة هولاكو إلى العاصمة قراقورم كما طلب منه شقيقه الخان ، فترك هولاكو قائده كتبغا بسبب إلحاح الملك هيثوم على استكمال الخطة التي بدأها، فواصلوا احتلال بلاد الشام حتى الحدود المصرية. (1)

- رغبة ملك أرمينيا الصغرى في إضعاف المسلمين : وذلك بمنع تصدير الأخشاب والحديد من آسيا الصغرى إلى المسلمين، وكان هدفه من وراء ذلك تفويت الفرصة على المماليك في تطوير أسطولهم البحري.

- لم ينسى الظاهر بيبرس موقف ملك أرمينيا عندما هاجم إمارة أنطاكية لعقاب أميرها بوهيموند السادس على محالفته التتار ضد المسلمين ثم كرر الهجوم على أنطاكية عام 1262 م وحاصرها وأوشك على الاستيلاء عليها لولا تدخل هيثوم الذي طلب النجدة من المغول مما أدى إلى جلاء القوات الإسلامية عن أنطاكية بعد أن أسروا أكثر من ثلاثمائة أسير. (2)

سقوط أرمينيا :

ولما علم هيثوم بنوايا الظاهر بيبرس في غزو أرمينيا الصغرى، حاول الملك إجراء مفاوضات مع بيبرس وترددت السفارات بينهما، حيث طالب السلطان الظاهر من هيثوم بأن يدخل في طاعته ويؤدي إليه الجزية، إضافة إلى رغبته في الوصول إلى أسواق الخيل والبغال والحنطة والشعير والحديد، أي فتح باب التبادل التجاري بين الشام وبلاد الأرمن، غير أن ملك الأرمن لم يتيسر له تلبية طلب سلطان مصر لخوفه من المغول. (3)

وما كان من الملك بيبرس إلا أن كون جيشاً عظيماً هدفه استعادة أملاك المسلمين التي استولى عليها نصارى الأرمن ، لكنه أسرَ ذلك ولم يطلع عليه أحداً من قادته ، وسار الجيش الإسلامي من مصر قاصداً الشام ثم اتجه شمالاً إلى بلاد الثغور وكان بيبرس على رأس الجيش ووصلوا تلك المناطق .

فاستغل السلطان بيبرس انشغال ايقاخان ـ ابن هولاكو ـ وخليفته في حكم مغول فارس والعراق بالحرب ضد مغول القفجاق المسلمين في جنوب روسيا، لينفرد بهيثوم وينزل به الجيش المملوكي الذي كان يقوده الأمير سيف الدين قلاوون والملك المنصور صاحب حماة هزيمة ساحقة عند الدربند قرب أنطاكية.

وقتل في المعركة أحد أبناء الملك هيثوم وأسر الابن الثاني، في حين كان هيثوم نفسه متغيباً عن بلاده في تبريز يستجدي مساعدة المغول.

واستثمر المماليك هذا الانتصار، فأغار الأمير قلاوون على عدة مدن أرمينية هي المصيصة وأذنة وطرطوس وميناء أياس، أما الملك المنصور، فقد اتجه إلى سيس عاصمة أرمينية الصغرى واستولى عليها؛ "فجعل عاليها سافلها"، وأشعل النار فيها فدمرتها وأتت على كنائسها ومقابر ملوكها.

وبعد عشرين يوماً من الغارات، عاد الجيش المملوكي ومعه أربعون ألف أسير، ومن الغنائم ما لا يعد ولا يحصى "حتى بيع رأس البقر بدرهمين ولم يوجد من يشتريه".

وأخيراً، عاد هيثيوم إلى مملكته ومعه جماعة صغيرة من المغول بعد أن وقعت الواقعة، وحاول أن يسترد ابنه الأسير من بيبرس، ولكنه لم يستطع ذلك إلا بعد أن تخلى المماليك عن عدة مراكز هامة مثل دربساك التي تتحكم في طرق المواصلات بين أرمينيا وأنطاكية ومرزبان ورعبان وشيخ الحديد وكلها تتحكم في الطريق بين الجزيرة الفراتية حيث المغول حلفاء هيثوم وأرمينيا الصغرى. (4)

ولنترك وصف مسيرة هذا الجيش لمؤرخ معاصر لهذه الحملة هو ابن عبد الظاهر حيث يقول : "ووصل الجيش النهر الأسود ، وقطعته العساكر بمشقة، وقف السلطان حتى عدَى بأكثر الناس، وفرق الأمراء بجيوشهم كل واحد منهم إلى جهة، فطلعوا الجبال وما سأل أحد عن طريق، ولا بالى بمضيق ، ومروا وعليهم جبال من الحديد لامعة، وسنابك الخيل تتلوى على الجبال، والأرض ترج رجاً والجبال تبس بساً وتغدو هباء منبثاً".

وتساقطت مدن الثغر الواحدة تلو الأخرى في يد المسلمين، وكان ذلك في شهر رمضان، وعَيَدَ السلطان بيبرس في مدينة " سيس" وهي كرسي المملكة الأرمينية، واستولى على قصر الملك، واتجهت فرقة من الجيش المملوكي إلى مدينة "إياس" وهي ميناء أرمينية على البحر الأبيض فاستولت عليه ، وفرت مجموعة من الأرمن والفرنج عبر البحر فغرقوا فيه، وهكذا لم يكمل شهر رمضان إلا والجيوش الإسلامية قد أتمت استعادة بلاد الثغر، واستحق السلطان بيبرس أن يوصف بقاهر الصليبيين والمغول. (5)

الدروس المستفادة:

النصر العظيم الذي حققه السلطان بيبرس وسقطت على أثره أرمينيا الصغرى في قبضة المسلمين يطوي بين جنباته العديد من الدروس المستفادة التي من الممكن أن نهتدي بها اليوم في حروبنا مع أعداء الدين الذين يتربصون بنا في كل حدب وصوب وهي :

- الإصرار والعزيمة القوية في المقاومة والجهاد مهما تكن قوة العدو ، فالمغول والتتار ذائعو الصيت في القوة والبطش، ولكن ذلك لم يثني السلطان بيبرس عن لقاءهم والقضاء على شوكتهم رغم أن ميزان القوى كان في المعظم في صالح أعداء الدين، لكن الإيمان بالله هو أشد قوة من قوتهم، قال تعالى : " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" .
- المبادرة بالهجوم على العدو، وجعل أرضه ساحة للحروب وعرضة للتدمير والتخريب.(6)
- الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التعاون مع الأعداء، وهم كثيرون الآن، فلم ينسى الظاهر بيبرس ما فعله ملك أرمينيا الصغرى بالمسلمين، حتى يكون درساً لكل خائن متواطئ مع المتربصين بالأمة الإسلامية .
-
المصادر والمراجع :

1- كتاب عيون التواريخ ، تأليف ابن شاكر الكتبي، بغداد، 1977، ج 20، ص 224.
2- كتاب تاريخ الملك الظاهر ، تأليف محمد بن شداد .
3- طالع روايات المؤرخين المعاصرين للغزو المغولي، للدكتور شوكت رمضان.
4 – الدكتور علاء محمود خليل قداوي، تحالف ملوك أرمينيا الصغرى وأنطاكيا الصليبية مع المغول لاحتلال بلاد الشام وتصدي المماليك لهم، دراسة تاريخية.
5- كتاب من معارك المسلمين في رمضان، تأليف عبد العزيز بن راشد العبيدي، مكتبة العبيكان، 1994، ص 76،77.
6- كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية، تأليف كارل بروكلمان، ترجمة عبد العزيز سليمان.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر