تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المعارك الرمضانية: المعركة الثالثة-فتح أنطاكية



مقاوم
08-20-2010, 02:16 PM
فتح أنطاكية ... 5 رمضان 666 هـ

كتب أ. أحمد حسين الشيمي

292

بعد مقتل السلطان قطز بطل معركة عين جالوت، اتفق المماليك على أن يتولى الظاهر بيبرس حكم مصر، ولم لا وهذه هي وصية الملك المظفر قبل وفاته حين قال ـ وهو على فراش الموت ـ " سلطانكم بيبرس .. أسمعوا له وأطيعوا ". وجَهِدَ الملك بيبرس لينال رضا الناس عنه، فألغى الضرائب التي فرضها عليهم الملك المظفر لبيت المال، فهل رضوا عنه بعد ذلك ، وماذا قالوا فيه ؟ قالوا : "أنه أبطل ما علينا لبيت المال، ولم يبطل ما علينا لنفسه وأمرائه ومماليكه".

الاصرار على الجهاد:

على أن الملك الظاهر بيبرس لم يأل جهداً في العمل بوصية صديقه وسلفه الملك الملك قطز، فقد ظل يذكرها ويقوم بها حتى آخر أيامه، فوفى للإسلام وقاتل أعداءه من التتار والصليبيين حتى أذلهم، ونهض بمصر وأعلى كلمتها حتى جعلها في عهده إمبراطورية عظيمة باذخة.

كانت الفترة التي تولى فيها بيبرس حكم مصر من أشد الفترات صعوبة في حياة المماليك، لأنها شهدت تعاوناً بين قويين تحالفا من أجل القضاء على هذه الأمة ودينها وهما المغول الوثنيون في الشرق، والصليبيون النصارى في الغرب، فالمغول في الشرق أقاموا لهم دولة في فارس والعراق، وأصبحوا يتحينون الفرص لثأر من المسلمين الذين سحقوقهم في عين جالوت.

أما النصارى فعلى الرغم من الهزائم التي أنزلها بهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لا زالت الإمدادات تصلهم تباعاً من الدول الأوروبية فتتقوى بها إماراتهم الثلاث في قلب العالم الإسلامي.

وهكذا وجد سلطان المسلمين نفسه محصور بين هاتين القوتين، ومع ذلك لم يستسلم ولكنه عزم على الجهاد، هيأ دولته وشعبه لهذا الأمر العظيم، واتخذ الأسباب المعينة على هزيمة الأعداء، ووضع لنفسه منهجاً وأسلوباً عسكرياً فريداً، قوامه الصرامة في التعامل مع الأعداء، ووضع الخطط الحربية المناسبة والسرية التامة في كل تحركاته ووجهاته حتى مع جنده وقادته، وحقق بتوفيق الله انتصارات حاسمة على المغول والصليبيين، فتهاوت أمامه المدن والقلاع وطهرها من رجس الصليبيين، وفي رمضان سنة ست وستين وستمائة كان الموعد مع أنطاكية.

التقدم نحو أنطاكية:

كانت مدينة أنطاكية من مدن الشام التي شملها الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وقد فتحها المسلمون عقب معركة اليرموك بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ ، وظلت هذه المدينة بأيدي المسلمين إلى أن بدأت الحملات الصليبية على بلاد الإسلام سنة 491 هـ ، فكانت من أوائل المدن التي سقطت في قبضة الصليبيين.

وتحتل المدينة أهمية بالغة بالنسبة للصليبيين بحكم موقعها المتحكم في الطرق الواقعة في المناطق الشمالية للشام؛ ولأنها مقر مملكة هرقل أيام الفتح الإسلامي للشام، فعملوا على إزالة أي أثر إسلامي فيها، وحولوا المساجد إلى كنائس ، واهتموا بتحصينها غاية الاهتمام لتكون نقطة انطلاق لهم إلى البلاد الأخرى ، حتى بنوا عليها سوراً طوله اثنا عشر ميلاً ، وعلى هذا السور ما يقارب مائة وستة وثلاثين برجاً ، وفي هذه الأبراج ما يقارب أربعة وعشرين ألف شرفة ، يطوف عليها الحراس كل يوم وليلة على التناوب، فغدت من أعظم المدن في ذلك الحين مناعة وحصانة.

وقد حاول المسلمون مرات عديدة لاستعادة هذه المدينة لما بلغهم ما يفعله الصليبيون بالمسلمين، فقد قام الأمير كربوقا صاحب الموصل بجمع عساكر كثيرة، واجتمع إليه دقاق صاحب دمشق وجناح الدولة صاحب حمص وغيرهم، وسار إلى الفرنج فالتقوا معهم بأرض أنطاكية، فهزمهم الفرنج، وقتلوا منهم خلقا كثيراً وأخذوا منهم أموالاً جزيلة، ولم يستطع أحد من الأمراء المسلمين خلال هذه الفترة استعادة هذه المدينة.

وبذلك ظلت المدينة تحت حكم الصليبين مع كثرة المحاولات لتحريرها، وأصبحت قاعدة عسكرية لهم، وولاية أساسية من ولايتهم في الشام، فلما جاء التتار إلى بلاد الشام كان عليها رجل من الإفرنج يقال له الأغريس وهو في نفس الوقت صاحب مدينة طرابلس، فمالأ التتار وأعانهم على المسلمين وحصل للمسلمين في الشام منه أذية عظيمة بل أصبح من أشد الناس إيذاء لهم، حتى تولى الظاهر بيبرس مصر .

خطة الخداع الاستراتيجي:

ففي الثالث من جمادى الآخر سنة 666 هـ خرج الظاهر بيبرس من مصر متوجهاً إلى غزة ومنها إلى يافا فاستسلمت له، ثم نجح في الاستيلاء على "شقيف أرنون" بعد حصار بدأه في 19 من رجب في نفس السنة، وبفتح يافا وشقيف لم يبق للصليبيين جنوبي عكا التي كانت بأيديهم سوى قلعة عتليت.

ثم رحل بيبرس إلى طرابلس، فوصلها في 15 من شعبان، فأغار عليها وقتل كثيرًا من حاميتها، وقطع أشجارها وغور مياهها، ففزعت الإمارات الصليبية، وتوافد على بيبرس أمراء أنطرسوس وحصن الأكراد طلبًا للأمن والسلام، وبهذا مهّد الطريق للتقدم نحو أنطاكية.

وفي الرابع والعشرين من شعبان سنة 666هـ خرج بيبرس من طرابلس، دون أن يطلع أحدًا من قادته على وجهته ، وأوهم أنه يريد بلداً آخر غير أنطاكية ، فنزل على حمص ، ومنها إلى حماة ، ثم إلى فامية ، وكان يسير بالليل وينزل على البلاد بالنهار ، حتى لا يتمكن الصليبيون من معرفة هدفه ، وعمل على تقسيم جيشه إلى ثلاث فرق، اتجهت فرقة منها إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين إنطاكية والبحر، وفرقة أخرى اتجهت إلى الشمال لسد الممرات بين قلقلية والشام ، ومنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى .

أما الفرقة الرئيسية التي كانت بقيادته فتوجهت مباشرة إلى إنطاكية ، وضرب حولها حصارًا محكمًا في أول رمضان سنة 666هـ .

وأرسل المسلمون للنصارى يطلبون منهم الاستسلام حفظاً لأرواحهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وفي اليوم التالي زحفت العساكر الإسلامية وأطافت بالمدينة والقلعة على اتساعها، وقاتل أهلها قتالاً شديداً فتسور المسلمون الأسوار من جهة الجبل، ونزلوا المدينة فهرب أهلها إلى القلعة وتسلم المسلمون المدينة، فقتلوا من قاتلهم وأسروا الباقي، وكان في هذه المدينة مائة ألف من الصليبيين من المحاربين.

أما القلعة فقد اجتمع فيها ثمانية آلاف من المقاتلة الأشداء، غير المسلمين ضيقوا عليهم فطلبوا التسليم، على أن لا يقتلوا فاستجاب لهم المسلمون وصعد السلطان الظاهر بيبرس وتسلم القعلة وعفا عن كل من فيها وذلك في الخامس من شهر رمضان المعظم سنة 666 هـ .

أسباب النصر:

وكُِتَبت كتب البشائر لأنحاء العالم الإسلامي بهذا النصر العظيم، والفتح الكبير وسقطت بذلك إمارة أنطاكية الصليبية، فكان ذلك إيذاناً بزوال الأمارات الصليبية كلها.

وكان بوهيمند السادس أمير أنطاكية خارجها فسلم لأجل ذلك، وأرسل له السلطان بيبرس يخبره بهذا الفتح ويصف له الوقعة ويدعوه إلى الاستسلام وهذه مقتطفات منه : "وفتحناها بالسيف من يوم السبت من رمضان، وقتلنا كل من اخترته لحفظها، والمحاماة عنها، وما كان لأحد منهم إلا وعنده شيء من الدنيا، فما بقي أحد منا إلا وعنده شيء منهم ومنها، فلو رأيت خيالتك وهي صراعى تحت أرجل الخيل، وديارك والنهابة فيها تصول، وأموالك وهي توزن بالقنطار، وإماءك فكل أربع منهن تباع فتشترى من مالك بدينار، ولو شاهدت النيران وهي في قصورك تخترق والقتلى بالنار قبل مار الآخرة تحترق لكنت تقول : ((يا ليتني كنت تراباً))، واستنزلنا أصحابك من الصياصي وأخذناهم بالنواصي، وفرقناهم في الداني والقاصي، ولم يبق شيء يطلق عليه اسم العصيان، إلا النهر فلو استطاع لما تسمى بالعاصي، وقد أجرى دموعاً ندماً".

وبينما كان بيبرس في إنطاكية وصل إليه رسل الملك هيثوم الأرميني يعرضون عليه اتفاق بمقتضاه يعيدون ما أخذوه من المدن الإسلامية في أثناء الغزو المغولي للشام، مثل بهنسا، ومرزبان، ورعبان، كما ترك الداوية من الصليبيين "حصن بغراس"، وبذلك عاد شمال الشام إلى حوزة المسلمين.

وهكذا انتصر المسلمون على الصليبيين، واستعادوا منهم منطقة من مناطق العالم الإسلامي التي احتلوها قبل عشرات السنين، ومع ذك لم ييأس المسلمون ولم يقنطوا وعملوا أسباب النصر فوهب الله لهم ذلك.

المصادر والمراجع :

• كتاب من معارك المسلمين في رمضان، تأليف عبد العزيز بن راشد العبيدي، مكتبة العبيكان، 1994، ص 77 وما بعدها.
• كتاب وا اسلاماه ، تأليف علي أحمد باكثير، دار مصر للطباعة، ص 200 وما بعدها.
• فتح أنطاكية.. أحلام الصليبيين تتهاوى، صحيفة الوقت البحرينية.
• أحمد تمام، فتح انطاكية وإنهيار الحلم الصليبي، موقع إسلام أون لاين.
• أحداث رمضانية ، مجلة الرائد، العدد السابع عشر، 2007.
• حدث في رمضان، فتح انطاكية، موقع قصة الإسلام.
• واحة رمضان، فتح أنطاكية 666هـ، موقع إسلام ويب.

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=7379&Itemid=1275