تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فجأة انقطعت الكهرباء



chidichidi
08-19-2010, 09:12 PM
... قبل إنقطاع التيار الكهربائي كانت " الأم " تجلس في ركنها المعتاد وأمامها الشاي ( وعدة الشاي ) ..و فوق الطاولة الخشبية المستديرة أطباق الخبز المقطع والكعك والكاكوية .
في هذا الركن تفوح رائحة الخميرة والكمون و رائحة الكاكوية المحمصة المتماوجة بألوان الذهب .. في هذا الركن ترتسم صورة " الأم " الذائبة بألوان الأصالة والتقاليد . بين يديها إبرايق الشاي ، وفي فمها أمثال وحكم وفي ذاكرتها حكايا الأطفال المتوارثة عن الأمهات والجدات نادت " الأم " البنات والأولاد بأسمائهم .. [ لكن .. ] أحداً لم يستجيب لـ ندائها ..الكل مشغول بهواياته وواجباته المدرسية وعوالمه .. ،وضعت " الأم " يدها على خدها .. وعادت بها الذاكرة إلى أيام كانوا صغاراً يتوسدون ركبتها وينامون على صدرها ويتحلقون حولها عند تناول الوجبات واليوم لا أحد يكثرت في أن يشاطرها هذه [الجلسة الطيبة ] التي انقرضت عند الكثير من العائلات ..
الإبن الأكبر يقابل الحاسوب وكأنه في حالة معركة مع الدنيا ..
البنات منشغلات بأحداث الحلقة الأخيرة من المسلسل العربي المشهور ..
الصغير منسجم مع ألعابه الإلكترونية الحديثة ..
الأب ينتظر مكالمات ستأتيه من أصحابه المهمين ..
أعادت " الأم " نداءها أكثر من مرة إلى أن تلبسها اليأس والملل لا أحد يُقدر مدى تعبها طوال اليوم ..لا أحد يدري مدى حاجتها للحوار مع أسرتها ..

إنقطع التيار الكهربائي [ فجأة ] ..وقرقعت الأجهزة الكهربائية معلنة حالة توقفها ..ساد الظلام .. وساد الصمت والترقب .. جاء " الأب " حاملاً شمعة أنارت المكان .. ،في هذه اللحظة جميعهم أقبلوا وألتفوا حول " الأم " تركوا خلفهم الظلمة والأجهزة الساكنة وأصبحت هذه الشمعة محور إهتمامهم ..
إمتدت أصابعهم لالتقاط قطع الخبز المعجون بالكمون انفتحت أكفهم للإمساك بحبات الكاكاوية ..
على ضوء الشمعة أقترب الأبن الأكبر من والده وشرح له باستفاضة كل المشاكل التي يعانيها في عمله الجديد ..، الأبنة الكبيرة حدثت والدها عن مشروع تخرجها ..،الصغار شاركوا وقالوا كلاماً كثيراً ..،
[ أنتبـه ] الأبن الأكبر إلى أن " أمه " لم تأكل أي شيء .. وعندما سألها أجابت أن أسنانها ماعادت صالحة والفك به بعض الالتهابات ..
للمرة الأولى يعلم الابن الأكبر أن " أمه " تعاني من مشكلة ما ..إقترب وأمسك بيدها والقليل من تأنيب الضمير دعاه لأن يسألها منذ متى وهي تعاني من هذه الآلام .. ؟

وكان هذا السؤال بحد ذاته كافياً لأن يجعلها تستريح .. !
بدأت الشمعة تذوب والحوار لا زال على أشده ..
مضى الوالد .. ربما لـ يأتي بشمعة أخرى .
إلا أن التيار الكهربائي سرعان ما عاد ..، وسرعان ما عاد كل واحد إلى جهازه .
وبقى على " الأم " أن تستشعر استمتاعها بهذه [ اللمـة ] التي باتت تفتقدها مع الأيام ..
الأسرة عاشت تقاربها الذي حققه هروب التيار .. كما يعتقد الجميع ..
ولا أحد يعلم أن الوالد هو الذي أطفأ التيار وهو الذي أعاده ..
منقول من بريدي