تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فك الارتباط السوري الإيراني ومؤشرات التقارب بين دمشق وتل أبيب



مقاوم
07-27-2010, 09:39 AM
فك الارتباط السوري الإيراني ومؤشرات التقارب بين دمشق وتل أبيب

كتب د. سـامح عبـاس*

http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngباتت العلاقات الوطيدة بين سوريا وإيران محل تساؤلات عديدة واستفسارات متباينة خلال الفترة الأخير، جعلت البعض يعتقد بأن فلك الارتباط بين الحلف السوري –الإيراني على وشك الانتهاء بعد علاقات طويلة تعود تاريخها لأواخر السبعينيات من القرن الماضي، وترسخت بشكل أكبر مع بداية الألفية الجديدة بعد تولي بشار الأسد الرئاسة السورية خلفاً لأبيه الراحل، حيث يرى البعض أن سوريا فى عهد بشار تدثرت بعباءة الملالي، وابتعدت عن النظام العربي بالقدر نفسه الذي اقتربت فيه من النظام الإيراني.

ويعود تاريخ العلاقات بين دمشق وطهران إلى عام 1979، عقب الثورة الإيرانية التي قررت استنساخ الثورة الشيعية في عدد من البلدان العربية لكن السياسة السورية التي انتهجها بمهارة الرئيس الراحل حافظ الأسد – على عكس نجله الرئيس الحالي - أبقت دائماً مسافة بينها وبين السياسة الإيرانية يمكنها من خلالها أن تنتصر لبعض القضايا العربية وأن تؤكد استقلالية قرارها في الوقت الذي استفادت فيه من العلاقات الاقتصادية مع إيران في زمن كانت الحاجة السورية ملحة للمساعدات الإيرانية متعددة الجوانب، وهكذا ربحت سوريا اقتصادياً ولم تخسر عربياً وبقيت محافظة على قرارها المستقل، وهو العكس تماماً من السياسة التي اتبعها الأسد الابن، إذ كان في مقابل تقارب سوريا من إيران، تباعد في العلاقات مع كل من مصر والسعودية، قبل التغيير الذي شهدته تلك العلاقات في الفترة الأخيرة، والتي سنتناولها فيما بعد.

وهنا نقول أن فك الارتباط بين سوريا وإيران هو في الأساس مصلحة إسرائيلية أكثر من كونه مصلحة عربية، لذا تسعى إسرائيل وبشتى الطرق إلى فك هذا التحالف من خلال الولايات المتحدة الأمريكية بضغط على الدول العربية، والتي بدورها تقوم بالضغط على دمشق من أجل الابتعاد عن إيران، وهو تعتبره تل أبيب شرط لاستئناف مفاوضات السلام المجمدة بين الجانبين.

ولعل الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط وفى ظل التغييرات التي تشهدها الخريطة الجيوسياسية بالمنطقة يثير عدة تساؤلات ستكون محور التحرك السياسي خلال الفترة القادمة، أبرزها هل سيتم استئناف مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل، وما مدى حجم وانعكاسات الأزمة المتوقعة بين سوريا وطهران، وكيف سيكون مستقبل المنطقة في حال حدوث تقارب بين سوريا والدول العربية الكبرى من جهة ، وبين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى ؟. وفى ظل الجمود الذي يشهده المسار الفلسطيني لأسباب مختلفة ستكون سوريا هي كلمة السر في التحركات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة. وربما يكون لذلك أعدة أسباب لعل أهمها هو استبعاد إمكانية اندلاع حرب جديدة في المنطقة في ظل رغبة جميع الأطراف في عدم خوض تلك الحرب التي ستكون تداعياتها السلبية على المنطقة بلا حدود هذه المرة؛ الأمر الذي سيمهد الطريق أمام استئناف مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل، ومن ثم حدوث تقارب بينهما قد يكون الأول من نوعه منذ سنوات طويلة، وبالتالي سيكون ذلك على حساب العلاقات بين دمشق وطهران.

صحيح أن الرئيس السوري استطاع وبشتى السبل طوال السنوات العشر المنقضية من حكمة أن يتجنب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، رغم استفزازات الأخيرة لدمشق أكثر من مرة من جانب، وتحريض إيران له من جانب آخر. لكن هذا الصمت السوري كان مثيراً للقلق لإسرائيل أكثر من أي شء آخر، فكانت تل أبيب تتخوف دوماً من أن تقوم سوريا بشن عملية عسكرية مفاجئة ضدها على غرار حرب 1973، لكن هذا القلق الصهيوني تعاظم بشدة مع دخول إيران حلبة الصراع العربي-الإسرائيلي عبر البوابة السورية، ومنذ ذلك الحين تسعى إسرائيل وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية لفك الارتباط بين دمشق وطهران؛ ولعلهما قد نجحا في ذلك إلى حد ما، إذ هناك مؤشرات ظهرت على الساحة مؤخراً تقول أن شهر العسل بين دمشق وطهران أوشك على الانتهاء، ويمكننا رصد مظاهر هذا التغيير من خلال النقاط التالية:

* احتدام الصراع الخفي بين دمشق وطهران لفرض السيطرة والهيمنة على الأوضاع داخل العراق، ومنافسة كل طرف الآخر على تقوية التيارات والأحزاب العراقية المتحالفة مع كل منهما، خاصة في ظل عجز الأحزاب العراقية حتى الآن عن تشكيل حكومة إئتلافية.

فسوريا تسعى إلى دعم وتقوية شوكة السنة والأكراد والشيعة العلمانيين بهدف تشكيل متراس أمام القوى الشيعية الموالية لإيران . في المقابل تخطط إيران إلى تشكيل حكومة شيعية دينية في العراق يكون ولائها الأول والأخير لطهران.

فالطريق المسدود الذي آل إليه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ، يُنذر بتعاظم التوتر والغضب المتبادل بين الرئيس الأسد والقيادات الشيعية في طهران. وربما أن حالة الغضب والامتعاض التي يشعر بها الرئيس بشار حالياً تجاه إيران هو الذي جعله يطلق بعض التصريحات ويبذل جهود من أجل استئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني .

ولعل السبب وراء الخلاف بين دمشق وطهران يرجع إلى رغبة كل منهما أن تكون له اليد العليا في العراق، بعد الفراغ المتوقع الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من العراق. فالمكاسب التي سيجنيها كل طرف من وراء سيطرته على العراق إلى جانب التحالف السياسي والعسكري ، سيستطيع كل طرف التحكم في أسعار البترول ومصادر الطاقة، إلى جانب ضمان مستقبل الطوائف المقربة لكل طرف. وهنا سيختل أول مبدأ في العلاقات بين سوريا وإيران، وهو أن كل طرف كان يعتبر الطرف الآخر ثقل موازن للعراق ووسيلة ضغط ضد النظام العراقي السابق، وأن تحالفهما معاً وتوافق مصالحهما ضد العراق يحقق لهما أهدافهما المشتركة، وهو الأمر الذي تغير مع الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، وبعد ما آلت له العراق الآن، ظهر الصراع بين سوريا وإيران بعد أن احتلفت مصالحهما وتباينت توجهاتهما، على النحو الذي أوضحناه سالفاً.

* من بين مظاهر فك الارتباط السوري-الإيراني، عودة سوريا مرة أخرى للدول العربية وتحسن العلاقات الملحوظ بينها وبين كل من المملكة العربية السعودية ومصر، والذي كان له انعكاساته على تحسن العلاقات بين دمشق وبيروت. ولعل التعاون السوري السعودي الحالي على الساحة العراقية لدعم الأحزاب السنية في مقابل الأحزاب الشيعية المدعومة إيرانياً لخير دليل على زعزعة التحالف السوري الإيراني. وهنا يختل ثان مبدأ في التحالف السوري الإيراني، وهو تواصل سوريا مع شقيقاتها العربيات، الأمر الذي لا تحبذه طهران، التي تريد الاستفراد بسوريا باعتبارها جسرها للمد الشيعي في الدول العربية السنية، وأيضاً للتواصل مع الشيعة في لبنان.وعلى عكس ما ذكرناه سابقاً فكلما عادت سوريا لمحيطها العربي، كلما ابتعدت عن العباءة الإيرانية.

* إعادة استئناف مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل، حيث شهدت الآونة الأخيرة إتجاه يسير نحو إمكانية استئناف تلك المفاوضات، حيث كانت طهران تبدي دوماً تحفظاً عليها، لأنها كانت تدرك أن استئناف المفاوضات مع إسرائيل معناه فك الارتباط بينها وبين سوريا، وهو فى ذات الوقت ما تشترطه إسرائيل لاستئناف المفاوضات مع سوريا. وقد تبادلت مؤخراً كل من دمشق وتل أبيب الرسائل عبر وسيط أمريكي استعداداً لاستئناف هذه المفاوضات . فطبقاً لما رددته وسائل الإعلام العبرية فقد قامت تل أبيب بنقل رسالة سرية للرئيس السوري بشار الأسد عبر السيناتور الأمريكي أرلين سبكتور والذي قام بزيارة دمشق بناء على دعوة من الرئيس السوري لإعادة فتح قناة التفاوض مع إسرائيل، حسبما زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية. والتى قالت أن الدعوة السورية فى حد ذاتها للسيناتور الأمريكي تشير إلى حدوث تغيير فى الموقف السوري حيال إسرائيل، مضيفة أن الرسالة الإسرائيلية للرئيس بشار حملت مناشدته بممارسة الضغوط على حماس من أجل إطلاق سراح الجندي الصهيوني السير لديها، جلعاد شاليط، واعتبار ذلك بادرة حسن نية لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل.

وهناك عدة عوامل تسهم حالياً في استئناف عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية مجدداً عقب تجميدها نهائياً إبان العدوان الصهيوني على قطاع غزة في أواخر عام 2008، والتي يمكننا إجمالها في النقاط التالية :

- جمود المسار الفلسطيني، وعدم التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين نتيجة لتهرب تل أبيب من تنفيذ التزامتها، وبسبب الانقسام الفلسطيني. فقد كان دوما المسار السوري فى التفاوض مع إسرائيل، بديلاً للمسار الفلسطيني، والعكس صحيح.

- تمسك سوريا بجعل تركيا الوسيط الوحيد بينها وبين إسرائيل، وفى المقابل إعلان الرئيس السوري تأييده للجهود التي تبذل لتحسين العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، مشيراً إلى محاولات الوساطة التي بذلتها تركيا قبل أحداث أسطول الحرية، وقتل إسرئيل لعدد من النشطاء الأتراك. على ضوء ذلك فمن المتوقع أن تبدأ المفاوضات السورية-الإسرائيلية فور تحسن العلاقات بين أنقرا وتل أبيب، بعد أزمة أسطول الحرية.

- العقوبات الاقتصادية المشددة التي فُرضت على طهران بسبب برنامجها النووي، مقابل تحسن العلاقات النسبي بين دمشق وواشنطن. فسوريا لن يمكنها تحمل المزيد من العزلة الدولية وما تحمله من تداعيات اقتصادية خطيرة، بعد تشديد العقوبات على إيران باعتبارها أكبر شريك اقتصادي لها. وهنا يختل أهم مبدأ في العلاقات بين سوريا وإيران، وهو مبدأ التعاون الاقتصادي. لذا فسيكون استئناف المفاوضات مع إسرائيل، بوابة سوريا لفتح صفحة جديدة مع العالم بعد أن تقوم بطي صفحتها مع إيران، وستكون نهاية محور الشر الذي اختلقته الإدارة الأمريكية السابقة، لتبرير عدوانها على الدول العربية والإسلامية.

عموماً، فإن تداعيات فك الارتباط بين سوريا وإيران ستسهم وبشكل فعَّال -فى حال حدوثة -فى إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية مجدداً بمنطقة الشرق الأوسط، وربما نشهد فى مقابله تقارباً فى العلاقات بين دمشق وتل أبيب، ويكون العقد الجديد من رئاسة، بشار الأسد، مختلفاً عن العقد الماضي من حكمه الذي شهد كثير من الألغام والقنابل الموقوتة.

· كاتب مصري وخبير فى الشئون الإسرائيلية.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=7308&Itemid=1275